ما بال أنفاس النسيم إذا سرت
ما بال أنفاس النسيم إذا سرت / سحراً على ميتٍ الصبابة انشرت
ما ذاك إلا أنها مرت / على رند الحجاز وبانه فتعطرت
حملت إلى المشتاق منه رسالةً / عن عرف من تهوى بصدق اخبرت
نفت الأسى عنه فيالك نفحة / دأرت ثقيل الخطب عنه وما درت
واهاً لأيام يفوق نهارها / ليلاتها اللاتي بحيي أقمرت
قضيتها بحمى تهامة آمنا / تهم العواذل عارفاً ما أنكرت
ولّت على عجل فكم قلب سها / بوداع جيرتها وكم عين جرت
لو أنها ردت عليّ لأبرأت / جسدا باسقام الفراق له برت
أالاء في شغفى بمن شرفي بها / جبرت بعطف أم بحتف أخبرت
أوبي جناح إن سمحت بعبرة / عما تضمنت الحوانح عبّرت
وإذا القلوب أتت بصدق لم تبل / بمقال واشٍ أظهرت أو اضمرت
يا سائق البكرات ما حنّت إلى / تحصيل بكر المجد إلا بكرت
تعتاض في طلب العلى عن ريفها / بمهامه أغبرت وبيدٍ أقفرت
تتجشم الأهوال لو لا نُور من / جعلته غاية قصدها لتخيّزت
تهوى إلى الحرم الشريف ركابها / عند الصباح هوى ربد نفرت
إما حللت بذلك المغنى الذي / فيه عيون المكرمات تفجرت
فقل السلام عليك يا حرم الهدى / من مهجة بك أفلحت وتبصرت
يا منزلاً عكفت به غرر النهى / وبقدس ساكنه القلوب تطهرت
هل لي بحضرتك العزيزة وقفةً / تحيي الذي بالبعد مني اقبرت
أحرزت غاية كل مجد كامل / وزكت أصول الفضل فيك وأثمرت
بمكرم شهد الملائك فضله / هذا وطنة آدم ما صورت
وتكور الشمس المنيرة جهرةً / وشموس شرعة دينه ما كُورت
وهو الذي ينشق عنه ضريحة / وقبور سكان الثرى ما بعثرت
وهو المشفع يوم محتبس الورى / وإذا الجحيم على بنيها سعرت
هو أحمد الآتي بخير شريعة / بيضاء عن وجه الهداية أسفرت
عبدا تخيره المهيمن مرسلاً / بشراً بطلعته السماء استبشرت
تالله لو أن الوجوه بأسرها / نظرت بإيمان إليه أبصرت
لكنه من ذي المعارج رحمة / عظمى لأمته الكرام تيسرت
رأت اليهود صفاته ثم امتروا / فيه وأمته رأته فما امترت
عين رأته وما اهتدت لرشادها / لبياض سنة وجهه ما أبصرت
ومحاجر اكتحلت بنور وذاده / قرت بنيل مرادها وتظفرت
يا من ظلال المكرمات به صفت / وصفت مشارب بالضلال تكدرت
وبنور بهجته انجلى غسق الهوى / وبه السحائب في الجدائب أمطرت
والماء أصبح من أصابع كفه / يهمى فأوردت الظلماء وأصدرت
وله لواء الحمد والحوض الروى / وله المقام ومعجزات أغزرت
عطفاً على نفس إلى خلاقها / بك في الخطوب توجهت واستنصرت
ليست تشك بأن مدحك قربة / بسناه أوزان القريض تنورت
ولقد درت وتيقنت أن لو بغت / حصراً لبعض الفصل فيك لقصرت
لكنها لعظيم جاهك ترتجى / في حالتيها أقبلت أو أدبرت
فكن الشفيع لها لتنجيها / إذا علمت غداة معادها ما أحضرت
فلأنت من أقسامها العظمى إذا / ما نابها قتر وأما اقترت
فجزيت أفضل ما يُجازى مرسل / عن أمة رشدت به وتبررت
حيت جنابك نفحة قدسية / في كل يوم أين حلت عطرت
ونمت به من ذي العلا بركاته / وزكت به صلواته وتكررت