القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أبو إسحاق الإلبيري الكل
المجموع : 3
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا
تَفُتُّ فُؤادَكَ الأَيّامُ فَتّا / وَتَنحِتُ جِسمَكَ الساعاتُ نَحتا
وَتَدعوكَ المَنونُ دُعاءَ صِدقٍ / أَلا يا صاحِ أَنتَ أُريدُ أَنتا
أَراكَ تُحِبُّ عِرساً ذاتَ غَدرٍ / أَبَتَّ طَلاقَها الأَكياسُ بَتّا
تَنامُ الدَهرَ وَيحَكَ في غَطيطٍ / بِها حَتّى إِذا مِتَّ اِنتَبَهنا
فَكَم ذا أَنتَ مَخدوعٌ وَحَتّى / مَتى لا تَرعَوي عَنها وَحَتّى
أَبا بَكرٍ دَعَوتُكَ لَو أَجَبتا / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
إِلى عِلمٍ تَكونُ بِهِ إِماماً / مُطاعاً إِن نَهَيتَ وَإِن أَمَرتا
وَتَجلو ما بِعَينِكَ مِن عَشاها / وَتَهديكَ السَبيلَ إِذا ضَلَلتا
وَتَحمِلُ مِنهُ في ناديكَ تاجاً / وَيَكسوكَ الجَمالَ إِذا اِغتَرَبتا
يَنالُكَ نَفعُهُ مادُمتَ حَيّاً / وَيَبقى ذُخرُهُ لَكَ إِن ذَهَبتا
هُوَ العَضبُ المُهَنَّدُ لَيسَ يَنبو / تُصيبُ بِهِ مَقاتِلَ ضَرَبتا
وَكَنزاً لا تَخافُ عَلَيهِ لِصّاً / خَفيفَ الحَملِ يوجَدُ حَيثُ كُنتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
يَزيدُ بِكَثرَةِ الإِنفاقِ مِنهُ / وَينقُصُ أَن بِهِ كَفّاً شَدَدتا
فَلَو قَد ذُقتَ مِن حَلواهُ طَعماً / لَآثَرتَ التَعَلُّمَ وَاِجتَهَدتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا أَلهاكَ عَنهُ أَنيقُ رَوضٍ / وَلا خِدرٌ بِرَبرَبِهِ كَلِفتا
فَقوتُ الروحِ أَرواحُ المَعاني / وَلَيسَ بِأَن طَعِمتَ وَأِن شَرِبتا
فَواظِبهُ وَخُذ بِالجِدِّ فيهِ / فَإِن أَعطاكَهُ اللَهُ أَخَذتا
وَإِن أوتيتَ فيهِ طَويلَ باعٍ / وَقالَ الناسُ إِنَّكَ قَد سَبَقتا
فَلا تَأمَن سُؤالَ اللَهِ عَنهُ / بِتَوبيخٍ عَلِمتَ فَهَل عَمِلتا
فَرَأسُ العِلمِ تَقوى اللَهِ حَقّاً / وَلَيسَ بِأَن يُقال لَقَد رَأَستا
وَضافي ثَوبِكَ الإِحسانُ لا أَن / تُرى ثَوبَ الإِساءَةِ قَد لَبِستا
إِذا ما لَم يُفِدكَ العِلمُ خَيراً / فَخَيرٌ مِنهُ أَن لَو قَد جَهِلتا
وَإِن أَلقاكَ فَهمُكَ في مَهاوٍ / فَلَيتَكَ ثُمَّ لَيتَكَ ما فَهِمتا
سَتَجني مِن ثِمارِ العَجزِ جَهلاً / وَتَصغُرُ في العُيونِ إِذا كَبُرتا
وَتُفقَدُ إِن جَهِلتَ وَأَنتَ باقٍ / وَتوجَدُ إِن عَلِمتَ وَقَد فُقِدتا
وَتَذكُرُ قَولَتي لَكَ بَعدَ حينٍ / وَتَغبِطُها إِذا عَنها شُغِلتا
لَسَوفَ تَعَضُّ مِن نَدَمٍ عَلَيها / وَما تُغني النَدامَةُ إِن نَدِمتا
إِذا أَبصَرتَ صَحبَكَ في سَماءٍ / قَد اِرتَفَعوا عَلَيكَ وَقَد سَفَلتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا تَحفِل بِمالِكَ وَاِلهُ عَنهُ / فَلَيسَ المالُ إِلّا ما عَلِمتا
وَلَيسَ لِجاهِلٍ في الناسِ مَعنىً / وَلَو مُلكُ العِراقِ لَهُ تَأَتّى
سَيَنطِقُ عَنكَ عِلمُكَ في نَدِيٍّ / وَيُكتَبُ عَنكَ يَوماً إِن كَتَبتا
وَما يُغنيكَ تَشيِيدُ المَباني / إِذا بِالجَهلِ نَفسَكَ قَد هَدَمتا
جَعَلتَ المالَ فَوقَ العِلمِ جَهلاً / لَعَمرُكَ في القَضيَّةِ ماعَدَلتا
وَبَينَهُما بِنَصِّ الوَحيِ بَونٌ / سَتَعلَمُهُ إِذا طَهَ قَرَأتا
لَئِن رَفَعَ الغَنيُّ لِواءَ مالٍ / لَأَنتَ لِواءَ عِلمِكَ قَد رَفَعتا
وَإِن جَلَسَ الغَنيُّ عَلى الحَشايا / لَأَنتَ عَلى الكَواكِبِ قَد جَلَستا
وَإِن رَكِبَ الجِيادَ مُسَوَّماتٍ / لَأَنتَ مَناهِجَ التَقوى رَكِبتا
وَمَهما اِفتَضَّ أَبكارَ الغَواني / فَكَم بِكرٍ مِنَ الحِكَمِ اِفتَضَضتا
وَلَيسَ يَضُرُّكَ الإِقتارُ شَيئاً / إِذا ما أَنتَ رَبَّكَ قَد عَرَفتا
فَما عِندَهُ لَكَ مِن جَميلٍ / إِذا بِفِناءِ طاعَتِهِ أَنَختا
فَقابِل بِالقَبولِ صَحيحَ نُصحي / فَإِن أَعرَضتَ عَنهُ فَقَد خَسِرتا
وَإِن راعَيتَهُ قَولاً وَفِعلاً / وَتاجَرتَ الإِلَهَ بِهِ رَبِحتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَغايَتُها إِذا فَكَرَّت فيها / كَفَيئِكَ أَو كَحُلمِكَ إِن حَلَمتا
سُجِنتَ بِها وَأَنتَ لَها مُحِبٌّ / فَكَيفَ تُحِبُّ ما فيهِ سُجِنتا
وَتُطعِمُكَ الطَعامَ وَعَن قَريبٍ / سَتَطعَمُ مِنكَ ما مِنها طَعِمتا
وَتَعرى إِن لَبِستَ لَها ثِياباً / وَتُكسى إِن مَلابِسَها خَلَعتا
وَتَشهَدُ كُلَّ يَومٍ دَفنَ خِلٍّ / كَأَنَّكَ لا تُرادُ بِما شَهِدتا
وَلَم تُخلَق لِتَعمُرها وَلَكِن / لِتَعبُرَها فَجِدَّ لِما خُلِقتا
وَإِن هُدِمَت فَزِدها أَنتَ هَدماً / وَحَصِّن أَمرَ دينِكَ ما اِستَطَعتا
وَلا تَحزَن عَلى ما فاتَ مِنها / إِذا ما أَنتَ في أُخراكَ فُزتا
فَلَيسَ بِنافِعٍ ما نِلتَ فيها / مِنَ الفاني إِذا الباقي حُرِمتا
وَلا تَضحَك مَعَ السُفَهاءِ لَهواً / فَإِنَّكَ سَوفَ تَبكي إِن ضَحِكتا
وَكَيفَ لَكَ السُرورُ وَأَنتَ رَهنٌ / وَلا تَدري أَتُفدى أَم غَلِقتا
وَسَل مِن رَبِّكَ التَوفيقَ فيها / وَأَخلِص في السُؤالِ إِذا سَأَلتا
وَنادِ إِذا سَجَدتَ لَهُ اِعتِرافاً / بِما ناداهُ ذو النونِ بنُ مَتّى
وَلازِم بابَهُ قَرعاً عَساهُ / سَيفتَحُ بابَهُ لَكَ إِن قَرَعتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلا تَقُل الصِبا فيهِ مَجالٌ / وَفَكِّر كَم صَغيرٍ قَد دَفَنتا
وَقُل لي يا نَصيحُ لَأَنتَ أَولى / بِنُصحِكَ لَو بِعَقلِكَ قَد نَظَرتا
تُقَطِّعُني عَلى التَفريطِ لَوماً / وَبِالتَفريطِ دَهرَكَ قَد قَطَعتا
وَفي صِغَري تُخَوِّفُني المَنايا / وَما تَجري بِبالِكَ حينَ شِختا
وَكُنتَ مَعَ الصِبا أَهدى سَبيلاً / فَما لَكَ بَعدَ شَيبِكَ قَد نُكِستا
وَها أَنا لَم أَخُض بَحرَ الخَطايا / كَما قَد خُضتَهُ حَتّى غَرِقتا
وَلَم أَشرَب حُمَيّاً أُمِّ دَفرٍ / وَأَنتَ شَرِبتَها حَتّى سَكِرتا
وَلَم أَحلُل بِوادٍ فيهِ ظُلمٌ / وَأَنتَ حَلَلتَ فيهِ وَاِنهَمَلتا
وَلَم أَنشَأ بِعَصرٍ فيهِ نَفعٌ / وَأَنتَ نَشَأتَ فيهِ وَما اِنتَفَعتا
وَقَد صاحَبتَ أَعلاماً كِباراً / وَلَم أَرَكَ اِقتَدَيتَ بِمَن صَحِبتا
وَناداكَ الكِتابُ فَلَم تُجِبهُ / وَنَهنَهَكَ المَشيبُ فَما اِنتَبَهتا
لَيَقبُحُ بِالفَتى فِعلُ التَصابي / وَأَقبَحُ مِنهُ شَيخٌ قَد تَفَتّى
فَأَنتَ أَحَقُّ بِالتَفنيدِ مِنّي / وَلو سَكَتَ المُسيءُ لَما نَطَقتا
وَنَفسَكَ ذُمَّ لا تَذمُم سِواها / بِعَيبٍ فَهِيَ أَجدَرُ مَن ذَمَمتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَمَن لَكَ بِالأَمانِ وَأَنتَ عَبدٌ / أُمِرتَ فَما اِئتَمَرتَ وَلا أَطَعتا
ثَقُلتَ مِنَ الذُنوبِ وَلَستَ تَخشى / لِجَهلِكَ أَن تَخِفَّ إِذا وُزِنتا
وَتُشفِقُ لِلمُصِرِّ عَلى المَعاصي / وَتَرحَمُهُ وَنَفسَكَ ما رَحِمتا
رَجَعتَ القَهقَرى وَخَبَطتَ عَشوا / لَعَمرُكَ لَو وَصَلتَ لَما رَجَعتا
وَلَو وافَيتَ رَبَّكَ دونَ ذَنبٍ / وَناقَشَكَ الحِسابَ إِذاً هَلَكتا
وَلَم يَظلُمكَ في عَمَلٍ وَلَكِن / عَسيرٌ أَن تَقومَ بِما حَمَلتا
وَلَو قَد جِئتَ يَومَ الفَصلِ فَرداً / وَأَبصَرتَ المَنازِلَ فيهِ شَتّى
لَأَعظَمتَ النَدامَةَ فيهِ لَهَفاً / عَلى ما في حَياتِكَ قَد أَضَعتا
تَفِرُّ مِنَ الهَجيرِ وَتَتَّقيهِ / فَهَلّا عَن جَهَنَّمَ قَد فَرَرتا
وَلَستَ تُطيقُ أَهوَنَها عَذاباً / وَلَو كُنتَ الحَديدَ بِها لَذُبتا
فَلا تُكذَب فَإِنَّ الأَمرَ جِدٌّ / وَلَيسَ كَما اِحتَسَبتَ وَلا ظَنَنتا
أَبا بَكرٍ كَشَفتَ أَقَلَّ عَيبي / وَأَكثَرَهُ وَمُعظَمَهُ سَتَرتا
فَقُل ما شِئتَ فيَّ مِنَ المَخازي / وَضاعِفها فَإِنَّكَ قَد صَدَقتا
وَمَهما عِبتَني فَلِفَرطِ عِلمي / بِباطِنَتي كَأَنَّكَ قَد مَدَحتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَتَهوي بِالوَجيهِ مِنَ الثُرَيّا / وَتُبدِلُهُ مَكانَ الفَوقِ تَحتا
كَما الطاعاتُ تَنعَلُكَ الدَراري / وَتَجعَلُكَ القَريبَ وَإِن بَعُدتا
وَتَنشُرُ عَنكَ في الدُنيا جَميلاً / فَتُلفى البَرَّ فيها حَيثُ كُنتا
وَتَمشي في مَناكِبَها كَريماً / وَتَجني الحَمدَ مِمّا قَد غَرَستا
وَأَنتَ الآن لَم تُعرَف بِعابٍ / وَلا دَنَّستَ ثَوبَكَ مُذ نَشَأتا
وَلا سابَقتَ في ميدانِ زورٍ / وَلا أَوضَعتَ فيهِ وَلا خَبَبتا
فَإِن لَم تَنأَ عَنهُ نَشِبتَ فيهِ / وَمَن لَكَ بِالخَلاصِ إِذا نَشِبتا
وَدَنَّسَ ما تَطَهَّرَ مِنكَ حَتّى / كأَنَّكَ قَبلَ ذَلِكَ ما طَهُرتا
وَصِرتَ أَسيرَ ذَنبِكَ في وَثاقٍ / وَكَيفَ لَكَ الفُكاكُ وَقَد أُسِرتا
وَخَف أَبناء جِنسِكَ وَاِخشَ مِنهُم / كَما تَخشى الضَراغِمَ وَالسَبَنتى
وَخالِطهُم وَزايلهُم حِذاراً / وَكُن كالسامِريَّ إِذا لَمِستا
وَإِن جَهِلوا عَلَيكَ فَقُل سَلاماً / لَعَلَّكَ سَوفَ تَسلَمُ إِن فَعَلتا
وَمَن لَكَ بِالسَلامَةِ في زَمانٍ / يَنالُ العُصمَ إِلّا إِن عُصِمتا
وَلا تَلَبَث بِحَيٍّ فيهِ ضَيمٌ / يُميتُ القَلبَ إِلا إِن كُبِّلتا
فَكَم ذا أَنتَ وَحَتّى / إِلى ما فيهِ حَظُّكَ إِن عَقَلتا
وَلَو فَوقَ الأَميرِ تَكونُ فيها / سُمُوّاً وَاِفتِخاراً كُنتَ أَنتا
وَإِن فَرَّقتَها وَخَرَجتَ مِنها / إِلى دارِ السَلامِ فَقدَ سَلِمتا
وَإِن كَرَّمتَها وَنَظَرتَ مِنها / بِإِجلالٍ فَنَفسَكَ قَد أَهَنتا
جَمَعتُ لَكَ النَصائِحَ فَاِمتَثِلها / حَياتَكَ فَهِيَ أَفضَلُ ما اِمتَثَلتا
وَطَوَّلتُ العِتابَ وَزِدتُ فيهِ / لِأَنَّكَ في البَطالَةِ قَد أَطَلتا
فَلا تَأخُذ بِتَقصيري وَسَهوي / وَخُذ بِوَصِيَّتي لَكَ إِن رَشَدتا
وَقَد أَردَفتُها سِتّاً حِساناً / وَكانَت قَبلَ ذا مِئَةً وَسِتّا
كَأَنّي بِنَفسي وَهيَ في السَكَراتِ
كَأَنّي بِنَفسي وَهيَ في السَكَراتِ / تُعالِجُ أَن تَرقى إِلى اللَهَواتِ
وَقَد زُمَّ رَحلي وَاِستَقَلَّت رَكائِبي / وَقَد آذَنَتني بِالرَحيلِ حُداتي
إِلى مَنزِلٍ فيهِ عَذابٌ وَرَحمَةٌ / وَكَم فيهِ مِن زَجرٍ لَنا وَعِظاتِ
وَمِن أَعيُنٍ سالَت عَلى وَجَناتِها / وَمِن أَوجُهٍ في التُربِ مُنعَفِراتِ
وَمِن وارِدٍ فيهِ عَلى ما يَسُرُّهُ / وَمِن وارِدٍ فيهِ عَلى الحَسَراتِ
وَمِن عاثِرٍ ما إِن يُقالُ لَهُ لَعاً / عَلى ما عَهِدنا قَبلُ في العَثَراتِ
وَمِن مَلِكٍ كانَ السُرورُ مِهادَهُ / مَعَ الآنِساتِ الخُرَّدِ الخَفِراتِ
غَداً لا يَذودُ الدودَ عَن حُرِّ وَجهِهِ / وَكانَ يَذودُ الأُسدَ في الأَجَماتِ
وَعُوِّضَ أُنساً مِن ظِباءِ كِناسِهِ / وَأَرآمِهِ بِالرُقشِ وَالحَشَراتِ
وَصارَ بِبَطنِ الأَرضِ يَلتَحِفُ الثَرى / وَكانَ يَجُرُّ الوَشيَ وَالحَبَراتِ
وَلَم تُغنِهِ أَنصارُهُ وَجُنودُهُ / وَلَم تَحمِهِ بِالبيضِ وَالأَسَلاتِ
وَمِمّا شَجاني وَالشُجونُ كَثيرَةٌ / ذُنوبٌ عِظامٌ أَسبَلَت عَبَراتي
وَأَقلَقَني أَنّي أَموتُ مُفَرِّطاً / عَلى أَنَّني خَلَّفتُ بَعدُ لِداتي
وَأَغفَلتُ أَمري بَعدَهُم مُتَثَبِّطاً / فَيا عَجَباً مِنّي وَمِن غَفَلاتي
إِلى اللَهِ أَشكو جَهلَ نَفسي فَإِنَّها / تَميلُ إِلى الراحاتِ وَالشَهَواتِ
وَيا رُبَّ خِلٍّ كُنتُ ذا صِلَةٍ لَهُ / يَرى أَنَّ دَفني مِن أَجَلِّ صِلاتي
وَكُنتُ لَهُ أُنساً وَشَمساً مُنيرَةً / فَأَفرَدَني في وَحشَةِ الظُلُماتِ
سَأَضرِبُ فُسطاطي عَلى عَسكَرِ البِلى / وَأَركُزُ فيهِ لِلنُزولِ قَناتي
وَأَركَبُ ظَهراً لا يَؤوبُ بِراكِبٍ / وَلا يُمتَطى إِلّا إِلى الهَلَكاتِ
وَلَيسَ يُرى إِلّا بِساحَةِ ظاعِنٍ / إِلى مَصرَعِ الفَرحاتِ وَالتَرَحاتِ
يُسَيِّرُ أَدنى الناسِ سَيراً كَسَيرِهِ / بِأَرفَعِ مَنعِيٍّ مِنَ السَرَواتِ
فَطَوراً تَراهُ يَحمِلُ الشُمَّ وَالرُبا / وَطَوراً تَراهُ يَحمِلُ الحَصَياتِ
وَرُبَّ حَصاةٍ قَدرُها فَوقَ يَذبُلٍ / كَمَقبولِ ما يُرمى مِنَ الجَمَراتِ
وَكُلُّ صَغيرٍ كانَ لِلّهِ خالِصاً / يُرَبّي عَلى ما جاءَ في الصَدَقاتِ
وَكُلُّ كَبيرٍ لا يَكونُ لِوَجهِهِ / فَمِثلُ رَمادٍ طارَ في الهَبَواتِ
وَلَكِنَّهُ يُرجى لِمَن ماتَ مُحسِناً / وَيُخشى عَلى مَن ماتَ في غَمَراتِ
وَما اليَومَ يُمتازُ التَفاضُلُ بَينَهُم / وَلَكِن غَداً يُمتازُ في الدَرَجاتِ
إِذا رُوِّعَ الخاطي وَطارَ فُؤادُهُ / وَأُفرِخَ رَوعُ البَرِّ في الغُرُفاتِ
وَما يَعرِفُ الإِنسانُ أَينَ وَفاتُهُ / أَفي البَرِّ أَم في البَحرِ أَم بِفَلاةِ
فَيا إِخوَتي مَهما شَهِدتُم جَنازَتي / فَقوموا لِرَبّي وَاِسأَلوهُ نَجاتي
وَجِدّوا اِبتِهالاً في الدُعاءِ وَأَخلِصوا / لَعَلَّ إِلَهي يَقبَلُ الدَعَواتِ
وَقولوا جَميلاً إِن عَلِمتُم خِلافَهُ / وَأَغضوا عَلى ما كانَ مِن هَفَواتي
وَلا تَصِفوني بِالَّذي أَنا أَهلُهُ / فَأَشقى وَحَلّوني بِخَيرِ صِفاتِ
وَلا تَتَناسَوني فَقِدماً ذَكَرتُكُم / وَواصَلتُكُم بِالبِرِّ طولَ حَياتي
وَبِالرَغمِ فارَقتُ الأَحِبَّةَ مِنكُمُ / وَلَمّا تُفارِقني بِكُم زَفَراتي
وَإِن كُنتُ مَيتاً بَينَ أَيديكُمُ لَقىً / فَروحِيَ حَيٌّ سامِعٌ لِنُعاتي
أُناجيكُمُ وَحياً وَإِن كُنتُ صامِتاً / أَلا كُلُّكُم يَوماً إِلَيَّ سَياتي
وَلَيسَ يَقومُ الجِسمُ إِلّا بِروحِهِ / هُوَ القُطبُ وَالأَعضاءُ كَالأَدَواتِ
وَلا بُدَّ يَوماً أَن يَحورَ بِعَينِهِ / لِيُجزى عَلى الطاعاتِ وَالتَبِعاتِ
وَإِلّا أَكُن أَهلاً لِفَضلٍ وَرَحمَةٍ / فَرَبِّيَ أَهلُ الفَضلِ وَالرَحَماتِ
فَما زِلتُ أَرجو عَفوَهُ وَجِنانَهُ / وَأَحمَدُهُ في اليُسرِ وَالأَزَماتِ
وَأَسجُدُ تَعظيماً لَهُ وَتَذَلُّلاً / وَأَعبُدُهُ في الجَهرِ وَالخَلَواتِ
وَلَستُ بِمُمتَنٍّ عَلَيهِ بِطاعَتي / لَهُ المَنُّ في التَيسيرِ لِلحَسَناتِ
قالوا أَلا تَستَجِدُّ بَيتاً
قالوا أَلا تَستَجِدُّ بَيتاً / تَعجَبُ مِن حُسنِهِ البُيوت
فَقُلتُ ما ذَلِكُم صَوابٌ / حَفشٌ كَثيرٌ لِمَن يَموت
لَولا شِتاءٌ وَلَفحُ قَيظٍ / وَخَوفُ لِصٍّ وَحِفظُ قَوت
وَنِسوَةٌ يَبتَغينَ سِتراً / بَنَيتُ بُنيانَ عَنكَبوت
وَأَيُّ مَعنى لِحُسنِ مَغنى / لَيسَ لِأَربابِهِ ثُبوت
ما أَوعَظَ القَبرَ لَو قَبِلنا / مَوعِظَةَ الناطِقِ الصَموت
يوحي إِلى مُمتَطي الحَشايا / مالَكَ مِن مَضجَعي عَميت
نَسيتَ يَومي وَطولَ نَومي / وَسَوفَ تُنسى كَما نَسيت
وَشِدتَ يا هادِمي قُصوراً / نَعِمتَ فيهِنَّ كَيفَ شَيت
مُعتَنِقاً لِلحِسانِ فيها / مُستَنشِقاً مِسكَها الفَتيت
تَسحَبُ ذَيلَ الصَبا وَتَلهو / بِآنِساتٍ يَقُلنَ هيت
فَاِذكُر مِهادي إِلى التَنادي / وَاِمهَد لَهُ قَبلَ أَن يَفوت
فَعَن قَريبٍ تَكونُ طُعمي / سَخِطتَ يا صاحِ أَم رَضيت

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025