المجموع : 8
فيكِ السَعيدانِ اللَذانِ تَبارَيا
فيكِ السَعيدانِ اللَذانِ تَبارَيا / يا مِصرُ في الخَيراتِ وَالبَرَكاتِ
نيلٌ يَفيضُ عَلى سُهولِكِ رَحمَةً / وَفَتىً يَقيكِ غَوائِلَ العَثَراتِ
عادَ الرَئيسُ فَرَحِّبي بِقُدومِهِ / وَتَهَلَّلي بِمُفَرِّجِ الأَزَماتِ
إِلَيكُنَّ يُهدي النيلُ أَلفَ تَحِيَّةٍ
إِلَيكُنَّ يُهدي النيلُ أَلفَ تَحِيَّةٍ / مُعَطَّرَةٍ في أَسطُرٍ عَطِراتِ
وَيُثني عَلى أَعمالِكُنَّ مُوَكِّلي / بِإِطراءِ أَهلِ البِرِّ وَالحَسَناتِ
أَقَمتُنَّ بِالأَمسِ الأَساسَ مُبارَكاً / وَجِئتُنَّ يَومَ الفَتحِ مُغتَبِطاتِ
صَنَعتُنَّ ما يُعيي الرِجالَ صَنيعُهُ / فَزِدتُنَّ في الخَيراتِ وَالبَرَكاتِ
يَقولونَ نِصفُ الناسِ في الشَرقِ عاطِلٌ / نِساءٌ قَضَينَ العُمرَ في الحُجُراتِ
وَهَذي بَناتُ النيلِ يَعمَلنَ لِلنُهى / وَيَغرِسنَ غَرساً دانِيَ الثَمَراتِ
وَفي السَنَّةِ السَوداءِ كُنتُنَّ قُدوَةً / لَنا حينَ سالَ المَوتُ بِالمُهُجاتِ
وَقَفتُنَّ في وَجهِ الخَميسِ مُدَجَّجاً / وَكُنتُنَّ بِالإيمانِ مُعتَصِماتِ
وَما هالَكُنَّ الرُمحُ وَالسَيفُ مُصلَتاً / وَلا المِدفَعُ الرَشّاشُ في الطُرُقاتِ
تَعَلَّمَ مِنكُنَّ الرِجالُ فَأَصبَحوا / عَلى غَمَراتِ المَوتِ أَهلَ ثَباتِ
صَفِيَّةُ قادَتكُنَّ لِلمَجدِ وَالعُلا / كَما كانَ سَعدٌ قائِدَ السَرَواتِ
عَرَفنا لَها في مَجدِ سَعدٍ نَصيبَها / مِنَ الحَزمِ وَالإِقدامِ في الأَزَماتِ
تُهَوِّنُ لِلشَيخِ الجَليلِ هُجومَهُ / عَلى الهَولِ بِالتَشجيعِ وَالبَسَماتِ
وَتَدفَعُهُ لِلمَوتِ وَالثَغرُ باسِمٌ / وَفي صَدرِها نَوءٌ مِنَ الزَفَراتِ
كَذا فَليَكُن صُنعُ الكَريمِ وَصَبرُهُ / عَلى دَهرِهِ وَالدَهرُ غَيرُ مُواتي
لِتَحيَ الغَواني في ظِلالِ مَليكَةٍ / سَمَت في مَعاليها عَلى المَلِكاتِ
وَظَلَّ فُؤادٌ مَفخَرَ الشَرقِ كُلِّهِ / كَثيرَ الأَيادي صادِقَ العَزَماتِ
يا كاتِبَ الشَرقِ وَيا خَيرَ مَن
يا كاتِبَ الشَرقِ وَيا خَيرَ مَن / تَتلو بَنو الشَرقِ مَقاماتِهِ
سافِر وَعُد يَحفَظكَ رَبُّ الوَرى / وَاِبعَث لَنا عيسى بِآياتِهِ
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي
رَجَعتُ لِنَفسي فَاِتَّهَمتُ حَصاتي / وَنادَيتُ قَومي فَاِحتَسَبتُ حَياتي
رَمَوني بِعُقمٍ في الشَبابِ وَلَيتَني / عَقِمتُ فَلَم أَجزَع لِقَولِ عُداتي
وَلَدتُ وَلَمّا لَم أَجِد لِعَرائِسي / رِجالاً وَأَكفاءً وَأَدتُ بَناتي
وَسِعتُ كِتابَ اللَهِ لَفظاً وَغايَةً / وَما ضِقتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ عَن وَصفِ آلَةٍ / وَتَنسيقِ أَسماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ / فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني / وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ فَإِنَّني / أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحينَ وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَربِ عِزّاً وَمَنعَةً / وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً / فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ / يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ يَوماً عَلِمتُمُ / بِما تَحتَهُ مِن عَثرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ الجَزيرَةِ أَعظُماً / يَعِزُّ عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في البِلى وَحَفِظتُهُ / لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ الغَربِ وَالشَرقُ مُطرِقٌ / حَياءً بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ بِالجَرائِدِ مَزلَقاً / مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسمَعُ لِلكُتّابِ في مِصرَ ضَجَّةً / فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا اللَهُ عَنهُمُ / إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ فيها كَما سَرى / لُعابُ الأَفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ سَبعينَ رُقعَةً / مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ وَالجَمعُ حافِلٌ / بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ المَيتَ في البِلى / وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا قِيامَةَ بَعدَهُ / مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ
أَحياؤُنا لا يُرزَقونَ بِدِرهَمٍ / وَبِأَلفِ أَلفٍ تُرزَقُ الأَمواتُ
مَن لي بِحَظِّ النائِمينَ بِحُفرَةٍ / قامَت عَلى أَحجارِها الصَلَواتُ
يَسعى الأَنامُ لَها وَيَجري حَولَها / بَحرُ النُذورِ وَتُقرَأُ الآياتُ
وَيُقالُ هَذا القُطبُ بابُ المُصطَفى / وَوَسيلَةٌ تُقضى بِها الحاجاتُ
لَيلايَ ما أَنا حَيٌّ
لَيلايَ ما أَنا حَيٌّ / يُرجى وَلا أَنا مَيتُ
لَم أَقضِ حَقَّ بِلادي / وَها أَنا قَد قَضَيتُ
شَفَيتُ نَفسي لَوَ اَنّي / لَمّا رُميتُ رَمَيتُ
بَيروتُ لَو أَنَّ خَصماً / مَشى إِلَيَّ مَشَيتُ
أَو داسَ أَرضَكِ باغٍ / لَدُستُهُ وَبَغَيتُ
أَو حَلَّ فيكِ عَدُوٌّ / مُنازِلٌ ما اِتَّقَيتُ
لَكِن رَماكِ جَبانٌ / لَو بانَ لي لَاَشتَفَيتُ
لَيلايَ لا تَحسَبيني / عَلى الحَياةِ بَكَيتُ
وَلا تَظُنّي شَكاتي / مِن مَصرَعي إِن شَكَوتُ
وَلا يُخيفَنكِ ذِكري / بَيروتَ أَنّي سَلَوتُ
بَيروتُ مَهدُ غَرامي / فيها وَفيكِ صَبَوتُ
جَرَرتُ ذَيلَ شَبابي / لَهواً وَفيها جَرَيتُ
فيها عَرَفتُكِ طِفلاً / وَمِن هَواكِ اِنتَشَيتُ
وَمِن عُيونِ رُباها / وَعَذبِ فيكِ اِرتَوَيتُ
فيها لِلَيلى كِناسٌ / وَلي مِنَ العِزِّ بَيتُ
فيها بَنى لِيَ مَجداً / أَوائِلي وَبَنَيتُ
لَيلى سِراجُ حَياتي / خَبا فَما فيهِ زَيتُ
قَد أَطفَأَتهُ كُراتٌ / ما مِن لَظاهُنَّ فَوتُ
رَمى بِهِنَّ بُغاةٌ / أَصَبنَني فَتَوَيتُ
لَو تُفتَدى بِحَياتي / مِنَ الرَدى لَفَدَيتُ
وَلَو وَقاكَ وَفِيٌّ / بِمُهجَةٍ لَوَقَيتُ
إِن عِشتَ أَو مِتَّ إِنّي / كَما نَوَيتَ نَوَيتُ
لَيلايَ عيشي وَقَرّي / إِذا الحِمامُ دَعاني
لَيلايَ ساعاتُ عُمري / مَعدودَةٌ بِالثَواني
فَكَفكِفي مِن دُموعٍ / تَفري حُشاشَةَ فاني
وَمَهِّدي لِيَ قَبراً / عَلى ذُرا لُبنانِ
ثُمَّ اِكتُبي فَوقَ لَوحٍ / لِكُلِّ قاصٍ وَداني
هُنا الَّذي ماتَ غَدراً / هُنا فَتى الفِتيانِ
رَمَتهُ أَيدي جُناةٍ / مِن جيرَةِ النيرانِ
قُرصانُ بَحرٍ تَوَلَّوا / مِن حَومَةِ المَيدانِ
لَم يَخرُجوا قَيدَ شِبرٍ / عَن مَسبَحِ الحيتانِ
وَلَم يُطيقوا ثَباتاً / في أَوجُهِ الفُرسانِ
فَشَمَّروا لِاِنتِقامٍ / مِن غافِلٍ في أَمانِ
وَسَوَّدوا وَجهَ روما / بِالكَيدِ لِلجيرانِ
تَبّاً لَهُم مِن بُغاثٍ / فَرّوا مِنَ العِقبانِ
لَو أَنَّهُم نازَلونا / في الشامِ يَومَ طِعانِ
رَأَوا طَرابُلسَ تَبدو / لَهُم بِكُلِّ مَكانِ
يا لَيتَني لَم أُعاجَل / بِالمَوتِ قَبلَ الأَوانِ
حَتّى أَرى الشَرقَ يَسمو / رَغمَ اِعتِداءِ الزَمانِ
وَيَستَرِدُّ جَلالاً / لَهُ وَرِفعَةَ شانِ
وَليَعلَمَ الغَربُ أَنّا / كَأُمَّةِ اليابانِ
لا نَرتَضي العَيشَ يَجري / في ذِلَّةٍ وَهَوانِ
أَراهُمُ أَنزَلونا / مَنازِلَ الحَيَوانِ
وَأَخرَجونا جَميعاً / عَن رُتبَةِ الإِنسانِ
وَسَوفَ تَقضي عَلَيهِمُ / طَبائِعُ العُمرانِ
فَيُصبِحُ الشَرقُ غَرباً / وَيَستَوي الخافِقانِ
لاهُمَّ جَدِّد قُوانا / لِخِدمَةِ الأَوطانِ
فَنَحنُ في كُلِّ صُقعٍ / نَشكو بِكُلِّ لِسانِ
يا قَومَ إِنجيلِ عيسى / وَأُمَّةَ القُرآنِ
لا تَقتُلوا الدَهرَ حِقداً / فَالمُلكُ لِلدَيّانِ
إِنّي أَرى مِن بَعيدٍ / جَماعَةً مُقبِلينا
لَعَلَّ فيهِم نَصيراً / لَعَلَّ فيهِم مُعينا
هَوِّن عَلَيكَ تَماسَك / إِنّي سَمِعتُ أَنينا
أَظُنُّ هَذا جَريحاً / يَشكو الأَسى أَو طَعينا
بِاللَهِ ماذا دَهاهُ / يا هَذِهِ خَبِّرينا
لَقَد دَهَتهُ المَنايا / مِن غارَةِ الخائِنينا
صَبّوا عَلَينا الرَزايا / لَم يَتَّقوا اللَهَ فينا
فَخَفِّفوا مِن أَذاهُ / إِن كُنتُمُ فاعِلينا
لا تَيأَسي وَتَجَلَّد / أَراكَ شَهماً رَكينا
أَبشِر فَإِنَّكَ ناجٍ / وَاِصبِر مَعَ الصابِرينا
أَوّاهُ إِنّي أَراهُ / بِالمَوتِ أَمسى رَهينا
جِراحُهُ بالِغاتٌ / تُعيي الطَبيبَ الفَطينا
وَعَن قَريبٍ سَيَقضي / غَضَّ الشَبابِ حَزينا
أُفٍّ لِقَومٍ جِياعٍ / قَد أَزعَجوا العالَمينا
قِراهُمُ أَينَ حَلّوا / ضَربٌ يَقُدُّ المُتونا
عَقّوا المُروءَةَ هَدّوا / مَفاخِرَ الأَوَّلينا
عاثوا فَساداً وَفَرّوا / يَستَعجِلونَ السَفينا
وَأَلبَسوا الغَربَ خِزياً / في قَرنِهِ العِشرينا
وَأَلجَموا كُلَّ داعٍ / وَأَحرَجوا المُصلِحينا
فَيا أُرُبَّةُ مَهلاً / أَينَ الَّذي تَدَّعينا
ماذا تُريدينَ مِنّا / وَالداءُ أَمسى دَفينا
أَينَ الحَضارَةُ إِنّا / بِعَيشِنا قَد رَضينا
لَم نُؤذِ في الدَهرِ جاراً / وَلَم نُخاتِل خَدينا
مَسَرَّةَ الشامِ إِنّا / إِخوانُكُم ما حَيينا
ثِقوا فَإِنّا وَثِقنا / بِكُم وَجِئنا قَطينا
إِنّا نَرى فيكَ عيسى / يَدعو إِلى الخَيرِ فينا
قَرَّبتَ بَينَ قُلوبٍ / قَد أَوشَكَت أَن تَبينا
فَأَنتَ فَخرُ النَصارى / وَصاحِبُ المُسلِمينا
رَأَيتُ يَأسَ طَبيبي / وَهَمسَهُ في فُؤادي
لا تَندُبيني فَإِنّي / أَقضي وَتَحيا بِلادي
أَستَودِعُ اللَهَ شَهماً / نَدباً طَويلَ النِجادِ
أَستَودِعُ اللَهَ روحاً / كانَت رَجاءَ البِلادِ
فَيا شَهيداً رَمَتهُ / غَدراً كُراتُ الأَعادي
نَم هانِئاً مُطمَئِنّاً / فَلَم تَنَم أَحقادي
فَسَوفَ يُرضيكَ ثَأرٌ / يُذيبُ قَلبَ الجَمادِ
سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ
سَلامٌ عَلى الإِسلامِ بَعدَ مُحَمَّدٍ / سَلامٌ عَلى أَيّامِهِ النَضِراتِ
عَلى الدينِ وَالدُنيا عَلى العِلمِ وَالحِجا / عَلى البِرِّ وَالتَقوى عَلى الحَسَناتِ
لَقَد كُنتُ أَخشى عادِيَ المَوتِ قَبلَهُ / فَأَصبَحتُ أَخشى أَن تَطولَ حَياتي
فَوالَهفي وَالقَبرُ بَيني وَبَينَهُ / عَلى نَظرَةٍ مِن تِلكُمُ النَظَراتِ
وَقَفتُ عَلَيهِ حاسِرَ الرَأسِ خاشِعاً / كَأَنّي حِيالَ القَبرِ في عَرَفاتِ
لَقَد جَهِلوا قَدرَ الإِمامِ فَأَودَعوا / تَجاليدَهُ في موحِشٍ بِفَلاةِ
وَلَو ضَرَحوا بِالمَسجِدَينِ لَأَنزَلوا / بِخَيرِ بِقاعِ الأَرضِ خَيرَ رُفاتِ
تَبارَكتَ هَذا الدينُ دينُ مُحَمَّدٍ / أَيُترَكُ في الدُنيا بِغَيرِ حُماةِ
تَبارَكتَ هَذا عالِمُ الشَرقِ قَد قَضى / وَلانَت قَناةُ الدينِ لِلغَمَزاتِ
زَرَعتَ لَنا زَرعاً فَأَخرَجَ شَطأَهُ / وَبِنتُ وَلَمّا نَجتَنِ الثَمَراتِ
فَواهاً لَهُ أَلّا يُصيبَ مُوَفَّقاً / يُشارِفُهُ وَالأَرضُ غَيرُ مَواتِ
مَدَدنا إِلى الأَعلامِ بَعدَكَ راحَنا / فَرُدَّت إِلى أَعطافِنا صَفِراتِ
وَجالَت بِنا تَبغي سِواكَ عُيونُنا / فَعُدنَ وَآثَرنَ العَمى شَرِقاتِ
وَآذَوكَ في ذاتِ الإِلَهِ وَأَنكَروا / مَكانَكَ حَتّى سَوَّدوا الصَفَحاتِ
رَأَيتَ الأَذى في جانِبِ اللَهِ لَذَّةً / وَرُحتَ وَلَم تَهمُم لَهُ بِشَكاةِ
لَقَد كُنتَ فيهِم كَوكَباً في غَياهِبٍ / وَمَعرِفَةٍ في أَنفُسٍ نَكِراتِ
أَبَنتَ لَنا التَنزيلَ حُكماً وَحِكمَةً / وَفَرَّقتَ بَينَ النورِ وَالظُلُماتِ
وَوَفَّقتَ بَينَ الدينِ وَالعِلمِ وَالحِجا / فَأَطلَعتَ نوراً مِن ثَلاثِ جِهاتِ
وَقَفتَ لِهانوتو وَرينانَ وَقفَةً / أَمَدَّكَ فيها الروحُ بِالنَفَحاتِ
وَخِفتَ مَقامَ اللَهِ في كُلِّ مَوقِفٍ / فَخافَكَ أَهلُ الشَكِّ وَالنَزَغاتِ
وَكَم لَكَ في إِغفاءَةِ الفَجرِ يَقظَةٍ / نَفَضتَ عَلَيها لَذَّةَ الهَجَعاتِ
وَوَلَّيتَ شَطرَ البَيتِ وَجهَكَ خالِياً / تُناجي إِلَهُ البَيتِ في الخَلَواتِ
وَكَم لَيلَةٍ عانَدتَ في جَوفِها الكَرى / وَنَبَّهتَ فيها صادِقَ العَزَماتِ
وَأَرصَدتَ لِلباغي عَلى دينِ أَحمَدٍ / شَباةَ يَراعٍ ساحِرِ النَفَثاتِ
إِذا مَسَّ خَدَّ الطِرسِ فاضَ جَبينُهُ / بِأَسطارِ نورٍ باهِرِ اللَمَعاتِ
كَأَنَّ قَرارَ الكَهرَباءِ بِشِقِّهِ / يُريكَ سَناهُ أَيسَرُ اللَمَساتِ
فَيا سَنَةً مَرَّت بِأَعوادِ نَعشِهِ / لَأَنتِ عَلَينا أَشأَمُ السَنَواتِ
حَطَمتِ لَنا سَيفاً وَعَطَّلتِ مِنبَراً / وَأَذوَيتِ رَوضاً ناضِرَ الزَهَراتِ
وَأَطفَأتِ نِبراساً وَأَشعَلتِ أَنفُساً / عَلى جَمَراتِ الحُزنِ مُنطَوِياتِ
رَأى في لَياليكِ المُنَجِّمُ ما رَأى / فَأَنذَرَنا بِالوَيلِ وَالعَثَراتِ
وَنَبَّأَهُ عِلمُ النُجومِ بِحادِثٍ / تَبيتُ لَهُ الأَبراجُ مُضطَرِباتِ
رَمى السَرَطانُ اللَيثَ وَاللَيثُ خادِرٌ / وَرُبَّ ضَعيفٍ نافِذِ الرَمَياتِ
فَأَودى بِهِ خَتلاً فَمالَ إِلى الثَرى / وَمالَت لَهُ الأَجرامُ مُنحَرِفاتِ
وَشاعَت تَعازي الشُهبِ بِاللَمحِ بَينَها / عَنِ النَيِّرِ الهاوي إِلى الفَلَواتِ
مَشى نَعشُهُ يَختالُ عُجباً بِرَبِّهِ / وَيَخطِرُ بَينَ اللَمسِ وَالقُبُلاتِ
تَكادُ الدُموعُ الجارِياتُ تُقِلُّهُ / وَتَدفَعُهُ الأَنفاسُ مُستَعِراتِ
بَكى الشَرقُ فَاِرتَجَّت لَهُ الأَرضُ رَجَّةً / وَضاقَت عُيونُ الكَونِ بِالعَبَراتِ
فَفي الهِندِ مَحزونٌ وَفي الصينِ جازِعٌ / وَفي مِصرَ باكٍ دائِمُ الحَسَراتِ
وَفي الشَأمِ مَفجوعٌ وَفي الفُرسِ نادِبٌ / وَفي تونُسٍ ما شِئتَ مِن زَفَراتِ
بَكى عالَمُ الإِسلامِ عالِمَ عَصرِهِ / سِراجَ الدَياجي هادِمَ الشُبُهاتِ
مَلاذَ عَيايِلٍ ثِمالِ أَرامِلٍ / غِياثَ ذَوي عُدمٍ إِمامَ هُداةِ
فَلا تَنصِبوا لِلناسِ تِمثالَ عَبدِهِ / وَإِن كانَ ذِكرى حِكمَةٍ وَثَباتِ
فَإِنّي لَأَخشى أَن يَضِلّوا فَيُؤمِنوا / إِلى نورِ هَذا الوَجهِ بِالسَجَداتِ
فَيا وَيحَ لِلشورى إِذا جَدَّ جِدُّها / وَطاشَت بِها الآراءُ مُشتَجِراتِ
وَيا وَيحَ لِلفُتيا إِذا قيلَ مَن لَها / وَيا وَيحَ لِلخَيراتِ وَالصَدَقاتِ
بَكَينا عَلى فَردٍ وَإِنَّ بُكاءَنا / عَلى أَنفُسٍ لِلَّهِ مُنقَطِعاتِ
تَعَهَّدَها فَضلُ الإِمامِ وَحاطَها / بِإِحسانِهِ وَالدَهرُ غَيرُ مُواتي
فَيا مَنزِلاً في عَينِ شَمسٍ أَظَلَّني / وَأَرغَمَ حُسّادي وَغَمَّ عُداتي
دَعائِمُهُ التَقوى وَآساسُهُ الهُدى / وَفيهِ الأَيادي مَوضِعُ اللَبِناتِ
عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ ما لَكَ موحِشاً / عَبوسَ المَغاني مُقفِرَ العَرَصاتِ
لَقَد كُنتَ مَقصودَ الجَوانِبِ آهِلاً / تَطوفُ بِكَ الآمالُ مُبتَهِلاتِ
مَثابَةَ أَرزاقٍ وَمَهبِطَ حِكمَةٍ / وَمَطلَعَ أَنوارٍ وَكَنزَ عِظاتِ
رَحِمَ اللَهُ صاحِبَ النَظَراتِ
رَحِمَ اللَهُ صاحِبَ النَظَراتِ / غابَ عَنّا في أَحرَجِ الأَوقاتِ
يا أَميرَ البَيانِ وَالأَدَبِ النَض / رِ لَقَد كُنتَ فَخرَ أُمِّ اللُغاتِ
كَيفَ غادَرتَنا سَريعاً وَعَهدي / بِكَ يا مُصطَفى كَثيرِ الأَناةِ
أَقفَرَت بَعدَكَ الأَساليبُ وَاِستَر / خى عِنانُ الرَسائِلِ المُمتِعاتِ
جَمَحَت بَعدَكَ المَعاني وَكانَت / سَلِساتِ القِيادِ مُبتَدَراتِ
وَأَقامَ البَيانُ في كُلِّ نادٍ / مَأتَماً لِلبَدائِعِ الرَائِعاتِ
لَطَمَت مَجدُلينُ بَعدَكَ خَدَّي / ها وَقامَت قِيامَةُ العَبَراتِ
وَاِنطَوَت رِقَّةُ الشُعورِ وَكانَت / سَلوَةَ البائِسينَ وَالبائِساتِ
كُنتَ في مِصرَ شاعِراً يَبهَرُ اللُب / بَ بِآياتِ شِعرِهِ البَيِّناتِ
فَهَجَرتَ الشِعرَ السَرِيَّ إِلى النَث / رِ فَجِئتَ الكُتّابَ بِالمُعجِزاتِ
مُتَّ وِالناسُ عَن مُصابِكَ وَشُغ / لٍ بِجُرحِ الرَئيسِ حامي الحُماةِ
شُغِلوا عَن أَديبِهِم بِمُنَجّي / هِم فَلَم يَسمَعوا نِداءَ النُعاةِ
وَأَفاقوا بَعدَ النَجاةِ فَأَلفَوا / مَنزِلَ الفَضلِ مُقفَرَ العَرَصاتِ
قَد بَكاكَ الرَئيسُ وَهوَ جَريحٌ / وَدُموعُ الرَئيسِ كَالرَحَماتِ
لَم تُبَقِّ يا فَتى المَحامِدِ مالاً / فَلَقَد كُنتَ مُغرَماً بِالهِباتِ
كَم أَسالَت لَكَ اليَراعَةُ سَيلاً / مِن نُضارٍ يَفيضُ فَيضَ الفُراتِ
لَم تُؤَثِّل مِما كَسَبتَ وَلَم تَح / سِب عَلى ما أَرى حِسابَ المَماتِ
مِتَّ عَن يافِعٍ وَخَمسِ بَناتٍ / لَم تُخَلِّف لَها سِوى الذِكرَياتِ
وَتُراثُ الأَديبِ في الشَرقِ حُزنٌ / لِبَنيهِ وَثَروَةٌ لِلرَواةِ
لا تَخَف عَثرَةَ الزَمانِ عَلَيهِم / لا وَلا صَولَةَ اللَيالي العَواتي
عَينُ سَعدٍ تَرعاهُمُ بَعدَ عَينِ ال / لَهِ فَاِهدَأ فَقَد وَجَدتَ المُواتي