المجموع : 5
أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا
أزمَعوا البَيْنَ وَشَدُّوا الرِّكابا / فاطلب الصبرَ وخَلِّ العِتابا
ودنا التَّوديع مَمَّنْ وَدِدْنا / أَنَّهم داموا لدينا غِضابا
فاقْرِ ضَيْفَ البَيْنِ دمعاً مُذالاً / يا أخا الوَجْدِ وقلْباً مُذابا
فمَنِ اللائِمُ صَبَّاً مَشُوقاً / أنْ بَكى أَحْبَابَهُ والشَّبابا
إنما أَغْرَى بِنا الوَجْدَ أَنَّا / ما حَسبْنَا لِفِرَاقٍ حسابَا
وَعُرَيْبٌ جَعَلُوا بالمصَلَّى / كلَّ قلبٍ يومَ ساروا نِهايا
عَجَبَاً كيف رضُوا أنْ يَحلُّوا / مِنْ قلوبٍ أحرقوها قِبابا
أضْحَتِ الأرض التي جاوَرُوها / يَحْسُدُ العَنْبَرُ منها الترابا
لا تكَذِّبْ خَبَراً أنَّ سَلْمَى / سَحَبَتْ بالتُّرْبِ ذَيْلا فَطابا
وَكَسَتْهُ حُلَلَ الرَّوْضِ حتى / تَوَّجَتْ منها الرُّبَا والهِضابا
ابْتَسَمَتْ عَنْ مِثْلِ كَأْسِ الحُمَيَّا / نَظَمَ الماءُ عليها حُبابا
سُمْتُها لَثْمَ الثنايا فقالتْ / إنَّ مِنْ دُونِكَ سُبْلاً صِعابا
حَرَسَتْ عَقْرَبُ صُدْغَيَّ خَدِّي / وَحَمَتْ حَيَّةُ شَعْرِي الرُّضابا
وَيْحَ مَنْ يَطْلُبُ مِنْ وَجْنَتَيَّ ال / وردَ أوْ مِنْ شَفَتَيَّ الشَّرابا
حَقُّ مَنْ كانَ لهُ حُبُّ سَلْمَى / شُغلا أنْ يَسْتَلِذَّ العذابا
وَلِمَنْ يمدَحُ خَيْرَ البرايا / أنْ يَرَى الفقرَ عَطاءً حِسابا
وَكَفَاني باتِّباعي طَريقَاً / رَغِبَ المُخْتارُ فيها رِغابا
كلما أُوتِيتُ منها نَصيباً / قُلْتُ إني قدْ مَلَكْتُ النِّصابا
يا حَبيباً وَشَفِيعاً مُطاعاً / حَسْبُنا أنَّ إليك الإِيابا
لَمْ نَقُلْ فيكَ مقالَ النَّصارَى / إذْ أضَلُّوا في المَسيحِ الصَّوابا
إنما أنتَ نَذِيرٌ مُبينٌ / أنْزَلَ اللَّهُ عليك الكِتابا
بِلِسان عربيٍّ بَليغٍ / أفْحَمَ العُرْبَ فعَيَّتْ جوابا
يُطْمِعُ الأسماعَ فيه بياناً / وَسَنا طِبِّهِ عَلَى العَقْلِ يابا
حَوَتِ الكُتْبُ لُبَاباً وَقِشْرَاً / وَهْوَ حاوٍ مِنَ اللُّبابِ لُبابا
يَجْلِبُ الدُّرَّ إلى سامِعِيه / كَلِمٌ لم يُرَ فيه اجْتِلابا
أشْرَقَتْ أنوارُهُ فرأيْنا ال / رأسَ رَأْساً وَالذُّنابى ذُنابا
وَرَأَى الكُفَّارُ ظِلّاً فَضَلُّوا / وَيْحَهُم ظَنُّوا السَّرابَ الشَّرابا
وإذا لَمْ يَصِحَّ بالْعِلْمِ ذَوْقُ / وُجِدَ الشَّهْدُ مِنَ الجَهْلِ صابا
كيف يهدي اللَّهُ منهم عنيداً / كلما أبْصَرَ حقّاً تَغَابى
وَإِذَا جِئْتَ بآياتِ صِدْقٍ / لم تَزِدْهُم بِكَ إلَّا ارْتِيابا
أنتَ سِرُّ اللَّهِ في الخَلْقِ وَالسِّر / رُ عَلَى العُمْيِ أشَدُّ احْتِجَابا
عاقِبٌ ماحٍ مَحَا اللَّهُ عنَّا / بِكَ ما نَحْذَرُ منه العقابا
خَصَّهُ اللَّهُ بِخُلْقٍ كريمٍ / وَدَعا الفَضلَ له فاسْتجابا
وَله مِنْ قَابِ قَوْسَينِ ما شَر / رَفَ قَوْسَيْنِ بذكْرٍ وَقابا
مِنْ دُنُوٍّ وَشُهُودٍ وَسِرٍّ / بانَ عنه كلُّ وَاشٍ وَغابا
وَعلومٍ كَشَفَتْ كلَّ لبْسٍ / وَجَلَتْ عَنْ كلِّ شمسٍ ضَبابا
لَمْ يَنَلْهَا باكْتِسَابٍ وفضلُ ال / له ما لَيسَ يُنَالُ اكْتِسَابا
وَإذَا زَارَ حبيبٌ مُحِبَّاً / لا تَسَلْ عن زائرٍ كَيفَ آبا
كلُّ مَنْ تابَعه نالَ منه / نَسَبَاً مِنْ كلِّ فضْلٍ قِرابا
شَرَّفَ الأنسابَ طُوبى لأَصْلٍ / وَلِفَرْعٍ حازَ منه انتسابا
دينُه الحَقُّ فدَعْ ما سِواه / وَخُذِ المَاءَ وَخَلِّ السَّرابا
جَعَلَ الزُّهْدَ له والعطايا / والتُّقَى والبَأْسَ والبِرَّ دَابا
أَنْقَذَ الهَلْكَى ورَبَّى اليَتَامى / وفَدَى الأسْرَى وفَكَّ الرِّقابا
بَصَّر العُمْيَ فيا لَيْتَ عَيْني / مُلِئَتْ مِنْ أخْمَصَيْه تُرابا
أَسْمَعَ الصُّمَّ فَمَنْ لِي بِسَمْعِي / لو تَلَقَّى لفْظَهُ المُستطابا
ودَعا الهَيجاءَ فارْتَاحَت السُّمْ / رُ اهْتِزَازاً والسُّيُوفُ انْتِدَابا
تَطْرَبُ الخَيْلُ بِوَقْعٍ فَتَخْتَا / لُ إلى الحَربِ وتَعْدوا طِرابا
منْ عِتَاقٍ رَكِبَتْها كُماةٌ / لم يخافوا لِلْمَنُونِ ارْتِكَابا
كلُّ نَدْبٍ لوْ حَكَى غَرْبَهُ السَّيْ / فُ لَمَا اسْتصحبَ سَيْفٌ قِرَابا
قاطعَ الأهلِينَ في اللَّهِ جَهْرَا / لَمْ يَخَفْ لَوْمَاً ولم يَخْشَ عابا
لَمْ يُبالِ حينَ يَغْدُو مُصيباً / فِي الوغَى أو حين يَغْدُو مُصابا
مِنْ حُمَاةٍ نَصَروا الدِّينَ حتى / أَصْبَحَ الإِسلامُ أَحْمَى جَنابا
رَفَعُوا الإِسلامَ مِنْ فوقِ خَيْلٍ / أَرْكَبَتْ كلَّ عُقابٍ عُقابا
خَضَبُوا البيضَ مِنَ الهام حُمْراً / ما تزالُ البِيضُ تَهْوَى الخِضابا
لَمْ يُرِيدُوا بِذُكُورٍ جَلَوْهَا / لِلْحُرُوبِ العُونِ إِلَّا الضِّرَابا
أرْغَمَ الهادي أُنُوفَ الأَعادي / بِرِضاهم وأَذَلَّ الرِّقابا
فأَطاعته الملوكُ اضطِراراً / وأَجابَتْهُ الحُصونُ اضطرابا
وصناديدُ قُرَيْش سَقاها / حَتْفَها سَقْيَ اللِّقاحِ السِّقايا
حَلَبُوا شَطْرَيْهِ فِي الجودِ والبَأْ / سِ فأَحْلَى وأَمَرَّ الحِلابا
وجَدُوا أَخلافَ أخْلاقِهِ فِي ال / خصبِ والجَدْبِ تَعَافُ الخِصابا
دَرُّهَا أطيبُ دَرٍّ فإنْ أمْ / كَنَكَ الحَلْبُ فَرَاعِ العِطابا
جَيَّشَ الجَيْشَ وسَرَّى السَّرايَا / ودَعا الخَيْلَ عِتَاقاً عِرابا
وهوَ المَنْصُورُ بالرُّعْبِ لو شا / ءَ لأَغْنَى الرُّعبُ عنها ونَابا
لو تَرَى الأَحزَابَ طاروا فِراراً / خِلْتَهُمْ بينَ يديهِ ذبابا
أوَ لَمْ تَعْجَب له وهْوَ بَحْرٌ / كيف يَسْتَسْقِي نَدَاهُ السَّحابا
كانتِ الأرضُ مَواتاً فأحْيا / بالْحَيا منها المواتَ انسكابا
نَزَعَتْ عنها مِنَ المَحْلِ ثَوْباً / وكَسَتْها مِنْ رِياضٍ ثِيابا
سَيِّدٌ كيفَ تأَمَّلْتَ معنا / هُ رَأتْ عَيْنَاكَ أمراً عُجابا
مَنْ يَزُرْهُ مُثقَلاً بالخَطايا / عادَ مَغْفُورَ الخطايا مُثابا
ذِكْرُه في الناسِ ذِكْرٌ جَميلٌ / قالَ لِلْكَوْنَيْنِ طيبا فطابا
وسِعَ العَالَم عِلمَاً وجُودا / فدعا كُلّا وأَرْضَى خِطابا
فَتَحَلَّتْ منه قَوْمٌ عُقُوداً / وتَحَلَّتْ منه قومٌ سِخابا
ليتَني كنتُ فيمن رآهُ / أَتَّقِي عنه الأذى والسِّبابا
يومَ نالَتْهُ بإفْكٍ يَهودٌ / مِثْلَمَا اسْتَنْبَحَ بَدْرٌ كِلابا
فادْعُني حَسَّانَ مَدْحٍ وزِدْني / إنّني أَحْسَنْتُ منه المنابا
يا رسولَ اللَّهِ عُذْرَاً إذَا هِبْ / تُ مَقَامَاً حَقُّه أنْ يُهابا
إنني قُمْتُ خطيباً بِمَدْحِي / كَ ومَنْ يَمْلِكُ منه الخطابا
وتَرَامَيْتُ به في بِحَارٍ / مُكْثرا أمواجَها والعُبابا
بِقَوافٍ شُرِعَتْ للأعادِي / وجَدُوها في نفوسٍ حِرَابا
هِيَ أَمْضَى مِنْ ظُبَى البِيضِ حَدَّاً / فِي أعادِيكَ وأنْكَى ذُبابا
فارْضَهُ جُهْدَ مُحِبٍّ مُقلٍّ / صَانَه حُبُّكَ مِنْ أَنْ يُعابا
شابَ في الإسلامِ لكن له في / كَ فؤادٌ حُبُّه لنْ يُشابا
يَتَهَنّى بالأمانيّ إِن / نَهُ قبلَ مماتٍ أَنابا
كلما أَوْسَعَهُ الشَّيْبُ وَعْظا / ضَيَّقَ الخوفُ عليه الرِّحابا
ضَيَّعَ الحَزْمَ وفيه شباب / وأتى مُعْتَذِراً حِينَ شابا
وغدا مِنْ سُوءِ ما قد جَنَاه / نادِماً يَقْرَعُ سِنَّاً وَنابا
أفلا أرجو لذَنْبِي شَفِيعاً / ما رَجَاهُ قَطُّ راجٍ فخابا
أحمدُ الهادي الّذي كلّما جِئ / تُ إليه مُسْتَثيباً أثابا
فاعذِروا في حُبِّ خيرِ البرايا / إنْ غَبطْنا أَو حَسَدْنا الصِّحابا
إنْ بدا شمساً وصاروا نجوما / وطَمَى بحراً وفرُّوا ثِغابا
أَقْلَعَتْ سُحْبُ سُفنِهِمْ سِجالا / مِن علومٍ وَوَرَدنا انصِبابا
وغَدَونا بينَ وَجدٍ وفقدٍ / يَعْظُمُ البُشْرَى به وَالمُصابا
وَتَبَارَأْنَا من النَّصْبِ وَالرَّفْ / ضِ وَأَوْجَبْنَا لكلٍّ جَنابا
إنَّ قوماً رَضِيَ اللَّهُ عنهم / ما لنا نُلقَى عليهم غِضَابا
إننِي في حُبِّهم لا أُحابي / أَحداً قطُّ وَمنْ ذَا يُحابَى
صلوات اللَّهِ تَتْرَى عليه / وَعليهم طيِّباتٌ عِذابا
يفتَحُ اللَّهُ علينا بها مِنْ / جُودِهِ وَالفَضْلِ باباً فبابا
ما انْتَضَى الشَّرْقُ من الصُّبْحِ سَيْفاً / وَفَرَى مِنْ جُنْحِ لَيْلٍ إهابا
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ
بِمَدْحِ المصطفى تَحيا القلوبُ / وَتُغْتَفَرُ الخطايا وَالذُّنوبُ
وَأَرْجُو أن أعِيشَ به سعيداً / وَأَلقاهُ وَليس عَلَيَّ حُوبُ
نبيٌّ كامل الأوصافِ تَمَّتْ / محاسِنُه فقيل له الحبيبُ
يُفَرِّجُ ذِكْرُهُ الكُرُباتِ عنا / إذا نَزَلَتْ بساحَتِنا الكُروبُ
مدائحُه تَزيدُ القَلْبَ شَوْقاً / إليه كأنها حَلْيٌ وَطيبُ
وَأَذْكُرُهُ وَلَيْلُ الخَطْبِ داجٍ / عَلَيَّ فَتَنْجَلِي عني الخُطوبُ
وَصَفْتُ شمائلاً منه حِسَاناً / فما أدري أمدحٌ أمْ نَسيبُ
وَمَنْ لي أنْ أرى منه مُحَيّاً / يُسَرُّ بحسنِهِ القلْبُ الكئِيبُ
كأنَّ حديثَه زَهْرٌ نَضِيرٌ / وَحاملَ زَهْرِهِ غُصْنٌ رَطيبُ
ولِي طَرْفٌ لِمَرْآهُ مَشوقٌ / وَلِي قلبٌ لِذِكْراهُ طَرُوبُ
تَبَوَّأَ قابَ قوْسَيْنِ اخْتصاصاً / وَلا وَاشٍ هناكَ وَلا رقيبُ
مَناصِبُه السَّنِيَّةُ ليسَ فيها / لإِنسانٍ وَلا مَلَكٍ نَصِيبُ
رَحِيبُ الصَّدْرِ ضاقَ الكَوْنُ عما / تَضَمَّنَ ذلك الصدْرُ الرحيبُ
يُجَدِّدُ في قُعودٍ أوْ قِيامٍ / له شَوْقِي المُدَرِّسُ وَالخَطيبُ
عَلَى قَدَرٍ يُمِدُّ الناسَ عِلْماً / كما يُعطِيك أَدْوِيَةً طبيبُ
وَتَسْتَهْدِي القلوبُ النُّورَ منه / كما اسْتَهْدَى مِنَ البَحْرِ القَلِيبُ
بَدَتْ للناسِ منه شُموسُ عِلْمٍ / طَوالِعَ ما تَزُولُ وَلا تَغِيبُ
وَأَلْهَمَنا به التَّقْوَى فَشَقَّتْ / لنا عمَّا أَكَنَّتْهُ الغُيُوبُ
خلائِقُهُ مَوَاهِبُ دُونَ كِسْبٍ / وشَتَّانَ المَوَاهِبُ وَالكُسُوبُ
مُهَذَّبَةٌ بنورِ اللَّهِ ليستْ / كأخلاقٍ يُهَذِّبُهَا اللَّبِيبُ
وَآدابُ النُّبُوَّةِ مُعجزاتٌ / فكيف يَنالُها الرجُلُ الأديبُ
أبيْنَ مِنَ الطِّباعِ دَماً وَفَرْثاً / وَجاءت مثلَ ما جَاءَ الحليبُ
سَمِعْنَا الوَحْيَ مِنْ فِيه صريحاً / كغادِيَةٍ عَزَالِيهَا تَصُوبُ
فلا قَوْلٌ وَلا عَمَلٌ لَدَيْهَا / بفاحِشَةٍ وَلا بِهَوىً مَشُوبُ
وَبالأهواءِ تَخْتَلِفُ المساعي / وَتَفْتَرِقُ المذاهِب وَالشُّعوبُ
ولَما صار ذاك الغَيْثُ سَيْلاً / علاهُ مِنَ الثَّرَى الزَّبَدُ الغَرِيبُ
فلا تَنْسُبْ لِقَوْلِ اللَّهِ رَيْباً / فما فِي قولِ رَبِّكَ ما يُرِيبُ
فإنْ تَخْلُقْ لهُ الأعداءُ عَيباً / فَقَوْلُ العَائِبِينَ هو المَعيبُ
فَخالِفْ أُمَّتَيْ موسى وَعيسى / فما فيهمْ لخالِقِهِ مُنِيبُ
فَقَوْمٌ منهم فُتِنُوا بِعِجْلٍ / وَقَوْماً منهم فَتَنَ الصَّليبُ
وَأَحْبارٌ تَقُولُ لَهُ شَبِيهٌ / وَرُهْبَانٌ تَقُولُ لَهُ ضَرِيبُ
وَإِنَّ محمداً لرَسولُ حَقٍّ / حَسيبٌ في نُبُوَّتِهِ نَسِيبُ
أمينٌ صادِقٌ بَرٌّ تَقِيٌّ / عليمٌ ماجِدٌ هادٌ وَهُوبُ
يُرِيكَ عَلَى الرِّضَا وَالسُّخْطِ وَجْهاً / تَرُوقُ به البَشَاشَةُ وَالقُطوبُ
يُضِيءُ بِوَجْهِهِ المِحْرَابُ لَيْلاً / وَتُظْلِمُ في النهارِ به الحُروبُ
تَقَدَّمَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ نَبِيٍّ / نماهُ وهكذا البَطَلُ النَّجِيبُ
وصَدَّقَهُ وحَكَّمَهُ صَبيّاً / مِنَ الكُفَّارِ شُبَّانٌ وشِيبُ
فلما جاءهم بالحقِّ صَدُّوا / وصَدُّ أُولئك العَجَبُ العَجيبُ
شريعتُهُ صراطٌ مُستقيمٌ / فليسَ يَمَسُّنَا فيها لُغوبُ
عليكَ بها فإنَّ لها كِتاباً / عليه تَحْسُدُ الحَدقَ القلوبُ
يَنُوبُ لها عَنِ الكُتبِ المَوَاضي / ولَيْسَتْ عنه في حالٍ تَنُوبُ
ألَمْ تَرَهُ يُنَادِي بالتَّحَدِّي / ولا أحدٌ بِبَيِّنَةٍ يُجِيبُ
وَقد كَشَفَ الغِطَاءَ لنا وشُقَّتْ / عَنِ الحُسْنِ البَدِيعِ به جُيوبُ
وَدَانَ البَدْرُ مُنْشَقّاً إليه / وأَفْصَحَ ناطِقاً عَيْرٌ وَذيبُ
وَجِذْعُ النَّخْلِ حَنَّ حَنِينَ ثَكْلَى / لهُ فأَجابهُ نِعْمَ المُجِيبُ
وَقد سَجَدَتْ لهُ أَغصانُ سَرْحٍ / فلِمْ لا يؤْمِنُ الظَّبْيُ الرَّبِيبُ
وَكمْ مِنْ دَعْوَةٍ في المَحْلِ منها / رَبَتْ وَاهْتَزَّتِ الأرضُ الجَدِيبُ
وَروَّى عَسْكَراً بِحليبِ شاةٍ / فعاوَدَهُم بهِ العَيْشُ الخصيبُ
وَمَخْبولٌ أتاهُ فثابَ عَقْلٌ / إليه وَلمْ نَخلْهُ له يثُوبُ
وما ماءٌ تَلَقَّى وهْوَ مِلْحٌ / أُجاجٌ طَعْمُهُ إِلَّا يَطِيبُ
وعينٌ فارقَتْ نظراً فعادت / كما كانتْ ورُدَّ لها السَّليبُ
ومَيْتٌ مُؤْذِنٌ بِفِرَاقِ رُوحٍ / أَقامَ وسُرِّيَتْ عنه شعُوبُ
وثَغْرُ مُعَمِّرٍ عُمراً طويلاً / تُوُفّي وهوَ مَنْضُودٌ شَنيبُ
وَنَخْلٌ أَثْمَرَتُ في دُونِ عامٍ / فَغَارَ بها عَلَى القِنْوِ العَسيبُ
وَوفّى منهُ سَلْمانٌ دُيُوناً / عليه ما يُوفِّيها جَرِيبُ
وَجَرَّدَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ سَيْفاً / فقِيلَ بِذَاكَ لِلسَّيْفِ القَضِيبُ
وهَزَّ ثَبِير عِطْفَيْهِ سُروراً / به كالغُصْنِ هَبَّتْهُ الجَنُوبُ
ورَدَّ الفيلَ والأحزابَ طَيْرٌ / وريحٌ ما يُطاقُ لها هُبُوبُ
وَفارِس خانها ماءٌ ونارٌ / فغِيضَ الماءُ وانطَفأَ اللَّهيبُ
وَقد هَزَّ الحسامَ عليه عادٍ / بِيَوْمٍ نَوْمُه فيه هُبوبُ
فقامَ المصطفى بالسيفِ يَسْطو / عَلَى السَّاطي به وَلهُ وثُوبُ
وَرِيعَ لهُ أبو جهلٍ بِفَحْلٍ / يَنُوبُ عَنِ الهِزَبْرِ لهُ نُيُوبُ
وَشُهْبٌ أُرْسِلَتْ حَرَساً فخُطَّتْ / عَلَى طِرسِ الظَّلامِ بها شُطوبُ
وَلَمْ أَرَ مُعجزاتٍ مِثْلَ ذِكْرٍ / إليه كلُّ ذِي لُبٍّ يُنيبُ
وما آياتُه تُحْصَى بِعَدٍّ / فَيُدْرِكَ شَأْوَها مني طَلوبُ
طَفِقْتُ أعُدُّ منها مَوْجَ بَحْرٍ / وَقَطْراً غَيْثُهُ أَبَداً يَصُوبُ
يَجُودُ سَحابُهُنَّ وَلا انْقِشَاعٌ / وَيَزْخَرُ بَحْرُهُنَّ وَلا نُضُوبُ
فَراقَكَ مِنْ بَوَارِقِها وَمِيضٌ / وَشاقَكَ مِنْ جَوَاهِرِها رُسوبُ
هدانا للإِلهِ بها نَبيٌّ / فضائِله إذا تُحْكَى ضُروبُ
وأَخبَرَ تابِعِيهِ بِغائِباتٍ / وَلَيسَ بِكائِن عنهُ معيبُ
ولا كَتَبَ الكتابَ وَلا تَلاه / فيُلْحِدَ في رسالته المُريبُ
وَقد نالوا عَلَى الأُمم المَوَاضي / به شَرَفاً فكلُّهُمُ حَسيبُ
وما كأميرِنا فيهم أميرٌ / ولا كنقِيبِنا لهمُ نقيبُ
كأَنَّ عليمَنا لهمُ نبيٌّ / لدعوتِهِ الخلائقُ تستجيبُ
وَقد كتِبَتْ علينا واجباتٌ / أَشَدُّ عليهمُ منها النُّدوبُ
وما تَتَضاعفُ الأغلالُ إِلَّا / إذا قَسَتِ الرِّقابُ أوِ القلوبُ
ولما قيلَ للكفارِ خُشْبٌ / تَحَكَّمَ فيهمُ السيفُ الخشِيبُ
حَكَوْا في ضَرْبِ أَمثلةٍ حَمِيرا / فواحِدُنا لأَلفِهِمُ ضَرُوبُ
وما عُلَماؤُنا إلا سُيوفٌ / مَواضٍ لا تُفَلُّ لها غُروبُ
سَراةٌ لم يَقُلْ منهم سَرِيٌّ / لِيَوْمِ كَرِيهَةٍ يومٌ عَصيبُ
وَلَمْ يَفْتِنْهُمُ ماءٌ نَمِيرٌ / مِنَ الدنيا ولا مَرْعىً خصيبُ
ولم تُغْمَضْ لهمْ ليلاً جُفونٌ / ولا أَلِفَتْ مَضاجِعَها جُنُوبُ
يَشُوقُكَ منهمُ كلُّ ابنِ هَيْجَا / عَلَى اللَّأواء مَحْبُوبٌ مَهيبُ
له مِنْ نَقْعِهَا طَرْفٌ كَحِيل / ومِنْ دَمِ أُسْدِها كَفٌّ خَضِيبُ
وتنهالُ الكتائبُ حينَ يَهْوِي / إليها مثلَ ما انهال الكثيبُ
على طُرُقِ القَنا للموْتِ منه / إلى مُهجِ العِدا أبدا دَبيبُ
يُقَصِّدُ في العِدا سُمْرَ العَوالي / فيَرْجِعُ وهْوَ مسلوبٌ سَلوبُ
ذَوابِلُ كالعُقُودِ لها اطّرادٌ / فليسَ يَشُوقُها إلَّا التَّرِيبُ
يَخِرُّ لِرُمْحِهِ الرُّومِيُّ أنَّى / تَيَقَّنَ أنه العُودُ الصَّليبُ
ويَخْضِبُ سَيْفَهُ بِدَمِ النَّواصي / مَخَافَةَ أنْ يُقالَ به مَشِيبُ
له في الليلِ دَمْعٌ ليسَ يَرْقا / وقلبٌ ما يَغِبُّ له وجِيبُ
رسولَ اللَّهِ دعوةَ مُستقيلٍ / مِنَ التقصيرِ خاطِرُهُ هَيُوبُ
تَعَذَّرَ في المَشِيبِ وكانَ عَيَّاً / وَبُرْدُ شبابِهِ ضافٍ قشيبُ
ولا عَتْبٌ على مَن قامَ يَجْلو / محاسِنَ لا تُرَى معها عيوبُ
دَعاك لكلِّ مُعْضِلةٍ أَلَمَّتْ / به ولكلِّ نائبةٍ تَنُوبُ
وللذَّنبِ الذي ضاقَتْ عليه / به الدنيا وجانبُها رَحِيبُ
يُراقِبُ منه ما كَسَبَتْ يَداه / فيَبْكيه كما يَبْكي الرَّقوبُ
وأَنى يهتدي للرُّشدِ عاصٍ / لِغارِبِ كلِّ مَعصِيَةٍ ركوبُ
يَتوبُ لِسانُهُ عَنْ كلِّ ذَنْبٍ / وَلم يَرَ قلبهُ منه يَتُوبُ
تَقَاضَتْهُ مواهِبُكَ امْتِدَاحاً / وَأَوْلَى الناسِ بالمَدْحِ الوَهُوبُ
وَأغْراني به داعِي اقْتِراحٍ / عَلَيَّ لأَمْرِهِ أبَدَاً وُجُوبُ
فقلتُ لِمَنْ يَحُضُّ عَلَيَّ فيه / لعلَّك في هواه لِي نَسيبُ
دَلَلْتَ عَلَى الهَوَى قلبي فَسَهْمِي / وَسَهْمُكَ في الهَوَى كلٌّ مُصيبُ
لجودٍ المصطفى مُدَّتْ يَدانا / وَما مُدَّتْ لهُ أَيْدٍ تَخِيبُ
شفاعَتُهُ لنا ولكلِّ عاصٍ / بِقَدْرِ ذُنوبِهِ منها ذَنوبُ
هُوَ الغَيْثُ السَّكُوبَ نَدىً وعِلْماً / جَهِلْتُ وما هُوَ الغَيْثُ السَّكوبُ
صلاةُ اللّهِ ما سارت سحابٌ / عليه وما رَسا وَثَوَى عَسِيبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ
وَافاك بالذنبِ العظيمِ المُذْنِبُ / خَجِلاً يُعَنِّفُ نفسَهُ ويُؤَنِّبُ
لم لا يشُوبُ دُمُوعَهُ بِدِمائِه / ذو شيبَةٍ عَوْرَاتُها مَا تُخْضَبُ
لَعِبَتْ به الدّنيا ولولا جَهْلُه / ما كان في الدنيا يخوضُ ويَلعبُ
لَزمَ التَّقَلُّبَ في مَعاصِي رَبِّهِ / إذْ باتَ في نَعْمائِهِ يَتَقَلَّبُ
يستغفِرُ اللَّهَ الذُّنوبَ وقلبُه / شرِهاً على أمْثالها يَتَوثَّبُ
يُغْرِي جَوَارِحَهُ عَلَى شَهَوَاتِهِ / فكأنَّهُ فيما استَبَاحَ مُكلِّبُ
أضْحَى بِمُعْتَرَكِ المَنايا لاهِياً / فكأنَّ مُعْتَرَك المنايا مَلْعَبُ
ضاقَتْ مذاهِبُه عليه فما لَه / إلَّا إلى حَرَمٍ بِطَيْبَةَ مَهْرَبُ
مُتَقَطِّعُ الأسبابِ مِنْ أعمالِهِ / لكنه بِرَجَائِه مُتَسَبِّبُ
وقَفَتْ بِجاهِ المصطفى آمالُه / فكأَنه بذنوبه يَتَقَرَّبُ
وَبَدا له أنَّ الوُقُوفَ بِبابِهِ / بابٌ لِغُفْرانِ الذُّنوبِ مُجَرَّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ مَطامِعي / في جُودِهِ قد غارَ منها أشعَبُ
لِم لا يغارُ وقد رآني دونَه / أدركْتُ مِنْ خَيْرِ الوَرَى ما أطلُبُ
ماذا أخافُ إذا وَقَفْتُ بِبابِهِ / وصَحائِفي سُودٌ ورأْسِيَ أشْيَبُ
والمصطَفى الماحي الذي يمحو الذي / يُحْصِي الرقيبُ على المُسيء وَيَكْتُبُ
بَشَرٌ سَعِيدٌ في النُّفُوسِ مُعَظَّمٌ / مِقْدارُه وإلى القلوبِ مُحَبَّبُ
بجمالِ صُورَتِهِ تَمَدَّحَ آدَمٌ / وبيَانِ مَنْطِقِه تَشَرّفَ يَعْرُبُ
مِصْباحُ كلِّ فضيلةٍ وإمامُها / وَلِفَضْلِهِ فَضْلُ الخَلائِقِ يُنْسَبُ
رِدْ واقْتَبِسْ مِنْ فَضْلِهِ فبِحارُه / ما تَنْتَهِي وشُموسُهُ ما تَغرُبُ
فلكلِّ سارِ مِنْ هُداهُ هِدايَةٌ / ولكلِّ عافٍ مِنْ نَداه مَشْرَبُ
وَلكلِّ عَيْنٍ منه بَدْرٌ طالع / ولكلِّ قلبٍ منه لَيْثٌ أَغْلَبُ
مَلأَ العوالِمَ عِلْمُهُ وثَنَاؤُهُ / فيه الوُجُودُ مُنَوَّرٌ ومُطَيَّبُ
وَهَبَ الإِلهُ لهُ الكمالَ وإنَّهُ / في غَيْرِهِ مِنْ جِنْسِ ما لا يُوهَبُ
كُشِفَ الغِطاءُ لهُ وقد أُسْرِي به / فعُلُومُهُ لا شيءَ عنها يَعزُبُ
وَلِقَابِ قَوْسَيْنِ انْتَهَى فمَحَلُّهُ / مِنْ قابِ قَوْسَيْنِ المَحَلُّ الأقْرَبُ
ودَنَا دُنُوّاً لا يُزَاحِمُ مَنْكِباً / فيه كما زَعَمَ المُكَيِّفُ مَنْكِبُ
فاتَ العبارَةَ والإِشارَةَ فضلُهُ / فعليكَ منه بما يُقالُ ويُكْتَبُ
صَدِّقْ بما حُدِّثْتُ عنه فَفي الوَرَى / بالغيْبِ عنه مُصَدِّقٌ وَمُكَذِّبُ
واسمَعْ مناقِبَ للحبيبِ فإنّها / فِي الحُسْنِ مِنْ عَنْقَاءَ مُغْرِبَ أغْرَبَ
مُتَمَكِّنُ الأخلاق إلّا أنّه / في الحُكمِ يَرْضَى للإلهِ وَيَغْضبُ
يَشْفِي الصُّدُورَ كلامُه فدواؤُه / طَوراً يَمُرُّ لها وطَوْراً يَعْذُبُ
فاطْرَبْ لتَسْبِيحِ الحَصَى في كَفِّهِ / فَمِنَ السَّماعِ لِذِكْرِهِ ما يُطرِبُ
والجِذْعُ حَنَّ لهُ وباتَ كمغْرَمٍ / قَلِقٍ بفَقْدِ حَبيبِه يَتَكَرَّبُ
وَسَعَتْ له الأحجارُ فهْيَ لأَمرِه / تأْتي إليه كما يشاءُ وتَذْهَبُ
واهْتَزَّ مِنْ فَرَحٍ ثَبِيرٌ تَحْتَهُ / وَمِنَ الجِبَالِ مُسَبِّحٌ ومُؤَوِّبُ
والنَّخْلُ أثْمَرَ غَرْسُه في عامِه / وَبَدَا مُعَنْدَمُ زَهْوِهِ والمَذْهَبُ
وَبَنانُهُ بالماءِ أَرْوَى عَسْكَرا / فكأنّه من دِيمَةٍ يَتَصَبَّبُ
والشَّاةُ إذْ عَطشَ الرَّعِيلُ سَقَتْهُمُ / وهمُ ثلاثُ مَئِينَ مما يَحْلُبُ
وشفَى جميعَ المُؤْلِمَاتِ بِريقِه / يا طِيبَ ما يَرْقي به ويُطَيِّبُ
وَمَشَى تُظلِّلُهُ الغَمامُ لِظلِّها / ذَيْلٌ عليه في الهواجر يُسْحَبُ
وَتَكَلَّمَ الأطفالُ والمَوْتَى لَهُ / بِعجائِبٍ فليَعجَب المُتعجِّبُ
والجَذْلُ مِنْ حَطَبٍ غَدا لِعُكاشَةٍ / سَيْفاً وليس السَّيفُ مما يُحْطَبُ
وعَسِيبُ نَخْلٍ صارَ عَضْباً صارِماً / يَوْمَ الوَغَى إذْ كلُّ عَيْنٍ تُقْلَبُ
وأضاءَ عُرْجُونٌ وَسَوْطٌ في الدُّجى / عَنْ أمرِهِ فكأنَّ كُلّاً كَوْكَبُ
وكأنَّ دعْوَتَهُ طليعَةُ قَوْلِ كُنْ / ما بَعْدَها إلا الإجابةَ مَوْكِبُ
تَحظَى بها أبناءُ مَنْ يدعو لَهُ / فكأنها وقْفٌ عَلَى مَنْ يُعْقِبُ
للناسِ فيها وابلٌ وصواعقٌ / نَفْسٌ بها تَحْيا ونَفسٌ تَعْطَبُ
والمَحْلُ إذْ عَمَّ البِلادَ بَلاؤُهُ / والريحُ يُشْمِلُ بالسَّمُومِ ويجنِبُ
واسْتَسْلَمَ الوَحْشُ المَرُوعُ لِصَيْدِهِ / جُوعاً وصرَّ مِنَ الحَرورِ الجُنْدُبُ
والذِّئْبُ مِنْ طولِ الطَّوَى يَبْكي عَلَى / رِمَمِ المَواشي وابنُ دايَة ينعَبُ
والناس قد ظنُّوا الظُّنُونَ كأنَّما / سَلَبَتْ قلوبَهم الرياحُ القُلَّبُ
لم تَبْكِ للأَرْضِ السماءُ به ولا / رَقَّتْ لِشائِمِها البروقُ الخلَّبُ
فَدَعَوْكَ مَخْبُوءاً لكلِّ كَرِيهةٍ / جَلَّتْ كما يُخْبا الحُسامُ ويُنْدبُ
فَرَفَعتَ عَشْرَاً مِنْ أنامِلَ داعياً / فانْهَلَّ أُسبوعاً سَحابٌ صَيبُ
فطَغَى عَلَى بُنْيانِ مكّةَ ماؤُهُ / أو كادَ يَنْبُتُ في البُيوتِ الطُّحْلُبُ
لَولا سألتَ اللَّهَ سُقيا رَحْمةٍ / ماتَتْ به الأحياءُ مما يَشربوا
فإذا البلادُ وكلُّ دارٍ رَوْضَةٌ / فيما يَرُوقُ وكلُّ وادٍ مُعْشِبُ
قد جئتُ أَسْتَسْقِي مكارِمَكَ التي / يَحْيا بها القَلْبُ المواتُ ويُخصِبُ
يا مَنْ يُرَجَّى فِي القيامةِ حيث لا / أُمٌّ تُرَجَّى للنّجَاةِ ولا أبُ
يا فارِجَ الكُرَبِ العِظامِ وَوَاهِبَ الْ / مِنَنِ الجِسامِ إليكَ منك المهرَبُ
هَبْ لِي مِنَ الغُفْرانِ رَبِّ سعادةً / ما تُسْتَعادُ ونِعمةً ما تُسْلَبُ
أيَضيقُ بِي أمرٌ وبابُ المصطفى / في الأرضِ أوسَعُ للعُفاةِ وَأرْحَبُ
لا تَقْنَطِي يا نفْسُ إِنَّ تَوَسُّلِي / بالمصطفى المختارِ ليسَ يُخَيَّبُ
أنَّى يَخِيبُ وقد تَعَطَّرَ مَشْرِقٌ / بمَدَائحي خيرَ الأنامِ ومَغْرِبُ
آلَ النبيِّ وَمن لهم بالمصطفى / مَجْدٌ على السَّبْعِ الطِّباقِ مُطَنِّبُ
حُزْتُمْ عظيماً مِنْ تُراثِ نُبُوَّةٍ / ما كان دونكُم لها مَنْ يَحجُبُ
اللَّهُ حَسْبُكُمُ وَحَسْبِي إنني / في كلِّ مُعْضِلَةٍ بِكُمْ أتَحَسَّبُ
يا سادتي حُبِّي لكم ما تَنْقَضِي / أعمارُهُ وَحِبالُه ما تُقْضَبُ
مِنْ مَعْشَرٍ نَزَلوا الفَلا فحصونُهُمْ / بِيدٌ بأطرافِ الرِّماحِ تُؤَشّبُ
ما فيهمُ لسنانِ عَيْبٍ مَطْعَنٌ / كَلَّا وَلا لحُسامِ رَيْبٍ مَضْرِبُ
وَعَلَى الخَصاصَةِ يُؤْثِرُونَ بزادِهِم / وَيَلَذُّ مِنْ كَرَمٍ لهم أنْ يَسْغَبوا
لا تَنْزِعُ اللُّوَّامُ أثْوَابَ النَّدَى / عنهم ويُخْصِبُ جُودُهم أنْ يُجْدِبوا
جُبِلُوا على سِحْرِ البَيان فجاءهم / حَقُّ البيانِ عَنِ الرِّسالةِ يُعْرِبُ
فاستسلَموا للعَجْزِ عنه وذو النُّهَى / تَأْبَى نُهاهُ قِتالَ مَنْ لا يُغْلَبُ
جاءتْ عجائبُهُم أمامَ عجائِبٍ / أُمُّ الزَّمانِ بِهِنَّ حُبْلَى مُقرِبُ
ما بالُ مَنْ غَضِبَ الإلهُ عليهم / حادوا عن الحقِّ المُبِينِ ونَكَّبُوا
كفَرَتْ عَلَى عِلمٍ بهم علماؤُهم / جَرِبَ الصَّحِيحُ وَلَمْ يَصِحَّ الأجربُ
هلَّا تَمَنَّى المَوْتَ منهمْ معشرٌ / جَحَدُوهُ فامْتَحَنوا الدَّواءَ وَجَرّبُوا
أفيُؤْمِنُون بِهِ وَمِمَّن جاءهم / بالبَيِّنَاتِ مُقَتَّلٌ وَمُصَلَّبُ
عَبَدُوا وموسى فيهمُ العجل الذي / ذُبِحوا بهِ ذَبحَ العجولِ وعُذِّبوا
وصبَوا إِلى الأَوثانِ بَعدَ وَفاتِهِ / وَالرُّسْلُ مِنْ أسَفٍ عليهم تَنْدُبُ
وَإذا القلوبُ قَسَتْ فليس يُلِينها / خِلُّ يَلُومُ ولا عَدُوٌّ يَعْتِبُ
وَأخو الضَّلالَةِ قالَ عيسى ربُّه / وَنَبِيُّهُ فأخو الضَّلالِ مُذَبْذَبُ
ويقول خالِقُه أبوهُ وإنَّه / رَبٌّ وإنسانٌ أَلا فَتَعجَّبوا
أبِهَذِهِ العَوراتِ جَاءَتْ كُتبُهُم / أمْ حَرَّفوا منها الصَّوابَ وَوَرَّبُوا
فاعوجَّ منها ما استقامَ طلوعُه / فكأنها بين النُّجُومِ العَقْرَبُ
عَجَباً لهمْ ما بَاهَلوه ولِم أبَتْ / أحْبارُ نَجرانَ الّذينَ تَرَهَّبُوا
ولقد تَحَدَّى بالبيانِ لقَومِهِ / وإليهمُ يُعزَى البيانُ ويُنسَبُ
فتَهَيَّبُوه وما أتَوْهُ بِسُورَةٍ / مِنْ مِثله وبيانُهُم يُتَهَيَّبُ
مَنْ لَمْ يُؤَهِّلْهُ الإلهُ لحَالةٍ / فاتَتْهُ وهْوَ لِنَيْلِها مُتَأَهِّبُ
عَجَباً لهم شَهِدُوا لهُ بأمانةٍ / حتى إذا أدَّى الأَمانة كَذَّبوا
وارتابَ فيه المشركون ولَمْ يَزَلْ / بالصِّدْقِ عند المشركينَ يُلَقَّبُ
جَحَدُوا النبيَّ وقد أتاهم بالهُدَى / لَولا القضاءُ سألتَهُمْ ما المُوجِبُ
للَّهِ يومُ خروجِه منْ مكةٍ / كخروجِ موسى خائفاً يَتَرَقَّبُ
والجِنُّ تُنْشِدُ وحْشَةً لِفِرَاقِهِ / شِعْراً تَفيضُ به الدُّموعُ وتُسْكَبُ
والغارُ قد شَنَّتْ عليه غارةً / أعْداؤُه حِرْصاً عليه وأجلبُوا
أرَأيتَ مَنْ يَجفو عليه قَوْمُه / تَحْنُو عليه العنكبوتُ وتحْدَبُ
إنْ يكفروا بكتابِهِ فكتابُهُ / فَلَكٌ يَدُورُ على الوُجُودِ مُكَوْكَبُ
قامت لنا وعليهمُ حُجَجٌ به / فَبَدا الصَّباحُ وجَنَّ منه الغَيْهَبُ
فتصادمَ الحَقُّ المُبينُ وإفكهُم / فإذا النُّفُوسُ عَلَى الرَّدَى تَتَشَعَّبُ
فدَعوْا نَزال فأَوْقَدَتْ نيرانَها / سُمْرُ القَنا وَالعادِيَاتُ الشُّزَّبُ
فإذَا بِدِينِ الكُفْرِ يَنْدُبُ فَقْدَهُ / ذرِّيَّةً تُسْبَى وَمالٌ يُنْهَبُ
غالَتْ بُغاثَهُمُ بُزَاةُ كَرِيهَةٍ / أظفارُها في كل صَيْدٍ تَنْشَبُ
حتى بكى عَمراً هِشامٌ في الثَّرَى / مِنْ ذِلَّةٍ وَنَعَى حُيَيّاً أَخْطَبُ
لا تُنْكِرُوا بُغْضِي عَدُوَّ المُصطفى / إني بِبُغْضِهِمُ لهُ أَتَحَبَّبُ
أقْسَمْتُ لا تَنْفَكُّ نارُ قَرِيحتي / أبداً عَلَى أعدائه تَتَلَهَّبُ
هذا وَنُطْقِي دائماً بِمَدِيحِهِ / أذكَى مِنَ الوَرْدِ الجَنِيِّ وَأطْيَبُ
أُهْدِي له طِيبَ الثَّنَاءِ وإنّه / لَيُحِبُّ أنْ يُهْدَى إليه الطَّيِّبُ
أُثْنِي عليه تَشَوُّقاً وتَعَبُّدَاً / لا أنّني لِصفاتِهِ أسْتَوْعِبُ
مُسْتَصْحِباً حُبِّي وإيماني لهُ / وكلاهُما مِنْ خَيْرِ ما يُستَصْحَبُ
أشْتَاقُ للحَرَمِ الشَّرِيفِ بِلَوْعَةٍ / في القلبِ تَحْدُو بي إلَيْهِ وَتَجْذِبُ
ما لي سِوَى ذِكْرَى لهُ في رِحْلَتِي / زَادٌ وَلا غَيرُ اشْتياقِي مَرْكَبُ
وَتَحِيَّة مني إليه يَرُدُّهَا / منه عليَّ مُسَلِّمٌ ومُرَحِّبُ
صلَّى عليه اللَّهُ إنَّ صلاتَهُ / فَرْضٌ عَلَى كلِّ الأنامِ مُرَتَّبُ
ما حنَّ مُشْتاقٌ إلى أوطانِهِ / مِثْلي ورَاحَ بِوَصْفِها يَتَشَبَّبُ
أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا
أرِيحُ الصَّبا هَبَّتْ عَلَى زَهرِ الرُّبَا / فأصْبَحَ منها كلُّ قُطْرٍ مُطَيَّبا
أمِ الرَّاحُ أهْدَتْ للرِّياحِ خمارَها / فأسْكَرَ مَسْرَاهَا الوُجُودَ وطَيَّبا
ألمْ تَرَني هَزَّ التَّصابي مَعاطِفي / وراجَعَني ما راقَ مِنْ رَوْنَقِ الصِّبا
فمنْ مُخْبِري ماذا السُّرُورُ الذي سَرَى / فلا بُدَّ حَتْماً أنْ يكونَ لهُ نَبَا
فقالوا أعادَ اللَّهُ للناسِ فَخْرَهُم / وَلِيَّاً إلى كلِّ القلوبِ مَحَبَّبا
فقلت أَفَخْرُ الدِّينِ عثمانُ قال لي / بَلَى قُلْ له أهْلاً وَسَهْلاً وَمَرْحَبا
وقال الورَى للَّهِ دَرُّكَ قادِماً / سُقِينا به من رحمةِ اللَّهِ صَيِّبا
ونادَى مُنادٍ بينهم بِقدُومِهِ / فَرَهَّبَ منهُم سامِعينَ ورَغَّبا
فأَوْسَعَهُمْ فضلاً فآمَنَ خائِفاً / وَأنْصَفَ مظلوماً وَأخْصبَ مُجْدِبا
وقد أخَذَتْ منه البسيطةُ زِينةً / فَفَضَّضَ منها الزهرَ حَلْياً وذَهَّبا
فيا فرحَةَ الدُّنيا وَفَرحَةَ أهلها / بِيَوْمٍ له مِنْ وَجْهِ عثمانَ أعربا
وشاهد منهُ صُورةً يُوسُفِيَّةً / تباهَى بها في الحُسْنِ وَالبَأْسِ مَوْكِبا
مُفَوِّضُ أمْرِ العالمينَ لِرَأْيه / فكان بهمْ أوْلَى وأدرَى وأذْرَبَا
أعيدُوا على أسماعِنا طِيبَ ذِكْرِهِ / لِيُطْفِئَ وجْداً في القلوب تَلَهَّبَا
ولا تَحْجُبُوا الأبصارَ عَنْ حُسْنِ وجهِه / فقدْ كانَ عنها بالبِعادِ مُحَجَّبا
وَلِيٌّ إذا ضاقتْ يَدِي وَذكَرْتُهُ / مَلَكْتُ نِصَاباً أوْ تَوَلَّيْتُ مَنْصِبا
تَوَسَّلْ به في كلِّ ما أنتَ طالبٌ / فكم نلتُ منهُ بالتوسُّلِ مطلبا
وعِشْ آمِناً في جاهِهِ إِنَّ جاهَهُ / لِقُصَّادِهِ راضَ الزمانَ وهَذَّبا
تَغَرَّبْتُ يَوْماً عَنْ بِلادِي وزُرْتُهُ / فَنِلْتُ غِنَىً ما نَالَهُ مَنْ تَغَرَّبَا
على أنني ما زِلْتُ مِنْ بَرَكاتِهِ / غنِيّاً وفي نَعْمائِهِ مُتَقَلِّبَا
وكُنْتُ لِمَا يَرْضَاهُ بالغيبِ فاعِلاً / وَكُنْتُ لِمَا لَمْ يَرْضَهُ مُتَجَنِّبا
ولا كان دِيناري مِنَ النُّصحِ بَهرَجاً / لَدَيْهِ ولا بَرْقِي مِنَ الوُدِّ خُلَّبا
أمَوْلايَ أَنْسَيْتَ الوَرَى ذِكْرَ مَنْ مَضَى / وأغنى نَداك المادحينَ وأَتعَبا
ولِي أدبٌ حُرٌّ أُحَرِّمُ بَيْعَهُ / وما كانَ بَيْعُ الحُرِّ لِلحُرِّ مَذْهَبَا
وقد أَهْجُرُ العذْبَ الزُّلالَ عَلَى الصَّدَى / إذَا كَدَّرَتْ لِي السَّمْهَريَّةُ مَشْرَبا
وأَنْصِبُ أَحْياناً شِباكَ قَنَاعَةٍ / أَصِيدُ بها نُوناً وَضَبَّاً وجُنْدبا
ومَهْمَا رآني شَاعِرٌ مُتَأَسِّدٌ / تَذأَّبَ منها خِيفَةً وتَثَعْلَبَا
أُراقِبُ مَنْ عَاشَرْتُ منهم كأنَّني / أُراقِبُ كلباً أَوْ أُراقِبُ عَقْرَبا
كأني إذا أهْدِيهِمُ عَنْ ضَلالِهِمْ / أُبَصِّرُ أَعْمىً أَوْ أُقَوِّمُ أَحْدَبا
فلا بُورِكَ المُسْتَخْدمونَ عِصابةً / فكمْ ظالمٍ منهم عَلَيَّ تَعَصَّبا
إذَا ما بَرَى أَقْلامَهُ خلْتُ أَنَّه / يَسُنُّ لَهُ ظُفْرَاً وناباً ومِخْلَبَا
يغالِطُني بعضُ النَّصَارَى جَهالةً / إذا أَوْجَبَ المُلْغَى وَأَلْغَى المُوجَّبَا
ومَا كانَ مَنْ عَدَّ الثَّلاثَةَ وَاحداً / بِأَعْلَمَ مِنِّي بالحِسَابِ وأكْتَبَا
وَما الحَقُّ في أَفْوَاهِ قومٍ كأنّها / أَوَانٍ حوَتْ ماءً خَبِيثاً مُطَحْلَبَا
مُفَلَّجَةٍ أَسْنَانُها فكأنَّها / أَصَابَ بها الزِّنْجَارُ أَحْجَارَ كَهرَبا
كأنَّ ثَناياهُم من الخَبَثِ الذي / تَحَصْرَمَ في نِيَّاتِهِمْ وتَزَبَّبا
عجِبْتُ لِأمرٍ آلَ بالشَّيْخ مخْلصاً / إلى أَنْ يُعَرَّى كاللُّصوصِ وَيُضْرَبا
بَكَيْتُ لَهُ لَمَّا كَشَفْتُ ثيابَهُ / وأَبْصرتُ جسماً بالدِّماءِ مُخَضَّبا
وَحَلَّفْتُهُ باللَّهِ ما كانَ ذَنْبُهُ / فأَقْسَمَ لِي باللَّهِ ما كانَ مُذْنِبَا
وَلكنْ حبيبٌ راحَ فِيَّ مُصَدِّقاً / كلامَ عَدُوٍّ ما يزالُ مُكَذّبا
فقلت ومن كان الأَميرُ حبيبَه / فلا بد أَنْ يَرضَى عليه وَيَغْضَبا
فصَبْراً جميلاً فالمُقدَّرُ كائِنٌ / فقد كانَ أمراً لم تجِدْ منهُ مَهْرَبَا
فإبليسُ لَمَّا كانَ ضِدَّاً لِآدمٍ / تَخَتَّلَ في عِصْيانِهِ وَتَسَبَّبَا
وقد كانت العُقْبَى لآدمَ دونَه / فتابَ عليه اللَّهُ مِنْ بعْدُ وَاجْتَبَى
وَمِنْ قبْلِ ذَا قد كُنتُ إذ كُنتَ ذاكِراً / نَهَيْتُكَ أنْ تَلْقَى الأَميرَ مُقَطِّبَا
دَعَاكَ إلى أَمرٍ مُهِمٍّ فجِئْتَهُ / كَأَنَّكَ في عُرْسٍ أَتَيْتَ مُشَبّبا
فلا تنْسَ فينا للأَميرِ قضِيَّةً / فَتَفْتَحَ باباً لِلْعِتَابِ مُجَرَّبا
وَإياكَ أَنْ تُبْطِي عَلَيَّ بِرَاتبي / فيَبْقَى عليكَ اللَّومُ منه مُرَتَّبا
وَخَف صارِماً هَزَّ المَدِيحُ فِرِنْدَهُ / حَبِيبٌ إِليه أَنْ يُهَزَّ ويُنْدَبَا
فلا فارَقتْ منه السَّعَادَةُ قائماً / وَلا فَلَّتَتْ منه الحَوادِثُ مَضْرِبا
ولا زالَ دينُ اللَّهِ يَرْضَى الَّذي قَضَى / به في بَنِي الغالِي وَيأبى الذي أبَى
لا تَظلِموني وَتَظلِموا الحِسْبَه
لا تَظلِموني وَتَظلِموا الحِسْبَه / فليسَ بيني وَبينها نِسْبَه
غيْرِي في البيعِ وَالشِّرَا دَرِبٌ / وَليس في الحالتيْنِ لي دُرْبَه
فهو أبو حَبَّةٍ كما ذَكَرُوا / لا يَتَغَاضَى للناسِ في حَبهْ
وَقامَ في قومِهِ لِيُنْذِرَهُم / فهْوَ بإنْذَارِ قومِهِ أشْبَهْ
والناسُ كالزَّرْعِ في منابِتِهِ / هذا له تُرْبَةٌ وَذَا تُرْبَهْ
تاللَّهِ لا يَرْضَى فضلي وَلا أدَبي / وَلا طِباعِي في هذهِ السُّبَّهْ
أَجْلِسُ والناسُ يُهْرَعُونَ إِلَى / فِعْلِي في السُّوقِ عُصْبَةً عُصْبَهْ
أُوجِعُ زَيْداً ضَرْباً وَأُشْبِعُهُ / سَبّاً كَأني مُرَقِّصُ الدُّبَّهْ
ويُكسِبُ الغيْظُ مُقْلَتَيَّ وخَد / ديَّ احْمِراراً كنامر القِرْبَهْ
وآمُرُ الناسَ بالصَّلاحِ ولا / أُصْلِحُ نَفْسِي حُرِمْتُها حِسْبَهْ
لَمْ أَرَ في قُبْحِ فِعْلِهَا حَسَناً / كالكلبِ فِي السُّوقِ يُلْقِحُ الكلْبَهْ
وما كفَاها حتى يُخَيَّلَ لِي / أَن اتِّباعِي أَهْوَائِها قُرْبَهْ
أَعُوذُ باللَّهِ أَنْ أَكُونَ كَمَنْ / تَغْلِبُهُ في الرَّقاعَةِ الرَّغْبَهْ
يمشي بها والصِّغارُ تُنْشِدُهُ / أميرُنا زارَنا بِلا ركْبَهْ
وَما يزالُ الغُلامُ يَتْبَعُهُ / بدرَّةٍ مِثْلَ رَأْسِهِ صُلْبَهْ
وَهْوَ يقولُ افْسَحوا لِمُحْتَسِبٍ / قد جاءكم مِنْ دِمَشْقَ في عُلْبَهْ
لا تَنْقَفِلْ يا فُلانُ في بَلَدٍ / لَمْ تَنْقَفِلْ منكَ بينهمْ ضَبَّهْ
فمنْ تَبَاهَى بأَنَّهُ وتدٌ / فلْيَحْتَمِلْ دَقَّ كلِّ مِرْزَبَّهْ
ما بالُه خايَلَ الزّمانَ بها / كَمْ كانَ لِلَّيْلِ فيك مِنْ صَبَّهْ
وقائلٍ لَمْ يَقُلْ أَتاهُ كَذَا / يَسْفَهُ في قولِهِ ولا يُجبَهْ
معناه مَنْ لَمْ يكنْ كَوالدِهِ / فَهْوَ لَقيطٌ رَمَتْ به قَحْبَهْ
قلتُ لهم عندَ صاحبي حُمقٌ / في كُلِّ حينٍ يُلْقِيهِ في نَكْبَهْ
حَصَّلَ مالاً جَمَّاً وعَدَّدَه / مِنْ أَصْلِ مَالِ الزَّكاةِ والوهْبَهْ
وَصارَ عَدْلاً وعاقِداً وَأَمِي / نَ الحُكْمِ دون العدولِ في حِقْبَهْ
مُنَبِّهٌ قومَهُ عَلَى شُغُلٍ / وساعدَ الوقْتُ سَعْدَ مَنْ نَبَّهْ
وَخِفْتُ مِنْ عَتْبِهِمْ عَلَيَّ كما / خافَ العَتاهِي العَتْبَ مِنْ عُتْبَهْ
فَطَارَ بُرْغُوثُهُ لِخِفَّتِهِ / وَرامَ يَحْكِي الأسودَ في الوثْبَهْ
فَلَمْ يَرم إذْ رَمَتْهُ بِفِطْنَتِهِ / إلى وُهودِ الْخمولِ مِنْ هَضْبَهْ
أَغْرَقَهُ جَهْلُهُ وَما سُتِرَتْ / قَطُّ لَهُ سُرَّةٌ وَلا رُكْبَهْ
وَعَادَ تَمْوِيهُهُ عليه وكَمْ / أَخْجَلَ شَيْبُ الذقونِ منْ خَضبهْ
وَرَاحَ مِثْلَ النَّواتِ في سُفُنٍ / خَيْرٌ لَهُ مِنْ سُلافَةٍ عَطْبَهْ
وَسَاءَنِي ما جَرَى عليه مِنَ النِّسْ / وَةِ يومَ الخميسِ في التُّرْبَهْ
فلا تَسَلْنِي فما حَضَرْتُ لها / لكِنْ سمِعْتُ الصِّيَاحَ والنُّدْبَهْ
وقالتِ الناسُ عندما وَرَدَتْ / لِعَزْلِهِ الكُتْبُ هانَتِ الوَجْبَهْ
فالحمدُ للَّهِ فاحْمدُوهُ مَعِي / على خَلاصِي مِنْ هذهِ النِّسْبَهْ
اليوْمَ حَقَّقْتُ أَنَّ أَمْرَكَ بالحس / بَةِ لِي ليسَ كان لِي لُعْبَهْ
يا ماجِداً ما يَزالُ يُنْقِذُ مَنْ / رَماهُ رَيْبُ الزَّمانِ فِي كُرْبَهْ
إِنِّي امْرُؤٌ حِرْفَتِي الحِسابُ فَلا / يَدْخُلُ رَيْبٌ عليَّ في حِسْبَهْ
ولا تَرُدُّ الكُتَّابُ جائزةً / على حِسابٍ منِّي ولا شَطْبَهْ
يَشْرَقُ مني بِرِيقِهِ رَجُلٌ / يَشْرَبُ مالَ العُمالِ فِي شَرْبَهْ
وَالشِّعْرُ مِيزَانُهُ أُقَوِّمُهُ / وليس تَنْقَامُ منه لي حَدْبَهْ
فإنني لا أرَى المدِيحَ به / لِلْمَالِ بلْ لِلْوِدَادِ والصُّحْبَهْ
وَالشِّعْرُ عندي أَخُو العَدالةِ لا / أحسِبُ أَقْوَالَهُ وَلا كَسْبَه
فَلَمْ أَكُنْ أَتْبَعُ العَذُولَ إلَى / عَقْدٍ إذا ما دُعَاؤُهُ خُطْبَهْ
مِنْ كلِّ مَنْ لا يخافُ عاقِبَةً / كأنّه في ذهابِهِ عُقْبَهْ
يَذْبَحُهُ ظُلْمُهُ وَيَنْحَرُهُ الْ / جَهْلُ بِلا شَفْرَةٍ ولا حَرْبَهْ
كَمْ غَيَّةٍ قدْ أتَاكَ بها ال / شاهدُ في سَلَمٍ وَفي كِذْبَهْ
يُنِيلُ نَيْلَ الفُسوقِ مِنْ فَمهِ / لا بارَكَ اللَّهُ فيهِ مِنْ جعْبَهْ
فليسَ لِي فِي الشُّهودِ مِنْ أرَبٍ / إذْ وُصِفُوا كاليهودِ بالأُرْبَهْ
فارْحَمْ لبيباً يَوْماً دَعَاكَ وَقد / بَلَّغَتِ الجوع رُوحَهُ اللَّبَّهْ
لوْ عُمِّرَ ابنُ المِعمار خَوَّلهُ / نِيَابَةَ الخِدْمَتَيْنِ والخُطْبَهْ
وَلَمْ يَدَعْهُ كَلًّا عَلَى أَحَدٍ / بغَيْرِ نَفْعٍ كأنهُ وَلْبَهْ
حاشاكَ يا مَنْ أَبوابُهُ وَطنِي / تَخْتَارُ لِي أَنْ أَموتَ فِي الغُرْبَهْ
وَأَنَّ حالِي وَحالَ عائلَتي / لا يَحْمِلُونَ النُّوَى ولا الغُرْبَهْ
إنْ كانَ أَرْضَى الزَّمانَ فُرْقَتنا / فاغْضَبْ على صَرْفِهِ لنا غَضْبَهْ
فأَنْتَ مِنْ مَعْشَرٍ تُطِيعُهُمُ ال / أَيَّامُ عنْ رَغْبَةٍ وَلا رَهْبَهْ
وَمِنْ مَلِيكٍ ما فَوْقَ رُتْبَتِهِ / على عظيم اتِّضاعِهِ رُتْبَهْ
ما مَلِكُ الرُّومِ في جَلالَتِهِ / أَحَقَّ منه بالطَّيْرِ والقُبَّهْ
أَنْتَ الأميرُ المُعيدُ أَلْسُنَنا / كالعُودِ منه بِذِكْرِهِ رَطْبَهْ
والسابِقُ الأَوَّلِينَ في كَرَمٍ / لَمَّا جَرَى والكِرامُ في حَلْبَهْ
والهازِمُ الجَيْشَ والكَتائِبَ بال / طَّعْنَة يَوْمَ الوَغَى وبالضَّرْبَهْ
والطاهرُ الذَّيْلِ والطَّوِيَّةِ أَوْ / يَكْفِي السَّعِيدَ الحَراكَ والنَّصْبَهْ
مَنْ خُلْقُهُ كالنَّسِيمِ يَنْشُرُ إنْ / هَبَّ عليه مِنْ نشرهِ هَبَّهْ
وَمَنْ إذا ذَكَرْتَ سُؤْدُدَهُ / يَهُزُّني عندَ ذِكْرِهِ طَرْبَهْ
صَلاحُهُ اسْتَخْدَمَ الزَّمانَ لَهُ / فصارَ يَمْشِي قُدَّامَهُ حَجْبَهْ