المجموع : 19
في ليلة ليس بها كوكب
في ليلة ليس بها كوكب / كأنما مشرقها مغرب
يمسي سواداً كل ما بينها / ففوقها وتحتها غيهب
لا يدرك الفكر بها مطلباً / فكل ما يطلبه يهرب
جاؤا بمظلوم إلى ظالم / قالوا له هذا هو المذنب
بكى وفي الدار بكور مثله / فكل من في داره ينحب
وقد رأينا حوله صبية / تندب حين أمهم تندب
قال اجعلوه مثل أترابه / من كان من مذهبه يذهب
وأقبل الصبح على أيم / وصبية ليس لديهم أب
يا بحر لو تنطق أخبرتنا / ما قال من غيبت إذ غيبوا
دعا باسمه داعي النوى فأجابا
دعا باسمه داعي النوى فأجابا / وودع أحباباً لهُ وصحابا
صريع الهوى لو أن للحظ معتباً / لصاغ لهُ زهر النجوم عتابا
لقد لمستهُ يوم شط برحله / أشعة الحاظ الحسان فذابا
سيبكي لمنآه رباب وزينبٌ / كذاك سيبكي زينباً وربابا
فلا تعجبوا من هلكه يوم بينه / فليس هلاك البائنين عجابا
إلا أنه دهر رمى فأصابه / وقدماً رمى من قبلهُ فأصابا
أراني وحيداً والحوادث جمة / ألاقي طعاناً جيشها وضرابا
أثبّت أقدامي وأبرز صفحتي / لديها ولا أرضى هناك حجابا
فأطعمها من لحم جسمي مطعماً / شهيّاً واسقيها الدماء شرابا
إذا ما تعدّاني طلاب أردتهُ / فلا كان لي ذاك الطلاب طلابا
ولي أمل أودى الزمان بنجحه / وخيّبه سوء الظنون فخابا
ولو شئت وفّيت الليالي حسابها / عليه ولكن لا اشاء حسابا
هواي هوى لم يذخر الناس مثله / به طبت ما بين الكرام وطابا
أحب الليالي لا للهوٍ وإنما / لأقرأ سفراً أو خط كتابا
تسيّر أقلامي ركاباً خواطري / فتدرك من ظعن الخيال ركابا
فتأني عصيّات المعاني مطيعة / تجرّر من سحر الكلام ثيابا
نواهز من حدّ البلاغة رتبة / إذا نالها الأدراك كان شهابا
صعاب على غيري إذا هو رامها / وإن رمتها ليست عليّ صعابا
أبى الله غلا أن أزيد تصابياً / لمجدي ومجدي أن يقال تصابى
فمن مبلغ عني الغضاب الألى جنوا / بأني امرؤ ما أن أخاف غضابا
أذم فلا أخشى عقاباً يصيبني / وامدح لا أرجو بذاك ثوابا
على م أحابي معشراً أنا خيرهم / ومثلي إذا حابى الرجال يحابى
وقائلة حتى م يُفني شبابهُ / فقلت إلى أن لا يصير شبابا
الى أن تزول الأرض عن نهج سيرها / وتصبح هذي الكائنات خرابا
ولما غدا قول الصواب مذمماً / عزمتُ على أن لا أقول صوابا
فجافيت أقلامي وعفت استقامتي / ورحت أرجّي للسلامة بابا
سينشد ميدان الصبا بعد عزلتي / إذا ناب عني ذو القصور منابا
لي الله أما منْ رضيت فقد مضى / برغمي وأما من أبيتُ فآبا
ردي يا جيادي البحر غير جوافل / وخوضي عباباً للردى وعبابا
فما العز إلا أن يدور بنا المدى / فنمسي حضوراً مرة وغيابا
وما بأس من شام الليوث فلم يهب / إذا شامه ليث العرين فهابا
أقول وقد مرت بي الريح موهناً / وحيت بيوتاً بالحمى وقبابا
الكني إلى الأحباب حيث لقيتهم / خطاب امرئ انشا الفؤاد خطابا
غداً تقطع الأسباب بيني وبينهم / ويحرم كل خلة وحبابا
وتجدب الأرض عادرتها خصيبة / سحاب مضت لم تبق بعد سحابا
في نصرة الحق تصدق الخطب
في نصرة الحق تصدق الخطب / يا دهر فاسمع لتشهد الكتب
اليوم جند الأقلام غالبة / لا البيض تغني عنها ولا القضب
إستوثق اليأس من مواضعه / هذي نفوس كالنار تلتهب
وعاد صرف الزمان متضعاً / وهادنت بعد حربها النوب
فلينهض الشرق أهل نجدته / قد آن أن ينهضوا وأن يثبوا
اليوم نبني ما غيرنا هدموا / وفي غد نسترد ما سلبوا
إن الحياة التي نجن بها / راحتنا كلنا بها تعب
لولا بلاد عرفتها وطناً / لم أطلب المجد مثل من طلبوا
تفديك نفسي وما يلم بها / يا مهد آبائي الالى ذهبوا
أبكيك أرثيك ما حييت وإن / مت فروحي عليك تنتحب
قال الأعادي فينا مقالتهم / قد شهد الله أنها كذب
ليس العداء الذي نرى عجباً / وإنما ودهم هو العجب
إلا يزعهم عن زورهم أدب / فإننا وازع لنا الأدب
ومن له في هجائنا ارب / فما لنا في هجائه أرب
لن يغلبوا الحق في معاشره / من غالبوا الحق قبلهم غلبوا
ما أزهد الناس إذ ترغبهم / وأطمع الناس إن هم رغبوا
هم يطلبون الخسيس إن حرموا / ويسأمون النفيس إن وهبوا
وشقوة الحر بينهم عظمت / إذا أتى ناصحاً لهم غضبوا
الشر حي يا صدور قد كشفت / لك الخوافي وزالت الحجب
ويا قلوب الأحرار لا تجبي / إن قلوب الاحرار لا تجب
للحق رمح سنانه ذرب / وصارم في حديده شطب
كلاهما ضربه له نفذ / فلا يقي مغفر ولا يلب
إنا لقوم إن يختلف نسب / ما بيننا فالعلى لنا نسب
لم يقطع الدهر بيننا سبباً / إلا وقد مد بيننا سبب
يا عصر عصر العلوم هل أمل / فيك لأهل النهى فيرتقبوا
شموسك اليوم غير ثابتة / تبدو قليلاً لنا فتحتجب
ما ضرها لو تظل مشرقة / وتنجلي عن سنائها السحب
لا بد للمجد من معاودة / يا مجد عد فالكرام قد طلبوا
كلما هب من فروق نسيم
كلما هب من فروق نسيم / الهب الشوق في الحشا الهابا
لو يفيد العتاب في الحظ شيئاً / كنت أوسعته عليك عتاباً
نحن في بلدة عديمة صحو / لا نرى في السماء إلا سحابا
استسرت نجومها في دجاها / وأخوك الهلاك في الأفق غابا
ما بها روضة ولا عندليب / غير أنّا بها سمعنا الغرابا
تتهادى على الوحول ونأوي / لبيوت تخالهن قبابا
لا نرى في الشتاء إلا صقيعاً / لا نرى في الربيع إلا ترابا
لهف نفسي على ليالٍ تقضت / رق فيها عهد الصفاء وطابا
أسفرت عن صباح بُعد طويل / لست أدري متى يكون اقترابا
يا أخا الود ما يصدك عنا / وبنا نائب من الدهر نابا
إن تكن جفوة فرأيك أعلى / أن نجافي على البعاد الصحابا
أدكرني وليس مثلك ينسى / حين تتلو هناك هذا الكتابا
لا تبالي إمّا استطال اغترابٌ
لا تبالي إمّا استطال اغترابٌ / جهل قوم ما النفي أمرٌ يعابُ
واصبري للزمان حيناً فإني / أرتجي أن يزول هذا السحابُ
نحن جند الصواب مهما انهزمنا / عن أعاديه فالصواب صوابُ
وصروف الزمان فيها اختلاف / فوز حزب تنكى به أحزابُ
أفسد الظلم أنفس الناس حتى / لو رأى الناس عادلاً لارتابوا
قد أجيعوا فالبعض يأكل بعضاً / غنمٌ بعضهم وبعض ذئاب
أفلا يزال السوط حاكمكم
أفلا يزال السوط حاكمكم / وأبو السياط بيلدِزٍ ذهبا
أفلا يزال الدهر يعجبكم / ضرب ومضروب ومن ضربا
ونقول أحرار فنمدحكم / لا حرّ فيكم كلنا كذبا
لا تسلبوا الأوطان باقية ال / أرواح إن كثرها سُلبا
ذهبت مطامعكم بما جمعت / لا فضة أبقت ولا ذهبا
ما ينقضي من أمركم عجب / إلا ليحدث بعده عجبا
أخ جاء يدعوني إلى نصر أخوة
أخ جاء يدعوني إلى نصر أخوة / وهذا يراع سامع ومجيب
فقلت له لا تسلم النفس للأسى / إذا ساء عيش أنه سيطيب
وهذي الليالي لا يقر قرارها / فمن لم يصبه الخير سوف يصيب
لنا أكبد لا تخمد النار تحتها / ولا هي من حر اللهيب تذوب
أظن لنا في ذمة الدهر طلبة / وأدراكها للآملين قريب
قضى زعماء السوء فينا بما قضوا / لهم دوننا في الطيبات نصيب
نخال جديدات الأمور عجيبة / وما تحت فسطاط السماء عجيب
ظلمتم الدهر فما ذنبه
ظلمتم الدهر فما ذنبه / يرحمه من ظلمكم ربه
شاب بكم في حسرة رأسه / أما كفى في حسرة شيبه
يا ليته عاتبكم مرة / فربما يصلحكم عتبه
لقد مضى من زمن جده / فلا يغرنكمو لعبه
ما للهدى قد ضل عن أرضكم / ما خطبه إذ ضل ما خطبه
أخواننا إن الصبا غركم / وهكذا في غيركم دأبه
قد كان مرعى فانقضى خصبه / هذا الذي بنصره جدبه
بت عليه بعده نادياً / وليس بجدي بعده ندبه
أشكو إلى الله قلوباً جنت / وإنني من قد جنى قلبه
أين الوفاء لا أرى من وفا / أمات أم أماته حزبه
أحزننا أحزننا بعده / وقبله افرحنا قربه
الحمد لله مضى ما مضى / لا يغضه باق ولا حبه
يا منزلاً بات الهوى صبه / وإنني قبل الهوى صبه
أظل ابكيك بدمعي وإن / ينفد يجد بغيره غربه
عذبتني بهواك يا قلبي
عذبتني بهواك يا قلبي / إن كنت لست تفيق ما ذنبي
روحي الفداء لها فإن رضيت / مني الفداء فإنه حسبي
أنا من يموت بحبها كلفاً / ويعيش بعدي عندها حبي
في مهجتي نار إذا اضطرمت / أخشى حرارتها على لبي
يا نارها زيدي ويا كبدي / ذوبي ويا نسماتها هبي
الله صورها لأعشقها / عشقي لها قد شاءه ربي
يا معشر الشعراء حسبكمو / أو ليس حقي التيه من عجبي
من ذا يراك ولا يحبك
من ذا يراك ولا يحبك / سل إن أردت يجِبْك قلبك
أنظر إلى المرآة تعـ / ـلمْ كيف أنت وكيف حبك
من مبلغ قلبك عن قلبي
من مبلغ قلبك عن قلبي / بعض الذي فيه من العتب
هل يستطيع الصبر طول النوى / وكان لا يصبر في القرب
نوى أتي في مستهل الهوى / كغصة في أول الشرب
لم تذنبي أنت ولكنني / أذنبت في خوفي من الذنب
لو كنت تعلم إذ سألتك مابي
لو كنت تعلم إذ سألتك مابي / لرددت يا ربع الحبيب جوابي
سلبت شبابك نازلات جمة / أني كذلك قد سلبن شبابي
لهفي على عهدي وعهدك بالصبا / أيام يجمعنا هوى الأحباب
إذ لا يهددني الزمان بفرقة / أبداً ولا يرضى الحبيب عذابي
متهادياً أما على وشي الربى / أو لا فتحت كواعب الأعناب
فمن الخدود إذا أشاء فواكهي / ومن الثغور إذا اريد شرابي
مالي جفيت وكنت أحسب ودهم / أفنى ولا يفنى مدى الأحقاب
إني أعاتبهم على ما قد جنوا / لو كان يعطفهم عليّ عتابي
أسلمت للأوصاب قلباً سالماً / قد كنت أحميه من الأوصاب
وتركت جسمي للحاظ دريئة / ترمي إليه بأسهم الأهداب
لا تعجبوا للحب إن غلب النهى / فالحب غلاب النهى الغلاب
قد كنت تفتنني الغدائر ضلة / فإذا بهن مصايد الألباب
تنساب فوق معاطف مخذولة / تنساب في تيه وفي أعجاب
ولرب ليل بت في سدفاته / ندمان أقداح سمير كعاب
أشكو لهن لواعجي فيزدنها / وبكل واحدة هنالك ما بي
إني نزعت عن الغرام بمهجتي / وتركت في اسر الجمال نهابي
وبرزت للايام مطلعاً بها / فهزمتها بالبأس عن آراني
أما لو يفيد العتب لارتاح عاتبه
أما لو يفيد العتب لارتاح عاتبه / دعوه فهذا البرق لا بد كاذبه
قلوبكم هامت كما هام قلبُهُ / وأمس طلبتم ما هو اليوم طالبهُ
فلا تحسبوه خاسراً ليس خاسراً / تجاربكم زالت وهذي تجاربه
لهُ مثلهُ في أنسه ونفاره / يراضيه أياماً وأخرى يغاضبه
بأية عين أم لأية زلّة / نراقبه في حبِه ونحاسبه
ألا أنه سهم أصاب فؤاده / وكل فؤاد ذلك السهم صائبه
تذكرت ريعان الشباب الذي مضى / فأحزنني أن لن تعود أطايبه
لقد كنتُ أقضي ليلتي في حديثه / يسائلني عن حبه فأجاوبه
سمعتُ بنات الورْق تشدو ضحيّة / فقلت اسمعوا هذه الطيور تخاطبه
لها مهجٌ فيها هوى تحتهُ لظى / فإما سرت ريح توقد لاهبه
أرى اليأس أدنى للشفاء من الرجا / إذا عزّ مطلوب سلا عنه طالبه
وكم من جوى مستمكن في جوانح / أهاب به لوم فجاشت غواربه
بالله من منا يصيب إذا اشتكى
بالله من منا يصيب إذا اشتكى / قولي اصيب كما أقول أصيب
قومي نسائل في السماء نجومها / فلقد اسائل بعضها فتجيب
أرنو إلى الآفاق وهي جوامد / ونثور أشجاني لها فتذوب
ألا ما لسيدتي ناحبه
ألا ما لسيدتي ناحبه / بروحي مدامعها الساكبه
يكاد على خدها الاحمرار / يبين لناظره لاهبهْ
وليست بمعرضة في دلال / ولكن أرى أنها غاضبة
ألا صدقت هذا العبرات / وقد كنت أحسبها كاذبة
لمن يذخر الودّ مسلوبهُ / إذا هو أرضى به سالبه
تمنيت لو كتبت ما بها / ولكنها لم تكن كاتبه
تفتش ليست ترى صاحباً / يقاسمها الحزن أو صاحبه
لقد غلب اليأس آمالها / وآمالها كانت الغالبه
أزيلي الحجاب عن الحسن يوماً / وقولي مللتُكَ يا حاجبه
فلا أنا منك ولا أنت مني / فرح ذاهباً إنني ذاهبه
ألم يبق إلا ذا الفؤاد المعذب
ألم يبق إلا ذا الفؤاد المعذب / كفى ما به في غيره متطلب
سيجزيك عن آلامه بدعائه / ويرجو لك الإسعاد وهو يعذب
دعا فأجبته وطن حبيب
دعا فأجبته وطن حبيب / وقمت مودعاً وطناً حبيباً
سيضى المنزل الداني بعيداً / ويمسي المنزل النائي قريباً
تناقلك المعالي في سراها / صعوداً لا نخاف له صبوباً
لئن جاوزت في البعد المآقي / فلست مجاوزاً فيه القلوبا
سنذكر منك أخلاقاً حساناً / تزيد على النوى حسناً وطيباً
ونتبعك الثناء بكل أرض / يقوم إذا نزلت بها خطيباً
فيملأ صدقه أذناً سميعاً / ويطرب صدقه قلباً طروباً
ويجري في نشيدهم مديحاً / ويقطر في نفوسهم نسيباً
لقد أمتعتها بالسلم حتى / تكاد اليوم لا تدري الحروبا
فعش يا مسكويل لود مصر / ونرجو بعد ذلك أن تؤوبا
تموت أنت وأحيا
تموت أنت وأحيا / هذا القضاء العجيب
يبقى المريض ليشفي / حيناً ويودى الطبيب
إن أبعدتك المنايا / إن اللقاء قريب
أو ساء بعدك عيش / فالموت سوف يطيب
لقد صبرنا كثيراً / وساعدتنا القلوب
واليوم ذبنا وذابت / إن الحديد يذوب
لا تبكين حبيباً / فكم هناك حبيب
قد كنت فينا غريباً / وما هناك غريب
بلغت دار أمان / ترتد عنها الخطوب
كأنما يراعه سوطه
كأنما يراعه سوطه / يضرب إن جد ولا يكتب
لا تدع العجمة أسلوبه / فليس في أسلوبه معرب