القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : السَّرِي الرَّفّاء الكل
المجموع : 60
أجانبُها حِذاراً لا اجتِنَابا
أجانبُها حِذاراً لا اجتِنَابا / وأعتِبُ كي تُنازِعنَي العِتابا
وأبعُدُ خِيفَةَ الواشين عنها / لكي أزدادَ في الحبِّ اقترابا
وتأبى عبرتي إلا انسكابا / وتأبى لوعتي إلا التهابا
مرَرْنا بالعقيقِ فكم عقيقٍ / ترقرقَ في محاجرِنا فذابا
ومن مغنىً جعلنا الشوقَ فيه / سؤالاً والدموعَ له جوابا
وفي الكِلَلِ التي غابتْ شموسٌ / إذا شَهِدَتْ ظلامَ الليلِ غابا
حملْتُ لهنَّ أعباءَ التصابي / ولم أَحمِلْ من السُّلوانِ عابا
ولو بَعُدَتْ قِبابُكَ قابَ قوسٍ / من الواشينَ حَيَّينا القِبابا
نَصُدُّ عن العُذَيب وقد رأينا / على ظَمإ ثناياكَ العِذابا
تثِّني البرقِ يُذكِرُني الثَّنايا / على أثناءِ دجلةَ والشِّعابا
فأياماً عَهِدْتُ بها التَّصابي / وأوطاناً صَحِبْتُ بها الشَّبابا
ولستُ أرى الإقامةَ في مَقامٍ / يضُمُّ غرائبَ الحَمْدِ اغترابا
وقد شغلَ النَّدى الألبابَ فيه / فباتتْ تَنظِمُ الكَلِمَ اللُّبابا
رياضٌ كلما سُقِيَتْ سَحاباً / بسَيفِ الدولةِ انتظرَت سَحابا
رحيبُ الصَّدرِ يُنزِلُ آمليهِ / من الأملاكِ أوسعَها رِحابا
ومنشئُ عارضٍ يُذكي التهاباً / على الآماقِ أو يَهمي انسكابا
يُلاقي الرَّاغبين ندَى يديه / برَغبَتِه وإن كانوا رِغابا
إذا انتهبَتْ صوارمُه بلاداً / أعادَتْه مكارمُه نِهابا
ربيبُ الحربِ إن جرَّ العوالي / إلى الهيجاءِ راعَ بها ورابا
تودَّدَها حديثَ السِّنِّ حتى / أشابَ شَواتَها طعناً وشابا
يَعُدُّ حياضَ غَمْرتها عِذاباً / إذا ما عدَّها قومٌ عَذابا
أأبناءَ الصليبِ تواعَدَتْكم / قواضبُ تَنثُرُ الهامَ اقتضابا
إذا طارَتْ مُرفرفةً عليه / عِقابُ الجيش فانتظروا العِقابا
وإن حسرَ الضريبُ مُلاءتَيْه / عن الدَّربين فارتقبوا الضِّرابا
فقد عاق الشتاءُ الحَيْنَ عنكم / وعنه الحربَ فيه والحِرابا
سيُرضي اللهَ ذو سخَطٍ عليكم / يقودُ إليكم الأُسْدَ الغِضابا
تقلَّبَ في بلادِ الرومِ حتى / أمالَ عروشَهم فيها انقلابا
كأنَّ الجوَّ لما انقضَّ فيها / أطالَ عليهم منه شِهابا
فلم يَثْنِ القَنا الخَطِّيَّ حتى / أقادَ بكل ما كَعَبَ كَعَابا
ويومَ البَرقَموشِ كأنّ برقاً / تألَّقَ بالحُتوفِ له فصَابا
سموتَ له وبحرُ الموتِ سامٍ / فلما عبَّ فَرَّجْتَ العُبابا
بِذَبٍّ عن حريمِ الله أربَى / فلم تُتركْ لذي شُطَبٍ ذُبابا
سَلِمْتَ لبيضةِ الإسلامِ ترمي / مراميَها انصلاتاً وانتدابا
وعادَ عليكَ عيدُك ما توارى / جبينُ الشمسِ أو خَرَقَ الحِجابا
وخُذْها كالتهابِ الحَلْيِ تُغْنِي / عن المِصباحِ في اللَّيلِ التِهابا
مُشَعْشَعَةً كأنَّ الطَّبعَ أَجرى / على صَفَحاتِها الذَّهبَ المُذابا
يَكُرُّ لها العَيِيُّ الفكرِ حَوْلاً / ويكبو دونَ غايتِها انكبابا
كذاكَ العَيرُ إمَّا احُتثَّ يوماً / ليدخُلَ في غُبار الطِّرْفِ خابا
أكانَ لقلبِه عنكَ انقلابُ
أكانَ لقلبِه عنكَ انقلابُ / أمالَ به إلى الغَيِّ العتابُ
أشأنُ دموعِهِ إلا انسكابٌ / أذابَ ضلوعَه إلا التهابُ
يُجابُ الشَّوقُ فيك إذا دعاه / ويُمتَهَنُ العذولُ فلا يُجابُ
ورفَّعْتَ القِبابَ ضُحىً فقُلنا / أَزُهْرٌ ما تضمَّنَتِ القِبابُ
ظعائنُ أشرقَتْ بالدمعِ عيني / وقد شَرِقَتْ بها تلك الشِّعابُ
محاسنُها لأعيُننا نِهابٌ / وأنفسُنا لأعيُنِها نِهابُ
نَشيمُ لها بوارِقَ جاوزَتْنا / كما يجتازُ شائمَه السَّحابُ
أَآنسةَ الدُّمى لولا التثِّني / ونافرةَ المَهى لولا السِّخابُ
صفا لك وُدُّنا من كلِّ شَوبٍ / وأحلى الودِّ ودٌّ لا يُشابُ
ومن عَجبٍ ثَناي على رُضابٍ / تَضِنُّ به ثناياكِ العِذابُ
أجَدَّ وقوفُنا بالدارِ شوقاً / إليكِ وجِدَّةُ الشَّوقِ اكتئابُ
وحنَّت في رُباكِ العِيسُ حتى / كأنَّ طُلولَهُنَّ لَها سِقابُ
سأُبرزُها سَوافرَ لا يُواري / محاسِنَها إذا برزَتْ نِقابُ
مُكرَّرَةً على راووقِ فِكرٍ / مُروَّقَةً كما راقَ الشَّرابُ
محبَّبةً لها في كلِّ قلبٍ / وإن بُعدَتْ مناسبُها اقترابُ
هي الكَلِمُ اللُّبابُ صَفاً وحُسْنَاً / وسيفُ الدَّولةِ الملكُ اللُّبابُ
َلأُدني من غرائِبها إليه / وكان لهنّ في الأرضِ اغتِرابُ
فها هي لا تَزَحْزَحُ عن ذَراه / ولا ترجو سواه ولا تَهابُ
هو الليثُ الذي إن يَحْمِ أرضاً / فكلُّ فِجاجِ تلك الأَرضِ غابُ
مُهنَّدُه إذا ما زارَ ظِفرٌ / وعاملُه إذا ما صاب نابُ
وأينَ الليثُ من طَلْقِ المُحيَّا / يجُدُّ ثوابُه ويَني العقابُ
وسَهْلٍ حينَ يسألُ غيرِ صَعْبٍ / وقد ذلَّتْ له العُربُ الصِّعابُ
له في كلِّ أُنمُلَةٍ سَحابٌ / يَسُحُّ وكلِّ جارحةٍ شِهابُ
وحظُّ عُداتِه ومُؤَمِّليه / حَرائبُه النفائسُ والحِرابُ
وقد خضعتْ له كَعْبٌ وخافَت / سَطاه حينَ خوَّفَها كِلابُ
وريعَتْ مصرُ إذ وثب العِفَرْنى / بحَدِّ السَّيفِ وانسابَ الحُباب
وآفاقُ البلادِ له جميعاً / تراخَى العزمُ أو جدَّ الطِّلابُ
خلالٌ يحرُسُ العلياءَ منها / سَماحٌ أو طِعانٌ أو ضِرابُ
إذا دعَتِ الملوكُ إليه يوماً / فإذعانُ الملوكِ له جَوابُ
مقامُكَ حيثُ تتَّصلُ المعالي / وذِكرُكَ حيثُ ينقطعُ التُّرابُ
فداؤُكَ يا ابنَ عبدِ اللهِ قَومٌ / يمينُكَ لُجَّةٌ وهم سَرابُ
إذا عُدَّتْ جبالُكَ من عديٍّ / تطأطأَتِ الرُّبا لك والهِضابُ
ملوكٌ ذُلَّلَت بهمُ رقابٌ / كما عزَّت بعزِّهِمُ رقابُ
عِذابُ القَولِ إن قالوا أصابوا / غِزارُ الجودِ إن جادوا أطابوا
إذا نَزَلوا فأقمارٌ بليلٍ / وإن ركبوا فآسادٌ غِضابُ
هو الحسبُ الذي لا رَيبَ فيه / وهل في الصُّبحِ ما وضحَ ارتيابُ
لئن سارَ الرّشكابُ بحُرِّ مَدحي / فقد سارت بجَدواك الرِّكابُ
ولي في ساحَتْيكَ غديرُ نُعمى / صفا مَتناه واطَّرَدَ الحُبابُ
وظِلٌّ لا يُمازِجُه هَجيرٌ / وشَمسٌ لا يُكدِّرُها ضَبابُ
وأيامٌ حَسُنَّ لديَّ حتى / تساوى الشِّيبُ فيها والشَّبابُ
فإن تُلحِقْ ثوابَك بي ثياباً / فأيسرُ ما تجودُ به الثِّيابُ
إذا احتفلَ النَّدِيُّ فأنتَ أَرْيٌ / وإن حَمِيَ الحديدُ فأنتَ صابُ
وإن خفي الصوابُ على ملوكٍ / فإنَّ جميعَ ما تأتي الصَّوابُ
فتحٌ أعزَّ به الإسلامُ صاحِبَه
فتحٌ أعزَّ به الإسلامُ صاحِبَه / وردَّ ثاقبَ نُورِ المُلْكِ ثاقبُه
سارت له البُردُ منشوراً صحائفُه / على المنابرِ محموداً عواقبُه
فكلُّ ثَغرٍ له ثَغرٌ يُضاحِكُه / وكلُّ أرضٍ بها رَكبٌ يصاحبُه
عادَ الأميرُ به خُضراً مكارِمُه / حمراً صوارمُه بيضاً مناقبُه
مؤيَّداً يتحامى الدَّهرُ صولَته / فليس يلقاه إلا وهو هائِبُه
يومٌ من النَّصرِ مذكورٌ فواضلُه / إلى التَّنادِ ومشكورٌ مواهِبُه
إن لم يكنْ يومَه بدرٌ فمن ظَفَرٍ / أُعطيتَ فيه ومن نصرٍ مَنَاسِبُه
سَلِ الدُّمُسْتُقَ هل عنَّ الرُّقادُ له / وهل يَعُنُّ له والرُّعبُ صاحبُه
لمّا رأى منك مغلوباً مغالبُه / يومَ اللِّقاءِ ومحروباً محاربُه
ونازِحاً صَهواتُ الخيلِ مجلِسُه / والبيضُ دون ذوي القُربى أقاربُه
حصونُه الشُّمُّ إن أفضى عواملُه / وسُورُه دونَ ما تحمي قواضبُه
رأى الصَّوارمَ أجدَى من مكاتبةٍ / لم يفتَتِحْها بإذعانٍ مُكاتبُه
فقارَبَ الحربَ حتى ما تُباعِدُه / وباعدَ السِّلمَ حتى ما يُقارِبُه
أموالُه لوفودِ الشُّكرِ إن كثُرَتْ / وبالسُّيوفِ إذا قَلَّت مكاسبُه
ولن يرى البُعدَ قرباً وهو طالبُه / ويحسِبَ الحَزْنَ سَهلاً وهو راكبُه
ولو أقام فُواقاً إذ دلفتَ له / تحتَ العَجاجِ لقد قامت نوادِبُه
لما تَراءى لكَ الجمعُ الذي نَزَحَتْ / أقطارُهُ ونَأتْ بُعداً جوانبُه
تركتَهم بينَ مصبوغٍ تَرائِبُه / من الدِّماءِ ومخضوبٍ ذوائِبُه
فحائِدٌ وشِهابُ الرُّمحِ لا حقُه / وهاربٌ وذُبابُ السَّيفِ طالبُه
يَهوي إليه بمثلِ النَّجمِ طاعنُه / وينتحيهِ بمثلِ البَرقِ ضارِبُه
يكسوه من دمه ثوباً ويسلبُه / ثيابَه فهو كاسيه وسالبُه
حَمَيْتَ يا صارمَ الإسلامِ حوزتَه / بصارمِ الحدِّ حتى عَزَّ جانبُه
رفْعتَ بالحَدَثِ الحصنَ الذي خفضَت / منه الحوادثُ حتى زالَ راتبُه
أعَدْتَه عَدَوياً في مناسِبه / من بعدِ ما كان روميّاً مناسبُه
فقد وقى عرضَه بالبيدِ واعترضتْ / طولا على منكِبِ الشِّعرى مناكبُه
مُصغٍ إلى الجوِّ أعلاه فإنْ خفَقَتْ / زُهْرُ الكواكبِ خِلناها تُخاطبُه
كأنَّ أبراجَه من كلِّ ناحيةٍ / أبراجُها والدُّجى وَحْفٌ غَياهبُه
يا ناصرَ الدين لما عزَّ ناصرُه / وخَاطِبَ المجدِ لمّا قلَّ خاطبُه
حتَّامَ سيفُكَ لا تُروى مضاربُه / من الدِّماءِ ولا تُقضَى مآربُه
أنت الغَمامُ الذي تُخشى صواعقُه / إذا تَنمَّرَ أو تُرجى مواهبُه
لم تحمَدِ الرومُ إذ رامتْك وَثبتَها / والليثُ لا يحمَدُ العُقبى مُواثِبُه
رأتك كالدهرِ لا تكبو حوادثُه / إذا جَرَينَ ولا تنبو نوائبُه
وجرَّبَت يا ابنَ عبد الله منك فتىً / قد أمَّنْته الذي تُخشى تجاربُه
أصاخَ مُستمعاً للثغرِ تُنجِدُه / رِماحُه حين يدعو أو رغائبُه
له من الِبيضِ خِلٌّ لا يُباعِدُه / ومن قنا الخّطِّ خِدْنٌ لا يجانبُه
قد قلتُ إذ فيك عزَّ النصرُ وانتشَرتْ / صحائفُ الفَتحِ واختالَت ركائبُه
اليومَ صانَ رداءَ المُلكِ لابسُه / وشلَّتِ الحربُ يُمنى من يُحاربُه
وأصبحَ الدِّينُ قد ذلَّت لصولتِه / كتائبُ الشِّرك إذ عزَّت كتائبُه
مالَت رِقابُ ثغورِ الشام مُصغيةً / إلى السرورِ الذي كانت تراقبُه
رأت حُسامَك مشهوراً فلو نطقَت / قالت هو العِزُّ لا فُلَّت مضاربُه
أَخِلْتِ أنَّ جِناباً منكِ يُجتَنبُ
أَخِلْتِ أنَّ جِناباً منكِ يُجتَنبُ / وأنَّ قلبَ محبٍّ عنكِ يَنقلِبُ
هيهاتَ ضرَّمَ نارَ الشوقِ فالتهبت / ضِرامُ نارٍ على خدَّيكِ يَلتهبُ
إذا طَلبتْ ربُى نجدٍ مخيِّمةً / فما لها في طلابِ غيرِها أربُ
لم يَشهَدِ البَينُ تُبدي ما يغيِّبُه / إلا وإشهادُنا من خيره غَيَبُ
تنقبَّت بالكسوفِ الشمسُ إذ طلعَت / شمسٌ تزيد ضياءً حين تنتقِبُ
مطلوبةُ الودِّ لم يَقعُدْ بها هربٌ / من الفراقِ ولم يلحقْ بها طلَبُ
قريبةٌ ودوامُ الهجرِ يُبعِدُها / والنَّجمُ أقربُ منها حين تَقتربُ
أشكو إلى الظَّلْمِ ما بي من ظُلامتِها / لو كانَ يُنصِفُ ذاك الظَّلْمُ والشَّنَبُ
وقد تناوبَني منها الخيالُ فما / أصابَ إلا خيالاً قلبُه يَجِبُ
أنَّى اطمأَنَّ وحصباءُ العَجاجِ عِدىً / من دونِه وثَراها السُّمرُ والقُضُبُ
حتى تصدَّتْ له بالشامِ من كثَبٍ / والشامُ لا صَدَرٌ منها ولا كَثَبُ
يكفيك أن لَعِبت بي نيةٌ قُذُفٌ / كأنّ جِدَّ المنايا عندها لَعِبُ
وراعَني ووراءَ الليلِ طاردُه / وَرْيٌ من الشَّيبِ في آثارِها لَهَبُ
لمّا تبسَّمَ في الفَوْديَنِ مغترباً / حيَّيتُه وكلانا اليومَ مغتَرِبُ
قوِّض خيامَك عن دارٍ ظُلِمتَ بها / وجانبِ الذُّلَّ إنَّ الذُّلَّ يُجتنَبُ
وارحلْ إذا كانت الأوطانُ مَضْيَعَةً / فالمَنْدَلُ الرَّطبُ في أوطانِه حَطَبُ
أما ترى الدهرَ أعقى من نوائِبه / جارَ الأمير فما تنتابُه النوبُ
أجارَنا منه من إقبالِه رَغَبٌ / يُحيي العُفاةَ ومن إعراضه رَهَبُ
غَيثٌ تحلَّبَ في الآفاقِ رَيِّقُه / على العُفاةِ ومَنشَى مُزْنِه حلَبُ
مرفوعةٌ حُجْبُه للزائرينَ وهل / للصُّبحِ مزَّقَ جِلبابَ الدُّجى حُجُبُ
ومسرعٍ وهو ثاوٍ في مكارمِه / كأنَّ إصعادَه من سُرعةٍ صَبَبُ
غامَت يداه فلم تكذِبْ غيومُهما / والغيثُ رُبَّما أزرى به الكَذِبُ
فللشَّمالِ سَحابٌ صوبُها غدَقٌ / ولليمينِ نِهابٌ صوبُها ذَهَبُ
لما توجَّه تِلقاءَ الثغورِ صفَت / كُدْرُ المياه بها واعشوشَبَ التَّرِبُ
وعرَّدَ الرُّومُ لما رامَهم هرباً / وهل من الحَينِ وافى جيشَه هربُ
لم تجلُبِ الخيلَ تَردي نحوَهم قُدُماً / إلا انثنتْ وذوو تيجانِها جَلَبُ
قُلْ للعُداةِ خذوا للحربِ أُهبتَها / فعن قليلٍ تفرَّى منكمُ الأُهُبُ
فتُبعثوا وتكونوا في اللِّقاءِ يداً / إنَّ الحِمامَ إلى أرواحكم سَغِبُ
أو فاغنموا السِّلْمَ قبلَ الحَيْنِ واستلموا / ركناً تَحِنُّ إليه العُجْمُ والعَرَبُ
فالحربُ آخذةٌ منكم وتاركةٌ / وإنما حربُ سيفِ الدولةِ الحَرَبُ
إن الهُمامَ الذي أضحى يغالبُكم / له على الدَّهْرِ فيما سامَه الغَلَبُ
فاستوهبوا العيشَ من إيثارِ طاعتِه / فإنما العيشُ ما يُعْطي وما يَهَبُ
لن تكسِبُوا العزَّ من عِصيانِ محتسبٍ / في الجودِ ما بِغرارِ السَّيفِ يَكتسبُ
ألوى فشنَّ على الأعداء غارتَه / من حيثُ يُؤمنُ أو من حيثُ يُرتَقَبُ
ظِلالُه حيثُ حلَّ القُضْبُ مُصْلتةً / وخيلُه حيثُ سار الجَحْفَلُ اللَّجبُ
أوفى على بطنِ هنزيطٍ فأمطره / وَدْقاً خلالَ بروقِ البيضِ يَنسكِبُ
غيثٌ هو المَحْلُ ما احمرَّت سَحائبُه / إلا تراجَعَ مصفرّاً به العُشُبُ
فكلما انتشَرتْ أبرادُ صيِّبِه / على البلادِ انطوَتْ أبرادُه القُشُبُ
وشارفَ البحرَ في بحرٍ إذا اضطربَتْ / حشاهُ خِلْتَ الجبالَ الشُّمَّ تضطربُ
مكوكَبُ النقعِ لو رامَتْ كواكبُه / كواكبَ الجوِّ ثابَتْ وهي تُنتَهَبُ
إذا سَرتْ حنَّتِ الجُردُ العِتاقُ به / وغرَّدَتْ في أعالي سُمْرِه العَذَبُ
كأنَّ شمسَ الضُّحى تخشاه بارزةً / فَضَوْءُها بحجابِ النَّقعِ مُحتَجِبُ
ولَّى الشَّمَيْشَقُ لا يهفو به طَربٌ / إلى المحلِّ ولا يدنو به سببُ
لم تَسْرِ خيلُكَ في أحشاء داجيةٍ / إلا سرى في دُجى أحشائه الرُّعُبُ
أجلى المواطنَ كُرهاً أن تورَّدَها / وَرْدٌ مواطنُه غابُ القَنَا الأشِبُ
حتى نصبتَ على رَغم الصليبِ بها / منابرَ الدينِ مسموعاً بها الخُطَبُ
ثم انثنيتَ وآسادُ الشَّرى جَزَرٌ / بالمُرهَفاتِ وغِزلانُ النقا سَلَبُ
سَبْيٌ تحصَّنَ منه الجيشُ وارتبطت / قُبُّ الجيادِ فلا ماشٍ ولا عَذَبُ
تخيَّرَ المجدُ أعلى نسبةٍ فغَدا / إلى عليِّ بنِ عبد الله يَنتسِبُ
ثلاثةٌ منه تجلو كلَّ داجيةٍ / جبينُه وغِرارُ السَّيفِ والحَسَبُ
ما كفَّ شادِيَهُ اعتراضُ عتابِه
ما كفَّ شادِيَهُ اعتراضُ عتابِه / بل زادَه طرباً إلى أطرابِه
وأرى الصبابةَ إرْبةً لو لم يَشُبْ / يوماً حلاوتَها الفراقُ بصَابِه
هو موقِفٌ برَزتْ بُدورُ خيامهِ / للبَينِ واعترضتْ شموسُ قِبابِه
راحوا بمثلِ الرِّيمِ لولا ما أرى / من وَشْيِه وشُنوفِه وخِضابِه
مُترَدِّدٌ في الجَفْنِ ماءُ شُؤُونِه / متحدِّرٌ في الخَدِّ ماءُ شَبابِه
يهتزُّ غُصْنُ البانِ تحتَ ثيابِه / ويُضئُ بدرُ اللَّيلِ تحتَ نِقابِه
فالحُسْنُ ما يُخْفيهِ من تُفَّاحِه / خَفَراً وما يُبْديه من عُنَّابِه
أَيعودُ أَيَّتُها الخيامُ زمانُنا / أَم لا سبيلَ إليه بعدَ ذَهابِه
أيامَ أدفعُ عتبَه بعِتابِه / عني وأمزُجُ كأسَه برُضابِه
فسقاكِ ساقي المُزْنِ أعذبَ صَوبِه / وحَباكِ مُذْهِبُ غَيمِه بذَهابِه
نزعَ الوُشاةُ لنا بسَهْمِ قطيعَةٍ / تُرمى بسهمِ قطيعةٍ تَرمي بِه
ليتَ الزَّمانَ أصابَ حَبَّ قلوبِهم / بقنا ابنِ عبد الله أو بِحرابِه
بسلاحِ مُعتَلِّ السِّلاحِ وإنما / يعتلُّ بين طِعانِه وضِرابِه
ألوى إذا استلبَ المغاورُ بَزَّه / كانت نفوسُ الصيِّدِ من أسلابِه
ظَلَمَ التليدَ وليس من أعدائِه / وحبا الحسودَ وليس من أحبابِه
فالغيثُ يخجَلُ أن يلِمَّ بأرضِه / والليثُ يَفرَقُ أن يُطيفَ ببابِه
يغشى القِراعَ وينثني وسماتُه / في غَرْبِ مُنصُلِه وفي جِلبابِه
كالليثِ آثارُ اللقاء مُبيَّنَةٌ / في لِبدَتَيْهِ وفي شَبا أنيابِه
عَلِمَتْ ملوكُ الرومِ أنَّ حياتَها / ومماتَها في عَفوِه وعِقابِه
في كلِّ عامٍ غزوةٌ يَقضي بها / أَرَبَ القَنا وينالُ من آرابِه
أوفى فسدَّ شِعابَهم بعَرَمْرَمٍ / يغشى الفضاءَ الرَّحْبَ سَيلُ عُبابِه
كالطَّوْدِ لا تَثْنيهِ عن مُتمنِّعٍ / حتى يَدُقَّ رقابَه برقابِه
تُزْجي المَنُونَ جيادُه مخزومةً / بالحَزمِ أو يُحْدَى الرَّدى بركابِه
حتى تفسَّحَ في مجالسِ قَيصَرٍ / متحكِّماً في تاجِه ونهابِه
اللهُ جرَّدَ من عليٍّ سَيفَه / فحمى وذَبَّ عن الهُدى بذُبابِه
قَوْلِي إذا ضاقت عليَّ مذاهبي / من لي برَحْبِ العيشِ بينَ رِحابِه
فارقتُ مشربَه الذي لا تنطفي / غُلَلُ الحَشا إلا ببَردِ شَرابِه
ودخلتُ أبوابَ الندامةِ بعدَما / عصفَت بيَ الأحداثُ عن أبوابِه
هي زَلَّةُ الرأي التي نَكصَ الغِنَى / من سُوءٍ عُقباه على أعقابِه
فوحَقِّ نِعمَتِه عليَّ وطَوْلِه / قسَماً يقول السامعون كفى بِه
ما سَوَّلَتْ لي النَّفسُ هجرَ جَنابِه / عند الرحيل ولا اجتنابَ جِنابِه
أنَّى وقد نِلتُ السماءَ بقُرْبِه / وبلغْتُ قاصيةَ المُنى بثَوابِه
وحَوَيتُ فضلَ المالِ من إفضالِه / ومحاسنَ الآدابِ من آدابِه
لكنَّه رأيٌ حُرِمْتُ رَشادَهُ / وبَعُدْتُ عن تسديدهِ وصَوابِه
لا أحمَدُ الأيامَ بَعْدَ بَتاتِها / سبباً وصلتُ إليه من أسبابه
أأقومُ بين يَدَي سواه مؤمِّلاً / وأُنيخُ راحلةَ الرَّجاءِ ببابِه
هيهاتَ لستُ بشائمٍ برقَ امرئٍ / حتى يكونَ سَحابُهُ كَسَحَابِه
سَأهُزُّ بالكِلَمِ المُهذَّبِ عِطفَه / طَرَباً وأخلُبُ لبَّه بخلابِه
بِدَعٌ لو أنَّ الصَّبَّ يستَشفي بها / ألمَ الفِراقِ شَفَتْه من أوصابِه
وأحشُّها والليلُ قد سترَ الرُّبا / بدُجاه أو حَجَبَ الصُّوى بِحجابِه
حتى يعودَ الشَرْقَ لابسَ حُلَّةٍ / من أرجوانِ الفَجرِ أو زِريابِه
فعسى الزَّمانُ يَبُلُّ حَرَّ جوانحي / بصَفاءِ مَوِرِدِه وبَردِ حَبَابِه
فأفوزَ بالعَذْبِ النَّميرِ وينطوي / كَشْحُ الحسودِ على أليمِ عَذابِه
شَعَفُ الحبائلِ من رُبىً ومَلاعِبِ
شَعَفُ الحبائلِ من رُبىً ومَلاعِبِ / لم تخلُ من شَغَفٍ ودمعٍ ساكبِ
أَوْحَشْنَ إلا من وُقوفِ متيَّمٍ / وعَطِلْنَ إلا من حُليِّ سَحائبِ
ولقد صَحِبْتُ العَيشَ مَرْضِيَّ الهَوى / في ظِلِّها الأَوفَى خليعَ الصَّاحبِ
أيامَ لا حُكمُ الفِراقِ بجائرٍ / فيها ولا سَهمُ الزَّمانِ بصائبِ
ولربَّما حَالت شَوازبُ أُسْدِها / بين المُحِبِّ وبين سِرْبِ ربائبِ
وتتبَّعْتهُ ظِباؤُها بقَواضبٍ / من لَحْظِهَا وحُماتُها بقواضب
إذ حيُّها حَيُّ السُّرورِ وظِلُّها / رَحْبُ الجِنابِ بِهمْ عَزيزُ الجانِبِ
خفَقَانُ ألويَةٍ وغُرُّ صواهلٍ / وبُدورُ أنديةٍ وجَرْسُ كَتائبِ
وغرائبٌ في الحُسْنِ إلا أنها / تَرمي القلوبَ من الجَوى بغَرائبِ
أَنْهَبْنَا وردَ الخُدودِ وإنما / أَنْهَبْنَ ذاكَ الوردَ لُبَّ النَّاهبِ
إن كُنتِ عاتبةً عليَّ فما الرِّضا / عندي ولا العُتبى لأَوَّلِ عاتبِ
نُبِّئْتُ أنَّ الأغبياءَ تَوثَّبوا / سَفَهاً عليَّ مع الزَّمانِ الواثبِ
دَبَّتْ عقاربُهم إليَّ ولم تكُنْ / لِتَدِبَّ في ليلِ النَّفاقِ عقاربي
مِنْ مُنْكرٍ فضلي عليه ومُدَّعٍ / شِعري ولم أسمعْ بأخرسَ خاطب
هيهاتَ ما جَهْلُ الجَهولِ بمُسبلٍ / حُجُباً على نَجْمِ العلومِ الثَّاقبِ
وإذا العدوُّ أثارَ حِقداً لم يزلْ / يكتَنُّ في رَسَبَي حشاً وترائبِ
فلْيَستَعِدَّ لطعنةٍ من طاعنٍ / شاكي السِّلاحِ وضربةٍ من ضاربِ
ذنبي إلى الأعداء فضلُ مواقفي / والفضلُ ذنبٌ لستُ منه بتائبِ
اللهُ آثرَني بوهبٍ دونَهم / وأَخصَّني من وُدِّهِ بمواهبِ
مِلِكٌ إصاختُه لأوَّلِ صارخٍ / وسجالُ أنعُمِه لأوَّلِ طالبِ
جَذْلانُ يرغبُ في العُلا فَتِلادُه / مُصْغٍ لدعوةِ راغبٍ أو راهبِ
كالغيثِ يلقَى الطالبين بوابلٍ / سحٍّ ويلقى الحاسدين بحاصبِ
فصَّلتُ عِقْدَ مدائحي بخِلالِه / فكأنَّما فصَّلتُه بكواكبِ
وإذا انتضَتْ يُمناه نِضْوَ سيوفِه / أَذْكَى ضِرامَ الحربِ غيرَ مُحاربِ
أكرِمْ بسيفكَ من صَموتٍ راجلٍ / في النائباتِ ومن فصيحٍ راكبِ
تهتزُّ أعضاءُ الشُّجاعِ مخافةً / ما اهتزَّ بين أشاجعٍ ورَواجبِ
ما إن رأيتُ سِواه عَضْباً غِمْدُه / أحشاءُ حاليةِ المقلَّدِ كاعبِ
لم تَعْرَ من صِبْغِ الذَّوائبِ إذ غدَتْ / مَطمومةً ليسَت بذاتِ ذوائبِ
وكأنما طلَعَتْ مشارقُ حَلَّها / من حِليةِ الجنَّانِ فوقَ مغاربِ
ما حاربَ الصُّبحُ المُضئُ غياهباً / إلا أرتنا الصبحَ سِلْمُ غياهبِ
قد قلتُ إذ عاينتُ فضلَ بيانِه / وبيانَه كَمُلَتْ أداةُ الكاتبِ
لله درُّكَ يا ابنَ هارونَ الذي / أدنى العُفاةَ من السَّماحِ العازبِ
أغرَبْتَ في شِيَمٍ تلوحُ سِماتُها / في كاهلٍ للمجدِ أو في غاربِ
وشمائلٍ سارَتْ بهنَّ مدائحي / في الأرضِ سَيْرَ شمائلٍ وجَنائبِ
نضَّرْنَ وجهَ المكرُماتِ وطالما / سفرَتْ لنا عن حُرِّ وجهٍ شاحبِ
مالي أرى أوصابَ جسمِك غادَرتْ / قلبَ المكارمِ في عَذابٍ واصبِ
عُدْنا الغَمامَ الجَوْدَ منك ولم نَعُدْ / من قبلِها صوبَ الغَمامِ الصائبِ
لسنا نَذُمُّ أوائلَ النُّوبِ التي / جاءت أواخرُها بحَمْدِ عواقبِ
فاسعَدْ بعافيةِ الإلهِ فإنها / هِبَةٌ مُقابَلَةٌ بشُكْرٍ واجبِ
وتَمَلَّ سائرةً عليك مقيمةً / مَلكتْ وَدادَ أباعدٍ وأقاربِ
شَرِقَتْ بماءِ الطَّبْعِ حتَّى خِلتُها / شَرِقَتْ لِريِّقِها ببردٍ ذائبِ
يَشتاقُ طلعَتها الكريمُ إذا نَأتْ / شوقَ المحبِّ إلى لقاءِ حبائبِ
ويقولُ سامعُها إذا ما أُنْشِدَتْ / أعقودُ حَمْدٍ أم عُقودُ كَواكبِ
تهيَّبه وِردُ الرَّدى لو تهيَّبا
تهيَّبه وِردُ الرَّدى لو تهيَّبا / ربائبَ في الأظعانِ يُحسَبْنَ رَبرَبا
مَلكْنَ بتقليبِ النَّواظرِ قلبَه / فقد أَمِنَتْ في الحبِّ أن يتقلَّبا
طوالعُ من حُمْرِ القِبابِ شموسُها / وما طلعَت منهنَّ إلا لتَغرُبا
سَفرْنَ فلاحَ الأقحوانُ مفضَّضاً / على القُربِ منا والشَّقِيقُ مُذَهَّبا
وجُدْنَ بألحاظٍ مِراضٍ كأنَّها / تُصرِّحُ بالعُتبى إلى مَنْ تعتَّبا
وقد أثمرَ العُنَّابَ والوردَ بَانُها / فأبدعَ في تلك الثِّمارِ وأغرَبا
محاسنُ عنَّت في مَساوٍ من النَّوى / فللّه ورْدٌ ما أمرَّ وأعذبا
رأت جانبَ الأعداءِ سهلاً فأسهلَت / فلائقُ كانت بِغضةً وتحبُّبا
عذيريَّ من قلبٍ إذا سُمتَه الهَوى / أجابَ وإن ذكَّرتَه صبوةً صَبا
وطيفِ حبيبٍ خافَ طيفَ رقيبِه / فزارَ وسارَ خائفاً مترقِّبا
إذا كان سُقيَا الخائفين تجنُّباً / فلا زالَ صَوبُ المُزْنِ يَسقيكَ صَيِّبا
حَيَاً كلما حيَّتْ به الريحُ منزِلاً / ثَنَتْ فيه هُدَّاباً إليك وهَيدَبا
تلهّبَ فيه البرقُ حتى كأنَّه / حريقٌ على أثباجِ ليلٍ تلهَّبا
فباتَ كأنَّ الريحَ في جَنَباتِه / تهُزُّ صفيحاً منه بالتِّبرِ مُذهَبا
وساجَلَ معروفَ الوزيرِ ومَنْ له / بعُرْفٍ يعُمُّ الأرضَ شَرْقاً ومغرِبا
هُمامٌ يعُدُّ السمهريَّةَ مَعقِلاً / يعوذُ به والمَشرَفيَّةَ مَكسِبا
حليمٌ إذا أحْفَظْتَه زادَ حِلمُه / فكيفَ يرى عن مَذهَبِ الحقِّ مذهَبا
ومبتسمٍ والطعنُ يَخضِبُ رُمحَه / كأنْ قد رأى منه بَناناً مُخَضَّبا
رأيناه يومَ الجودِ أزهرَ واضحاً / ويومَ قِراعِ البيضِ أبيضَ مِقْضَبا
وخِلناه في بذلِ الألوفِ قبيصةً / وخِلناه في سَلِّ السيوفِ المُهَلَّبا
ملوكٌ إذا الأيامُ دامَت رماحُهم / حَسِبتَهم الأيامَ صَدراً ومَنكِبا
يُنازعُهم فضلَ النَّجابةِ معشرٌ / ولولاهمُ لم يَعرفِ الناسُ مُنجِبا
وَهَجْرٍ تردُّ الخيلُ رأْدَ ضَحائِه / بأرهاجها قِطْعاً من الليلِ غَيهَبا
كأنَّ سيوفَ الهندِ بينَ رماحِه / جداولُ في غابٍ علا وتأشَّبا
تَضايقَ حتى لو جَرى الماءُ فوقَه / حَماه ازدحامُ البيضِ أن يتسرَّبا
وقَفْتَ به تُحيْي المُغيرةَ ضارباً / بسيفِكَ حتى ماتَ حَداً ومَضرِبا
وصُلْتَ على الأعداءِ تلعَبُ بالقَنا / وأرواحِهم حتى ظنَّناه مَلعَبا
وكم مِقنَبٍ في الرَّوْعِ يُحسَبُ واحداً / وكم واحدٍ في الرَّوْعِ يُحسَبُ مِقنَبا
فلو كنتَ من حربِ العُداةِ بمعزِلٍ / دعوتُك في حربِ النوائبِ مِحرَبا
إذا غابَ عن ذي الرأي وجهُ رَشادِه / لجأتَ إلى رأيٍ يُريك المغيَّبا
أساءَ إلينا الدهرُ يا ابنَ محمدٍ / فلما تنافَرنا إليك تجنَّبا
دعوتَ إلى الجَدوى ومثلُك مَنْ دعا / بِ حَيِّ على ماءِ الحياةِ فثوَّبا
فما بَعُدَتْ نُعماكَ عن ذي قَرابَةٍ / ولا جَانَبَتْ مِنْ سائرِ الناس أجنَبا
إليك ركبتُ الليلَ فَرداً فلم أقُل / أعاذلتي ما أخشنَ اللَّيلَ مَركَبا
لِيَصْدُرَ عنكَ الشِّعرُ مالاً مسوَّماً / إذا نحنُ أوردناه دُرّاً مُثَقَّبا
فهل لك من جازٍ إذا اعترضت له / شهودُ قوافي الشِّعرِ جَدَّ فأسهَبا
وضاربةٍ في الأرضِ وهي مُقيمةٌ / كأنَّ مَطاياها الجَنوبُ أو الصبَّا
يثقِّفُها طِبٌّ بتثقيفِ مثلِها / ويخدُمُها حتى تَرِقَّ وتَعذُبا
مُطِلٌّ على سهلِ الكلامِ وحَزْنِه / فما يصطفي إلا اللُّبابَ المُهَذَّبا
تركتُ رِحابَ الشامِ وهي أنيقةٌ / تقولُ لِطُلاّبِ المكارمِ مَرحَبا
مدبَّجةَ الأطرافِ مخضرَّةَ الثَّرى / مصقَّلةَ الغُدرانِ مَوشيَّةَ الرُّبا
إذا نحنُ طاردْنا الغنيمةَ أمكَنتْ / بِهِنَّ وإن جُلْنا على الصيدِ أكثَبا
فما ذِمَّةُ الأيامِ فيها ذميمةٌ / ولا جانبُ الدنيا بها متجنَّبا
ولكنَّ ذا القُربى أحقُّ بمنطِقٍ / إذا كان ذو القُربى إلى الحمدِ أقرَبا
وذي شرفٍ إن عَدَّ ثَهْلانَ فاخراً / عددتُ له رَضْوى وقُدْساً وكَبكَبا
تعصَّبتُ في شِعري عليه ولو حوَى / عصائبَ تيجانِ الملوكِ تعصبُّا
فلا زِلتَ مُبَيضَّ المكارمِ راخياً / بجُودٍ ومحمَرَّ الصوارمِ مُغضَبا
ودونَكما تتلو نظيرتَها التي / هي الكوكبُ الدُّريُّ يجنُبُ كوكَبا
كأنَّ قَوافيها سهامُ مثقِّفٍ / تصعَّدَ فيها لحظُه وتصوَّبا
كأنَّك منها ناظرٌ في حديقةٍ / تقطَّرَ فيها فارسُ القَطرِ أو كَبا
كلاماً يفوقُ المِسكَ طيباً كأنما / أتاكَ برَيحانِ النحورِ مطيَّبا
قُمْ فانتصِفْ من صروفِ الدهرِ والنُوَبِ
قُمْ فانتصِفْ من صروفِ الدهرِ والنُوَبِ / واجمعْ بكأسِك شملَ اللهوِ واللَّعبِ
أما تَرى الصبحَ قد قامت عَساكِرُه / في الشرق تنشُرُ أعلاماً من الذَّهبِ
والجوُّ يختالُ في حُجْبٍ ممسَّكةِ / كأنما البرقُ فيها قلبُ ذي رُعُبِ
تجنَّبْتك صروفُ الدّهرِ فانصرفَتْ / وقابلَتْكَ سعودُ العيشِ من كَثَبِ
فاخلَعْ عذارَك واشربْ قَهوةً مُزِجَتْ / بقَهوةِ الفَلَجِ المعسولِ والشَّنَبِ
والعيشُ في ظِلِّ أيام الصَّبا فإذا / ودَّعْت طيبَ الشَّبابِ الغَضِّ لم يَطبِ
جَرَيتُ في حَلْبَةِ الأهواءِ مُجتهداً / وكيفَ أقصُرُ والأيامُ في طَلَبي
تَوِّجْ بكأسِك قبلَ النائباتِ يدي / فالكأسُ تاجُ يدِ المُثْري من الأدبِ
يُريكَ قوامَها الغصنُ الرطيبُ
يُريكَ قوامَها الغصنُ الرطيبُ / ولحظَ جفونِها الرشأُ الربيبُ
غَداةَ بَدا لها خدٌّ أسيلٌ / يُنَمنِمُ وشيَه كفٌّ خَضيبُ
وأدناها من الصبِّ التنائي / كذاكَ الشمسُ يُدنيها الغروبُ
فمن خدٍّ تخدِّدُه دموعٌ / ومن قلبٍ يُقلِّبُهُ حبيبُ
بظبيٍ في الخيامِ له مُرادٌ / وبدرٍ في الخدورِ له مَغيبُ
فكم بَعُدَ الرقيبُ فأسعفَتْني / صروفُ الدهرِ إذ بَعُدَ الرقيبُ
بصبحٍ من محاسِنِه تجلَّى / وليلٍ من ذوائِبه يذوبُ
رويدَك أيُّها القلبُ المُعَّنى / وقَصركَ أيُّها الدمعُ السّكوبُ
تناءى الجودُ حتى ليس يدنو / وغابَ البِشرُ حتى ما يَؤوبُ
وأُخِّرَ حاذقٌ في الشِّعرِ طِبٌّ / وقُدِّمَ سارقٌ فيه مُرِيبُ
كبعضِ الصيَّدِ يُرزَقُ منه مُخطٍ / ويُحرَمُ خيرَه الرامي المصيبُ
سأُغرِبُ في الثناءِ على ابنِ فهدٍ / فما هو في الورى إلا غريبُ
تألَّقَ والخطوبُ لها ظَلامٌ / فأسفرَ والظَّلامُ له قُطوبُ
وقد قَرِحَتْ على الجُودِ المآقي / وقد شُقَّتْ على الشِّعْرِ الجُيوبُ
حُلِيٌّ من حِلَى الآدابِ يُغْني / بحِليَتهِ وشيمَتهِ الأديبُ
إذا شيمَتْ بوارقُه استهلَّت / سماءٌ من مواهبِه تصوَّبُ
سَمَتْ بأبي الفوارس في المعالي / ضرائبُ ما له فيها ضريبُ
فَمِنْ حَزمٍ تَدينُ له الليالي / وَمِنْ رأيٍ تَدِينُ به الغُيوبُ
وزادَ الأَزْدَ مأثَرةً فأمسَى / لها من كلِّ مكرُمَةٍ نَصيبُ
مَنحْتَ وليَّكَ النِّعَمَ اللواتي / كفَتْه كلَّ نائبةٍ تنوبُ
وبُيِّنَ رَحْبُ صدرِكَ من خلالٍ / يَضيقُ بوسْعِها الصَّدرُ الرَّحيبُ
فلما راقَ ناظِرَةَ الليالي / شبابُ الأُنسِ عاجلَه المَشيبُ
متى يَثني إليه عِنانَ بِشْرٍ / فتَثْني عنه أوجُهَها الخطوبُ
فقد نشرَ الثَّناءَ عليك منه / خطيبٌ ليس يُشْبِهُه خَطيبُ
فسيَّرَ منه وَشْياً ليسَ يَبْلى / وأطلعَ منه شَمْساً لا تَغيبُ
وقد غرسَتْ يمينُك منه غَرْساً / فصُنْهُ أن يُلِمَّ به شُحوبُ
أَيقرُبُ منك ذو نَسَبٍ بعيدٍ / ويبعُدُ مَنْ له نَسَبٌ قريبُ
ومَدْحٍ فوَّقَتْه لك المعالي / فجاء كأنه بُردٌ قَشيبُ
إذا ما صافحَ الأسماعَ يوماً / تبسَّمَتِ الضَّمائرُ والقلوبُ
فمن حُسْنِ الصنائعِ فيه حُسْنٌ / ومن طيبِ المحامدِ فيه طيبُ
وليسَ يَفوحُ زَهرُ الرَّوضٍ حتى / تفتِّحَهُ شَمالٌ أو حَنوبُ
علَّ طيفاً سَرى حليفَ اكتئابِ
علَّ طيفاً سَرى حليفَ اكتئابِ / مُطفئٌ من صَبابةٍ وتَصابِ
لم يُذِقْنا حلاوةَ الوَصْلِ إلاَّ / بين عَتبٍ مبرِّحٍ وعِتابِ
كيفَ عنَّتْ لنا ظِباءُ كِناسٍ / غادَرَتْها النَّوى شموسَ قِبابِ
كلُّ ريمٍ يَشفي إذا رُمتَ منه ال / وَصْلَ حَرَّ الهوى ببَرْدِ الرُّضابِ
لطمَتْ خدّضها بحُمْرٍ لِطافٍ / نال منها عَذابَ بيضٍ عِذابِ
يتشكَّى العُنَّابُ نَورَ الأَقاحي / واشتكى الوردُ ناضرَ العنَّابِ
نحنُ في معدِنٍ من اللؤم مُطغٍ / دونَ عَذْبِ النَّدى أليمِ العَذابِ
قصدَتْنا يدُ الحوادثِ فيه / بِسهامٍ من الخُطوبِ صِيابِ
وَدَعَتْنَا إلى العِراقِ هَناةٌ / لأمورٍ تنقضُّ مثلَ العُقابِ
كلُّ زنجيَّةٍ كأن سوادَ ال / لَيلِ أهدَى لها سوادَ الإهابِ
تَسحَبُ الذَّيْلَ في المسيرِ فتختا / لُ وطوراً تمرُّ مرَّ السَّحابِ
وتشُقُّ العُبابَ كالحيَّةِ السَّوْ / داءِ أبقَتْ في الرَّمْلِ أثْرَ انسيابِ
وإذا قُوِّمَتْ رؤوسُ المطايا / للسُّرى قُوَّمَت من الأذنابِ
مُهدِياتٌ إلى الأميرِ لُباباً / من ثناءِ يُثْنَى منَ الآدابِ
زهرةٌ غَضَّةُ النَّسيمِ غَذَاها / صفوُ ماءِ العلومِ والآدابِ
فهي كالخُرَّدِ الأوانسِ يَخلِطْ / نَ شِماسَ الصبِّا بأُنْسِ التَّصابي
رِقَّةٌ فوقَ رقَّةِ الخصرِ تُبْدِي / فطنةً فوقَ فطنةِ الأعرابِ
طالباتٍ أبا المُفَضّلِ يَمْتُتْ / نَ إليه بأوكَدِ الأسبابِ
خطَبتْ ودَّه ونائلَه الغَمْ / رَ وكم أعرضت عن الخُطَّابِ
ملكٌ ما انتضى المهنَّدَ إلا / خِيلَ بدراً يسطو بحدِّ شِهابِ
خِيمُه في مواطنِ الحِلْمِ كَهْلٌ / ونَداهُ في عُنفوانِ الشَّبابِ
راتعٌ في رياضِ حمدِ أُناسٍ / رتَعوا منه في رياض ثَوابِ
قمرٌ أطلعَتْه أقمارُ ليلٍ / أَسَدٌ أنجبَتْه آسادُ غابِ
جَلَبَ الخيلَ ضُمَّراً تُلْهِبُ العُش / بَ إذا ما أثَرْنَ نارَ الضِّرابِ
بخميسٍ كأنما حَجَبَ الشَّم / سَ وقد ثارَ نقعُه بضبَابِ
وكأنَّ اللِّواءَ في الجوِّ لما / باشَرَتْه الصَّبا جَناحا عُقابِ
فإذا الرّشيحُ نبَّهتْه وقد أغْ / ضى تبدَّى لها وُثُوبَ الحُبابِ
في مقامٍ للموتِ تُحْتَسَبُ الأنْ / فُسُ في هَبْوَتَيِهِ أيَّ احتسابِ
حين أوفَى على العِراقِ طُلوعَ ال / بَدْرِ في ليلِ حادثٍ مُسترابِ
فثَنى الأرضَ منه محمرَّةَ الأرْ / جاءِ والأفقُ حالكُ الجِلبابِ
آلُ حمدانَ غُرَّةُ الكرمِ المحْ / ضِ وصفوُ الصَّريحِ منه اللُّبابِ
أشرقَ الشرقُ منهمُ وخلا الغَرْ / بُ ولم يخلُ من نَدىً وضِرابِ
نَزَلوا منه مَنْزِلاً وسَمُوهُ / بالنَّدى فهو مَوسِمُ الطُّلاَّبِ
يَنْجلي السِّلْمُ عن بدورٍ رَواضٍ / فيه والحربُ عن أسودٍ غِضابِ
جادَنا منهمُ سَحائبُ جودٍ / أنشأَتها جَنوبُ ذاك الجَنابِ
فحمَلْنا مِلءَ الحقائبِ من أف / وافِ مدحٍ يبقى على الأحقابِ
واستقلَّت بنا سواعِ تخوضُ ال / بحرَ خَوضَ النُّسورِ بَحْرَ السَّرابِ
شتَّتتْ شملَها الشَّمالُ وأمسَت / كالغرابيبِ عُذِّبَتْ باغترابِ
أَتظُنُّ أنَّ الدَّهرَ يُسعِفُ طالباً
أَتظُنُّ أنَّ الدَّهرَ يُسعِفُ طالباً / أو تُعتِبُ الأيّامُ منا عاتِبا
فُقِدَ النَّوالُ فعادَ بَرقاً خُلَّباً / ومضى السَّماحُ فعاد وعداً كاذِبا
وطوى الرَّدى شِيَمَ ابنِ فَهدٍ بعدما / نشرَتْ بدائعَ سُؤدُدٍ وغرائبا
ليتَ الرَّدى لمّا سما لَكَ جَحفلٌ / ملأَ البلادَ أسنَّةً وقواضبا
فيؤوبَ مغلوباً لديك مذمَّماً / وتؤوبَ محمودَ السجيَّةِ غالبا
يَبكيكَ عَزمٌ لم يزلْ إشراقُه / في كلِّ مُظِلمَةٍ شِهاباً ثاقبا
وسماءُ مجدٍ إن تَغَيَّمَ أُفقُها / أطلعْتَ فيها بالسيوفِ كواكبا
ورغائبٌ شيَّدْتَها بمواهبٍ / لو أنهنَّ نطَقْنَ قُمْنَ خواطبا
في مَضجَعٍ وسِع الحسينَ وجُودُه / يَسَعُ البلادَ مشارقاً ومغاربا
لو أنَّ قبراً جادَ ساكنُ لَحْدِهِ / لم يَرجِعِ المرتادُ منه خائبا
لأبي الفوارسِ في السَّماحِ مآربٌ
لأبي الفوارسِ في السَّماحِ مآربٌ / تُقضَى فتَقضي للعُفاةِ مآرِبا
مَلِكٌ أبرَّ على الملوكِ بهمَّةٍ / زِيدَتْ بها الأزدُ الكِرامُ مَناقِبا
وأغرُّ يَحسُنُ منظراً وضَرائباً / كالسَّيفِ يحسُنُ رَوْنقاً ومَضارِبا
ومُناسِبُ السَّيفِ الحُسامِ فإنْ جرَى / في الجودِ أصبحَ للسَّحابِ مُناسبا
شِيَمٌ كأنفاسِ الرِّياحِ جرَتْ على / زَهْرِ الرَّبيعِ شَمائلاً وجَنائبا
طلبَ العُفاةُ نوالَه فَبدا لهم / متهلِّلاً للحَمْدِ منهم طالبا
ورأى الزمانَ عليهم متعتِّباً / فغدا له بالمكرُماتِ مُعاتِبا
كم قد رأيتُ لبِشْرِهِ من شارِقٍ / يَحتَثُّ من جَدوى يديه سَحائِبا
فأريتُه زُهرَ الربيعِ مَدائحا / ورأيت منه حَيَا الرَّبيعِ مَواهبا
تَحِيَّةُ الغيثِ مُنْهَلاً سحائبُه
تَحِيَّةُ الغيثِ مُنْهَلاً سحائبُه / على العقيقِ وإنْ أقوَتْ مَلاعِبُه
لا بل على الحيِّ مشدوداً هوادِجُه / على الشُّموسِ ومذموماً رَكائِبُه
حتى تَرُدَّ عليه آيةً سَلكَتْ / ظِباؤُها الغيدُ أو حلَّتْ ربائُبه
ففي الظغائنِ مجنوبٌ لغانيهٍ / تَغْنَى بوصلِ سواه أو تُجانبُه
وفي الديارِ سميعٌ ليس تُسمعُه / إجابةً وخطيبٌ لا تُخاطبُه
حتى يُبَدِّلَ للعُشَّاقِ زورَتَه / طَيفٌ يَصُدُّ عن العُشَّاقِ صاحبُه
سرى إلى البدرِ يُخفي البدرَ منتقباً / والبدرُ يأنَفُ أن تُخفى مناقبُه
إذا بدا الصبحُ من إشراقِ طلعتِه / أبَدتْ لكَ الليلَ مُسودّاً ذوائبُه
والحُسنُ ضِدَّانِ لا أدري إذا اجتمعا / أنوارُه فتَنَتْني أم غَياهبُه
حُلِيُّه وثناياه وعَنبرُه / كلٌّ ينُمُّ عليه أو يراقبُه
فلستُ أدري إذا ما سار في أُفُقٍ / شَمائلُ الأفقِ أذكى أم جَنائبُه
أما القريضُ فما تَحظَى محاسنُه / عند الملوكِ كما تَحظى معائبُه
وربما ظَلَمَ الدينارَ ناقدُه / وقد كَساه ضروبَ الحُسنِ ضاربُه
كأنني بنجيبِ الشِّعرِ قد رحلَتْ / عنهم إلى الشَّرفِ الأعلى نجائبُه
ولو تشاءَم لانقَضَّت صواعقُه / على العِراقِ كما ارفضَّت سَحائبُه
قل للذي قلَّدْتني كفُّه رسَني / وكنتُ أَدْنُو إليه وهو جاذبُه
لك الأمانُ إذا انسابت أراقِمُه / من المكامنِ أو دبَّتْ عقاربُه
ليسَ الصديقُ الذي أعطاك شاهدُه / شَهْدَ الودادِ وخان الغيبَ غائبُه
كم مَنطِقٍ كسحيقِ المِسكِ ظاهرُه / لم يُقْضَ عندَ أبي إسحاقَ واجبُه
كانت مدائحُنا غرّاً محجَّلةً / تُثني عليه فقد أضحَتْ تُعاتِبُه
وما أقولُ لِمَن طابَتْ عناصرُه / في رُتْبَةِ المجدِ وابيضَّتْ مَناسبُه
أغرُّ زانَ مديحي فضلُ سُؤدُدِهِ / كلؤلؤ العِقْدِ زانَتْه ترائبُه
وصادقُ الوُدِّ لا ترتدُّ خُلَّتُه / على الصَّديقِ ولا يَزوَرُّ جانبُه
لا أستريحُ إلى زُورٍ ولا كَذِبٍ / يُهدَى إليه وشرُّ القولِ كاذبُه
وليسَ للذَّمِّ فيه مَذْهَبٌ فَيُرى / أَنَّى ومِن ذهَبٍ صيغَتْ مَذاهبُه
نَبا عليَّ فما أدري لَنبوتِه / أنيابُ دهري أمضي أم نوائبُه
هُوَ الحُسامُ لقومٍ ماءُ صَفحتِه / بشاشةٌ ولأقوامٍ مضاربُه
والغيثُ إن برقتْ نحوي مخائِلُه / راحت تَصوبُ على غيري صوائبُه
هذا وما صَدِئَت قِدْماً مسامعُه / بما نظمْتُ ولا ضاعَت مواهبُه
ولي من الأدبِ المحمودِ أثمرُه / يُنمى إليه وأعرافٌ تناسِبُه
ورَغبةٌ كلما جاءَت معرِّضةً / بجاهِه أعرضَت عنها رغائبُه
وكم ضربتُ بماضٍ منه ذي شُطَبٍ / عَضْبٍ مضَارِبُه حلوٍ ضَرائبُه
وردْتُ في طيِّبِ الأنفاسِ ذي ثَمرٍ / قريبةٍ من يد الجاني أطايبُه
عاقَبْتَني بجفاءٍ لا أقومُ به / فهَل عقابُك محمودٌ عواقبُه
وعادَ رأيُك لي سُوداً مشارِقُه / وكنتُ أعهَدُه بيضاً مغاربُه
الشِّعرُ وَشيُ بُرودٍ أنتَ سَاحِبُه / فَهْمَاً ودُرُّ عقودٍ أنتَ ثاقبُه
فلِمْ مَنعْتَ على الإحسانِ مُحسِنَه / ما نالَ من جاهِكَ المبذولِ خاطبُه
وزاهرُ الحمدِ إن أَنْصَفْتَهُ زَهَرٌ / يَطيبُ رَيَّاهُ إن طابَتْ مشاربُه
أكان في العَدلِ أن تَظْما حدائِقُه / بسَاحَتيْكَ وأن تُروى سباسبُه
لقد نثرتُ على قومٍ حصىَ كِلَمٍ / لو شِئتَ لانْتَثَرَتْ فيكم كواكبُه
لولاك ما ارتُدِيَتْ أطمارُه وغدَت / تُرَدُّ وهي أنيقاتٌ سبائِبُه
لأصبِرنَّ على إخلالِ عُرفِكَ بي / حتى يثوبَ إلى المعهودِ ثائبُه
عسى العتابُ يَرُدُّ العتْبَ منك رضاً / وربما أدركَ المطلوبَ طالبُه
هذه الشمسُ أوشكتْ أن تغيبا
هذه الشمسُ أوشكتْ أن تغيبا / فأقِلاَّ المَلامَ والتَّأنيبا
أوجَبَتْ لوعةُ الفِراقِ على الصَّبْ / بِ جَوىً يَقرَحُ الفؤادَ وَجيبا
لن يُرى غالبَ الصبَّابةِ حتى / يَدَعَ اللَّومَ في الهوى مَغلوبا
حَثَّ غَرْبٌ من المدامعِ غرباً / حينَ رامت تلك الشموسُ الغُروبا
أعرضَتْ خِيفَةَ الرَّقيب ولولا / ه لكان الإعراضُ منها رَقيبا
وأَرَتْه بَرْقَ الثُّغورِ فأبدى / بارقَ الشَّوقِ في حَشاه لَهيبا
والثَّنايا العِذابُ تَثني على الوجْ / دِ الحَشا أو تُضاعِفُ التَّعذيبا
حَيَّ ربعاً لهنَّ يَزدادُ حُسْناً / وَمَحَلاً منهن يزدادُ طِيبا
سَلَبَتْه النَّوى بدورَ تَمامٍ / تركتني من العَزاءِ سَليبا
قد قطعْنَ البلادَ شَرقاً وغَرباً / وَبَلَوْنا الوَرى فُتوّاً وشِيبا
ونَزَلنا بكلِّ مُجتَدِبِ المن / زِلِ نَرْعى لديه رَبعاً جَديبا
قَرُبَ الوعدُ والنَّوالُ بعيدٌ / فأراني النَّوى بعيداً قَريبا
فدَعَوْنا أبا الفوارسِ للجُو / دِ فكان القريبَ فيه المُجيبا
وهَزَزنْاه للمكارمِ فاهْتَزْ / زَ كما هَزَّتِ الرِّياحُ القَضيبا
فرأَينا مُهذَّبَ الفِعْلِ يُكسَى / حُلَلَ المَدْحِ هُذِّبَت تَهذيبا
ونَسيبَ الحُسامِ أسْرَفَ في الجُو / دِ فَخِلناه للسَّحابِ نَسيبا
يا غريبَ السَّماحِ والمَجدِ والسُّؤ / دُدِ أصبحْتَ في الأنامِ غَريبا
مِلكٌ عُدَّتِ الملوكُ من الأز / دِ فكان الشريفَ منها الأديبا
راحَ يُبْدي لمن أتى مُستجيراً / من صُروفِ الزَّمانِ أو مُستَثنيا
خُلُقاً مُشرِقاً وَوَجْهاً طَليقاً / ونَوالاً جَزلاً ورأياً مُصيبا
قمرٌ لاحَ في سَحابَةِ جُودٍ / منه ما زال ذيلُها مَسحُوبا
ورأى البدرَ في دُجاه حميداً / والحَيا في أوانِه محبوبا
كلما مَدَّتِ الحوادثُ باعاً / مدَّ للمكرُماتِ باعاً رَحيبا
وإذا خاضَ غَمرةَ الموتِ رَدَّ السْ / يْفَ من غَمرةِ الدِّماءِ خَضيبا
شِيَمٌ لا تَزالُ تُشجي قلوباً / من أعاديه أو تَسُرُّ قُلوبا
وخِلالٌ أغَضُّ من زَهْرِ الرَّوْ / ضِ كَسَتْهُ الثَّناءِ غَضّاً قَشيبا
فاطْلُبِ المكرُماتِ بالحمدِ منه / تَجِدِ الحمدَ عندَه مَطلوبا
يابنَ فَهدٍ أحلَّني جُودُ كَفَّيْ / كَ مَحَلاً رَحبَ الجَنابِ رَحيبا
أنتَ أضحكْتَ لي الزَّمانَ فأبدى ال / بِشرَ منه وكان يُبْدي القُطوبا
فمتى لم أَقُم بشُكْرِكَ في النا / سِ خطيباً فلا وُقِيتُ الخُطوبا
لقد طَمِعَ البِشريُّ فيَّ ولم يكنْ
لقد طَمِعَ البِشريُّ فيَّ ولم يكنْ / لِيَطْمَعَ فيَّ المرءُ وهو لبيبُ
خلعتُ عليه من ثنائيَ خِلعةً / تَحِنُّ إليها أنفُسٌ وقلوبُ
فقطَّبَ حتى خِلتُ أن قد وَسَمْتُهُ / وذو اللؤمِ فيه ضُجْرَةٌ وقطوبُ
وقاسَمَني جودَ الأمير كأنَّما / له في القوافي السائراتِ نَصيبُ
أرى الشاعرَ المِلحيَّ راحَ بنا صَبَّا
أرى الشاعرَ المِلحيَّ راحَ بنا صَبَّا / نباغضُه عَمْداً فيوسِعُنا حبَّا
دعانا ليستَوفي الثناءَ فأظلمَتْ / خلائقُ تستوفي لِصاحِبِها السبَّا
تيمَّمَ كَرخايا فجاد قلبُيها / عليه وما شُربُ القليبِ لنا شُربا
وأحضَرَنا محبوسةً طولَ ليلِها / معذَّبةً بالنارِ مُسْعَرةً كَرْبا
تحتَّتَ من رَطْبِ الذُّؤابَةِ لحمُها / ومن يابسِ الحَبِّ الثقيلِ لها الحُبَّا
وساهرَها ليلاً يُضيِّقُ سِجنَها / فلما أضاءَ الصُّبحُ أوسَعَها ضَرْبا
إذا مسحَتْها الرِّيحُ راحتْ كأنما / تُمسِّحُ موتَى كشَّفَتْ عنهمُ التُّربا
وداذنةٍ تنهَى الصَّباحَ إذا بدا / وتُفسِدُ أنفاسَ النَّسيمِ إذا هَبَّا
شَرابٌ يُفضُّ الطين ُعنه إذا بدا / ثلاثةَ أيامٍ وقد شَبَّ لا شبَّا
يُمدُّ بأطرافِ النهارِ وما افتَرى / ولا كانَ خِدْناً للزُّناةِ ولا تِربا
فلما تراءَتْ للجميعِ حبالُنا / عجبتُ لمضروبَيْنِ لا جَنَيَا ذَنبا
تَناهى فاطمأَنَّ إلى العِتابِ
تَناهى فاطمأَنَّ إلى العِتابِ / وأحسنَ للعواذلِ في الخِطابِ
وسارَ جَنِيبَ غُصْنٍ غيرِ رَطْبٍ / وكان جنيبَ أغصانٍ رِطابِ
خَلَتْ منه ميادينُ التَّصابي / وعُرِّيَ منه أفراسُ الشَّبابِ
وزهَّدَه خِضابُ الناسِ لمَّا / تولَّى عنه في زُورِ الخِضابِ
وردَّ كؤوسَه في الحَلْي تُجلَى / وكان يَردُّها عُطْلَ الرِّقابِ
وأيقنَ أنه ظِفرُ اللَّيالي / تبيَّنَ في شَبا ظفْرٍ ونابِ
وإن غادرْتَ مِصباحاً ضئيلاً / فقد ساوَرْنَ أثقبَ من شِهابِ
رأيتُ رِداءَه عِبثاً عليه / وسهلَ طريقِه حَزْنَ الشِّعابِ
كأن لم يُغْنِ فتيانَ العوالي / بنَجدَتِه وفتيانَ التَّصابي
ولم يَعْدِلْ صفاءَ العيشِ فيهم / وبعضُهُمُ قَذاةٌ في شَرابِ
ورُبَّ مُعصْفراتِ القُمْصِ طافَتْ / عليه بها مُعَصفرةُ النِّقابِ
وألفاظٍ له عَذُبَتْ فأغَنتْ / غِناءَ الرَّاحِ بالنُّطَفِ العِذابِ
يكرِّرُها على راووقِ فِكْرٍ / فيبعُثها كرَقراقِ السّرابِ
وخَرْقٍ طال فيه السَّيرُ حتى / حَسِبناه يسيرُ مع الرِّكابِ
صَحِبْنا فيه تَرْحاتِ التَّنائي / على ثِقَةٍ بِفَرْحاتِ الإيابِ
إلى الخِرقِ الذي يَلْقى الأماني / رحيبَ الصَّدْرِ منه والرِّحابِ
لقد أضحَتْ خِلالُ أبي حُصَيْنٍ / حصوناً في المُلِمَّاتِ الصِّعابِ
كساني ظِلَّ نائِلِه وآوى / غرائبَ مَنطِقي بعدَ اغترابِ
فكنتُ كروضَةٍ سُقِيت سَحاباً / فأَثنتْ بالنَّسيمِ على السَّحابِ
عطاءٌ يَستَهِلُّ البِشرُ فيه / فيبعثُه انسكاباً في التهابِ
كما ساَرتْ مؤلَّفَةُ الهَوادي / بلَمْعِ البرقِ مُذهَبَةَ الرَّبابِ
تَجرَّدَ للجِهادِ فكان عَضباً / حديدَ الحَدِّ فيه غيرَ نابِي
ينازلُ مُصلَتاً من كلِّ أوبٍ / ويدخُلُ مُعلَماً من كلِّ بابِ
وأشيبَ عاينَ العلياءَ طِفْلاً / فقارعَ قبل تقريعِ العِتابِ
وحرَّمَ مِسْمَعَيْهِ على المَلاهي / وهُدَّابَ الإزارِ على التُّرابِ
يروعُكَ وهو مصقولُ السَّجايا / إذا ما هَزَّ مصقولَ الذُّبابِ
وقد شَغَلتْ كعوبُ الرمحِ منه / يَديهِ عن مُلامَسَةِ الكِعابِ
وخفَّ عليه ثِقْلُ الدِّرعِ حتى / كأنَّ دروعَه سَرَقُ الثِّيابِ
وكم خرَقَ الحِجابَ إلى مَقامٍ / توارَى الشَّمسُ فيه بالحِجابِ
إذا شُنَّتْ به الغاراتُ كانت / نفوسُ المُعلَمينَ من النِّهابِ
كأنَّ سيوفَه بينَ العوالي / جداولُ يطَّرِدْنَ خِلالَ غابِ
وخَيْلٍ قادَها في جنْح ليلٍ / تَطيرُ بِوَطْئِها نارَ الضِّرابِ
إذا مرَقَتْ من الظَّلماءِ أذكَتْ / على المُرَّاقِ ثائرةَ العَذابِ
وقِرْنٍ شامَ صفحتَه فعادَى / صفيحةَ سيفِه عندَ الضِّرابِ
وقد وضحَتْ سطورُ البيضِ فيه / كما وَضَحتْ سطورٌ في كِتابِ
مناقبُ تملأُ الحُسَّادَ غَيْظاً / وتُغْني الطَّالبينَ عن الطِّلابِ
وحُكمٌ يَفْرُقُ الأعداءُ منه / كأنك فيه فاروقُ الصَّحَابي
يَوَدُّكَ فيه مَنْ تَقضي عليه / لشافي الحُكمِ أو كافي الصَّوابِ
إليكَ زَففتُها عذراءَ تأوي / حِجابَ القلبِ لا حُجُبَ النِّقابِ
أذَبْتُ لِصَوْغِها ذَهَبَ القوافي / فأَدَّتْ رونقَ الذَّهَبِ المُذابِ
تهاداها الملوكُ كما تَهادَتْ / أكفُّ البيضِ منظومَ السَّخابِ
تروقُك وهي ناجمةُ المعاني / كما راقَتْكَ نَاجِمةُ الحَبابِ
حسبُ الأميرِ سماحٌ وَطَّدَ الحَسَبا
حسبُ الأميرِ سماحٌ وَطَّدَ الحَسَبا / ورُتبةٌ في المعالي فاتَتِ الرُّتَبا
أعطَى فقالَ العُفاةُ النازلون به / أنائلاً أنشأَتْ كفَّاه أم سُحُبا
أَغرُّ لا يتحامَى قِرنَه أبداً / حتى يُردَّ غِرارَ السيفِ مُختَضَبا
كاللَّيثِ لا يسلُبُ الأعداءَ بَزَّهُمُ / في الرَّوْعِ لكن تَرى أرواحَهم سَلَبا
لا يعرفُ الغَدرَ ما ضُمَّتْ جوانِحُه / على الوفاءِ ولا يُبْقي إذا وَثَبا
أمَّا عَدِيٌّ فقد عدَّتْه سَيِّدَها / نجابةً وهي تُدْعى السادةَ النُّجُبا
أَسْدٌ إذا حاولتْ أرضَ العِدا حمَلتْ / على الكواهلِ غَاباً لِلْقنَا أَشَبَا
لما هَممْتَ بآثارٍ مجدَّدَةٍ / حدْوتَ للحاسِدِ الأحزانَ والكُرَبا
أنشأْتَه منزلاً في قلبِ دجلةَ لا / تمتاحُ جَنَّتُه الغُدرانَ والقُلُبا
صفا الهواءُ به والماءُ فاشتَبَها / كأنَّ بينهما من رقَّةٍ نَسَبا
وأصبحَ الغيثُ مخلوعَ العِذار بهِ / فليسَ يَخلعُ أبرادَ الحَيا القُشُبا
فَمِنْ جِنانٍ تُريكَ النَّوْرَ مُبتَسِماً / في غير إبَّانِه والماءَ مُنسَكِبا
ومن سَواقٍ على خضراءَ تَحسَبُها / مُخضرَّةَ البُسْطِ سَلُّوا فوقَها القُضُبا
كأنَّ دُولابَها إذ حَنَّ مُغتَرِبٌ / نأى فَحنَّ إلى أوطانِه طَرَبا
باك إذا عَقَّ زَهْرُ الرَّوْضِ والدَه / من الغَمامِ غدا فيه أباً حَدِبا
مُشَمِّرٌ في مَسيرٍ ليسَ يُبْعِدُهُ / عن المحلِّ ولا يُهْدي له تَعَبا
ما زالَ يطلُبُ رِفْدَ البحرِ مُجتهِداً / للبَرِّ حتى ارتدى النُّوَّارَ والعُشُبا
فالنخلُ من باسقٍ فيه وباسِقَةٍ / يُضاحِكُ الطَّلْعَ في قُنْوانِهِ الرُّطَبا
أضحَت شماريخُه في الجوِّ مُطلِعَةً / إما ثُرَيَّا وإمَّا مِعْصَماً خُضِبَا
تريك في الظِّلِّ عِقياناً فإن نَظَرَتْ / شمسُ النَّهارِ إليها خِلْتَها لَهَبا
والكَرْمُ مُشتَبِكُ الأفنانِ تُوسِعُنا / أجناسُه في تساوي شِرْبِها عَجَبا
فكَرمةٌ قَطَرَت أغصانُها سَبَجاً / وكرمةٌ قطرَت أغصانُها ذَهَبا
كأنِّما الورقُ المُخضَرُّ دونَهما / غيرانُ يكسوهُما من سُنْدُسِ حُجُبا
والماءُ مُطَّرِدٌ فيه ومُنْعَرِجٌ / كأنَّما مُلِئَتْ حيَّاتُه رُعُبا
وبركةٌ ليس يُخفْي مَوجُ لُجِتَّها / من القَذى ما طفَا فيها وما رَسَبا
تُسدي عليها الصَّبا بُرْداً فإن ركَدَتْ / رأيتَه دارسَ الأفوافِ مُستَلَبا
قد كُلَّلَتْ بنجومٍ للحَبابِ ضُحىً / فإن دَجا الليلُ عَادَتْ أنجُما شُهُبا
ترى الإوزَّ سُروباً في ملاعبِها / كما تأمَّلتَ في ديباجَةٍ لَعِبا
يَرِفُّ منه على أمواجِها زَهَرٌ / أربى على الزَّهْرِ حتى عاد مُكْتئِبا
مُسَلِّمٌ وسباعُ الطَّيرِ حائمةٌ / يخطَفْن ما طارَ في الآفاقِ أو سَرَبا
كأنما الجارحُ المرهوبُ يَحذَرُه / فليسَ يُوفي عليه جارحٌ ذَهَبا
وسهمُ فوَّارَةٍ ما ارتدَّ رائدُه / حتى أصابَ من العُّيوقِ ما طَلبا
أوفى فَلَمْ تَثْنِهِ حربُ الشَّمالِ وقد / لاقَتْه فاعتَركا في الجوِّ واحترَبا
كأنَّ بِركَتَه دِرْعٌ مُضاعَفَةٌ / تُقِلُّ رُمحَ لُجَيْنٍ منه مُنتَصِبا
والقصرُ يَبسِمُ في وَجهِ الضُّحىفتَرى / وجهَ الضُّحى عندما أبدى لنا شَحَبا
يبيتُ أعلاهُ بالجوزاءِ مُنتَطِقاً / ويَغتدي برداءِ الغَيمِ مُحتَجِبا
تَطَأْمنَ نَحوَهُ الإيوانُ حينَ سَما / ذُلاً فكيف تُضاهي فارسُ العَرَبا
إذا القصورُ إلى أربابِها انتسَبتْ / أضحى إلى القِمَّةِ العَلياء مُنتَسبا
فَصِلْه لا وَصَلَتْكَ الحادثاتُ ولا / زالَتْ سُعُودُك فيه تُنْفِدُ الحِقَبا
بَرٌّ وبحرٌ وكُثبانٌ مُدَبَّجةٌ / ترى النفوسُ الأماني بينها كَثَبَا
ومنزِلٌ لا تزالُ الدَّهرَ عَقوتُه / جديدةَ الرَّوْضِ جَدَّ الغيثُ أو لَعِبا
حصباؤُه لؤْلؤٌ نَثْرٌ وتُربَتُه / مِسكٌ ذكيٌّ فلو لم تَحمِه انُتهِبا
وكلُّ ناحيةٍ منه زَبَرْجَدَةٌ / أجرى اللُّجَيْنُ عليها جدولاً سَرِبا
فإنْ دعاكَ إليه ذِكْرُ مأدُبِةٍ / فما نَشأْتَ وفيها للعُلى أدَبا
وإنْ دعاكَ له ظِلٌّ فربَّ وَغىً / جعلْتَ ظِلَّكَ منها السُّمرَ والعَذَبا
لا تُكْذِبنِّي فإني في مدائحِكم / مُصَدَّقُ القَوْلِ لا أستحسِنُ الكَذِبا
مَنْ رامَ في الشِّعرِ شأوي كَلَّ عنه ومَنْ / ناوَى أبا تغِلب في سُؤدُدٍ غُلِبا
نسالمُ هذا الدهرَ وهو لنا حَرْبُ
نسالمُ هذا الدهرَ وهو لنا حَرْبُ / ونعتُبُ والأيامُ شيمَتُها العَتْبُ
ونَخطُبُ صُلحَ النَّائباتِ ولم يزَل / لأنفسِنا من خَطْبِها أبداً خَطْبُ
تَهُمُّ بنا أفراسُها وسيوفُها / فلا هذه تَكبو ولا هذه تَنبو
وكنا نعُدُّ المَشرفيَّةَ والقَنا / حصوناً إذا هزَّت مضاربَها الحربُ
فلما مَضى المِقدارُ قلَّ غناؤها / فلم يمضِ حَدٌّ من ظُباها ولا غَرْبُ
تبلَّدَ هذا الدهرُ فيما نرومُه / على أنَّه فيما نحاذرُه نَدْبُ
فسَيْرُ الذي يرجوه سَيْرُ مُقيَّدٍ / وسيرُ الذي يَخشى غوائلَه وَثْبُ
إذا فاجأتْنا الحادثاتُ بمصرَعٍ / فليس سِوى الجَنْبِ الكريمِ لنا جَنْبُ
فعَزِّ الأميرَ التَّغِلِبيَّ ورهطَه / بمن غَرَبَتْ عنه الغَطارفَةُ الغُلْبُ
بسِّيدَةٍ عمَّت صنَائِعُها الوَرَى / فأعربَ عن معروفِها العُجْمُ والعُرْبُ
ومُشرِفَةِ الأفعالِ لم يَحوِ مثَلها / إذا عُدِّدَ النِّسوانُ شرقٌ ولا غَربُ
تَساوَتْ قلوبُ الناسِ في الحُزْنِ إذ ثَوَتْ / كأنَّ قلوبَ الناسِ في موتِها قَلْبُ
وكانَتْ سهولُ الأرضِ دونَ هِضابِها / فلما حَواها السَّهلُ ذَلَّ له الصَّعبُ
فإن كانَ فيمن غَيَّبَ التُّرْبُ تِربُها / فمريمُ من دونِ النساءِ لها تِربُ
وطُوبى لماءِ المُزنِ لو أنَّ ظهرَها / لرَيَّقِه ما فاضَ رَيِّقُه السَّكبُ
وأقسِمُ لو زادَتْ على المِسكِ تُربةٌ / لزادَ على المِسكِ الذكيِّ بها التُّربُ
فضائلُ يُنفِذنَ الثَّناءَ كأنما / ثَناءُ ذواتِ الفضلِ من حُسنِها ثَلْبُ
لقد جاورَت من قومِ يُونُسَ مَعْشراً / أحبَّت بروحٍ لا يجاورُه كَرْبُ
فقد بردَت تلك المضاجعُ منهم / فأشرقَ ذاك النُّورُ فيها فما يخبو
فللهِ ما ضَمَّ الثَّرى من عَفافِها / وما حَجَبْتها من طهارتِها الحُجُبُ
لَئِن كان وادي الحُصنِ رحباً لقد ثوى / بعَرصَتِه المعروفُ والنائلُ الرَّحبُ
وإن عَذُبَتْ رَيَّاه أو طابَ نَشرُه / فقد مَلَّ في بطحائها الكرَمُ العَذْبُ
عَجِبْتُ له أنّي تضمَّنَ مثلَها / ولا كِبَرٌ يَعروه ذاك ولا عُجْبُ
ولو عَلِمَت بطحاؤُّه ما تضمَّنَت / تطاولَتِ البطحاءُ وافتخرَ الشَّعبُ
تُذالُ مصوناتُ الدموعِ إزاءَها / وتَمشي حُفاةً حولَها الرَّجْلُ والرَّكْبُ
فلا زالَ رَطْبُ الرَّوضِ من رَيِّقِ النَّدى / كأنَّ النَّدى من فوقِه الُّلؤلُّؤ الرَّطْبُ
أبا تغلِبٌ صبراً وما زلتَ صابراً / إذا زَلَّ حَزمٌ ثابتٌ أو هَفا لُبُّ
فقد أعقبَتْ منكم أُسودَ شجاعةٍ / وكم مُعقبٍ في الناسِ ليسَ له عُقْبُ
وأنتم جَنابُ المكرُماتِ ولم يكن / لتهفو رواسيها وإن عَظُمَ الخَطْبُ
فكلُّ حياً للجودِ أنتم سَحابُه / وكلُّ رحىً للحربِ أنتم لها قُطبُ
ولو أنه غيرُ الحمامِ صَببتُم / عليه سَحاباً قَطْرُهُ الطَّعنُ والضَّربُ
أرى أرضَكم أضحتْ سماءً بعزِّكم / فأنتم لها الأقمارُ والأنجمُ الشُّهبُ
تموتُ عِداكم قبلَ سَلِّ سيوفِكم / ويَفنيهِمُ من قبلِ حَربِكمُ الرُّعبُ
وكيفَ تنالُ الحربُ منكم وإنما / بأمركم تمضي العواملُ والضَّربُ
إذا أنتَ كاتبتَ العِدا مُثِّلت لها / ظُباكَ فنابت عن كتائِبك الكُتْبُ
دعانا الأميرُ التغلبيُّ إلى النَّدى / فنحن له شَرْبُ النَّدى وهو الشُّربُ
نصاحبُ أياماً له عَدَوِيَّةً / محاسنُ أيامِ الشبابِ لها صَحْبُ
هو الغيثُ نال الخافقَينِ نوالُه / إلى أن تساوَى عندَه البُعْدُ والقُرْبُ
يزورُ النَّدى زُوَّارَه متواتراً / عليهم وزُوّارُ الحَيا أبداً غِبُّ
أأعداءَه كفُّوا فإنَّ نصيبَكم / إذا رمتُمُ إدراكَ غايتِه النَّصْبُ
وهل يستوي عذْبُ المياهِ ومِلحُها / وهل يتكافا الخِصبُ في الأرضِ والجَدبُ
فإن عَجِزَ الأقوامُ أو بانَ نقصُهم / فليس لمن بانَتْ فضيلتُه ذَنبُ
رأيتُكَ طِبّاً للقريضِ ولم يكن / ليَنظِمَه إلا الخبيرُ به الطِّبُّ
ولا بدَّ أن أشكو إليك ظُلامةً / وغارةَ مِغوارٍ سجيَّتُه الغَضْبُ
تخيَّلَ شِعري أنه قَومُ صالحٍ / هلاكاً وأن الخالديَّ له السَّقْبُ
رعَى بين أعطانٍ له ومَسارحٍ / ولم تَرْعَ فيهنَّ العِشارُ ولا النُّجبُ
وكان رياضاً غضَّةً فتكدَّرَتْ / موارِدُها واصفرَّ في تُربها العُشبُ
يُسَاقُ إلى الهُجْنِ المَقَارِفِ حَلْيُهُ / وَتُسْلَبُهُ الغُرُّ المحجَّلةُ القُبُّ
غُصِبْتُ على ديباجِه وعُقودِه / فديباجُه غَصبٌ وجوهرُه نَهبُ
وأبكارُها شَتَّى أذيلَ مَصونُها / وريعَت عَذارها كما رُوِّع السِّربُ
يعرِّيكُمُ من عَصبِه وبُرودِه / عصائبَ شَتَّى لا يَليقُ بها الغَصبُ
فإن رِيعَ سِربي أو تُمرِّدَ دونَه / ولم يُنجِني منه الحمايةُ والذَّبُّ
فعندي هِناءٌ للعدوِّ يُهِينُه / إذا اختلفتْ منه خلائقُه الجُربُ
فكنتُ إذا ما قلتُ شِعْراً حدَت به / حُداةُ المطايا أو تغنَّت به الشَّربُ
شَفاه قُرباً وقد أشفَى على العطَبِ
شَفاه قُرباً وقد أشفَى على العطَبِ / خَيالُ نائيةٍ حيَّاهُ من كَثَبِ
ألمَّ يُتحِفُهُ بالوَرْدِ من خَفَرٍ / في وجنتَيْهِ وبالصهَّباءِ من شَنَبِ
فباتَ عذبَ الرِّضا والظَّلمِ ليلَته / وربما باتَ مُرَّ الظُّلمِ والغَضَبِ
إذا تجلَّى جلا الخدَّينِ في خَفَرٍ / وإن تثنَّى ثَنى العِطْفَينِ من تَعَبِ
وكيفَ بالجِدِّ منها وهي لاعبةٌ / تُهدي إلى الصبِّ جِدَّ الشوقِ في اللَّعبِ
تعرَّضَت ليَ في بيضِ السوالفِ لا / يُسلِفنَ وعداً ولا يُقْرَقْنَ بالرِّيَبِ
من بارزٍ بحِجابِ الصَّونِ مِحتَجِبٍ / وسافر بنقابِ الوَرْدِ مُنتَقِبِ
حتى كأنَّ سُجُوفَ الرَّقْمِ ضاحيةً / تكشَّفَت عن دُمىً منهن أو لُعَبِ
هلّا ونحنُ على كُثْبِ اللِّوى اعترَضَت / تلك المحاسنُ من قُضبٍ ومن كُثُبِ
أيامَ لي في الهَوى العُذريِّ مأرُبةً / وليسَ لي في هوى العُذَّالِ من أرَبِ
سقى الغمامُ رُباهَا دمعَ مُبتَسمٍ / وكم سقاها التَّصابي دمعَ مُكتئِبِ
ولو حَمْدتُ بها الأيامَ قلتُ سقَى / ربوعَها أحمدُ المحمودُ في النُّوبِ
سأبعثُ الحمدَ مَوشِيّاً سبابُيه / إلى الأميرِ صحيحاً غيرَ مُؤتَشِبِ
إنَّ المدائحَ لا تُهدى لناقِدها / إلا وألفاظُها أصفى من الذَّهَبِ
كم رُضتُ بالفِكْر منها روضةً أُنُفاً / تفتَّحَ الزَّهْرُ منها عن جَنَى الأدبِ
إذا الرجا هَزَّ أرواحَ الكلامِ بها / أتتك أحسنَ من مُهتزَّهِ القَصَبِ
لَفظٌ يروحُ له الرَّيحانُ مُطَّرِحاً / إذا جعلناه رَيحاناً على النُّخَبِ
أما تراه أبا العَبَّاسِ مُعتَرِضاً / على السُّها ويَدي تجنيهِ من قُرُبِ
خُطَى المكارمِ فردُ الحسنِ مُغترباً / يلوذُ منه بفَردِ الجودِ مُقترِبِ
مُقسَّمٌ بين نَفْسٍ حُرَّةٍ ويَدٍ / مقابلٌ بينَ أمٍّ بَرَّةٍ وأبِ
مِصباحُ خَطبٍ له في كُلِّ مُظلِمَةٍ / صُبحٌ من العِزِّ أو صبحٌ من الحسَبِ
إذا بلَوْنا عَدِيّاً يومَ عاديةٍ / كانت ضرائبُها أحلى من الضَّربِ
قومٌ همُ البيضُ أفعالاً إذا اطّرَدَتْ / جداوِلُ البيضِ في غابِ القَنا الأشِبِ
راحَ الصِّيامُ فولَّى عنك مُنقَضِباً / ورحتَ عنه بأجرٍ غيرِ مُنقضِبِ
فعادَ فِطرُكَ في نَعماءَ سابغةٍ / وفي سُعودٍ إليها ساقةُ الحِقَبِ
أتاكَ والجوُّ يُجلى في مُمَسَّكةٍ / والأرضُ تختالُ في أبرادِها القُشُبِ
إذا ألحَّ حُسامُ البَرقِ مُؤتَلِقاً / في الرَّوضِ جَدَّ خطيبُ الرَّعدِ في الخُطَبِ
فللخمائلِ بُسطٌ غيرُ زائلةٍ / للسَّحائبِ ظِلٌّ غيرُ مُستَلَبِ
تَمَلَّها يا ابْنَ نصرٍ فهي سيفُ وغىً / ماضي الظُّبا وشِهابٌ ساطعُ اللَّهَبِ
تَسري فتخفُقُ أحشاءُ العدوِّ لها / كأنها رايةٌ خفّاقةُ العَذَبِ
تكادُ تَبرُقُ لو إن الثناءَ له / كتيبةٌ بَرقت من قَبلُ في الكُتُبِ
فلو هَتفتَ بها في يومِ مَلحَمةٍ / قامت مَقامَ القَنا والبِيضِ واليَلَبِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025