المجموع : 9
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ
أَغَمْزُ عُيُونٍ وَانكسارُ حَوَاجِبِ / أمِ البرقُ في جُنْحٍ من الليل دَائبِ
سرى وسرى طيفُ الخيالِ كلاهما / يَوَدُّ لو أنَّ الليلَ ضَرْبَةُ لازب
وفي مضجعي أَخْفَى على العينِ منهما / وأَثْقَبُ في أَجوازِ تلكَ الغياهب
لقىً غيرَ نفسٍ حُرَّةٍ نازعت به / نجومَ الدُّجى ما بين سارٍ وسارب
معودةٍ ألاَّ تطبِّقَ روعةٌ / بها مذهباً والموت شتى المذاهب
إليكَ ابنَ حمدينٍ وإنْ بَعُدَ المَدَى / وإن غَرَّبَت بي عَنْكَ إحدى المغارب
صبابةَ ودٍّ لم يكدِّر جِمَامَهُ / مُرُورُ الليالي وازدحامُ الشَّوائِبِ
وذكرى عَسَاها أن تكونَ مَهَزَّةً / تردُّ على أَعقابِهِ كُلَّ شاغب
بآيةِ ما كان الهوى مُتَقَارباً / وخَطَوْيَ فيه ليسَ بالمتقارب
أُمُخْلِفَةٌ تلك الوسائلُ بعدما / شَدَدنا قُوَاها بالنُّجومِ الثَّواقب
وكم غَدْوَةٍ لي في رِضَاكَ ورَوَحَةٍ / على مَنْهَجٍ من سُنَّةِ البِرِّ لازب
لياليَ لم تمشِ الأخابيث بيننا / بما كادَ يستهوي حُلُومَ الأطايب
ولم يُرِجفُوا في / بصمانة يَنْمُوَنَها وأشائب
وأيامَ لم يَجْنِ الدَّلالُ على الهوى / هناتٍ جَنَت عُتْبى على غير عاتب
أفالآن لما كنتُ أحكمَ قاصدٍ / وَسَرَّك أني جئتُ أصْدَقَ تائب
ولم يبقَ إلا نزغة ترتقي بها / شياطينُ تَخْشَى القَذفَ من كلِّ جانب
أَضعتَ حُقُوقي أو حقوقَ مودتي / فدونكها أعجوبةً في الأعاجب
وَفَجَّعْتَ بي حيّاً نوادبَ كلمَّا / تذكرنني أسْعَدنَ غيرَ نوادب
وقال العدا ليلُ الخمولِ أَجَنَّهُ / على رِسْلِهِم إنِّي عِيَاضُ بنُ ناشب
فلا تتباهى بي صدورُ مَجَالسٍ / أَسُرُّكَ فيها أو صدورُ مواكب
وَأصبحتُ لا يَرتَاعُ من خَوفِ سَطْوَتي / عَدوُيِّ ولا يرجو غَنَائيَ صاحبي
ولا يتلقَّاني العُفَاةُ كأنما / أَهَلُّوا بمنلٍ من الغَيْث ساكِب
ولا أَمتري أخلافَ كلِّ مُرِنَّة / بأيدي صَبَا من عزمتي وَجَنَائب
أُعاتِبُ إدلالاً وأعْتِبُ طاعةً / وحسْبُكَ بي من مُعتْب وَمُعَاتب
أبوءُ بذنبي ليس شعري بمقتضٍ / عُلاكَ ولو فَقَيْتُهُ بالكواكب
ولكنَّهُ ما أَستطيعُ وَعُوذَةٌ / لِفَضْلِكَ إلا نَمْحُ ذنبي تُقارب
ويجحدُكَ الحسَّادُ أَنّك سُدْتَهُمْ / على شاهدٍ مما انتحيت وغائب
وقد وقفوا دون الذي عزَّ شأوه / بأنفسهم أو بالظنون الكواذب
غضاباً على مَنْ ناكرَ الدهرَ بينهم / وقد عَرَفوه بينَ راضٍ وغاضب
سراعاً إلى الدنيا وحيثُ بدا لهم / ولو أنَّه بينَ الظبا والضرائب
إذا المرءُ لم يَكْسِب سوى المالِ وحده / فألأمُ مَكْسُوبٍ لألأمِ كاسب
عجبتُ لمن لم يَقْدُرِ التربَ قَدْرَهُ / وقد تاهَ في نَقْدِ النجومِ الثواقب
ومن لم يوطِّن للنوائبِ نَفْسَهُ / وقد لجَّ في تعريضها للنوائب
أعِد نظراً فيهم وفي حرماتهم / وإن لم يُعيدوا نظرةً في العواقب
وكُن بهمُ أَدنى إلى الرشد منهمُ / تكْن هذه إحدى عُلاك العجائب
لعلهمُ والدهرُ شتَّى صُرُوفُهُ / وَمَجْدُكَ أولى بارتقاءِ المراتب
قد انصرفت تلك الهمومُ لواغباً / إلى المقصدِ الأدنى وغيرَ لواغب
وثابت حلومٌ ربمَّا زال يَذْبُلٌ / وزالَ سُهَيْلٌ وهي غير ثوائب
وَأَيقَنَ قومٌ أنها هيَ ترتمي / بهم بين مجنوب إليك وجانب
وألقَوا بأيدٍ صاغرينَ وأخْلَصُوا / ضمائرَ مكذوبِ المُنَى والتجارب
وأهونُ مغلوبٍ على أمرِ نفسِهِ / من النَّاسِ مَنْ لا يَتَّقي بأسَ غالب
إليك ابنَ حمدينٍ نصيحةَ مُشْفِقٍ / تَنَحَّلَها أثناءَ تلك النوائب
برغمي ورغمِ المكرمات تَقَضَّبَتْ / حِبَالٌ بأيدي الحادثاتِ القواضب
ورغمِ رجالٍ علَّمَتْهُمْ ذنوبُهُمْ / حِذَارَ الأعادي واحتقارَ المصائب
قَضَوْا نحبهم إلا أسىً غَيْرَ نافعٍ / على ذاهبٍ من أمءرِهِمْ غيرِ ذاهب
يلوذون منه بالخضوع مُرَدَّداً / إذا عزَّهم فيضُ الدموع السواكب
فإن تَنْتَصِف منهمْ فأَعْذَرُ آخذٍ / وإن تتداركْهُمْ فأَكرمُ صاحب
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ
عِتابٌ على الدُّنيا وَقَلَّ عِتابُ / رضينا بما تَرْضى ونحنُ غِضابُ
وقالتْ وأصغينا إلى زُورِ قولها / وقد يَسْتَفِزُّ القولُ وهو كذابُ
وَغَطَّتْ على أبصارِنا وقلوبِنَا / فطالَ عليها الحَوْمُ وهي سَراب
ودانت لها أفواهُنَا وعقُولنَا / وهل عِنْدَهَا إلا الفناءُ ثواب
وتلك لعمرُ ا أما ركوبُهَا / فَهُلْكٌ وأما ُحكْمُهَا فَغِلاب
نلذُّ ونلهو والأعزَّةُ حولها / رُفَاتٌ ونبني والديارُ خراب
وَتخْدَعُنَا عما يُرَادُ بنا منىً / لبحرِ المنايا دونهنَّ عُبَاب
ونغتنمُ الأيامَ وهيَ مصائبٌ / لهنَّ علينا جيئةٌ وَذَهاب
بكتْ هندُ من ضِحْكِ المشيب بمفرقي / أَمَا عَلِمَت أنَّ الشبابَ خِضَاب
وقالت غُبَارٌ ما أَرى وتجاهلت / وليس على وَجْهِ النّهارِ نِقَاب
هل الشيبُ إلا الرُّشْدُ جلَّى غوايتي / فأصبحتُ لا يَخْفَى عليّ صواب
وَأَصْبَحَ شيطاني يَعَضُّ بنانَهُ / وقد لاحَ دوني للقَتيرِ شِهَاب
أأعفو لِصَرفِ الدَّهْرِ عن هَفَوَاتِهِ / على حينَ لا يأتي عليَّ عِقَاب
وأتركُهُ يَمْضي على غُلَوَائِهِ / وقد قَلَّ إعتابٌ وطال عتاب
برئتُ من العلياءِ إن لم أردَّهُ / ولي ظُفُرٌ قد عَاثَ فيه وناب
وإن لم أنَهْنِه من شَبَاهُ بِعَزَمَةٍ / تَذِلُّ لها الأِشياءُ وهي صعاب
وقائلةٍ ما بالُ حمصٍ نَبَت به / وَرُبَّ سؤالٍ ليس عنه جواب
نبت بي فكنتُ العُرفَ في غيرِ أهلْه / يعودُ على أهليه وهو تَبَاب
فبالله ما استوطَنْتُها قانعاً بها / ولكنَّني سيفٌ حواهُ قِراب
أيُغْضِبُ حُسَّادي قيامي إلى العُلا / وقد قعَدوا لما ظفرتُ وخابوا
وَأروَعَ لا ينأى على عَزَمَاتِهِ / مَرَامٌ ولا يُخْفِي سَنَاهُ حِجَاب
من الحضرميّين الأُولى أحْرَزوُا العلا / بَنَوا فأطالوا أو رَمْوا فأصابوا
من المانعينَ الدهرَ حوزةَ جارِهِمْ / وأشلاؤهُ بين الخُطُوبِ نهضاب
همُ عَرَضُوا دون المعالي فأصْبَحَت / مطالبَ لا يدنو لَهُنَّ طِلاَب
وهم جَنَحوا بالمعتفين إلى ندىً / هو القَطْرُ لا يأتي عليه حساب
سجايا على مرِّ الليالي كأنَّما / هي المُزْنُ فيه رحمةٌ وعذاب
مواردَ فيها سَمُّ كلِّ مُعَاندٍ / ولكنها للمُسْتَقِيدِ عذاب
تُخَوِّفُني صَرفَ الزمانِ وقد حَدَث / برحلي إلى ابنِ الحَضْرَمِيِّ ركاب
إذا الله سنَّى لي لقاءَ محمدٍ / تفتَّحَ دوني للسماحةِ باب
فتىً لم تُسَافِر عنه آمالُ آملٍ / وكان لها إلاَّ إليه إياب
ولا ظَمِىءَ العلمُ المُضَيَّعُ أهْلُهُ / فساغ له إلا لديه شراب
لهُ هِمَمٌ في البأسِ والجودِ والندى / لها فوق أثْباجِ النجوم قباب
وَأقْسِمُ لولا ما لَهُ من مآثرٍ / لأصبح رَبْعث المجدِ وهو يَبَابُ
مآثرُ هنَّ المجدُ لا كسبُ درهمٍ / وهنَّ المعالي لا حُلَىً وثياب
يغيظُ العدا منه أغرُّ حُلاحِلٌ / أشمُّ طُوَالُ الساعدين لُبَاب
ولا عَيْبَ فيه لامرىءٍ غير أنَّه / تُعَابُ له الدنيا وليس يُعَابُ
هو الأسَدُ الوَرْدُ الذي سار ذِكْرُهُ / وليسَ له إلا البَسَالَةُ غاب
تَبَوَّأ من دارِ الخلافةِ مَقْعَداً / له فيه عَنْ حُكْمِ القضاءِ مَئاب
تباهَتْ به منذُ استقلَّ بأمرها / كما تتهادى لِلْجلاءِ كَعَابِ
سَلِ الدينَ والدنيا هل ابتهجا به / كما انجابَ عن ضوءِ النهار ضبابُ
نَضَاهُ أميرُ المؤمنين مُهنّداً / له الحِلْمُ مَتْنٌ والمضاءُ ذُبَاب
له المَثَلُ الأعلى مَعاداً ومبدءاً / وللحاسدِ العاوي حصىً وتراب
ألانتْ لك الأشياءَ وهي صليبةٌ / عزائمُ في ذات الإله صِلاب
إليك أبيَّاتاً من الشِّعْرِ قُلْتُهَا / بُودِّيَ لَوْ أنيِّ لهنَّ كتاب
فإن تَتَقَبَّلْهَا وتلك مطيتي / فيا مَنْ رأى خطباً ثناه خطاب
وهل أنا إلا الروضُ حيَّاكَ عَرْفُهُ / وقد بَاكَرَتْهُ من نَدَاكَ سَحَاب
ومن يُثْنِ بالصُّنْعِ الجميلِ فإنَّه / شَكُورٌ ولا مثلَ المزيَدِ ثواب
وهل أنا إلا عبدُ أنْعُمِكَ التي / هي الأريُ إذ كلُّ المواردِ صَاب
وما شهدَ المجدُ الذي أنت سرُّه / فإنك بحرٌ والكرامُ سَرَاب
وها أنا يا رِضْوَانُ باسمك هاتفٌ / فهل لي إلى دار المُقَامَةِ باب
وهل يُدْرِكُ الحسَّادُ غَورَكَ في العُلا / وإن طالَ مَكْرٌ منهمُ وخِلاَب
إذا نافسُوكَ المجدَ كنتَ غضنفراً / إذا زار لم تَثْبُت عليه ذِئاب
وما احمرَّ إلا من صِيالِكَ مَعْرَكٌ / ولا اخْضَرَّ إلا من نَداكَ جَنَاب
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى
إليكَ أبا عَبْدِ الإلهِ على النَّوى / مُطَالَعةً كادت تَنوبُ عن القرب
وطيبَ سَلامٍ ودَّتِ الرَّوْضُ أنَّهُ / شَذاها بما فيها من الماءِ والعشبِ
بعثت به طيفَ الخيالِ ولم يكن / لِيَسْلُكَ بين الهُضْبِ والموجُ كالهضب
وَهَبْهُ مضى قِدْماً ولم يَثْنِ عَزْمَهُ / غواربُ خُضْرٌ تُتَّقَى بِذُرى شهبِ
وبيدٌ كأيامِ الصدودِ ترى الضحى / بها شاحباً لا من شكاةٍ ولا حُبِّ
فأنَّى له ليلٌ يفي طولَ عمره / بمطلبه السامي وَمَركَبهِ الصّعْب
وَهبْهُ دنا حتَّى رآكَ وأفْرَجتْ / له عَنْكَ أيَّامُ النَّوى ودُجى الخطب
فَكيفَ يُؤدي ما تحمَّلهُ بلا / لسانٍ ويَحْوي ما تَقُولُ بلا لبِّ
أمَولايَ دَعْوى لم أزلْ مذْ نويتها / أُخاصِمُ فيها أسْعُدَ الأنجمِ الشهب
لعلَّك قد أشجتْكَ أُخْرى شكايةٍ / قضيتُ بأولاها نحيبيَ أوْ نَحْبِي
رفعتُ بها صوتاً إذا شئتُ أحرقت / بلا بِلُهُ ما انهلَّ من دمعيَ السكب
وبين أمير المؤمنين وبينه / مُضَايَقَةُ الحُجَّاب أو هَيْبَةُ الحجب
وأنت قديماً كنتَ أوَّلَ رائشٍ / لِذِكْرِيَ حتَّى طار في الشرق والغرب
ومن لي بأخرى مِثْلِها أنتحي بها / صُرُوْفَ الليالي وهي آمنةُ السرب
لعلِّيَ أنْ أسْطُو على الدَّهْرِ سَطْوَةً / بِمُنْصَلِتٍ مما يُحِلُّ وما يَسْبي
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ
يا رَبْعَ ناجِيَةَ انْهَلَّتْ بكَ السُّحُبُ / أمَا تَرَى كيفَ نابَتْ دُوْنَكَ النُّوَبُ
وعاد قلبيَ مِنْ ذكراهُ عيدُ جوىً / هو الخيالُ وإنْ قالوا هُوَ الطَّرَب
أبَعْدَ حَوْلٍ تَقَضَّى لِلنَّوى كَثَبٍ / ولا الذي بيننا نَبْعٌ ولا غَرَب
أرْتَابُ بالشيء مما كنتُ أذكره / يا دهرُ إنَّ أحاديثَ المُنَى رِيَبُ
مما يُبَرِّحُ بي حتَّى أبوحَ به / وإنْ أحاطتْ بيَ الأوْصَادُ والرُّقُب
ذكرى إذا نزعت قلبي شياطنها / فانظر إلى اصل دائي كيف ينسعب
وَلي حبيبٌ وإنْ شَطَّ المَزَارُ به / بَيْني وبَيْنَ الرَّدى في حُبّهِ سَبَب
وسنانُ يَكْسِرُ جَفْنَيْهِ على حَوَرٍ / فيه الصَّبَابةِ جدٌّ والهوى لَعِبُ
تَزَوَّدَتْ منهُ عَيْني نظْرَة عَرَضَا / أصْبَحْتُ وهي بقلبي لَوْطَةٌ عَجَب
قالوا الهوى عِيْشةٌ ضَنْكٌ فقلت لهم / لا خيرَ في دَعَةٍ لم يَجْنِها تَعَب
والخمرُ لولا حُمَيَّاها وَسَوْرُتها / لم تُغْرَسِ الكرمُ أو لمْ تعْصَرِ العِنَب
يا دولةَ الوَصْلِ هل لي فيكِ منْ أمَلٍ / هيهاتِ ليس لشيءٍ فاتَ مُطَّلَب
كانتْ يدَ الدهرِ عندي فاستبدَّ بها / ما أعْلَمَ الدهرَ باسْتِرْجاعِ ما يَهَب
كم ليلةٍ بِتُّهَا أجْدُو غياهِبَها / ببدرِهَا التِمِّ لا مَيْنٌ ولا كَذِب
يُعِلّني كلَّما مالَ العِناقُ به / كأساً من الرِيِّ ما في ثَغْرِه حبب
هَبَّتْ تُعاتِبُني زَهْرٌ وقد عَلِمَتْ / أن العتابَ شجىً في القلب أو شجب
قالتْ قعدتَ وقامَ الناسُ كُلُّهُمُ / ألا يُعلِّلكَ الأثراءُ والرُّتب
فقلتُ كُفّي فما تُغْني مُقارعتي / في أزْمَةٍ ضاعَ في أثْنائِها الأدب
فاستضحكتْ ثم قالت أنت في سَعةٍ / من أن تُسيمَ وهذا الماءُ والعُشب
أما رأيت ندى حَوَّاء كيف دنا / بالغيثِ إذ كادَ يأتي دونه العطب
دنيا ولا ترفٌ دينٌ ولا قشفٌ / ملك ولا سرف دركٌ ولا طلب
بِرٌّ ولا سقمٌ عيشٌ ولا هرَمٌ / جِدٌّ ولا نصبٌ وِرْدٌ ولا قربُ
رِدْ غَمْرَة ترتمي من كلٍّ ناحيةٍ / عُبابُهَا الفضَةُ البيضاءُ والذهب
مَليكةٌ لا يُوازِي قَدرَها مَلِكٌ / كالشّمْسِ تَصغُر عن مِقْدارِها الشُّهُب
وَهَضْبَةٌ طالما لاذُوا بجانبها / فما لهمْ لم يقولوا مَعْقِلٌ أشِبُ
أنثى سما باسْمِها النادي وكم ذكرٍ / يُدْعَى كأنَّ اسْمَهُ من لؤمه لقب
وقلَّما نقصَ التأنيثُ صاحبَهُ / إذا تُذُكّرِتَ الأفعالَ والنُّصُب
والحيَّةُ الصِلُّ أدهى كلما انبعثت / من أنْ تمارسها الأرْمَاح والقضب
وهذه الكعبةُ استولتْ على شَرَفٍ / فَذُبْذِبَتْ دونها الأوثانُ والصُّلُب
يَنْميكِ كلُّ بعيدِ الشأوِ فائِتُهُ / له البسالةُ أمٌّ والسمَّاحُ أب
منْ كلِّ مُنْصَلِتٍ يَسْعَى بِمُنْصَلتٍ / والموتُ بينهما يَنْدَى ويلتهب
إذا رَضُوْا فارْجُهُم في كلِّ نائبةٍ / وكنْ على حَذَرٍ منهمْ إذا غضبوا
إذا دَعَوْا قامتِ الهيجا على قَدَمٍ / كأنما تنتمي فيهمْ وَتَنْتَسِب
هُمْ ثَبَّتوا الدينَ إذْ ضاقتْ مَذَاهِبُهُ / بأنْفُسٍ صِيغَ منها الدينُ والحسب
أيامَ جبريلُ داعيهم إذا نزلوا / وَعِزِرائيلُ راعيهم إذا ركبوا
حتى استقرَّ الهُدى في عُقْرِ دارِهِمُ / وأيْقَنَ العُجْمُ أنَّ القادةَ العربُ
همْ أورثوك العلا واستخلفوك على / آياتها وحذا الأعقابُ والعقِبُ
أَهلْلَتُ بالحُرّةِ العُلْيا إلى أملٍ / لمثلِهِ كانت الأشعارُ تنتخب
وشمتُ بَرْقَ نداها طَيَّ سَوْرَتِها / فاقتادني رَغَبٌ واعتادني رَهَب
والمرءُ ليس له نفعٌ ولا ضررٌ / كالنّارِ ليس لها ضَوْءٌ ولا لَهَب
بَنَى لكِ ابنُ عليٍّ بيتَ مَكْرُمَةٍ / الله العوالي عمادٌ والظُّبَا طُنُب
وَلاَّكِ أبهج فخرٍ تفخرينَ به / إذا انْتدَى للفخارِ السَّادَةُ النجب
يا أختَ خيرِ مُلوكِ الأرضِ قاطبةً / وإن أعدّوا وإن أسموا وإن نسبوا
محمّدٌ وأبو بكرٍ وخيرهم / يَحْيى وحَسْبُكِ عِزّاً كلَّما حُسبوا
ثلاثةٌ هُمْ مُرَادُ النَّاسِ كُلّهِمُ / كالدَّهرِ ماضٍ وموجودٌ وَمُرْتَقَبُ
حوّاءُ يا خيرَ من يَسْعَى على قَدَمٍ / ولستُ عَبْدَكِ إنْ لم أقْضِ ما يجب
إليكِ أهديتُ مما حاكه خَلَدي / فَخْراً يَجِدُّ وتبلى هذه الحِقَب
وافتك سودُ خطوطٍ كلما احتضرت / ألْقَتْ مقالدَها الأشعارُ والخطب
قد عمَّ برُّكِ أهلَ الأرضِ قاطبةً / فكيف أخْرِج عَنه جارُكِ الجُنُبُ
أهلِّي بالبكاءِ وبالنحيب
أهلِّي بالبكاءِ وبالنحيب / فقد نَزَحَ المحبُّ عن الحبيب
وقد وَسِعَ الحوادثَ يومُ رزء / تضيقُ له الصدورُ عن القلوب
وآذَنَتِ المكارمُ والمعالي / بِخَطْبٍ عاثَ حتى في الخطوب
أيا لهفَ العَلاءِ على حَصَانٍ / مُبَرَّأَةِ العيونِ من العيوب
ربيبةُ عزةٍ قعساءَ نابَتْ / منابَ الشمسِ إلا في الغُروب
ونشأةُ نِعْمَةٍ خضراءَ رَفّتْ / رَفيفَ الغُصْنِ مالَ مع الجَنُوب
ولم أرَ مثلَ مَنْعَاها مُصَاباً / هَفَا بقلوبِ شُبَّانٍ وشيب
لئنْ نَفَضُوا الأناملَ مِنْ ثَرَاهَا / لقد مَلَؤوهُ منْ حُسْنٍ وطيب
وقد تركوا به إحدى الغَوَادي / فحدِّثْ عن ضريحٍ أو قليب
إذا هَبَّتْ به ريحٌ شَجَاها / به ألاَّ سبيلَ إلى العبوب
وما خَلَصَتْ إليه الريحُ إلا / مغالطةً على أمَلٍ كذوب
أقولُ وقد نعاها ناعياها / وأشْبُلُها بمنهلٍ سكوب
ألم يرِبِ الرَّدى تضييعُ سرٍّ / تَبَلدُ فيه أوهامُ الغيوب
وكيف سَمَا الزمانُ إلى مَحَلٍّ / يَضِلُّ الطيفُ فيه عن الدَّبيب
تخطى نحوه حُمْرَ المنايا / يندبُّ إليه في سُوْدِ الحروب
وكلَّ مُجَرَّبٍ ذَرِبٍ تَحلَّى / بِوَسْمٍ لا يُضافُ إلى ضريب
ترى الموتَ الزؤام يَجُولُ فيه / مجالَ السّحْرِ في اللحظ المُريب
تَحُشُّ به المنيةُ كلَّ قَرْمٍ / نجيبٍ فوق مُنْجَرِدٍ نجيب
وكلَّ أصمَّ أخرسَ عَلَّمَتْهُ / صروفُ الدهر تشتيتَ الشُّعوب
إذا ما اهتزَّ في يُمْنى كميٍّ / رأيت الموتَ يخطرُ في قضيب
لتبكِ المكرماتُ وإن عَدَتْها / عوادٍ من عَذولٍ أو رقيب
على أُمِّ اليتامَى والأيامَى / إذا نَبَتِ المواضع بالجُنُوب
تَخَلَّصها الرَّدى مِن خِدْرِ ليثٍ / تُدَاريه الأسودُ عنِ الوثوب
غدا منها بِوِجْدانٍ بعيدٍ / على عهدٍ بلُقْيَاها قريب
يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بالغيبِ عنها / بِظَنٍّ مخطىءٍ وضَنىً مصيب
تَهَّدى الخيرُ من كَثَبٍ إليها / فكيف أضلها حَوْلُ الطبيب
أبا عَبْدِ الألهِ وقد تسامَتْ / لك الأيامُ بالعَجَبِ العجيب
أتَجْزَعُ للزمانِ وأنت منه / مكانَ الحَزْم من صدر اللبيب
عزاءَك إنما الإنسانُ نَهْبٌ / على أَيدي الحوادث والخطوب
وأنت نصيبُنَا منْ كلِّ شيءٍ / فَدُمْتَ وَحَسْبُنَا أوْفَى نصيب
ليس على لهونا مزيد
ليس على لهونا مزيد / ولا لحمامنا ضريبُ
ماءٌ وفيه لهيبُ نارٍ / كالشمس في ديمةٍ تصوب
وأبيضَّ من تحته رخامٌ / كالثلج حين ابتدا يذوب
يا قلب ذب كمداً أو لا فلا تذب
يا قلب ذب كمداً أو لا فلا تذب / ما من تحب ولو تحرص بمقترب
ركبت هول الهوى من غير تجربة / وراكب الهول محمول على العطب
قد خاب الهوى من بعدما وضحت / منه ضروب منّى أحلى من الضرب
لبيتَ داعيه الهوى ألا إلى الشحب / حتى إذا من تلك المنى جعلت
حتى إذا من تلك المنى جعلت / تدعو بطول الويل والحرب
أيا لذيذة لا واللَه مذ حجبت / عني فما لي في اللذات من أرب
تركتني يا حياتي للدرى غرضاً / تفديك أمي من صرف الردى وأبي
يصلى فؤادي سعيراً من صبابته / والعين في لجة من دمعها السرب
يا رب قد سفكت أم الوفاء دمي / وقد تخوفت أن تؤاخذ بي
وقد ذهبت لها قلبي وما خطري / حتى يعاقب ذاك الحسن من سببي
نسبت ألا تلاقينا وموقفنا / على مراقبة من أعين الرقب
لما التقينا وقد قيل المساء دنا / وغابت الشمس أو لاذت ولم تغِب
وأضلعي بين منقد ومنقصف / وأدمعي بين منهل ومنسكب
تأملتني أم المجد قائلة / بمن أراك أسير الوجد والطرب
فقلت قلبي مسبّي وأنك لو / كتمت سري لم أكتمك كيف سبي
وأعرضت ثم قالت قد أسأت بنا / ظنّاً أيجمل هذا من ذوي الأدب
فقُلت إنّي امرؤ لما لقيتكم / والمرء وقف على الأرزاء والنوب
سبتُ فؤادي ذات الخال قادرة / ولا نصيب لهُ منها سِوى النصب
اشقى بها وهي تلهو في بلهنيّة / شتان واللَه بينَ الجد واللَعبِ
أصابت القلب لما ان رمتهُ ولو / رمتهُ أخرى اذن لاشكَّ لم تصب
فقالت أشك إليها ما لقيت ولا / ترهب فلن تبلغ الآمال بالرهب
عسى هواك سيعديها فيعطفها / فقد يكون الهوى أعدى من الجرب
فقلت أعظمها بل ما أكلمها / إلا أشار إليّ الموت من كثب
قالت أنا أتولى ذاك في لطف / فقد أؤلف بين المساء واللهب
فقلت مثلك من يرجى لمعضلةٍ / لازلت في غبطة ممتدة الطنب
قالت لها يا لذيذ الحسن صاحبنا / صبا إليك فأضحى جدّ مكتئب
صليه أو فاقتليه فالحمام له / خير من الهجر في جهد وفي تعبِ
فلو تراني قد استسلمت مرتقباً / منها حنان الرضى أو جفوَة الغضب
حتى إذا ما ألانت تلك جانبها / والقلبُ مضطرم تسكينه يجب
طفقت الثم كفيها وقد جنحت / إليك تضحك بين العجب والعجب
ثمَّ افترقنا وقد ساءت / ان اجتمعنا ولم تأثم ولم تخب
لِلَّه مثلى ما أدنى سجيته / من المَعالي وأنآها عن الريب
كَم مآثم مستلذ قد هممت بهِ / فلم يدعني له ديني ولا حسبي
أُحاجِيكَ ما شيباءُ أولَ نشْئِها
أُحاجِيكَ ما شيباءُ أولَ نشْئِها / فإنّ عُمّرَتْ حُبَّ الشبابُ وقُرِّبا
إذا صُحَفَتْ كانتْ دعاءً ورغبةً / فإن قُلِبَتْ عادتْ لَبُوْساً ومشْربا
قد دَعَوْتُكَ بالأَشْجَانْ
قد دَعَوْتُكَ بالأَشْجَانْ / فَكُنْ مُجيبْ
وانتزحتُ عن الأوطان / وَبُحَّ الغريب
وما حَدَثَ مِن سُلْوان / على الكئيب
فواحَرَبَ قلبِ الشَّجيّ / مِنْه بَرِيّ
لا أنْقُضُ العهدا / إنّي وَفِيّ
سهامُ بَيْنٍ يا عُمَرْ / أَقْصَدْنَ عَبْدَكْ
فقلْ لي كيفَ أصْبِرْ / والقلبُ عندك
أما لَوْ سَاقَ القَدَر / ما ساقَ بَعْدَك
سأَقضي أنا الرَّمِيّ / ولا قِسيّ
للبينِ إن حَدَا / أنا المطيّ
إن جادَ القطرُ في رَسْمِ / أخْلافَ عَهْدِهْ
رماهُ جائرُ الحكمِ / من بعد شَدِّهْ
يسقي وابلُ الوسمي / ديارَ رِفْدِهْ
ثم الولي يتلى وليّ / بها صفيّ
أهدى إليَّ الوجدا / وهو خَلِيّ
لستُ أنفكُّ عَنْ ذِكْرِ / ذا الزمانْ
إذْ ليَ في الوجه والثغرِ / مُعَلّلانْ
أجيلُ الطرْفَ في بدْرِ / وَأقْحوانْ
فذا جَنِي وذا جَنِيّ / والريق رِيّ
لكن حَمَى الوردا / طَرْفٌ أبيّ
ربَّ مُدْنَفَةٍ عِشْقَا / إليه حَنّتْ
أكنَّتِ الشوق ولا رفقا / لما أَكَنَّتْ
لو لم تلقَ الذي تلقى / لما تَغَنتْ
عُذْرُه جَلِيْ وبي رُشَيّ / هابَ الكَمِيّ
منْ لحظه حَدّا والمَشْرَفِيّ /