القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 47
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً
أئِنْ تولّتْ جنودُ الشِّركِ مُدبرةً / خفَّ الرُّماةُ وظنّوا الأمرَ قد وجبا
كأنّهم والرِّعانُ الشُّمُ تقذفهم / سَيْلٌ تَدفَّقَ في شُؤبوبِه صَبَبا
يَخالهم من يراهم ساعةَ انطلقوا / سِهامَهم حين جاش البأسُ فالتهبا
رَدُّوا على ابن جُبيْرٍ رأيه ومضوا / إلا فريقاً رأَى ما لم يروا فأبى
أصابها خالدٌ منهم وعكرمةٌ / أُمنيّةً لم تُصِبْ من ذي هَوىً سببا
فاستنفرا الخيلَ والأبطالَ وانطلقا / في هَبْوَةٍ تزدهي الأرماحَ والقُضُبا
هم خلَّفوا رِممَ القتلى مُطرَّحةً / وغادروا الجندَ جُندَ اللّهِ والسَّلبا
طاروا إلى جبلٍ راسٍ على جبلٍ / ما اهتزَّ مذ قام من ضعفٍ ولا اضطربا
قال الرسولُ فأعطاهُ مقالَته / وما سِوَى نفسِهِ أعطى ولا وهَبا
تَوزّعوه فلو أبصرتَ مَصرعَهُ / أبصرتَ في اللّهِ منه مَنظراً عجبا
طَعنٌ وضَربٌ يعافُ البأسُ عندهما / سِلاحَ من طَعنَ الأبطالَ أو ضربا
سلُّوا حَشاهُ فظلّت من أسنّتهم / تَموجُ في الدم يجري حوله سَرِبا
تَتابعَ القتلُ يجتاحُ الأُلى معه / لولا المناقبُ لم يترك لهم عقبا
تلك الدِّماءُ التي سالت على أُحدٍ / لو أنبتَ الدمُ شيئاً أنبتت ذهبا
ظلمْتُها ما لشيءٍ مِثلُ رتبتِها / وإن تخطَّى المدَى أو جاوزَ الرُّتَبا
لم يبقَ سَهمٌ ولا رامٍ يُسدّده / تَغَيَّبَ الوابلُ الهطّالُ واحتجبا
وكرّتِ الخيلُ تردِي في فوارسها / بعد الفرار فأمسى الأمرُ قد حَزبا
المسلمون حَيارى كيف يأخذُهم / بأسُ العدوِّ أما رَدُّوه فانقلبا
حَلُّوا الصفوفَ وجالوا في مغانِمهم / ما ظنَّ عسكرهم شرّاً ولا حَسبا
تنكَّرت صُوَرُ الهيجاءِ واتّخذَتْ / من الأعاجيبِ أثواباً لها قُشُبا
خَرساءُ صمّاءُ تُعمِي عن مَعالِمها / عَينَ البصيرِ وتُعيي الحاذِقَ الدَّرِبا
مُغبرّةُ الجوِّ ما زال الخفاءُ بها / حتى تَقَنّعَ فيها الموتُ وانتقبا
ترى اللُّيوثَ وإن كانوا ذوي رَحِمٍ / لا يتَّقِي بعضُهم بعضاً إذا وثبا
يعدو على مُهجةِ الضرغامِ صَاحِبُهُ / ولا يُجاوِزُه إن ظُفرهُ نَشبا
هذا البلاءُ لقومٍ مال غَافلِهم / عن رأي سيّدِهم إذ يُحكِمُ الأُرَبا
قال اثبتوا فتولّوا ما عَصى أحدٌ / مِنهم ولكن قضاءٌ واقعٌ غَلبا
أمرٌ من اللّهِ مَرْجُوٌّ عَوَاقِبُه / يقضيه تبصرةً للقومِ أو أدبا
إنّ النبيَّ لَيُمضِي الأمرَ في وَضَحٍ / من حكمةِ اللّهِ يجلو نورهُ الرِيَبا
مُسدّدُ الرأي ما تهفو الظنونُ به / الخيرُ ما اختارَ والمكروهُ ما اجتنبا
للسلمِ والحربِ منه حازِمٌ يَقِظٌ / يُعيي الدُّهاةَ ويُردِي الجحفلَ اللَّجِبا
إنَّ الذي زيّنَ الدنيا بطلعتهِ / حَابَى العُروبةَ فيه واصطفى العربا
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ
أكان يَزيدُ بأسُكَ إذ تُصابُ / زِيادةُ ذلك العجبُ العُجابُ
تَكاثرتِ الجراحُ وأنت صُلْبٌ / يَهابُكَ في الوغَى مَن لا يهاب
قُوىً تَنصبُّ مُمعنةً حِثاثاً / وللدَّمِ في مَواقِعها انصبابُ
تَردُّ الهندوانياتِ ظَمأى / يُخادِعُها عن الرِّيِّ السَّرابُ
تُريد مُحمداً واللّهُ واقٍ / فَترجعُ وَهْيَ مُحنقةٌ غِضاب
زِيادةُ دونه سُورٌ عليه / مِن النّفرِ الألى احتضنوه باب
وما بِمُحمّدٍ خَوفُ المنايا / ولا في سيفِه خُلُقٌ يُعاب
ولكن جَلَّ منزلةً وقدراً / فبرَّ رجالُهُ ووفَى الصّحاب
هَوَى البطلُ المُغامِرُ واضمحلَّت / قُواه وخارتِ الهِممُ الصّلاب
فَتىً صَدقْت مشاهِده فظلت / تَعاورُهُ القواضبُ والحِراب
وَهَى منه الأديمُ فلا أديمٌ / وأعوزه الإهابُ فلا إهاب
تَمزّقتِ الصّحائفُ من كتابٍ / طواه في صحائفهِ الكتاب
تلقّاهُ برحمتهِ وروَّت / غَليلَ جِراحِه السُّورُ العِذَاب
أيادي اللّهِ يجعلها ثواباً / لكلِّ مُجاهدٍ نِعمَ الثّواب
أهابَ مُحمدٌ أدنوه منّي / فذلك صاحبي المحضُ اللُّباب
على قَدَمِي ضعوا لِلَّيثِ رأساً / أُحاذِرُ أن يُعفّره التراب
ففاضتْ نفسُه نوراً عليها / وماج الجوُّ وامتدَّ العُباب
عُبابٌ تنطوِي الآفاقُ فيهِ / ويَغرِقُ في جوانبهِ السّحاب
مَضى صُعُداً عليه من الدَّرارِي / ومن بَركاتِ خالقهِ حَباب
تلقّته الملائكُ بالتّحايا / مُنضّرةً تُحَبُّ وَتُستُطاب
وزُخرِفَتِ الجِنانُ وقيل هذا / مآبُكَ إنّه نِعَمَ المآب
هو مُرتمَى الأبطالِ مالك دُونه
هو مُرتمَى الأبطالِ مالك دُونه / مُتزحزَحٌ فاصبر له يا مُصعَبُ
ولقد صبرتَ تخوضُ من أهوالهِ / ما لا يخوضُ الفارسُ المُتلبِّبُ
تَرمِي بِنفسِكَ دُون نفسِ مُحمدٍ / وتقيه من بأسِ العِدَى ما تَرهب
تبغي الفِداءَ وتلك سُنّةُ من يرى / أنّ الفداءَ هو الذمامُ الأوجب
دعْ من يَعَضُّ على الحياةِ فإنّه / غاوٍ يُضلَّل أو دَعِيٌّ يكذب
ما اختارَ نُصرةَ دينِه أو رأيهِ / من لا يرى أن الفداءَ المذهب
ما هذه المُثُلُ التي لا تَنتهِي / هذا هو المَثلُ الأبَرُّ الأطيب
طاحَ الجهادُ به شهيداً صادقاً / أوفى بعهدِ إلههِ يتقرَّب
إيمانُ حُرٍّ لا يُبالي كلّما / ركبَ العظائِمَ أن يهولَ المركب
يرسو وأهوالُ الوقائعِ عُصَّفٌ / تذرو الفوارسَ والمنايا وُثَّب
إن يضربوه ففارسٌ ذو نجدةٍ / ما انفكَّ يطعنُ في النُّحورِ وَيضرب
كم هاربٍ يخشى بَوادِرَ بأسِهِ / ويخافُ منه مُشيَّعاً ما يَهرب
الموتُ في وثباتِه يَجرِي دماً / والموتُ في نَظَراتهِ يتلهّب
سقطت يَداهُ وما يزالُ لواؤُه / في صَدْرهِ يحنو عليه ويَحدِبُ
لو يَستطيعُ لَمدَّ من أهدابِهِ / سَبباً يُشَدُّ به إليهِ ويُجذَبُ
يُمناه أم يُسراه أعظمُ حرمةً / أم ساعداه وصدرُه والمنكب
جارَى مَنِيَّته فكلٌّ يرتمي / في شأنه جَللاً وكلٌّ يدأب
حتّى دعاهُ اللّهُ يرحَمُ نفسَه / فأجاب يلتمسُ القرارَ ويطلب
إن كان ذلك من أعاجيبِ الوغَى / فالبخلُ بالدَّمِ في المحارمِ أعجب
إنَّ امرأً كَرِهَ الجِهادَ فلم يَفُزْ / بالموتِ في غَمراتِه لَمُخيَّب
مَضَتِ السُّيُوفُ وولَّتِ الأربَابُ
مَضَتِ السُّيُوفُ وولَّتِ الأربَابُ / فإلى الهزيمةِ أيّها الأحزابُ
لا اللاتُ نافعةٌ ولا أَخَوَاتُها / كلُّ بلاءٌ واقعٌ وعذابُ
في السّفحِ من سَلعٍ قضاءٌ رابضٌ / والويلُ حين يَثُورُ أو يَنسابُ
يَبْغِي الفريسةَ والمنيَّةُ مخلبٌ / وَيَصُولُ والأجلُ المعجَّلُ نابُ
هو يا ابن حربٍ ما عَلِمتَ وجَرَّبوا / الغِيلُ بَسْلٌ واللّيوثُ غِضَابُ
أَشْفَى سليطٌ وابنُ عَوفٍ ضِغنَكم / أم ثَمَّ ضِغْنٌ وَاغِرٌ وضبابُ
لا بُورِكتْ تلك السُّيوفُ فإنّها / لَتُصيبُ من أعدائِها فَتُصابُ
كلُّ الذي نِلتم ونالتْ من دمٍ / عَطَبٌ يُتَاحُ لكم معاً وتَبابُ
زَيدٌ وَسَعدٌ في الفوارسِ فانظُروا / إن كان يَصدقُ نفسَه المُرتابُ
اللَّهُ أكبرُ كلُّ شيءٍ دونه / صَدَقَ الذين دعاهُمُ فأجابوا
ثُوبوا جُموعَ المشركينَ فإنّما / غَرَّتكمُ الأوثانُ والأنصابُ
لا يُعجبنَّ بَني قريظَةَ غَدرُهم / فَمُحَمَّدٌ لِلغادرِينَ عُقابُ
هبَّ ابن أخطب فاستزل بمكره / كعباً وأمر الجاهلين عجاب
يا للصحيفةِ إذ يُمزِّقُها أما / ينهاه عن خطأ الغُواة صَوَابُ
خَطَرَ الفحولُ فأين تذهبُ فِتيةٌ / مُلْدُ السواعِدِ والسُّيوفِ رِطَابُ
قال النبيُّ دعوا القِتَالَ لمعشرٍ / بَلغوا النِّصَابَ فللقتالِ نِصابُ
إن تذهبوا نَاجينَ من غَمَراتِهِ / فَلَكُمْ إليه مَرجِعٌ ومآبُ
لن تُحرَموا في اللَّهِ أجْرَ جهادكم / إذ تَعملونَ ويَعملُ الأصحابُ
عُنُقُ المجاهدِ ليس يُغمَطُ حَقُّه / سِيَّانِ سَيْفٌ قاطِعٌ وتُرابُ
الخَندقُ الهيجا حملتم عِبْئَها / والأمرُ جِدٌّ والخطوبُ صِعابُ
هَاتِيكَ خيلُ ابنِ الوليدِ وَصَحْبِهِ / تدنو فَتطمعُ تارةً وتَهابُ
بابٌ من الهيجاءِ لم تَرَ مِثلَهُ / فيما تُسَدُّ وتُفتحُ الأبوابُ
ذُعِرَ الفوارسُ في مُتونِ جيادِهم / لمَّا تردَّى الفارسُ الوثّابُ
نظروا فكان لهم بمصرعِ نوفلٍ / خَطبٌ تطيشُ لهولِهِ الألبابُ
الجوُّ مُستعِرٌ يَشُبُّ أُوارُهُ / وَيَعُبُّ فيه من اللَهِيبِ عُبابُ
جَرَتِ النِّبالُ بِهِ يُذيبُ وَطيسُها / بأسَ الأُلى لولا الرجاءُ لذابوا
ماذا لهم بعد الغُرورِ وما لَقُوا / في الحربِ إن كذبَ الرجاءُ وخابوا
دَفَعُوا الجيادَ وصاح عمروٌ صَيحةً / هَاجَ الهزبرُ لها ومَاجَ الغابُ
شيخٌ قَضَى في الغالِبينَ لنفسهِ / فَقَضى عليه الأشوسُ الغلابُ
يا عمرو خُذها من عليٍّ ضربةً / هِيَ إن سألتَ عن الجحيمِ جوابُ
حِبَّان لا سَلِمَتْ يَدَاكَ ولا سَقَى / أحياءَ قومكَ ما حَييتَ سَحابُ
أرسلتَهُ سهماً تَضجُّ لِهَوْلِهِ / أُمَمُ الكتابِ وتَفزعُ الأحقابُ
مَن ذا رَميتَ رَماكَ ربُّكَ بالتي / تَنهدُّ مِن صَدَمَاتِهَا الأصلابُ
أخزيتَ أُمَّكَ لا تُحَدِّثْ بَعدَها / عن طِيبِ أُمِّكَ ها هنا الأطيابُ
دَمُ مَن جَرحتَ وإِنْ جَهِلتَ مَكَانَهُ / في القومِ مِسكٌ ساطِعٌ ومَلابُ
سَعدُ العشيرةِ والكتيبةُ حوله / أُسْدُ العرينِ تَزِيْنُها الأحسابُ
الفارسُ المرجوُّ يَقْدِمُ قومَهُ / عِندَ الوغَى والسَّيِّدُ المنتابُ
إن جدَّ جِدُّ الضربِ فهو مُهَنَّدٌ / أو جَنَّ ليلُ الخطبِ فهو شِهابُ
أغرى عُيينةَ وَابْنَ عَوفٍ مَطمعٌ / يَعْيَا بأَيْسَرِ أمرِهِ الطُّلابُ
تَرَكا أبا سُفيانَ في غَفَلاَتِهِ / وكأنّما يُلقَى عليه حِجابُ
لم يُبصرِ الذئبينِ حين تَسلّلا / ومن الرجالِ ثعالبٌ وذئابُ
قالا رَضينا السّلمَ يُشبعُ قَومَنا / تمراً ورَاضِي السّلمِ ليس يُعابُ
تَمْرٌ المدينةِ إن أصبنا نِصفَهُ / فلكم علينا ذِمَّةٌ وكتابُ
نَدَعُ القتالَ وإن أبَى حُلفَاؤُنا / فَاشْتَدَّ لَوْمٌ واستحرَّ عِتابُ
لهمُ الكَرِيهةُ يُطعَمونَ سُمُومَها / ولنا طعامٌ سائِغٌ وشَرابُ
هَاجَا من السَّعْدَيْنِ سَوْرَةَ غضبةٍ / هِيَ للضراغِمِ شِيمَةٌ أوْ دابُ
أَبَيَا اصطناعَ الرأي في وَهَجِ الوَغَى / لم تصطنعه قواضبٌ وحراب
وتنازعا نظراً يهول ومنطقاً / يُوهِي القُلُوبَ الصُّمَّ وَهْيَ صِلابُ
مَنْ هُمْ أيجملُ أن يقالَ تَحكَّموا / فينا ونحن السَّادَةُ الأقطابُ
نَحمِي مَدِينَتَنَا ونَمنعُ نخلَها / مِن أن يَحُومَ على جَنَاهُ ذُبَابُ
قال النَّبيُّ بَدَا المُغيَّبُ فارجعا / ولكلِّ نفسٍ مَوعِدٌ وحِسابُ
النّصرُ عِندَ اللَّهِ يَجعلُهُ لنا / إن شاءَ وهو المُنعمُ الوهّابُ
صبراً على حَرِّ القتالِ فإنه / خَطبٌ يَزولُ وَغَمرةٌ تَنجابُ
شَغَلَ القتالُ عن الصلاةِ وإنّها / سَكَنٌ لنا من ربِّنا وثوابُ
قُمْ يا بِلالُ مُؤَذِّناً لِنُقِيمَها / سَكَنَ القِتالُ وزالتِ الأسبابُ
رَبِّ ارْمِهِمْ بالنَّارِ مِلءَ بُيوتهم / وقُبورِهم فلو اتَّقوكَ لتابوا
وببأسك انْصُرْنا وزَلْزِلْ جَمْعَهم / تَزُلِ الهمومُ وتَذهبِ الأوصابُ
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي / تَرَامَتْ دعوةُ الدَّاعِي المُهيبِ
لمَكَّةُ إذ يُضامُ الدِّينُ فيها / أحقٌّ بكلِّ أفَّاكٍ مُريبِ
خُذِي قَصْدَ السَّبيلِ إلى ديارٍ / مُحَبَّبَةِ المسالِكِ والدُّروبِ
حِمَى الإسلامِ يَمنعُ كلَّ عادٍ / وغِيلُ الحقِّ يَدفعُ كلَّ ذِيبِ
رَعاكِ اللَّهُ فَانْطَلِقِي وسِيري / ولا تَهِنِي على طُولِ الدُّؤوبِ
أردتِ الدِّينَ مَعمورَ النَّواحِي / فَخُوضِي البِيدَ مُقْفِرَةً وَجُوبي
تُطِيلينَ التَّلَفُّتَ من حذارٍ / وَقَلبُكِ لا يَقَرُّ من الوَجِيبِ
رُويدكِ إنّ عين اللَّهِ تَرْعَى / خُطاكِ فلن يَسَوءكِ أن تَؤُوبي
أرى أَخَوَيْكِ في أمرٍ مَريجٍ / وَهَمٍّ من مُصابِهِمَا مُذِيبِ
يَلُفُّ حَشَاهُما حُزنٌ عَجيبٌ / لِرَوْعَةِ ذلكَ الحَدَثِ العَجيبِ
لِكُلٍّ مِنهما في الحيِّ عَيْنٌ / تَدورُ كأنّها عَينُ الحريبِ
وَقَلبٌ دائِمُ الخَفَقَانِ هَافٍ / طَويلُ الوَجدِ مُتَّصِلُ اللّهيبِ
هُنا كانتْ فأينَ مَضَتْ وأنَّى / تُعاوِدُ خِدْرَها بعدَ المغيبِ
أَما عِندَ ابْنِ عَفَّانٍ شِفَاءٌ / فَيكشِفُ كُرْبَةَ العانِي الكَئِيبِ
أَتذهبُ أُختُنا لا نحنُ نَدرِي / ولا هُوَ عِندَهُ عِلمُ اللّبيبِ
كَفَى يا بِنتَ عُقْبَةَ ما لَقِينا / مِنَ الأحداثِ بَعدَكِ والخطوبِ
قِفِي يا أمَّ كُلثومٍ فهذا / مَحَطُّ الرَّحْلِ للنَّائِي الغريبِ
حَلَلْتِ بفضْلِ ربِّكِ خيرَ دارٍ / بِطيبةَ فانعِمي نَفْساً وطِيبي
تلقَّاكِ النبيُّ فأيَّ بشرٍ / رَعَتْ عيناكِ في الكَرَمِ الخَصِيبِ
يُرَحِّبُ ما يرحِّبُ ثمّ يُضفي / عليكِ حَنانَ ذِي النَّسَبِ القريبِ
وما نَسَبٌ بأقربَ من سبيلٍ / يُؤلِّفُ بين أشتاتِ القُلوبِ
سَبيلُ اللَّهِ ليس له إذا ما / بلوتِ السُّبْلَ أجمعَ من ضريبِ
هُدَى السَّارِي يُسَدِّدُهُ فيمضي / بِمُخْتَرَقِ السَّباسِبِ والسُّهوبِ
يَمُرُّ بآخِرينَ لهم عُواءٌ / يُشيَّعُ بالتوجُّعِ والنَّحيبِ
يَرى سُبُلَ النَّجاةِ وكيف ضَلُّوا / فَيعجَبُ للمَصارِعِ والجنُوبِ
ويَحمدُ فالِقَ الإصباحِ حَمْداً / يَهُزُّ جَوَانِحَ الوادي الطَّرُوبِ
تَعَالَى اللَّهُ يُنْزِلُ كلَّ بَرٍّ / بِعالٍ مِن منازِلِهِ رحيبِ
عُمَارَةُ والوليدُ ولا خَفَاءٌ / على فَرْطِ التجهُّمِ والشُّحوبِ
هُما عَرَفا السَّبيلَ فلا مُقامٌ / وكيفَ مُقَامُ مُخْتَبَلٍ سَلِيبِ
أهابا بالرَّسولِ أعِدْ إلينا / وَدِيعَتَنَا فما بِكَ مِن نُكوبِ
هُوَ العهدُ الذي أخذَتْ قُرَيْشٌ / ومَالَكَ غَيْرُ نفسِكَ من حسيبِ
سَجِيَّتُكَ الوفاءُ وما عَلِمْنا / عليكَ الدَّهْرَ من خُلُقٍ مَعِيبِ
برأيِكَ فَاقْضِ وَارْدُدْها علينا / فإنّك أنتَ ذُو الرأيِ المُصِيبِ
عَنَاها أَنْ تُرَدَّ ولا ظَهِيرٌ / يَقِيهَا ما تخافُ مِنَ الكُروبِ
فَصَاحتْ إنّني امرأةٌ وما لي / عَلَى المكروهِ من عَزمٍ صليبِ
بِرَبِّكَ يا مُحَمَّدُ لا تَدَعْنِي / فَرِيْسَةَ كُلِّ جَبَّارٍ رَهيبِ
يُعَذِّبُنِي لأتركَ دِينَ رَبِّي / إلى دينِ المآثِمِ والذُّنوبِ
أأرجعُ يا حِمَى الضُّعفاءِ وَلْهَى / وما لي في ظِلالِكَ مِن نَصيبِ
أتى التنزيلُ يَصدعُ كلَّ شَكٍّ / ويجلو ما اسْتَكَنَّ من الغُيوبِ
وَيَحْكُمُ حُكْمَهُ عَدْلاً وَبِرّاً / فَيُلقِي بالدّواءِ إلى الطبيبِ
إذا جاءَ النساءُ مُهَاجِراتٍ / يُرِدْنَ اللَّهَ دَيَّانَ الشُّعوبِ
بَقِينَ مع النَّبيِّ وإن تَمَادَتْ / لَجَاجَةُ كلِّ عِرِّيضٍ شَغُوبِ
لِيَهْنِكِ أُمَّ كُلثومٍ مُقامٌ / كريمٌ عِندَ مَرْجُوٍّ مُثيبِ
وزوجٌ ذو مُحافَظةٍ نَجِيبٌ / يَفِيءُ إلى ذُرَى النَّسَبِ النَّجِيبِ
يَفيءُ إلى ذُرَى الإسلامِ منه / فتىً للسّلمِ يُرجَى والحُروبِ
وما زيدُ بنُ حارثةٍ بِنِكْسٍ / إذا التَقَتِ الكُماةُ ولا هَيُوبِ
أخو المختارِ من عُليا قريشٍ / ومَولاهُ الحبيبُ أبو الحبيبِ
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا / أعدَّتْ يَثربُ الأُسْدَ الغضابا
وَمُدِّي من حُصونِكِ كلَّ عالٍ / لِيرفعَ في السماواتِ القِبابا
سَيَنزَعُ بأسُهُم حِصناً فَحِصناً / وَيَفْتَحُ عَزمُهُم باباً فبابا
أتاكِ الفاتحُ المِقدامُ يُزجِي / مع الجيشِ الدُّعاءَ المُستجابا
أتوكِ مُكبّرينَ فلا تلوذي / بغير الذُّعرِ واضطربي اضطرابا
أما والذاكرينَ اللَّهَ فرداً / لقد هَزُّوا المخارِمَ والشِّعابا
أجيبي أين جُندكِ وَاسْأليهِ / لِمَنْ جَمَعَ السِّلاحَ وكيف غابا
تَوارَوْا في الحُصُونِ وخادَعتهم / ظُنُونٌ كنَّ حُلْماً أو سَرَابا
ولو جَعلوا السَّحابَ لهم مَحَلّاً / لَطَارَ الجيشُ يَقتحِمُ السَّحابا
جُنودُ مُحمّدٍ كالموتِ يَمضِي / على قَدَرٍ صُعوداً وانصبابا
وليسوا في الحروبِ إذا تلظَّت / كمن جَهِلَ الأُمورَ أَوِ استرابا
وفي حِصْنِ النّطاةِ لسانُ صدقٍ / يُعَلِّمُ كلَّ مَن جَهِلَ الحُبَابا
رَأَى الرأيَ الذي ذاقت يَهودٌ / مَرارَتَهُ فكان لَهم عذابا
أصابتهم حُمَيَّا اليأسِ لمّا / تنحَّى الجيشُ يَلتمِسُ الصَّوابا
سَلِ البطلَ المُجَرَّبَ لو أجابا / أَيعلمُ أيَّ داهيةٍ أصابا
رَماهُ بعامرٍ قَدَرٌ إذا ما / رَمَى المهجاتِ غادرها خرابا
ولكنّ المنيّةَ أخَّرتْهُ / لِيبلغَ في غوايَتِهِ الكتابا
وخانَ السّيفُ صاحِبَهُ فأودى / شَهِيداً برَّ مَصْرَعُهُ وطابا
هنيئاً عامرٌ رضوان رَبٍّ / حَباكَ الأجرَ جَمّاً والثّوابا
بِسيفِكَ مِتَّ مَوْتَ فَتىً كريمٍ / يُحاذِرُ أن يُعيَّرَ أو يُعابا
بَرزتَ لِمرْحَبٍ بَطلاً مَهيباً / أبى أن يُتَّقَى أو أن يُهابا
ولولا نَبوْةٌ للسّيفِ طَاشَتْ / بمضربِهِ لأورده التَّبابا
تَوالَى الزّحفُ واستعَرَتْ نفوسٌ / مَضَتْ تَنسابُ في اللهِ انسيابا
لئن خاضت غِمارَ الموتِ ظَمْأَى / لقد عَرفتْ مَشاربَهُ العِذابا
سِهامُ بَواسِلٍ لاقتْ سِهاماً / يكادُ جَبانُها يخشى التُرابا
تُحدِّثُ عن مَخاوفِ باعِثيها / حَديثاً يَبعثُ العَجَبَ العُجابا
دعتهم للوغَى بِيضُ المواضِي / وصَيَّرتِ السِّهامَ لهم خطابا
ولو ملكَتْ مَسامِعَهُم فَلَبَّوا / لمَا مَلكوا الجماجمَ والرقابا
لَوَ اَنَّ الحصنَ أُوتِيَ ما تمنَّى / أبى إلا هُوِيّاً وانقلابا
رَماهُ مُحمّدٌ فألحَّ حتّى / لأوشكَ أن يقولَ كفى عِقابا
يَظلُّ الظّرْبُ يحملَ منه طوداً / طوَى الأطوادَ وانتظمَ الهضابا
وأمْسَكَ هذه الدنيا فأمستْ / وما تخشَى الزَّوالَ ولا الذَّهابا
لواءُ الفتحِ في يدهِ رَهِينٌ / بصاحِبه الذي فاقَ الصّحابا
يُشيرُ إليهِ مُحتجباً بوصفٍ / يكادُ سَناهُ يَخترقُ الحِجابا
ويذكره وبالفاروقِ حِرصٌ / على أن ليس يَعدوه انتخابا
عليٌّ للعُقابِ وما عليٌّ / سِوى البطلِ الذي يحمي العُقابا
شِهابُ الحربِ لا عَجَبٌ ولكن / عَجِبْتُ لِفَرْقَدٍ قادَ الشّهابا
رسولٌ جاءَ بالفَرَجِ المُرَجَّى / وبالنُّور الذي كشفَ الضَّبابا
تقدَّمْ يا علِيُّ رَعاكَ ربٌّ / كَفَى عَينيكَ دَاءَكَ والعِصابا
بِطبِّ مُحمَّدٍ أدركتَ ما لو / أراد الطِّبُّ أعجزه طِلابا
شَفَى الرَّمَدَ الذي آذاكَ حِيناً / وكان لِعزمِكَ الماضي قِرابا
خُذِ السَّيفَ الذي أعطاكَ واصْدَعْ / ببأسِكَ هذهِ الصُمَّ الصّلابا
حُصُونٌ كلما زِيدَتْ دُعاءً / إلى البيضاء زادتها اجتنابا
تُحِبُّ الكبرَ لا ترضَى سِواهُ / على آفاتِه خُلُقاً ودابا
تقدّمْ ما لصيدِكَ من قرارٍ / إذا لم تُؤْتهِ ظُفراً ونابا
خُذِ الذِّئبَ اللعينَ ولا تَدَعْهُ / صُدُودَ اللّيثِ يَحتقِرُ الذئابا
كفى بالحارثِ المغرورِ عِلماً / لِمن رُزِقَ الغَبَاءَ ومَنْ تَغابى
أرقتَ حَياتَهُ فأرقتَ منها / صَرِيحَ الكُفْرِ يأبى أن يُشابا
وَرُعْتَ به أَدِيمَ الأرضِ لمّا / جَعلتَ عليه من دَمِه خِضابا
تَخَيَّلَ مرْحَبٌ ما ليس حَقّاً / وَمنَّتْهُ الظُّنونُ مُنىً كِذابا
مشى يَختالُ مُرتجزاً فَلاقَى / قضاءَ اللَّهِ ينسربُ انسرابا
سَقاهُ الموتَ أبيضُ مَشْرَفيٌّ / يُذيبُ الموتَ يجعله شرابا
لَكَ الويلاتُ من مَلِكٍ غَوِيٍّ / أحيطَ بِمُلكهِ فهوى وذابا
أعدَّتْهُ اليهودُ لكلِّ خَطبٍ / فَضَلَّ رَجاؤُهم فيهِ وخابا
أما نَظروه مأخوذاً ببأسٍ / يَهُدُّ البأسَ أخْذاً واستلابا
وكلُّ مُغالبٍ فَلَهُ عليٌّ / غَداةَ الكَرِّ يأخُذه غِلابا
تَوثَّبَ ياسِرٌ فَتَلَقَّفَتْهُ / مَخالِبُ فاتكٍ ألِفَ الوِثابا
أما سمعَتْهُ خيبرُ حين يَهذِي / فَصَدَّتْ عنه تُوجِعه عتابا
ولو تَسْطِيعُ لاتَّخذَتْ حَياءً / من البيضِ الرقاقِ لها نِقابا
غُرَابُ الشُّؤْمِ يَفزِعُها نَعيباً / فيا لكِ بُومةً وَلَدتْ غُرابا
فتىً شاكي السِّلاحِ ولا سلاحٌ / لِمَنْ يَبغِي مِنَ الموتِ اقترابا
ألا إنّ الزُّبيرَ لذو بلاءٍ / وإن خَشِيَتْ صَفِيَّةُ أن يُصابا
حَوَارِيُّ الرسُولِ يَكونُ منه / بِحيثُ يُريدُ صَبراً واحتسابا
تجلَّتْ غُرّةُ الفتحِ المُرَجَّى / وأمْسَى النَّسْرُ قد طَرَد الذُّبابا
وأعولتِ النّطاةُ لِفَقْدِ حِصنٍ / يَعُمُّ يَهودَ شَجْواً وانتحابا
هو البأسُ المُدَمِّرُ يا عَلِيٌّ / فَدَعْ آطامَها العُليا يَبابا
وحِصْنُ الصَّعْبِ أذعنَ بعد كبرٍ / وأعلنَ بعد غِلظتِهِ المَتابا
وأَدَّى ما أعَدَّ القومُ فيهِ / فأمسَى بين أعْيُنِهمْ نِهابا
ورَاحَ المسلمونَ بخيرِ حالٍ / ولولا اللَّهُ ما برحوا سِغابا
أتاح لهم على الضَّرَّاءِ رِزقاً / فأمسى اليُسْرُ بعد العُسْرِ ثابا
مَغانِمُ من عَتَادِ القومِ شَتَّى / تُجاوِزُ حين تُحصِيها الحِسابا
كفى بالصّبرِ للأقوامِ عَوْناً / إذا حَدَثٌ من الأحْداثِ نابا
وما أمرُ اليهودِ إلى صلاحٍ / إذا الدّاعي إلى الهيجا أهابا
مَشَى لهمُ الحُبابُ يَجُرُّ جيشاً / شَدِيدَ البأسِ يلتهبُ التهابا
فَزلزَلَ حِصنَهم حتّى لَوَدُّوا / لوَ اَنّ لهُ إلى الطيرِ انتسابا
ولو مَلَكَ الجنَاحَ لطار يَطوي / طِباقَ الجوِّ ذُعْراً وَارْتِعَابا
تَنَادَوْا للقتالِ فبادَرْتهُم / سُيوفُ اللَّهِ شَيِّقَةً طِرابا
وليس لقومِ يُوشَعَ من بَقاءٍ / إذا طعموا الطعانَ أو الضّرابا
عُبابُ الموتِ يَملكُ جَانِبَيْهِمْ / فَنِعمَ القومُ إن مَلكوا العُبابا
تَتابعتِ الفتوحُ مُحَجَّلاتٍ / تَزيدُ يَهودَ حُزناً واكتئابا
أُصيبوا بالقوارِعِ راجفاتٍ / تَهُدُّ الشِّيبَ منهم والشَّبابا
فَتِلكَ حُصونُهم أمْسَتْ خَلاءً / كأنْ لم يَعمروا منها جَنابا
تَساقَوْا بالعَرَاءِ الذُّلَّ مُرّاً / يَوَدُّ طُغاتُهم لو كانَ صَابا
وألْقَوْا بالسِّلاحِ وما أصابوا / من الأموالِ جَمعاً واكتسابا
وضَاقُوا بالجلاءِ فأدركتْهُمْ / عَواطِفُ مُحْسِنٍ تَسَعُ الرُحابا
أصابوا من رسولِ اللهِ مَوْلىً / يَتوبُ على المُسيءِ إذا أنابا
قَضَى لهم القضاءَ فلا انتزاحاً / لَقُوا بعد المُقَامِ ولا اغترابا
ثَوَوْا في الأرضِ عُمَّالاً عليها / يُؤَدُّونَ الإتاوةَ والنِّصابا
وُلاةُ الزَّرْعِ للإسلامِ منهم / شَرِيكٌ ليس يُظلمُ أو يُحابى
هُداةُ النَّاسِ أرشدُهُمْ سَبيلاً / وأحْسَنُهمْ إذا انقلبوا مآبا
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى / والأذَى بَعضُ سجايا العقربِ
وَيْكَ عبدَ اللهِ ماذا تَبتغِي / تَعِبَ الشَّرُّ ولمَّا تتعبِ
اتَّئِبْ يا ابنَ أُبَيٍّ واجتنِبْ / خَطَلَ الرأيِ وَسُوءَ المذهبِ
أنتَ أضللتَ الأُلَى أطْمَعْتَهم / من وصاياكَ ببرقٍ خُلَّبِ
ليس فيما نَابهم من عجبٍ / خَائِبٌ طاحَ بقومٍ خُيَّبِ
قَومُكَ الأبطالُ ماذا صَنعوا / بِالحصونِ الشُّمِّ قُلْ لا تكذِبِ
أتُراها في صَياصِيها العُلَى / دَافعتْ عن ياسرٍ أو مَرحبِ
امتلِئْ يا ابنَ أُبَيٍّ غَضَباً / ليس يَرضَى الحقُّ إن لم تَغضبِ
أفما يُرضيكَ في الدُّنيا سِوَى / موقفِ الجاني ومثوى المُذنبِ
لو صدقتَ اللَّهَ في دينِ الهدى / فُزْتَ منه بالذمامِ الأقربِ
خُطَّةُ المؤمنِ يُمْنٌ مَالَهُ / دُونَها من خُطَّةٍ أو مَركبِ
لَكَ في الإسلامِ من أعدائِهِ / خُلُقُ الذئبِ وطَبعُ الثعلبِ
هكذا قَدَّرَ ربّي وقَضَى / ما الخبيثُ النَّفسِ مثلُ الطّيبِ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ / مَهْلاً هوازنُ أينَ أينَ المذهبُ
مَهْلاً ثَقِيفُ رَكِبْتِ من غِيِّ الهَوَى / وَعَمايَةِ الأوهامِ ما لا يُركَبُ
مَهْلاً بُغاةَ السُّوءِ ما لِمُحَمّدٍ / كُفْؤٌ ولا مِنه لِباغٍ مَهْرَبُ
قلتم قَضَى حاجاتِهِ وخَلاَ لنا / فَبَدَارِ إنّا معشرٌ لا نُغلبُ
وَبعثتموها ظالِمينَ تَهزُّكُمْ / نَشواتُها فَرِدوا الموارِدَ وَاشْرَبُوا
حَمَلَ ابنُ عوفِ في الكريهَةِ أَمرَكُمْ / فَانْهَارَ كاهلُهُ وَخَرَّ المَنْكِبُ
ولقد دهاكمُ من دُرَيْدٍ أنّه / شَيخٌ تُساسُ به الأمورُ مُجرَّبُ
فسألتموه الرأيَ يَعصمُ مالكاً / وَيُرِيهِ ما يأتِي وما يَتَجَنَّبُ
هَيهاتَ كلُّ الرأيِ إن غَضِبَ الأُلَى / لا يرتضونَ سِوَى الجِهادِ مُخَيَّبُ
سُوقوا النِّساءَ وَجَنِّدوا أنعامَكم / وَدَعُوا البَنينَ بكلِّ أرضٍ تَدأبُ
وإذا الحديثُ الحقُّ جاءَ كَبِيركُمْ / فالزُّورُ أَوْلَى والحماقةُ أوْجَبُ
شَتَمَ الأُلَى صدقوه ألا يَدَّعوا / ما لم يَرَوْا شَطَطاً وألا يَكذبوا
وَرَمَى بهم في الحبسِ خَوْفَ حَديِثهِم / فالأمرُ فَوضَى والصّوابُ مُغَيَّبُ
اغْضَبْ دُرَيْدُ أوِ ارْضَ لستَ كمالكٍ / في القومِ إذ يَرضَى وإذ يَتَغَضَّبُ
مَلَكَ القِيادَ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / ولسوفَ يُهلكُ مَن يقودُ وَيَجْنُبُ
أَكَذاكَ زَعمُكَ يا ابنَ عَوفٍ إنّها / لكبيرةٌ بل أنتَ وَيْحَكَ تَلعبُ
أزعمْتَ أنّ مُحمّداً لم يَلْقَهُ / مِن قبلِ قَومِكَ مَن يُخَافُ ويُرهَبُ
وَظَننتَ أنَكَ إن لَقيتَ جُنودَهُ / لم تُغْنِ عنه كَتيبَةٌ أو مِقْنَبُ
إنّ الذي حَدَّثتَ قَومَكَ جَاءَهُ / فَلَئِنْ عَجِبْتَ لَمَا أَصَابَكَ أَعْجَبُ
هُوَ مُلتقَى الجيشَيْنِ فَانْظُرْ هل تَرَى / قَوماً تَظَلُّ عُيُونُهُم تَتلهَّبُ
وَلِع الرُّماةُ بهم فِتلكَ سِهامُهُم / مِلءَ القسيِّ إلى النُّحورِ تُصَوَّبُ
غَفلتْ مَواقِعُها عَنِ الدّمِ إذ جَرَى / فكأنّها بِدَمِ الرُّماةِ تُخَضَّبُ
كَرِهُوا السُّيوفَ ولِلوَغَى أبطالُها / تُدْعَى فَتَستَلُّ السُّيوفَ وتَضْرِبُ
حِيدُوا جُنودَ اللّهِ ثمّ تَقَدَّمُوا / فالحربُ في أطوارِهَا تَتقلَّبُ
آناً تَرُدُّ عنِ الفَرِيسةِ نَابَها / تَبغِي مَقاتِلَها وآناً تَنْشَبُ
تُزْجِي رَواعِدُها البروقَ فصادقٌ / يَنْهَلُّ صَيِّبُهُ وآخرُ خُلَّبُ
غَرَّارةٌ يَشْقَى الغَبِيُّ بِكَيْدِها / إنْ بانَ من غَيْبِ الأمورِ مُحَجَّبُ
تُبدِي من الحاجاتِ ما لا تَبتَغِي / حَذَراً وتَكتُمُ ما تُريدُ وتَطلُبُ
عِلمٌ تَوَارَثَهُ الثِّقاتُ وَزَادَهُ / شَيْخُ الوغَى وأبو الثقاتِ المُنجِبُ
حَمِيَ الوطيسُ أجلْ تَبَاركَ ربُّنا / فَافْزَعْ إليهِ هو الغياثُ الأقربُ
هَذِي كَتائِبُهُ عَلَيكَ تَنَزَّلَتْ / وَمَضتْ إلى أعدائِهِ تتوثَّبُ
بَصُرُوا بها فتزايلت أوصالُهُم / رُعْباً وضَاقَ سَبيلُهُم والمَذهَبُ
هُمْ في حُنَيْنٍ يا مُحَمَّدُ مِثلُهُم / في يومِ بدرٍ صَدْعُهُم ما يُرْأَبُ
مَدَدُ السّماءِ أعدَّهُ لكَ مُنجِدٌ / لا جُنْدُهُ يَفنَى ولا هُوَ يَتْعَبُ
سُبحانهُ ما مِن إلهٍ غيرهُ / لو يَستقيمُ الجاهلُ المتنكّبُ
يا مُولَعَاً بالحربِ يَستقصِي المَدَى / في وصفها منه البيانُ المُسْهَبُ
سَلْ بَغْلَةً حَملتْ رَسولَ اللَّهِ هل / حَمدتْ فَوارِسَهَا العتاقُ الشُّزَّبُ
طَارُوا عليها مُدبِرِيْنَ ولم يَطِرْ / وَمَضَوْا فُلولاً وَهْوَ راسٍ يَرقُبُ
بَطَلٌ يَرَى مَوْجَ المنايا حَوْلَهُ / فَعَزِيمَةٌ تَطفوا وقَلْبٌ يَرْسُبُ
تَجري ظُنونُ القومِ في حَرَكاتِهِ / فَيَفوتُ غايةَ من يَظُنُّ وَيَحْسَبُ
كُلُّ امرئٍ يأتي الأمورَ عظيمةً / فإليهِ في الدُّنيا العريضةِ يُنْسَبُ
ما العبقَرِيَّةُ في مَراتِبها العُلَى / هُوَ في سَماءِ العبقريّةِ كَوْكَبُ
مُتَألِّقٌ مَنْ لم يَسِرْ في نُورِهِ / أَوْدَى الظَّلامُ بِهِ وطَاحَ الغَيْهَبُ
أينَ الأُلَى مَلأَ الفضاءَ سَوادُهُم / وأضلَّهُم ساداتُهُم فتحزَّبوا
غَنِمُوا الفِرارَ فما يُرَى مِن بعدِهِم / إلا المغانِمُ تُستباحُ وتُنْهَبُ
خَيرٌ أُتيحَ ونعمةٌ مَشكورةٌ / سِيقَتْ على قَدَرٍ ورِزقٌ طَيِّبُ
رَاحَتْ بأيدِي المُسْلِمينَ وإنّهم / لأحقُّ من يُعطَى الجزيلَ ويُوهبُ
تُقضَى الدّيونُ بها فلا ابنُ أميّةٍ / يشكو المَطَالَ ولا حُوَيْطِبُ يَعْتِبُ
وَيُقامُ دِينُ اللّهِ في القومِ الأُلَى / فُتِنُوا بأصنامٍ تُقامُ وتُنْصَبُ
قَتْلَى هَوازِنَ هل تَفَجَّعَ مالِكٌ / ومضَى لِمَصرَعِكُم يَنوحُ وَيندُبُ
قُمْ يا دُرَيْدُ فقل لِقومكَ خُطبةً / تجلو الهمومَ فقد عَهِدْتُكَ تَخْطُبُ
انظُرْ إلى الأسرَى وَسَلْهُم ما لهم / نُكِبُوا وكانَ الظنُّ ألا يُنْكَبوا
وَيحَ النِّساءِ وَمَن وَلَدْنَ ألا فَتىً / يَحمِي الذّمارَ ألا كَمِيٌّ مِحرَبُ
اسمعْ دُرَيْدُ فقد أهابَ محمدٌ / يحنو على النشءِ الضّعيفِ ويَحدِبُ
لا تقتلوا الأولادَ ما فيهم لنا / خَصْمٌ ولا مِنهم أثيمٌ مُذنِبُ
أَسَخِرْتَ بالبطلِ الصّغيرِ فهل نَجَا / مِنه بِمُهجَتِهِ الكبيرُ الأَشْيَبُ
أعطاكَ سُؤْلَكَ ما تردَّدَ سَيْفُهُ / وَلأنتَ سُؤْلُ غِرارِهِ والمأرَبُ
إن ضاق صَدْرُكَ حِينَ تُذكرُ أُمُّهُ / فلصدرها لو كنت تعلم أرحبُ
قالت أتقتله ربيعة إنه / شَيْخٌ له فَضلٌ يُعَدُّ وَمَنْصِبُ
ما بالُ سَيْفِ اللّهِ أين مكانُه / أيغيبُ عن نَظَرِ النبيِّ وَيَعْزُبُ
سأل النبيُّ فَقيلَ عِندَ جِراحِهِ / لو يَستَطيعُ أتى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ
فمشى إليه يَعُودُه في مَوكِبٍ / للّهِ فيهِ من الملائكِ مَوكبُ
بُورِكْتَ خالدُ ما رَأَتْ عَينٌ دَماً / كَدَمٍ جَرَى من خالدٍ يَتَصَبَّبُ
قُمْ في جِراحِكَ إنّها لك قوةٌ / تَدَعُ القواضِبَ وَهْيَ حَيْرَى هُيَّبُ
قُمْ للشدَائِدِ ما تَلِينُ صِلابُها / فَلأنْتَ صاحِبُها الأشدُّ الأَصْلَبُ
لَكَ هِمَّةٌ ما تُستطَاعُ ونَجدةٌ / مَذخورةٌ للأمرِ سَاعَةَ يَحْزُبُ
مَن يَجهل الرِئبالَ يَنفُذ نابُهُ / في كلِّ مُقتنَصٍ وَيَمْضِي المِخلَبُ
اشهَدْ حُنَيْنُ بما رأيتَ ولا تَخَفْ / خَصماً يُنازِعُ أو عَدُوّاً يَشْغَبُ
حَدَّثْتُ عنكَ وقلتُ يا أرضُ اسمعِي / فاهتزَّ مَشرِقُها وماجَ المغربُ
ماذا أقولُ أنا العَيِيُّ وإن جَرَى / قَلَمِي بأبلغِ ما يُقالُ ويُكتَبُ
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى
سِويلمُ ما قَوْلٌ ببيتِكَ يُفْتَرَى / بألسنةٍ تبغي الفسادَ فَتكذِبُ
أَلابْنِ أُبيٍّ رَأيهُ ما وَراءَهُ / لِذي نُهْيَةٍ رأيٌ ولا عنه مَذْهَبُ
حَقودٌ رَمَى بالشُّؤْمِ كلَّ مُنافقٍ / فيا لكَ من شَرٍّ على النّاسِ يُجلَبُ
أحَسَّ رَسولُ اللهِ ما كان منهمُ / وَجاءَ بَرِيدُ الله بالحقِّ يدأبُ
فقال لعمَّارٍ أرى القومَ أوقدوا / لأنفُسِهمْ نَاراً بِعَيْني تَلهَّبُ
ألا قُمْ فَأدْرِكْهُم ولمَّا يُصِبْهُمُ / عَذابٌ غَليظٌ ما لهم منه مَهْرَبُ
فلمّا أتاهم أنكروا ثم أقبلوا / بأقوالٍ فُجَّارٍ عن الحقِّ تَرغبُ
فقالَ رسولُ اللهِ بل قُلتمُ الذي / عَلِمتُ وما يخفَى عَليَّ المُغيَّبُ
فقالوا على غَيْظِ النُّفوسِ وَحِقدِها / ألا إنّما كُنَّا نَخوضُ ونَلعبُ
وعادوا خَزَايا نادِمينَ وإنّهم / إلى الشَّرِّ إلا أن يَتوبوا لأَقْرَبُ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ
يُحَنَّةُ إنْ تُؤمِنْ فَخيرٌ وإن تُرِدْ / سِوَى الحقِّ فَاعْلَمْ أنّ رأيكَ عَازِبُ
أتى بك من أكنافِ أيلةَ ما أتى / وليس لمن يَمَّمتَ في النّاسِ غَالِبُ
دُعِيتَ إلى الإسلامِ فاخترْتَ جِزْيَةً / تَنالُ بها الأمنَ الذي أنتَ طالبُ
ولو كنتَ ممّن يبتغي جانِبَ الهُدَى / هُدِيتَ ولكنَّ المُضلَّلَ خَائِبُ
وما رَغِبَ المأمونُ فيها هَديَّةً / كساكَ بها البُرْدَ الذي أنت سَاحِبُ
أتيتَ بقومٍ لو رأوا مِنكَ ناصحاً / لما عاب منهم خُطّةَ الجدِّ لاعِبُ
أتأبون دِينَ الحقِّ يا آلَ إذرح / وجرباء حتى يجلب الخيل جالبُ
ألا فاشهدوا يا آل مقنا وأيْقِنُوا / بأنْ سوفَ تَنْهى الجاهِلينَ العواقِبُ
خُذوا من عهودِ الذُّلِّ ما اللَّهُ ضَارِبٌ / عليكم وما الدَّاعي إلى اللَّهِ كاتبُ
وأدُّوا إليهِ المالَ لا تَبخلُوا به / ولا تغدروا فالبأسُ يَقظانُ دائبُ
وَسِيروا بأهليكم على الخُطَّةِ التي / رَضِيتُم لهم إنّ الطريقَ لَلاَحِبُ
أخا البغلةِ البيضاءِ لَيْتَكَ كُنْتها / لعلَّكَ تدرِي كيفَ تعلو المراتِبُ
أتُعطَى من العزِّ البهيمةُ رِزقَها / ويُحرَمُ منه المرءُ تِلكَ العجائبُ
يُحَنَّةُ هذا ما قضَى اللَّهُ فاعتبِرْ / وكيف اعتبارُ المرءِ والعقلُ ذاهِبُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ / ما فَاتَهم من كلِّ خيرٍ مَطْلَبُ
طابت مَنابِتُهم فطابَ صَنيعُهم / إنّ الرجالَ إلى المنابِتِ تُنْسَبُ
إلا يُطيعوا خالداً إذ جَاءهم / فلكلِّ أمرٍ مَوعِدٌ يُتَرَقَّبُ
سَدُّوا السبيل عليه ستة أشهر / وأتى عليٌّ بالكتاب فرحّبوا
همدان أهلٌ للجميلِ وعِندهم / غَوْثُ الصَّريخِ ونَجدةٌ ما تكذبُ
نَصرُ الحُماةِ الصَّادِقينَ وصَبْرُهُم / والحربُ حَرَّى والفوارِسُ هُيَّبُ
شَهِدَ النبيُّ لهم فتلكَ صِفاتُهم / تُمْلى مَحاسِنُها عَليَّ وأكْتُبُ
يرضونَ مِلَّتَهُ فيسجدُ شاكراً / للهِ جلَّ جلالُه يَتقرَّبُ
ويُذِيقُهم بَرْدَ السّلامِ مُردَّداً / عَذْباً كماءِ المُزْنِ أو هُوَ أعْذَبُ
أوتادُ هذِي الأرضِ أو أبدالُها / مِنهم فمشرِقُها لهم والمغرِبُ
يَمضِي الزمانُ وهم وُلاةُ أمورِها / في دولةٍ أبديَّةٍ ما تَذْهَبُ
تِلكَ الولايةُ لا ولايةُ معشرٍ / يَبْقَوْنَ ما غَفل الزمانُ القُلَّبُ
جاءوا عليهم رونقٌ ونضارةٌ / يَصِفُ النَّعيمَ لباسُهم والمركبُ
صَنَعَ البُرودَ لهم فأحسنَ صُنْعَها / وأجادَها صَنَعُ اليَدَيْنِ مُدَرَّبُ
تَهفُو يمانيةً على أجسادِهم / فَتكادُ حُسْناً بالنواظِرِ تُنْهَبُ
من كلِّ وضّاحِ الجبينِ مُعمَّمٍ / وكأنّه مما يُهابُ مُعصَّبُ
زانوا الرِجالَ بما أفاءتْ مَهْرَةٌ / من نَسْلِها الغالِي وأنْجَبَ أرْحَبُ
جاءوا بِشاعِرِهم فَمِنْ أنفاسِهِ / أرَجٌ كَنَفْحِ الطِّيبِ أو هو أطْيَبُ
حيَّا رسولَ اللهِ يُظهِرُ حُبَّهُ / إنّ الكريمَ إلى الكريمِ مُحبَّبُ
حيَّا الشَّمائِلَ كالخمائِلِ فالرُّبَى / تُبدِي البشاشةَ والخمائلُ تطربُ
حَيَّاهُ مُرْتَجِزاً وإنَّ لمالكٍ / لأَعَزَّ ما مَلَكَ البَيَانُ المُعْجِبُ
قُلْ يا أخا هَمْدانَ واشْهَدْ أنّه / لَلحقُّ مالَكَ دُونَهُ مُتَنَكَّبُ
هُوَ ذلكم ما مِنْ رسولٍ غيره / فَيميلُ عنه أخو الرَّشادِ ويَرْغَبُ
ما فيه من شكٍّ وليس كمثلِهِ / لِلعالَمينَ مُعلِّمٌ ومُهَذِّبُ
أنتَ الأميرُ على الأُلى اتّبعوا الهُدَى / والحقَّ من هَمْدانَ أو أنتَ الأبُ
خُذْهم بآدابِ الكتابِ وَكُنْ لهم / مَثَلاً من الشِّيَمِ الرَّضِيَّةِ يُضْرَبُ
وَاعْمَلْ لربِّكَ جَاهِداً لا تَأْلُهُ / دَأَباً فليس يفوزُ من لا يَدْأبُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ / وترضاهُ ربّاً مالها غيره ربُّ
دَعاها فلبَّتْ تَبتَغي الحقَّ مَذهباً / وجاءت يَظَلُّ الرَّكبُ يتبعهُ الرَكبُ
هَداها إلى الإسلامِ رأيٌ مُسدَّدٌ / فلا شَغبٌ يُؤذِي النُّفوسَ ولا حَرْبُ
إذ المرءُ لم يَزْجُرْ عن الغَيِّ نفسَهُ / فلا الطعنُ يهديه السّبيلَ ولا الضَّربُ
وشَرُّ سجايا النَّفسِ أن تُؤثِرَ العمى / وتَكره أن يستلَّ أدواءها الطِبُّ
تَرامَتْ بهم آمالهم ومَطيُّهم / إلى واسعِ الأكنافِ مَنزلهُ رَحْبُ
جَليلِ الأيادِي ما يَغُبُّ نَزِيلَهُ / قِرىً فاضلٌ من جُودِه وندىً سَكْبُ
إذا جاءَهُ المكروبُ والهمُّ جاثِمٌ / كفَى ما به حتَّى كأنْ لم يكُنْ كَرْبُ
وإن راحَ يَسْتَسْقِي به الغيثَ مُسنِتٌ / تَقَشَّعَ عنه الجدبُ واطَّرَدَ الخِصْبُ
لَكَمْ جاحدٍ لمَّا رأى نُورَ وَجْهِهِ / تجلّى العَمى عن عَيْنِهِ وصحا القلبُ
به عَرَفَ القومُ السّبيلَ إلى الهُدَى / فلا مَسْلَكُ وعرٌ ولا مَرْكَبٌ صَعْبُ
وفي ظلِّهِ الممدودِ حَطُّوا ذُنُوبهم / فَعادوا ولا وِزْرٌ عليهم ولا ذَنْبُ
طَهارَى عليهم من سَنا الحقِّ بَهجةٌ / لها وَهَجٌ باقٍ على الدّهرِ لا يَخْبُو
بَني الدّهرِ ناموا آخرَ الدّهرِ أو هُبُّوا / تكشّفَتِ الظَّلُماء وَانْجابتْ الحُجْبُ
أبى اللَّهُ إلا أن يُؤيّدَ دِينَهُ / فليس لِمن يأباهُ عَقْلٌ ولا لُبُّ
إذا أخذ السيْلُ الأَتِيُّ سبيلَه / فلا الشّرقُ مَسْدودُ الفجاجِ ولا الغربُ
وما الدِّينُ إلا ما محا الشرَّ والأذَى / فلا أُمَّةٌ تشكو الشّقاءَ ولا شعبُ
وما يَستَوِي البحرانِ هذا مذَاقُه / أُجاجٌ وهذا طعمهُ سائِغٌ عذبُ
قضاها لنا ربُّ السّماءِ شَريعةً / مُطَهَّرَةً لا الظلمُ منها والغَصبُ
لنا دِينُنا نسمو بِه وكتابُنا / إلى حيثُ لا الأديانُ تَسمو ولا الكُتْبُ
رَعى اللهُ قوماً ما رَعَوْا غيرَ حقِّهِ / ولا رَاعَهم فيه مَلامٌ ولا عَتْبُ
يُحبِّونَهُ حُبّاً تَلينُ قلوبُهم / بهِ وَهْوَ فيها مِثلُ إيمانِها صُلْبُ
فَمن يكُ عن حالِ المُحِبّينَ سائلاً / فتلكَ سجاياهم وهذا هُوَ الحُبُّ
تَعلَّمْ سجايا القومِ واسْلُكْ سَبيلَهم / أُولئكَ حِزبُ اللَّهِ ما مِثلهُ حِزْبُ
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ
بَنِي جُذَيْمَةَ ما في الأمرِ من عَجَبِ / جَرى القضاءُ على ما كان من سَبِبِ
أظَلَّكُمْ خالدٌ لا شيءَ يَبعثُه / إلا الجهادُ يراه أعظمَ القُرَبِ
لمَّا دعاكم إلى الإسلامِ حينَ دَعا / قُلتم صَبأْنَا فلم يَأثَمْ ولم يَحُبِ
إن كانَ للمرءِ من أعمامِهِ نَسَبٌ / فالدِّينُ عِندَ ذويهِ أقربُ النَّسَبِ
بَنُو سُلَيمٍ وإن خِفْتُم فليس بهم / وبابنِ عوفٍ سِوَى الأوهامِ والرِّيبِ
فيا لها غَمرةً ما اسودَّ جانبُها / حتى تَجلّتْ سِراعاً عن دَمٍ سَرِبِ
سِيءَ النبيُّ بها فالنفسُ آسِفةٌ / والقلبُ ممّا أصابَ القومَ في تَعَبِ
المُسلِمونَ دَمٌ للهِ أو عَصَبٌ / ما مِثلُه من دمٍ جارٍ ولا عَصَبِ
هُمْ في الحوادِثِ إن قَلُّوا وإن كَثروا / بَأسٌ جَميعٌ ورأيٌ غيرُ مُنْشَعِبِ
كلٌّ حرامٌ على كلٍّ فإنْ فِئَةٌ / بَغَتْ على فِئةٍ فاللّهُ في الطَّلَبِ
أَثارها خالِدٌ شَعْواءَ عاصِفَةً / ما كان فيها لدينِ اللَّهِ من أَرَبِ
رَمَى بها وغَواشِي الظنِّ تأخذُه / من كلِّ صَوْبٍ فلم يَرْشُدْ ولم يُصِبِ
إليكَ أبراُ ربِّي من جنايتِهِ / وأنتَ فيما عناني منه أعلمُ بي
قُمْ يا عليُّ فوافِ القومَ مُعتذراً / وَانْشُرْ عليهم جناحَ العاطِفِ الحَدِبِ
وَخُذْ من المالِ ما يَقْضِي الدِّياتِ وما / يُرضِي النُّفوسَ ويشفيها من الغَضَبِ
حَقٌّ علينا دَمُ القتلى ونحن على / عَهْدٍ وثيقٍ وحَبْلٍ غير مُنْقَضِبِ
القومُ أُخوتُنا في اللهِ يَجمعُنا / دِينُ الإخاءِ على الأيامِ والحقَبِ
رَدَّ الإمامُ نُفوسَ القومِ فَائْتَلَفتْ / وَاسْتَحْكَمَ الوُدُّ وَانْحلَّت عُرَى الشَّغَبِ
بالجاهليةِ ممّا هِيضَ جانبُها / ما ليس يَنفذُ من همٍّ ومن وَصَبِ
سَلْها وقد رجعتْ حَسْرَى مُذمَّمةً / هل زادها اللَّهُ إلا سُوءَ مُنْقَلَبِ
يا بني سَعْدِ بنِ بكرٍ مرحبا
يا بني سَعْدِ بنِ بكرٍ مرحبا / بادروا القومَ فُرادَى وثُبَى
غَشِيَتْكُم من يَهودٍ فِتنةٌ / كالحَبِيِّ الجَوْنِ يُرخِي الهيدبا
إنّ في خَيبَر من سُمْرِ القنا / عَدَدَ التمرِ ومن بيضِ الظُّبَى
هِيَ للأبطالِ أزكى مطعماً / يا بني سعدٍ وأشهى مَشربا
هل ترون اليومَ إلا مِقنباً / من حُماةِ الحقِّ يتلو مِقنبا
إنّه يومُ عليٍّ فَاصْبِروا / أو فَحيدوا عنه يوماً أشهبا
يا بني سعدِ بن بكرٍ إنّه / مارِجُ الهيجاءِ يُزجِي اللَّهبا
احذروها وارْحموا أنفسَكم / لا تكونوا في لَظاها حَطَبا
دَلَّهُ منكم عليكم رَجُلٌ / خَشِيَ القتلَ وخافَ العَطَبا
عَينُكم صيَّرها عيناً لكم / فَاعْجَبوا للأمر كيف انْقلبا
زحَفَ الجيشُ فَذُبْتُم فَرَقاً / وَارْتَمَى البأسُ فَطِرْتُم هَرَبا
ليس غير النّهبِ ما يمنعه / منكم اليومَ امرؤٌ أن يُنهبَا
نكبةُ التَّمرِ فلولا شؤمُه / لم يَذُقْ آلامَهَا من نُكِبا
أفما جَرّبتُمُ القومَ الأُلى / خُلِقُوا للشّرِّ فيمن جَرَّبا
هم وباءُ الأرضِ أو طاعونُها / شرعوا السُّحْتَ ودانوا بالربا
غَضِبَ اللّهُ عليهم فَرَضُوْا / رَبِّ زِدْهُم كلَّ يومٍ غَضَبَا
هالكٌ من ظنّ ممّن يَعتدِي / ويُعادِي اللّهَ أن لن يُغلبَا
وأضلُّ النّاسِ في دنياهُ مَنْ / وَضَح الحقُّ فولَّى وأَبَى
بَنِي مُرَّةَ اقْضُوا أمركم قبل غَالِبِ
بَنِي مُرَّةَ اقْضُوا أمركم قبل غَالِبِ / وذُوقُوا مَنَايا القوم مِن كُلِّ ذاهبِ
بَشِيرُ بنُ سعدٍ والذين أصابَهم / أذاكم رَمَوْكُمْ بالقُرُومِ المصاعِبِ
جَهِلْتُمْ جزاءَ البَغْيِ والبَغْيُ مَركبٌ / لِذي الجهلِ يُؤذِي شُؤمُهُ كلَّ راكبِ
خُذُوهُ جَزاءً مِن يدِ اللهِ عادلاً / يُدَمِّرُ منكم كلَّ راضٍ وغاضِبِ
بُليتُم بِخَصمٍ لا تَنامُ سيوفُهُ / عن الوَتْرِ إن نامتْ شِفَارُ القواضِبِ
أبيٍّ على الكفّارِ يَسقِيهِمُ الرَّدى / ويأخذُهم بالخسفِ من كلِّ جانِبِ
حَفِيٍّ بدينِ اللهِ يَمنعُ حَوْضَهُ / ويكفِيهِ أضغانَ العَدوِّ المُشَاغِبِ
هُوَ الدّمُ لا يَشْفي من الجهلِ غيرُهُ / إذا لم يُفِدْ فيه ضروبُ التجارِبِ
أجَلْ يا ابنَ عبدِ الله إنّ الوغى لها / رجالٌ يَرَوْنَ الحزمَ ضَربَةَ لازبِ
شَدَدْتَ قُوى الأبطالِ بالموثقِ الذي / عَقَدْتَ على تلك القُوى والجواذِبِ
فَعَهَدٌ على عهدٍ من اللهِ ثابتٍ / وإلفٌ على إلفٍ من الدينِ راتِبِ
أَخٌ لأخٍ جَمِّ الوفاءِ وصاحبٌ / أمينُ الهَوَى يَرْعَى الذِّمامَ لصاحِبِ
ويا لَكَ إذ تُلْقِي بما أنتَ قائلٌ / على الجندِ آدابَ الكميِّ المحاربِ
أخذتَ رُماةَ النَّبْلِ بِالسَّيْفِ ما رَمَى / بغير المنايا عن يَدَيْ كلِّ ضارِبِ
سقاهمْ نقيعَ الحَتْفِ من كل ماجِدٍ / جَرَى الحتفُ صِرْفاً في دمٍ منه ذائبِ
لذي الحِلمِ من حُسْنِ المثوبَةِ ما ابْتَغَى / وللجاهلِ المغرورِ سُوءُ العواقِبِ
دَعَاكَ رسولُ اللهِ أصَدقُ من دَعَا / إلى الحقِّ تَرمِي دُونَهُ غيرَ هائبِ
فكنتَ أمام الجيشِ أكرمَ قادمٍ / وكنتَ وَراءَ النّهبِ أكرمَ آيبِ
مَقَامٌ تمنَّاهُ الزُّبيرُ ومَطلبٌ / يَراه الفَتى المِقدامُ أَسْنَى المطالِبِ
ظَفِرْتَ بِهِ يا توأمَ النَّصْرِ تَوْأمَاً / لما نِلتَ من مجدٍ على الدّهرِ دائبِ
مَضَى لكَ يومٌ في الكديدِ مُشَهَّرٌ / يُحَدِّثُ عن جِدِّ امْرِئٍ غيرِ لاعبِ
فيا حُسْنَها من وَقعةٍ غالبيةٍ / ويا لَكَ من يومٍ جليلِ المناقبِ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ / وَصُنتَ ذِمارَ الحَقِّ فاعتزَّ جانبُهْ
وَأَدركت نَصراً ما رَمَت ساحَةُ الوَغى / بِأَمواجها حَتّى رَمَتها غَوارِبُهْ
تَضِجُّ العِدى غَرقى وَيَنسابُ زاخِراً / تَعُبُّ عَواديهِ وَتَطغى مَعاطِبُهْ
إِذا النَصرُ عادى في الوَغى جُندَ مُدبرٍ / فَجندُكَ مَولاهُ وَسَيفُكَ صاحِبُهْ
أَبَت أُمَّةُ اليُونانِ أَن تسكنَ الظُبى / فَهبَّ الرَدى فيها تَلظّى مَضارِبُهْ
بَعَثتَ عَلَيها مِن جُنودِكَ عاصِفاً / تَضيقُ بِهِ الآجالُ إِن جَدَّ دائِبُهْ
تَرامى بِها فَالبَرُّ حَيرى فِجاجُهُ / مُروَّعَةً وَالبَحرُ حَرّى مَسارِبُهْ
إِذا التمسَت في غَمرةِ الهَولِ مَهرباً / تَطلَّعَ عادِي المَوتِ وَانقضَّ وَاثبُهْ
مَنايا تُوزَّعنَ النُفوسَ بِمعطبٍ / دَعا السَيفُ فيهِ فاستجابَت نَوادِبُهْ
إِذا انهلَّ مَسفوكٌ مِن الدَمِ أَعولت / وَراحَت تُرِيقُ الدَمعَ يَنهلُّ ساكِبُهْ
وَإِن ضَجَّ ما بَين القَواضبِ هالكٌ / أَرنَّت وَراءَ الخَيلِ شُعثاً تُجاوِبُهْ
مآتمُ أَمسى الملكُ ممّا تَتابعت / وَأَعراسُه ما تَنقضي وَمَواكبُهْ
تجلّت هُمومٌ كُنَّ بِالأَمسِ حَولَهُ / كَما اسودَّ لَيلٌ ما تَفرّى غَياهبُهْ
أَهاب بِها النَصرُ الحَميديُّ فارعوت / وَأَقبلَ وَضّاحاً تُضِيءُ كَواكبُهْ
تَبيتُ مُنيفاتُ المَآذنِ هُتَّفاً / بِأَنبائِهِ وَالبَغيُ يَنعَقُ ناعِبُهْ
بَريدٌ مِن المُختارِ يَعبَقُ طِيبُه / وَبَرقٌ مِن الأَنصارِ يَسطَعُ ثاقِبُهْ
سَنا الوَحي أَسطارٌ فَإِن كُنتَ قارِئاً / فَهَذا كِتابُ الحَقِّ وَاللَهُ كاتِبُهْ
أَفي معقل الإِسلامِ تَطمَعُ أُمَّةٌ / تَبيتُ مَناياها حَيارى تُراقبُهْ
إِذا لَمحت إِيماءَةً مِنهُ أَجلبت / عَلى القَومِ حَتّى يَسأمَ الشَرَّ جالِبُهْ
كَتائِبُ مِن أَقوامِنا خالديَّةٌ / وَما الحَربُ إِلّا خالدٌ وَكتائِبُهْ
مَشَت تَأخذُ الأَعداءَ وَاللَهُ قائِمٌ / عَلَيها وَدينُ اللَهِ يَعتزُّ غالِبُهْ
إِذا لَمست حِصناً هَوَت شُرُفاتُهُ / وَإِن لَمحت طَوداً تَداعَت مَناكِبُهْ
تَعلَّمتِ الهَيجاءَ شَتّى فُنُونُها / وَتمّت لَها من كُلِّ فَنٍّ عَجائِبُهْ
لَها في أَعاصيرِ القِتالِ وَقائِعٌ / هِيَ السحرُ لَولا أَن يُزيَّف كاذِبُهْ
أَلمّت بلاريسّا فَحلَّ رُبوعَها / عَذابٌ إِذا ما استَصرخت لَجَّ واصِبُهْ
رَمَتها بِوَبلٍ مِن حَديدٍ وَأُسرُبٍ / تَتابَعَ يَجري مِن يَد اللَهِ صائِبُهْ
تُقلِّبُ في فَرسالةَ العَينَ هَل تَرى / عَلى اليَأسِ فيها من سَميعٍ تُخاطِبُهْ
تُديران نَجوى جارَتينِ اِعتراهُما / عَلى الضَعفِ هَمٌّ يَصدعُ الصَخرَ ناصِبُهْ
إِذا صاحتا بِالجَيشِ تَستَنجِدانهِ / تَنصّلَ مُورِيهِ وَأَجفلَ هارِبُهْ
بِكُلّ مَكانٍ مُدبِرٍ مِن فُلولهم / تَضِلُّ مَناحيهِ وَتَعمى مَذاهِبُهْ
يُجانِبُ حَرَّ البَأسِ وَالأَرضُ كُلُّها / دَمٌ وَسَعيرٌ مُطبِقٌ ما يُجانِبُهْ
وَمَن يَلتَمس لحمَ الضَوارِي لَهُ قِرىً / فَتلكَ مَقارِيه وَهذي مَآدبُهْ
هُمُ أُطعِمُوا المَوتَ الزُؤامَ وَعُلِّموا / جُنونَ السُكارى ما تَكونُ عَواقِبُهْ
تَساقَوا أَفاويقَ الغُرورِ فَما نَجَوا / وَلَيسَ بِناجٍ مِن أَذى السُمِّ شارِبُهْ
أَجارَتنا ما أَكرَم الجَيشَ لَو وَفى / وَما أَحسَنَ الأُسطولَ لَو جَدَّ لاعِبُهْ
إِلَيكُم بَني هومِيرَ هل من قصيدةٍ / تُغنّي ضَوارينا بِها وَثعالِبُهْ
دَعوا شَيخَكُم إِنّي عَلى الشعرِ قائِمٌ / فَما يَبتَغي غَيري عَلى الدَهرِ طالِبُهْ
أَسيِّرُهُ فيكُم حَديثاً مُردَّداً / لَنا مَجدُهُ الأَعلى وَفيكُم مَثالبُهْ
لَنا مِن بَني عُثمان سَيفٌ إِذا انتَمى / تَسامَت بِهِ أَعراقُهُ وَمَناسبُهْ
لِحَمزَةَ حَدٌّ مِنهٌ غَيرُ مُكذَّبٍ / وَحدٌّ لِسَيفِ اللَهِ شَتّى مَناقِبُهْ
إِذا ما دَعا الشُمَّ الأُباةَ لغارةٍ / دَعا البَيتُ فيهِ وَاستَجابَت أخاشبُهْ
قَضيتُ لَهُم في اللَهِ واجبَ حَقِّهِ / وَكَيفَ بحقِّ اللَهِ إِن ضاعَ وَاجِبُهْ
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ / حَمى جانِبَيهِ كُلُّ ماضٍ مُدَرَّبِ
يَدينُ لَهُ الجَبّارُ غَيرَ مُعذَّلٍ / وَيَعنو لَهُ المِغوارُ غَيرَ مُؤنَّبِ
إِذا ما أَلمَّت بِالدِيارِ مُلِمَّةٌ / رَماها بمثل المارجِ المتلهِّبِ
سِميعٍ إِذا استنفرتَهُ مُتَحفِّزٍ / سَريعٍ إِذا استنجدته مُتَوثِّبِ
أَخي ثِقَةٍ لا بَأسُهُ بِمُكَذَّبٍ / ولا بَرقُهُ في الحادِثاتِ بِخُلَّبِ
هُمُ الصَحبُ صانوا للديارِ لواءَها / وَصالوا عَلى أَعدائها غَيرَ هُيَّبِ
يَكرّون كرَّ الدارعينَ إِلى الرَدى / إِذا الحربُ أَبدت عَن عبوسٍ مُقَطَّبِ
إِذا طَلبوا حَقّاً تَداعوا فَأَجلبوا / عَلى سالبيهِ وَانثَنوا غَيرَ خُيَّبِ
عَلى حين قَلَّ الناصرون وَأَعرضت / رجالٌ متى تُحمَل عَلى الجِدِّ تَلعبِ
أَطالَت عَناءَ الناصحين وَلَم يَكُن / لِيردَعَها قَولُ النَصيحِ المُؤدِّبِ
مَتى تَرَ شِعباً للعمايةِ تَستبِق / إِلَيهِ وَإِن يَبدُ الهُدى تَتنكَّبِ
تَنامُ عَنِ الأَوطانِ ملءَ عُيونِها / وَما عَمِيَت عَن خَصمِها المُترقِّبِ
فَيا عَجباً كَيفَ القَرارُ بِمعطبٍ / وَكَيفَ الكَرى ما بَينَ نابٍ وَمخلبِ
أَلا لَيتَها مَوتى بِمَدرَجةِ البِلى / وَكَالمَوت عَيشُ الخائِنِ المُتقلِّبِ
وَما مَنَعَ الأَوطانَ إِلّا حُماتُها / وَذادَتُها مِن ذِي شَبابٍ وَأَشيبِ
هُمو ذُخرُها المَرجُوُّ في كلِّ حادثٍ / وَعُدَّتُها في كلِّ يَومٍ عَصَبصَبِ
سَلامٌ عَليهُم مِن كُهولٍ وَفِتيَةٍ / وَبُوركَ فيهم مِن شُهودٍ وَغُيَّبِ
أَدنو وَيَجمَحُ بِيَ الإِباءُ فَأَعزُبُ
أَدنو وَيَجمَحُ بِيَ الإِباءُ فَأَعزُبُ / وَأَرى الرضى آناً وَآناً أَغضَبُ
أَتَظُنُّ لي في وُدِّ مِثلِكَ مَطلَباً / نَفسي أُريدُ وَمَجدَ قَومي أَطلُبُ
لَو كانَ هَمّي أَن أُصيبَ مَعيشَةً / أُلفيتُ في سَعَةٍ الغِنى أَتَقَلَّبُ
لا تَخدَعَنَّكَ فِيَّ نَظرَةُ كاذِبٍ / وانظُر إِلَيَّ بِعَينِ مَن لا يَكذِبُ
إِنّي اِمرُءٌ جَمُّ الطِماحِ إِلى الَّتي / تَرِثُ الفَتى شَرَفَ الحَياةِ وَتُعقِبُ
غَيري يُخادِعُهُ الرَجاءُ فَيَشتَهي / وَتَغُرُّهُ دُنيا اللِئامِ فَيَرغَبُ
لَم تَرضَ لي غَيرَ المَحامِدِ مَذهَباً / نَفسٌ يَجيءُ بِها العَفافُ وَيَذهَبُ
وَالمَرءُ يَنهَضُ في الفَضائِلِ جَدُّهُ / ما خَفَّ مَحمَلُهُ وَعَفَّ المَكسَبُ
أَتُعيبُني أَن كُنتُ تِربَ خَصاصَةٍ / تِربُ الغِنى في مِثلِ شَأنِكَ أَعيَبُ
صَفُرَت يَدي مِمّا مَلَكتَ وَمِلؤُها / مَجدٌ تُصابُ بِهِ المُلوكُ وَتُنكَبُ
أَتُدِلُّ بِالتاجِ الرَفيعِ فَإِنَّني / بِالمَكرُماتِ مُتَوَّجٌ وَمُعَصَّبُ
سَتُريكَ عَينُكَ أَيَّ تاجٍ يَنطَوي / وَأَريكَةٍ تَهوي وَمُلكٍ يُسلَبُ
غالِب بِبَأسِكَ مَن تُطيقُ فَإِنَّني / أَرمي العُروشَ بِقُوَّةٍ ما تُغلَبُ
وَاِذهَب بِجُندِكَ في المَمالِكِ غازِياً / مُلكي أَعَزُّ حِمىً وَجُندي أَغلَبُ
إِنّي عَفَفتُ عَنِ المُلوكِ فَلَن أَرى / مُتَمَسِّحاً بِسُتورِهِم أَتَقَرَّبُ
كَذَبَ المُلوكُ فَلَستُ أَعلَمُ عِندَهُم / مِن نِعمَةٍ تُسدى وَمَجدٍ يوهَبُ
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا
أَهَذا هُوَ العَدلُ الَّذي فيهِ أَطنَبوا / وَراحَ بِهِ مِنهُم فَخورٌ وَمُعجَبُ
أَعَدلاً يَرَونَ القَتلَ لَم يَأتِهِم بِهِ / كِتابٌ سِوى ما الظُلمُ يوحي وَيَكتُبُ
وَلِلظُلمِ آياتٌ إِذا هِيَ صافَحَت / يَدَي قادِرٍ ظَلَّت عَلى العَدلِ تَضرِبُ
وَشَرعٌ لِما سَنَّت يَدُ اللَهِ ناسِخٌ / فَلا شَرعَ إِلّا باطِلٌ فيهِ يُشجَبُ
أَخَذتُم بِنَفسٍ أَربَعاً وَنَسيتُمُ / دَماً باتَ يبكيهِ الترابُ المُخَضَّبُ
هُنالِكَ حَيثُ الجُندُ لا تَتَّقي الأَذى / وَلا تَرقُبُ العَين الَّتي ثَمَّ تَرقُبُ
وَما نَقَمَت إِلّا الحَنانَ أَثارَهُ / صَريعٌ تَرَدّى وهو حرَّان مُتعَبُ
فَيا أَسَفاً لِلساكبِ الماءَ فَوقَهُ / يُمازِجُ جاريهِ دَمٌ مِنهُ يُسكَبُ
أَنَنسى نُفوساً أَزهَقوها تَشَفِّياً / وَأُخرى غَدَت في دنشوايَ تُعَذَّبُ
نُفوسٌ تَمَنّى لَو يُساوِرُها الرَدى / فَتَمضي عَلى آثارِ تِلكَ وَتَذهَبُ
تَبيتُ تُناجيها وَلِلحزنِ كَالدُجى / ظَلامٌ يُرَدّي غَيهَباً مِنهُ غَيهَبُ
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ
أَخا الدَهرِ ما الدَهرُ إِذ يُنسَبُ / وَأَينَ هِيَ الأُمَمُ الغُيَّبُ
شَرِبتَ العُصورَ فَأَفنَيتَها / وَما زِلتَ مِن دَمِها تَشرَبُ
تُميتُ وَتُحيي عَلى شِرعَةٍ / يَدورُ بِها الزَمَنُ القُلَّبُ
تَثورُ وَتَسكُنُ تَقضي الأُمورَ / فَتَطفو الحَوادِثُ أَو تَرسُبُ
أَخا الدَهرِ أَينَ حَديثُ القُرونِ / وَأَينَ المِدادُ لِمَن يَكتُبُ
شَهِدتَ المَمالِكَ تُزجي الجُنودَ / وَعايَنتَها رِمَماً تُندَبُ
وَما حَجَبَ الدَهرُ مِن سِرِّها / فَخافيهِ عِندَكَ لا يُحجَبُ
إِلَيكَ اِنصَرَفتُ أَضُمُّ المُنى / وَأَبعَثُها نُزَّعاً تَدأَبُ
غَوالِبَ تَأخُذُ أَقصى المَدى / وَيَأخُذُها القَدَرُ الأَغلَبُ
يُصَرِّفُها في أَفانينِها / هَوىً لا يَضِلُّ وَلا يكذبُ
عَلى مِلَّةٍ مِن شُعاعِ الضُحى / يُضاحِكُها الرَونَقُ المُعجَبُ
يُجاوِرُهُ أَدَبٌ ساطِعٌ / كَما جاوَرَ الكَوكَبَ الكَوكَبُ
فَيا نيلُ أَنتَ الهَوى وَالحَياةُ / وَأَنتَ الأَميرُ وَأَنتَ الأَبُ
وَيا نيلُ أَنتَ الصَديقُ الوَفِيُّ / وَأَنتَ الأَخُ الأَصدَقُ الأَطيَبُ
وَأَنتَ القَريضُ الَّذي أَقتَفي / فَيَزهى بِهِ الشرقُ وَالمَغرِبُ
وَلَولاكَ تَعذِبُ لِلشارِبينَ / لَما ساغَ مَورِدُهُ الأَعذَبُ
فَإِن أورِثِ الخِصبَ هذي العقولَ / فممّا تعلِّمني تخصبُ
وإن أنا أطربتُ هَذي النُفوسَ / فَصَوتُكَ لا صَوتِيَ المُطرِبُ
تَسيلُ فَتَندَفِقُ الرائِعاتُ / وَتَجري فَتَستَبِقُ الجُوَّبُ
قَوافٍ يَقودُ بِها الحادِثاتِ / فَتىً لا يُقادُ وَلا يُجنَبُ
عَصَيتُكَ إِن كانَ لي مَأرِبٌ / سِواكَ فَيُؤثَرُ أَو يُطلَبُ
قَسَمتَ الحُظوظَ فَمَن يَشتَكي / وَسُستَ الحَياةَ فَمَن يَعتَبُ
لَئِن فاتَني الذَهَبُ المُنتَقى / فَما فاتَني الأَدَبُ المُذهَبُ
وَهَبتُ لَكَ المُلكَ مُلكَ القَريضِ / وَذَلِكَ أَفضَلُ ما يوهَبُ
فَهَل وَهَبَت ما لَها أُمَّةٌ / يَظَلُّ الغُرورُ بِها يَلعَبُ
تَضِنُّ عَلَيكَ بِنَزرِ العَطاءِ / وَيَسلُبُها الغَيُّ ما يَسلُبُ
تُسيءُ إِلَيكَ فَلا تَستَطيرُ / وَتَجني عَلَيكَ فَلا تَغضَبُ
وَتَقتُلُ أَبناءَكَ النابِغينَ / فَتَذهَبُ في الحِلمِ ما تَذهَبُ
أَلَم يَئنِ أَن تَزَعَ الجاهِلينَ / فَنَحيا وَنَأمَنَ ما نَرهَبُ
لَئِن وَجَبَ الحِلمُ عَمَّن أَساءَ / فَإِنَّ دِفاعَ الأَذى أَوجَبُ
فَلا تَجرِ إِلّا دَماً أَو ذُعافاً / وَلا تَحفَل القَومَ أَن يَعطَبوا
أَماناً فَما بَينَنا ثائِرٌ / وَعَفواً فَما بَينَنا مُذنِبُ
عَسى عقِبٌ مِنهُمو صالِحٌ / يُعَظِّمُ أَقدارَ مَن تُنجِبُ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025