المجموع : 44
قد طَلَعَ البدرُ من المَغرِبِ
قد طَلَعَ البدرُ من المَغرِبِ / فَمنْ رأى هذا ولم يَعجَبِ
والبحرُ في البحرِ أتى راكباً / في طَيِّ فُلْكٍ طيّبَ المَشرَبِ
شخصٌ إذا أقبلَ لكنَّهُ / من شخصهِ يَخرُجُ في مَوْكِبِ
في كلِّ فنٍّ ولسانٍ ترى / منهُ إماماً مُذْهبَ المَذهبِ
يعلمُ ما ليسَ لهُ عالمٌ / قارئَما قد كان لم يُكتِ
في قلبهِ من نَظَرٍ صادِقٍ / ما كذَّبَ العَينَ ولم يَكذبِ
دائِرَةُ الحِكمةِ أقلامُهُ / أعمِدةُ الحقِّ على المَنْكبِ
أحاطَ بالعِلمِ وأسرارهِ / إحاطةَ الهالةِ بالكوكبِ
وكادَ يستقصي لُغاتِ الورى / من مُعْجَمٍ فيها ومن مُعرَبِ
تستحضرُ الأمرَ لهُ فِكرَةٌ / تَستدركُ الأبَعدَ بالأقرَبِ
بَدِيهُ رأيٍ من وَقارٍ بهِ / يأبى ابتِدارَ القولِ بالمُوجَبِ
يَعفوُ على قُدرتهِ مُغضِياً / من حلِمهِ عن نَظَر المغُضَبِ
يحتالُ في التَّرْكِ لذَنبٍ فإنْ / كانَ ففي معذِرَةِ المُذنِبِ
بديعُ لُطفٍ كنسيم الصَبَا / يُهدِي الرُبى عَرْفَ الكِبا الطيّبِ
رَحْبُ النُهَى والصدرِ والباعِ وال / مَنطِقِ والدارِ كريمُ الأبِ
إن كان خيرُ الناسِ من ينفَعُ النْ / نَاسَ فقُلْ هذا ولا تَرْهبِ
ورُبما ضَرَّ حَسُوداً لهُ / أتعَبهُ جرياً ولم يتعَبِ
يا لابساً ثَوبَ سَوادٍ كما / يلبَسُ بدرٌ حُلَّةَ الغَيهَبِ
هَيَّجت بي في الشعر بعد النَّوى / وَجداً قدِيماً في الحَشا قد ربي
والشِعرُ مثلُ المُهرِ في خُلقِهِ / إن طالَ عهدُ الرَّبْطِ لم يُركَبِ
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ
عَتَبَتْ سُعادُ ولم أكُنْ بالمُذنبِ / وعَرَفتُ عادَتها فلم أتَعتَّبِ
شِيَمُ الغواني إن تَدِلَّ إذا رأت / صبَّاً يَذِلُّ لها بقلبٍ طيِّبِ
أمَرَتْ لواحظُها الفَتَى فأطاعها / وَدَعَت فلبىَّ الشيخُ غيرَ مكذِبِّ
فَتَّانةُ العينينِ يَسكَرُ طَرْفُها / وأنا أُحَدُّ وها أنا لم أشرَبِ
سالَتْ ذوائِبُها ولاحَ جبينُها / فرأيتُ بدراً حلَّ بُرجَ العَقرَبِ
وتكلَّمتْ وتبسَّمَتْ لمَّا رأتْ / دمعي فتلكَ لآلئٌ لم تُثقَبِ
قد كُنتُ أطمَعُ في المَوَدَّةِ عِندَها / فإذا مَودَّتُها كبرْقٍ خُلَّبِ
ومَوَدَّةُ الحَسناءِ ضَيفٌ راحلٌ / مِيعادُهُ لثلاثةٍ أو أقرَبِ
ذُقتُ الصَّبابةَ في الشَبيبةِ أمرَداً / واليومَ شِبتُ فهل تليقُ بأشَيبِ
كلٌّ يعافُ العيبَ فيه فلو دَرَى / عيباً بهِ لم تَلقَ غيرَ مُهذَّبِ
ولقد عَرَكتُ الدَّهرَ أطلُبُ حِكمةً / فأفادَني والدَّهرُ خيرُ مؤدِّبِ
تُعطي التجاربُ حِكمةً لمجرِّبٍ / حَتَى تُرِّبي فوقَ تربيةِ الأبِ
ولقد تأمَّلتُ الزَمانَ وحُكمَهُ / فبُلِيتُ منهُ بعُجمةٍ لم تُعرَبِ
عارٌ عليَّ وشيخُنا المفتِي لهُ / رأيٌ يخلِّصُ بينَ بَكْرَ وتَغلبِ
هوَ كوكبٌ في الشرقِ يسطَعُ نُورُهُ / ويلوحُ فضلُ شُعاعِهِ في المَغربِ
يجلو الخُطوبَ وينجلي لكَ وَجهُهُ / فتَراهُ في الحالينِ أفضلَ كوكبِ
حَسَنُ الإصابةِ عِندَ كل مُلمَّةٍ / بادي البشاشةِ عندَ سُخطِ المغُضَبِ
مُتواضعٌ لجليسهِ من لُطفهِ / حتى كأنَّ جليسَهُ ذو المَنصبِ
رَيَّانُ من كأسِ الحقيقةِ لم يَدَعْ / إلا ثُمالَتَها التي لم تُطلَبِ
لم يَعشَقِ الدُنيا فلم يَجْزَعْ إذا / ولَّت وإنْ هيَ أقبَلَتْ لم يَطرَبِ
هانَ الزمانُ عليهِ لا مُتعَجِبٌ / مما يَرَى فيهِ وليسَ بمُعجَبِ
وَسِعَ العلومَ بجانبٍ من صَدرِهِ / رَحْبٍ وللعَمَلِ استَعَدَّ بأرحَبِ
أحصى من الكُتُبِ الذي كَتَبوا لنا / فيها وزادَ عليهِ ما لم يُكَتبِ
يجني فوائدَهُ الحكيمُ كغيرهِ / وتُفيدُ فَتْواهُ شُيوخَ المَذهبِ
يا مَن إذا اتَّسعَ القريضُ بذَكرِهِ / ضَغَطَ الأعاريضَ اقتحامُ الأضربِ
تزهو قوافينا لَدَيكَ سليمةً / ويُعابُ بالتقصيرِ قولُ المُطنِبِ
غَمَضَتْ صِفاتُكَ يا مُحمَّدُ دِقةً / فتحجَّبَتْ وبَرَزْتَ غيرَ محجَّبِ
إن كُنتَ تَبغِي من يَقومُ بحقِها / فاطلُبِ سِوايَ وقُل عذَرتُكَ فاذهَبِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ
ماذا لَقيتُ من الحبيبِ وحُبِّهِ / إلاَّ تَلاعُبَهُ بمُهجةِ صَبِّهِ
أغراهُ ذُلّي بالدَّلالِ وزادَهُ / عُجْباً فعلَّمني صِناعةَ عُجْبهِ
يا أيُّها الرَشأُ المُدِلُّ بعينهِ / لا تَفتِنِ الرَّجُلَ المُدِلَّ بقلبهِ
كَثُرتْ لَعَمْري في هَواكَ ذُنوبُهُ / لكنْ إليهِ كانَ أكثرُ ذَنْبهِ
من طالَ عن مَلَلِ الأحبَّةِ عَتْبُهُ / طالَ العِتابُ لنَفسهِ عن عَتْبهِ
داءٌ دخيلٌ ليسَ يُرجَى بُرْؤُهُ / لو أنَّ إسماعيلَ قامَ بطبِّهِ
من ذلكَ الشيخِ الرئيسِ ولفظِهِ / شيخٌ على الشيخِ الرئيسِ وكُتْبهِ
رَوَّى فخِلْنا عضْبَهُ من ذِهنهِ / ورَوى فخيِلَ لسانهُ من عَضْبهِ
هذا الحكيمُ الكاملُ الفرْدُ الذي / مُزِجَتْ بحكمتِهِ مَخافةُ ربِّهِ
لَزِمَ المدارِسَ في الدِّيارِ وذكرُهُ / قد سارَ في شرقِ الفضاءِ وغَرْبهِ
من دوحةِ الأتراكِ فَرْعٌ خِصْبهُ / يجري إلى فُرْس الزَّمانِ وعُرْبهِ
تُجنى فَوائِدُ قُربِهِ في بُعدِهِ / وتُخافُ وَحْشةُ بُعدِهِ في قُربِهِ
نَصَبَتْهُ دولةُ ذي السَريرِ فتَمَّمتْ / ألطافَها نحوَ العبادِ بنَصْبهِ
أحيَتْ مَواهبُها الأصِحَّةَ وابتَغَتْ / أنْ تَشمَلَ المَرْضَى فأحيْتهُم بهِ
بينَ قلبِ المُحِبِّ والأحداقِ
بينَ قلبِ المُحِبِّ والأحداقِ / كلُّ حربٍ قامَتْ على كلِّ ساقِ
فتنةٌ طالما أصابَتْ فكادَتْ / تَبلُغُ الرُوحُ من جَراها التَراقي
قد دَهَى سِحرُها المُحِبينَ حتى / عِيلَ صبرٌ وقيلَ هل من راقِ
أثخَنَتْهُمْ ظُلماً فتاهت ولم تَمْ / نُنْ ولم تَفْدِ بعدَ شَدِّ الوِثاقِ
يا مِراض الجُفُونِ لم تتركي من / نا صحيحاً وما لَنا منكِ راقِ
عَجَباً كيفَ يَقتُلُ العبدُ حُراً / عامداً غيرَ آثِمٍ باتّفاقِ
ضِقتُ ذَرْعاً ففَرَّ صبري وفيهِ / أثَرٌ من تَزاحُم الأشواقِ
وتَركتُ القَريضَ بالشامِ حتى / ساقَني نحوَهُ إمامُ العِراقِ
عَلَمٌ ينتمي إلى عُمَرَ الفا / روقِ في نِسبةٍ وفي أخلاقِ
عَرَفتْهُ أسماعُنا قبلَ تَعري / فٍ فكادت تراهُ كالآماقِ
شائعُ الفضل شخصُهُ حلَّ في الزَو / راءِ والذِكرُ سارَ في الآفاقِ
كم له في العيُونِ من حَسَراتٍ / ولهُ في الآذانِ من عُشَّاقِ
شاعرٌ يَنظِمُ اللآلي من اللف / ظِ بِسِمْطٍ من المعاني الدِقاقِ
ما وَثِقنا بِسحرِ بابلَ حتى / فَتَنَتْنا بسِحرها المِصْداقِ
هزَّني بالقريض لُطفاً ولكن / هزَّ جذعاً من الأوراقِ
تكثُرُ الخيلُ في المرابضِ إن عُد / دت ولكن تَقِلُّ عندَ السِباقِ
لم أكن شاعراً فصِرتُ بتقري / ظٍ أتاني كالطوقِ في الأعناقِ
إنَّ ذاك القَليلَ غيرُ قليلٍ / من إمام القريضِ عبدِ الباقي
أيها السيّدُ الكريمُ لقد أب / دعتَ حتى في الرِفقِ بينَ الرِفاقِ
تستطيعُ الثَّنا عليَّ ولكن / ذاك عندي عليكَ غيرُ مُطاقِ
فاتَني شأوُكَ البعيدُ فما أُد / رِكُهُ لو رَكِبتُ مَتْنَ البُراقِ
إنَّ هذِهْ صحيفةُ الشَّوق منِّي / فاتَّخِذهَا صحيفة الميثاقِ
إن تَحُلْ بَيننا النَوَى لم تَحُلْ إنْ / شئتَ بين الأقلامِ والأوراقِ
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي
يا أيُّها القلبُ الخَفوقُ بجانبي / قد صِرتَ وَيحْكَ حاضراً كالغائِبِ
الحَقْ بأهلِكَ في العِراقِ وخَلِّني / بالشأمِ في أهلي فلستَ بصاحبي
فَتَنَتكَ أفئِدةُ الرِّجالِ فلم تكن / مِمَّنْ أُصيبَ بأعيُنٍ وحواجبِ
عاطيتَ لكنْ لا بكأسِ مُنادمٍ / فَسكِرتَ لكِنْ لا بخَمرةِ شاربِ
ذُقتَ الهَوَى صِرْفاً وما كُلُّ الهَوَى / يَجِدُ الفتى فيهِ السبيلَ لعائبِ
حُبُّ الكريمِ كَرامةٌ لمُحِبِّهِ / ونَباهةُ المطلوبِ مجدُ الطالبِ
قد شاقَكَ العُمَرِيُّ قُطبُ زَمانهِ / مُتباعداً في صُورةِ المُتقاربِ
مُتَواترُ الآثارِ أردَفَ كُتْبَهُ / فأتَتْ كتزكيةِ الشُّهودِ لكاتبِ
هذا إمامٌ في الأئمَّةِ ذِكرُهُ / قد شاعَ بينَ مَشارقٍ ومَغاربِ
ولَئنْ تأخَّرَ في الزَّمانِ فإنَّهُ / عَقْدٌ يلي الآحادَ عندَ الحاسبِ
نَجْني الفرائدَ من بحارِ قريضِهِ / منظومةً من صُنعِ فِكرٍ ثاقبِ
من كلِّ قافيةٍ شَرُودٍ بيتُها / ضُربَتْ لهُ الأوتادُ بينَ ترائبِ
أثْنى جميلاً مَن تَعوَّدَ سَمْعَهُ / فيهِ ولكن بالخَليقِ الواجبِ
أثْنى بما هُوَ أهلُهُ فكأنَّما / أهدَى لنا من نفسِهِ بمناقبِ
شَرَفٌ لَبِستُ طِرازَهُ فاهتزَّني / عُجباً إلى ما فوقَ فوقِ مراتبي
فإذا ادَّعيتُ جعلتُ ذلكَ شاهدي / وإذا افتخرتُ جعلتُ ذلكَ ناسبي
يا جابرَ القلبِ الكسيرِ بلُطفهِ / ماذا تَرَى في أمرِ قلبٍ ذائبِ
ما زالَ يقُعِدُهُ الهَوَى ويُقيمهُ / كالفعلِ بينَ جوازمٍ ونواصبِ
أُردُدْ فُؤاداً لي أراك غَصَبتَهُ / مني فإنَّ الرَدَّ حُكمُ الغاصبِ
ما كانَ أسمَحَني به لكنَّهُ / وَقفُ العِراقِ فلا يَصِحُّ لِواهبِ
شَوْقي إلى من لم تَراهُ نواظري / في قُطرِ أرضٍ لم تَطأهُ ركائبي
أحببتُ زَوراءَ العِراقِ لأجلِهِ / ولأجلِها أطرافَ ذاكَ الجانبِ
حَقُّ المحبَّةِ للقُلوبِ فقد أرَى / حُبَّ الوُجوهِ عليهِ لَمْحةُ كاذبِ
وإذا تَعرَّضَ دُونَ عينٍ حاجبٌ / فهُناكَ قلبٌ لا يُرَدُّ بحاجبِ
أفديكَ يا مَن ليسَ لي في حُبّهِ / فضلٌ فذاكَ علَيَّ ضَربةُ لازبِ
أحسنتَ في قَولٍ وفِعلٍ بارعاً / وكِلاهُما للنَّفسِ أكبرُ جاذبِ
أنتَ الذي نالَ الكمالَ موفَّقاً / مَن رازقٍ من شاءَ غيرَ مُحاسبِ
فإذا نظمتَ فأنتَ أبلغُ شاعرٍ / وإذا نثرتَ فأنتَ أفصحُ خاطبِ
وإذا نظرتَ فعن شِهابٍ ثاقبٍ / وإذا فَكَرْتَ فعن حُسامٍ قاضبِ
وإذا جَرَتْ لكَ في الطُروسِ يَراعةٌ / فسوادُ وَشمٍ في مَعاصِمِ كاعبِ
هذِهْ رَسولٌ لي إليكَ وليتني / كُنتُ الرَسولَ لها بَمعْرِضِ نائبِ
شاميَّةٌ من آلِ عيسى أقبلَتْ / في ذِمَّةِ العُمَريِّ تحتَ مَضاربِ
عذراءُ يَثْنيها الحَياءُ مهَابةً / وتَقُودُها الأشواقُ قَوْدَ جنائبِ
نَزَعتْ إلى ماءِ الفُراتِ وما دَرَتْ / كم أغْرَقَتْ صَهَواتُهُ من راكبِ
تلكَ البقيَّةُ من ذخائرِ أعجَمٍ / تَلقَى البقيَّةَ من كِرامِ أعاربِ
من كل نابغةٍ يُفيضُ كأنَّما / نُشِرَ الفَرَزْدَقُ في تميمَ لغالبِ
ماذا يقومُ ولو تَطاوَلَ قاصرٌ / بِمَدىً تُقصِّرُ فيهِ جُرْدُ سَلاهبِ
فلكَ الجميلُ إذا عَذَرتَ وإن تَلُمْ / فلقد أصَبْتَ وما المَلُومُ بعاتبِ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ
سلامُ اللهِ أيَّتُها القِبابُ / أمَضْرِبُكِ القُلوبُ أمِ التُرابُ
وما لِنَزيلِ قومِكِ من نَصيبٍ / تُرَى أيُصيبُ خيراً أم يُصابُ
وَقَفتُ بجانب الوادي فحَنَّت / لترديدي الحنينَ بهِ الرِّكابُ
وخاطَبتُ الدِّيارَ فلم تُجبْني / وما كُلُّ الخِطابِ لهُ جَوابُ
دِيارٌ لي بها قَمَرٌ مُنيرٌ / تَوارَى والسَّحابُ لهُ نِقابُ
لهُ شَفَةٌ لناظِرِها شَرابٌ / ولكن حظُّ وارِدِها السَّرابُ
وطَرْفٌ فيهِ من قلبي سَوادٌ / وكَفٌّ من دمي فيها خِضابُ
شَكَوتُ لهُ العّذابَ فصَدَّ تيهاً / وذاك الصّدُّ كانَ هُوَ العَذابُ
إذا ما لم يُهمَّكَ أمرُ شاكٍ / فلا الشَكوَى تُفيدُ ولا العِتابُ
أتَى ما لا حَسِبتُ ورُبَّ أمرٍ / حسِبتُ لهُ فما صَدَقَ الحِسابُ
ومارَسْتُ الأنامَ فكم عَدُوٍّ / عليهِ من صَداقتِهِ ثيابُ
وكم من صاحبٍ قد جَرَّ مالاً / يَجُرُّ من العِدَى ظُفرٌ ونابُ
وكم رَجلٍ دَعَوتُ فلم يُجِبْني / ويَدعُوني سِواهُ فلا يُجَابُ
نَرَى بعضاً يَعيبُ صِفاتِ بعضٍ / وما من عائبٍ إلاَّ يُعَابُ
يَعيبُونَ الأميرَ بفَرْطِ جُودٍ / كما لو عِيبَ بالمَطَرِ السَّحابُ
وكيفَ يَهابُ مِن بَذْلِ العَطايا / شُجاعٌ للمَنايا لا يَهابُ
سَجايا المجدِ سِلْسِلَةٌ تَوالتْ / كما انتَسَقَتْ مِنَ الرُّمحِ الكِعابُ
عِمادٌ في بني قَيْسٍ تَسامَى / فذَلَّت من بني يَمَنَ الصِعابُ
ثَوى مَتْنَ البِلادِ فكانَ رأساً / لهُ تَعنُو المَناكِبُ والرِّقابُ
تَرَى في وَجهِهِ سيماءَ مَجْدٍ / كعُنوانٍ يَبينُ بهِ الكِتابُ
تَعرَّضَ غيرَ مُحتجِبٍ ولكنْ / لهُ من فَرْطِ هَيبتِهِ حجابُ
عليهِ لكُلِّ سُوءٍ كُلُّ بابٍ / وليسَ عليهِ للحَسناتِ بابُ
تَقَلَّدَ بالوِلايةِ فَهْيَ سَيفٌ / بِراحةِ مَن يجودُ بهِ الضِرابُ
أتى باسم البَشير لنا بَشيراً / وفيهِ إلى مسمَّاهُ انتِسابُ
لَئِنْ عَبِثت بهِ غُصَصُ اللَيالي / فها قد جاءَها اليومَ الشَّرابُ
وإنَّ الشَّمسَ يَحجُبُها ضَبابٌ / ولكنْ ليسَ يكَسِفُها الضَّبابُ
قَدِ اعتَزَّتْ بدولتِه جبالٌ / عليها من مَكارِمهِ هِضابُ
تَبِيتُ بها الظِبا والأُسْدُ تَسعَى / وتَرعَى الشاءُ فيها والذِئابُ
لهُ من رَهطِ نَجْدَتِهِ لُيُوثٌ / لها من شُرَّعِ المُرَّانِ غابُ
يَرُدُّ العارُ أوجُهَها حيَاءً / وليسَ تَرُدُّ أوجُهَها الحِرابُ
قِيامٌ يَنظُرُونَ إلى عزيزٍ / لناظِرِهِ ابتهاجٌ واضطِرابُ
حَوَى شَطْرينِ من شَرَفٍ فهذا / لهُ إرْثٌ وذاكَ لهُ اكتِسابُ
رحيبُ الصَّدر في عُسرٍ ويُسرٍ / تَضِيقُ بوَفدِهِ تلكَ الرِّحابُ
لهم منهُ الثَّوابُ يُساقُ عَفْواً / نَعَمْ ولهُ منَ اللهِ الثَّوابُ
فتىً يُرجَى الرِّضَى والعفوُ منهُ / ويُخشَى السُّخطُ منهُ والعِقابُ
لهُ في حُكمِهِ قولٌ سديدٌ / وفي أعمالهِ رأيٌ صَوابُ
يَرَى حَقَّ الصِّحابِ عليهِ حتّى / يَرَى حَقَّ القَضاءِ فلا صِحابُ
وينظُرُ حاسِدِيهِ بعَينِ راضٍ / لحلِمٍ أرَّخوهُ وهُمْ غِضابُ
أصابَ السَبْقَ عن أمَدٍ بعيدٍ / تُقَصِّرُ دونَهُ الخيلُ العِرابُ
فقُلتُ لِمَنْ يُجاريهِ رُويداً / ستُدرِكهُ إذا شابَ الغُرابُ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ
قِفْ بالدِّيارِ وحَيِّ القومَ عن كَثَبِ / فكم لنا عِندَ ذاكَ الحَيِّ من أَرَبِ
دارٌ تَرَكتُ بها قَلبي على ثِقَةٍ / من حِفظهِ إِنَّهُ في ذِمَّةِ العَرَبِ
أودَعتُهُ مَن يَصُونُ الجارَ مؤْتَمَناً / ولا أَمانَ بكفَّيهِ على الذَهَبِ
الحافظُ العهدِ تأْبى الغَدرَ شِيمتُهُ / والصَّادِقُ القولِ معصوماً من الكَذِبِ
هوَ الصَّديقُ السَّليمُ القلبِ من وَضرٍ / وَهوَ الأَميرُ الكريمُ النفسِ النَّسبِ
ما خابَ راجِيهِ في ضيقٍ وفي سَعَةٍ / ومَنْ دعا خالدَ الوهَّابَ لم يَخِبِ
إنّي عَقَدتُ لهُ عَهداً أَقومُ بهِ / في القُربِ والبُعدِ بينَ الحَرْبِ والحَرَبِ
يَزُورُني منهُ طَيفٌ عِندَ هِجرَتهِ / فكانَ عنِّي على الحالينِ لم يَغِبِ
رُوحي إلى اليَمَنِ الميمونِ طائرةٌ / على جَناحٍ من الأَشواقِ مُضطَرِبِ
أَستخدِمُ الريحَ في حَملِ السَلامِ لهُ / منِّي فتَخطَفُهُ الأَنواءُ في السُحُبِ
يا حَبَّذا بُرَقُ الأَعراب من بُرَقٍ / وحبَّذا هضَبُ الأَعرابِ من هِضَبِ
وحبَّذا كلُّ رَبْعٍ في مَنَازِلِهِمْ / كأنَّما السُمْرُ فيهِ غابةُ القَصَبِ
وكلُّ مَرْعىً بهِ الأَنعامُ سائمةٌ / كأَنَّها كُثُبٌ قامتْ على كُثُبِ
وكلُّ دارٍ بها الضِرغامُ مُؤْتلِفٌ / بالظَبيِ بينَ عَرُوض البَيتِ والطُنُبِ
يأْتونَ من نَحْرِ ذي الدِرعِ المنيعِ دُجَى / ليلٍ إلى نحرِ ذاتِ السَرْجِ والقَتَبِ
لا تَنطفي نارُهم إلا على وَدكٍ / يجري فيَفصِلُ بينَ النارِ والحَطَبِ
بَلَغَتَ يا أَيُّها الوهَّابُ ما بَلَغُوا / وفُقْتَهُم بجَمالِ اللُطفِ والأَدبِ
وَرِثتَ خيرَ أَبٍ في المجدِ مُشتهِرٍ / ولو عَدَاكَ أَبٌ أَورَثْتَ خيرَ أَبِ
هذِهْ صَحيفةُ مُشتاقٍ يُذكِّرُكم / عَهداً لنا عندكم من سالفِ الحِقَبِ
إنْ فاتني الكاتبُ المحبوبُ مَنظَرُهُ / فإنَّني اليومَ أرضى منهُ بالكُتُبِ
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ
كَثيبٌ فوقَهُ غُصنٌ رطيبُ / وبُرجٌ فيهِ بدرٌ لا يغيبُ
يَرُدُّ ضياؤُهُ الأبصارَ عنهُ / فليسَ يخافُ من عينٍ تُصِيبُ
على أركانِهِ نصرٌ عَزِيزٌ / وفي أبوابهِ فتحٌ قَريبُ
ومن وَجْهِ الإلهِ لهُ كفيلٌ / ومن عين السُّعودِ لهُ رقِيبُ
تُنَاظِرُهُ الثُّرَيا وَهْيَ تجري / دُجىً فتكادُ من حَسَدٍ تذوبُ
وتلقاهُ الصَّبا سَحرَاً فتَمْضِي / ومنهُ فَكاهةٌ فيها وطِيبُ
إذا ضاقت جوانبُهُ بوَفْدٍ / تَوَسَّعَ صدرُ صاحبِهِ الرَّحيبُ
تُرافِقُها الصَبابةُ من حِماهُ / ولكن لا تُرافِقُها القُلوبُ
سليمُ القلب ممدوحُ السَجايا / لهُ من إِسمِهِ السَّامي نصيبُ
تجَمَّعَتِ المحاسنُ فيهِ جمعاً / صحيحاً وانتَفتْ عنهُ العُيوبُ
وفيُّ العهد ذو قولٍ كفِعْلٍ / فلا مَذِقُ اللسانِ ولا كَذُوبُ
إذا حَلمَتْ لهُ عينٌ بوعدٍ / وفاهُ قبلَ أنْ يأتي الغُروبُ
صَفا لك يا ابنَ مُوسَى إرْثُ مُوسَى / فإنَّك بعدهُ الخَلَفُ النجيبُ
لَدَيكَ المَنُّ والسَّلوَى جميعاً / وهذا الطُورُ عندَك واللهيبُ
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا
آسُ العِذارِ على خَدَّيهِ قد كَتَبا / حَديثَ فتنَتِهِ الكُبرَى فما كَذَبا
ما زالَ يخضَرُّ ذاك الآسُ مُزدهياً / وكيفَ يَخضَرُّ نبتٌ جاوَرَ اللهَبا
فَتىً منَ العَرَبِ العَرْباء مَنطِقُهُ / لكنِ شَمائِلهُ لا تَعرِفُ العَرَبا
غَضُّ الصِّبا لَيِّنُ الأعطافِ مُعتَدلٌ / لهُ فَكاهةُ رَيحانٍ ولُطفُ صَبَا
ما زالَ وَجدي بهِ يَنقادُ عن سَبَبٍ / حَتَّى رأيتُ لزُهدي في الهَوَى سَبَبا
لَهَوْتُ عن غَزَلٍ فيهِ بعارضةٍ / من النَّسيبِ بخَوْدٍ تَفتِنُ الأُدَبا
رِسالةٌ من ضواحي مِصرَ قد وَرَدَتْ / كأنَّها فَلَكٌ قد ضُمِّنَ الشُّهُبا
بديعةُ النَّظمِ خُطَّتْ بالمِدادِ ولو / أصابَ كاتِبُها أجرَى لها الذَهَبا
للهِ من كاتبٍ أقلامُهُ نَظَمَتْ / عِقْدَ اللآلي بلا سِمطٍ فواعَجبَا
يَفْتَنُّ في فِتنةِ الألبابِ مُبتدعاً / إذا قَضَى أو رَوَى أو خَطَّ أو خَطَبا
مُهذّبٌ تَرفَعُ الأوهامُ حِكمَتَهُ / حَزْماً إذا قامَ للتَّدريسِ مُنتصِبا
يَقضى لهُ حينَ يُفتي في مَجالِسِهِ / بالسَّبْقِ مِمَّن رأى في كَفِّهِ القَصَبا
عبدٌ أُضيفَ إلى الهادي فَنالَ هُدىً / منَ المُضافِ إليهِ كانَ مُكتَسَبا
أقوَى الوَرَى سَنداً أعلى الذُرَى عُمُداً / أنَدى الكِرامِ يداً خيرُ الأنامِ أبا
طَلْقُ اليَراعةِ طَلْقُ الوَجهِ طَلْقُ يَدٍ / طَلْقُ اللِسانِ إذا السَّيفُ الصَقيلُ نبا
كالبحرِ مُندَفِقاً والصُبحِ مُنبَثقاً / والسَهمِ مُنطلقاً والغيثِ مُنسكبا
سَهْلُ الخلائِقِ لا يَهْتاجُهُ غَضَبٌ / حتى تَوهَّمتُهُ لا يَعرِفُ الغَضبَا
يُغضِي عن الجَهلِ من حِلمٍ ومَكرُمةٍ / عَيناً لها لَحَظاتُ تَخرُقُ الحُجُبا
أرادَ للنفسِ وَضعاً من وَداعتِهِ / يوماً فطارَتْ بها فوقَ العُلَى رُتَبا
لا يَبرَحُ المَرْءُ حيثُ اللهُ يَجعَلُهُ / ومَنْ رأى النَّجْمَ تحتَ الماءِ قد رَسَبا
مَتَى تَزُرْ شَيخَنا المُفتِي الكبيرَ تَرَى / أبا حَنيفةَ في مِحرابهِ انتَصَبا
تَرَى التلامِيذَ تَستملي فوائِدَهُ / كأنَّهُ البحرُ يَسقِي ماؤُهُ السُحُبا
كَنْزُ العُلومِ الذي يَغنَى الفقيرُ بهِ / منَ العطَايا ويَبقَى فوقُ ما ذَهَبا
بحرٌ على أرضِ مِصرٍ مَدَّ لُجّتَهُ / فنالَتِ الشَّامَ حتى جاوَزَتْ حَلَبا
أهدَى إلينا بُيوتاً كُلَّما ضَرَبتْ / طَيَّ الحَشا وَتداً مَدّت لهُ سَبَبا
بتنا نتوقُ إلى مصر لرؤيته / ونرصد الرِّيح تأتي لنا بِنَبَا
يمثِّلُ الوهمُ هاتيكَ الديارَ لنا / حتى كأنَّا وَرَدْنا نيلَها العَذِبا
عَزَّ اللقاءُ فرَدَّدْنا رَسائِلَنا / كمن تَيَمَّمَ حيثُ الماءُ قد نَضبَا
من ليسَ يقدِرُ في وَصلِ الأحبَّةِ أنْ / يَستَخِدمَ الخيلَ فَلْيَستخْدِمِ الكُتبُا
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا
أتَتْني بلا وَعدٍ وقد نَضَتِ الحُجْبا / فهاتيكَ أحلَى زَورةٍ تَنعَشُ الصَّبا
بَذَلتُ لها عَيني وقَلبي كَرامةً / فصارَتْ لها عيناً وصارَتْ لهُ قَلْبا
مضمَّخةٌ بالمِسكِ مَعسولةُ اللَمَى / مُنعّمةُ الخَديَّنِ تُصبي ولا تُصبَى
أقولُ لها عِندَ الزِّيارةِ مَرْحباً / ويا حَبَّذا لو صادَفَتْ منزِلاً رَحْبا
حَبانا بها عَذاراءَ مُتْرَفةَ الصِّبَى / فتىً نالَ حِلمَ الشَيخِ من قبلِ أنْ شَبَّا
أتَتْنا بمدحٍ لم تَكُنْ صَدَقَتْ بهِ / وتَغضَبُ إنْ قُلنا لقد نَطَقَتْ كِذْبا
لَقد سَبَقَ القَومَ الطِراديُّ أسَعدٌ / إلى قَصَبِ السَبْقِ الذي حازَهُ غَصْبا
تَلَقَّفَ فَنَّ الشِّعرِ من قبلِ دَرسِهِ / وخاضَ المعاني قبلَ أنْ يَقرأ الكُتْبا
يُطارِحُني الشِّعرَ الذي فَرَّ من يدي / وقد سَلَّ شَيْبي فوقَ مَفْرِقِهِ عَضْبا
إذا شابَ رأسُ المَرْءِ فالشَّيبُ لاحقٌ / بِهِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِّدَها التُرْبا
رَعَى اللهُ أيَّامَ الصَباءِ فإنَّها / منَ العَيشِ غُصنٌ كانَ مُعتَدِلاً رَطْبا
وما كلُّ ذي رُوحٍ بحَيٍّ حقيقةً / فَمنْ عاشَ في نَحْبٍ كَمنْ قد قَضَى نَحْبا
سَقَى ابنَ أبي الخَيرِ السَّحابُ فإنَّهُ / هُوَ الخيرُ نَستَسقِي بطَلْعتِهِ السُّحْبا
إذا ما تأمَّلْنا جمالَ صِفاتِهِ / نَرَى عَجَباً فيهِ وليسَ نَرَى عُجْبا
لَقد كَثُرَتْ في النَّاسِ حُسَّادُ فضلِهِ / ولكنْ لَعَمري ما حَسِبنا لَهُمْ ذَنْبا
على مِثلِ ما قد نالَهُ يُحسَدُ الفَتَى / وماذا يَضُرُّ الحاسدُونَ فلا عَتْبا
إذا أوجَبَ اللهُ الكريمُ لعبدِهِ / عَطاءً فمَنْ ذا يَستطيعُ لهُ سَلْبا
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي
مَضَى زَمَنُ الصِّبَى فَدَعِ التَّصابي / ولا تَبْغِ الشَّرابَ منَ السَّرابِ
ودَعْني من أماني النَّفْسِ إنّي / رَضِيتُ من الغَنيمةِ بالإيابِ
ظَلَفتُ عَنِ ارتِكابِ العارِ نفسي / وعِفْتُ دَلالَ سَلْمَى والرَّبابِ
إذا هَجَرَ الحبيبُ لغيرِ ذَنْبٍ / فذاكَ الذَّنْبُ أولَى بالعِقابِ
إذا زُرتُ الصَّديقَ ولم يزُرني / فذلكَ كالخِطابِ بلا جَوابِ
إذا كَثُرتَ خبائثُ جارِ سَوْءٍ / ففُرقتُهُ أجَلُّ منَ العِتابِ
على الدُّنيا السَّلامُ فإنَّ قلبي / عن الأهواءِ مشغولُ الشِّعابِ
لَقد ألقَى الأميرُ عَلَيَّ ظِلاًّ / فقلبي عن سِواهُ في حِجابِ
أنا عَبدٌ لدَولتِهِ ولكن / أعيبُ عليهِ تحريرَ الرِّقابِ
أُردِّدُ مَدحَهُ مِثلَ المُصَلِّي / يَمُرُّ مُردِّداً أُمَّ الكتِابِ
وإنِّي غَرْسُ نِعمتِهِ قديماً / نَشَأتُ بها كأغصانِ الرَّوابي
سَقاني ماؤُها كأساً طَهُوراً / فما أسَفي على مَطَر السَّحابِ
كريمٌ لا يَضِيعُ لَدَيهِ حَقٌّ / فقد سُمِّي أميناً بالصَّوابِ
وليسَ يُخِلُ في الدُّنيا بشيءٍ / لغَيرِ المالِ من حِفظِ الصِحابِ
يَعيشُ بظِلِّهِ مَن عاشَ منَّا / ويَقِضي تحتَهُ مَيْتُ التُّرابِ
ويُدرِكُنا نَداهُ حيثُ كُنَّا / على حالِ ابتعادٍ واقتِرابِ
وتُكسِبُنا مَكارِمُهُ ارِتفاعا / كصفِرٍ زادَ في رَقمِ الحِسابِ
فدامَ نداهُ يَقرَعُ كلَّ بابٍ / ويأتيهِ الثنا من كلِّ بابِ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ
لَمَّا رأيتُكَ تَرعَى ذِمَّةَ العَرَبِ / عَلمتُ أنَّكَ منها خالصَ النَسَبِ
وكيفَ تُنكَرُ في الأعرابِ نِسبتُهُ / فتىً لهُ عُمَرُ الفاروقُ خيرُ أبِ
يا حافظَ العهدِ في سرٍّ وفي علَنٍ / وحافظَ الوُدِّ عن بُعدٍ وعن كَثَبِ
أرَى رَسائلَكَ البَيضاءَ لو عُصِرَت / منها المَوَدَّةُ سالتْ بالنَّدَى الرَّطِبِ
بَيني وبينَكَ عَهدٌ لا يُغيِّرُهُ / بُعدُ الدِّيارِ وهَولُ الحَرْبِ والحَرَبِ
إن لم يَكُنْ بَينَنا في قَومِنا نَسَبٌ / قِدْماً فقد جَمَعَنا نِسبةُ الأدَبِ
ما لي وللدَّارِ إنْ شَطَّت فَمغرِسُنا / طَيُّ التَرَائبِ لا مَطويَّةُ التُرَبِ
إذا ظَفِرتُ بقَلبٍ غيرِ مُبتعِدٍ / فما أبالي برَيعٍ غيرِ مُقتَربِ
لا أوحشَ اللهُ مِمَّن ظَلَّ يُؤْنسُني / طُولَ المدَى بورُودِ الرُسْلِ والكُتُبِ
لو كُنتُ أدري لهُ شَخصاً أُمثّلُهُ / لكانَ في الوَهْمِ عن عَينيَّ لم يَغِبِ
يا عاقلاً عَقلَتْ قَلبي مَوَدَّتُهُ / لا أطلَقَ اللهُ هذا الأسرَ في الحِقَبِ
مَلَكْتَني ببديعِ اللُطفِ منكَ فإنْ / بَغَى سِواكَ اقِتناصي كنتُ كالسَّلَبِ
يا حَبَّذا أرضُ مِصرٍ والذينَ بها / وحَبّذا نَهلةٌ من نيلها العَذِبِ
وحبَّذا نَسَماتٌ طابَ عُنصُرُها / وإن يكُنْ عُنصُرُ الأيَّام لم يَطِبِ
صَبراً على نَكَدِ الدُّنيا التي طُبِعَت / على مُعاقَبَةِ الأحداثِ والنُوَبِ
والصَبرُ أنفَعُ ما داوَى الجريحُ بهِ / جُرحَ الفُؤَادِ وأهدَى الطُرْقِ للأرَبِ
ما ليسَ تَقطَعُهُ الأسيافُ يَقَطعُهُ / مَرُّ الزمانِ كقَطعِ النارِ للحَطبِ
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ
هل للَّذي في حَشاهُ حُزنُ يعقوبِ / من حُسنِ يُوسُفَ يُرجَى صبرُ أَيُّوبِ
وكيفَ صَبرٌ بلا قَلب يقومُ بهِ / فقلبُ كلِّ مُحِبٍّ عِندَ محبوبِ
مضى الزَّمانُ على أهلِ الهَوى عَبَثاً / فلم يَكُفُّوا ولا فازوا بمطلوبِ
تَطيبُ أَنفُسُهُمْ تحتَ الظَّلامِ على / وَعدِ الخَيالِ وتَنسَى وَعدَ عُرقوبِ
كلُّ المِلاحِ فِدَى خَودٍ ظَفَرتُ بها / تخلو عُذُوبتُها من كُلِّ تَعذيبِ
يَزينُها الحِبرُ فوقَ الطِرْسِ لا حِبَرٌ / تحت الحِلَى وَطِرازٌ في الجَلابِيبِ
مَحجوبةٌ تحتَ أَستارٍ تَغيبُ بها / ونُورُها كالدَّراري غيرُ محجوبِ
عَلِمتُ أَنَّ عَرُوساً ضِمنَ هَودَجِها / لَمَّا تَنَسَّمتُ منه نَفحةَ الطِيبِ
هَديَّةٌ جادَ مُهديها عَليَّ كما / تُهدى عِطاشُ الرُّبى قَطْرَ الشَّآبِيبِ
جاءت على غَيرِ ميعادٍ لزَورَتِها / وأعذَبُ الوَفْدِ وَفدٌ غيرُ محسوبِ
كريمةٌ من كريمٍ عَزَّ جانِبُهُ / يا حبَّذا كاتِبٌ منهُ كمكتوبِ
أَثنى عَلَيَّ بما لا أستطيعُ لهُ / شكُراً فأُلقي إليهِ عُذرَ مغلوبِ
حَيَّا الصَّبا أَرضَ مصرَ والَّذينَ بها / وجادَها كلُّ هَتَّانِ الأَساكيبِ
في أَرضِها غابةُ العِلمِ التي سَمَحَتْ / لِغيرِها بالشَّظايا والأَنابيبِ
على الخليلِ سَلامُ اللهِ تَقرَأُهُ / ملائِكُ العَرْشِ من أعلى المَحاريبِ
ومَن لَنا بسَلامٍ نَلتَقيهِ بهِ / وبَردِ شوقٍ كتِلكَ النَّارِ مشبُوبِ
هو الأَديبُ الذي رَقَّتْ شَمائِلُهُ / وصانَهُ اللهُ من لومٍ وتَثْريبِ
مُنَزَّهٌ عن فُضولِ القولِ مَنطِقُهُ / في النَّظمِ والنَّثرِ مقبولُ الأساليبِ
وأَحسَنُ الشِّعرِ ما رَاقَتْ مَوارِدُهُ / مستَوفياً حَقَّ تهذيبٍ وتأْديبِ
ومن أَقامَ على ألفاظِهِ حَرَساً / مِثلَ السكَائِمِ للجُرْدِ السَّراحِيبِ
ومن إذا عَرَضَتْ في الناسِ تَجرِبَةٌ / أَغنَتهُ عن شَقِّ نَفسٍ في التَجارِيبِ
إليكَ يا ابن سِراجِ الدين قد وَفَدَتْ / تَبغي الضياءَ فَتاةٌ للأَعاريبِ
خَطَّارةٌ في سخيفِ البُرْدِ عاطلةٌ / مَدَّت إليكَ بَناناً غيرَ مخضوبِ
رَفَعتَ قَدري بمَدحٍ قد خَفَضْتُ لهُ / رأْسي فناظَرَهُ سَمْعي بمنصوبِ
عليَّ شُكرُكَ مفروضٌ أَقومُ بهِ / يا مَن عليهِ مَديحي غيرُ مندوبِ
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا
لو كانَ للدَّارِ نُطقٌ سَبَّحَتْ عَجَبا / أو راحةٌ صَفَّقتْ من بَهجةٍ طَرَبا
قد زارها اليومَ مَن عزَّت بزَوْرتِهِ / كأنَّه قد طَلَى حِيطانَها ذَهَبا
كادت منَازِلُها تَلقاهُ راقِصةً / لكنَّها حَفِظَتْ قُدَّامهُ الأدَبا
هذا الأمينُ الذي لُبنانُ في يَدِهِ / أمانةُ اللهِ يَرعاها كما وَجبَا
ساسَ البِلادَ بلُطفٍ من خَلائقِهِ / واللُطفُ اقطَعُ من سَيفٍ لمَنْ ضَرَبا
مُبارَكُ الوَجهِ يأتي الخِصبُ حيثُ أتى / ويَذهَبُ السَّعدُ مَعْهُ حيثُما ذَهبا
يغزو الخُطوبَ برأيٍ غيرِ مُنثلِمٍ / لو كانَ ناراً لكانَتْ عِندَهُ حَطَبا
لئن تأخَّرَ في أيَّامِهِ زَمناً / فقد تَقدَّمَ في أجيالهِ رُتَبا
قَدِ اختباهُ إلى اليومِ الزَّمانُ كما / يَخْبا الحريصُ إلى الشَيخُوخَةِ النُخَبَا
أهدَيتُ أبياتَ شِعري مَن بهِ افتَخَرتْ / أبياتُ داري فظَّنتْ نَفْسَها شُهُبا
عَلَّقتُها اليومَ في مِحرابِ دَولتِه / فخراً فباهَيْتُ في تَعليِقها العَرَبا
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ
أطوفُ الأرضَ في شَرْقٍ وغَرْبِ / وقلبي نازلٌ بدِيارِ صَحْبي
فلي قلبٌ هُناكَ بغيرِ جِسمٍ / ولي جِسمٌ هُناكَ بغيرِ قلبِ
أحِنُّ إلى الدِّيارِ وساكِنيها / على بُعْدٍ وإن بَخُلَتْ بِقُربِ
فيَصدُقُ مَن يقولُ هُناكَ دائي / ويَصدُقُ من يقولُ هُناكَ طِبِّي
وفي تِلكَ الخُدُورِ مَهاةُ إنسٍ / مُمنَّعةٌ بحُجْبٍ بَعدَ حُجْبِ
تَصيدُ ولا تُصادُ إذا غَزَونا / فلا تُسبَى لذلكَ وَهْيَ تَسْبي
فتاةٌ وَجههُا من آلِ بَدرٍ / ولكن عينُها من آلِ حَربِ
تُصيبُ سِهامُها من غيرِ رَشقٍ / ويقَطعُ سَيفُها من غيرِ ضَربِ
أرَتْني من خِلالِ السّجْفِ طَرْفاً / قرأتُ عليهِ إنَّ اللهَ حسْبي
ووَجهاً لو ظَفِرتُ بوَجنتَيهِ / كَتبتُ عليهِما سُبحانَ ربي
جَفَتْني حِينَ قُلتُ الشِّعرَ فيها / وقالتْ قد جَلَبتَ عليكَ عَتْبي
تَعُدُّ عليَّ نظمَ الشِّعرَ ذَنباً / نَعَمْ لِسِوَى الأميرِ الشِّعرُ ذَنْبي
مَنَحتُ أبا مُحمَّدَ كُلَّ شعري / فكانَ لِمَنْ سِواهُ مالَ سَلْبِ
ومَن كأبي مُحمَّدَ يلتقيهِ / بوجهٍ مبشرٍ وفؤادِ صبِّ
ومن كآبي محمَّدَ أهل مدحٍ / ينزَّهُ صدقُهُ عن شينِ كِذبِ
ومن كأبي مُحمَّدَ أهلُ مَدحٍ / يُنزَّهُ صِدقُهُ عن شَينِ كِذْبِ
طَلَبتُ العفَو عن جَهْلي لأنِّي / طَلبتُ نظيرَهُ والجَهْلُ دأبي
فأدَّبني بسَعيٍ ضاعَ هَدْراً / كريمٌ كُلَّما أدعو يُلبّي
بَعيدُ الصِيتِ يَعبَقُ من ثناهُ / أريجُ المِسكِ في عُجْمٍ وعُرْبِ
تُقِرُّ لهُ العِدَى بالفَضلِ رَغماً / فتَحمِلُ منهُ غَصباً فوقَ غَصبِ
إذا حاضَرَتهُ يُرضيكَ حَتَّى / تَرى عَجَباً بهِ من غيرِ عُجْبِ
وإنْ فارَقتهُ يدعوكَ شَوقٌ / إليهِ قائداً بِزمامِ جَذْبِ
نلومُ السُّقمَ إذ يأتي إليهِ / وهل ظامٍ يُلامُ بورْدِ عَذْبِ
ونَطمَعُ في السَّلامةِ من أذاهُ / فقد وافَى على قَدَمِ المُحِبِّ
شَفاكَ اللهُ من كَرْبٍ تَراهُ / كما يشفَي بلُطفِكَ كلَّ كَرْبِ
فإنَّكَ في بِلادِ الشَّرْقِ رُوحٌ / وإن تكُ نازلاً منها بِغَرْبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ
من كانَ كاتبَ نُونِ هذا الحاجِبِ / هَيهاتَ لَيسَتْ من صِناعةِ كاتبِ
ومَنِ الذي خَضَبَ الخُدُودَ بحُمرةٍ / يا مَيُّ أم لَيسَتْ بصَبْغةِ خاضِبِ
بأبي التِّي من آلِ بَدرٍ وَجْهُهُا / ولِحاظُها من رَهْطِ آلِ مُحاربِ
تغزو كما تغزو الكُماةُ وإنَّما / تَدَعُ العِدَى وتُرِيدُ غزوَ الصَّاحبِ
قُلْ للَّتي نَهَبَتْ فُؤادَ مُحبِّها / بئِسَ الغنيمةُ نَهبُ قلبٍ ذَائبِ
نَهَبَتْ خُلاصةَ مالِها من بيتِها / نفسي فِداكِ فأينَ رِبحُ الناهِبِ
كم بينَ مَن يجفو الخَليِطَ وبينَ من / يصبو إلى حُبِّ البعيدِ الغائبِ
مَن كان يهوَى فلْيَكُنْ كَمُحمَّدٍ / يَهوَى ويُهوَى بالخليقِ الواجبِ
ذَاكَ الذي منهُ المَحَبَّةُ نحوَنا / قَطَعَتْ سَباسِبَ أُرِدفَتْ بسباسبِ
كلُّ الصِّحابِ نُريدُ تَجرِبةً لهم / وهوَ الغَنيُّ عنِ امتِحانِ تَجارِبِ
أهدَى إليَّ رسالةً آمَنتُ عنْ / ثِقَةٍ بها لما أتَتْ بعَجائِبِ
حَمَلَتْ على ضُعفٍ بها من صَبْوةٍ / ما ليسَ تَحمِلُهُ مُتونُ نجائبِ
عَرَبيةٌ جاءَت بلُطفِ حواضرٍ / من رِقَّةِ المَعْنى ولَفظِ أعاربِ
نَقَشَتْ سَواداً في البَياضِ كأنَّهُ / نَقشُ الغَوالي في وجوهِ كواعبِ
يامن دعا فأجاب قلبي طائعاً / لبَّيكَ من داعٍ عزيزِ الجانبِ
ذاكَ ابتِداءٌ مالَهُ من ناسخٍ / ولُ ارِتفاعٌ مالهُ من ناصِبِ
أنتَ الوفيُّ الصادقُ الحُبِّ الذي / يَبقَى على طولِ الزَّمانِ الكاذبِ
ولقَد تَوازَنتِ المحَبَّةُ بينَنا / كتَوازُنِ الأجزاءِ في المُتقاَربِ
حَمَّلْتَني من فضلِ جُودِكَ مِنَّةً / عَظُمَتْ ولكن ليس تُثقِلُ غاربي
مِنَنُ الكِرامِ على الرِّجالِ خفيفةٌ / إذ ليسَ من عَيبٍ بِهِنَّ لعائبِ
لولا التَفاوتُ في الأخلاقِ والأدَبِ
لولا التَفاوتُ في الأخلاقِ والأدَبِ / تساوتِ النَّاسُ في الأقدارِ والرُّتَبِ
لنا أبٌ واحدٌ بالجسمِ يجمَعُنا / لكنْ كانَ لنا بالرُّوح ألفَ أبِ
قامَ التفاوتُ بين النَّاسِ مرتقياً / فوق التفاوُتِ بينَ العود والحَطَبِ
حتى يُخيَّلَ أنَّ البعضَ قد خُلِقوا / من التُّرابِ وصيغَ البعضُ من ذهبِ
والنَّاسُ تطلُبُ جمعَ المال قاطبةً / لكنَّها اختلفت في غايةِ الطلَبِ
للعِزِّ والصَّفْوِ بعضُ النَّاسِ يجمعُهُ / والبعضُ يجمعُهُ للذُّلِ والنَّصَبِ
لا ينفعُ المالُ إلاّ حينَ يخرجُ من / أيدي ذويهِ فيمضي قاضيَ الأرَبِ
والمالُ في الكيسِ لا يمتازُ عن حجرٍ / كالسيفِ في الغِمدِ لا يمتازُ عن خَشَبِ
والكُلُّ من دون تقوَى اللهِ نَحسبُهُ / مثلَ الهَباءِ ذَرَتهُ الرِّيحُ في السُّحُبِ
واللهُ يحتسبُ التَّقوى بلا عملٍ / كجَفْنِةِ الكرْمِ قد قامت بلا عِنَبِ
مَنِ ادَّعى الدِّينَ والدُّنيا أقولُ لهُ / إن كُنتَ كابن عُبيدَ أقدِمْ ولا تَهَبِ
هذا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهرُ النَّسَبِ اُبْ / نُ الطَّاهرِ النَّسبِ ابنِ الطَّاهرِ النَّسَبِ
هذا الكريمُ السَّليمُ القلبِ من دنَسٍ / وَهْوَ الصَّفِيُّ البرِيُّ النَّفسِ من رِيَبِ
أقوالُهُ دُرَرٌ أفعالهُ غُرَرٌ / أفضالُهُ طُرَرٌ في جَبْهةِ العَرَبِ
ذو رُتْبةٍ ليس في استعلائها عَجَبٌ / لكن تواضُعُهُ مَعْها مِن العَجَبِ
كالغُصنِ قد مالَ نحوَ الأرضِ منخفِضاً / لِثْقلِ حَمْلٍ نَما في عُودِهِ الرَّطِبِ
ماضي اليَراعِ جَميلٌ خَطُّ رُقعَتِهِ / لكن معانيهِ أبَهى منهُ في الكُتُبِ
يُجري فُنوناً من الأقلامِ مُطرِبةً / لنا وكم طَرَبٍ يجري من القَصَبِ
أحيا العلومَ التي ماتت بمدرسةٍ / كالبوقِ في البعث يُحيي دارسَ التُّرَبِ
قامت لهُ مع شهودِ النَّاسِ شاهدةً / تُبقي لهُ الذِّكرَ في مُستقبَلِ الحِقَبِ
بَغَى رِضَى اللهِ روفائيلُ مصطَحِباً / معْهُ رِضَى خلقِهِ يا خيرَ مُصطَحِبِ
وتِلك نادرةٌ قد عَزَّ مَطلَبُها / إلاّ على مُخلِصٍ للهِ مُنتخَبِ
نُعاتِبُ حيثُ لا نرجو الجَوابا
نُعاتِبُ حيثُ لا نرجو الجَوابا / زَماناً ليسَ يَسْتمِعُ العِتابا
ونشكو ظُلمَهُ شكوى غَريقٍ / إلى مَوجٍ يزيدُ بها اضطِرَابا
زَمانٌ ليسَ نبرحُ كلَّ يومٍ / نَرَى فيهِ اعوجاجاً وانِقلابا
يُقادُ بهِ العزيزُ إلى ذَليلٍ / ويقتنِصُ الغُرَابُ بهِ العُقابا
يموتُ اللَّيْثُ في الفَلواتِ جوعاً / وتُبشِمُ كَثْرَةُ الشَّبَعِ الكِلابا
ويذْهبُ من نُريدُ لهُ بَقاءً / ويَبقَى مَن نُريدُ لهُ ذَهابا
مضَى عنَّا ابنُ فيَّاضٍ ففاضَتْ / عليهِ مَدامعٌ تحكي السَّحابا
مَدامعُ في الخُدودِ جَرَتْ مِياهاً / ولكن في الحَشا صارَت حِرَابا
نجا من حربِ دَنياهُ عزيزاً / فمن يدْعوهُ منصوراً أصابا
تُظلِّلُهُ الملائِكُ في ثَرَاهُ / بأجنِحةٍ رَفَعْنَ لهُ قِبابا
كريمٌ ما عَرفْنا فيهِ عَيباً / ولا خُلُقاً يَسؤُ بهِ الصِّحابا
ولم يكُ قَطُّ يُغصِبُ نفسَ رَاضٍ / ولكن كانَ يسْترَضي الغِضابا
فَقَدْناهُ ولم نَفْقِدْ ثَناهُ / فكانَ البُعدُ يُوهِمُنا اقتِراباَ
تقولُ قُلوبُنا إذْ أوْدَعوهُ / تُرَاباً لَيتنا كُنَّا تُرَابا
صديقٌ لي صَدوقٌ من صِباهُ / ولم ينسَ الصَّداقةَ حينَ شابا
بَكَيتُ عليهِ واستْدعيتُ صبري / فصارَ الصَّبرُ حزناً وانتِحابا
ومَن لم يَصطبِرْ طَوْعاً تَوَلَّى / عليهِ العَجْزُ فاصطَبرَ اغتصابا
أُناسٌ كلُّها تُمسي تُرابا
أُناسٌ كلُّها تُمسي تُرابا / بدارٍ كلُّها تُمسي خَرابا
فماذا نبتغي فيها بِناءً / وماذا نبتغي منها اكتسابا
تمرُّ النَّاسُ أفواجاً عليها / كما نَفَضَتْ عواصفُها السَّحابا
وتَخطِرُ فوقَها حيناً فتَبقَى / زماناً تحتها فاتَ الحسابا
هيَ الأُمُّ التي ضمَّت بنَيها / إلى أحشائِها ترجو الثَّوابا
يَشِبُّ على هواها كلُّ طِفلٍ / ولا ينسى المحبَّةَ حينَ شابا
غُرابُ البينِ يَنعَقُ كُلَّ يومٍ / بساحتها فَيقتَنِصُ العُقابا
رأينا الموتَ لا يبقي كريماً / ولا يخشى الملامَ ولا العتابا
رَمَى أسكارُسَ القِبطيَّ سهماً / فرَنَّ بكلِّ قلبٍ إذ أصابا
كريمٌ كانَ للعافي مَلاذاً / متى يُدعَى لحادثةٍ أجابا
تكبَّدَتِ القلوبُ ضِرامَ حزنٍ / عليهِ لو يَمَسُّ الصخرَ ذابا
وصارَ دمُ الدُّموع خِضابَ سُوءٍ / لمن صارَ السَّوادُ لها ثيابا
مضى متمتِّعاً بنعيم ربٍّ / دعاهُ إلى كرامَتِهِ انتِخَابا
حياةُ النَّاسِ في الدُّنيا طريقٌ / إلى الأُخرَى نسوقُ لها الرِّكابا
وأفضلُ مَشرَبٍ كأسُ المنايا / إذا كان النَّعيمُ بها شرابا
حَزَنُ القلوبِ على الغريبِ غريبُ
حَزَنُ القلوبِ على الغريبِ غريبُ / حتى تكادَ لهُ القلوبُ تذوبُ
والموتُ في نفسِ الحقيقةِ واحدٌ / لكن يُفرِّقُ بينهُ الأُسلوبُ
كلٌّ نراهُ على الطَّريقِ مسافراً / أبداً وما أحدٌ نراهُ يأُوبُ
يا سَفرةً بَعُدتْ مَسافةُ دارِها / عنَّا وأمَّا يومُها فقريبُ
عَجَباً لِمن يُمسي ويُصبحُ خائفاً / من مَوتهِ ولهُ الحياةُ تَطيبُ
طَفَحَت على بَصَرِ القلوبِ غِشاوةٌ / حتى تَساوى أحمقٌ ولبيبُ
يقضي الفَتى أيَّامَهُ في غفلةٍ / ويَلومُ كلَّ مُغَفَّلٍ ويَعيبُ
شَمِلَ الغُرورُ النَّاسَ حتى ضَلَّ مَن / يَهدي وذابَ من السَّقامِ طبيبُ
قُل للخطيبِ على الجُموعِ أفدَتَهم / نُصحاً ولكن مَن عليكَ خطيبُ
إن لم يكُن عَملُ الخطيبِ كقولهِ / فَمَنِ الذي يدعو بهِ فيُجيبُ
يا مَن نسمِّيهِ الحبيبَ وإنَّهُ / رَجُلٌ إلى كلِّ القلوبِ حبيبُ
قد غِبتَ عنَّا في التُّرابِ ولم يكُنْ / عهدُ الكواكبِ في التُّرابِ تغيبُ
أتُرَى تفوزُ الأُذنُ منك بمَسمعٍ / إن لم يكُن للعينِ منكَ نصيبُ
يا غُربةً طالت عليكَ بغُربةٍ / قد جُرَّ فوقَكَ ذيلُها المسحوبُ
فارقتَ رَبعاً كانَ يرجو عوْدةً / لم يدرِ أنَّ رجاءَهُ سيخيبُ
إن كنتَ قد سافرتَ غيرَ مُودِّعٍ / فقد اقتَفَتْكَ وشَيَّعتْكَ قُلوبُ
فعليكَ من لدُنِ المُهَيْمنِ رحمةٌ / يَسقي ضريحَكَ غيثُها المَسكوبُ
قد كنتَ تُرضِي اللهَ حَسْبَ كتابهِ / فَلَكَ الرِّضَى في لَوحِهِ مَكتوبُ