المجموع : 160
بالغتَ في شجني وفي تعذيبي
بالغتَ في شجني وفي تعذيبي / ومعَ الأذى أفديكَ من محبوب
يا قاسياً هلاَّ تعلم قلبهُ / لينَ الصبا من جسمهِ المشروب
آهاً لوردٍ فوقَ خدِّك أحمر / لو أنَّ ذاك الوردَ كانَ نصيبي
ولواحظٌ ترِثُ الملاحةَ في الظبا / إرثَ السماحةِ في بني أيوب
فتحت بنو أيوبَ أبوابَ الرجا / وأتتْ بحارهمو بكلِّ عجيب
وبملكهم رفعَ الهدى أعلامهُ / وحمى سرادِقَ بيتهِ المنصوب
وإلى عمادهُم انتهتْ علياؤُهم / وإلى العلاء قد انتهتْ لنجيب
ملكٌ بأدنى سطوِه ونوَاله / أنسى ندى هرمٍ وبأسَ شبيب
الجود ملءُ والعلم ملء / مسامع والعز ملءُ قلوب
ألِفت بأنبوبِ اليراعةِ والقنا / يمناهُ يومَ ندًى ويومَ حروب
فإذا نظرتَ وجدتَ أرزاقَ الورى / ودمَ العداةِ يفيضُ من أنبوب
كم مدحةٍ لي صغتها وأثابها / فزَهتْ على التفضيضِ والتذهيب
وتعوَّدت في كلِّ مصرٍ عنده / مرعى يقابل جدبها بخصيب
يا رُبَّ بشرٍ منه طائيَّ الندى / يلقى مدائحاً لقاء حبيب
ما ضرَّ من لمْ يجدْ في الحبِّ تعذيبي
ما ضرَّ من لمْ يجدْ في الحبِّ تعذيبي / لو كانَ يحملُ عنِّي همَّ تأنيبي
أشكو إلى اللهِ عذَّالاً أكابدُهم / وما يزيدون قلبي غيرَ تشبيب
وخاطرٍ خنثِ الأشواقِ تعجبهُ / سوالفُ التركِ في عطفِ الأعاريب
كأنَّني لوجوهِ الغيدِ معتكفٌ / ما بينَ أصداغِ شعرٍ كالمحاريب
كأنَّني الشمعُ لما باتَ مشتعلَ ال / فؤاد قال لأحشائي الأسى ذُوبي
لا يقربُ الصبرُ قلبي أو يفارقهُ / كأنَّه المالُ في كفِّ بن أيوب
لولا ابنَ أيوبَ ما سرنا لمغتربٍ / في المكرُمات ولا فزْنا بمرغوب
دعا المؤيدُ بالترغيبِ قاصدَهُ / فلو تأخَّر لاستدعي بترهيب
ملكٌ إذا مرَّ يومٌ لا عفاةَ به / فليس ذاك من عمرٍ بمحسوب
للجودِ والعلمِ أقلامٌ براحتهِ / تجري المقاصدُ منها تحتَ مكتوب
مجموعةٌ فيه أوصافُ الأولى سلفوا / كما تترجم أخبارٌ بتبويب
إذا تسابق للعلياءِ ذو خطرٍ / سعى فأدركَ تبعيداً بتقريب
وإن أمالَ إلى الهيجاءِ سمرَ قناً / أجرى دماءَ الأعادي بالأنابيب
قد أقسمَ الجودُ لا ينفكُّ عن يدِه / إمَّا لعافيهِ أو للنسرِ والذيب
أما حماه فقد أضحى بدولتهِ / ملاذَ كل قصيِّ الدار محروب
غريبة الباب تُقري من ألمَّ بها / فخلِّ بغدادَ واترُكْ بابها النوبي
وانعمْ بوعدِ الأماني عند رؤيتهِ / فإنَّ ذلكَ وعدٌ غير مكذوب
واعجب لأيدي جوادٍ قطّ ما سئِمت / إنَّ البحارَ لآباءُ الأعاجيب
كلُّ العفاةِ عبيدٌ في صنايعه / ودارُ كل عدوٍّ دارُ ملحوب
يا مانحي منناً من بعدها مننٌ / كالماءِ يتبعُ مسكوباً بمسكوب
من كان يلزمُ ممدوحاً على غرَرٍ / فما لزمتك إلا بعدَ تجريب
أنت الذي نبهت فكرِي مدائحهُ / ودرَّبتني والأشيا بتدريب
حتى أقمتُ قريرَ العينِ في دعَةٍ / وذكر مدحك في الآفاق يسري بي
مدحٌ يغار لمسودّ المداد بهِ / حمر الحلى والمطايا والجلابيب
عوِّض بكأسكَ ما أتلفتَ من نشبٍ
عوِّض بكأسكَ ما أتلفتَ من نشبٍ / فالكأسُ من فضةٍ والرَّاحُ من ذهب
واخطبْ إلى الشربِ أمَّ الدهر إن نسبت / أختَ المسرَّةِ واللهو ابنةَ العنب
غرَّاءُ حاليةُ الأعطافِ تخطرُ في / ثوبٍ من النورِ أو عقدٍ من الحبب
عذراءُ تُنجزُ ميعادَ السرورِ فما / تومي إليك بكفٍّ غيرِ مختضب
مصونةٌ تجعلُ الأستارَ ظاهرةً / وجنةٌ تتلقى العينَ باللهب
لو لم يكن من لقاها غيرُ راحتنا / من حرفة المتعبين العقلِ والأدب
فهات واشربْ إلى أن لا يبينَ لنا / أنحنُ في صعدٍ نستنُّ أم صبب
خفت فلو لم تدرْها كفُّ حاملها / دارت بلا حاملٍ في مجلس الطرب
يا حبَّذا الرَّاح للأرواحِ ساريةً / تقضي بسعد سراها أنجم الحبب
من كفِّ أغيدَ تروي عن شمائله / عن خدِّه المشتهَى عن ثغرِهِ الشنب
علقته من بني الأتراكِ مقترِباً / من خاطري وهو منِّي غيرُ مقترب
حمَّالة الحلي والديباجِ قامتهُ / تبت غصونُ الرُّبا حمَّالة الحطب
يا تاليَ العذَلِ كتباً في لواحظه / السيفُ أصدقُ أنباءً من الكتب
كم رمتُ كتمَ الجوى فيه فنمَّ به / إلى الوُشاةِ لسانُ المدمعِ السرب
جادت جفوني بمحمرِّ الدُّموعِ لهُ / جودَ المؤيد للعافين بالذَّهب
شادت عزائم إسماعيلَ فاتَّصلت / قواعدُ البيتِ ذي العلياء والرُّتب
ملكٌ تدلك في الجدوى شمائلهُ / على شمائلِ آباءٍ له نُجب
محجب العزَّ عن خلق تحاوله / وجودُ كفَّيه بادٍ غير محتجب
قد أتعبَ السيفَ من طولِ القراعِ به / فالسيفُ في راحةٍ منه وفي تعب
هذا للحلمِ معنًى في خلائقهِ / لا تستطيلُ إليه سَورَة الغضب
يُغضي عن السبب المردي بصاحبه / عفواً ويعطي العطا جمًّا بلا سبب
ويحفظُ الدِّين بالعلمِ الذي اتَّضحت / ألفاظهُ فيه حفظَ الأفقِ بالشهب
يَممْ حماهُ تجدْ عفواً لمقترِفٍ / مالاً لمفتقرِ جاهاً لمقترب
ولا تطعْ في السرى والسيرِ ذا عذلٍ / واسجدْ بذاك الثَرى الملثوم واقترب
وعذْ من الخوفِ والبؤسِ بذي هممٍ / للمدحِ مجتلبٍ للذمِّ مجتنِب
ذاكَ الكريم الذي لو لم يجدْ لكفت / مدائحٌ فيه عند اللهِ كالقُرب
نوعٌ من الصدقِ مرفوع المنارِ غدا / في الصالحاتِ من الأعمالِ في الكتب
وواهبٌ لو غفلنا عن تطلبه / لجاءَنا جودُهُ الفيَّاضُ في الطلب
أسدى الرغائب حتَّى ما يشاركُه / في لفظها غيرُ هذا العشرِ من رجب
وأعتاد أن يهب الآلافَ عاجلةً / وإن سرى لألوف الجيشِ لم يَهب
كم غارةٍ عن حمى الإسلام كفكفها / بالضربِ والطعنِ أو بالرعبِ والرّهب
وغايةٍ جاز في آفاقها صعداً / كأنَّما هو والإسراع في صَبب
ومرمل ينظر الدُّنيا على ظمإٍ / منها ويطوي الحشا ليلاً على سَغب
نادته أوصافه اللاتي قد اشتهرت / لِمَ القعودُ على غيرِ الغنى فثب
فقامَ يعمل بين الكثب ناجيةً / كأنَّما احتملت شيئاً من الكتب
حتى أناخت بمغناهُ سوى كرمٍ / يسلو عن الأهلِ فيه كلُّ مغترب
كم ليلةٍ قال لي فيها ندى يدِه / يا أشعرَ العرب امدح أكرمَ العرَب
فصبحته قوافيّ التي بهرَتْ / بخُرَّدٍ مثل أسراب المها عُرُب
ألبسته وشيها الحالي وألبسني / نواله وشيَ أثوابِ الغِنى القشبِ
فرُحتُ أفخر في أهلِ القريض بهِ / وراحَ يفخرُ في أهلِ السيادةِ بي
يا ابن الملوك الأولى لولا مهابتهم / وجودُهم لم يطعْ دهراً ولم يطب
الجائدِين بما نالت عزائمهم / والطاعنين الأعادي بالقنا السلبِ
والشائدينَ على كيوان بيتَ علًى / تغيب زهر الدَّراري وهو لم يغب
بيتٌ من الفخرِ شادوه على عمدٍ / وبالمجرَّةِ مدُّوه على طنبِ
لله أنت فما تصغي إلى عذلٍ / يوم النوال ولا تلوي على نشبِ
أنشأتَ للشعرِ أسباباً يقالُ بها / وهل تنظمُ أشعارٌ بلا سببِ
أنت الذي أنقذتني من يدَي زمني / يدَاه من بعد إشرافي على العطب
أجابني قبلَ أن ناديتُ جودُك إذ / ناديتُ جودَ بني الدُّنيا فلم يجبِ
فإن يكن بعض أمداح الورى كذِباً / فإنَّ مدحكَ تكفيرٌ من الكذبِ
عجبت خلتي لوخطِ مشيبي
عجبت خلتي لوخطِ مشيبي / في أوان الصبى وغير عجيب
من يَعمْ في بحار همِّي يظهر / زَبدٌ فوقَ فَرعهِ الغربيب
من يحارب حوادث الدهر يخفى / لون فُؤدَيهِ في غبار الحروب
أيُّ فرع جونٍ على عنتِ الأيا / مِ يبقى وأيُّ غصنٍ رطيب
لو همى ماء معطفيّ من اللي / نِ لأفنته مهجتي بلهيب
ربَّ يومٍ لو لم أخف فيه عقبى / سوء حالي لخفتُ عقبى ذنوبي
ظاهرٌ دون باطنٍ مستجار / ليت حالي يكون بالمقلوب
منعتني الدنيا جنًى فتزهد / تُ ولكن تزهد المغلوب
ووهت قوَّتي فأعرضت كرهاً / عن لقاءِ المكروهِ والمحبوب
ما أرى الدهرُ غيرَنا زهدَ الأف / ضل والحال ممكن المطلوب
ملكٌ في حمى الشبيبة والم / لك له في دُنياه زادُ الغريب
دبر الملك بالتقى فكساه الل / ه فيه ثوب المرجَّى المهيب
بين سجادةٍ وبين كتاب / وسواه ما بين كأسٍ وكوب
ينشر العدلَ أو يبثُّ العطايا / فهو زاكي الترغيب والترهيب
وله فوق أدهم الليلِ تسرِي / دعواتٌ خفيفة المركوب
جلَّ من صيَّر التقى فيه خلقاً / قبل خلقِ التدريجِ والتدريب
والمعالي في آلِ أيوب إرثٌ / كالنبواتِ في آلِ يعقوب
حبَّذا من ملوكهم كلُّ نسل / بين محرابِه وبين الحروب
وسقى الله أصلهُم فلقد أثم / رَ من نسله بكلِّ نجيب
كم قصدْنا محمداً فحمدنا / شادويّ الفخار والتهذيب
كم مدحْنا منه نسيباً فجئْنا / بمديحٍ مكمَّلٍ ونسيب
كم له في حماه نفحة غيث / شملت في البلاد كل جديب
كم له عزمةٌ إلى أرض مصر / بشَّرت عامَ وفدِها بخصيب
كم أشاعَ الأعداء أمراً فردَّ الل / هُ ما شنعوا بلطفٍ عجيب
يا مليكاً له صنائع برٍّ / وتقًى يدفعانِ صدرَ الخطوب
إبقَ ما شئتَ كيف شئت ودوموا / في حمى الله يا بني أيوب
إنَّ قلبي لكم لَكَالكبدِ الح / رّي وقلبي لغيركم كالقلوب
هاكها أستقي من البحر منها / وابن قادوس يستقي من قَليب
كلُّ شعبٍ أنتم به آل شادٍ / فهو شعبي وشعب كل أديب
تجني لواحِظه عليَّ وتعتب
تجني لواحِظه عليَّ وتعتب / بالروح يفدَى الظالم المتغضب
آهاً له ذهبيّ خدٍّ مشرقٍ / ما دونه لعديم لُب مذهب
متلوِّن الأخلاق مثل مدامِعي / والقلبُ مثل خدوده ملتهِب
يعطو كما يعطو الغزال لعاشقٍ / ويروغ عنه كما يروغ الثعلب
تفَّاح خدَّيه بقتلي شامتٌ / فلأجل ذا يلقاكَ وهو مخضب
لي في الأماني في لماهُ وخدِّهِ / في كلِّ يومٍ منزهٌ أو مشرب
أأروم عنه رضاع كأس مسلياً / لا أم لي إن كان ذاك ولا أب
لا فرق عندي بين وصف رضابه / ومدامه إلا الحلالُ الطيب
وا صبوتي بشذا لماهُ كأنَّه / نفسٌ لمادح آل شادٍ مطرب
الشائدين الملك بالهمم التي / وقف السهى ساهٍ لها يتعجب
والقابلين بجودِهم سِلعَ الثنا / فإلى سوى أبوابهِم لا تجلب
والمالكين رقابَنا بصنائعٍ / سبقت مطامعنا فليست ترقب
جادت ثرى الملك المؤيد ديمةٌ / وطفاءُ مثل نوالِه تتصبب
ورعى المقامَ الأفضليَّ بمدحه / فضلٌ يشرِّق ذكره ويغرِّب
ملك الندى والبأس إمَّا ضيغمٌ / دامي البواتر أو غمام صيب
وأبيه ما للسحب مثل بنانه / وانظر إليها إذ تغيض وتنضب
ما سمِّيت بالسحبِ إلاَّ أنَّها / في أُفقها من خجلةٍ تتسحب
للهِ فضلُ محمدٍ ماذا على / أقلامِنا تملي علاهُ وتكتب
ذهبت بنو شادِي الملوك وأقبلتْ / أيَّامهُ فكأنَّهم لم يذهبُوا
للعلم والنَّعماءِ في أبوابِهِ / للطالبينَ مطالبٌ لا تحجب
واللهِ ما ندري إذا ما فاتَنا / طلبٌ إليكَ من الذي يُتطلَّب
يا أيُّها الملكُ العريقُ فخارهُ / وأجلُّ من يحمي حماهُ ويُرهب
إنِّي لمادِحُ ملككم وشبيبتي / تزهو وها أنا والشباب منكّب
ولبست أنعمهُ القشيبةَ والصبى / فسلبتُ ذاكَ وهذهِ لا تُسلب
خذ من ثنائي كالعقودِ محبباً / إنَّ الثناءَ إلى الكريمِ محبَّب
من كلِّ مقبلةِ النظامِ لمثلِها / نظمُ الوليدِ أبي عُبيدةَ أشيب
نادَتْ معانِيها وقد عارضنه / عرضتنا أصلاً فقلنا الرَّبرَب
عطفت كأمثالِ القسيّ حواجباً
عطفت كأمثالِ القسيّ حواجباً / فرَمت غداةَ البين قلباً واجِبا
بلواحظٍ يرفعنَ جفناً كاسِراً / فتثيرُ في الأحشاءِ همًّا ناصِبا
ومعاطفٍ كالماءِ تحتَ ذوائبٍ / فأعجب لهنَّ جوامداً وذوائِبا
سود الغدائرِ قد تعقربَ بعضها / ومن الأقاربِ ما يكونُ عقارِبا
من كلِّ ماردةِ الهوى مصريَّةٍ / لم تخشَ من شهبِ الدموعِ ثواقبا
لم يكف أن شرعتْ رماح قدودِها / حتَّى عقدنا على الرِّماحِ عصائِبا
أفدي قضيبَ معاطفٍ ميَّادةٍ / تجلو عليَّ من اللواحظِ قاضِبا
كانتْ تساعدُني عليه شبيبتي / حتَّى نأتْ فنأى وأعرَض جانِبا
وإذا الفتى قطعَ السنينُ عدِيدةً / شابَ الحياةَ فظلَّ يدعى شائِبا
يا أختَ أقمارِ السماءِ محاسناً / والشمسِ نوراً والنجومِ مناسبا
إذا كابدت كبدي عليكِ مهالكاً / فلقد فتحت من الدموعِ مطالِبا
كالتبرِ سيَّالاً فلا أدري بهِ / جفني المسهد سابكاً أم ساكِبا
كاتمتُ أشجاني وحسبِي بالبُكا / في صفحِ خدِّي للعواذِلِ كاتبا
دَمعي مجيبٌ حالتي مستخبراً / للهِ دمعاً سائلاً ومجاوبا
وعواذِلي عابُوا عليَّ صبابتِي / وكفاهُم جهلُ الصبابةِ عائبا
ما حسن يوسف عنك بالناي ولا / دمُ مهجتِي بقميصِ خدِّك كاذبا
بأبي الخدودَ العارياتِ من البكى / اللاَّبساتِ من الحريرِ جلاببا
النابتاتِ بأرضِ مصرَ أزاهراً / والزاهرات بأرض مصرَ كواكِبا
آهاً لمصرَ وأينَ مصرُ وكيف لي / بديارِ مصرَ مراتِعاً وملاعِبا
حيثُ الشبيبةُ والحبيبةُ والوفا / في الأعربينِ مشارِباً وأصاحِبا
والطرفُ يركعُ في مشاهدِ أوجهٍ / عقدت بها طرر الشعورِ محارِبا
والدهرُ سلمٌ كيفَ ما حاولتهُ / لا مثل دهري في دمشق محارِبا
هيهات يقربني الزمان أذًى وقد / بلغت شكايتي العلاءَ الصاحِبا
أعلا الورى همماً وأعدلَ سيرةً / وأعزّ منتصراً وأمنعَ جانِبا
مرآة فضلِ الله والقوم الأولى / ملأوا الزمانَ محامِداً ومناقِبا
الحافظينَ ممالكاً وشرائِعاً / والشارعين مهابةً ومواهِبا
لا يأتلي منهم إمامُ سيادةٍ / من أن يبذّ النيراتِ مراتِبا
إمَّا بخطَّيّ اليراعِ إذا الفتى / في السلمِ أو في الحربِ يغدو كاتِبا
فإذا سخا ملأَ الديارَ عوارِفاً / وإذا غزا ملأَ القفارَ كتائِبا
فإذا استهلَّ بنفسه وبقومهِ / عدَّ المفاخرَ وارِثاً أو كاسِبا
أبقوا عليَّ وقوَّضوا فحسبتهم / وحسبتُه سيلاً طما وسحائِبا
ذو الفضل قد دُعيت رواةُ فخاره / في الخافقينِ دعاءَها المتناسِبا
فالبيتُ يدعى عامِراً والمجدُ يد / عى ثابِتاً والمالُ يدعى السائِبا
ما رحّبتهُ القائلون مدائِحاً / إلاَّ وقد شملَ الأكفَّ رغائِبا
نعم المجدِّدُ في الهوى أقلامهُ / أيَّام ذو الأقلامِ يدعى حاطِبا
تخِذَ المكارِمَ مذهباً لما رأى / للناسِ فيما يعشقون مذاهِبا
وحياطةَ الملكِ العقيمِ وظيفةً / ومطالعَ الشرفِ المؤيدِ راتِبا
والعدلَ حكماً كادَ أن لا يغتدِي / زيدُ النحاة به لعمرٍو ضارِبا
والفضل لو سكتَ الورى لاسْتنطقت / غرَرُ الثنا حقباً به وحقائِبا
واللفظ بين إناءةٍ وإفادةٍ / قسمَ الزمانُ فليسَ يعدَمُ طالِبا
وعرائس الأقلام واطربي بها / سودَ المحابرِ للقلوبِ سوالِبا
المنهبات عيوننَا وقلوبَنا / وجناتهنَّ الناهبات الناهِبا
سحَّارة تحكي كعوبَ الرمحِ في / رَوعٍ وتحكي في السرورِ كواعِبا
لا تسألن عن طبّها متأمِّلاً / واسأل به دونَ الملوكِ تجارِبا
يا حافظاً مُلك الهدَى كتَّابهُ / سرَّت صحائفها المليكَ الكاتِبا
يا سابقاً لمدى العلى بعزائمٍ / تسري الصَّبا من خلفهنَّ جنائِبا
يا فاتحاً لي في الورى من عطفهِ / باباً فما آسى على إغلاقِ با
يا من تملكني الخمولُ فردَّهُ / بسلاحِ أحرفهِ فولَّى هارِبا
يا معتقاً رقِّي وباعثَ كتبه / للهِ درُّكَ معتقاً ومكاتِبا
يا غارِساً منِّي نباتَ مدائحٍ / من مثلهِ يُجنى الثمار غرائِبا
إن ناسبت مدحِي معاليكَ التي / شرُفت فإنَّ لكلِّ سوقٍ جالِبا
أهدي المديحَ على الحقيقةِ كاملاً / لكمو وأهدِي للوَرى متقارِبا
لسائلِ دمعي من هواك جوابُ
لسائلِ دمعي من هواك جوابُ / فما ضرَّ أن لو كانَ منك ثواب
بعيني هلالٌ من جبينك مشرقٌ / وفي القلبِ من عذلِ العذولِ شهاب
لئن كانَ من جنسِ الخطا لك نسبةٌ / فإنَّ شفائِي في هواك صواب
وإن كانَ في تُفَّاح خدَّيك مجتنًى / ففي الرِّيقِ من تفَّاحهنَّ شراب
وإن كنت مجنوناً بعشقك هائِماً / فإنِّي بنبلِ المقلتين مصاب
تعبرُ عن وجدِي سطورُ مدامِعي / كأنَّك يا خدِّي لهنَّ كتاب
إذا كلنَ يعزَى لابن مقلةَ خطها / فما منهما للقارئينَ عجاب
على ضيِّق العينين تسفحُ مقلتي / ويطربني لا زينبٌ ورباب
فيا رشأ الأتراكِ لا سربَ عامرٍ / فؤاديَ من سكنَى السلوِّ خراب
بوجهك من ماءِ الملاحةِ موردٌ / لظامٍ وسرب العامريِّ سراب
إذا زُرتني فالروحُ والمالُ هينٌ / وكلُّ الذي فوقَ الترابِ تراب
سقى اللهُ عهدِي بالحبيب وبالصّبا / سحاباً كأنَّ الوَدقَ فيه حباب
فقدتُ الهوى لمَّا فقدتُ شبيبتي / وأوْجَعُ مفقودٍ هوًى وشباب
وكانَ يصيدُ الظبيَ فاحمُ لمَّتي / وأغربُ ما صادَ الظباءَ غراب
ولو كنتُ من أهلِ المداجاةِ في الهوَى / لكانَ بدمعِي للمشيبِ خضاب
وإنِّي لممَّن زادَ في الغيِّ سعيهُ / وطوَّلَ حتَّى آنَ منه متاب
إلهيَ في حسنِ الرَّجا ليَ مذهب / وقد آنَ للرَّاجي إليكَ ذِهاب
أغثني فإنَّ العفوَ لي منكَ جنَّةٌ / وغثني فإنَّ اللطفَ منك سحاب
وأيِّدْ أيادِي ابن الخليفة إنَّها / إذا زهدَت فينا الكِرام رغاب
أيادِي عليٍّ رحمةُ اللهِ في الورَى / فأن يبغِ باغيهِم فهنَّ عذاب
عليَّ الذرى والاسمِ والنسب الذي / يعنعن للخطابِ فيه خطاب
فيا لكَ من بيتٍ عليٍّ قد اعتلت / به فوقَ أكتاف النجومِ قباب
من القومِ في بطحاءِ مكَّة منزل / لهم وفنىً حولَ الشِّعابِ شِعاب
حمت عقدةَ الإسلامِ بدءأً وعودةً / كتيبةُ ملكٍ منهمو وكتاب
فكم مرَّةٍ باتوا لحربٍ فجدَّلوا / وعادوا إلى نادي النَّدى فأثابوا
بألسنِ نيرانٍ لهم وقواضبٍ / إذا ما دَعوا نادي النداء أنابوا
وأقلام عدلٍ في بحورِ أناملٍ / لهم بينَ أمواجِ الدروعِ عباب
مضى عمرُ الفاروقُ وهي كما ترَى / غصونٌ بأوطانِ الملوكِ رِطاب
فأحسنْ بها في راحةٍ علويةٍ / كما افترَّ عن لمعِ البروقِ سحاب
توترَ لفظاً كالجمانِ سحابهُ / على جانب الملك العقيم سِحاب
ينقِّب عن رأيٍ بها وفواضلٍ / سفيرٌ عن المعنى الخفيِّ نقاب
مهيب الشظا يخشى صرير يراعهِ / ظبا البيضِ حتَّى لا يطنّ ذباب
فيا ليتَ يحيى الآنَ يحيا فيجتنِي / محاسنَ منها خيلهُ وشباب
وكاتب سرٍّ للملوكِ محجب / وما للندى عن زائِريهِ حجاب
عطارد دُهمِي المشتري غير خاسرٍ / إذا بيع حمدٌ في الورَى وثواب
وذُو القلم الماضي الثَّنا فكأنَّما / لهُ السيفُ من فرطِ المُضاءِ قراب
موردُهُ شهدٌ إذا شيمَ برّه / وإن شيمَ حربٌ فالمواردُ صاب
تُخافُ وتُرجى يا مسطرَ كتبهِ / فكأنَّكَ روضٌ أو كأنَّكَ غاب
كذا يا ابنَ فضلِ اللهِ تدعو لملكها / ملوكٌ إذا شاموا الظنونَ أصابوا
فريدَ العلى هل أنتَ مصغٍ لناظمٍ / فريد الثنا كالتِّبرِ ليس يعاب
لأعرض عن رجوايَ عطفك مرةً / فأعرض عنِي سادةٌ وصِحاب
وأوهمني حرمانِهم ليَ حاجةً / أهبُّ لأشكو حرِّها فأهاب
وكابدت في المثنَى من العربِ مشتكِي / كما قيلَ لم تلبس عليه ثياب
وإني وإن شيبتْ حياتي وأعرَضوا / وحقكَ ما ليَ غير بابك باب
فليتكَ تحلو والحياةُ مريرةٌ / وليتكَ ترضَى والأنامُ غضاب
وحقَّكَ ما حقِّي سوى الصبح نيرٌ / ولكنَّما حظِّي عليكَ ضباب
يغني بمدحِي فيكَ حادٍ وسامرٌ / فطابت عليهِ رحلةٌ وإياب
وأنتَ الذي أنطقْتني ببدائِع / بغيظِ أناس قد ظفرتُ وخابوا
فما النظمُ إلا ما أحرِّرُ فاتنٌ / وما البيت إلاَّ ما سكنت يباب
إليك النهى قولِي لمن قال ملجمٌ / وخفَّ له في الخافقين ركاب
فدونكَ منه كلّ سيَّارةٍ لها / مقرٌّ على أفقِ السها وجناب
علا فوق عرنين الغزالةِ كعبُها / وزاحمتْ الستين وهي كعاب
ودُمْ يا مديدَ الفضل منشرح الندَى / على الخلقِ لا يفنى لديك طلاب
تهنيكَ بالأعوام مذهبة الحلى / على اليمن منها جبَّة وإهاب
لها من هلال في العدَا حدُّ خنجرٍ / وفي الرَّفدِ من نوع الزكاةِ نصاب
أبثُّ صريحَ المدح أخرُج فيهِ من
أبثُّ صريحَ المدح أخرُج فيهِ من / قشوري فيأتي المدحُ فهو لباب
تجوبُ أماديحِي بذكركَ في العلا / وأدعيةٌ تحتَ الظلامِ تجاب
سدْ يا عليُّ فلا نكراً ولا عجبا
سدْ يا عليُّ فلا نكراً ولا عجبا / واعقدْ لبيتكَ في نجمِ السما طنبا
وافخر على الناسِ نفساً بالعلى شرُفت / كما فخرت عليهم قبلَ ذاكَ أبا
أمَّا القريضُ فقد أنفقتَ كاسِدَه / حتَّى جعلتَ لهُ بين الورَى سببا
يقولهُ وندى علياكَ يمطرُهُ / كأنَّكَ البحرُ يُحبى بعضَ ما وَهبا
شكراً لها من معانٍ فيكَ طالعةً / لو أنَّ طالعها للنجمِ ما غرُبا
مستملحٌ حسنها في عين ناظرِهِ / هذا على أنَّهُ في الذوقِ قد عذُبا
وغادةٍ من بناتِ الفكرِ سافرةٍ / ولو تحجب ذاكَ النورُ ما حجبا
غريبة اللفظِ إن جالَ اليراعُ بها / على الطروسِ رأيتَ البانَ والعذبا
تذكَّرتْ عهدَ جيرانٍ لها فشدتْ / فيهم بأعبق نشرٍ من نسيمِ صبا
ورقّ معنى حديثٍ فهو حينئذٍ / دمعٌ جرى فقضى في الرُّبعِ ما وَجبا
لم أنسَ ألسنةَ الأحوالِ قائلةً / عوّذْ بياسينَ حسناً للعقولِ سبا
وامدحْ عذوبةَ ألفاظٍ مشعشعة / قد استوَى عن ذكاها الماءُ والتهبا
بعدتُ عن بابِ منشيها فوا أسفاً / وواصلتْني على بعدٍ فواطربا
من لي بقبلةِ ذاكَ البابِ تأديةً / فأَغتدي ساجدَ الأمداح مقتربا
يا كاتباً تبَّ مسعى من يناضلهُ / فراحَ يحملُ من أقلامِهِ حطبا
حلفتُ أنَّكَ أذكى من حوَى قلماً / تنشي البديعَ وأنحى من نحا أدبا
أليةٌ لو أتاها الفجرُ ما نسبت / له البريَّةُ في ذيلِ الدُّجى كذِبا
أذكى سنا البرقِ في أحشائهِ لهبا
أذكى سنا البرقِ في أحشائهِ لهبا / وجاذبتهُ يدُ الأشواقِ فانجذبا
واستخرجَ الحبَّ كنزاً من محاجرهِ / فقامَ يبكي على أحبابهِ ذهبا
صبٌّ يرى شرعةً في الحبِّ واضحةً / فما يُبالي إذا قالَ الوشاةُ صبا
نحا الهوَى فكرَهُ العاني فصيَّرهُ / بعامل القدِّ لا ينفكُّ منتصبا
مقسم الدمعِ والأهواءِ تحسبه / بينَ الصدودِ وبين النأي منتهبا
ذو وجنةٍ بمجاري الدَّمعِ قد قرحتْ / وخاطر بجناحِ الشوقِ قد وجبا
كأنَّ مهجتهُ ولَّتهُ فاتَّخذتْ / سبيلها عنه في بحرِ البكى سربا
يا ساريَ البرق في آفاق مصر لقدْ / أذكرتني من زمان النيل ما عذُبا
حدِّث عن البحرِ أو دمعي ولا حرجٌ / وانقل عن النارِ أو قلبي ولا كذِبا
واندُب على الهرمِ الغربيّ لي عمراً / فحبَّذا هرمٌ فارقته وصبا
وقبِّل الأرضَ في بابِ العلاءِ فقدْ / حكيتَ من أجلِ هذا الثغرَ والشنبا
واهْتفْ بشكوايَ في ناديهِ إنَّ بهِ / في المكرماتِ غريباً يرحمُ الغرَبا
هذا الذي إن دعا الأقرانُ فكرتهُ / قالت عزائِمهُ ليس العُلى لعبا
وفى الكتابةَ في علمٍ وفي عملٍ / هذا وعارضهُ في الخدِّ ما كُتبا
وجانست فضلَ مرباهُ فضائلهُ / فراحَ في حالتيهِ يتقن الأدبَا
ذو البيت إن حدَّثت عنه العلى خبراً / جاءتْ بإسنادِها عنه أباً فأبا
بيتٌ أفاعيلهُ في الفضلِ وازنةٌ / فما تراهُ غداةَ المدحِ مضطرِبا
لذَّتْ مناسبه في لفظِ ممتدحٍ / حتَّى حسبنا نسيباً ذلك النسبا
وطالع الفكر من أنبائه سيراً / فما رأى غيرَ أبناءٍ من النجبا
يقفو أخٌ في المعالي والعلومِ أخاً / فبطلع الكلُّ في آفاقها شهبا
من كلِّ ذي قلمٍ أمست مضارِبهُ / سيفاً لدولةِ ملكٍ يدفعُ النوبا
أما ترى بعليٍّ مصر فارحةً / فلا عليًّا فقدناه ولا حَلبا
مهدِي المقالَ لأسماع الورَى دررا / وممطر الجودِ في أيديهمو ذهبا
يصبو إذا نطقَ الصابي ويرمُقه / طرفُ ابن مقلةَ بالإجلال إن كتبا
لم أنسَ لم أنسَ من إنشائِهِ سُحباً / بآية النظم يتلو قبلها سحبا
مرتّ بلفظِ فتيِّ الرُّومِ قائلةً / ما تطلب الرُّوم ممنْ أعجزَ العربا
لو أنَّ فحلَ كليب شامَ بارقها / أمسى يلفُّ على خيشومه الذنبا
تلكَ الَّتي بلغت في الحسنِ غايتهُ / ولم تدعْ لنفيس بعدها رتبا
حتَّى اغْتدى الدُّرُّ في أسلاكه صدفاً / والمندل الرطب في أوطانِهِ حطبا
وطارحتْني وشيبي شاغلٌ أذني / أبعدَ خمسينَ مني تبتغي الأدبا
يا سيدَّ سرَّني مسراهُ في نهجٍ / لنْ يستطيعَ له ذو فكرةٍ طلبا
هذي بديهتكَ الحسناء ما تركتْ / للسحر والنحلِ لا ضرْباً ولا ضرَبا
متى أشافه هذا اللفظَ من كتبٍ / تملى فامْلأ من أوصافِهِ الكتبا
شكراً لأقلامك اللاَّتي جرت لمدىً / في الفضلِ أبقي لباغِي شأوهُ التعبا
حلَّتْ وأطربتْ المصغي وحزت بها / فضل السباق فسمَّاها الورَى قصبا
دمعي عليكَ مجانسٌ قلبي
دمعي عليكَ مجانسٌ قلبي / فانظرْ على الحالينِ للصب
يا فاضحَ الغزلان حيث رنا / وإذا انثنى يا مخجل القضب
لك منزلٌ يغضي جوانِحنا / لا بالغضا من جانب الشعب
تعفو الرسوم من الديارِ وما / تعفو رسوم هواكَ من قلبي
بأبي هلالاً شرق طلعتهُ / يجري مدامِعنا من الغرب
كسر اللواحظ ناصب فكرِي / فضنيت بين الكسرِ والنصب
وسلبت لبي والحشا وجبت / فعييت بالإيجاب والسلب
وهويته بالحسنِ منتقباً / فلي الهنا بمواضعِ النقب
وسنان ينشدُ سحرُ مقلتهِ / أجفانَ عاشقهِ ألا هُبّي
شقيَ العذولُ على محاسنهِ / ونعمتُ في تعذيبهِ العذب
فعلَ العواذِل فيه ما اكْتسبت / أيديهمو ولمهجتي كسبي
لا توجعوا بملامِكم كبدِي / فملامكم ضربٌ من الضرْب
يا عاذلين تفرَّغوا ودعوا / للعاشقين شواغِل الحبِّ
وذروا لقاءَ الموجعين فقدْ / تعدي الصحاحَ مبارك الجرب
كيف اسْتماعِي من حديثكموا / قشراً وعند معذِّبي لبي
لم أنسَ إذ وافى يعاتبني / أشهى معاتبةً لذي ذنب
ليت الذنوب أطلت شقتها / كيما يطوّل شقة العتب
في ليلِ وصلٍ لا رقيب به / إلا الحباب بأكوس الشرب
ومديرها قمرٌ منازِله / في الطرفِ دائرةٌ وفي القلب
وبصحن ذاكَ الخدِّ من قبل / نقلي ومن رشفاته شربي
دهرٌ تولى بالصّبى فرَطاً / ومضى بمن يصبو ومن يصبي
لم أقض من إمهاله وطري / وقضيت من إسراعه نحبي
ما أنصف الباكي شبيبتهُ / بمدامع كهوامع السحب
ذابَ السوادُ منَ العيونِ بها / فالدَّهرُ إثر الحمرِ والشهب
ولقدْ كوَى قلبي المشيبُ فما / تهفو العوَائدُ بي إلى الحبّ
لا طبّ بعدَ وُقوعهِ لهوىً / والكيّ آخر رتبة الطب
في مدحِ أحمد للفتى شُغُلٌ / فاخلصْ لمدح عُلاه بالوثب
ولقد أغبّ المدحُ من قِصَرَ / عنه ومن خَجَلٍ ومن رُعب
حتى دعاهُ حكمُ سيدهِ / وهوَى اللقاءَ فزارَ عن غبّ
وأقامَ في أوقاتِ خدمتهِ / فرضَ الثنا ودَعا إلى ندْب
لا تأسَ إن فَنيَ الكرامُ وإذ / وُجد ابنُ يحياها فقل حسبي
ساد ابن يحي في الصّبا بِثنىً / أسرى به شرقاً إلى غرْب
وسما على السادات كلُّ سما / بمآثرٍ ترْبو على الترْب
فَهْماً وَرَأياً قد سما وَحمى / وكذا تكونُ مآثرُ الشهب
متحجباً بضياءِ سؤدَدِه / ولُهاهُ سافرةٌ بلاَ حجب
يختالُ بينَ سيادةٍ خفِضتْ / حقًّا رؤسَ العُجم والعُربِ
ومَناسبٍ عُمرِيةٍ نصبت / درجَ المفاخرِ أحسن النصب
ومهابةٍ سكنَ الزمانُ بها / عن خائفيهِ وكانَ ذا شغب
ومكارمٍ من دونِ غايتها / خفيت وما بلغت قوَى كعب
وفضائلٍ وأبيكَ ما ترَكت / للرّوض غير موَارثِ الأَبّ
سكبَ الزمانُ بها غمائمهُ / شهداً فيا لحلاوةِ السّكب
بينَ اللطافةِ والجزالةِ قدْ / فاضَ الزلالُ بها من الهضب
بينا ترَى كالقضبِ رائعةً / حتى ترى كوشائعِ القضب
تهوي القلوبُ لدرِّ منطقها / في الطرس نحوَ ملاقِطِ الحب
وتريكَ تأثيرَ الكواكبِ في / يومِ الخطوبِ وليلةِ الخطْب
وأقامَ سهرانَ اليراعِ إذا / ما نامَ جفنُ الصارم العضَب
ومجيب داعي الملك يومَ وغى / بكتائبٍ يُنعَتنَ بالكتب
ولقد حكى كعبَ القناةِ لهُ / قلمٌ فكانَ مُباركَ الكعب
جمُّ المغازي والصِّلاتِ فيا / لحدائقٍ وضرَاغمٍ غُلْبِ
يروي حديثَ ثناهُ عن صِلةٍ / ولرُبما يرويهِ عن حَرْبِ
فعلت على بعدٍ يَراعتُهُ / فعل الظبا نشطت من القرْب
في مصر يذكر بالخصيب وفي / أفقِ الشآمِ ببارقِ الخصب
من كف وضاحِ الجبين إذا / لَحظَ الترابَ اهتزَّ بالعشب
وافى ويومُ الشآم ملتبسٌ / وعقاربُ الظلماءِ في كثب
فمحا بصبحِ العدلِ من ظلمٍ / وشفى بأيدي اللطف من كرب
ودعا السَّحابَ بيمنِ طلعتهِ / ولو استغاث دعاهُ بالسّحب
يا آلَ فضلِ اللهِ مدحكمو / إلفي القديمُ وشعبُكمْ شعبي
أنتم وقد شهرتْ مواهبكمْ / مأوَى المدائحِ لا بنو وهب
أقلامكمْ للملك حافظةٌ / ونوالكمْ في المجدِ للنهب
كم سقتمو نجحاً إلى طلبٍ / وبعثتموا نَصراً إلى طَلْب
وصحبتمو ملكاً فما خدعت / يمناهُ خدْعَ الآل بالصحب
إنْ يَنأَ عني بابُ أحمدِكمْ / فالآن وافرَحاه بالقرب
مولايَ خذها نظم ذي لسن / يومَ الثناءِ كلؤلؤٍ رَطب
حسناءَ تعرِفُ مَنْ تَسيرُ لهُ / فتجدّ في سهلٍ وفي صعب
ألوَى بثعْلبَ نقدُ معرَبها / وعَلتْ ذؤابتها على الضّبي
شبّ الحشا قولُ الكواعب شابا
شبّ الحشا قولُ الكواعب شابا / وآهاً لهنّ كواعباً وشبابا
ومضى الصبا ومن التصابي بعده / صيرتُ للدمعِ الدماءَ خضابا
هيهات أقصرُ لهوَه وتوزّعت / أوقاتُ من فقدَ الصبا وَتصابا
وغضضت جفني عن مغازلة الظبا / ولقد أجرّ لبرْدِه أهدابا
ولقد أرودُ الحي خلت رِماحه / دَوحاً وموقعَ نبلهِ أعشابا
فأدير إمّا بالمدام معَ الدُّمى / أو بالدِّماء مع الكماة شرابا
أسدٌ تآلفني الظباءُ وتختشي / من صارمي الصقر الغيور ذبابا
أيامَ في ظليْ صبا وصبابةٍ / أحبى بألطاف المها وأحابى
من كل ناشرَةِ الوفا طائيَّةٍ / قد ناسبت بنوَالها الأنسابا
غيدآء تسفرُ عن محاسنٍ دُميَةٍ / حلت بصدغي شعرها محرابا
سلبت بمقلتها فؤاداً واجباً / حتى عرفت السلب والإيجابا
إن شئتُ من كاساتها أو ثغرِها / أرشفتُ خمرا أو لثمت حبابا
أو شئت إن غابت يغيب رقيبها / فذكرتُ موصول اللقا وَربابا
ولهجت بالأغزالِ أتبع زورها / صدقاً بمدح ابن النبي منابا
وإذا الحسين سما له حسن الثنا / فلقد أطالا مظهراً وأطابا
أزكى الورى أصلا وأعلاهم يداً / فرعاً وأَكرَمهم جَنىً وجنابا
وأجلُّ أَحساباً فكيف إذا جلت / سُوَر الكتاب بمدحه أنسابا
نجم الفواطم من كرائمِ هاشمٍ / والمرضعين من الكرامِ سحابا
والخمسة الأشباح نورا قبل ما / رَقمَ السماكُ من الدجى جلبابا
ذو الفضل لا تحصى مواقع سحبه / والشخص منفرداً يضيء شهابا
ومناقب البيتِ الذي من أفقه / بدت الكواكب سنَّة وكتابا
وعجائب العلمِ التي من بحرها / ماس اليراع بطرسه إعجابا
ومحاسنُ الأقوال والشيمِ التي / قسمتْ لديهِ وسميتْ آدابا
عَلَويَّةٌ أوصافها عُلْوِيَّةٌ / قد بذّت الإيجاز والإسهابا
في كفه قلمٌ يُخافُ ويُرتجى / فيجانس الإعطاءَ والأَعطابا
عصمت منافعه العواصم تارة / شهداً يصوب بها وطوراً صابا
بسداده تجلى الخطوبُ ويجتلي / صوب الكلامِ أوانِساً أترابا
عجباً له مما تضيءُ سطوره / سبلَ الهدى وتحير الألبابا
جمدَت به سحب الحيا ولو أنه / يوم الوغى لمسَ الحديد لذَابا
إن جاد أرضاً لفظُهُ فكأنما / نبتت لسكر عقولنا أعنابا
حتى إذا جاءت صواعقُ رعبهِ / أضحى جميع نباتها عنّابا
لله درّكَ يا حِمى حَلبٍ لقدْ / أمطرت صوب ندائه وصوابا
من كلّ فاتنة الترسُّل لو بدت / لنُهاك يا عبد الرحيمِ لغابا
ونظيمةٍ دَرَتِ البداةُ أن في / حَضرِ الممالك عندها أعرابا
هشمت فخارَ العرب هاشمُ واحتوت / حتى القريض لنسلها أسلابا
قلعت بها أوتاد كلّ معاند / وتمسكت هي للسما أسبابا
ولمثلها الضَّلِّيل ضلَّ فكيف لو / يُدْعى تكلف بدأةً وجوابا
يا ابن الوصيّ وصية بمقصر / من بعد ما جهدت قُواه ولابا
في نظمه عنكم وخطّ يراعهِ / صغر فلا ألفاً أجادَ ولا با
باب البديع فُتوحكم وأنا امرؤٌ / لا طاقةً لي في البديعِ ولا با
قلبٌ ذلول وغادة صعبَه
قلبٌ ذلول وغادة صعبَه / كم لك يا دمعَ صبها صبَّه
أفدي بقلبيَ المغلوبِ لاعبةً / حالية الوجنتينِ كاللعبه
هيفاءَ لا ضمة أفوز بها / إلا إذا النوم كانَ لي نَصبه
أعضايَ في كسوةِ السقامِ بها / ولمتي في المشيب في شهبه
حاولَ لثمِي خيلانُ وَجنتِها / فقال مسكيها ولا حبه
قلتُ وقلبي في الصدغِ منتشبٌ / ألثمُ قلبي قالت فذي نَشبه
وابْتسمتْ فابْتدرت من ظمإي / قيا لها من رضابها شَرْبه
ويا لها عضبة أثرت بها / نقطة دمعٍ فأصبحت عضبه
وعاتبتْني فقلت من أنسِ / وقتك لا تجعليه عن عَتبه
فودُّنا المستقيمُ يسندُ عن / سهلٍ فلا تسنديهِ عن شعبه
قالتْ فخذْها تعذيبةً لحشىً / فقلتُ هذي تعذيبةٌ عذبه
فقلتُ مدح العلاءِ أعذبُ من / تغزُّلي واقتضيتها رتبه
ذو العلمِ والفضلِ مع شبيبته / ليسَ لهُ في سواهُما طَرْبه
والسؤدد المحض يجتليه على / عطفيهِ لحظ النابل الأنبه
والحمد والأجر من بضائعهِ / فكم له كسبة على كسبه
بينا يوفي حقوق مكرمة / في اليوم أقضى غداً إلى قربه
فباب نعماه في الإباحةِ من / سهل وباب الأضداد من ضبه
كم بسطتْ راحتاهُ من أمل / ونفستْ بالجميلِ من كربه
كم دلَّنا بشرهِ على كرمٍ / وساقنَا ذكرهُ إلى رغبه
أخلصَ في حبِّه ذَوُوا رَغب / واعتدل الرَّائغون بالرهبه
وأوضح الخير في دمشق فتى / كم قامَ في الخيرِ قومةً غضبه
قومٌ زكا في الأنامِ أصلهمو / وفرعهم والغمامُ والتربه
أنصارُ دينِ الإسلام عبية خ / ير الخلق أهل الإيواءِ والصُّحبه
أما ترَى في دمشقَ نجلهمو / قد خطبتهُ أمورُها خِطبه
ما بينَ معروفِها ومنكرِها / نهيٌ وأمرٌ يرضي بهِ ربَّه
مباركُ الكعبِ أن يسرّ بهِ ال / شآمُ فقد سرَّ قومه الكعبه
يا كافِلَ الحسبة التي شهدت / بأنَّها فوقَ قدرِها رُتبه
أحسن بها رتبةً تكفلها / من هوَ بعدَ البها بهِ أشبه
شهادة الفرضِ في سيادتِه / تمَّتْ وزادَت شهادةُ الحسبه
هَنأت علياءَها ومثلكَ من / به تهنى مطالعُ الهضبه
ومدحة أنت أنت أجدرُ من / تحدِثُ للخيرِ فيها جَذبه
جاءتكَ معمول حسبة صنعت / فيها المعاني حلاوة رطبه
يسأل ذاك الكتاب جائزةً / فإنَّني فيه من ذوي الإرْبَه
عشقته مع خَفا كتابته / فاقبل سؤالي وعدّها كتبه
وعش مبيحاً لكلِّ مطلب / علماً وجوداً جاآ على نسبه
لم يتقدَّم دهر الكرام على / دهرك يا سيِّدي سوى حجبه
قدمت قدوم الغيث والحيُّ مجذبٌ
قدمت قدوم الغيث والحيُّ مجذبٌ / وعدت كعود البدر والأفق غيهب
وسرت بك الأوطان فالغصن شامخٌ / دلالاً على الأنهار والروض معجب
وطابتْ بكَ الأرضُ الذي أنتَ حلَّها / وكلُّ مكانٍ ينبتُ العزّ طيِّب
حلفتُ بأيامِ المشاعرِ من منى / وما ضمَّ فيهنَّ الصفا والمحصب
لقد طاف بالأركانِ ركنُ سماحةٍ / يُقام بها شرعُ السماح وينصب
فلله عينٌ من ثراك تكحَّلَتْ / بمجتمع الميلين والرَّفد يدأب
ولما قضيتَ النسكَ عاودت طيبة / وسعيك مبرورٌ وقصدُك منجبُ
فأقسم ما سرّ الحطيم ومكَّةٌ / بأكثرَ ما سرّ البقيعُ ويثرب
تيممتَ منها روضةً نبوية / جنيتَ بها زهرَ الرّضا وهو مخصب
وطابت نواحي العرب من بيت حمزة / وبات الندى من كف حمزة يسكب
وعجت لأوطان الشآم فأشرقت / كأنكَ ما بينَ المنازلِ كوكب
إذا زُرتَ أرضاً زالَ محلُ ديارِها / وأخرجَ منها خائفاً يترقب
فرؤياكَ رؤيا للسماح صحيحة / وبابك بابٌ للنجاحِ مجرَّب
لئن حذِرَ العافون في الدّهر مهلكا / لقد طاب من نعماك للقومِ مطلب
فكلّ بنانٍ من نداك مفضّضٌ / وكلّ زمانٍ من صفاك مذَهّب
وكلّ غمام غير جودك مقلعٌ / وكلّ وميض غير برقكَ خلّب
وقد يتجافى الغيثُ عن متطلّب / وغيثك قيد الكفّ أو هوَ أقرب
وما سميَ الغيثُ الهتونُ سحابة / سوَى أنهُ من خجلةٍ يتسحّب
نهضت بما لا تحسنُ السحبُ حملهُ / وسدت على ما أسسَ الجدّ والأب
وسدت إلى أن سرّا سعدُ في الثرى / بسؤدَدِكَ الوضاح بل سر يعرب
لك اللهُ ما أزكى وأشرفَ همةً / وأوفقَ ما تأتي وما تتجنب
صرفت إليك القصد عن كلّ باذل / وقلت امرؤ بالفضل أدرى وأدرب
فرقيتَ نظمي فوقَ ما كانَ ينبغي / وبلغتَ ظني فوقَ ما كان يحسب
وصححت أخبارَ الندى فرويتها / عوَاليَ تروى كلّ وقتٍ وتكتب
فإن علقت كفي بنعماك عروة / فقد هانَ من عيشي بيمنك مصعب
بقيت لهذا الدّهر تحملُ صنعهُ / وتغفرُ من زَلاّته حينَ يذنب
فلولاك ما فازت مدائح شاعر / ولا أصبحت أوزانها تتسبب
ما لمنْ لامَ فيكمو من جواب
ما لمنْ لامَ فيكمو من جواب / غير دمع جفانهُ كالجوابي
يا نزولا على عقاب المصلي / ما سمعنا بجنة في عقاب
أعجز الورق أن تعارَ دُموعي / فاستعارت على الغصون انتحابي
أيها المستعيرُ دمعيَ مهلا / إن دمعي كما علمتَ سكابي
حبذا منزلي على السفحِ قدْماً / وزماني وجيرتي وشبابي
حيث لا واشياً سوى عبق الرّو / ضِ ولا ساعياً سوَى الأكواب
ذاك ربعٌ عفا على عَنت الده / رِ وعيش مضى مع الأحباب
إن توارت شمس الضحى فلعمري / ما توارت شمس العلا بالحجاب
أطلعَ اللهُ للفضائل شمساً / عوّض الناس عن ذهاب الشهاب
قالَ ديوانهُ مقالة صدق / إنّ وَكرَ العقاب لابن العقاب
أيّ فرع نما فمدّ ظلاله / سابغاً ذيلها على الطلاّب
وافر المكرماتِ منشرحُ اللف / ظِ طويلُ الثنا مديدُ الثواب
يلتقي المادحين بالخير في مذ / هبة والعفاة بالإكتساب
رافعاً بالتواضع الحجب عنه / وهوَ من نورِ غرّة في حجاب
حملت كفهُ اليراع فقلنا / حبذا البرقُ لامعاً في السحاب
يا لهُ من يراعِ فضلٍ وفيض / سالك دهره طريقَ الصوَاب
وفّرَ السمرَ عن خصام الأعادي / وكفى المرهفات طولَ الضرَاب
فهوَ كالصلّ في الدِّماغِ ولكن / كم شفانا من رشفهِ من رضاب
تارة يسفح الدماءَ على التر / ب وأخرى يدير صفوَ الشراب
كالعصا في يدِ الكليم وفيها / لحمى الملك غاية الآراب
شملتنا جدواه والوقت جدب / فاستلانت ومعطف الدّهر آبي
ما سرى في الكتاب إلا وأضحى / شغب الدّهرِ آمناً بالكتاب
يا رئيساً به لقد أُدّب الده / ر الذي قد جنى على الآداب
كيف يقضي شكري حقوق أياد / يك وأدنى نوالها قد طغا بي
كيف أحصي حسابها وهيَ تبدي / كل وقتٍ ما لم يكن في الحساب
لا عدَت بابكَ السعودُ فقد أض / حى لوفدِ الأشعار أنجح باب
سببت نظمنا لُهاهُ ولا بدَّ / لنظم القريض من أسباب
على اليمن والنعمى ليالٍ تبسمت
على اليمن والنعمى ليالٍ تبسمت / تبسمُ ثغر القطر عن لعس السحب
وأحيت لشرق الشامِ وقت مسرةٍ / يصدّ كرى الأجفان فيه عن الغرب
فلله أفراحٌ سعتْ لسرورها / ومحفلها أهل الكتائب والكتب
وطيب أغانٍ رنحتنا كأنها / تدور بجامات الدّفوف على شرب
وإيلام حسادٍ وفضل وليمة / كذلك فليولم أخو السعد والخصب
يسرّ فؤادي ما بلغت وإن يكن / سيسلو بأهل البيت عن رؤية الصحب
وحاشاك أن يسليك شيء عن العلى / وعن طالبي جدواك في البعد والقرب
ألست من القوم الذين أكفهم / وأحلامهم كالماءِ للأرض والهضب
نزلتُ على أفضالهم فكأنما / نزلت على آل المهلّب في الحدب
وقد كان لي عتبٌ على الدّهر والورى / فلما تلاقينا عتبتُ على العتب
فلا زال قطبُ الدّين واسطةً لهم / وبدرَ علىً بين الفراقد والشهب
يدورُ على علياهُ حسنُ رجائنا / ولا غروَ إن صحّ المدار على القطب
نعاهُ للفضلِ والعلياءِ والنسب
نعاهُ للفضلِ والعلياءِ والنسب / ناعيه للأرضِ والأفلاكِ والشهب
ندباً وشرعاً وجوب الحزن حين مضى / فأيّ حزن وقلب فيه لم يجب
نعم إلى الأرض ينعى والسماءِ على / فقيدكم يا سراةَ المجدِ والحسب
بالعلم والعمل المبرورِ قد ملئت / أرضٌ بكم وسماءٌ عن أبٍ فأب
مقدمٌ ذكرُ ماضيكم ووارثه / في الوقت تقديمَ بسمِ الله في الكتب
آهاً لمجتهدٍ في العلم يندُبه / من باتَ مجتهداً في الحزن والحرَب
بينا وفود الندى منهلة منناً / إذ نازلتنا الليالي فيه عن كثب
وأقبلت نوَبُ الأيامِ ثائرةً / إذ كان عوْناً على الأيامِ والنوَب
ففاجأتنا يدُ التفريقِ مسفرةً / عن سفرةٍ طال فيها شجوُ مرتقب
وجاءَنا عن إمامٍ مبتدأ خبرٍ / لكن به السمعُ منصوبٌ على النُصب
قالت دمشقُ بدمع النهرِ وأخبراً / فزعت فيه بآمالي إلى الكذِب
حتى إذا لم يدَعْ لي صدقهُ أملاً / شرقتُ بالدمع حتى كادَ يشرق بي
وكلمتنا سيوفُ الكتب قائلةً / ما السيفُ أصدقُ أنباءَ من الكتب
وقال موتُ فتى الأنصارِ مغتبطاً / الله أكبرُ كلّ الحسنِ في العرَب
لقد طوى الموتُ من ذاكَ الفرندِ حلى / كانت حلى الدّين والأحكام والرتب
وخصّ مغنى دمشق الحزنُ متصلاً / بفرقتين أباتتها على وصَب
كادت رياحُ الأسى والحزنِ تعكسها / حتى الغصون بها معكوسة العذب
والجامع الرَّحب أضحى صدرُهُ حرِجاً / والنسر ضمَّ جناحيه من الرّهب
وللمدارس همٌّ كاد يدرسها / لولا تدارك أبناءٍ له نُجب
من للهدى والندى لولا بنوه ومن / للفضل يسحب أذيالاً على السحب
من للفتوَّةِ والفتوى مجانسة / في الصيغتين وفي الآداب والأدب
منْ للتواضعِ حيث القدر في صعدٍ / على النجومِ وحيث العلم في صبب
منْ للتصانيفِ فيها زينةٌ وهدىً / ورجم باغٍ فيا لله من شهب
أمضى من النصلِ في نصرِ الهدَى فإذا / سلَّت نِصال العِدَى أوقى من اليلب
ذو همَّةٍ في العُلى والعلمِ قد بلغتْ / فوق السماك وما تنفكُّ في دَأَب
حتَّى رأى العلم شفع الشافعيّ بهِ / وقالَ مِنْ ذا وذا أدركتُ مطلبي
من للتهجُّد أو من للدُّعَا بسطت / به وبالجودِ فينا راحتا تعب
من للمدائحِ فيه قد حلَت وصفَت / كأنَّما افترَّ منها الطرسُ عن شنب
لهفي لنظَّامِ مدحٍ فكرُ أجمهعم / بالهمِّ لا بالذَّكا أمسى أبا لهب
كأنَّ أيديهمو تبت أسىً فغدت / من عيِّ أقلامِها حمَّالةَ الحطب
لهفي على الطهر في عرْضٍ وفي سمةٍ / وفي لسانٍ وفي حكمٍ وفي غضب
محجبٌ غير ممنوعِ الندَى بسنَا / عليائِه ومهيب غير محتجب
أضحى لسبكِ فخارٍ من محاسنه / على العراق فخار غير منتقب
آهاً لمرتحلٍ عنا وأنعمهُ / مثل الحقائبِ للمثنين والحقب
إيمان حبٍّ إلى الأوطانِ حرَّكهُ / حتَّى قضى نحبه يا طول منتحب
لهفي لكلِّ وقورٍ من بنيه بكى / وهو الصواب بصوب الواكِف السرب
وكلُّ باديةٍ في الحجب قلنَ لها / يا أختَ خير أخٍ يا بنتَ خير أب
إلى الحسين انتهى مسرى عليّ فلا / هنأت يا خارجيّ الهمّ بالغلب
بعدَ الإمام عليٍّ لا ولاءَ لنا / من الزَّمان ولا قربَى من النسب
يا ثاوياً والثَّنى والحمدُ ينشرهُ / بقيتَ أنتَ وأفنتْنا يدُ الكرب
نمْ في مقامِ نعيمٍ غيرِ منقطعٍ / ونحنُ في نارِ حزنٍ غير متَّئِب
من لي بمصر التي ضمَّتكَ تجمعنَا / ولو بطون الثَّرى فيها فيا طربي
ما أعجبَ الحال لي قلبٌ بمصرَ وفي / دمشقَ جسمِي ودمعُ العينِ في حلب
بالرُّغم منَّا مراثٍ بعد مدحك لا / تُسلَى ونحنُ مع الأيَّامِ في صخب
ما بينَ أكبادنا والهمّ فاصلةٌ / كلاَّ ولا لِصَنيعِ الشعرِ من سبب
أمَّا القريضُ فلولا نسلكُم كسدتْ / أسواقهُ وغدتْ مقطوعةَ الجلب
قاضي القضاةِ عزاءً عن إمام تقى / بالفضلِ أوصى وصايا المرءِ بالعَقب
فأنتَ في رتب العليا وما وسعت / بحرٌ تحدَّث عنه البحر بالعجب
ما غابَ عنَّا سرَى شخص لوالدِه / وعلمهُ والتُّقى والجود لم يغب
جادتْ ثراكَ أبا الحكَّام سحبُ حياً / تخطو بذيلٍ على مثواك منسحب
وسارَ نحوكَ منَّا كلُّ شارقةٍ / سلام كلُّ شجيّ القلب مكتئب
تحيةُ الله نهدِيها وتتْبعها / فبعدَ بُعدِكِ ما في العيشِ من أرب
وخفِّف الحزن إنَّا لاحقون بمن / مضَى فأمضَى شَبَاة الحادث الأشِب
إن لم يسرْ نحوَنا سِرنا إليهِ على / أيَّامنا والليالي الذَّهب والشهب
إنَّا من التُّربِ أشباح مخلقة / فلا عجيبٌ مآل التُّربِ للتُّرب
نظير أبٍ كنَّا فقدنا ومحبوب
نظير أبٍ كنَّا فقدنا ومحبوب / يميناً لقد جدَّدتَ لي حزنَ يعقوب
وهيَّجتَ أحزانِي على خيرِ صاحبٍ / لقيت الذي لاقاه يا خيرَ مصحوب
لئن كنت خالاً زانَ حجب أخوَّة / لقد كنت وجهاً للتُّقى غير محجوب
وإن كنت كم أقررت لي عين فارحٍ / لقد سخنت من بعدِها عين مكروب
أقلَّبُ قلباً بالأسى أيّ واجبٍ / وأندب شخصاً في الثرى أيُّ مندوب
بكيتك للحسنى وللبرِّ والتقى / وللبركاتِ الموفياتِ بمطلوبي
وللشملِ مجموعاً بيمنك وادِعاً / وللخيرِ كم سببته خير تسبيب
بكتكَ محارِيب التهجُّد في الدُّجى / بكاءَ شجٍ حاني الجوانح محروب
بكتكَ زوايا الزُّهد كانت خبيئةً / لسكانِها تدنِي لهم كلّ مرغوب
بكتكَ ذوو الحاجاتِ كنتَ إذا دَعوا / سفيراً لمضرورٍ مجيراً لمنكوب
بكتكَ دِيارٌ كنتَ أعطفَ والِداً / لمن حلَّ من شبانها ومن الشيب
وطائر يمنٍ قد أويتَ كوكرِها / إلى نسب القربى بها خيرَ منسوب
إذا ألسنُ الآثارِ عنكَ تذاكرتْ / شممنا على تِذكارِها نفحةَ الطيب
عليكَ سلامُ الله من مترحِّلٍ / ترحَّلَ ذي جودٍ من السحب مسحوب
وهنَّئتَ بالجناتِ يا تارِكي على / سعيرٍ من الأحزانِ بعدَك مشبوب
نُفارِقُ محبوباً بدمعٍ وحسرةٍ / فمن بين تصعيدٍ عليك وتصويب
وخفِّف ما نلقى من الحزنِ أننا / بمنْ غابَ عنَّا لاحقون بترتيب
وما هذهِ الأيَّامُ إلا ركائبٌ / إلى الموتِ في نهجٍ من العمرِ مركوب
إذا ظنَّ تبعيد الحمامِ وصلنه / بشدٍّ على رغم النفوس وتقريب
فكم هرِمٍ أو ناشئٍ عملت بهِ / عواملُ من مجرورِ خطبٍ ومنصوب
وكم هين الأخلاقِ أو متغلبٍ / نفاهُ بحتمٍ غالب غير مغلوب
وكم ذي كتابٍ في الورى وكتيبةٍ / غدَا داخِلاً من موته تحت مكتوب
وكم غافلٍ يلهو بساقٍ من المنى / يدِيرُ على أمثالهِ وعدَ عرقوب
وكم آملٍ في العمرِ يحسب حاصلاً / أتاه حِمامٌ عاجلٌ غير محسوب
ودُمْ يا إمامَ الوقت عمنْ فقدتهُ / وعشْ عيشَ مرجوٍّ مدى الدهر موهوب
مضى الخال حيث الوجه باقٍ لمادِحٍ / فما الدهر فيما قد أتاه بمعتوب
حجبت ولم أحسب سنا البدرِ يحجب
حجبت ولم أحسب سنا البدرِ يحجب / ولا خلتهُ في باطنِ الأرضِ يغرب
وأوْرَثتْ عيني جود كفِّكَ فانْبرت / تسحُّ بأنواءِ الغمام وتَسكُب
يذَكرْني بدرُ السماءِ سِميّه / فها أنا أرعى كلّ بدرٍ وأرقب
ومذ آثرَت فيكَ الكواكب حكمها / صددت فما يرعى بجفنيَّ كوكب
يقولون إن الشهب في كبدِ السما / لها أسدٌ يردِي الأنامَ وعقرب
دعِ الأسدَ الأفقيّ يفترِسُ الورى / وَدَعْ عقرب الأفلاكِ للخلق يسلب
عليكَ خشيتُ الخطب قبل أوانِهِ / وحاذرتُ صرفَ الدهرِ وهو مغيَّب
وما حسبتُ كفّي نوالك كثرة / ولكنْ المحذورِ الرَّدى كنتُ أحسب
لمن يستجدّ الفكر بعدَك مدحةً / يفضِّضُ في ألفاظها ويذَهب
لمن نترجَّى بعد بابك إنَّه / لِبذْلِ الندى بابٌ صحيحٌ مجرب
لمن تلتجي العافونَ بعد عوارِفٍ / عوارفَ ما تسعَى إليه وتطلب
على شرفِ الأخلاقِ بعدكَ والوفا / سلامٌ كوجه الروض والروضُ معجب
مضت صدقاتُ السرِّ بعدك وانْقضتْ / فيا أسفاً للسرِّ بالصدرِ يذهب
مضى رونقُ الآداب بعد وضوحه / وغيَّب ذاك المنظر المتأدب
ألا في سبيل الله ساكن مَلْحَدٍ / وأوصافه في الأرضِ تُملي وتكتب
فتىً كرُمت أنسابهُ وخلالهُ / فآلاؤه إرثٌ لديهِ ومكسب
سرى غير مسبوق ثناهُ وكيف لا / وعنبره في نفحة الذِّكر أشهب
فمن مبلغٍ شيبان يوم ترحلت / عُلاه بأن الأفق بالشهب أشيب
وأنَّ بني الآمال أعوز رعيهم / وضاعوا فلا أمٌّ هناكَ ولا أب
فقدناهُ فقدانَ الربيعِ فدهرنا / جمادى وزالَ المستماح المرجب
أخا أدبٍ بين المكارمِ والتقى / على شرف الدَّارَيْن يسعى ويدأب
فلوْ لمْ تجُدْنا غُرّ نعماه جادَنا / بفضل دُعاهُ وابلُ الغيثِ يسكب
مضى حيث تنأى عنه كلُّ ذميمةٍ / وأعماله بالصالحاتِ تقرّب
وأيامهُ بدريَّةٌ لا يُضيرُها / بوادِرُ ما تأتي وما تتجنب
تجاهدُ فيها النفس والعيش ممكنٌ / وزبرج هذا العيش شيءٌ محبَّب
لحى الله دنيا لا تكون مطيَّةً / إلى دَرَكِ الأخرى تزَمُّ وتركب
عجبتُ لمن يرجو الرِّضا وهو مهملٌ / وتسويفنا مع ذلك العلم أعجب
وما هذه الأيامُ إلاَّ مراحلٌ / وأجْدِرْ بها تقضي قريباً وتقضب
إن كانت الأنفاسُ للعمرِ كالخُطَا / فإنَّ المدى أدنَى منالاً وأقرب
أساكن جناتِ النعيمِ مهنأً / وتارِكنا في حسرةٍ نتلهَّب
سقى عهدكَ الصوبُ الملِثُّ فطالما / سقانَا ملثّ من نوالك صيِّب
ولا أغمدت أيدِي النوائِب غربها / فما في حياةٍ بعدَ موتكَ مرغب
على اليمنِ كانت عزمة فاضلية
على اليمنِ كانت عزمة فاضلية / حمدنا قريباً عزمها وإيابها
إذا سامَ مولانا الممالكَ حافظاً / أعزَّ نواحِيها وأعلا جنابها
هداها حماها زانها جادها اعتلى / فكان على الخمس الجهاتِ شهابها
ألا حبَّذا منه العبور لبدئِه / أطالَ على الشعرى العبور قبابها
أخو اللفظِ دريُّ البدائع رائقٌ / فصفْ خمرةً محبوبةً وحبابها
وذو المأثراتِ الغُرِّ للفضلِ تنتمِي / إذا عددت أفعالها وانتسابها
أرى آلَ فضلِ الله موردَ أنعُمٍ / إذا ما رأينا آلَ قومٍ سَرَابها
وأحمدهم لا يقطعُ الله حمدَهم / فريد المعاني ينظمون سخابها
تفرَّدَ عن أن يشبهَ البحرَ فضلهُ / وقالت أعادي فضله بل تشابها