المجموع : 99
أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي
أَزَينَ نِساءِ العالَمينَ أَجيبي / دُعاءَ مَشوقٍ بِالعِراقِ غَريبِ
كَتَبتُ كِتابي ما أُقيمُ حُروفَهُ / لِشِدَّةِ إِعوالي وَطولِ نَحيبي
أَخُطُّ وَأَمحو ما خَطَطتُ بِعَبرَةٍ / تَسُحُّ عَلى القُرطاسِ سَحَّ غُروبِ
أَيا فَوزُ لَو أَبصَرتِني ما عَرَفتِني / لِطولِ شُجوني بَعدَكُم وَشُحوبي
وَأَنتِ مِنَ الدُنيا نَصيبي فَإِن أَمُت / فَلَيتَكِ مِن حورِ الجِنانِ نَصيبي
سَأَحفَظُ ما قَد كانَ بَيني وَبَينَكُم / وَأَرعاكُمُ في مَشهَدي وَمَغيبي
وَكُنتُم تَزينونَ العِراقَ فَشانَهُ / تَرَحُّلُكُم عَنهُ وَذاكَ مُذيبي
وَكُنتُم وَكُنّا في جِوارٍ بِغِبطَةٍ / نُخالِسُ لَحظَ العَينِ كُلَ رَقيبِ
فَإِن يَكُ حالَ الناسُ بَيني وَبَينَكُم / فَإِنَّ الهَوى وَالوِدَّ غَيرُ مَشوبِ
فَلا ضَحِكَ الواشونَ يا فَوزُ بَعدَكُم / وَلا جَمَدَت عَينٌ جَرَت بِسُكوبِ
وَإِنّي لَأَستَهدي الرِياحَ سَلامَكُم / إِذا أَقبَلَت مِن نَحوِكُم بِهُبوبِ
وَأَسأَلُها حَملَ السَلامِ إِلَيكُمُ / فَإِن هِيَ يَوماً بَلَّغَت فَأَجيبي
أَرى البَينَ يَشكوهُ المُحِبونَ كُلُّهُم / فَيا رَبُّ قَرِّب دارَ كُلِّ حَبيبِ
وَأَبيَضَ سَبّاقٍ طَويلٍ نِجادُهُ / أَشَمَّ خَصيبِ الراحَتَينِ وَهوبِ
أَنافَ بِضَبعَيهِ إِلى فَرعِ هاشِمٍ / نَجيبٌ نَماهُ ماجِدٌ لِنَجيبِ
لَحاني فَلَمّا شامَ بَرقي وَأَمطَرَت / جُفوني بَكى لي موجَعاً لِكُروبي
فَقُلتُ أَعَبد اللَهُ أَسعَدتَ ذا هَوىً / يُحاوِلُ قَلباً مُبتَلاً بِنُكوبِ
سَأَسقيكَ نَدماني بِكَأسٍ مِزاجُها / أَفانينُ دَمعٍ مُسبَلٍ وَسَروبِ
أَلَم تَرَ أَنَّ الحُبَّ أَخلَقَ جِدَّتي / وَشَيَّبَ رَأسي قَبلَ حينِ مَشيبي
أَلا أَيُّها الباكونَ مِن أَلَمِ الهَوى / أَظُنُّكُمُ أُدرِكتُمُ بِذَنوبِ
تَعالَوا نُدافِع جُهدَنا عَن قُلوبِنا / فَيوشِكُ أَن نَبقى بِغَيرِ قُلوبِ
كَأَن لَم تَكُن فَوزٌ لِأَهلِكَ جارَةً / بِأَكنافِ شَطٍّ أَو تَكُن بِنَسيبِ
أَقولُ وَداري بِالعِراقِ وَدارُها / حِجازيَّةٌ في حَرَّةٍ وَسُهوبِ
وَكُلُّ قَريبِ الدارِ لا بُدَ مَرَّةً / سَيُصبِحُ يَوماً وَهوَ غَيرُ قَريبِ
سَقى مَنزِلاً بَينَ العَقيقِ وَواقِمٍ / إِلى كُلِّ أُطمٍ بِالحِجازِ وَلوبِ
أَجَشُّ هَزيمُ الرَعدِ دانٍ رَبابُهُ / يَجودُ بِسُقيا شَمأَلٍ وَجَنوبِ
أَزوّارَ بَيت اللَهَ مُرّوا بِيَثرِبٍ / لِحاجَةِ مَتبولِ الفُؤادِ كَئيبِ
إِذا ما أَتَيتُم يَثرِباً فَاِبدَؤوا بِها / بِلَطمِ خُدودٍ أَو بِشَقِّ جُيوبِ
وَقولوا لَهُم يا أَهلَ يَثرِبَ أَسعِدوا / عَلى جَلَبٍ لِلحادِثاتِ جَليبِ
فَإِنّا تَرَكنا بِالعِراقِ أَخا هَوىً / تَنَشَّبَ رَهناً في حِبالِ شَعوبِ
بِهِ سَقَمٌ أَعيا المُداوينَ عِلمُهُ / سِوى ظَنَّهُم مِن مُخطِئٍ وَمُصيبِ
إِذا ما عَصَرنا الماءَ فيهِ مَجَّهُ / وَإِن نَحنُ نادَينا فَغَيرُ مُجيبِ
تَأَنَّوا فَبَكّوني صُراحاً بِنِسبَتي / لِيَعلَمَ ما تَعنونَ كُلُّ غَريبِ
فَإِنَّكُمُ إِن تَفعَلوا ذاكَ تَأتِكُم / أَمينَةُ خَودٍ كَالمَهاةِ لَعوبِ
عَزيزٌ عَلَيها ما وَعَت غَيرَ أَنَّها / نَأَت وَبَناتُ الدَهرِ ذاتُ خُطوبِ
فَقولوا لَها قولي لِفَوزٍ تَعَطَّفي / عَلى جَسَدٍ لا رَوحَ فيهِ سَليبِ
خُذوا لِيَ مِنها جُرعَةً في زُجاجَةٍ / أَلا إِنَّها لَو تَعلَمونَ طَبيبي
وَسيروا فَإِن أَدرَكتُمُ بي حُشاشَةً / لَها في نَواحي الصدرِ وَجسُ دَبيبِ
فَرُشّوا عَلى وَجهي أُفِق مِن بَليَّتي / يُثيبُكُمُ ذو العَرشِ خَيرُ مُثيبِ
فَإِن قالَ أَهلي ما الَّذي جِئتُمُ بِهِ / وَقَد يُحسِنُ التَعليلَ كُلُّ أَريبِ
فَقولوا لَهُم جِئناهُ مِن ماءِ زَمزَمٍ / لِنَشفيهِ مِن داءٍ بِهِ بِذَنوبِ
وَإِن أَنتُمُ جِئتُم وَقَد حيلَ بَينَكُم / وَبَيني بِيَومٍ لِلمَنونِ عَصيبِ
وَصِرتُ مِنَ الدُنيا إِلى قَعرِ حُفرَةٍ / حَليفَ صَفيحٍ مُطبَقٍ وَكَثيبِ
فَرُشّوا عَلى قَبري مِنَ الماءِ وَاِندُبوا / قَتيلَ كَعابٍ لا قَتيلَ حُروبِ
كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا
كَتَمتُ الهَوى وَهَجَرتُ الحَبيبا / وَأَضمَرتُ في القَلبِ شَوقاً عَجيبا
وَلَم يَكُ هَجريهِ عَن بِغضَةٍ / وَلَكِن خَشيتُ عَلَيهِ العُيوبا
سَأَرعى وَأَكتُمُ أَسرارَهُ / وَأَحفَظُ ما عِشتُ مِنهُ المَغيبا
فَكَم باسِطينَ إِلى وَصلِنا / أَكُفَّهُمُ لَم يَنالوا نَصيبا
فَيا مَن رَضيتُ بِما قَد لَقي / تُ مِن حُبِّهِ مُخطِئاً أَو مُصيبا
وَيا مَن دَعاني إِلَيهِ الهَوى / فَلَبَّيتُ لَمّا دَعاني مُجيبا
وَيا مَن تَعَلَّقتُهُ ناشِئاً / فَشِبتُ وَما آنَ لي أَن أَشيبا
لَعَمري لَقَد كَذَبَ الزاعِمو / نَ أَنَّ القُلوبَ تُجازي القُلوبا
وَلَو كانَ حَقّاً كَما يَزعُمونَ / لَما كانَ يَجفو حَبيبٌ حَبيبا
وَكَيفَ يَكونُ كَما أَشتَهي / حَبيبٌ يَرى حَسَناتي ذُنوبا
وَلَم أَرَ مِثلَكِ في العالَمي / نَ نِصفاً كَثيباً وَنِصفاً قَضيبا
وَأَنَّكِ لَو تَطِئينَ التُرابَ / لَزِدتِ التُرابَ عَلى الطيبِ طيبا
أَيا مُظهِرَ الهِجرانِ وَالمُضمِرَ الحُبّا
أَيا مُظهِرَ الهِجرانِ وَالمُضمِرَ الحُبّا / سَتَزدادُ حُبّاً إِن أَتَيتَهُمُ غِبّا
لَنا جارَةٌ بِالمِصرِ تُضحي كَأَنَّها / مُجاوِرَةٌ أَكنافَ جَيحانَ وَالدَربا
تَراها عُيونٌ شانِئاتٌ وَتُتَّقى / عَلَيها عُيونٌ لَيسَ تُكذِبُها الحُبّا
وَقَد وَثِقَت بِالصِدقِ مِنكَ فَأَصبَحَت / تَزيدُكَ بُعداً كُلَّما زِدتَها قُربا
فَلَو أَنَّ ما أَبكي لِبَلوى وَراءَها / سُكونٌ لِقَلبي لَم أُفِض عِبرَتي سَكبا
وَلَكِنَّما أَبكي لِجُهدٍ مُبَرِّحٍ / مَداهُ إِذا قَصَّرتُ أَن أَسكُنَ التُربا
تَبَرّأَتِ مِمّا بي وَأَنتِ حَبيبَةٌ / وَعوفيتِ مِمّا شَفَّني فَاِحمِدي الرَبّا
وَلَو ذُقتِ ما أَلقى وَخامَرَكِ الأَذى / لَسَرَّكِ أَن أَهدا وَأَن لا أَرى كَربا
تَحَصَّنتِ بِالهِجرانِ حِصناً مِنَ الهَوى / أَلا كانَ ذا مِن قَبلِ أَن تُمرِضي القَلبا
أَذاقَتكَ طَعمَ الحُبِّ ثُمَّ تَنَكَّرَت / عَلَيكَ بِوَجهٍ لَم يَكُن يَعرِفُ القَطبا
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ
أَلَم تَعلَمي يا فَوزُ أَنّي مُعَذَّبُ / بِحُبِّكُمُ وَالحَينُ لِلمَرءِ يُجلَبُ
وَقَد كُنتُ أَبكيكُم بيَثرِبَ مَرَّةً / وَكانَت مُنى نَفسي مِنَ الأَرضِ يَثرِبُ
أُؤَمِّلُكُم حَتّى إِذا ما رَجَعتُمُ / أَتاني صُدودٌ مِنكُمُ وَتَجَنُّبُ
فَإِن ساءَكُم ما بي مِنَ الضُرِّ فَاِرحَموا / وَإِن سَرَّكُم هَذا العَذابُ فَعَذِّبوا
فَأَصبَحتُ مِمّا كانَ بَيني وَبَينَكُمُ / أُحَدِّثُ عَنكُم مَن لَقيتُ فَيَعجَبُ
وَقَد قالَ لي ناسٌ تَحمَّل دَلالَها / فَكُلُّ صَديقٍ سَوفَ يَرضى وَيَغضَبُ
وَإِنّي لَأَقلى بَذلَ غَيرِكِ فَاِعلَمي / وَبُخلُكِ في صَدري أَلَذُّ وَأَطيَبُ
وَإِنّي أَرى مِن أَهلِ بَيتِكِ نُسوَةً / شَبَبنَ لَنا في الصَدرِ ناراً تَلَهَّبُ
عَرَفنَ الهَوى مِنّا فَأَصبَحنَ حُسَّداً / يُخَبِّرنَ عَنّا مَن يَجيءُ وَيَذهَبُ
وَإِنّي اِبتَلاني اللَهُ مِنكُم بِخادِمةٍ / تُبَلِّغُكُم عَنّي الحَديثَ وَتَكذِبُ
وَلَو أَصبَحَت تَسعى لِتوصِلَ بَينَنا / سَعِدتُ وَأَدرَكتُ الَّذي كُنتُ أَطلُبُ
وَقَد ظَهَرَت أَشياءُ مِنكُم كَثيرَةٌ / وَما كُنتُ مِنكُم مِثلَها أَتَرَقَّبُ
عَرَفتُ بِما جَرَّبتُ أَشياءَ جَمَّةً / وَلا يَعرِفُ الأَشياءَ إِلا المُجَرِّبُ
وَلي يَومَ شَيَّعتُ الجِنازَةَ قِصَّةٌ / غَداةَ بَدا البَدرُ الَّذي كانَ يُحجَبُ
أَشَرتُ إِلَيها بِالبَنانِ فَأَعرَضَت / تَبَسَّمُ طَوراً ثُمَّ تَزوي فَتَقطِبُ
غَداةَ رَأَيتُ الهاشِميَّةَ غُدوَةً / تَهادى حَوالَيها مِنَ العينِ رَبرَبُ
فَلَم أَرَ يَوماً كانَ أَحسَنَ مَنظَراً / وَنَحنُ وُقوفٌ وَهيَ تَنأى وَنَندُبُ
فَلَو عَلِمَت فَوزٌ بِما كانَ بَينَنا / لَقَد كانَ مِنها بَعضُ ما كُنتُ أَرهَبُ
أَلا جَعَل اللَهُ الفِدا كُلَّ حُرَّةٍ / لِفَوزِ المُنى إِنّي بِها لَمُعَذَّبُ
فَما دونَها في الناسِ لِلقَلبِ مَطلَبٌ / وَلا خَلفَها في الناسِ لِلقَلبِ مَذهَبُ
وَإِن تَكُ فَوزٌ باعَدَتنا وَأَعرَضَت / وَأَصبَحَ باقي حَبلِها يَتَقَضَّبُ
وَحالَت عَنِ العَهدِ الَّذي كانَ بَينَنا / وَصارَت إِلى غَيرِ الَّذي كُنتُ أَحسَبُ
وَهانَ عَلَيها ما أُلاقي فَرُبَّما / يَكونُ التَلاقي وَالقُلوبُ تَقَلَّبُ
وَلَكِنَني وَالخالِقِ البارئِ الَّذي / يُزارُ لَهُ البَيتُ العَتيقُ المُحَجَّبُ
لَأَستَمسِكَن بِالوُدِّ ما ذرَّ شارِقٌ / وَما ناحَ قُمريٌ وَما لاحَ كَوكَبُ
وَأَبكي عَلى فَوزٍ بِعَينٍ سَخينَةٍ / وَإِن زَهِدَت فينا نَقولُ سَتَرغَبُ
وَلَو أَنَّ لي مِن مَطلَعِ الشَمسِ بُكرةً / إِلى حَيثُ تَهوي بالعَشِيِّ فَتَغرُبُ
أُحيطُ بِهِ مُلكاً لِما كانَ عِدلَها / لَعَمرُكِ إِنّي بِالفَتاةِ لَمُعجَبُ
أَلا أَسعِديني بِالدُّموعِ السَواكِبِ
أَلا أَسعِديني بِالدُّموعِ السَواكِبِ / عَلى الوَجدِ مِن صَرمِ الحَبيبِ المُغاضِبِ
فَسُحّي دُموعاً هامِلاتٍ كَأَنَّها / لَها آمِرٌ بِالفَيضِ مِن تَحتِ حاجِبِ
أَلا وَاستَزيديها هَوىً وَتلَطُّفاً / وَقولي لَها في السِرِّ يا أُمَّ طالِبِ
لِماذا أَرَدتِ الصِرمَ مِنّي وَلَم أَكُن / لِعَهدِكُمُ بِيَ بالمَذوقِ المُوارِبِ
وَإِن كانَ هَذا الصِرمُ مِنكِ تَدَلُلاً / فأَهلاً وَسَهلاً بِالدَلالِ المُخالِبِ
وَإِن كُنتِ قَد بُلِّغتِ يا فَوزُ باطِلاً / تُقوِّلَ عَنّي فَاِسمَعي ثُمَ عاتِبي
وَلا تَعجَلي بِالصِرمِ حَتّى تَبَيَّني / أَقَولَ مُحِقٍّ كانَ أَم قَولِ كاذِبِ
كَأَنَّ جَميعَ الأَرضَ حَتّى أَراكُمُ / تَصَوَّرُ في عَيني سودَ العَقارِبِ
وَلَو زُرتُكُم في اليَومِ سَبعينَ مَرَّةً / لَكُنتُ كَذي فَرخٍ عَنِ الفَرخِ غَائِبِ
أَراني أَبيتُ اللَيلَ صاحِبَ عَبرَةٍ / مَشوقاً أُراعي مُنجِداتِ الكَواكِبِ
أُراقِبُ طولَ اللَيلِ حَتّى إِذا اِنقَضى / رَقَبتُ طُلوعَ الشَمسِ حَتّى المَغارِبِ
إِذا ما مَضى هَذانِ عَنّي بِلَذَّتي / فَما أَنا في الدُنيا لِعَيشٍ بِصاحِبِ
فَيا شُؤمَ جَدّي كَيفَ أَبكي تَلَهُّفاً / عَلى ما مَضى مِن وَصلِ بَيضاءَ كاعِبِ
رَأَت رَغبَةً مِنّي فَأَبدَت زَهادَةً / أَلا رُبَّ مَحرومٍ مِنَ الناسِ راغِبِ
أُريدُ لِأَدعو غَيرَها فَيَجُرَّني / لِساني إِلَيها بِاِسمِها كَالمُغالِبِ
يَظَلُّ لِساني يَشتَكي الشَوقَ وَالهَوى / وَقَلبي كَذي حَبسٍ لِقَتلٍ مُراقِبِ
كَأَنَّ بِقَلبي كُلَمّا هاجَ شَوقُهُ / حَراراتِ أَقباسٍ تَلوحُ لِراهِبِ
وَلَو كانَ قَلبي يَستَطيعُ تَكَلُّماً / لَحَدَّثَكُم عَنّي بِكُلِّ العَجائِبِ
كَتَبتُ فَأَكثَرتُ الكِتابَ إِلَيكُمُ / عَلى رَغبَةٍ حَتّى لَقَد مَلَّ كاتِبي
أَما تَتَّقين اللَهُ في قَتلِ عاشِقٍ / صَريعٍ نَحيلِ الجِسمِ كالخَيطِ ذائِبِ
فَأُقسِمُ لَو آبصَرتِني مُتَضَرِّعاً / أُقَلِّبُ طَرفي ناظِراً كُلَّ جانِبِ
وَحَولي مِنَ العوّادِ باكٍ وَمُشفِقٍ / أُباعِدُ أَهلي كُلَّهُم وَأَقارِبي
لَأَبكاكِ مِنّي ما تَرينَ تَوَجُّعاً / كَأَنَّكِ بي يا فَوزُ قَد قامَ نادِبي
لَقَد قالَ داعي الحُبِّ هَل مِن مُجاوِبٍ / فَأَقبَلتُ أَسعى قَبلَ كُلِّ مُجاوِبِ
فَما إِن لَهُ إِلا إِلَيَّ مَذاهِبٌ / تَكونُ وَلا إِلا إِلَيهِ مَذاهِبي
أَلا تَفتَحُ لي فَوزٌ
أَلا تَفتَحُ لي فَوزٌ / مِنَ الرَحمَةِ أَبوابا
فَقَد أَلهَبَتِ النيرا / نَ في الأَحشاءِ إِلهابا
وَفَوزٌ مَلَكَت قَلبي / فَما تَألوهُ إِتعابا
فَيا مَن سامَني التَعذي / بَ إِلحاحاً وَإِكتابا
وَيا أَطيَبَ خَلقِ اللَ / هِ في الأَسحارِ أَنيابا
أَما تَرضَينَ يا حِبَّ / ةُ عَن ذي الذَنبِ إِن تابا
كَرِهتُ الصُبحَ أَرجو را / حَةَ اللَيلِ إِذا آبا
كَمَن فَرَّ مِنَ القَطرِ / فَصارَ القَطرُ ميزابا
وَكانَ اللَيلُ لِلشَّوقِ / عَلى المَشغوفِ جِلبابا
فَخالَفتُ كَما خالَ / فَ شَيخٌ كانَ كَلّابا
فَلَو هَيّا لَهُ اللَهُ / مِنَ التَوفيقِ أَسبابا
لَسَمّى نَفسَهُ عَمراً / وَسَمّى الكَلبَ وَثّابا
وَفَوزٌ زَرَعَت في القَل / بِ أَحزاناً وَأَوصابا
وَلا وَاللَهِ ما أَصبَح / تُ في ذَلِكَ مُرتابا
فَمَن عابَ هَوى فَوزٍ / وَعَبّاسٍ فَقَد خابا
وَإِنّي أُبغِضُ الإِنسا / نَ أَن أَلقاهُ كَذّابا
أَيا قَلبَينِ قَد خُلِقا / كَنابِتَتَينِ جُنّابا
يَدومانِ عَلى عَهدٍ / إِذا حَلّا وَإِن غابا
فَلَو يَعلَمُ ما في الحُ / بِّ مَن عابَ لَما عابا
جُوَيرِيَّةٌ كَلينِ المُخ / خِ إِن حَرَّكَتَهُ ذابا
وَلَو تَتفُلُ في البَحرِ / لَأُلفي البَحرُ قَد طابا
وَلَو أَبصَرَها طِفلٌ / صَغيرُ السِّنِّ ما شابا
وَكانَت جارَةً لِلحو / رِ في الفِردَوسِ أَحقابا
فَأَمسَت وَهيَ في الدُنيا / وَما تَألَفُ أَترابا
لَها لُعَبٌ مُصَفَّفَةٌ / تُلَقِّبُهُنَ أَلقابا
تُنادي كُلَّما ريعَت / مِنَ الغِرَّةِ يا بابا
ما أَنكَأَ البَينَ لِقَرحِ القُلوب
ما أَنكَأَ البَينَ لِقَرحِ القُلوب / شَيَّبَ رأَسي قَبلَ حينِ المَشيب
أَنحَلَ جِسمي وَبَرى أَعظُمي / لَذعُ حَراراتِ فِراقِ الحَبيب
لَم يَذُقِ البُؤسَ وَلا طَعمَهُ / مَن لَيسَ مِن جُهدِ الهَوى ذا نَصيب
أَشكو إِلى اللَهُ هَوى شادِنٍ / يَمُرُّ بي يَهتَزُّ مِثلَ القَضيب
مُنَعَّمٍ كالبَدرِ في طَرفِهِ / سِحرٌ بِهِ يَجني ثِمارَ القُلوب
أَورَثَ قَلبي مِن جَوى حُبِّهِ / داءً عَياءً ما لَهُ مِن طَبيب
أَصبَحتُ في هَمٍ وَفي كَربِ
أَصبَحتُ في هَمٍ وَفي كَربِ / مُتَيَّماً مُستَلَبِ القَلبِ
أَورَثَني الحُبُّ جَوىً داخِلاً / أَستَنصِر اللَهُ عَلى الحُبِّ
سَلَّطَتِ الحُزنَ بِإِعراضِها / ظَلومُ فَاِستَولَت عَلى لُبّي
أَلا لَيتَ ذاتَ الخالِ تَلقى مِنَ الهَوى
أَلا لَيتَ ذاتَ الخالِ تَلقى مِنَ الهَوى / عَشيرَ الَّذي أَلقى فَيَلتَئِمَ الشَعبُ
إِذا رَضيَت لَم يَهنِني ذَلِكَ الرِضا / لِعِلمي بِهِ أَن سَوفَ يَتبَعُهُ العَتَبُ
وَأَبكي إِذا ما أَذنَبَت خَوفَ صَدِها / وَأَسأَلُها مَرضاتَها وَلَها الذَنبُ
وَلَو أَنَّ لي تِسعينَ قَلباً تَشاغَلَت / جَميعاً فَلَم يَفرُغ إِلى غَيرِها قَلبُ
وَلَم أَرَ مَن لا يَعرِفُ الحُبَّ غَيرَها / وَلَم أَرَ مِثلي حَشوُ أَثوابِهِ الحُبُّ
أَما لِكِتابي مِن جَوابٍ يَسُرُّني / وَلا لِرَسولي مِنكِ لينٌ وَلا قُربُ
وِصالُكُمُ صَرمٌ وَحُبُّكُمُ قِلىً / وَعَطفُكُمُ صَدٌ وَسِلمُكُمُ حَربُ
وَأَنتُم بِحَمد اللَهُ فيكُم فَظاظَةٌ / فَكُلُّ ذَلولٍ في جَوانِبِكُم صَعبُ
إِذا زُرتُكُم قُلتُم نَزوعٌ وَإِن أَدَع / زيارَتَكُم يَوماً يَكُن مِنكُم عَتبُ
فَهَجري لَكُم عَتبٌ وَوَصلي لَكُم أَذىً / فَلا هَجرُكُم هَجرٌ وَلا حُبُّكُم حُبُّ
تَرى الرِجلَ تَسعى بي إِلى مَن أُحِبُّهُ / وَما الرِجلُ إِلا حَيثُ يَسعى بِها القَلبُ
أَظَلومُ حانَ إِلى القُبورِ ذَهابي
أَظَلومُ حانَ إِلى القُبورِ ذَهابي / وَبَليتُ قَبلَ المَوتِ في أَثوابي
فَعَلَيكِ يا سَكَني السَلامُ فَإِنَّني / عَمّا قَليلٍ فاعلَمِنَّ حِسابي
جَرَّعتِني غُصَصَ المَنِيَّةِ بِالهَوى / أَفَما بِعَيشِكِ تَرحَمينَ شَبابي
سُبحانَ مَن لَو شاءَ سَوّى بَينَنا / وَأَدالَ مِنكِ لَقَد أَطَلتِ عَذابي
إِذا هُجِرَ المُحِبُّ بَكى وَأَبدى
إِذا هُجِرَ المُحِبُّ بَكى وَأَبدى / عِتاباً كَي يَراحَ مِنَ العِتابِ
وَإِن رامَ اِجتِناباً لَم يُطِقهُ / وَلا يَقوى المُحِبُّ عَلى اِجتِنابِ
أَلَستَ تَرى الرَسولَ كَما تَراهُ / يُبَلِّغُها وَيَأتي بِالجَوابِ
وَيَذهَبُ بِالكِتابِ بِما أُلاقي / فَتَلثِمُهُ فَطوبى لِلكِتابِ
إِنَّما الذَنبُ لَكَفٍّ
إِنَّما الذَنبُ لَكَفٍّ / كَتَبَت ذاكَ الكِتابا
فَخُذي بِالذَنبِ عَيني / وَاِدرَأي عَنّي العِتابا
وَفَّق اللَهُ مَليكاً / لي يَرى قَتلي صَوابا
إِنَّ لِلحُبِّ لَحالَي / نِ نَعيماً وَعَذابا
قَد تَخَوَّفتُ أَن أَموتَ مِنَ الشَو
قَد تَخَوَّفتُ أَن أَموتَ مِنَ الشَو / قِ وَلَم يَدرِ مَن هَوَيتُ بِما بي
يا كِتابي اِقرَإِ السَلامَ عَلى مَن / لا أُسَمّي وَقُل لَهُ يا كِتابي
إِنَّ كَفاً إِلَيكُمُ كَتَبَتني / لِشَقيٌ فُؤَدُها في عَذابِ
فَإِذا ما قَرَأتُموني فَحِنّوا / وَارحَموا كاتِبي وَرُدّوا جَوابي
وِصالُكِ مُظلِمٌ فيهِ التِباسٌ
وِصالُكِ مُظلِمٌ فيهِ التِباسٌ / وَعِندَكِ لَو أَرَدتِ لَهُ شِهابُ
وَقَد حُمِّلتُ مِن حُبَّيكِ ما لَو / تَقَسَّمَ بَينَ أَهلِ الأَرضِ شابوا
أَفيقي مِن عِتابِكِ في أُناسٍ / شَهِدتِ الحَظَّ مِن قَلبي وَغابوا
يَظُنُّ الناسُ بي وَبِهِم وَأَنتُم / لَكُم صَفوُ المَوَدَّةِ وَاللُبابُ
وَكُنتُ إِذا كَتَبتُ إِلَيكِ أَشكو / ظَلَمتِ وَقُلتِ لَيسَ لَهُ جَوابُ
فَعِشتُ أَقوتُ نَفسي بِالأَماني / أَقولُ لِكُلِّ جامِحَةٍ إِيابُ
وَصِرتُ إِذا اِنتَهى مِنّي كِتابٌ / إِلَيكِ لِتَعطِفي نُبِذَ الكِتابُ
وَهَيَّأتِ القَطيعَةَ لي فَأَمسى / جَوابَ تَحيَتي مِنكِ السِبابُ
وَإِنَّ الوُدَّ لَيسَ يَكادُ يَبقى / إِذا كَثُرَ التَجَنّي وَالعِتابُ
خَفَضتُ لِمَن يَلوذُ بِكُم جَناحي / وَتَلقَوني كَأَنَكُمُ غِضابُ
إِلَيكَ أَشكو رَبِّ ما حَلَّ بي
إِلَيكَ أَشكو رَبِّ ما حَلَّ بي / مِن ظُلمِ هَذا الظالِمِ المُذنِبِ
صَبٌّ بِعِصياني وَلَو قالَ لي / لا تَشرَبِ البارِدَ لَم أَشرَبِ
إِن سيلَ لَم يَبذُل وَإِن قالَ لَم / يَفعَل وَإِن عوتِبَ لَم يُعتِبِ
ظَلومُ يا ظالِمَتي إِنَّما / قُلتُ لَكِ الحَقَّ فَلا تَغضَبي
أَلا تَعجَبونَ كَما أَعجَبُ
أَلا تَعجَبونَ كَما أَعجَبُ / حَبيبٌ يُسيءُ وَلا يُعتِبُ
وَأَبغي رِضاهُ عَلى جَورِهِ / فَيَأبى عَلَيَّ وَيَستَصعِبُ
فَيا لَيتَ حَظّي إِذا ما أَسَأ / تَ أَنَّكَ تَرضى وَلا تَغضَبُ
أَلا اَعتِب فَدَيتُكَ يا مُذنِبُ / فَقَد جِئتُ أَبكي وَأَستَعتِبُ
وَإِلا تَحَمَّلتُ عَنكَ الذُّنو / بَ وَأَقرَرتُ أَنّي أَنا المُذنِبُ
أَذَلفاءُ إِن كانَ يُرضيكُم / عَذابي فَدونَكُمُ عَذِّبوا
أَلا رُبَّ طالِبَةٍ وَصلَنا / أَبَينا عَلَيها الَّذي تَطلُبُ
أَرَدنا رِضاكِ بِإِسخاطِها / وَبُخلُكِ مِن بَذلِها أَطيَبُ
ذَري عَنكِ يا ذَلفاءُ طولَ عِتابي
ذَري عَنكِ يا ذَلفاءُ طولَ عِتابي / وَلا تَترُكي داعيكِ غَيرَ مُجابِ
أَحينَ صَفا مِنّي لَكِ الوِدُّ وَالهَوى / يَكونُ ثَوابي مِنكِ شَرَّ عِقابِ
سَعى بي إِلَيكِ الحُبُّ عَزماً عَلى دَمي / فَلِلَّهِ دَرُّ الحُبِّ أَينَ سَعى بي
أُطيلُ وُقوفي مُستَهاماً بِبابِكُم / وَمِن دونِكُم ضيقٌ وَمَنعُ حِجابِ
أَتَيتُكُمُ حَتّى لَقَد صِرتُ شُهرَةً / بِطولِ مَجيئي نَحوَكُم وَذَهابي
فَما لي وَما لِلحُبِّ أَمسى يَقودُني / إِلى المَوتِ حَتّى قَد أَحالَ شَبابي
فَطوبى لِمَن يُغفي مِنَ اللَيلِ غَفوَةً / وَطوبى لِمَن يَهنيهِ سَوغُ شَرابِ
فَإِن كانَ عَيشي كُلَّهُ مِثلَ ما أَرى / لَقَد طالَ فيكُم يا ظَلومُ عَذابي
فَيا لَيَتَ لي يَوماً مِنَ الحُبِّ راحَةً / تُريحُ فُؤادي مِن هَوىً وَطِلابِ
وَقَد كُنتُ مِن هَذا بَعيداً فَساقَني / لَهُ الحَينُ سَوقاً مُؤذِناً بِذَهابي
أَلا كُلُّ شَيءٍ كانَ أَوهُوَكائِنٌ / يَكونُ بِعِلمٍ سابِقٍ وَكِتابِ
يا لُعبَ لَو كُنتِ تَفهَمينَ لَحَدَّ
يا لُعبَ لَو كُنتِ تَفهَمينَ لَحَدَّ / ثتُكِ ما كانَ هَيَّجَ الغَضبا
إِنَّ الَّتي أَرسَلَتكِ شافِعَةً / تُسيءُ ظَنّاً وَتَقبَلُ الكَذِبا
تَقبَلُ مِن مَعشَرٍ يَسُرُّهُمُ / لَو أَنَّ حَبلي مِن حَبلِها اِنقَضَبا
مَن سَرَّهُ أَن يَرى قَطيعَتَنا / أَطعَمَه اللَهُ لَحمَهُ كَلَبا
واهاً لِهَذا الرَسولِ لَو بَلَّغَ ال / تَسليمَ أَو كانَ يَحمِلُ الكُتُبا
بِتُّ ضَجيعاً لَها فَوا عَجَبا / مَن كانَ قَبلي يُضاجِعُ اللُعَبا
يا لَكِ مِن لُعبَةٍ مُشَنَّفَةٍ / قَد سُمّيَت بِاِسمِ حِبَّتي لُعَبا
قولي لِفَوزٍ إِن كُنتِ ناطِقَةً / يا فَوزُ حَقٌّ عَلَيكِ قَد وَجَبا
مَن لَم يَكُن عِندَنا وَلَم يَرَنا / يا فَوزُ حَقاً فَما رَأى العَجَبا
تَنامينَ لا تَدرينَ ما لَيلُ ذي هَوىً
تَنامينَ لا تَدرينَ ما لَيلُ ذي هَوىً / وَما يَفعَلُ التَسهيدُ بِالهائِمِ الصَبِّ
سَلي عَن مَبيتي مَن رَأى ذَلِكَ البَلا / فَباتَ مَبيتي في عَذابٍ وَفي كَربِ
أَدَرتُ الهَوى حَتّى إِذا كانَ كالرَحى / جَعَلتُ لَهُ قَلبي بِمَنزِلَةِ القُطبِ
وَجاهِلَةٍ بِالحُبِّ لَم تَدرِ طَعمَهُ / وَقَد تَرَكَتني أَعلَمَ الناسِ بِالحُبِّ
أَقامَت عَلى قَلبي رَقيباً وَناظِري / فَلَيسَ يُؤَدّي عَن سِواها إِلى قَلبي
وَقَد كُنتُ أَشكو عَتبَها وَعِتابَها / فَقَد فَجَعَتني بِالعِتابِ وَبِالعَتبِ
وَأَظمَأُ مَمنوعَ الوُرودِ إِلَيكُمُ / كَما يَظمَأُ الصادي إِلى البارِدِ العَذبِ
وَقائِلَةٍ بِالجَهلِ يا لَيتَ أَنَّها / تُلاقي الَّذي تَلقى مِنَ الجُهدِ وَالكَربِ
فَقُلتُ لَها ما أَشتَهي أَن يُصيبَها / بَلائي وَلَكِن بَعضُ ما بي مِنَ الحُبِّ
لَعَمري إِن كانَ المُقَرِّبُ مِنكُمُ / هَوىً صادِقاً إِنّي لَمُستَوجِبُ القُربِ
سَأَرعى وَما اِستَوجَبتِ مِنّي رِعايَةً / وَأُنزِلُ بي ذَنباً وَلَستُ بِذي ذَنبِ
ما كانَ أَغناني عَنِ الحُبِّ
ما كانَ أَغناني عَنِ الحُبِّ / قَد أَحرَقَت نيرانُهُ قَلبي
يا مَن تَجَنّى حينَ لَم أَعصِهِ / وَعَدَّ ذَنباً لَيسَ بِالذَنبِ
إِرضَ بِنَفسي أَنتَ عَنّي فَقَد / قَتَلتَني بِالصَدِّ وَاللِعبِ