المجموع : 35
لِعَيني كُلَّ يَومٍ مِنكَ حَظٌّ
لِعَيني كُلَّ يَومٍ مِنكَ حَظٌّ / تَحَيَّرُ مِنهُ في أَمرٍ عُجابِ
حِمالَةُ ذا الحُسامِ عَلى حُسامٍ / وَمَوقِعُ ذا السَحابِ عَلى سَحابِ
تَجِفُّ الأَرضُ مِن هَذا الرَبابِ
تَجِفُّ الأَرضُ مِن هَذا الرَبابِ / وَيَخلُقُ ما كَساها مِن ثِيابِ
وَما يَنفَكُّ مِنكَ الدَهرُ رَطباً / وَلا يَنفَكُّ غَيثُكَ في اِنسِكابِ
تُسايِرُكَ السَواري وَالغَوادي / مُسايَرَةَ الأَحِبّاءِ الطِرابِ
تُفيدُ الجودَ مِنكَ فَتَحتَذيهِ / وَتَعجِزُ عَن خَلائِقِكَ العِذابِ
فَدَيناكَ أَهدى الناسِ سَهماً إِلى قَلبي
فَدَيناكَ أَهدى الناسِ سَهماً إِلى قَلبي / وَأَقتَلَهُم لِلدارِعينَ بِلا حَربِ
تَفَرَّدَ بِالأَحكامِ في أَهلِهِ الهَوى / فَأَنتَ جَميلُ الخُلفِ مُستَحسَنُ الكِذبِ
وَإِنّي لَمَمنوعُ المَقاتِلِ في الوَغى / وَإِن كُنتُ مَبذولَ المَقاتِلِ في الحُبِّ
وَمَن خُلِقَت عَيناكَ بَينَ جُفونِهِ / أَصابَ الحُدورَ السَهلَ في المُرتَقى الصَعبِ
لا يُحزِنُ اللَهُ الأَميرَ فَإِنَّني
لا يُحزِنُ اللَهُ الأَميرَ فَإِنَّني / سَآخُذُ مِن حالاتِهِ بِنَصيبِ
وَمَن سَرَّ أَهلَ الأَرضِ ثُمَّ بَكى أَسىً / بَكى بِعُيونٍ سَرَّها وَقُلوبِ
وَإِنّي وَإِن كانَ الدَفينُ حَبيبَهُ / حَبيبٌ إِلى قَلبي حَبيبُ حَبيبي
وَقَد فارَقَ الناسُ الأَحِبَّةَ قَبلَنا / وَأَعيا دَواءُ المَوتِ كُلَّ طَبيبِ
سُبِقنا إِلى الدُنيا فَلَو عاشَ أَهلُها / مُنِعنا بِها مِن جَيأَةٍ وَذُهوبِ
تَمَلَّكَها الآتي تَمَلُّكَ سالِبٍ / وَفارَقَها الماضي فِراقَ سَليبِ
وَلا فَضلَ فيها لِلشَجاعَةِ وَالنَدى / وَصَبرِ الفَتى لَولا لِقاءُ شَعوبِ
وَأَوفى حَياةِ الغابِرينَ لِصاحِبٍ / حَياةُ اِمرِئٍ خانَتهُ بَعدَ مَشيبِ
لَأَبقى يَماكٌ في حَشايَ صَبابَةً / إِلى كُلِّ تُركِيِّ النِجارِ جَليبِ
وَما كُلُّ وَجهٍ أَبيَضٍ بِمُبارَكٍ / وَلا كُلُّ جَفنٍ ضَيِّقٍ بِنَجيبِ
لَئِن ظَهَرَت فينا عَلَيهِ كَآبَةٌ / لَقَد ظَهَرَت في حَدِّ كُلِّ قَضيبِ
وَفي كُلِّ قَوسٍ كُلَّ يَومِ تَناضُلٍ / وَفي كُلِّ طِرفٍ كُلَّ يَومِ رُكوبِ
يَعِزُّ عَلَيهِ أَن يُخِلَّ بِعادَةٍ / وَتَدعو لِأَمرٍ وَهوَ غَيرُ مُجيبِ
وَكُنتُ إِذا أَبصَرتُهُ لَكَ قائِماً / نَظَرتُ إِلى ذي لِبدَتَينِ أَديبِ
فَإِن يَكُنِ العِلقَ النَفيسَ فَقَدتَهُ / فَمِن كَفِّ مِتلافٍ أَغَرَّ وَهوبِ
كَأَنَّ الرَدى عادٍ عَلى كُلِّ ماجِدٍ / إِذا لَم يُعَوِّذ مَجدَهُ بِعُيوبِ
وَلَولا أَيادي الدَهرِ في الجَمعِ بَينَنا / غَفَلنا فَلَم نَشعُر لَهُ بِذُنوبِ
وَلِلتَركُ لِلإِحسانِ خَيرٌ لِمُحسِنٍ / إِذا جَعَلَ الإِحسانَ غَيرَ رَبيبِ
وَإِنَّ الَّذي أَمسَت نِزارٌ عَبيدَهُ / غَنِيٌّ عَنِ اِستِعبادِهِ لِغَريبِ
كَفى بِصَفاءِ الوَدِّ رِقّاً لِمِثلِهِ / وَبِالقُربِ مِنهُ مَفخَراً لِلَبيبِ
فَعُوِّضَ سَيفُ الدَولَةِ الأَجرُ إِنَّهُ / أَجَلُّ مُثابٍ مِن أَجَلِّ مُثيبِ
فَتى الخَيلِ قَد بَلَّ النَجيعُ نَحورَها / يُطاعِنُ في ضَنكِ المُقامِ عَصيبِ
يَعافُ خِيامَ الرَيطِ في غَزَواتِهِ / فَما خَيمُهُ إِلّا غُبارُ حُروبِ
عَلَينا لَكَ الإِسعادُ إِن كانَ نافِعاً / بِشَقِّ قُلوبٍ لا بِشَقِّ جُيوبِ
فَرُبَّ كَئيبٍ لَيسَ تَندى جُفونُهُ / وَرُبَّ كَثيرِ الدَمعِ غَيرُ كَئيبِ
تَسَلَّ بِفِكرٍ في أَبيكَ فَإِنَّما / بَكَيتَ فَكانَ الضِحكُ بَعدَ قَريبِ
إِذا اِستَقبَلَت نَفسُ الكَريمِ مُصابَها / بِخُبثٍ ثَنَت فَاِستَدبَرَتهُ بِطيبِ
وَلِلواجِدِ المَكروبِ مِن زَفَراتِهِ / سُكونُ عَزاءٍ أَو سُكونُ لُغوبِ
وَكَم لَكَ جَدّاً لَم تَرَ العَينُ وَجهَهُ / فَلَم تَجرِ في آثارِهِ بِغُروبِ
فَدَتكَ نُفوسُ الحاسِدينَ فَإِنَّها / مُعَذَّبَةٌ في حَضرَةٍ وَمَغيبِ
وَفي تَعَبٍ مَن يَحسُدُ الشَمسَ نورَها / وَيَجهَدُ أَن يَأتي لَها بِضَريبِ
فَدَيناكَ مِن رَبعٍ وَإِن زِدتَنا كَربا
فَدَيناكَ مِن رَبعٍ وَإِن زِدتَنا كَربا / فَإِنَّكَ كُنتَ الشَرقَ لِلشَمسِ وَالغَربا
وَكَيفَ عَرَفنا رَسمَ مَن لَم يَدَع لَنا / فُؤاداً لِعِرفانِ الرُسومِ وَلا لُبّا
نَزَلنا عَنِ الأَكوارِ نَمشي كَرامَةً / لِمَن بانَ عَنهُ أَن نُلِمَّ بِهِ رَكبا
نَذُمُّ السَحابَ الغُرَّ في فِعلِها بِهِ / وَنُعرِضُ عَنها كُلَّما طَلَعَت عَتبا
وَمَن صَحِبَ الدُنيا طَويلاً تَقَلَّبَت / عَلى عَينِهِ حَتّى يَرى صِدقَها كِذبا
وَكَيفَ اِلتِذاذي بِالأَصائِلِ وَالضُحى / إِذا لَم يَعُد ذاكَ النَسيمُ الَّذي هَبّا
ذَكَرتُ بِهِ وَصلاً كَأَن لَم أَفُز بِهِ / وَعَيشاً كَأَنّي كُنتُ أَقطَعُهُ وَثبا
وَفَتّانَةَ العَينَينِ قَتّالَةَ الهَوى / إِذا نَفَحَت شَيخاً رَوائِحُها شَبّا
لَها بَشَرُ الدُرِّ الَّذي قُلِّدَت بِهِ / وَلَم أَرَ بَدراً قَبلَها قُلِّدَ الشُهبا
فَيا شَوقِ ما أَبقى وَيالي مِنَ النَوى / وَيا دَمعِ ما أَجرى وَيا قَلبِ ما أَصبى
لَقَد لَعِبَ البَينُ المُشِتُّ بِها وَبي / وَزَوَّدَني في السَيرِ ما زَوَّدَ الضِبّا
وَمَن تَكُنِ الأُسدُ الضَواري جُدودَهُ / يَكُن لَيلُهُ صُبحاً وَمَطعَمُهُ غَصبا
وَلَستُ أُبالي بَعدَ إِدراكِيَ العُلا / أَكانَ تُراثاً ما تَناوَلتُ أَم كَسبا
فَرُبَّ غُلامٍ عَلَّمَ المَجدَ نَفسَهُ / كَتَعليمِ سَيفِ الدَولَةِ الطَعنَ وَالضَربا
إِذا الدَولَةُ اِستَكفَت بِهِ في مُلِمَّةٍ / كَفاها فَكانَ السَيفَ وَالكَفَّ وَالقَلبا
تُهابُ سُيوفُ الهِندِ وَهيَ حَدائِدٌ / فَكَيفَ إِذا كانَت نِزارِيَّةً عُربا
وَيُرهَبُ نابُ اللَيثِ وَاللَيثُ وَحدَهُ / فَكَيفَ إِذا كانَ اللُيوثُ لَهُ صَحبا
وَيُخشى عُبابُ البَحرِ وَهوَ مَكانَهُ / فَكَيفَ بِمَن يَغشى البِلادَ إِذا عَبّا
عَليمٌ بِأَسرارِ الدِياناتِ وَاللُغى / لَهُ خَطَراتٌ تَفضَحُ الناسَ وَالكُتبا
فَبورِكتَ مِن غَيثٍ كَأَنَّ جُلودَنا / بِهِ تُنبِتُ الديباجَ وَالوَشيَ وَالعَصبا
وَمِن واهِبٍ جَزلاً وَمِن زاجِرٍ هَلاً / وَمِن هاتِكٍ دِرعاً وَمِن ناثِرٍ قُصبا
هَنيئاً لِأَهلِ الثَغرِ رَأيُكَ فيهِمِ / وَأَنَّكَ حِزبَ اللَهِ صِرتَ لَهُم حِزبا
وَأَنَّكَ رُعتَ الدَهرَ فيها وَرَيبَهُ / فَإِن شَكَّ فَليُحدِث بِساحَتِها خَطبا
فَيَوماً بِخَيلٍ تَطرُدُ الرومَ عَنهُمُ / وَيَوماً بِجودٍ يَطرُدُ الفَقرَ وَالجَدبا
سَراياكَ تَترى وَالدُمُستُقُ هارِبٌ / وَأَصحابُهُ قَتلى وَأَموالُهُ نُهبى
أَرى مَرعَشاً يَستَقرِبُ البُعدَ مُقبِلاً / وَأَدبَرَ إِذ أَقبَلتَ يَستَبعِدُ القُربا
كَذا يَترُكُ الأَعداءَ مَن يَكرَهُ القَنا / وَيَقفُلُ مَن كانَت غَنيمَتُهُ رُعبا
وَهَل رَدَّ عَنهُ بِاللُقانِ وُقوفُهُ / صُدورَ العَوالي وَالمُطَهَّمَةَ القُبّا
مَضى بَعدَما اِلتَفَّ الرِماحانِ ساعَةً / كَما يَتَلَقّى الهُدبُ في الرَقدَةِ الهُدبا
وَلَكِنَّهُ وَلّى وَلِلطَعنِ سَورَةٌ / إِذا ذَكَرَتها نَفسُهُ لَمَسَ الجُنبا
وَخَلّى العَذارى وَالبَطاريقَ وَالقُرى / وَشُعثَ النَصارى وَالقَرابينَ وَالصُلبا
أَرى كُلَّنا يَبغي الحَياةَ لِنَفسِهِ / حَريصاً عَلَيها مُستَهاماً بِها صَبّا
فَحُبُّ الجَبانِ النَفسَ أَورَدَهُ التُقى / وَحُبُّ الشُجاعِ النَفسَ أَورَدَهُ الحَربا
وَيَختَلِفُ الرِزقانِ وَالفِعلُ واحِدٌ / إِلى أَن يُرى إِحسانُ هَذا لِذا ذَنبا
فَأَضحَت كَأَنَّ السورَ مِن فَوقِ بَدئِهِ / إِلى الأَرضِ قَد شَقَّ الكَواكِبَ وَالتُربا
تَصُدُّ الرِياحُ الهوجُ عَنها مَخافَةً / وَتَفزَعُ مِنها الطَيرُ أَن تَلقُطَ الحَبّا
وَتَردي الجِيادُ الجُردُ فَوقَ جِبالِها / وَقَد نَدَفَ الصِنَّبرُ في طُرقِها العُطبا
كَفى عَجَباً أَن يَعجَبَ الناسُ أَنَّهُ / بَنى مَرعَشاً تَبّاً لِآرائِهِم تَبّا
وَما الفَرقُ ما بَينَ الأَنامِ وَبَينَهُ / إِذا حَذِرَ المَحذورَ وَاِستَصعَبَ الصَعبا
لِأَمرٍ أَعَدَّتهُ الخِلافَةُ لِلعِدا / وَسَمَّتهُ دونَ العالَمِ الصارِمَ العَضبا
وَلَم تَفتَرِق عَنهُ الأَسِنَّةُ رَحمَةً / وَلَم يَترُكِ الشامَ الأَعادي لَهُ حُبّا
وَلَكِن نَفاها عَنهُ غَيرَ كَريمَةٍ / كَريمُ الثَنا ما سُبَّ قَطُّ وَلا سَبّا
وَجَيشٌ يُثَنّي كُلَّ طَودٍ كَأَنَّهُ / خَريقُ رِياحٍ واجَهَت غُصُناً رَطبا
كَأَنَّ نُجومَ اللَيلِ خافَت مُغارَهُ / فَمَدَّت عَلَيها مِن عَجاجَتِهِ حُجبا
فَمَن كانَ يُرضي اللُؤمَ وَالكُفرَ مُلكُهُ / فَهَذا الَّذي يُرضي المَكارِمَ وَالرَبّا
أَلا ما لِسَيفِ الدَولَةِ اليَومَ عاتِبا
أَلا ما لِسَيفِ الدَولَةِ اليَومَ عاتِبا / فَداهُ الوَرى أَمضى السُيوفِ مَضارِبا
وَمالي إِذا ما اِشتَقتُ أَبصَرتُ دونَهُ / تَنائِفَ لا أَشتاقُها وَسَباسِبا
وَقَد كانَ يُدني مَجلِسي مِن سَمائِهِ / أُحادِثُ فيها بَدرَها وَالكَواكِبا
حَنانَيكَ مَسؤولاً وَلَبَّيكَ داعِياً / وَحَسبِيَ مَوهوباً وَحَسبُكَ واهِبا
أَهَذا جَزاءُ الصِدقِ إِن كُنتُ صادِقاً / أَهَذا جَزاءُ الكِذبِ إِن كُنتُ كاذِبا
وَإِن كانَ ذَنبي كُلَّ ذَنبٍ فَإِنَّهُ / مَحا الذَنبَ كُلَّ المَحوِ مَن جاءَ تائِبا
أَحسَنُ ما يُخضَبُ الحَديدُ بِهِ
أَحسَنُ ما يُخضَبُ الحَديدُ بِهِ / وَخاضِبَيهِ النَجيعُ وَالغَضَبُ
فَلا تَشينَنهُ بِالنُضارِ فَما / يَجتَمِعُ الماءُ فيهِ وَالذَهَبُ
أَيَدري ما أَرابَكَ مَن يُريبُ
أَيَدري ما أَرابَكَ مَن يُريبُ / وَهَل تَرقى إِلى الفَلَكِ الخُطوبُ
وَجِسمُكَ فَوقَ هِمَّةِ كُلِّ داءٍ / فَقُربُ أَقَلِّها مِنهُ عَجيبُ
يُجَمِّشُكَ الزَمانُ هَوىً وَحُبّاً / وَقَد يُؤذي مِنَ المِقَةِ الحَبيبُ
وَكَيفَ تُعِلُّكَ الدُنيا بِشَيءٍ / وَأَنتَ لِعِلَّةِ الدُنيا طَبيبُ
وَكَيفَ تَنوبَكَ الشَكوى بِداءٍ / وَأَنتَ المُستَغاثُ لِما يَنوبُ
مَلِلتُ مُقامَ يَومٍ لَيسَ فيهِ / طِعانٌ صادِقٌ وَدَمٌ صَبيبُ
وَأَنتَ المَلكُ تُمرِضُهُ الحَشايا / لِهِمَّتِهِ وَتَشفيهِ الحُروبُ
وَما بِكَ غَيرُ حُبِّكَ أَن تَراها / وَعِثيَرُها لِأَرجُلِها جَنيبُ
مُجَلِّحَةً لَها أَرضُ الأَعادي / وَلِلسُمرِ المَناحِرُ وَالجُنوبُ
فَقَرِّطها الأَعِنَّةَ راجِعاتٍ / فَإِنَّ بَعيدَ ما طَلَبَت قَريبُ
أَذا داءٌ هَفا بُقراطُ عَنهُ / فَلَم يُعرَف لِصاحِبِهِ ضَريبُ
بِسَيفِ الدَولَةِ الوَضّاءِ تُمسي / جُفوني تَحتَ شَمسٍ ما تَغيبُ
فَأَغزو مَن غَزا وَبِهِ اِقتِداري / وَأَرمي مَن رَمى وَبِهِ أُصيبُ
وَلِلحُسّادِ عُذرٌ أَن يَشِحّوا / عَلى نَظَري إِلَيهِ وَأَن يَذوبوا
فَإِنّي قَد وَصَلتُ إِلى مَكانٍ / عَلَيهِ تَحسُدُ الحَدَقَ القُلوبُ
بِغَيرِكَ راعِياً عَبِثَ الذِئابُ
بِغَيرِكَ راعِياً عَبِثَ الذِئابُ / وَغَيرَكَ صارِماً ثَلَمَ الضِرابُ
وَتَملِكُ أَنفُسَ الثَقَلَينِ طُرّاً / فَكَيفَ تَحوزُ أَنفُسَها كِلابُ
وَما تَرَكوكَ مَعصِيَةً وَلَكِن / يُعافُ الوِردُ وَالمَوتُ الشَرابُ
طَلَبتَهُم عَلى الأَمواهِ حَتّى / تَخَوَّفَ أَن تُفَتِّشَهُ السَحابُ
فَبِتُّ لَيالِياً لا نَومَ فيها / تَخُبُّ بِكَ المُسَوَّمَةُ العِرابُ
يَهُزُّ الجَيشُ حَولَكَ جانِبَيهِ / كَما نَفَضَت جَناحَيها العُقابُ
وَتَسأَلُ عَنهُمُ الفَلَواتِ حَتّى / أَجابَكَ بَعضُها وَهُمُ الجَوابُ
فَقاتَلَ عَن حَريمِهِمِ وَفَرّوا / نَدى كَفَّيكَ وَالنَسَبُ القُرابُ
وَحِفظُكَ فيهِمِ سَلَفي مَعَدٍّ / وَأَنَّهُمُ العَشائِرُ وَالصِحابُ
تُكَفكِفُ عَنهُمُ صُمَّ العَوالي / وَقَد شَرِقَت بِظُعنِهِمِ الشَعابُ
وَأُسقِطَتِ الأَجِنَّةُ في الوَلايا / وَأُجهِضَتِ الحَوائِلُ وَالسِقابُ
وَعَمرٌ في مَيامِنِهِم عُمورٌ / وَكَعبٌ في مَياسِرِهِم كِعابُ
وَقَد خَذَلَت أَبو بَكرٍ بَنيها / وَخاذَلَها قُرَيظٌ وَالضِبابُ
إِذا ما سِرتَ في آثارِ قَومٍ / تَخاذَلَتِ الجَماجِمُ وَالرِقابُ
فَعُدنَ كَما أُخِذنَ مُكَرَّماتٍ / عَلَيهِنَّ القَلائِدُ وَالمَلابُ
يُثِبنَكَ بِالَّذي أَولَيتَ شُكراً / وَأَينَ مِنَ الَّذي تولي الثَوابُ
وَلَيسَ مَصيرُهُنَّ إِلَيكَ شَيناً / وَلا في صَونِهِنَّ لَدَيكَ عابُ
وَلا في فَقدِهِنَّ بَني كِلابٍ / إِذا أَبصَرنَ غُرَّتَكَ اِغتِرابُ
وَكَيفَ يَتِمُّ بَأسُكَ في أُناسٍ / تُصيبُهُمُ فَيُؤلِمُكَ المُصابُ
تَرَفَّق أَيُّها المَولى عَلَيهِم / فَإِنَّ الرِفقَ بِالجاني عِتابُ
وَإِنَّهُمُ عَبيدُكَ حَيثُ كانوا / إِذا تَدعو لِحادِثَةٍ أَجابوا
وَعَينُ المُخطِئينَ هُمُ وَلَيسوا / بِأَوَّلِ مَعشَرٍ خَطِئُوا فَتابوا
وَأَنتَ حَياتُهُم غَضِبَت عَلَيهِم / وَهَجرُ حَياتِهِم لَهُمُ عِقابُ
وَما جَهِلَت أَيادِيَكَ البَوادي / وَلَكِن رُبَّما خَفِيَ الصَوابُ
وَكَم ذَنبٍ مُوَلِّدُهُ دَلالٌ / وَكَم بُعدٍ مُوَلِّدُهُ اِقتِرابُ
وَجُرمٍ جَرَّهُ سُفَهاءُ قَومٍ / وَحَلَّ بِغَيرِ جارِمِهِ العَذابُ
فَإِن هابوا بِجُرمِهِمِ عَلِيّاً / فَقَد يَرجو عَلِيّاً مَن يَهابُ
وَإِن يَكُ سَيفَ دَولَةِ غَيرِ قَيسٍ / فَمِنهُ جُلودُ قَيسٍ وَالثِيابُ
وَتَحتَ رَبابِهِ نَبَتوا وَأَثّوا / وَفي أَيّامِهِ كَثُروا وَطابوا
وَتَحتَ لِوائِهِ ضَرَبوا الأَعادي / وَذَلَّ لَهُم مِنَ العَرَبِ الصِعابُ
وَلَو غَيرُ الأَميرِ غَزا كِلاباً / ثَناهُ عَن شُموسِهِمِ ضَبابُ
وَلاقى دونَ ثايِهِمِ طِعاناً / يُلاقي عِندَهُ الذِئبَ الغُرابُ
وَخَيلاً تَغتَذي ريحَ المَوامي / وَيَكفيها مِنَ الماءِ السَرابُ
وَلَكِن رَبُّهُم أَسرى إِلَيهِم / فَما نَفَعَ الوُقوفُ وَلا الذَهابُ
وَلا لَيلٌ أَجَنَّ وَلا نَهارٌ / وَلا خَيلٌ حَمَلنَ وَلا رِكابُ
رَمَيتَهُمُ بِبَحرٍ مِن حَديدٍ / لَهُ في البَرِّ خَلفَهُمُ عُبابُ
فَمَسّاهُم وَبُسطُهُمُ حَريرٌ / وَصَبَّحَهُم وَبُسطُهُمُ تُرابُ
وَمَن في كَفِّهِ مِنهُم قَناةٌ / كَمَن في كَفِّهِ مِنهُم خِضابُ
بَنو قَتلى أَبيكَ بِأَرضِ نَجدٍ / وَمَن أَبقى وَأَبقَتهُ الحِرابُ
عَفا عَنهُم وَأَعتَقَهُم صِغارا / وَفي أَعناقِ أَكثَرِهِم سِخابُ
وَكُلُّكُمُ أَتى مَأتى أَبيهِ / فَكُلُّ فَعالِ كُلِّكُمُ عُجابُ
كَذا فَليَسرِ مَن طَلَبَ الأَعادي / وَمِثلَ سُراكَ فَليَكُنِ الطِلابُ
يا أُختَ خَيرِ أَخٍ يا بِنتَ خَيرِ أَبٍ
يا أُختَ خَيرِ أَخٍ يا بِنتَ خَيرِ أَبٍ / كِنايَةً بِهِما عَن أَشرَفِ النَسَبِ
أُجِلُّ قَدرَكِ أَن تُسمى مُؤَبَّنَةً / وَمَن يَصِفكِ فَقَد سَمّاكِ لِلعَرَبِ
لا يَملِكُ الطَرِبُ المَحزونُ مَنطِقَهُ / وَدَمعَهُ وَهُما في قَبضَةِ الطَرَبِ
غَدَرتَ يا مَوتُ كَم أَفنَيتَ مِن عَدَدِ / بِمَن أَصَبتَ وَكَم أَسكَتَّ مِن لَجَبِ
وَكَم صَحِبتَ أَخاها في مُنازَلَةٍ / وَكَم سَأَلتَ فَلَم يَبخَل وَلَم تَخِبِ
طَوى الجَزيرَةَ حَتّى جاءَني خَبَرٌ / فَزِعتُ فيهِ بِآمالي إِلى الكَذِبِ
حَتّى إِذا لَم يَدَع لي صِدقُهُ أَمَلاً / شَرِقتُ بِالدَمعِ حَتّى كادَ يَشرَقُ بي
تَعَثَّرَت بِهِ في الأَفواهِ أَلسُنُها / وَالبُردُ في الطُرقِ وَالأَقلامُ في الكُتُبِ
كَأَنَّ فَعلَةَ لَم تَملَء مَواكِبُها / دِيارَ بَكرٍ وَلَم تَخلَع وَلَم تَهِبِ
وَلَم تَرُدَّ حَياةً بَعدَ تَولِيَةٍ / وَلَم تُغِث داعِياً بِالوَيلِ وَالحَرَبِ
أَرى العِراقَ طَويلَ اللَيلِ مُذ نُعِيَت / فَكَيفَ لَيلُ فَتى الفِتيانِ في حَلَبِ
يَظُنُّ أَنَّ فُؤادي غَيرَ مُلتَهِبٍ / وَأَنَّ دَمعَ جُفوني غَيرُ مُنسَكِبِ
بَلى وَحُرمَةِ مَن كانَت مُراعِيَةً / لِحُرمَةِ المَجدِ وَالقُصّادِ وَالأَدَبِ
وَمَن مَضَت غَيرَ مَوروثٍ خَلائِقُها / وَإِن مَضَت يَدُها مَوروثَةَ النَشَبِ
وَهَمُّها في العُلى وَالمَجدِ ناشِئَةً / وَهَمُّ أَترابِها في اللَهوِ وَاللَعِبِ
يَعلَمنَ حينَ تُحَيّا حُسنَ مَبسِمِها / وَلَيسَ يَعلَمُ إِلّا اللَهُ بِالشَنَبِ
مَسَرَّةٌ في قُلوبِ الطيبِ مَفرِقُها / وَحَسرَةٌ في قُلوبِ البَيضِ وَاليَلَبِ
إِذا رَأى وَرَآها رَأسَ لابِسِهِ / رَأى المَقانِعَ أَعلى مِنهُ في الرُتَبِ
وَإِن تَكُن خُلِقَت أُنثى لَقَد خُلِقَت / كَريمَةً غَيرَ أُنثى العَقلِ وَالحَسَبِ
وَإِن تَكُن تَغلِبُ الغَلباءُ عُنصُرُها / فَإِنَّ في الخَمرِ مَعنىً لَيسَ في العِنَبِ
فَلَيتَ طالِعَةَ الشَمسَينِ غائِبَةٌ / وَلَيتَ غائِبَةَ الشَمسَينِ لَم تَغِبِ
وَلَيتَ عَينَ الَّتي آبَ النَهارُ بِها / فِداءُ عَينِ الَّتي زالَت وَلَم تَؤُبِ
فَما تَقَلَّدَ بِالياقوتِ مُشبِهُها / وَلا تَقَلَّدَ بِالهِندِيَّةِ القُضُبِ
وَلا ذَكَرتُ جَميلاً مِن صَنائِعِها / إِلّا بَكَيتُ وَلا وُدٌّ بِلا سَبَبِ
قَد كانَ كُلُّ حِجابٍ دونَ رُؤيَتِها / فَما قَنِعتِ لَها يا أَرضُ بِالحُجُبِ
وَلا رَأَيتِ عُيونَ الإِنسِ تُدرِكُها / فَهَل حَسَدتِ عَلَيها أَعيُنَ الشُهُبِ
وَهَل سَمِعتِ سَلاماً لي أَلَمَّ بِها / فَقَد أَطَلتُ وَما سَلَّمتُ مِن كَثَبِ
وَكَيفَ يَبلُغُ مَوتانا الَّتي دُفِنَت / وَقَد يُقَصِّرُ عَن أَحيائِنا الغَيَبِ
يا أَحسَنَ الصَبرِ زُر أَولى القُلوبِ بِها / وَقُل لِصاحِبِهِ يا أَنفَعَ السُحُبِ
وَأَكرَمَ الناسِ لا مُستَثنِياً أَحَداً / مِنَ الكِرامِ سِوى آبائِكَ النُجُبِ
قَد كانَ قاسَمَكَ الشَخصَينِ دَهرُهُما / وَعاشَ دُرُّهُما المَفديُّ بِالذَهَبِ
وَعادَ في طَلَبِ المَتروكِ تارِكُهُ / إِنّا لَنَغفُلُ وَالأَيّامُ في الطَلَبِ
ماكانَ أَقصَرَ وَقتاً كانَ بَينَهُما / كَأَنَّهُ الوَقتُ بَينَ الوِردِ وَالقَرَبِ
جَزاكَ رَبُّكَ بِالأَحزانِ مَغفِرَةً / فَحُزنُ كُلِّ أَخي حُزنٍ أَخو الغَضَبِ
وَأَنتُمُ نَفَرٌ تَسخو نُفوسُكُمُ / بِما يَهَبنَ وَلا يَسخونَ بِالسَلَبِ
حَلَلتُمُ مِن مُلوكِ الناسِ كُلِّهِمِ / مَحَلَّ سُمرِ القَنا مِن سائِرِ القَصَبِ
فَلا تَنَلكَ اللَيالي إِنَّ أَيدِيَها / إِذا ضَرَبنَ كَسَرنَ النَبعَ بِالغَرَبِ
وَلا يُعِنَّ عَدُوّاً أَنتَ قاهِرُهُ / فَإِنَّهُنَّ يَصِدنَ الصَقرَ بِالخَرَبِ
وَإِن سَرَرنَ بِمَحبوبٍ فَجَعنَ بِهِ / وَقَد أَتَينَكَ في الحالَينِ بِالعَجَبِ
وَرُبَّما اِحتَسَبَ الإِنسانُ غايَتَها / وَفاجَأَتهُ بِأَمرٍ غَيرِ مُحتَسَبِ
وَما قَضى أَحَدٌ مِنها لُبانَتَهُ / وَلا اِنتَهى أَرَبٌ إِلّا إِلى أَرَبِ
تَخالَفَ الناسُ حَتّى لا اِتِّفاقَ لَهُم / إِلّا عَلى شَجَبٍ وَالخُلفُ في الشَجَبِ
فَقيلَ تَخلُصُ نَفسُ المَرءِ سالِمَةً / وَقيلَ تَشرَكُ جِسمَ المَرءِ في العَطَبِ
وَمَن تَفَكَّرَ في الدُنيا وَمُهجَتِهِ / أَقامَهُ الفِكرُ بَينَ العَجزِ وَالتَعَبِ
فَهِمتُ الكِتابَ أَبَرَّ الكُتُب
فَهِمتُ الكِتابَ أَبَرَّ الكُتُب / فَسَمعاً لِأَمرِ أَميرِ العَرَب
وَطَوعاً لَهُ وَاِبتِهاجاً بِهِ / وَإِن قَصَّرَ الفِعلُ عَمّا وَجَب
وَما عاقَني غَيرُ خَوفِ الوُشاةِ / وَإِنَّ الوِشاياتِ طُرقُ الكَذِب
وَتَكثيرِ قَومٍ وَتَقليلِهِم / وَتَقريبِهِم بَينَنا وَالخَبَب
وَقَد كانَ يَنصُرُهُم سَمعُهُ / وَيَنصُرُني قَلبُهُ وَالحَسَب
وَما قُلتُ لِلبَدرِ أَنتَ اللُجَينُ / وَلا قُلتُ لِلشَمسِ أَنتِ الذَهَب
فَيَقلَقَ مِنهُ البَعيدُ الأَناةِ / وَيَغضَبَ مِنهُ البَطيءُ الغَضَب
وَما لاقَني بَلَدٌ بَعدَكُم / وَلا اِعتَضتُ مِن رَبِّ نُعمايَ رَب
وَمَن رَكِبَ الثَورَ بَعدَ الجَوادِ / أَنكَرَ أَظلافَهُ وَالغَبَب
وَما قِستُ كُلَّ مُلوكِ البِلادِ / فَدَع ذِكرَ بَعضٍ بِمَن في حَلَب
وَلَو كُنتُ سَمَّيتُهُم بِاِسمِهِ / لَكانَ الحَديدَ وَكانوا الخَشَب
أَفي الرَأيِ يُشبَهُ أَم في السَخاءِ / أَم في الشَجاعَةِ أَم في الأَدَب
مُبارَكُ الاِسمِ أَغَرُّ اللَقَب / كَريمُ الجِرِشّى شَريفُ النَسَب
أَخو الحَربِ يُخدِمُ مِمّا سَبى / قَناهُ وَيَخلَعُ مِمّا سَلَب
إِذا حازَ مالاً فَقَد حازَهُ / فَتىً لا يُسَرُّ بِما لا يَهَب
وَإِنّي لَأُتبِعُ تَذكارَهُ / صَلاةَ الإِلَهِ وَسَقيَ السُحُب
وَأُثني عَلَيهِ بِآلائِهِ / وَأَقرُبُ مِنهُ نَأى أَو قَرُب
وَإِن فارَقَتنِيَ أَمطارُهُ / فَأَكثَرُ غُدرانِها ما نَضَب
أَيا سَيفَ رَبِّكَ لا خَلقِهِ / وَيا ذا المَكارِمِ لاذا الشُطَب
وَأَبعَدَ ذي هِمَّةٍ هِمَّةً / وَأَعرَفَ ذي رُتبَةٍ بِالرُتَب
وَأَطعَنَ مَن مَسَّ خَطِّيَّةً / وَأَضرَبَ مَن بِحُسامٍ ضَرَب
بِذا اللَفظِ ناداكَ أَهلُ الثُغورِ / فَلَبَّيتَ وَالهامُ تَحتَ القُضُب
وَقَد يَئِسوا مِن لَذيذِ الحَياةِ / فَعَينٌ تَغورُ وَقَلبٌ يَجِب
وَغَرَّ الدُمُستُقَ قَولُ العُداةِ / أَنَّ عَلِيّاً ثَقيلاً وَصِب
وَقَد عَلِمَت خَيلَهُ أَنَّهُ / إِذا هَمَّ وَهوَ عَليلٌ رَكِب
أَتاهُم بِأَوسَعَ مِن أَرضِهِم / طِوالَ السَبيبِ قِصارَ العُسُب
تَغيبُ الشَواهِقُ في جَيشِهِ / وَتَبدو صِغاراً إِذا لَم تَغِب
وَلا تَعبُرُ الريحُ في جَوِّهِ / إِذا لَم تَخَطَّ القَنا أَو تَثِب
فَغَرَّقَ مُدنَهُمُ بِالجُيوشِ / وَأَخفَتَ أَصواتَهُم بِاللَجَب
فَأَخبِث بِهِ طالِباً قَهرَهُم / وَأَخبِث بِهِ تارِكاً ما طَلَب
نَأَيتَ فَقاتَلَهُم بِاللِقاءِ / وَجِئتَ فَقاتَلَهُم بِالهَرَب
وَكانوا لَهُ الفَخرَ لَمّا أَتى / وَكُنتَ لَهُ العُذرَ لَمّا ذَهَب
سَبَقتَ إِلَيهِم مَناياهُمُ / وَمَنفَعَةُ الغَوثِ قَبلَ العَطَب
فَخَرّوا لِخالِقِهِم سُجَّداً / وَلَو لَم تُغِث سَجَدوا لِلصُلُب
وَكَم ذَدتَ عَنهُم رَدىً بِالرَدى / وَكَشَّفتَ مِن كُرَبٍ بِالكُرَب
وَقَد زَعَموا أَنَّهُ إِن يَعُد / يَعُد مَعَهُ المَلِكُ المُعتَصِب
وَيَستَنصِرانِ الَّذي يَعبُدانِ / وَعِندَهُما أَنَّهُ قَد صُلِب
لِيَدفَعَ ما نالَهُ عَنهُما / فَيا لَلرِجالِ لِهَذا العَجَب
أَرى المُسلِمينَ مَعَ المُشرِكينَ / إِمّا لِعَجزٍ وَإِمّا رَهَب
وَأَنتَ مَعَ اللَهِ في جانِبٍ / قَليلُ الرُقادِ كَثيرُ التَعَب
كَأَنَّكَ وَحدَكَ وَحَّدتَهُ / وَدانَ البَرِيَّةُ بِاِبنِ وَأَب
فَلَيتَ سُيوفَكَ في حاسِدٍ / إِذا ما ظَهَرَت عَلَيهِم كَئِب
وَلَيتَ شَكاتَكَ في جِسمِهِ / وَلَيتَكَ تَجزي بِبُغضٍ وَحُب
فَلَو كُنتَ تَجزي بِهِ نِلتُ مِنكَ / أَضعَفَ حَظٍّ بِأَقوى سَبَب
أَبا سَعيدٍ جَنَّبِ العِتابا
أَبا سَعيدٍ جَنَّبِ العِتابا / فَرُبَّ رائي خَطَءٍ صَوابا
فَإِنَّهُم قَد أَكثَروا الحُجّابا / وَاِستَوقَفوا لِرَدِّنا البَوّابا
وَإِنَّ حَدَّ الصارِمِ القِرضابا / وَالذابِلاتِ السُمرَ وَالعَرابا
يَرفَعُ فيما بَينَنا الحِجابا /
لِأَحِبَّتي أَن يَملَأوا
لِأَحِبَّتي أَن يَملَأوا / بِالصافِياتِ الأَكوُبا
وَعَلَيهِمِ أَن يَبذُلوا / وَعَلَيَّ أَن لا أَشرَبا
حَتّى تَكونَ الباتِراتُ / المُسمِعاتُ فَأَطرَبا
لِأَيِّ صُروفِ الدَهرِ فيهِ نُعاتِبُ
لِأَيِّ صُروفِ الدَهرِ فيهِ نُعاتِبُ / وَأَيَّ رَزاياهُ بِوِترٍ نُطالِبُ
مَضى مَن فَقَدنا صَبرَنا عِندَ فَقدِهِ / وَقَد كانَ يُعطي الصَبرَ وَالصَبرُ عازِبُ
يَزورُ الأَعادي في سَماءِ عَجاجَةٍ / أَسِنَّتُهُ في جانِبَيها الكَواكِبُ
فَتُسفِرُ عَنهُ وَالسُيوفُ كَأَنَّما / مَضارِبُها مِمّا اِنفَلَلنَ ضَرائِبُ
طَلَعنَ شُموساً وَالغُمودُ مَشارِقُ / لَهُنَّ وَهاماتُ الرِجالِ مَغارِبُ
مَصائِبُ شَتّى جُمِّعَت في مُصيبَةٍ / وَلَم يَكفِها حَتّى قَفَتها مَصائِبُ
رَثى اِبنَ أَبينا غَيرُ ذي رَحِمٍ لَهُ / فَباعَدَنا مِنهُ وَنَحنُ الأَقارِبُ
وَعَرَّضَ أَنّا شامِتونَ بِمَوتِهِ / وَإِلّا فَزارَت عارِضَيهِ القَواضِبُ
أَلَيسَ عَجيباً أَنَّ بَينَ بَني أَبٍ / لِنَجلِ يَهودِيٍّ تَدِبُّ العَقارِبُ
أَلا إِنَّما كانَت وَفاةُ مُحَمَّدٍ / دَليلاً عَلى أَن لَيسَ لِلَّهِ غالِبُ
دَمعٌ جَرى فَقَضى في الرَبعِ ماوَجَبا
دَمعٌ جَرى فَقَضى في الرَبعِ ماوَجَبا / لِأَهلِهِ وَشَفى أَنّى وَلا كَرَبا
عُجنا فَأَذهَبَ ما أَبقى الفِراقُ لَنا / مِنَ العُقولِ وَما رَدَّ الَّذي ذَهَبا
سَقَيتُهُ عَبَراتٍ ظَنَّها مَطَراً / سَوائِلاً مِن جُفونٍ ظَنَّها سُحُبا
دارُ المُلِمِّ لَها طَيفٌ تَهَدَّدَني / لَيلاً فَما صَدَقَت عَيني وَلا كَذَبا
ناءَيتُهُ فَدَنا أَدنَيتُهُ فَنَأى / جَمَّشتُهُ فَنَبا قَبَّلتُهُ فَأَبى
هامَ الفُؤادُ بِأَعرابِيَّةٍ سَكَنَت / بَيتاً مِنَ القَلبِ لَم تَمدُد لَهُ طُنُبا
مَظلومَةُ القَدِّ في تَشبيهِهِ غُصُناً / مَظلومَةُ الريقِ في تَشبيهِهِ ضَرَبا
بَيضاءُ تُطمِعُ فيما تَحتَ حُلَّتِها / وَعَزَّ ذَلِكَ مَطلوباً إِذا طُلِبا
كَأَنَّها الشَمسُ يُعيِي كَفَّ قابِضِهِ / شُعاعُها وَيَراهُ الطَرفُ مُقتَرِبا
مَرَّت بِنا بَينَ تِربَيها فَقُلتُ لَها / مِن أَينَ جانَسَ هَذا الشادِنُ العَرَبا
فَاِستَضحَكَت ثُمَّ قالَت كَالمُغيثِ يُرى / لَيثَ الشَرى وَهوَ مِن عِجلٍ إِذا اِنتَسَبا
جاءَت بِأَشجَعَ مَن يُسمى وَأَسمَحَ مَن / أَعطى وَأَبلَغَ مَن أَملى وَمَن كَتَبا
لَو حَلَّ خاطِرُهُ في مُقعَدٍ لَمَشى / أَو جاهِلٍ لَصَحا أَو أَخرَسٍ خَطَبا
إِذا بَدا حَجَبَت عَينَيكَ هَيبَتُهُ / وَلَيسَ يَحجُبُهُ سِترٌ إِذا اِحتَجَبا
بَياضُ وَجهٍ يُريكَ الشَمسَ حالِكَةً / وَدُرُّ لَفظٍ يُريكَ الدُرَّ مَخشَلَبا
وَسَيفُ عَزمٍ تَرُدُّ السَيفَ هِبَّتُهُ / رَطبَ الغِرارِ مِنَ التَأمورِ مُختَضِبا
عُمرُ العَدوِّ إِذا لاقاهُ في رَهَجٍ / أَقَلُّ مِن عُمرِ ما يَحوي إِذا وَهَبا
تَوَقَّهُ فَمَتى ما شِئتَ تَبلُوَهُ / فَكُن مُعادِيَهُ أَو كُن لَهُ نَشَبا
تَحلو مَذاقَتُهُ حَتّى إِذا غَضِبا / حالَت فَلَو قَطَرَت في الماءِ ما شُرِبا
وَتَغبِطُ الأَرضُ مِنها حَيثُ حَلَّ بِهِ / وَتَحسُدُ الخَيلُ مِنها أَيَّها رَكِبا
وَلا يَرُدُّ بِفيهِ كَفَّ سائِلِهِ / عَن نَفسِهِ وَيَرُدُّ الجَحفَلَ اللَجِبا
وَكُلَّما لَقِيَ الدينارُ صاحِبَهُ / في مُلكِهِ اِفتَرَقا مِن قَبلِ يَصطَحِبا
مالٌ كَأَنَّ غُرابَ البَينِ يَرقُبُهُ / فَكُلَّما قيلَ هَذا مُجتَدٍ نَعَبا
بَحرٌ عَجائِبُهُ لَم تُبقِ في سَمَرٍ / وَلا عَجائِبِ بَحرٍ بَعدَها عَجَبا
لا يُقنِعُ اِبنَ عَليٍّ نَيلُ مَنزِلَةٍ / يَشكو مُحاوِلُها التَقصيرَ وَالتَعَبا
هَزَّ اللِواءَ بَنو عِجلٍ بِهِ فَغَدا / رَأساً لَهُم وَغَدا كُلٌّ لَهُم ذَنَبا
التارِكينَ مِنَ الأَشياءِ أَهوَنَها / وَالراكِبينَ مِنَ الأَشياءِ ما صَعُبا
مُبَرقِعي خَيلِهِم بِالبيضِ مُتَّخِذي / هامِ الكُماةِ عَلى أَرماحِهِم عَذَبا
إِنَّ المَنِيَّةَ لَو لاقَتهُمُ وَقَفَت / خَرقاءَ تَتَّهِمُ الإِقدامَ وَالهَرَبا
مَراتِبٌ صَعِدَت وَالفِكرُ يَتبَعُها / فَجازَ وَهوَ عَلى آثارِها الشُهُبا
مَحامِدٌ نَزَفَت شِعري لِيَملَأَها / فَآلَ ما اِمتَلَأَت مِنهُ وَلا نَضَبا
مَكارِمٌ لَكَ فُتَّ العالَمينَ بِها / مَن يَستَطيعُ لِأَمرٍ فائِتٍ طَلَبا
لَمّا أَقَمتَ بِإِنطاكِيَّةَ اِختَلَفَت / إِلَيَّ بِالخَبَرِ الرُكبانُ في حَلَبا
فَسِرتُ نَحوَكَ لا أَلوي عَلى أَحَدٍ / أَحُثُّ راحِلَتَيَّ الفَقرَ وَالأَدَبا
أَذاقَني زَمَني بَلوى شَرِقتُ بِها / لَو ذاقَها لَبَكى ما عاشَ وَاِنتَحَبا
وَإِن عَمَرتُ جَعَلتُ الحَربَ والِدَةً / وَالسَمهَرِيَّ أَخاً وَالمَشرَفِيَّ أَبا
بِكُلِّ أَشعَثَ يَلقى المَوتَ مُبتَسِماً / حَتّى كَأَنَّ لَهُ في قَتلِهِ أَرَبا
قُحٍّ يَكادُ صَهيلُ الخَيلِ يَقذِفُهُ / عَن سَرجِهِ مَرَحاً بِالغَزوِ أَو طَرَبا
فَالمَوتُ أَعذَرُ لي وَالصَبرُ أَجمَلُ بي / وَالبَرُّ أَوسَعُ وَالدُنيا لِمَن غَلَبا
بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا
بِأَبي الشُموسُ الجانِحاتُ غَوارِبا / اللابِساتُ مِنَ الحَريرِ جَلابِبا
المَنهِباتُ قُلوبَنا وَعُقولَنا / وَجَناتِهِنَّ الناهِباتِ الناهِبا
الناعِماتُ القاتِلاتُ المُحيِيا / تُ المُبدِياتُ مِنَ الدَلالِ غَرائِبا
حاوَلنَ تَفدِيَتي وَخِفنَ مُراقِباً / فَوَضَعنَ أَيدِيَهُنَّ فَوقَ تَرائِبا
وَبَسَمنَ عَن بَرَدٍ خَشيتُ أُذيبَهُ / مِن حَرِّ أَنفاسي فَكُنتُ الذائِبا
يا حَبَّذا المُتَحَمَّلونَ وَحَبَّذا / وادٍ لَثَمتُ بِهِ الغَزالَةَ كاعِبا
كَيفَ الرَجاءُ مِنَ الخُطوبِ تَخَلُّصاً / مِن بَعدِ ما أَنشَبنَ فِيَّ مَخالِبا
أَوحَدنَني وَوَجَدنَ حُزناً واحِداً / مُتَناهِياً فَجَعَلنَهُ لي صاحِبا
وَنَصَبنَني غَرَضَ الرُماةِ تُصيبُني / مِحَنٌ أَحَدُّ مِنَ السُيوفِ مَضارِبا
أَظمَتنِيَ الدُنيا فَلَمّا جِئتُها / مُستَسقِياً مَطَرَت عَلَيَّ مَصائِبا
وَحُبِيتُ مِن خوصِ الرِكابِ بِأَسوَدٍ / مِن دارِشٍ فَغَدَوتُ أَمشي راكِبا
حالٌ مَتى عَلِمَ اِبنُ مَنصورٍ بِها / جاءَ الزَمانُ إِلَيَّ مِنها تائِبا
مَلِكٌ سِنانُ قَناتِهِ وَبَنانُهُ / يَتَبارَيانِ دَماً وَعُرفاً ساكِبا
يَستَصغِرُ الخَطَرَ الكَبيرَ لِوَفدِهِ / وَيَظُنُّ دِجلَةَ لَيسَ تَكفي شارِبا
كَرَماً فَلَو حَدَّثتَهُ عَن نَفسِهِ / بِعَظيمِ ما صَنَعَت لَظَنَّكَ كاذِبا
سَل عَن شَجاعَتِهِ وَزُرهُ مُسالِماً / وَحَذارِ ثُمَّ حَذارِ مِنهُ مُحارِبا
فَالمَوتُ تُعرَفُ بِالصِفاتِ طِباعُهُ / لَم تَلقَ خَلقاً ذاقَ مَوتاً آيِبا
إِن تَلقَهُ لا تَلقَ إِلّا قَسطَلاً / أَو جَحفَلاً أَو طاعِناً أَو ضارِبا
أَو هارِباً أَو طالِباً أَو راغِباً / أَو راهِباً أَو هالِكاً أَو نادِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى الجِبالِ رَأَيتَها / فَوقَ السُهولِ عَواسِلاً وَقَواضِبا
وَإِذا نَظَرتَ إِلى السُهولِ رَأَيتَها / تَحتَ الجِبالِ فَوارِساً وَجَنائِبا
وَعَجاجَةً تَرَكَ الحَديدُ سَوادَها / زِنجاً تَبَسَّمُ أَو قَذالاً شائِبا
فَكَأَنَّما كُسِيَ النَهارُ بِها دُجى / لَيلٍ وَأَطلَعَتِ الرِماحُ كَواكِبا
قَد عَسكَرَت مَعَها الرَزايا عَسكَراً / وَتَكَتَّبَت فيها الرِجالُ كَتائِبا
أُسُدٌ فَرائِسُها الأُسودُ يَقودُها / أَسَدٌ تَصيرُ لَهُ الأُسودُ ثَعالِبا
في رُتبَةٍ حَجَبَ الوَرى عَن نَيلِها / وَعَلا فَسَمَّوهُ عَلِيَّ الحاجِبا
وَدَعَوهُ مِن فَرطِ السَخاءِ مُبَذِّراً / وَدَعَوهُ مِن غَصبِ النُفوسِ الغاصِبا
هَذا الَّذي أَفنى النُضارَ مَواهِباً / وَعِداهُ قَتلاً وَالزَمانَ تَجارِبا
وَمُخَيِّبُ العُذّالِ فيما أَمَّلوا / مِنهُ وَلَيسَ يَرُدُّ كَفّاً خائِبا
هَذا الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ حاضِراً / مِثلُ الَّذي أَبصَرتُ مِنهُ غائِبا
كَالبَدرِ مِن حَيثُ اِلتَفَتَّ رَأَيتَهُ / يُهدي إِلى عَينَيكَ نوراً ثاقِبا
كَالبَحرِ يَقذِفُ لِلقَريبِ جَواهِراً / جوداً وَيَبعَثُ لِلبَعيدِ سَحائِبا
كَالشَمسِ في كَبِدِ السَماءِ وَضَوؤُها / يَغشى البِلادَ مَشارِقاً وَمَغارِبا
أَمُهَجِّنَ الكُرَماءِ وَالمُزري بِهِم / وَتَروكَ كُلِّ كَريمِ قَومٍ عاتِبا
شادوا مَناقِبَهُم وَشِدتَ مَناقِباً / وُجِدَت مَناقِبُهُم بِهِنَّ مَثالِبا
لَبَّيكَ غَيظَ الحاسِدينَ الراتِبا / إِنّا لَنَخبُرُ مِن يَدَيكَ عَجائِبا
تَدبيرُ ذي حُنَكٍ يُفَكِّرُ في غَدٍ / وَهُجومُ غِرٍّ لا يَخافُ عَواقِبا
وَعَطاءُ مالٍ لَو عَداهُ طالِبٌ / أَنفَقتَهُ في أَن تُلاقِيَ طالِبا
خُذ مِن ثَنايَ عَلَيكَ ما أَسطيعُهُ / لا تُلزِمَنّي في الثَناءِ الواجِبا
فَلَقَد دَهِشتُ لِما فَعَلتَ وَدونَهُ / ما يُدهِشُ المَلَكَ الحَفيظَ الكاتِبا
إِنَّما بَدرُ بنُ عَمّارٍ سَحابُ
إِنَّما بَدرُ بنُ عَمّارٍ سَحابُ / هَطِلٌ فيهِ ثَوابٌ وَعِقابُ
إِنَّما بَدرٌ رَزايا وَعَطايا / وَمَنايا وَطِعانٌ وَضِرابُ
ما يُجيلُ الطَرفَ إِلّا حَمِدَتهُ / جُهدَها الأَيدي وَذَمَّتهُ الرِقابُ
ما بِهِ قَتلُ أَعاديهِ وَلَكِن / يَتَّقي إِخلافَ ما تَرجو الذِئابُ
فَلَهُ هَيبَةُ مَن لا يُتَرَجّى / وَلَهُ جودُ مُرَجّىً لا يُهابُ
طاعِنُ الفُرسانِ في الأَحداقِ شَزراً / وَعَجاجُ الحَربِ لِلشَمسِ نِقابُ
باعِثُ النَفسِ عَلى الهَولِ الَّذي لَي / سَ لِنَفسٍ وَقَعَت فيهِ إِيابُ
بِأَبي ريحُكَ لا نَرجِسُنا ذا / وَأَحاديثُكَ لا هَذا الشَرابُ
لَيسَ بِالمُنكَرِ إِن بَرَّزتَ سَبقاً / غَيرُ مَدفوعٍ عَنِ السَبقِ العِرابُ
أَلَم تَرَ أَيُّها المَلِكُ المُرَجّى
أَلَم تَرَ أَيُّها المَلِكُ المُرَجّى / عَجائِبَ ما رَأَيتُ مِنَ السَحابِ
تَشَكّى الأَرضُ غَيبَتَهُ إِلَيهِ / وَتَرشُفُ ماءَهُ رَشفَ الرُضابِ
وَأَوهِمُ أَنَّ في الشِطرَنجِ هَمّي / وَفيكَ تَأَمُّلي وَلَكَ اِنتِصابي
سَأَمضي وَالسَلامُ عَلَيكَ مِنّي / مَغيبي لَيلَتي وَغَداً إِيابي
يا ذا المَعالي وَمَعدِنَ الأَدَبِ
يا ذا المَعالي وَمَعدِنَ الأَدَبِ / سَيِّدَنا وَاِبنَ سَيِّدِ العَرَبِ
أَنتَ عَلِيمٌ بِكُلِّ مُعجِزَةٍ / وَلَو سَأَلنا سِواكَ لَم يُجِبِ
أَهَذِهِ قابَلَتكَ راقِصَةً / أَم رَفَعَت رِجلَها مِنَ التَعَبِ
ضُروبُ الناسِ عُشّاقٌ ضُروبا
ضُروبُ الناسِ عُشّاقٌ ضُروبا / فَأَعذَرُهُم أَشَفُّهُمُ حَبيباً
وَما سَكَني سِوى قَتلِ الأَعادي / فَهَل مِن زَورَةٍ تَشفي القُلوبا
تَظَلُّ الطَيرُ مِنها في حَديثٍ / تَرُدُّ بِهِ الصَراصِرَ وَالنَعيبا
وَقَد لَبِسَت دِمائَهُمُ عَلَيهِم / حِداداً لَم تَشُقَّ لَها جُيوباً
أَدَمنا طَعنَهُم وَالقَتلَ حَتّى / خَلَطنا في عِظامِهِمِ الكُعوبا
كَأَنَّ خُيولَنا كانَت قَديماً / تُسَقّى في قُحوفِهِمِ الحَليباً
فَمَرَّت غَيرَ نافِرَةٍ عَلَيهِم / تَدوسُ بِنا الجَماجِمَ وَالتَريبا
يُقَدِّمُها وَقَد خُضِبَت شَواها / فَتىً تَرمي الحُروبُ بِهِ الحُروبا
شَديدُ الخُنزُوانَةِ لا يُبالي / أَصابَ إِذا تَنَمَّرَ أَم أُصيبا
أَعَزمي طالَ هَذا اللَيلُ فَاِنظُر / أَمِنكَ الصُبحُ يَفرَقُ أَن يَؤوبا
كَأَنَّ الفَجرَ حِبٌّ مُستَزارٌ / يُراعي مِن دُجُنَّتِهِ رَقيبا
كَأَنَّ نُجومَهُ حَليٌ عَلَيهِ / وَقَد حُذِيَت قَوائِمُهُ الجُبوبا
كَأَنَّ الجَوَّ قاسى ما أُقاسي / فَصارَ سَوادُهُ فيهِ شُحوبا
كَأَنَّ دُجاهُ يَجذِبُها سُهادي / فَلَيسَ تَغيبُ إِلّا أَن يَغيبا
أُقَلِّبُ فيهِ أَجفاني كَأَنّي / أَعُدُّ بِهِ عَلى الدَهرِ الذُنوبا
وَما لَيلٌ بِأَطوَلَ مِن نَهارٍ / يَظَلُّ بِلَحظِ حُسّادي مَشوبا
وَما مَوتٌ بِأَبغَضَ مِن حَياةٍ / أَرى لَهُمُ مَعي فيها نَصيبا
عَرَفتُ نَوائِبَ الحَدَثانِ حَتّى / لَوِ اِنتَسَبَت لَكُنتُ لَها نَقيبا
وَلَمّا قَلَّتِ الإِبلُ اِمتَطينا / إِلى اِبنِ أَبي سُلَيمانَ الخُطوبا
مَطايا لا تَذِلُّ لِمَن عَلَيها / وَلا يَبغي لَها أَحَدٌ رُكوبا
وَتَرتَعُ دونَ نَبتِ الأَرضِ فينا / فَما فارَقتُها إِلّا جَديبا
إِلى ذي شيمَةٍ شَعَفَت فُؤادي / فَلَولاهُ لَقُلتُ بِها النَسيبا
تُنازِعُني هَواها كُلُّ نَفسٍ / وَإِن لَم تُشبِهِ الرَشَأَ الرَبيبا
عَجيبٌ في الزَمانِ وَما عَجيبٌ / أَتى مِن آلِ سَيّارٍ عَجيبا
وَشَيخٌ في الشَبابِ وَلَيسَ شَيخاً / يُسَمّى كُلُّ مَن بَلَغَ المَشيبا
قَسا فَالأُسدُ تَفزَعُ مِن قُواهُ / وَرَقَّ فَنَحنُ نَفزَعُ أَن يَذوبا
أَشَدُّ مِنَ الرِياحِ الهوجِ بَطشاً / وَأَسرَعُ في النَدى مِنها هُبوبا
وَقالوا ذاكَ أَرمى مَن رَأَينا / فَقُلتُ رَأَيتُمُ الغَرَضَ القَريبا
وَهَل يُخطي بِأَسهُمِهِ الرَمايا / وَما يُخطي بِما ظَنَّ الغُيوبا
إِذا نُكِبَت كِنانَتُهُ اِستَبَنّا / بِأَنصُلِها لِأَنصُلِها نُدوبا
يُصيبُ بِبَعضِها أَفواقَ بَعضٍ / فَلَولا الكَسرُ لَاِتَصَلَت قَضيبا
بِكُلِّ مُقَوَّمٍ لَم يَعصِ أَمراً / لَهُ حَتّى ظَنَنّاهُ لَبيبا
يُريكَ النَزعُ بَينَ القَوسِ مِنهُ / وَبَينَ رَمِيِّهِ الهَدَفَ المَهيبا
أَلَستَ اِبنَ الأُلى سَعِدوا وَسادوا / وَلَم يَلِدوا اِمرَءً إِلّا نَجيبا
وَنالوا ما اِشتَهَوا بِالحَزمِ هَوناً / وَصادَ الوَحشَ نَملُهُمُ دَبيبا
وَما ريحُ الرِياضِ لَها وَلَكِن / كَساها دَفنُهُم في التُربِ طيبا
أَيا مَن عادَ روحُ المَجدِ فيهِ / وَعادَ زَمانُهُ التالي قَشيبا
تَيَمَّمَني وَكيلُكَ مادِحاً لي / وَأَنشَدَني مِنَ الشِعرِ الغَريبا
فَآجَرَكَ الإِلَهُ عَلى عَليلٍ / بَعَثتَ إِلى المَسيحِ بِهِ طَبيبا
وَلَستُ بِمُنكِرٍ مِنكَ الهَدايا / وَلَكِن زِدتَني فيها أَديبا
فَلا زالَت دِيارُكَ مُشرِقاتٍ / وَلا دانَيتَ يا شَمسُ الغُروبا
لِأَصبِحَ آمِناً فيكَ الرَزايا / كَما أَنا آمِنٌ فيكَ العُيوبا