المجموع : 10
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا
سلي الجمر هل غالى وجنّ و عذّبا / كفرت به حتّى يشوق و يعذبا
و لا تحرميني جذوة بعد جذوة / فما اخضلّ هذا القلب حتّى تلهّبا
و ما نال معنى القلب إلاّ لأنّه / تمرّغ في سكب اللّظى و تقلّبا
هبيني حزنا لم يمرّ بمهجة / فما كنت أرضى منك حزنا مجرّبا
و صوغيه لي وحدي فريدا و أشفقي / على سرّه المكنون أن يتسرّبا
مصونا كأغلى الدرّ عزّ يتيمه / فأودع في أخفى الكنوز و غيّبا
و صوغيه مشبوب اللّظى و تخيّري / لآلامه ما كان أقسى و أغربا
و صوغيه كالفنّان يبدع تحفه / و يرمقها نشوان هيمان معجبا
فما الحزن إلاّ كالجمال أحبّه / و أترفه ما كان أنأى و أصعبا
خيالك يا سمراء مرّ بغربتي / فحيّا و رحّبنا طويلا و رحّبا
جلاك لعيني مقلتين و ناهدا / و ثغرا كمطول الرياحين أشنبا
فصانك حبّي في الخيال كرامة / و همّ بما يهواه لكن تهيّبا
و بعض الهوى كالغيث إن فاض تألّق / و بعض الهوى كالغيث إن فاض خرّبا
أرى طيفك المعسول في كلّ ما أرى / وحدت و لكن لم أجد منه مهربا
سقاني الهوى كأسين : يأسا و نعمة / فيالك من طيف أراح و أتعبا
و خالط أجفاني على السّهد و الكرى / فكان إلى عيني من الجفن أقربا
شكونا له السّمراء حتّى رثى لنا / و جرّأنا حتّى عتبنا فأعتبنا
و ناولني من أرز لبنان نفحة / فعطّر أحزاني و ندّى و خضّبا
و ثنّى بريّا الغوطتين يذيعها / فهدهد أحلامي وأغلى و طيّبا
و هل دلّلت لي الغوطتان لبانة / أحبّ من النعمى و أحلى و أعذبا
وسيما من الأطفال لولاه لم أخف / _ على الشيب_ أن أنأى و أن أتغرّبا
تودّ النّجوم الزهر لو أنّها دمى / ليختار منها المترفات و يلعبا
و عندي كنوز من حنان و رحمة / نعيمي أن يغرى بهنّ و ينهبا
يجور و بعض الجور حلو محبّب / و لم أر قبل الطفل ظلما محبّبا
و يغضب أحيانا و يرضى و حسبنا / من الصفو أن يرضى علينا و يغضبا
و إن ناله سقم تمنّيت أنّني / فداء له كنت السقيم المعذّبا
و يوجز فيما يشتهي و كأنّه / بإيجازه دلاّ أعاد و أسهبا
يزفّ لنا الأعياد عيدا إذا خطا / و عيدا إذا ناغى و عيدا إذا حبا
كزغب القطا لو أنّه راح صاديا / سكبت له عيني و قلبي ليشربا
و أوثر أن يروى و يشبع ناعما / و أظمأ في النعمى عليه و أسغبا
و ألثم في داج من الخطب ثغره / فأقطف منه كوكبا ثمّ كوكبا
ينام على أشواف قلبي بمهده / حريرا من الوشي اليمانيّ مذهبا
و أسدل أجفاني غطاء يظلّه / و ياليتها كانت أحنّ و أحدبا
و حمّلني أن أقبل الضيم صابرا / و أرغب تحنانا عليه و أرهبا
فأعطيت أهواء الخطوب أعنّتي / كما اقتدت فحلا معرق الزّهو مصعبا
تأبّى طويلا أن يقاد .. و راضه / زمان فراخى من جماح و أصحبا
تدلّهت بالإيثار كهلا و يافعا / فدلّلته جدّا و أرضيته أبا
و تخفق في قلبي قلوب عديدة / لقد كان شعبا واحدا فتشعّبا
و يا ربّ من أجل الطفولة وحدها / أفض بركات السلم شرقا و مغربا
و ردّ الأذى عن كلّ شعب و إن يكن / كفورا و أحببه و إن كان مذنبا
و صن ضحكة الأطفال يا ربّ إنّها / إذا غرّدت في موحش الرمل أعشبا
ملائك لا الجنّات أنجبن مثلهم / و لا خلدها _ أستغفر الله _ أنجبا
و يا ربّ حبّب كلّ طفل فلا يرى / و إن لجّ في الإعنات وجها مقطّبا
و هيّئ له في كلّ قلب صبابة / و في كلّ لقيا مرحبا ثمّ مرحبا
و يا ربّ : إنّ القلب ملكك إن تشأ / رددت محيل القلب ريّان مخصبا
و يا ربّ في ضيق الزّمان و عسره / أرى الصّبر آفاقا أعزّ و أرحبا
صليب على غمز الخطوب و عسفها / و لولا زغاليل القطا كنت أصلبا
و لي صاحب أعقيته من موّدتي / و ما كان مجنون الغرور ليصحبا
غريبان لكنّي وفي و ما وفى / و نازع حبل الودّ حتّى تقضّبا
و با ربّ هذي مهجتي و جراحها / سيبقين إلاّ عنك سرّا محجّبا
فما عرفت إلاّ قبور أحبّتي / و إلاّ لداتي في دجى الموت غيّبا
و ما لمت في سكب الدّموع فلم تكن / خلقت دموع العين إلاّ لتسكبا
و لكنّ لي في صون دمعي مذهبا / فمن شاء عاناه و من شاء نكّبا
و يا ربّ لأحزاني وضاء كأنّني / سكبت عليهنّ الأصيل المذهّبا
ترصّد نجم الصبح منهنّ نظرة / و أشرف من عليائه و ترقّبا
فأرخيت آلاف الستور كأنّني / أمدّ على حال من النّور غيهبا
فغوّر نجم الصّبح يأسا و ما أرى / على طهره _ حتّى بنانا مخضّبا
و قد تبهر الأحزان و هي سوافر / و لكنّ أحلاهنّ حزن تنقّبا
و يا ربّ : درب الحياة سلكته / و ما حدت عنه لو عرفت المغيّبا
و لي وطن أكبرته عن ملامة / و أغليه أن يدعى _ على الذّنب مذنبا
و أغليه حتّى قذ فتحت جوانحي / أدلّل فيهنّ الرّجاء المخيّبا
تنكّر لي عند المشيب و لا قلى / فمن بعض نعماه الكهولة و الصبا
و من حقّه أن أحمل الجرح راضيا / و من حقّه أن لا ألوم و أعتبا
و ما ضقت ذرعا بالمشيب فإنّني / رأيت الضحى كالسّيف عريان أشيبا
يمزّق قلبي البعد عمّن أحبّهم / و لكن رأيت الذلّ أخشن مركبا
و أستعطف التاريخ ضنّا بأمّتي / ليمحو ما أجزى به لا ليكتبا
و يا ربّ : عزّ من أميّة لا انطوى / و يا ربّ : نور وهّج الشرق لا خبا
و أعشق برق الشام إن كان ممطرا / حنونا بسقياه و إن كان خلّبا
و أهوى الأديم السّمح ريّان مخصبا / سنابله نشوى و أهواه مجدبا
مآرب لي في الرّبوتين و دمّر / فمن شمّ عطرا شمّ لي فيه مأربا
سقى الله عند اللاذقيّة شاطئا / مراحا لأحلامي و مغنى و ملعبا
و أرضى ذرى الطّود الأشمّ فطالما / تحدّى و سامى كلّ نجم و أتعبا
و جاد ثرى الشهباء عطرا كأنّه / على القبر من قلبي أريق و ذوّبا
و حيّا فلم يخطئ حماة غمامه / وزفّ لحمص العيش ريّان طيّبا
و نضّر في حوران سهلا و شاهقا / و باكر بالنّعمى غنّيا و متربا
و جلجل في أرض الجزيرة صيّب / يزاحم في السّقيا و في الحسن صيّبا
سحائب من شرق و غرب يلمّها / من الريح راع أهوج العنف مفضبا
له البرق سوط لا تندّ غمامة / لتشرد إلاّ حزّ فيها و ألهبا
يؤلفها حينا و تطفر جفّلا / و حاول لم يقنط إلى أن تغلّبا
أنخن على طول السماء و عرضها / يزاحم منها المنكب الضخم منكبا
فلم أدر هل أمّ السماء قطيعه / من الغيم أو أمّ الخباء المطنّبا
تبرّج للصحراء قبل انسكابه / فلو كان للصحراء ريق تحلّبا
و تعذر طلّ الفجر لم يرو صاديا / و لكنّه بلّ الرّمال و رطّبا
و يسكرها أن تشهد الغيم مقبلا / و أن تتملاّه و أن تترقّبا
كأنّ طباع الغيد فيه فإن دنا / قليلا . نأى حتّى لقد عزّ مطلبا
و يطمعها حتّى إذا جنّ شوقها / إليه انثنى عن دربها و تجنّبا
تعدّ ليالي هجره و سجيّة / بكلّ مشوق أن يعدّ و يحسبا
و يبده بالسقيا على غير موعد / فما هي إلاّ لمحة وتصبّبا
كذلك لطف الله في كلّ محنة / و إن حشد الدّهر القنوط و ألّبا
إلى أن جلاها كالكعاب تزيّنت / لتحسد من أترابها أو لتخطبا
و مرّت على سمر الخيام غمامة / تجرّ على صاد من الرّمل هيدبا
نطاف عذاب رشّها الغيم لؤلؤا / وتبرا فما أغنى و أزهى و أعجبا
حبت كلّ ذي روح كريم عطائها / فلم تنس آراما و لم تنس أذؤبا
و جنّت مهاة الرّمل حتّى لغازلت / و جنّ حمام الأيك حتّى لشبّبا
و طاف الحمام السمح في البيد ناسكا / إلى الله في سقيا الظماء تقرّبا
عواطل مرّ المزن فيهنّ صائغا / ففضّض في تلك السّهول و ذهّبا
و ردّ الرّمال السمر خضرا و حاكها / سماء و أغناها و رشّ و كوكبا
و ردّ ضروع الشاء بالدرّ حفّلا / لترضع حملانا جياعا و تحلبا
و حرّك في البيد الحياة و سرّها / فما هامد في البيد إلا توثّبا
و لا عب في حال من الرّمل ربربا / و ضاحك في غال من الوشي ربربا
و جمّع ألوان الضياء و رشّها / فأحمر ورديّا و أشقر أصهبا
و أخضر بين الأيك و البحر حائرا / و أبيض بالوهج السماوي مشربا
و لونا من السّمراء صيغت فتونه / بياضا نعم لكن بياضا تعرّبا
أتدري الرّبى أنّ السماوات سافرت / لتشهد دنيانا فأغفلت على الربى
ألمّ بكفي النجوم و أنتقي / مزرّرها في باقتي و المعصّبا
دياري و أهلي بارك الله فيهما / و ردّ الرّياح الهوج أحنى من الصبا
و أقسم أنّي ما سألت بحبّها / جزاء و لا أغليت جاها و منصبا
و لا كان قلبي منزل الحقد و الأذى / فإنّي رأيت الحقد خزيان متعبا
تغرّب عن مخضلّة الدوح بلبل / فشرّق في الدنيا وحيدا و غرّبا
و غمّس في العطر الإلهيّ جانحا / و زفّ من النّور الإلهيّ موكبا
تحمّل جرحا داميا في فؤاده / و غنّى على نأي فأشجى و أطربا
بنور على أم القرى و بطيب
بنور على أم القرى و بطيب / غسلت فؤادي من أسى و لهيب
لثمت الثّرى سبعا و كحّلت مقلتي / بحسن كأسرار السماء مهيب
و أمسكت قلبي لا يطير إلى (منى) / بأعبائه من لهفة و وجيب
فيا مهجتي : وادي الأمين محمد / خصيب الهدى : و الزرع غير خصيب
هنا الكعبة الزّهراء . و الوحي و الشذا / هنا النور. فافني في هواه و ذوبي
و يا مهجتي : بين الحطيم و زمزم / تركت دموعي شافعا لذنوبي
و في الكعبة الزهراء زيّنت لوعتي / و عطّر أبواب السماء نحيبي
و ردّدت الصحراء شرقا و مغربا / صدى نغم من لوعة و رتوب
تلاقوا عليها من غني و معدم / و من صبية زغب الجناح و شيب
نظائر فيها : بردهم برد محرم / يضوع شذا : و القلب قلب منيب
أناخوا الذنوب المثقلات لواغبا / بأفيح من عفو الإله رحيب
و ذلّ لعزّ الله كلّ مسوّد / ورقّ لخوف الله كلّ صليب
و لو أنّ عندي للشّباب بقيّة / خففت إليها فوق ظهر نجيب
و لي غفوة في كلّ ظلّ لقيته / و وقفة سقيا عند كلّ قليب
هتكت حجاب الصّمت بيني و بينها / (بشبّابة) سكرى الحنين خلوب
حسبت بها جنّيّة (معبدية) / و فرّجت عن غماّئها بثقوب
و ركب عليها وسم أخفاق عيسهم / وهام تهاوت للكرى و جنوب
و ألف سراب ما كفرت بحسنها / و إن فاجأت غدرانها بنضوب
و ضجّة صمت جلجلت . ثمّ وادعت / و رقّت كأخفى همسة و دبيب
و أطياف جنّ في بحار رمالها / تصارع حالي طفوة و رسوب
و تعطفني آلآرام فيها نوافر / إلى رشأ في الغوطتين ربيب
يعلّلني و الصدق فيه سجية / بوعد مطول باللقاء كذوب
و بدّلت حسنا ضاحك الدلّ ناعما / بحسن عنيف في الرّمال كئيب
و من صحب الصحراء هام بعالم / من السحر جنّي الطيوف رهيب
و للفلك الأسمى فضول لسرها / ففي كلّ نجم منه عين رقيب
أرى بخيال السّحب خطو محمد / على مخصب من بيدها و جديب
و سمر خيام مزّق الصمت عندها / حماحم خيل بشّرت بركوب
و نارا على نجد من الرمل أوقدت / لنجدة محروم و غوث حريب
و تكبيرة في الفجر سالت مع الصّبا / نعيم فياف و اخضلال سهوب
أشمّ الرمال السمر : في كلّ حفنة / من الرّمل دنيا من هوى و طيوب
على كلّ نجد منه نفح ملائك / و في كلّ واد منه سرّ غيوب
توحّدت بالصحراء . حتّى مغيبها / و مشهدها من مشهديّ و مغيبي
ومن هذه الصحراء أنوار مرسل / و رايات منصور . و بدع خطيب
و من هذه الصحراء شعر تبرّجت / به كلّ سكرى بالدلال عروب
تعطّر في أنغامه و رحيقه / وريّاه :عطري مبسم و سبيب
ترشّ النجوم النور فيها ممسّكا / فأترع أحلامي و أهرق كوبي
و ما أكرم الصحراء .. تصدى .. و نمنمت / لنا برد ظل كالنعيم رطيب
و يغفو لها التاريخ . حتّى ترجّه / بداهية صلب القناة أريب
شكا الدّهر ممّا أتعبته رمالها / و لم تشك فيه من ونى و لغوب
و صبر من الصحراء أحكمت نسجه / سموت به عن محنتي و كروبي
و من هذه الصحراء .. صيغت سجيّتي / فكلّ عجيب الدّهر غير عجيب
يرنّح شعري باللوى كلّ بانة / و يندى بشعري فيه كلّ كثيب
و لولا الجراح الداميات بمهجتي / لأسكر نجدا و الحجاز نسيبي
و هيهات ما لوم الكريم سجيّتي / و لا بغضه عند الجفاء نصيبي
نقلت إلى قلبي حياء و عفّة / أسارير وجهي من أسى و قطوب
و عرّتني الأيّام ممّن أحبّهم / كأيك تحاماه الرّبيع سليب
و رب ّ بعيد عنك أحلى من المنى / و ربّ قريب الدّار غير قريب
و ويح الغواني : ما أمنت خطوبها / و قد أمنت بعد المشيب خطوبي
و كيف و ثوبي للزّمان و أهله / و للشيّب أصفاد يعقن و ثوبي
أفي كلّ يوم لوعة بعد لوعة / لغربة أهل أو لفقد حبيب
و يارب : في قلبي ندوب جديدة / تريد القرى من سالفات ندوب
يريد حسابي ظالم بعد ظالم / و ما غير جبّار السماء حسيبي
و يا رب : صن بالحبّ قومي مؤلفا / شتات قلوب لا شتات دروب
و يا رب : لا تقبل صغاء بشاشة / إذ لم يصاحبه صفاء قلوب
تداووا من الجلىّ بجلىّ .. و خلّفوا / وراءهم الإسلام خير طبيب
و يا رب : في الإسلام نور و رحمة / و شوق نسيب نازح لنسيب
فألّف على الإسلام دنيا تمزّقت / إلى أمم مقهورة و شعوب
وكلّ بعيد حجّ للبيت أو هفا / إليه- و إن شطّ المزار قريبي
سجايا من الإسلام : سمح حنانها / فلا شعب عن نعمائها بغريب
و آمنت أنّ الحبّ خير ونعمة / و لا خير عندي في وغى و حروب
و كلّ خصيب الكف فتحا وصولة / فداء لكف بالعبير خضيب
و آمنت أنّ الحب و النور واحد / و يكفر بالآلاء كلّ مريب
و لو كان في وسعي حنانا و رحمة / لجنّبت أعدائي لقاء شعوبي
و يا رب : لم أشرك و لم أعرف الأذى / و صنت شبابي عنهما و مشيبي
و إنّي و إن جاوزت هذين سالما / لأكبر لولا جود عفوك حوبي
و أهرب كبرا أو حياء لزلّتي / و منك نعم لكن إليك هروبي
و أجلو عيوبي نادمات حواسرا / و أستر إلاّ في حماك عيوبي
و أيّ ذنوب ليس تمحى لشاعر / معنى بألوان الجمال طروب
و لو شهدت حور الجنان مدامعي / ترشّفن في هول الحساب غروبي
مدحت رسول الله أرجو ثوابه / و حاشا الندى أن لا يكون مثيبي
وقفت بباب الله ثمّ ببابه / وقوف ملحّ بالسؤال دؤوب
صفاء على اسم الله غير مكدّر / و حب لذات الله غير مشوب
و أزهى بتظليل الغمام لأحمد / و عذب برود من يديه سروب
فإن كان سرّ الله فوق غمامة / تظلّ و ماء سائغ لشروب
ففي معجز القرآن و الدولة التي / بناها عليه مقنع للبيب
و يا رب عند القبر قبر محمد / دعاء قريح المقلتين سليب
بجمر هوى عند الحجيج لمكّة / و دمع على طهر ( المقام ) سكوب
بشوق على نغماه ضمّ جوانح / و وجد على ريّاه زرّ جيوب
ترفّق بقومي و احمهم من ملمّة / لقد نشبت أو آذنت بنشوب
وردّ الحلوم العازبات إلى الهدى / فقد ترجع الأحلام بعد عزوب
وردّ القلوب الحاقدات إلى ند / من الحبّ فوّاح الظلال عشيب
تدفقت الأمواج و اللّيل كافر / و هبّ جنون الرّيح كلّ هبوب
رمى اليمّ انضاء السفين بمارد / من اليمّ تيّاه الحتوف غضوب
يزلزلها يمنى و يسرى مزمجرا / و يضغمها من هوله بنيوب
يرقّصها حينا و حينا يرجّها / و يوجز حالي هدأة و وثوب
و ترفعها عجلى و عجلى تحطّها / لعوب من الأمواج جدّ لعوب
و أيقن أنضاء السفينة بالردى / يطالعهم في جيئة و ذهوب
و لمّا استطال اليأس يكسو وجوههم / بألوانه من صفرة و شحوب
دعوا : يا أبا الزهراء و الحتف زاحف / عليهم : لقد وفّقتم بمجيب
و أسلست الرّيح القياد كأنها / نسيم هفا من شمأل و جنوب
و باده لطف الله من يمن أحمد / ببرد على عري الرّجاء قشيب
و أقعدني عنك الضّنى فبعثتها / شوارد شعر لم ترع بضريب
و ترشدها أطياب قبرك في الدجى / فتعصمها من حيرة و نكوب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
و عند أبي الزهراء حطّت رحالها / بساح جواد للثناء كسوب
جلوت على وادي العقيق فريدتي / ففاز حسيب منهما بحسيب
تتيه حضارات الشعوب بشاعر / و تكمل أسباب العلى بأديب
هواجسي فيك إيمان و غالية
هواجسي فيك إيمان و غالية / و أنجم و فراش تعبد اللّهبا
و سالفات رؤى حين اشتهيت لنا / في البيد خيمتها السمراء و الكثبا
هواجس أنت دنياها و معدنها / فكيف تبدع إلاّ النّور و الطربا
النازلات على قلبي و نعمته / حورا من الأفق القدسيّ لا ريبا
المترفات و أحلاها و أملحها / طيف مع الفجر من أهدابك انسربا
روى لنا عنك ما ندّى سرائرنا / من المنى السمر إن صدقا و إن كذبا
تصوّف القلب تدليلا لساكنه / فما شكى عنت البلوى و لا عتبا
و كيف يوحش قلبي من سلافته / و قد أدرت عليه الحبّ و الأدبا
يا عذبة الثغر .. لو طاف الخيال به / قرأت في وجهك الإشفاق و الغضبا
إذا تمنّاك قلب لا نجوم به / تململ الفلك الغيران و اضطربا
يردّ حسنك أهواء النفوس تقى / و يسكب الخير و الأطياب و الشهبا
كأنّه الكعبة الزهراء ما اجترحت / منى الحجيج بها إثما و لا لعبا
غيب لحبّك من نعمى اليقين به / كأنّني كاشف عن سرّه الحجبا
بيني و بينك أنساب موثّقة / هذا اللهيب بقلبي خيرها سببا
فلو بخلت بنعماء العذاب لما / نشدت عندك إلاّ جمره أربا
لم يشهد الله قلب لا لهيب به / و يشرق الله في القلب الذي التهبا
أعيذ مؤنس روحي بعد وحشتها / أن يستردّ من النعماء ما وهبا
يا ضيعة النغم الأسمى و لوعته / إذا محى الخالق الفنّان ما كتبا
شفّعت عندك حبّي في مواجعه / و ما تمزّق من قلبي و ما سلبا
أخفيت ظلمك عن نفسي لأرحمها / ثمّ ابتدعت له الأعذار و السببا
يرافقني سرابك أريحيّا
يرافقني سرابك أريحيّا / فأغمر بالرحيق و بالملاب
سراب أسمر القسمات هان / نديّ اللمح ورديّ الحباب
يزوّق لي الرّمال جنى و ظلاّ / و يغمز بالكؤوس و بالشراب
و قطّف ما ينور من طيوف / على أجفان ناهدة كعاب
و علّل بالرجاء فكان أحنى / عليّ من الأحبّة و الصحاب
محا حقد الهجير على الصحارى / و وحدتي المريرة و اغترابي
فيا نعمى القلوب و لا أداري / و يا نعمى العيون و لا أحابي
سرابك رحمة و منى حسان / سكبن طيوبهنّ على عذابي
أحثّ خطاي في اللّهب المدمّى / إلى أفيائه الخضر الرطاب
سقى عيني متارفه و روّى / ظماء الرمل بالنطف العذاب
فلو كان الشباب كما عهدنا / و هبت جزاء نعمته شبابي
بكيت من السراب فحين ولّى / و أوحدني . بكيت على السراب
و أشقاني اليقين فيا حنيني / إلى الخدع المنضّرة السوابي
مغان للسراب خفين إلاّ / طيوف الجنّ في الةهج المذاب
أتمحو يا سراب خطاك ... هوج / مواح للمعالم و القباب
يدلّ على خطاك شذا و حبّ / فأرشف ما وطئن من التراب
سقى اللخ السراب وفاء قلبي / و عطر سريرتي و صبا ربابي
و نضّره بأندى من دموعي / و دللّه بأنعم من عتابي
بما بين الجوانح من حنين / ملحّ في الشهود و في الغياب
بنار تدلّهي برؤى جنوني / بإيماني بحبّك بارتيابي
بوجهك و هو نور في صلاتي / بهمسك و هو ورد في كتابي
بعزّة لوعتي بحياء حزني / بسكري عند لمحك و اضطرابي
بأنداء الصّباح منمنمات / بما سكب الربيع على الروابي
سقى الله السراب منى بروحي / على الحرمان زاخرة العباب
فيصبح و هم نعمته يقينا / و تستغني الرمال عن السحاب
و تلثم ما أسبّح من شفاه / و ترشف ما أقدّس من رضاب
هواي سجيّة و شباب قلب / و جلّ صبا القلوب عن التصابي
خضبت بلون سمرتك المصفّى / حياتي و المحبّب من رغابي
و لامك عندنا قوم و عابوا / يجلّ النور عن لوم و عاب
و أنت النور في عيني و قلبي / على حاليك من شهد و صاب
سريرتك الضياء بلا غروب / و عيناك الغيوب بلا حجاب
وقفت بباب جاهك مطمئنا / كأنّ الدّهر و الدنيا ببابي
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو
لهيب من الذكرى و حقّك لا يخبو / متى يتلاقى بعد نأيهم الصحب
أحبّه قلبي إن بعدتم فما نأى / عن القلب لا الذكر الملحّ و لا الحبّ
على طيفكم أغمضت عيني و التقى / صيانا له في مقلتي الهدب و الهدب
جلوت القذى عنها وفاء لطيفكم / فأحلامها نعمى و مدمعها عذب
نزلتم من الذكرى بقلبي منزلا / يرفّ عليه النّور و الظلّ و الخصب
أراكم على بعد المزار فياله / حنينا تلاقى عنده البعد و القرب
و يدنيكم منه خيال مجنّح / هراقت عليه نورها الأنجم و الشهب
خيال يجوز الدّهر و الكون و المنى / و يطوي الغيوب النائيات و لا يكبو
فيا بعدها من غاية لم ترح بها / مطيّ و لا حطّ الرّحال بها ركب
و لله ما أوفى الخيال فبيننا / و بينكم منه الرّسائل و الكتب
يلمّ فيلقاكم و يشكو اليكم / من البعد ما نشكو و يصبو كما نصبو
و نظمأ لولا نهلة من رحيقه / أديرت فلا الساقي أفاق و لا الشرب
سلاف من الذكرى أديرت كؤوسها / فما شرب الندمان لكنّهم عبّوا
نعيتم فلم يخلص إلى القلب نعيكم / و لم تتقبّله البصيرة و اللّبّ
إذا مرّ وجه عابر رحت أجتلي / أساريره بشر عليهنّ أم رعب
لعلّ الذي ينعاكم كان كاذبا / فيا نعمة قد كان يحملها الكذب
يجسّ الطبيب النّبض حيران ذاهلا / و هيهات لا يغني الطبيب و لا الطبّ
و يرجو على اليأس المرير و إنّه / خداع الأماني و التعلّة و الحبّ
و للأهل أبصار روان تعلّقت / بعينيه إيجاب هنالك أم سلب
و صمت مرير دون ما فيه من أسى / بكاء الثكالى و التفجّع و الندب
فوارحمتا للنّاهلات من الصّبي / ألم يتهيّب من براءتها الخطب
غرائر من نعمى الدلال تلفّتت / فأعوزها عطف الأبوّة و الحدب
فيا للصّبي الهاني شجاني أنّه / حزين و من طبع الصبي اللهو اللّعب
فيا ربّ لا راع الطفولة رائع / و يا ربّ لا ألوى بنعمائها كرب
و يا ربّ للأطيار و الفجر و الندى / إذا شئت لا للعاصف الغصن الرطب
إذا نهلّ غرب من صغير جرى له / من الملإ الأعلى على صفوة غرب
إذا عبرات الطفل مرّت بمجدب / من النفس روّته ففارقه الجدب
دموع كعفو الله لو مرّ بردها / على الرّملة الحرّى لنضّرها العشب
و يا ربّ مر تصبح نسيما معطّرا / على كلّ محزون زعازعها النكب
و يا ربّ عندي من كنوزك حفنة / من الحبّ أذريها و لكنّها تربو
تمنّيت لو فاضت حنانا و رحمة / من الظالمين الخنزوانة و العجب
فلا يعوز الإنسان حبّ و نعمة / و لا يعوز الطّير الجداول و الحبّ
أرى الفرد لا يبقى و إن طال حكمه / و يبقى بقاء الحقّ و الزمن الشعب
و أشهد أنّ الظلم يردي فلو طغى / على السفح هضب شامخ زلزل الهضب
شكت جبروت الكثب حبّات رملها / إلى الله فانهارت مع العاصف الكثب
أبا أحمد هل يرفع الستر مرّة / عن الملأ الأعلى و تنكشف الحجب
و فزنا من النور المصون بلمحة / تقرّ بها عين و يندى بها قلب
و كشّف للأخرى صفاء مغيّب / حبيب إلى قلبي و لكنّه صعب
و لحت لنا في عالم الحقّ بدعة / من النّور يخبو كلّ حسن و لا تخبو
فرحنا نحيّي من نحبّ تحيةّ / تنازعها الشوق المبرّح و العتب
أتنأى فهلاّ وقفة يشتفي بها / خليل و يقضي حقّ لوعته صبّ
أتنأى و ما ودّعت أهلا و لا حمى / فأين الحنان السمح و الخلق الرّحب
أبا أحمد هذي المواكب أقبلت / يضيق بها شرق المنازل و الغرب
رأت بشرك المرموق في وجه أحمد / فللعين من نعمى طلاقته شرب
أبا أحمد في ذمّة الله صارم / من الحقّ لا يشكو الضراب و لا ينبو
يمان محلّى فهو في السلم زينة / و تكشف عنف الموت في حدّة الحرب
سقى الله بالذكرى على غير حاجة / و لا حاد عن أطيابها الغدق السكب
عهودا لنا كالنور أمّا نعيمها / فسمح لمن يهوى مفاتنه نهب
لبسن الصبى بردا فلا خزّ فارس / يدلّ و لا الديباج و الوشي و العصب
عهود نجيبات الأصائل و الضحى / و إن قلّ في الإنسان و الزّمن النجب
و لله ما أحلى مرابع لهونا / ينادم تربا في خمائلها ترب
ينيخ ذوو الحاجات فيها رحالهم / و تصهل في أفيائها الضمّر القبّ
أحنّ إذا فارقتني بعض ساعة / و تحمد في الحبّ اللّجاجة لا الغبّ
شببنا على محض الوفاء وصفوه / كذلك آبائي و آباؤكم شبّوا
و يجمعنا نجر قريب سمت به / لغسّان أقيال غطارفة نجب
و حب رمته في اللّهيب لصهره / صروف الليالي و القطيعة و الذنب
و كأس تساقينا ثلاثين حجّة / عذوبتها طبع و تقطيبها كسب
أشمّ عبيرا من ترابك عاطرا / أمنك استعار العطر و النضرة الترب
فحيّت ثراك المزن كفّك لا الحيا / و جادته بالسّقيا يمينك لا السحب
أتسمع أنّه صوت الشباب
أتسمع أنّه صوت الشباب / فدته النفس من داع مجاب
و ما غير الشباب حمى عزيز / يرجّى للثواب و للعقاب
أبا النشء الجديد بنيت نشأ / من الأخلاق و الأدب اللباب
هنيئا ما أصابك من خطوب / و ما لاقيت من محن صعاب
و ما غالبت من زمن و ناس / و أنت الليث ينهد للغلاب
و أعوام الشبيبة و هي تطوى / على شمل شتيت و اغتراب
تجاهر بالحقيقة لا تداري / و تصدع بالنصيحة لا تحابي
تعهّدت الشباب فمن قصيد / سقيت به البيان إلى كتاب
دعوتهم إلى الفصحى فلبّوا / و بورك في الدعاء المستجاب
جلوت فتونها فهفوا إليها / و فلّت حدّة النّفر الغضاب
و ما اختلفوا على الأنساب إلاّ / هديتهم إلى النسب القراب
تؤلّف بينهم و تذود عنهم / ذياد الليث عن أشبال غاب
أتذكر في الشام لنا عهودا / معطّرة كأنفاس الكعاب
بدمّر لا السفوح معطّلات / من الغزل النديّ و لا الروابي
و هل عند الخمائل ما قطفنا / من الفتن المنوّرة العذاب
نطوّف ما نطوّف ثمّ نأوي / إل أفنانها النضر الرطاب
و ننشدها النسيب على ذبول / فيغنيها النسيب عن الرباب
ورود الشام تسكرها القوافي / و تهفو للتوجّع و العتاب
و تطرب للنديّ من المعاني / فتجزي بالظلال ز بالملاب
لئن نضرت خمائلها فإنّي / خلعت على خمائلها شبابي
و ودّعت الصبى فيها حميدا / و رحت أغشّ قلبي بالتّصابي
أحنّ إلى شبابي حين أهفو / إلى تلك المعالم و القباب
و من ينعم بصحبته فإنّي / جنى مرّ الإباء على صحابي
لدات طفولتي ذهبوا تباعا / و عاقتني الخطوب عن الذهاب
أسائل عنهم فأرى وجوما / فأغضي قد عثرت على الجواب
و أسمع للقبور صدى وجيعا / حنين الغائبين إلى الإياب
سقى تلك القبور دمي و دمعي / وجلّ القبر عن سقيا السحاب
و من فوق التراب فدى بدور / خبا لألاؤها تحت التراب
أتعذلني و قلبي في وجيب / من الذكرى و دمعي في انسكاب
فديتك إن بكيت أسى و ذكرى / فهذا الدمع لم يك في حسابي
و عيدك بهجة الدنيا عليه / رواء من شمائلك السوابي
صحبتك في الشام و كنت برّا / تخاطبني و تلطف في خطابي
تعلّمني الوسيم من القوافي / و تهديني القويم من الشّعاب
و تكرم مشهدي و تذود عنّي / إذا الحسّاد أنطقها غيابي
فتاك و إن تأوّلت الأعادي / و لجّت في أذاي و في اغتيابي
و غسّان العلى قومي و لكن / إلى آدابك الغرّ انتسابي
أ أكرم حبّنا أصفى و أسمى
أ أكرم حبّنا أصفى و أسمى / على عنت الخطوب من العتاب
و ما عزّيت حين ألمّ خطب / مصابك في جلالته مصابي
أخا الجلّى و رب أخ تعرّى / لدى الجلّى عن الحسب القراب
أحبّك للنبيل من المعالي / و للعطر السّريّ من الرغاب
و أنت إذا تحدتك الرزايا / ضياء الشمس يسخر بالسحاب
تحنّ إليك عند البعد روحي / حنين الورد للنّطف العذاب
و حبّك نعمة الدنيا و أحلى / من النّعمى شمائلك السوابي
لي موطن في ربى لبنان ممتنع
لي موطن في ربى لبنان ممتنع / و لي بنو العمّ من أبنائه النجب
إن فاتهم معقل يوم الوغى أشب / بنوا من السمر صرح المعقل الأشب
و لو مشى الموت في شهباء معلمة / مشوا إلى الموت في الهنديّة القضب
لبنان و الغوطة الخضراء ضمّهما / ما شئت من أدب عال و من نسب
ما في اتّحادهما تالله من عجب / هذا الفراق لعمري منتهى العجب
للخلف في الناس أنواع و أغربها / خلف الشقيقين من قومي بلا سبب
كلّ الربوع ربوع العرب لي وطن / ما بين مبتعد منها و مقترب
للضّاد ترجع أنساب مفرّقة / فالضاد بحلق غريب الدار مغتصب
من مبلغ فتية الحيّين مألكة / كالسهم ريش فإن سدّدته يصب
فيم التخاذل لا فلّت جموعكم / و الدهر يزحف بالأرزاء و النوب
مالي و للناس جدّ الناس كلّهم / و ضاع قومي بين الجدّ و اللعب
هل لابن دجلة حقّ غير مغتصب / أم لابن جلّق إرث غير منتهب
أين الشباب و فتيان غطارفة / كالأسد في الغيل ما واثبها تثب
اليعربيّون لا حقد و لا غضب / قد يسلب الحقّ بين الحقد و الغضب
غنّيت قومي بالأشعار أطربهم / لو يسمع القوم شدو الشاعر الطرب
و أحزن الشعر بيت راح ينشده / دمع تحدّر من أجفان مكتئب
خير القصائد ما أوحته عاطفة / فسار في كلّ دنيا غير مغترب
و للطبيعة شعر راح يسكرني / فهل جرت في قوافيه ابنة العنب
قرأته في النجوم الزهر عن كثب / وفي صفاء العيون النجل عن كثب
قد كان لي أرب طاح الزمان به / فيا شقاء فتى يحيا بلا أرب
و كان لي مقول كالسيف منصلتا / فحطّم الظلم حدّ المقول الذّرب
لأرحلنّ فلي في الأرض متّسع / إن ضاق بي صدر هذا الموطن الرحب
هل نسيت هند زمان الصبا
هل نسيت هند زمان الصبا / لله ما أحلى زمان الصبا
إذ نحن كالأطيار في شدوها / طفلان يختالان بين الربى
نلعب في الكرم و لا بدعة / سعادة الطفلين أن يلعبا
أحذر أن تغضب من هفوة / و تحذر الحسناء أن أغضبا
يا هند عفوا و اغفري زلّتي / إن أنا هيّجت لهيبا خبا
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
الكرم هل أطياره لم تزل / تشدو على أغصانه الناعمة
و الروض هل أزهاره لم تزل / ثغورها مفترّة باسمة
صفصافة الجدول هل مسّها / داعي الردى أم لم تزل قائمة
يا طالما غنّى بألحانه / و أنت في أفيائها نائمة
لا تنفري منّي و لا تغضبي / و لا تكوني في الهوى ظالمة
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
مررت بالغابة مستعبرا / و الليل قد أرخى سدول الظلام
فقلت و الذكرى أثارت هوى / خبا بقلبي منذ عام و عام
هنا تساقينا كؤوس الهوى / هنا تعانقنا عناق الغرام
هنا تلاقينا هنا ودّعت / هنا أشارت كفّها بالسلام
مالي أرى دمعك واحسرتي / منسجما يا هند أيّ انسجام
من ذا الذي قبلته أثّرت / بورد خدّيك فدته الورود
إستقبلي يا هند فتّانة / ضاحكة عهد غرام جديد
أنا أشقي في الهوى فابسمي / بسمة عطف لمحب سعيد
و ذلك الحبّ القديم الذي / مات تناسيه و تلك العهود
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
يا هند و الموت مشى مسرعا / إلى شبابي مؤذنا بالفراق
قضى على جسمي يا ليته / قضى على اللّوعة و الإشتياق
حين تمدّين يدا بضّة / ناعمة مترفة للعناق
فيلتقي الثغران في قبلة / تسكر كالخمر نديّ المذاق
إن كانت الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا نحزني
و حين تمشين الهوينا و قد / أقبلت الشمس تريد المغيب
بين ورود ضحكت للندى / ثغورها نشوى اخضلال و طيب
لا تدخلي الغابة لا تدخلي / فإنّ في الغابة قبر الغريب
قبرحبيب قد تناسيته أهكذا / ينسى الحبيب الحبيب
و اجتنبي الغابة لا تخرقي / حرمة ذيّاك السكون المهيب
فإنّما الذكرى تثير الأسى / لا تذكري الماضي و لا تحزني
هل عند أنجمك الضواحك ما بي
هل عند أنجمك الضواحك ما بي / يا ليل إشراكي و صبح متابي
طهّرت آثامي البريئة في لظى / قبل كأحلام النّعيم عذاب
فأدر عليّ سلاف ريقك و اسقني / و اسق النّديم سلافة الأعناب
و إذا عتبت على لماك فربّما / سمح الحبيب برشفة الأعتاب
و سّدتك اليمنى لعلّي في غد / أرد الحساب و وجنتاك كتابي
و نعمت ألمح في جفونك رغبة / خجلى صريعة نشوة و دعاب
لا تغف تحلم بالنجوم فيرتمي / منها لرشف لماك ألف شهاب
لا تغف و أثم في هواك و لا تخف / نسكي أمانك في غد و ثوابي
هيهات وزرك لا أنوء بحمله / إن صحّ أمر قيامة و حساب
يا ربّ عفوك قد ثملت فخلّني / لغوايتي و تهتّكي و شرابي
و جنون أحلامي تثور عنيفة / حمراء بين معالم و قباب
سفكت دمي و ألحّ في إرضائها / فتعافه و تلحّ في إغضابي
أحلام جبّار السماوات العلى / نزلت عليّ و ضمّها جلبابي
خلقت ببيدائي الظميئة جنّة / ثرثارة الألوان و الأطياب
يأوي إلى رحماتها و حنانها / قلم الحكيم و منجل الحطّاب
فإذا الحياة على جلالة قدره / داري و هذا الأفق بعض رحابي
و إذا الكواكب من لدات طفولتي / و الكون و الأجيال من أصحابي
نزلت على فقري و أعوزها / القرى هذا دمي و لبانتي و شبابي
و ثمالة في الكأس أغفلها / الهوى لمصرّعين غطارف أنجاب
صرفا و أشفق من عنيف خمارها / ساقي الكؤوس فشجّها برضاب
ذاك البيان على مرارة كأسه / سكر العقول و فتنة الألباب
و تخاله قطع الرّياض تفتّحت / فيها الخمائل عن أغرّ عجاب
نشوى بأنداء الصباح يديرها / ساقي الرّبيع مزعفر الجلباب
و الحكمة الغرّاء في كلماته / : نور البيان و حلية الآداب
أفضى إلى الأخلاق و هي مصونة / أتراه يكتم سرّها و يحابي
مالي و للأخلاق يغمر سرّها / عنت الغبيّ و خدعة المتغابي
ألغدر في داود بعد مشيبه / و رعاية الأضياف من راحاب
ظمأى إلى القبل الأثيمة عذبة / كالبابليّ مريرة كالصّاب
قامت بأعباء الوفاء و لم تقم / فيه جلال الملك و الأحساب
و أبت لضيفيها الحبائل بعدما / وردا حبائل عريها الجذّاب ؟
مرحى لبائعة السرور و لا انطوت / ذكراك من نشوى الدّلال كعاب
أزرى بعفّتك الجمال و خلفه / سكران سكر هوى و سكر شباب
مرحى و إن عصر الشقاء سلافة / من وجنتيك أثيمة الأكواب
مرحى و في عينيك من صور الهوى / ما لا يعدّ و من رؤى الأحباب
محراب حسنك قد وقفت ببابه / و سجدت أعبد دمية المحراب
و لمحت فيه جلال حسنك راقدا / فوق الشفاه اللّعس و الأهداب
و سكرت من أحلامه بسلافة / عجب و من آهاته بملاب
جبت الظلام فلم أدع من دجنة / إلاّ غدائر شعرك المنجاب
و لقد تبيّنت الهوى لم يخفه / في مخدع الشهوات ألف نقاب
في ذمّة الذكرى بقايا ليلة / عريانة مجنونة الآراب ...
و يريغه عنّي النعيم فأنثني / لأراه في العبرات و الأوصاب
و سخرت بالأوهام عصر شبيبتي / و حسبت فيض الماء لمع سراب
فاليوم تخشع للخرافة حكمتي / و يطوف حول قبابها إعجابي
و أرى به طيف الحقيقة كامنا / خلف الحجاب ولات حين حجاب
قتلت هواي و حكمتي و تجاربي / فأنا الشّهيد و هذه أسلابي
حسناء تلتفع البرود قديمة / يا ليتها رضيت جديد إهابي
فاخشع لحالية الشباب و ربّما / شهدت و كان الدّهر في الغيّاب
تفنى لتقتبل الحياة نضيرة / سمجاء بعد تنازع و غلاب
عبدت و سبّت فهي منذ تبرّجت / للكون بين عبادة و سباب
مثل الحقيقة كالجمال و ربّما / متّت إليه بأقرب الأسباب
للمشرق الضاحي الأغرّ قلادة / من و للشفق المريض الخابي
الصبح مرموق الضياء منوّر / و الليل ريّان الملاحة سابي
سبحان من نثر الحقيقة حفنة / قدسيّة من حكمة و صواب
تذري الرّياح بها مدامع رحمة / بين العقائد أو سياط عذاب
فالمح نثير ضيائها فيما ترى / من دعوة و خرافة و كتاب
لولا التقى لرأيت بعض جلالها / جمالها برسالة ( الكذّاب)
يا سيّد الصرح الممردّ دونه / حجب المنون و قسوة الحجّاب
رفعته من جنّ السماء عصابة / فبدا أشمّ على أشمّ عقاب
العدل و التوحيد في ذرواته / و عبادة الأزلام و الأنصاب
بيت الحقيقة طاف في أركانه / ذلّ العبيد و عزّة الأرباب
و علت مع الأوراد في غلس الدّجى / أغنيّة للحبّ من زرياب
و تعانق البغضاء حول قبابه / يتألّقون شوارد الأحساب
و حنا اليقين على الجحودو ما حنا / إلا على الخلصاء و الأتراب
تتخايل الأسرار فيه و تختفي / معها طيوف السحر و الإغراب
و ترى على الشرفات أشباح الرؤى / تصغي و ينشدها إله الغاب
و تحسّ بالنغمات تعتنق الدجى / و تثير من وجد و من إطراب
نغم الخفاء تجاوبت أصداؤه / في موحش غمر الرّمال يباب
و إلهة الوادي تثور بعريها / وثبا للجّة نهره المنساب
فيضمّها عريانة مقرورة / نشوى بعنف غرامه الصخّاب
لو أنّ خدّيها إليك و ثغرها / لقطفت من ورد و من عنّاب
أشرق بلألاء اليقين و سرّه / فالأنبياء و آلهم في الباب
عيسى و رحمته و أحمد و الرؤى / و الوحي نور مفاوز و شعاب
و ربيب مصر تطوف حول جماله / ريب الغيور و خدعة المغتاب
يدعو أفانين الهوى فتجيبه / و دعا هواك فلم يفز بجواب
و الفاتحون من الملوك كأنّهم / عقبان جوّ أو قساور غاب
ألدرّة البيضاء دون جمالها / سود المنون بزخرة و عباب
حملوا اللألي و السلافة و المنى / و غرائب الألطاف و الأجلاب
و حملت أسمالي إليك و شافعي / لهوى فتاتك غربتي و عذابي
فاسخر بإدلالي عليك و قل لها / ما شأن هذا الأشعث الجوّاب