المجموع : 37
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ
أرجُ الشبابِ وخمرُه المسكوبُ / لَيفوحُ من أردانِكُمْ ويطيبُ
ومنَ الربيعِ نضارةٌ بوجوهكم / تَنْدىَ ومن شهدِ الحياةِ ضَريبُ
ومنَ الفُتوّةِ سَلْسَلٌ متحدرٌ / مما يفيضُ يكادُ يُترَعُ كوبُ
وَلأنتُمُ إن غاب نجمٌ يُقتدى / أو حُمَّ خَطبٌ حالِكٌ غِرْبيب
وتأزمت كُرَبٌ وضاقت خطّةٌ / واستوحشتْ طرقٌ لنا ودُروب
سُرُجٌ تنير الخابطين وأنْجُمٌ / نغدو على أضوائها وَنَؤُوب
تتجهّمُ الدُّنيا ويعبسُ باسمٌ / منها ويعتوِرُ الحياةَ قُطُوب
حتى إذا ابتسمَ الشبابُ تذَوَّبَتْ / كالغيمِ في الصّحوِ الجميلِ يذوب
يا عاكفينَ على الدُّروس كأنَّهُم / غُلْبُ الصُّقورِ من الظَماء تلوب
والعازفين عن اللذائذِ همُّهمْ / جَرَسٌ يُدقُّ ومِنبرٌ وخطيب
تركوا مواعيدَ الحِسانِ وعندَهُم / بين المقاعدِ مَوْعدٌ مَضروب
أشهى من الوجهِ الجميلِ إليهمُ / وجهُ الكتابِ وَوُدُّهُ المخطوب
إن العراقَ بلا نصيرٍ منكم / وبلا مُجيرٍ مُقفِرٌ وجديب
عاشت سواعدُكُم فهن ضوامنٌ / أن يُسْتَرَدَّ من الحقوقِ سليب
وَزَكتْ عواطِفُكُمْ فأَيةُ ثروةٍ / منها نكافيءُ مُخلِصاً ونُثيب
وَلأْنتُمُ أنْتُمْ وليس سواكمُ / أملُ البلادِ وذُخْرُها المطلوب
وَلأْنتُمُ إذ لا ضمائرَ تُرْتَجَى / للرافدَيْن ضمائرٌ وقلوب
ولأنتُمُ إن شوّشتْ صفحاتِنا / مما أُجِدَّ نقائصٌ وذُنوب
الطّاهرونَ كأنهمْ ماءُ السّما / لم يَلْتَصِقْ دَرَنٌّ بِهِمْ وعيوب
إنّا وقد جُزْنا المَدَى وتقاربتْ / آجالُنا وأمضّنا التجريب
وتحالفتْ أطوارُنا وتمازَجَتْ / ونبا بنا التَقريعُ والتأنيب
وتخاذَلَتْ خُطواتُنا من فَرْط ما / جَدَّ السُّرى والشدُّ والتقريب
لنَراكُمُ المثلَ العليَّ لأمّةٍ / ترمي إلى أهدافها وتُصيب
هي أُمّةٌ لم تحتضن آمالها / وغداً إلى أحضانِكُمْ ستؤوب
وغداً يُكفَّرُ والدٌ عما جنى / ظلماً على يدِ إبنه ويتوب
فتماسكوا فغدٌ قريبٌ فَجْرُهُ / منكم وكلُّ مُؤمَّلٍ لَقَريب
وِتَطلّعوا يُنِرِ الطريقَ أمامَكم / قَبَسٌ يشعُّ منارهُ مَشبوب
وتحالفوا أنْ لا يُفّرِقَ بينكم / غاوٍ .ولا يَنْدسَّ فيكُمْ ذيب
وتذكّروا المستعمرينَ فانَّهُمْ / سَوْطٌ على هذي البلادِ وحُوب
فتفهمّوا إنَّ العراق بخيره / وثرائه لطَغامِهِمْ منهوب
وتميزوا فهناك وجهٌ سافرٌ / منهمْ وآخرُ بالخنا محجوب
وسويّة في خِزيّةٍ مستعمرٌ / أو مَنْ يُقيمُ مقامَه ويُنيب
إياكُمُ أنْ تُخدعوا بنجاحكم / فيما هو المقروءُ والمكتوب
أو تَحْسَبوُا أن الطريقَ كعهدِكم / بين الصفوفِ " معبّدٌ " ورحيب
ان الحياة سيبلوَنَّ جهادَكم / منها نجاحٌ مرهِقٌ ورسوب
ومُسَهَّدينَ جزاهُمُ عن ليلِهِمْ / اللهُ والتعليمُ والتدريب
أضناهُمُ تعبٌ وخيرُ مجاهدٍ / مُضنى يُعَبِّئُ أمّةً " متعوب "
أأُخيَّ " عبودٌ " ولستَ بمُعوِزٍ / مدحاً ولكنَّ الجُحودَ مَعيب
إن كان مسَّك و الحسينَ كلالةٌ / أو كان نالكما عناً ولُغُوب
فلأنتما والشاعرون سويةٌ / كالشمع يَهدي غيرَه ويذوب
أُلاء غرسُكما فهل مِنْ غارسٍ / يزكو كهذا غرسُه ويَطيب
وهلِ الخلودُ ألَذُّ مما أنتما / فيه وأمرُ الخالدينَ عجيب
لا يحسبون وجودَهم ووجودُهم / قبلَ الوجودِ وفوقه محسوب
عَتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ
عَتَبْتُ وماليَ مِن مَعتبِ / على زَمَنٍ حُوَّلٍ قُلَّبِ
أُنلصِقُ بالدهر ما نجتوي / ونختصُّ نحن بما نجتبي ؟!
كأنَّ الذي جاء بالمَخْبثاتِ / غيرُ الذي جاء بالطَّيب!
وما الدهرُ إلا أخو حَيدةٍ / مُطلٌ على شرَفٍ يرتبي
يُسجّلُ معركةَ الكائناتِ / مثلِ المُسجّل في مَكتب
فما للزمانِ وكفّي إذا / قَبضتُ على حُمةَ العقرب؟!
وما للَّيالي ومغرورةٍ / تُجَشِّمُني خَطرَ المركب؟
بِنابيَ مِن قبلِ نابِ الزمان / ومن قبل مِخلبه مِخلبي
تَفَرَّى أديميَ لم أحَترِس / عليه احتفاظاً ولم أحدَب!
بناءٌ أُقيمَ بجَهد الجُهود / وَسهرةِ أُمٍّ ورُعْيا أب
وأضْفَتْ عليه الدروسُ الثِقالُ / لوناً من الأدب المُعْجِب
عَدوتُ عليه فهدَّمتُه / كأن ليس لي فيه من مطلب!
يداي َ أعانت يدَ الحادثات / فَرُنِّقَ طوع يدي مشربي
أجِد وأعلمُ عِلمَ اليقين / بأني من الدهر في ملعب!
وأنّ الحياةَ حَصيدُ الممات / وان الشروقَ أخو المغرب!
وإني على قدْر ما كان / بالفُجاءاتِ مِن قَسوةٍ كان بي
بَعثْنَ البَواعثَ يَصْطَدنَني / وأبصرتُ مَنجى فلم أهرب!
وثارتْ مُخّيلتي تَدَّعي / بأنَّ التَنزُّلَ مَرعى وبي
وأن الخيانةَ ما لا يجوزُ / وأنَّ التقلّبَ للثعلب
وأنْ ليس في الشرِّ من مغنم / يُعادِلُ ما فيه مِن مَثْلَب
ولما أُخِذْتُ بها وانثنيتْ / نزولاً على حُكمها المُرهِب
ووَطَّنْتُ نفسي كما تشتهي / على مَطْعمٍ خَشِنٍ أجْشَب
مشى للِمثالبِ ذو فِطنةٍ / بقوَّةِ ذي لِبد أغلب
جَسورٍ رأي أنّ مَن يَقتحمْ / يُحكَّمْ ومن يَنكمشْ يُنْهَب
وأفرغَها من صُنوفِ الخِداعِ / والغشَّ في قالبٍ مُذْهَب
فرفَّتْ عليه رَفيفَ الأقاح / في مَنبِت نَضرٍ مُعشِب
تُسمَّى خَلائقَ محمودةً / ويُدعَ ى أبا الخُلُقِ الأطيب!
وراحَ سليماً من الموبقات / ورُحتُ كذي عاهةٍ أجرب!
ولم أدرهِها عِظَةً مُرَّةً / بأني متى أحَترِسْ أُغلَب
ولكنْ زَعمتُ بأن الزمانَ / دانٍ يُسفُّ مع الهيدَب
ويومٍ لَبستُ عليه الحياةَ / سوداء كاللَّيلة الَغْيهَب
أرى بَسمةَ الفجرِ مثلَ البُكاء / وَشدْوَ البَلابل كالمَنْعب!
وبِتُّ عكوفاً على غُمَّتي / حريصاً على المنظر المُكْرِب!
وَبعثرتُ هاجعةَ الذكريات / أُفَتّشُ عن شَبَحٍ مُرعِب!
حَملتُ همومي على مَنكِبٍ / وهمَّ سوايَ على مَنكِب
ولاشيتُ نفسيَ في الأبعدين / أُفكّرُ فيهمْ وفي الأقرب!
ولمَّا فَطَنتُ على حالة / تَليقُ بمنتحِرٍ مُحرِب..
نسيتُ بأني اقَترفْتُ الذنوبَ / وانصَعتُ أبحثُ عن مُذنِب!
أخذتُ بمخنَق هذا الزمان / لم يفتَكِرْ بي ولم يحسِب!
ويومٍ تَنَعَّمْتُ مِن لَذَّةٍ / متى لم أُنعَّمْ بها تذهب
ولمَّا انطوتْ مثلَ أشباهِها / وكلُّ مَسيلٍ الى مَنضَبِ
تَخيَّلتُ حِرصاً بأن الزمان / عدوُّ اللُبانةِ والمأرَب
وأنّ الطبيعةَ والكائناتِ / ما يَستبينُ وما يَختبي
تألبنَ يَسلُبْني فُرصةً / من العُمْرِ إنْ تنألا تَقْرُب!
وأن الزمانَ مشى مُسرعاً / يُزاحمُ مَوكُبهُ مَوكبي !
وأن الكواكبَ طُرّاً سعُدْنَ / ولم يَشْقَ منها سوى كوكبي
وأنيَ لو كنت في غَمرةٍ / مِن الفكر أو خاطرٍ مُتعِب
لقَلَّلَ من خَطوِهِ جاهداً / كمشْيَةِ مُثْقلةٍ مُقرب!
ورُحتُ أُشبِّهُ ما فاتني / من العيش بالبارق الخُلَّب
مُغاَلطَةً إنّ شرَّ العَزاءِ / تعليلُ نفسك بالمُكذَب!
وإني على أن هذا المزاج / رمانيَ بالمُرهِق المُنْصِب
وكنتُ على رُغم عُقْمِ الخليِّ / أهوى حياةَ خليٍّ غبي
لأحمِلُ للفُرَص السانحاتِ / وللأرْيحيَّة نفْسَ الصبي
طليقاً من التَبِعات الكثارِ / حُرَّ العقيدة والمذهب
طَموحاً وأعرفُ عُقْبى الطُموح / فلا بالدَّعِيِّ ولا المُعْجَب
تَمَتَّعْتُ في رَغدٍ مُخصِب / وهُذّبتُ في يَبَسٍ مُجدِب
و أفضَلُ من رَوَحاتِ النعيم / على النفس مَسغبَةُ المُترِب
فانْ جِئتُ بالمُوجعِ المشتكي / فقد جئتُ بالمُرقِص المُطرِب!
دَع الدهرِ يذهبْ على رِسْلهِ / وسرْ أنتَ وحدكَ في مَذهب
ولا تَحتفِل بكتاباتهِ / أرِدْ أنت ما تشتهي يُكتب !
فانْ وَجَدَتْ دَرَّةً حُلوةً / يداك فدُونَكَها فاحلِب
فانَّ الحماقةَ أنْ تَنثني / مع الواردينَ ولم تشرَب
تَسَلَّحْ بما اسطعتَ من حيلةٍ / إلى الذئبِ تُعزَى أو الأرنب
وإنْ تَرَ مَصلحةً فاصدقنَّ / وإنْ لم تَجِدْ طائلاً فاكذب!
ولا بأسَ بالشرِّ فاضرِبْ به / إذا كان لابُدَّ من مَضرَبَ
أي جَرَبا تجرَّبي
أي جَرَبا تجرَّبي / تكتَّلي تحزَّبي
كإبرة البحار في / عاصفةٍ تَذبْذبي
وكالطُيورِ في السما / ءِ حُرَةً تَقَلَّبي
أي جَرَبا ويحَكِ ما / أصَلفَ وجهَكِ الغبي
اكلَّ يومٍ تطلُعيـ / ـن للوَرى بكَوكب
مذنَّبٍ من فَضْل ما / أُعطيتِه من ذَنَب
فتارةً بمشِرقٍ / وتارةً بمغرب
أيْ جَرَبا في كلِّ يَو / م حُلةً تَجَلْببَي
أيْ جرَبا كم تَدَّعيـ / ـنَ عفةً لم تُوهَبي
إذ أنت للفَجْرة تمـ / ـتطين شرَّ مركب
أيْ جَرَبا يا بَهْلوا / نَ الملعَب المجرَّبِ
يا ضُحكةً جاد بها / الدهرُ على مكتئِب
يا فرُجةً لمُعدِميـ / ـن فرجةً عن كَثِب
يا حَكَّةً من جَرَبٍ / في دُمَّلٍ مُلتَهِب
يا ثمَرَ العارِ ويا / جريمةَ التَسيُّب
يا " هِرةً " تُريد أن / تَحكي دهاءَ ثَعلَب
يا أُمةً مغلوبةً / لأجذمٍ مُغَلَّب
يا بُومةً خائفةً / من خائِفٍ مُرتَقِب
من سارِقٍ متَّهمٍ / وخائنٍ مرتكِب
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي
ليتَ الذي بكَ في وَقْع النوائبِ بِي / ولا أُشاهد ثُكْلَ الفَضْلِ والأدبِ
صابتْ حشاك وأخْطَتْني نوافذُها / ليت النوائبَ لمْ تُخطئْ ولم تُصب
هلاّ تعّدى الردى منه ببطشته / لغيره أو تعدى النبعَ للغَربِ
هيهاتَ كفُّ الردى نقادةٌ أبداً / للأكرمينَ تُفدي الرأس للذنب
يا غائبا لم يَؤُبْ بل غائِبَينِ معاً / عن العلى معه غابت ولم تؤب
لِيَهْنِكَ الخلدُ في الأخرى وجنتُه / يا خير منقلبٍ في خير منقَلب
نعم الشفيعانِ ما قدَّمتَ من عملٍ / ببه سراً وما فرَّجتَ عن كَرَب
وما رأيتُ كمعروفٍ يُجاد به / بين الرجال وبين الله من سبب
قدمتَ لله أعمالاً تَخِذتَ لها / من التقى مسرحاً في مرتع خصِب
قالوا الزيارةُ فاتته فقلتُ لهم / ما فاته أن يزورَ اللهَ في رجب
كأن نعشَك والاجواءُ غائمةٌ / تُقِلُّه الناس للسُّقيا من السُّحب
لو كان في جند " طالوت " لما طلبوا / " سكينة وسْط تابوتٍ " من الخشب
كم ذا يصعّرُ أقوام خدودَهم / كفاهم عِبرةٌ في خدك التَّرِب
كم يَعْجَبُ المرءُ من أمرٍ يفاجئه / وما درى أن فيه أعجبَ العجب
بَيْنا يُرى وهو بينَ الناس محتشمٌ / إذا به وهو منبوذٌ على التُرُب
لا يُعجِبَنَّ ملوكَ الارض همتُهم / فان أعظم منها همةُ النُّوَب
لا شملَ يبقى على الأيام مجتمعاً / يبددُ الموتُ حتى دارةَ الشهب
أودى الذي كان تِيْهُ المكرُمات به / على سواهن تِيهَ الخُرَّدِ العُرُب
فقُم وعزِّ عُيونَ المجد في حَوَرٍ / فَقَدْنَهُ وثغورَ الفضل في شَنَبَ
صبراً محبيهِ إن الموت راحة مَنْ / قد كان في هذه الأيام في تعب
تسليمةُ المرءِ فيما خُطَّ من قَدَرٍ / أجدى له من داء الويل والحرَب
والموتُ إن لم يذدْهُ حزنُ مكتئبٍ / به فأحسنُ منه صبرُ محتسب
وغضبةُ المرء في حيثُ الرضا حَسَنٌ / قبيحةٌ كالرضا في موقع الغضب
ذابت عليك قلوب الشاعرينَ أسىً / فما اعتذارةُ شعرٍ فيك لم يذبُ
شيئانِ يُرْفَع قدرُ المرء ما ارتفعا / نظمٌ لدى الشعر أو مأثورة الخطب
ماذا يقول لسان الشعر في رجل / خير البنينَ بنوء وهو خيرُ أب
إن غاب عنا ففي أولاده عَقِبُ / يحييك ذكراً وذكر المرء في العقب
اودى بحسّاده غيظاً كأنّبه / " محمد " وبشانيه " أبالهب "
لا عيبَ فيه سوى إسرافِهِ كرماً / يومَ النَّوال ولولا ذاك لم يُعَب
وفي " الرضا " مسرح للقول منفسح / كلُّ القصائد فيه دَرَّةُ السحب
انسُ الجليس وإن نابته نائبةٌ / كأنه – وهو دامي القلب – في طرب
أخو الندى وأبو العليا اذا انتسبا / " كناية بهما عن اشراف النسب "
كلُ الخصال التي جمَّعتها حسُنَت / وقعاً وأحسنُ منها طبعك العربي
لا تَحْسَبنَّ تمادي العمر أدبَّه / كذاك كان على العلات وهو صبي
ان لم يؤدِّ بياني حَقَّكم فلقد / سعيتُ جَهْدي ولكن خانني أدبي
تلجلجتْ بدخيل القول " ألسنة " / للعرب كانت قديماً زِينةَ الكتب
ان أنكرتني أُناس ضاع بينهم / قدري فمن عَرَّف " الحجار" بالذهب
كم حاسدٍ لم يجرِّبْ مِقولي سَفَهاً / حتى دَسْستُ اليه السم في الرُّطب
طعنتُه بالقوافي فانثنى فَرَقاً / يشكو إلى الله وقع ِ المقْولِ الَّرب
فان جهلت فتى قد بذ مشيخةٍ / في الشعر فاستقص عنه " حلبة الادب "
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ
عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ / ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ
ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها / وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب
وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله / كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب
وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ / وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب
كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ / وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب
أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ / وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب
وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ / ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب
إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ / عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب
يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ / ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب
فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ / يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب
تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة / وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب
وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً / أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب
تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً / وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب
وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً / ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب
وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي / حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب
فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما / أخفهما الشرُّ الذي تتجنب
سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ / تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب
تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ / نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب
فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ / ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب
ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ / ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب
أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه / تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب
تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم / أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا
ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ / بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا
فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم / إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا
وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ / قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب
سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ / يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب
عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه / لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب
عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ / وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب
هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم / وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب
قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها / وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب
يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو / إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا
فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ / لهُم فيُلهيهمْ ولم يصفُ مَشْرَب
خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها / لديهمْ ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب
سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله / نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟
على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً / يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب
همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ / ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب
تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم / عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب
وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده / مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب
قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ / وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب
جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ / وعاقبةٌ إنّ العواقبَ تُحْسَب
يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها / وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب
فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه / وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب
على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ / وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب
إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها / تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب
إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها / عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب
وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه / تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب
يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ / وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب
أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها / فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب
وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ / له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب
يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ / كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب
وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ / يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب
وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ / نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب
ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ / يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب
تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ / وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب
وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً / يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب
لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ / ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب
ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ / بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب
فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ / تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب
وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ / كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب
يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى " عقائلٌ " / وتَعزِلُ فينا " غانياتٌ " وتَنصِب
كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها / مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب
ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ / يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب
نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ / وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب
أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ / غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب
ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ / على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب
أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ / وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب
وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا / أبٌ اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب
عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ / مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب
وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا / لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب
فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ / نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب
فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً / سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب
وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ / ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب
هو العزم لا ما تدعي السمر والقضب / وذو الجد حتى كل ما دونه لعب
ومن أخلفته في المعالي قضية / تكفل في إنتاجها الصارم العضب
ومن يتطلب مصعبات مسالك / فأيسر شئ عنده المركب الصعب
ومن لم يجد إلا ذعاف مذلة / وروداً فموت العز مورده عذب
وهل يظمأ اللاوى من الذل جانباً / وبيض الظبا رقراقها علل سكب
إذا رمت دفع الشك بالعلم فاختبر / بعينك ماذا تفعل الأسد الغلب
أما والهضاب الراسيات ولم أقل / عظيما فكل دون موقفه الهضب
لئن أسلمتهم عزة النفس للردى / فما عودتهم أن يلم بهم عتب
أحباي لو لم تمسك القلب أضلعي / لطار أسى من برج ذكراكم القلب
قضيتم وفي صدر الليالي وليجة / وما غيركم يستلها فلها هبوا
سقاك الحيا أرض العراق ولا رقت / جفون غوادية وناحت بك السحب
تضمنت لا ضمنت شراً لظالم / كواكب ليل الخطب إن حلك الخطب
بكيت وحيداً في رباك ولم أرد / مخافة واش ان يساعدني الركب
فيا شرق حتى الحشر تربك فوقه / دليل لمن يدر ما فعل الغرب
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي
أرجِعي ما استطعتِ لي من شَبابي / يا سُهولاً تَدَثَّرَتْ بالهِضابِ
غسَلَ البحرُ أخْمَصَيْها ورشَّتْ / عبِقاتُ النَّدى جِباهَ الرَّوابي
واحتواها " صِنّينُ " بينَ ذِراعيه / عجوزاً له رُواءُ الشَّباب
كلَّلتْ رأسَهُ " الثّلوجُ " ومسَّتْهُ / بأذيِالها مُتونُ السَّحاب
وانثنى " كالاطار " يحتضِنُ الصّورةَ / تُزْهَى أو جَدْولٍ في كتاب
كلَّما غامَ كُربةً من ضَبابٍ / فرَّجَتْ عنه قُبْلةٌ من شِهاب
وبدَتْ عندَ سفحِه خاشِعاتُ / الدور مثل " الزٍّميت " في مِحراب
وحواليَهِ من ذَراريهِ أنماطٌ / لِطافٌ من مُسْتَقِلٍّ وكابي
و " القُرَيَّاتُ " كالعرائس تُجْلى / كلَّ آنٍ تلوحُ في جِلباب
منْ رقيقِ الغُيوم تحتَ نِقابِ / ومِنَ الشَّمسِ طلقةً في إهاب
وهي في الحالتين فِتنةُ راءٍ / بينَ لونينِ من مُشِعٍّ وخابي
والبيوتُ المُبَعْثراتُ " نَثارُ " / العُرس مبثوثةً بدونِ حساب
وتراها بينَ الخمائلِ تلتفُّ / عليها عمارةً في غاب
وتماسَكْنَ – والطبيعةُ شِعرٌ - / كقوافٍ يَلْمَعْنَ غيرَ نوابي
زهوُ حُمْرِ القبِاب في الجبَلِ الأخضرِ / يَسبي كزهو أهلِ القباب
و " الكرومُ " المُعرِّشاتُ حُبالى / مُرضِعاتٌ كرائمَ الأعناب
حانياتٌ على " الدوالي " تُحَلِّينَ / عناقيدَ زينةً للكعاب
رافعاتُ الرءوسِ شُكْراً وأُخرى / ساجداتٌ شُكْراً على الأعتاب
سِلْنَ في الحَقْل مثلَ رُوحٍ لجسمٍ / وتمدَّدْنَ فيهِ كالأعصاب
وتصايَحْنَ: أين .أينَ النَّدامى ؟ / وتغامَزْنَ ثَمَّ للأكواب
وتخازَرْنَ والمَعاصِرُ أبصاراً / حِداداً مَلِيئةً بالسّباب
نَظَراتٍ كانت خِطاباً بليغاً / ولدى " العاصرينَ " فحوى الخطاب
إنَّ خيرَ الشُهورِ إرثاً لشهرٍ / ما تَلقَّى " أيلولُ " من شهرِ " آب"
كيفَ لا ترقصُ الطبيعةُ في أرضٍ / ثراها مُخَضَّبٌ بالشراب
غاضَ " نبعُ " النَّهارِ يُؤْذنُ ضوء البدرِ / قد فاضَ نبعهُ بانسِكاب
وانزوَتْ تلكُمُ الخليعهُ ! طولَ اليومِ / " عُريانةً " وراءَ حجاب
وأتتْ في غَيابةِ " الشَّفَقِ "الأحمرِ / ما تشتهي مِنَ الألعاب
أي لونٍ ألقتْ على الأرضِ حَلَّى / كلَّ ما فوقَها وأيَّ خِضاب
هدأ الحَقْلُ والمدينةُ والغابُ / ودوَّى الصَّدى ورَجْعُ الجواب
ثمَّ سدَّ الدُروبَ جيشُ " الكَدودين " / طَوالَ النَّهارِ في أتعاب
حبَّذا منظرُ " الفؤوس " استراحتْ / في " نِطاقِ " الفلاَّحِ والحطَّاب
واستقلَّ الجبالَ " راعي " غُنَيْماتٍ / يُدَوّي " بزجلَةٍ " و " عتاب"
يا مَثارَ الأحلامِ يا عالَمَ الشّعر / طريّاً يا جَنَّةً من تراب
يا خيالاً لولا الحقيقةُ تُنبي / عنه كنَّا من أمرهِ في ارتياب
حسبُ نفسي من كلِّ ما يأسِرُ النَّفْسَ / اغتِراراً من الأماني العِذاب
هجعةٌ في ظِلال " أرزِكِ" تَنفي / مِن هُمومي ووَحشتي واكتئابي
وصديقي وحشٌ أعزُّ وأوفى / من حسودٍ ومن صديقٍ محابي
لا أقولُ " العدوُّ " إنَّ عِداتي / " نَسَبٌ " واضحٌ من الأنساب؟!
كلَّما شاقني التأملُ لفتَّني مجاري / المياهِ بينَ الشِّعاب
بينَ صفَّيْ " صَنَوْبرٍ " كشُعورِ الغيد / لُمَّتْ على قُدودٍ رِطاب
آيةُ اللهِ عندَ لُبنانً َ هذا الحسنُ / في عامرٍ له وخراب
رُبَّ " وادٍ " بادي المقاتِلِ تعلوهُ / الأخاديدُ كالجروح الرِّغاب
كانَ في سِحرهِ كآخَرَ زاهٍ / مستفيضِ المياهِ والأعشاب
وفِجاجٍ مَغْبَرّةٍ كُنَّ أبهى / روعةً من مُفَيَّحاتٍ رِحاب
قلتُ إذ حِرتُ : أيُّ أرض لها الفضلُ / على غيرها وحارَ صِحابي !
أدْخُلوا " جنَّةَ " النَّعيم تُلاقوا / ألفَ " رضوانَ " فاتحاً ألفَ باب
غيرَ أنّي أنكرتُ في جنَّةِ الفِردوسِ / "ربّاً " مُوَكَّلاً بعذاب!
إيهِ " لُبنانُ " والحديثُ شجونٌ / هل يُطيقُ البيانُ دَفعاً لما بي ؟
حارَ طيَّ الَّلهاةِ مّني سؤالٌ / أنا أدرى بردِّهِ والجواب!
ما تقولونَ في أديبٍ " حريبٍ! / مُسْتَقلٍّ " يلوذُ ب " الانتداب" ؟
خلتُ أني فررْتُ مِن " جوِّ بغدادَ " / وطُغيانِ " جَوْرها " الَّلَّهاب
ومِنَ البغيِ والتَّعَسّفِ والذُّلِّ / فظيعاً مُحَكَّماً في الرّقاب
ومِنَ الزّاحفينَ كالدُودِ " هُوناً " / تحتَ رِجليْ " مسْتَعْمِرٍ " غَلَّاب
ومنَ" الصَّائلينَ " في الحُكْمِ زُوراً / كخيولٍ " مُسوَّماتٍ " عراب
خِلْتُ أنّي نجوتُ مِنْ ذا ومن / بَطشةِ عاتٍ وخائنٍ كذّاب
غانماً " سَفرتي " وها أنا في حالٍ / تُريني غنيمتي في الإياب
أفيَبْقَى " الأحرارُ " مِنَّا ومِنكُم / بينَ سَوْطِ " الغريبِ " والإرهاب؟
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي
أنا مذ همتُ فيكمُ كانَ دأبي / أنَّ ما ترتَضون يحمله قلبي
إن تزيدوا الجوى فأهلاً وإلا / حَسبُكُم ما لقيتُ منكم وحسبي
وبحسبي من الأحبةِ ظُلماً / ان يُعَدَّ الغُلُوُّ في الحبِّ ذنبي
يعلم الناسُ ما لأكابدُ منكمْ / في سبيل الهَوى ويعلَمُ ربي
يا أبا صادقٍ أُحبُّك حُباً / ليس يبقي على اصطبار المُحِّب
إن عتَبنْا فلم يكن عن مَلال / أحسَنُ الوُدِّ ما يشاب بعَتْب
لستُ أدري عَقَقْتُ صَحبيَ لما / هِمتُ أم عَقَّني لأجلك صَحْبي
غير أني أراكَ وافقتَ طَبْعي / دونَ هذا الوَرَى وجانَسْتَ لُبي
واراني صَبّاً بأخلاقك الغُرِّ / وما كنتُ قبل ذاك بصَب
ولعَمري لقد تربيَّتُ حتى / عَرَفَ الناسُ فيكَ فضل المربي
ايُّ عيشٍ لي في العمارة رَغْدٌ / وزَمَانٌ مَضىَ هنالِك عَذْب
وأحاديثُ لا تُمَل من الوجدِ / بلَفظٍ كاللؤلؤ الرَطَبِ رَطْب
حبذا دجلةٌ وعن جانبيها / تَتَمشّى الظلالُ جَنباً لجنب
ان تَسَلْني عن الزَّمان وأهليهِ / فاني طِبٌّ بهم ايَّ طِب
عِش كما تشتهي اذا كنت خِبّاً / والزَم البيتَ إن تكنْ غيرَ خِب
ليت مولى " حَمدان " يُنشَرُ حياً / ليرى كيفَ حالهُ " المتنبي "
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا
قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا / واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا
واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ / ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا
وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها / هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا
يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني / أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا
فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته / لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا
والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ هل وصَلَتْ / كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟
وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ / أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا
وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ / منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا
أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ولا مِقَةً / ولا اجتواءً ولا بُرءاً ولا وصَبا
وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ / ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟
نَوِّر لَنا إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ / ممَّا تَشكَّكْتَ إنْ صِدقاً وإنْ كذبا
أبا العلاءِ وحتى اليومِ ما بَرِحتْ / صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا
يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ / رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا
وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ / تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا
تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً / بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا
وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً / إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا
من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً / وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا
على الحصيرِ وكوزُ الماء يَرفدهُ / وذِهنُه ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا
أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها / شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا
بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها / وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا
وللكآبةِ ألوانٌ وأفجعُها / أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا
تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ / بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا
وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم / أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا
وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ / وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا
لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا / بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا
إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه / والدَّهرَ لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا
لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ / ولا الطيورَ ولا أفراخَها الزُغُبا
حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده / وشجَّ منْ كان أيّاً كان مغتصِبا
سَلِ المقاديرَ هل لازلتِ سادرةً / أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟
وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ / هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا
هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه / لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا
فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ / فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا
تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ / ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا
ولا تناولَ من ألوانها صُوراً / يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا
لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً / رَحْباً وأرهفَ منها جانباً وشَبا
بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ / خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا
وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها / شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا
رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص / من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا
أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ / فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا
وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ / ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا
ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً / يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا
ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه / هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا
هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ / رثِّ المعالم هذا المرتَعَ الخصِبا
زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها / في عُرسها غُرَرَ الأشعار لا الشهبا
لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته / وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا
وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم / بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا
والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه / من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا
والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ / في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا
يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً / وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا
نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً / سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا
وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً - / وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا
لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه / ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا
ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً / بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا
حاشاك إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً / سََمْحاً وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا
لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ / بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا
كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً / لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا
صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم / حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا
أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ / وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا
عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه / فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا
وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا / للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا
هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا / لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا
تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ / جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا
يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ / وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا
وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ / ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا
ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ / أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا
والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ / بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا
وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على / أوهامهم صنماً يُهدون القُرَبا
الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا / ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا
والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً / ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا
والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت / أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا
والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم / مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا
على الجلود من التدليس مَدرعةٌ / وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا
ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً / هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا!
أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً / وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا
" صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ / مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا "
أجللتُ فيك من الميزات خالدةً / حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا
مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً / لدى سواكَ فما أغنيننا أربا
فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه / غُنمٌ فسَفَّ وغطَّى نورَها فخبا
وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ / فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا
بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ / ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا
وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً / مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا
هذا اليراعُ شواظُ الحقّ أرهفه / سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا
ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته / فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا
أرضى وإنْ لم يشأ أطماحَ طاغيةٍ / وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا
وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ / مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا
جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به / ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا
آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ / به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا
وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ / والمُصلحينَ الهداةَ العُجْمَ والعَرَبا
وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي / أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا
لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ / تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا
وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا / فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا
أهلاً بكُمْ رمزَ الشباب ومرحبا / المُطلعين من " الفُتوة " كوكبا
الحاملينَ من " النضال " لواءه / والناهجِينَ به الطريقَ الألحبا
والناشرينَ من الأخوة مذهباً / هو خيرُ ما ارتَضتِ الشرائع مذهبا
يا من أُعينَ " قديمنُا " بقديمهم / و " حديُثنا " بحديثهم فتأشَّبا
وتَسلْسَلَ التاريخُ فيما بيننا / متقاسمينَ " أمَّره " و " الأعذبا "
إنا وانتُمْ – والتوجُع واحد - / لَيَزيدُنا المستعمرون تقرُّبا
لَيَزيدنا الألمُ الدفينُ تماسكاً / ليزيدُنا صَهرُ الخطوبِ تَصَلُّبا
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو
رونقٌ شاع في الثَّرى وعلى الرو / ضةِ لطفٌ من السَّما مسكوبُ
ما أرقَّ الأصيلَ سال بشفَّافِ / شعاعٍ منه الفضاءُ الرحيب
كلُّ شيءٍ تحت السماء بلونٍ / شفقيًّ مورَّدٍ مخضوب
وكأن الآفاقَ تَحْتَضِنُ الأرضَ / بآصالِها إطارٌ ذهيب
مَتّعِ العينَ إنَّ حُسناً تراهُ / الآنَ من بعدِ ساعةٍ منهوب
والذي يخلَعُ الأصيلُ على الأرض / بكفِّ الدُّجى أخِيذٌ سليب
منظرٌ للحقولِ إذ تُشرقُ الشمسُ / جميلٌ وإذ يَحيِنُ الغروب
ولقد هزّني مسيلُ غديرٍ / مِنْ على جانبيهِ روضٌ عشيب
يُظهِر الشيءَ ضدُّه وتُجارى / بسواها محاسنٌ وعيوب
وكذاكَ المرعى الخصيبُ يُحلّيه / إلى الناظرينَ مرعىً جديب
ثمَّ دبَّ المَساءُ تَقْدمُه الأطيارُ / مرعوبةً وريحٌ جَنوب
وغناءٌ يتلو غناءً ورُعيانٌ / بقُطْعانِهم تَضيقُ الدروب
يَحْبِسُ العينَ لانتشار الدياجي / في السَّما منظرٌ لطيفٌ مَهيب
شفَقٌ رائعٌ رويداً رويداً / تحتَ جُنحٍ من الظلام يذوب
وترى السُحبَ طيَّةً تِلوَ أُخرى / قد أُجيد التنسيقُ والترتيب
وتراها وشعلةً الشفقِ الأحمرِ / تبدو أثناءها وتغيب
كرَمادٍ خلاَّهُ وانزاحَ عنه / قبسٌ وسْطَ غابةٍ مشبوب
ثمَّ سدَّ الأفقَ الدُّخانُ تعالى / من بيوتٍ للنارِ فيها شُبوب
منظرٌ يبعثُ الفراهة والأنسَ لقلبِ / الفلاّح حين يئوب
يعرفُ اللقمةَ الهنيئةَ في البيتِ / مُجدٌّ طولَ النهار دَءوب
بُرهةً ريثما انقضى سمرٌ / تقطرُ لطفاُ أطرافُه وتَطيب
واستقلَّ السريرَ أو حُزمةَ القشِّ / أريبٌ نِضْوٌ حريبٌ تَريب
سكنَتْ كلُّ نأمةٍ واستقرَّتْ / واستفزَّ الأسماعَ حتَّى الدَّبيب
واحتواهمْ كالموتِ نومٌ عميق / وتغشَّاهُمُ سكونٌ رهيب
ولقد تَخرِقُ الهدوءَ شُويهاتٌ / وديكٌ يدعو وديكٌ يُجيب
أو نداءاتُ حارسٍ وهو في الأشباح / لاحتْ لعينه مستريب
أو صدَى " طَلقةٍ " يبيتُ عليها / أحدُ الجانبينِ وهو حريب
تركَ الزارعُ المَزارعَ للكلب / فأضحى خلالَهنَّ يجوب
شامخٌ كالذي يُناطُ به الحكمُ / له جَيئةٌ بها وذُهوب
كانَ جُهدُ الفلاّحِ خفَّف عنه / جَهدهُ فهو مُستكِنٌّ أديب
وهو في الميلِ غيرهُ الصبحَ وحشٌ / هائجٌ ضيِّق الفؤادِ غَضوب
فاحصٌ ظُفْرَه ونابيهِ أحلى / ما لديهِ أظفارهُ والنُيوب
إنَّه عن رِعاية الحَقلِ مسئول / على ترك أمره معتوب
وكثيراً ما سرَّه أنَّه بات / جريحاً ورأسًه مشجوب
ليرى السيّدُ الذي ناب عنه / أنَّ حيوانَه شُجاعٌ أريب
ولكيلا يرى مُسامحةً / يَعدِلُ منها لغيره ويُنيب
للقُريَّاتِ عالَمٌ مُستقلٌّ / هو عن عالَمٍ سواه غريب
يتساوى غروبُهم وركودُ النفس / منهم وفجرهُم والهبُوب
كطيور السماءِ همّهُمُ الأوحدُ / زرعٌ يرَعْونه وحبوب
يلحظون السماءَ آناً فآناً / ضحكُهم طوعُ أمرها والقُطوب
أتُرى الجوَّ هادئاً أمْ عَصوفاً / أتصوبُ السماء أمْ لا تصوب
إن يومَ الفلاّحِ مهما اكتسى حُسناً / بغير الغيومِ يومٌ عصيب
وهو بالغيمِ يخنقُ القلب والأفقَ / جميلٌ في عينه محبوب
للقُرى روعةٌ وللقرويِّين / إذا صابَ أرضهم شُؤبوب
تُبْصِرُ الكلَّ ثمَّ حتى الصَّبايا / فوقَ سِيمائهم هناءٌ وطِيب
يُفرِح البيتَ أنَّه سوف تُمسي / بقراتٌ فيه وعنزٌ حَلوب
ويرى الطفلُ أنَّ حصتَّه إذْ / يُخصبُ الوالدان ثوبٌ قشيب
أذكياءٌ عيونُهم تسبقُ الألسُنَ / عمَّا ترومه وتنوب
والذي يَستمدُّ من عالم القريةِ / وَحياً وعيشةً لَلبيب
مطمئنونَ يحلُمونَ بأنَّ الخيرَ / والشرَّ كُلّهُ مكتوب
لا يطيرونَ من سرورٍ ولا حزنٍ / شَعاعاً لأنه محسوب
ولقد يغضَبون إذ ينزلُ الغيثُ / شحيحاً .والأرضُ عطشى تلوب
أتُرى كانَ يعوِز اللهَ ماءٌ / لو أتتْ دِيمةٌ علينا سَكوب
ثمَّ يستفظعون إثمَ الذي قالوا / فينوونَ عندهُ أنْ يتوبوا
فإذا الشمسُ فوقهم فيقولون / أعُقبى إنابةٍ تعذيب
أفإيمانُنا بعيدٌ عنِ الخيرِ / وُكفراننا إليه قريب
هكذا يَرجِعُ التقيُّ أمامَ / العقلِ وهو المشكِّكُ المغلوب
قلتُ إذ رِيعَ خاطري من مُحيطٍ / كلُّ ما فيه موحشٌ وكئيب
ليس عدلاً تشاؤمُ المرءِ في الدنيا / وفيها هذا المحيط الطَروب
مِلءُ عينيكَ خضرة تَستسرٌّ / النفسُ منها وتُستطار القلوب
عندَهم مثلَ غيرِهم رغباتٌ / وعليهمْ كما عليه خطوب
غير أنّ الحياةَ حيثُ / تكونُ المدنيَّاتُ جُلّها تعذيب
كلَّما استُحدثتْ ضروبُ أمانٍ / أعقبتها من البلايا ضروب
وكأنَّ السرورَ يُومِض برقاً / من خِلال الغيومِ ثمَّ يَغيب
لا ترى ثَمَّ – غيرَ أن يتركَ الحبُّ / شحوباً – وجهاً علاهُ الشحوب
ثمّ لاشيء عن سنا الشمس ممنوعٌ / ولا عن طلاقةٍ محجوب
الهواءُ الهبَّابُ والنورُ / والخضرةُ تأتي ما ليس يأتي الطبيب
ثمّ باسمِ الحصادِ في كلّ حقلٍ / تتناجى حبيبةٌ وحبيب
قال فردٌ منهمْ لأخرى وقد / هَيَّجَ نفسيهما ربيعٌ خصيب
طابَ مَنشا زروعِنا فأجابت : / إنَّ نشءاً يرعاهُ كْفءٌ يطيب
قال ما أصبرَ الحقولَ على الناسِ / فقالتْ ومثلُهنَّ القلوب
إنّ ما تفعلُ المناجلُ فيها / دونَ ما يفعلُ الشجا والوجيب
ينهضُ الزرعُ بعدَ حصدٍ وقد / يُجتثُّ من أصله فؤادٌ كئيب
يا فؤادي المكروبُ بعثرَكَ الهمُّ / كما بُعثِرَ الثرى المكروب
وعيوني هلاّ نَضبتِ وقد ينضبُ / من فرطِ ما يسيل القليب
عندَهم منطقٌ هنالكَ للحبِّ / جميلٌ وعندَهم أُسلوب
ولهم في الغرامِ أَكْثَر ممّا / لسواهمْ مضايقٌ ودروب
مُلَحٌ خُصصِّتْ لهم ونِكاتٌ / ملؤهنَّ الإبداعُ والتهذيب
ثَمَّ تحتَ الستارِ ممتَلكٌ بالحبِّ / عفواً ومثلُه مغصوب
إنهمْ يُذنبونَ . ثم يقولون: / محالٌ أنْ لا تكونَ ذُنوب
نحنُ نبتُ الطبيعةِ البِكرِ فينا / حسناتٌ منها وفينا عيوب
بنتُنا وابنُنا معاً يرقُبانِ الزرعَ / والضرعَ والضمير رقيب
ليس ندري ما يفعلانِ ولا نعلمُ / عمَّا زُرّتْ عليه الجيوب
ما علينا ما غابَ عنَّا فعندَ / اللهِ تُحصى مظاهرٌ وغيوب
غيرَ أنَّا ندري وكنَّا شباباً / نتصابى أنَّ الجمالَ جَذوب
والفتى ما استطاعَ مُندفِعٌ نحو / الصباباتِ والفتاةُ لَعوب
بالتصابي يُذكي الشبابُ ويغتُّر / كما بالرِّياح يُذكى اللهيب
ثمّ عندَ اللقاء يُعرفُ إن كان / هنلكم " نجيبةٌ ! " أو نجيب
إنّ بعضَ الرجال يبدو أمامَ الحبِّ / صُلباً والأكثرون يذوب
والتجاريبُ علَّمتنا بأنّ المرءَ / غِرٌّ يُقيمه التجريب
ليس بِدعاً أن نَستريبَ ولكن / نتمنىَّ ألاّ نرى ما يُريب
ليس فينا والحمدُ للهِ حتى الآنَ / بيتٌ " إناؤهُ مقلوب "
فإذا كانَ ما نخافُ فهرقُ الدّمِ / سهلٌ كما تُراقُ ذَنوب
منطقٌ للعقولِ أقربُ ممَّا / يدَّعيه أخو عَفافٍ مُريب
ولقد يرمزونَ " عنَّا " بأنَّا / كلُّ ما في محيطنا مَثلوب
فيقولون: قد تطيحُ من العارِ / بيوتٌ وقد تثورُ حروب
والخَناسبَّةٌ علينا ولكن / في القُرى كلُّ ناقصٍ مسبوب
عندنا كالفتى " الخفيفِ " لئيمٌ / وجبانٌ وغادرٌ وكذوب
يُخجِلُ الناسَ في القُرى أنَّ فرداً / من أُلاءٍ عليهمُ محسوب
إنَّه من خصائص المدنيَّاتِ / إليها شنارهُم منسوب
في القُرى يوسعوننا وصماتٍ / مُخجِلٍ أمرها " البداةَ " مَعيب
فيقولونَ : كلُّ شيءٍ صريحٍ / عندنا – عندكم خليطٌ مَشوب
شُوّشَتْ منكم وسيطتْ سِماتٌ / ولُغاتٌ ولهجةٌ وحليب
إنَّكم من نماذجِ العَربِ الساطينَ / ظُلماً عليهم تعريب!
كجليبٍ من البضائعِ يأتيكم من / العالمينَ وجةٌ جليب
هو منكمْ كالأهلِ في كلِّ شيءٍ / وهو فينا عن كلِّ شيءٍ جنيب
إنَّكم تمدحونَ خُبثاً وعدواناً / وغدراً كأنما المرءُ ذيب
أطِلّوا كما اتَّقدَ الكوكبُ
أطِلّوا كما اتَّقدَ الكوكبُ / يُنوِّر ما خَبطَ الغَيْهَبُ
وسيروا وان بَعُدَت غايةٌ / وشُقّوا الطريقَ ولا تَتْعَبُوا
ومُدّوا سَواعدَكم انها / معينٌ من الجُهد لا ينضُب
وهاتُوا قلوبَكُمُ أُفرِغِتْ / على نَجدةِ الحَقِّ أو فاذْهَبوا
فما إن يَليقُ بمجد النضالِ / ضعيفٌ على نَصرِه يُغصَب
وإنَّ " غداً " باسماً يُجتَلَى / بشِقِّ النفوس . ولا يُوهَب
وإني وإن كنتُ صِنْوَ الرجاءِ / في حومةِ اليأسِ لا أُغْلَب
أواعدكم من " غَدٍ " صادقاً / ويُسرِفُ في الوعد من يَكذب
أمامَكُمُ مُوعِرٌ مُلغَمٌ / بشتّى المخاوفِ مُستَصْعَب
يَسُدُّ مداخلَه أرقمٌ / وتحمي مسالِكَهُ أذؤب
وسوف يبينُ إذا ما انجَلى / غدٌ من يَجِدُّ ومن يَلعَب
فسوف يدوِّرُ " ساعاتِكم " / بما لا يَسُرُّكُمُ " عقرب "
وسوف يخونُكُمُ " خائفٌ " / وسوف يساوِمُكُم " أشعَب "
وسوف يزاملُكُم خطوةً / ويَخذِلُكم خُطوةً مُتعَب
وسوف يطولُ عناءُ الطريقِ / عليكُمْ فيَعزبُ منَ يَعْزب
وسوف تَضيقُ بِكُم دُوركُم / وسُوحُ " السجون " بكم تَرحُب
فقولوا لمن ظن أنّ الكفاحَ / غَلةُ مزرعةٍ تكذِب
وقولوا لمن ظنَ أنَّ الجموعَ / مطايا تُسَخَّرُ : يا " ثعلب "
تُريدون أنْ تستقيمَ الامورُ / وأن يخلُفَ " الأخبثَ " الأطيب
وان تجمَعُوا الشَمْل من أُمَّةٍ / يفرِّقُها " الجَدُّ " و " المذهب "
وأن يأكلَ " الثَمرَ " الزارعونَ / وأن يأخُذَ " الأرضَ " من يدأب
تريدون أن يعرِفَ الكادحونَ / من " العيش " ما عنهُم يُحجَب
تريدون أن تَطْعّنوا في الصميم / رثَّ " الطباع " وأن تضرِبوا
ومن دون ذلك أن تَصطلوا / سعيرَ الحياة وان تَسغَبوا
وأن ترِدوا ما يمُجُّ القَذَى / وأنَ تَطْعموا منه ما يَجشُب
فلا تحسَبوا أنكم في الجهاد / " هواةٌ " يضمُّهُمُ ملعَب
ولا تحسَبوا أن " مُستثمِراً " / ظلوماً لمصرعِه يَطرب
ولا تحسَبوا أن " مستعمِراً " / يُثارُ عليه ولا يغضَب
ولا تحسَبوا " الأرضَ " يَهْنا بها / ذَووها وبالدم لا تُخضَب
ولا تحسَبوا " أنَّهم يَظمأون / وطوعَ أكفِّهمُ المشرَب
فأنذرْ بحنظلةٍ خائنا / تعجَّلَه الثَمرُ الطيب
وبشَّرْ بحُلْو " الْجَنى " كادحا / على " الجِذر " من شَجر يَضرِب
فلا تهِنوا إنَّ هَذي الأكفَّ / تُملي على الدَهر ما يكتب
العبي فالهَوى لَعِبْ
العبي فالهَوى لَعِبْ / وابعثي هِزَّةَ الطَرَبْ
مثِّلي دوَرك الجميلَ / على شرعةِ الأدب
أحسني نُقلةً وان / تَعِبَت هذه الرُكَب
فعلى وَقْع خَطوِها / يتنّزى حشىً وَجَب
روِّحي هذه النفوسَ / فقد شفَّها التَعَب
إجذبيها الى الرِضا / ادفعيها عن الغَضَب
لاتغرَّنِْكِ اوجهٌ / كطِلاء من الذَهَب
وثغور تضاحَكَت / كانعكاسةِ اللَهَب
فتِّشي عن دخائلٍ / غُيِّبَت تشهدي العَجَب
كل هذا الهياج من / أجل مرآكِ والصَخَب
ضاربُ العود ما دَرى / أيَّ اوتارِه ضَرَب
اعذريِه فإنّه / بَشَرٌ مثلُنا اضطَرَب
واقبَلي القلبَ إنّه / لك من أضلُعي وَثَب
نَسَبٌ بَينَنا الهَوَى / احفظي حُرمةَ النَسَب
رب يومٍ جذبت فيهِ / لي الأنسَ فانجذَب
ولمستُ الشبابَ في / رَيعِه بعد ما ذَهَب
حبُ " سلمى " فتىً رأَى / كلَّ ما يشتهي فحَبّ
شاعرٌ بالحياة لا / يَزدهَيه سِوى الطَرَب
انتِ " سلمى " إلى الحياةِ / وأفراحها سَبَب
أنتِ " سلمى " أجَلَّ من / الفِ عبدٍ لألف رَبّ
تتخلى الهموم إذ / تتجلين والكُرَب
ولهم باسمِ أمةٍ / سحقت غاية الارب
اثقلوا ظهرهَ كما / عضَّ بالغارب القَتَب
تركوا " الجذع " للبلاد / واختصوا بالرطب
افتحي لي سَلْمى يديك / يُقَبِّلْ يديكِ صَبّ
أبعديني عن " السياسة " / والغشِ والنَصَب
ولكي نُحرق الجميع / هَلُمي الى الحَطَب
وإذا لم يكن خذي / بعضهم انهم خشب
أإلى العيش كلُّهمْ / انا وحدي الى العَطَب
انا وحدي فيهم / ترجلت والكل قد ركب
نهبَ الشعبُ كلَّه / فهنيئاً لمن نَهَب
وهنيئاً لمن غزا / وهنيئاً لمن سَلَب
وهنيئاً لمن " تنَّمرَ " / او خانَ او كَذَب
ان كل الذي ترين من / " الجاه " و " الرُتَب"
ومن " النفخ " بالزعامة / والاسم واللقَب
واصطيادٍ بحجةِ " الوطن " / الجائع الخَرِب
هو عُقبى تَقَلُّب القوم / عاش الذي انقَلَب
خسر الدّرةَ البطيء / وفاز الذي حلب
سل الأخوين معتنقين غابا
سل الأخوين معتنقين غابا / لأيةِ غايةٍ طَويَا الشبابا
وعن أي المبادئِ ضيَّعوهُ / دماً لم يألُهِ الناسُ اطِّلابا
أللاؤطان وهي تَعِجُّ شكوى / كعهدهما وتصطخبُ اصطخابا
ولو كَدَمَيهما سالت دماء / محرَّمة لما رأت انقلابا
على الأخوين معتنقين صفا / كما صفَّفتَ أعواداً رِطابا
عَتَبتُ وغاية في الظلم أني / أحمِّلُ فوق ما لقيا عتابا
أدالَ الله من بيتٍ مُشادٍ / على بيتٍ يخلِّفهُ خرابا
ولاَ هنأتَ بما لَقِيت أناسٌ / على قبريكما رَفَعوا القِبابا
مشى نعش يجرُّ وراه نعشاً / سحابٌ مُقلع قَفّى سحابا
وناحتْ خلفه أشباحُ حزنٍ / يُخفِّي نطقُها الالمَ اكتئابا
بعين الله منتظرينَ أوباً / بما يُبكي الصخورَ الصمَّ آبا
دم الاخوين في الكفنين يغلي / خطاب لو وَعىَ قومٌ خطابا
سيعلمُ من يخال الجَوَّ صفواً / بانَّ الجْوَّ مملوء ضبابا
ومن ظن المجالسَ عامراتٍ / بمدح أنها شُحِنَتْ سِبابا
ويعرفُ من أراد صميمَ شعبي / رَميِّاً أيَّ شاكلةٍ أصابا
ويُدرِكَ أينَ صفوُ الماء عنه / وريِّقُهُ إذا وَرَدَ اللصابا
ولو عَرَفت بلادي ما أرادَت / بها النُواب لم ترد انتخابا
فلا وأبيكَ ما ونَتَ الليالي / تُديف لموطني سُمّاً وصابا
حَدَدْنَ لقلبه ظُفراً فلما / وَجَدْنَ بقيةً أَنشبْنَ نابا
فيالكَ موطناً واليأسُ يمشي / فلو رام الرَجا حُلُماً لخَابا
أرادَ الرأسَ لم يحصلْ عليه / مكابرةً ولا لزمَ الذُنابي
لمن وإلى مَ مِن ألمٍ يُنادي / كَفاَه مذَّلةً أن لا يجابا
وهل طرَقتْ يمينُ الحق بابا / ولم تسدد شِمال الظلمِ بابا
فواأسفاً لمطّلبٍ طلابا / يخال الموتَ اقربَ منه قابا
وقد اتخذوا لحومَ بنيهِ زاداً / وقد لبِسوا جلوَدهُمُ ثيابا
رضُوا من صُبحِهم فجراً كِذاباً / ومن أنوار شمسهِمُ اللعابا
وقرَّت للأذى منهم صُدورٌ / فسَمَّوهُنَ افئدةً رِحابا
ووقر من أتاحَ العابَ فيهم / وقالوا إنهم يأبَون عابا
لقد طاف الخيالُ عليَّ طيفاً / رأيتُ به الحمامةَ والغُرابا
فكان العدلُ ممتلئاً سَقاماً / وكان الظلمُ ممتلئاً شبابا
فيا وطني من النكبات فَأمَنْ / فقد وَفَّتكَ حظَّك والنصابا
وان خَشُنَتْ عليك مكاشفاتٌ / فحسبُك أن تُجامَلَ أو تحابَى
وان طُوِيت على دَغَلٍ قلوبٌ / فقد أُعطِيتَ ألسنةً رطابا
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ
أطْبِقْ دُجى أطْبِقْ ضَبابُ / أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ
أطبق دخانُ من الضمير / مُحَرَّقاً أطبق عَذاب
أطبق دَمارُ على حُماةِ / دمارِهم أطبق تَباب
أطبق جَزاءُ على بُناةِ / قُبورِهم أطبق عِقاب
أطبق نعيبُ يُجِبْ صداكَ / البُومُ أطبق يا خَراب
أطبق على مُتَبلِّدينَ / شكا خُمولَهمُ الذُّباب
لم يَعرِفوا لونَ السماءِ / لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب
ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ / كما دِيسَ التراب
أطبق على المِعزى يُرادُ / بها على الجوعِ احتِلاب
أطبق على هذي المُسوخ / تَعافُ عيشتَها الكلاب
في كلّ جارحةٍ يلوحُ / لجارحٍ ظُفرٌ وناب
يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ / كأنه مِسكٌ مُلاب
أطبق على الدِيدانِ / ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب
أطبق على هذي الوجوه / كأنها صُوَرٌ كِذاب
المُخرَساتُ بها الغُضونُ / فلا سؤالَ ولا جواب
بُلهاً تدورُ بها العيونُ / كأنَّ صحصَحَها سَراب
ملَّ الفؤادُ من الضمير / وضجَّ بالرُّوح الإِهاب
أطبقْ على مُتفرقّينَ / يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب
يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم / يحُلُّ بهم عَذاب
ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ / حقوقهم يوماً فتابوا
وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم / نِعْمَ المآب!
أطبق على هذي الكرُوشِ / يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب
مِن حولِها بقرٌ يَخورُ / وحولَه غَرثى سِغاب
أطبق إلى أنْ ينتهي / للخاطبينَ بكَ احتِطاب
أطبق على مُتنَفِّجينَ / كما تَنفَّجت العِياب
مستنوقِينَ ويزأرونَ / كأنهم أُسْدٌ غِلاب
يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم / عن العلياءِ صاب
يَمشي مِن الأمجاد / خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب
فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ / وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب
خفَقَت ظِلالُهم وماعوا / مِن نُعومَتِهم فذابوا
ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت / طُعمَةَ النارِ الصحاب
أطبق دُجى لا يَنْبَلِجْ / صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب
أطبق فتحتَ سماكَ / خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب
لا ينفتحْ – خوفاً عليه - ! / مِن العمى للنور باب
أطبق إلى يومِ النشور / ويومَ يكتملُ النصاب
أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ / أهلِ الغاب غاب
أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ / من السوادِ بهِ الغُراب
أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ / في سماواتٍ عُقاب
غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً / لها طير غِضاب
أطبق دُجى : يَسْرَحْ / بظلّك ناعماً عار وعاب
من لونك الداجي رِياءٌ / وارتياعٌ وارتياب
يا عِصمةَ الجاني ويا / سرحاً تلوذُ به الذئاب
يا مَن مشتْ بدمائها / فيه الخناجرُ والحِراب
يا مَن يضِجُّ من الشرورِ / الماخراتِ به العُباب
يا مَن تَضيقُ من الهوام / الزاحفاتِ به الشعاب
كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ / عن جريمتِها الثباب
أطبق : فأين تفِرُّ إنْ / تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟!
هذي الغَباوات الكريمةُ ! / والجمودُ المُستطاب !
هذا النفاقُ تَرُبهُ / صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب!
أطبق دُجى حتى تجولَ / كأنها خيلٌ عراب
هذي المعرَّات الهِجانُ / لها لظُلمتِك انتساب
أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ / - عاريةً – حجاب
أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ / - مُشحذةً – قراب
أطبق : فأنت لهذه الآثامِ / شامخةً - شباب
أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا / نصَلَتْ خِضاب
كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ / صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب
أطبق دُجى : أطبق ضَباب / أطبق جَهاماً يا سحاب ُ
جدع الجبارُ أنَفَ المعجَبِ
جدع الجبارُ أنَفَ المعجَبِ / واصطلى الطاغي بنيران الأبي
ورأى التاريخُ ما لم يره / من نضالِ الصابرِ المحتسِبِ
يا يراع المجدِ هذي صفحةٌ / أمْلِ ما شئتَ عليها واكتُب
خَبِّرِ الاجيالَ كيف افتخرت / ساحةُ الموتِ بشيخٍ وصبي
وفتاة بالردى هازئةٍ / أمسِ كانت نجمةً في ملعب
امةٌ تنفح عن " معتقد " / وبلادٌ تدّري عن " مذهب "
عانق الموت زؤاماً سادر / ظنَّها " باريسَ " بنْتَ الطرب
واراها كيف رجسُ المعتدي / فأرتْه كيف طُهْرُ المُغضَب
ثم تلته يدٌ " كادحةٌ " / تُحْسِنُ الصَّفعةَ للمغتصِب
يا رجاءَ الكونِ في محنته / يا شُعاعَ الأملِ المستعذَب
يا بُناة الحقِ والعدلِ على / ملعب من قيصريٍ خرب
سجدَ ابنُ العقلِ والفقرِ به / مرغماً لابنِ الخنا والذهب
يا ينابيعَ رجاءٍ فُجَّرتْ / لظِماءٍ وجياعٍ سغّب
يا نقاءَ الفكرِ في جوهره / لم يُدَلَّسْ بالكُنىَ والرُّتَب
تأنف القدرةُ في ذِرْوَتِها / وإلهٌ في السما أن تُغْلَبي
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ
أَلْقَتْ مراسِيَها الخُطوبُ / وتَبَسَّمَ الزمنُ القَطوبُ
وانجاب عن صُبحٍ رضىٍّ / ذلك اللّيلُ الغَضوب
وادّال مِنْ صَدَأِ الحديد / على الثرّى أرَجٌ وطِيب
ومشى ربيعٌ للسَّلام / بِه تفتّحتِ القلوب
وتطامن الألمُ الحبيسُ / وأفرخَ الأملُ الرحيب
فجرٌ صدوق ربَّ حربٍ / رِبْحُها فجرٌ كذوب
الآنَ يَقْبَعُ في مهانَتِهِ / لتنتفضَ الشّعوب
وَحْشٌ تقلمتِ المخالبُ / منه واختفتِ النُّيُوب
مشتِ القصيدة للقصيدَةِ / يصرعُ الكَسِلَ الدؤوب
وتلّمس الدّرنَ الحكيمُ / وشخَّصَ الداءَ الطبيب
وتلاقتِ الأجيالُ في / جيلٍ هو النَّغَمُ الرتيب
جيلٌ توضحت المعالمُ / مِنْهُ وانجلتِ الغُيوب
وجرتْ على خير المقاييس / المحاسنُ والعيوب
فالمستظامُ " المستغَلُّ هو / الحسيب هو النسيب
والمستقيمُ هو المحكَّمُ / والصريحُ هو اللبيب
والمنطوي كبتاً يشد على / الضميرِ هو المريب
ومنزّهُ الآراءِ عن / تأويلِهِنّ هو الصليب
والمكتوي بلواذع الألم / العميقِ هو الأديب
ربّىَ القرونَ بكلّ حْجرٍ / طّيبٍ نِعمَ الربيب
شابتْ مفارقُهمُّ وأزمَنَ / لا يهِمُّ ولا يَشيب
ايام " رسطاليس " كانَ / بُعَيْدَ مولدِهِ يهيب
والسمُّ إذ " سقراطُ " يَجْرَعُهُ / ويحلِفُ لا يتوب
إذ قال للملأ العظيمِ / وكأسُهُ فيها شبوب:
" إني أكولٌ للحِمام / على مرارتِهِ شَروب"
أهلاً فانّكِ لا تُخيفين / العقيدةَ يا شَعُوب
وخيال " أفلاطون " والجُمْهور / والحكمُ الأريب
ما عابه أن ضيم فيه / " الرقُ " وامتُهِنَ " الجليب "
إن العقولَ تكاملٌ / من يُخطِ ينفعْ من يُصيِب
وتبارت الأجيال تنجح / بالرسالة أو تخيب
عصرٌ خصيبٌ بالكفاحِ / وآخرٌ منهُ جديب
شرِقٌ بأعوادِ المشانِقِ / أو بمذبحةٍ خصيب
يجري النعيمُ به وتَزْدحِمُ / العظائِمُ والكُروب
بازاء وَجْهٍ ناضرٍ / ألفٌ تلوحُّه السُّهوب
ومواكبُ الأحرار في / صَخَبِ الطُّغاةِ لها دبيب
وعواصفُ الظلم الفطيع / لها رُكودٌ أو هبوب
ومَعينُ فكرٍ في مَعينِ / دمٍ يَصُبّ ولأنضوب
ومشرّدون على المبادئ / حُقِّروا فيها وعِيبوا
سُدَّتْ مسالِكُهُمْ فما / ضاقتْ بمذهبِهمْ ثقوب
ضمنَ النعيمَ إنابةٌ / وأبى التحّررُ أن يُنيبوا
يتلقّفُ الأضواء نَجْمٌ / شعَّ من نجمٍ يَغيب
" فأبو العلاء " على نواميسٍ / مهرّأةٍ كئيب
ويهين " فولتير " النظام / وبالمشرع يستريب
وتعهد " الاوباشَ " – زولا - / فانجلى " الوحشُ " النجيب
فإذا به غير المواربِ / حين يَكُثُرُ من يروب
وإذا به وهو الكريب / يُثيرُ نَخْوَتَهُ الكريب
وإذا بأشتاتِ الطُيوبِ / يَلُمُّها هذا الجنيب
هذا المُهان لأنّهُ / من نِعمةٍ خاوٍ سليب
ولأنَّ مشربَه حثالاتٌ / ومطعَمَهُ جشيب
ولأنّه ذو مِعصم / لم يُزْهِهِ الحلقُ الذهيب
ولأنه في الأكثرينَ / الجائعينَ له ضروب
ولأنه بين " الصدورِ " / المجرمينَ هو الكُعوب!!
جيل تعاوَره الطلوعُ / - بما يُبشِّرُ – والغروب
يطفو ويحُجُبهُ – إلى / أمدٍ – من البغي الرسوب
حتى تلقَّفَهُ " لنينُ " / وصنْوُهُ البطلُ المَهيب
والعاكفون عليه أمّاتٌ / وشبانٌ وشيب
فإذا به عبلُ السواعدِ / لا يزاحِمُهُ ضريب
تعنوا له الجّلى ويقصُر / عنده اليومُ العصيب
بالشعب تدعَمُهُ الجيوشُ / وتدعمُ الجيُشَ الشُّعوب
والرايةُ " الحمراءُ " تحتَ / ظلالِها تمشى القلوب
قالوا " السلام " فراح يستبقُ / البعيدَ به القريب
ودَعْوا فخف مجاوبٌ / وثوى صريعٌ لا يجيب
وتوثب العاني وأعوزَ / مُثخناً فيه الوثوب
طرح الأسيرُ قيودَهُ / وهفا لموطنِه الغريب
وتعطّرتْ بشذا اللقاءِ / ونفحةِ اللُّقيْا دُروب
في كلِّ بيتٍ بسمةٌ / كدراءُ أو دَمعٌ مشوب
غلب ابتسامَ الآيبين / بكاؤهم من لا يؤوب
رفَّت على أعشاشها / أرواحُ هائمةٍ تلوب
ذُعرٌ تخطفها الفراق / ومسَّهاً منه لغوب
ومشى . من " القبر " الرهيب / خيالُ مُحَترِبٍ يجوب
غطّى معالَمهُ شجاً / وتوحّشٌ ودمٌ صبيب
أصغى فَألْهَبَ سمعَه / من " هامة " الجدَثِ النعيب
وتمطتِ الأنقْاضُ عن / وجهٍ يؤمِّلُهُ حبيب
عن ساعدٍ ألوى على / جيدٍ كما اختلف الصّليب
وفمٍ مَراشِفُه للثم / أليفِها شوقا تذوب
وضمائرُ " الأجداث ِ" تشكو / ما جنى البشَرُ العجيب
ورمائمُ الأنقاضِ مما / استوعبت فيها شحوب
والنار تحلف من حصيد / لهيبها ذُعِرَ اللهيب
والحوتُ يَضْمَنُ رزقَه / بحرٌ بها فيه خصيب
للوحشِ مأدبةٌ عليها / ما يَلَذُّ وما يَطيب
وكواسر العِقبانِ يزهيها / من الجثث النصيب
ماذا تريد : حواصل / ملأى ومنقارٌ خضيب
والدود يسأل مقلةً / تدمى وجمجمة تخوب
هذي المطاعم : أيُّ طاهٍ / شاءها ؟ أهي الحروب؟
من مُبْلِغُ الثّاوينَ تُعوِلُ / عندهم ريحٌ جَنوب
والمفردَين عليهم / من كلِّ والفةٍ رقيب
والطفلُ يسأل من أبيه / أهكذا يَلِجُ المشيب؟
والكاعبُ الحسناءُ جفَّ / بنحرِها نَفَسٌ رطيب
واستنزَفَ الحِلْمَ الرغيبَ / بصدرها جُرحٌ رغيب
إنَّ الرياشَ المستجدّ / لكُمْ تَنُمُّ به الطيوب
والبيتَ يُنعشه رنينُ العودِ / والطفلُ اللَعوب
والدهرُ لم يبرح عليه من / الّصبا ثوبٌ قشيب
والأرض يُرقصها الشروقُ / كما عهدتم والغروب
وعلى الربيعِ غضارة / وعلى الأراكَةِ عندليب
والشمس يستُرُ وجهَها / بالغيم يُمْسِكُ أوْ يصوب
والخافقاتُ العاطفاتُ / بكم يُعِذَبُها الوجيب
ألقتْ مراسِيها الخطوب / وتبسمَّ الزمن القَطوب
ما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ
ما حطَّمتْ جَلَدي يدُ النُوَبِ / لكنْ تَحَطَّمتِ النوائبُ بي
قل للخطوبِ إليكِ فابتعدي / ألمَستِ بي ضَعفْاً لتقترِبي
هتفت لي الأهوال تطلُبني / فبرزتُ حراً غيرَ منتقِب
أنا صخرةٌ ما إن تخوِّفُني / هذي الرياحُ الهوجُ بالصَخَب
إن الليالي حاوَلَت ضَرعَي / فوجدْنَني مُتعسَّرَ الحَلَب
وحَمِدْنَ غَرْبَ شَكيمةٍ عَسرَتْ / عن أن تُنال بعُنف مغتصِب
ومهدِّدي بالشرِّ يُنذرني / إن لم أُطِعْه بسوءِ مُنقلَب
أخْجَلتُه بالضِحك أحسَبهُ / كمُخوِّفٍ للنَبع بالغَرَب
قلتُ اطَّلِعْ فلقد ترىَ عَجَباً / فيه فقالَ وأعجَبَ العَجَب
إني أرىَ قلباً يدورُ على / جَيش كموجِ البحر مُضطرِب
ومُناشِدي نَسَباً أمُتُّ به / لم يدرِ ما حَسَبي وما نَسَبي
عندي من الأمواتِ مفخرةٌ / شمّاء مُريبةٌ على الطَلَب
لكن أنِفتُ بأنْ يعيدَ فمي / للناس عهدَ الفَخر بالعَصَب
حسبي تجاريبٌ مَهَرتُ بها / وإلى البلايا السودِ مُنتسَبي
وبذي وتلك كِفايتي شَرَفاً / يُرضِي العُلا ويَسُرَّ قبرَ أبي
هذا التعنُّتُ في تَبصُّرِه / متوقّداً كتوقُّ اللَهَب
إذ لا يلائمُ مَعدِني بَشَرٌ / ما لم يكُنْ من معدِنٍ صُلُب
الفَضلُ فيه لمَلْبَسٍ خَشِنِ / عُوِّدتُه ولمَطعَم جَشِب
ولوالدٍ وُرِّثْتُ من دَمِه / محضَ الإباء وسورةَ الغَضَب
عندي من الجَبَروت أصدقُه / أُبديه للمتُجبِّرِ الكَذِب
لا أبتغي خصمي أُناشده / عَفْواً ولو أطوي على سَغَب
حربٌ لذي صَلَف . وذو أدب / سهلُ القِياد لكلِّ ذي أدَب
ولقد أرى في مدح مُنتَقِصي / لرغيدِ عيش أحسَنَ السَبَب
ليُحِلَّني من بَعد مَسغَبةٍ / في ذي زُروع مُعشِبِ خَصِب
فتلوحُ لي نَفسْي تهدِّدُني / أشباحُها بالويلِ والحَرب
فأعودُ أدراجي أرى سَعَةً / وعِمارةً في عُشِّيَ الخَرب
إني بلَوتُ الدهرَ أعذَبَه / وأمَرَّ ه الروَح والنَصَب
فوجدتُني أدْنى إلى ضَجَر / لكليهما وأحبَّ للوَصَب
ما بَينَ جنبَّي اللذينِ هُما / قَفَصُ الهموم ومَجمَع الكُرَب
قلب يَدُقُّ إلى العَنا طرَباً / ويحن مشتاقاً الى التَعَب
وأخٍ تلائمُني مشاربُه / وطباعُه في الجدِّ واللَعِب
انكَرتُ ضَعفاً في شكيمتِه / ومرونةً تدعو إلى الرِيَب
فطرَحْتُه أخشَى على شَمَمي / عَدوى ليانٍ منهُ مُكتَسَب
ودفنتُه لا القَلبُ يُنشده / أسفاً ولا دَمْعي بمنسَكِب
يبكي عليكَ وكلُّهُ أوصابُ
يبكي عليكَ وكلُّهُ أوصابُ / شَعبٌ يمثِّلُ حزنَه النُواب
غطَّت على سُود الليالي ليلةٌ / وعلى المصائبِ كلِّهِنَّ مُصاب
المجلِسُ المفجوعُ رُوِّع أهلُهُ / وبكتْكَ أروقةٌ له وقِباب
قد جلَّلتْه وجلَّلتهُمْ رَهبةٌ / فهل البلادُ يسودُها إِرهاب
كادت تحِنُّ لفقدِ وجهِك ساحةٌ / فيه ويُسألُ عن دخولِك باب
عبءٌ على الأوطانِ ذكرى ليلةٍ / عن مثلِ مَصرع " مُحسنٍ " تَنجاب
عن مصرعٍ في المجلِسَين لأجلهِ / وهما البلادُ بأسرِها إِضراب
بالدمع يَسألُ عن غيابك سائلٌ / في المجلسَين وبالدموعِ يُجاب
هذي الثمانونَ التي هي جُلُ ما ارتضَتِ / البلادُ وضمَّتِ الاحزاب
مُتجلببونَ سكِينةً وكآبة / ومن السواد عليهم جِلباب
متشنجون يخالَهم من راءهُم / للحزن – أنَهمُ عليه غِضاب
ناجي لسانَ النثر قمْ واخطُب بهم / وأعِنْ لسان الشعر يا ميرابو
هَدِّأْْ بنطقِك رَوعَهم قد أوشكت / للحُزنِ ان تتمزقَ الأعصاب
ولقد أقولُ لرافعين أصابعاً / ليست تُحِسُّ كأنَّها أحطاب
رهنَ الاشارة تختفي أو تعتَلي / وينالُ منها السَلْبُ والإيجاب
ماذا نَوَيتمْ سادتي : هل أنتُمُ / بعد الرئيس – كعهده – أخشاب
هل تنهضونَ إذا استُثيرتْ نخوةٌ / أو تجمُدون كأنكم انصاب
هل أنتُمُ – ان جدَّ أمرٌ ينبغي / توحيدَ شملِكُمُ به – أحزاب
يا أيها " النوابُ " حسبُكُمُ عُلا / قولي لكم يا أيها " النواب "
روحُ الرئيس ترفٌ فوقَ رؤسِكم / ارَعوا لها ما تقتضي الآداب
سترى حضوراً غائبينَ بفكرهم / سترى الذين بلا أعتذارٍ غابوا
سترى الذين له أساءوا تُهمة / وإلى البلاد جميِعها هل تابوا
سيقولُ ان خَبُثَت نواياً منكُمُ / اخشَوا رفاقي أنْ يحِلَّ عذاب
لتكنْ محاكمةُ الخصومِِ بريئةً / في قاعِكم وليحسُنِ استجواب
تأبى المروءةُ ان يُقدَّسَ خائنٌ / أو أن يطولَ على البريءِ حساب
من أجل أن ترعَوا مبادئَ " مُحسنٍ " / لتَكنْ أمامَكُمُ له أثواب
متضرّجاتٌ بالدماء زكيةٌ / فيهنَّ للجرحِ البليغِ خطاب
فيهنَّ من تلك " الرَّصاصة " فَتحْةٌ / هي للتفادِي ان وَعَيتُمْ باب
ليكُنْ أمامَكُمُ كتابٌ صارخٌ / فيه ثوابٌ يُرتَجى وعِقاب
فيه الوصيةُ : سوف َتحنوا رأسَها / عَجَباً بها الأجيالُ والأحقاب
أوحى " الزعيمُ " إلى الجزيرةِ كلَّها / أنْ ليسَ يُدركُ بالكلام طِلاب
يا هذهِ الأممُ الضِعافُ تَروّ ياً / لا تنهضي صُعُداً وأنت زِغاب
لا تقطعي سبباً ولا تتهَّوري / نزقاً إذا لم تكمُلِ الأسباب
لا تقرَبي ظُفرَ القويِّ ونابَه / ان لم يكنْ ظُفْرٌ لديك وناب
وإذا عتبتِ على القويِ فلا يكنْ / إلا بأطرافِ الحرابِ عتاب
فاذا تركَتِ له الخيارَ فانه / أشهى إليه أن يكونَ خراب
هذا القصيدُ " أبا عليٍ " كلُّه / حزنٌ وكل سطوره أوصاب
ثق أنَّ أبياتي لسانُ عواطفي / ثقْ أنَّ قلبي بينَهن مُذاب
الحزن يملؤُها أسىً ومهابةً / ويُمدُّها بالروح منه شباب
منسابةً لطفاً وبين سطورها / حزناً عليك مدامعي تنساب
ماذا عسى تََقوىَ على تمثيله / بمصابِك الشعراءُ والكتاب
ضُمّوا القلوبَ إلى القلوبِ دوامياً / ستكونُ أحسنَ ما يكونُ كتاب
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي
أغْرَى صِحابي بتقريعي وتأنيبي / طولُ اصطِباري على همٍّ وتَعذيبِ
أيسْتُ من كلِّ مطلوبٍ أُؤمِّلُهُ / وأصبحَ الموتُ من أغلى مطاليبي
إذا اشتهيتُ فزادي غيرُ مُحْتَمَلٍ / وان ظَمِئْتُ فوِرْدي غيرُ مشروب
جارتْ عليَّ الليالي في تقلُّبِها / وأوهَنَتْ جَلَدي من فَرْطِ تقليبي
عَوْداً وَبَدْءاً على شرٍّ تُعاوِدُهُ / كأنَّني كرةٌ لِلّعْبِ تلهو بي
يا مُضغْةً بين جنبيَّ ابتُليِتُ بها / لا كنتِ من هدفٍ للشرِّ منصوب
ومن مثارِ همومٍ لا انتهاءَ له / ومن مَصَبِّ عناءٍ غيرِ منضوب
وقد رددتُ رزايا الدهرِ أجْمَعَها / إلى سِجِلَّيْنِ محفوظٍ ومكتوب
ما بين مُكْتَشَفٍ بالشعرِ مُفْتَضَحٍ / وبين مُخْتَزَنٍ في القلب محجوب
إني على الرّغْمِ مما قد نُكِبْتُ به / فقد يحزّ فؤادي لفظُ منكوب
شكت إلىّ القوافي فرطَ ما انتبذَتْ / مني وكنتُ أراها خيرَ مصحوب
وعاتَبَتْني على الهجرانِ قائلةً / أكنتُ عِنْدَكَ من بعض الألاعيب!
تلهو بها وإذا ما شئتَ تَطْرَحُها / موقوفةً بين تَبعيدٍ وتقريب
كم ساعدتْك على الجُلِّى وكم دَفَعَتْ / هواجساً عن فؤادٍ منكَ " متعوب "
سَجَّلْتُها آهةً حرَّى وكم دَفَعَتْ / طيَّ الرياحِ سُدىً آهاتُ مكروب
فقلتُ حسبي الذي ألهبتكُنّ به / من لاعجٍ في حنايا الصدرِ مشبوب
ومن قوافٍ بذَوْبِ الدَّمْع نشأتُها / ومن قصيدٍ لفرطِ الحُزْنِ منسوب
لو اكتسى الشعرُ لوناً لاقتصرتُ على / شعرٍ بِقاني نجيعِ القلبِ مخضوب
وما اشتكائي إلى الأشعارِ من مُضَضٍ / إلا شكيَّةَ محروبٍ لمحروب
إنّ الأديبَ وإنَّ الشعرَ قَدْرُهُما / مطرَّحٌ بين منبوذٍ ومسبوب
لم يبقَ منْ يستثيرُ الشِعْرُ نَخوَتَهُ / ومن يُحرِّكُهُ لُطْفُ التراكيب
أعلى مِنَ الشّعرِ عندَ القومِ منزلةً / نَفْخُ البطونِ وتَطْريزُ الجلابيب
ورُبَّ قافيةٍ غرّاءَ قد ضَمِنَتْ / أرقَّ معنىً تَرَدَّى خَيْرَ أُسْلُوب
من اللواتي تُغَذِّيهنَّ عاطفةٌ / جياشةٌ بين تصعيدٍ وتصويب
هززتُ فيها نياطَ القلبِ فانتثرت / بها شظايا فؤادٍ جدِّ مشعوب
رهنتُها عند فجِّ الطَّبْعِ محتقنٍ / بغيرِ صُمِّ العوالي غيرِ مجذوب
ظننتُني صادقاً فيما ادَّعَيْتُ بها / حتى انبرى لؤمُ جانيها لتكذيبي
أرخَصْتُها وهي علقٌ لا كِفاءَ لَهُ / ورُحْتُ أصْفِقُ فيها كَفَّ مغلوب
تشكو اغتراباً لَدَى من ليسَ يَعْرفُها / كما شكَتْ طبعَ راميها بتغريب
عفواً فلولا اضطرارُ الحالِ يُلجئني / لكنتُ أنفَسَ مذخورٍ ومكسوب
قالوا استفدتَ من الأيامِ تَجرِيةً / والموتُ أرْوَحُ من بعضِ التّجاريب
تُعْفي الشدائدُ أقْواماً بلا أدَبٍ / وتبتلي غيرَ مُحتاجٍ لتأديب
ما كان مِن قبلِها عُودي بذي خَوَرٍ / للعاجمينَ ولا قلبي بمرعوب
ولا ذُعِرْتُ لشرٍّ غيرِ مُنْتَظَرٍ / ولا نزقتُ لخيرٍ غيرِ محسوب
يا خيرَ موهبةٍ تزكو النفوسُ بها / بعداً فانك عندي شرُّ موهوب
يُرضِي الفتى عَيْشُهُ ما دامَ يَغمُرُهُ / بالطيباتِ ويُغْريهِ بتحبيب
حتى اذا رَمَتِ الويلاتُ نِعَمَتَهُ / ونَغَّصّتْها بتقويضٍ وتخريب
سمَّى مُعاكسةَ الأيامِ تَجْربَةً / وراح يَخْدَعُ نَفْساً بالأكاذيب
والعيشُ بالجهلِ أو بالحِلمِ إن خَبُثَتْ / مِنْهُ الحواشي فشيءٌ غيرُ محبوب