المجموع : 25
يا صاحِ كَم تُفّاحَةٍ غَضَّةٍ
يا صاحِ كَم تُفّاحَةٍ غَضَّةٍ / يَحمِلُها في الرَوضِ غُصنٌ رَطيب
ناضِجَةٍ تَرتَجُّ في جَوِّها / مِثلَ اِرتِجاجِ الشَمسِ عِندَ المَغيب
حَرَّضَكَ الوَجدُ عَلى قَطفِها / لَمّا غَفا الواشي وَنامَ الرَقيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجِعَت عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تَقولُ لِلنَفسِ الطَموحِ اِقسُري / ما سِرقَةُ التُفّاحِ شَأنَ الأَريب
وَرُبَّ صَفراءَ كَلَونِ الضُحى / يَنفي بِها أَهلُ الكُروبِ الكُروب
دارَت عَلى الشَربِ بِها غادَةٌ / كَأَنَّها ظَبيُ الكِناسِ الرَبيب
في طَرفِكَ الساجي هُيامٌ بِها / وَبَينَ أَحشاءَكَ شَوقٌ مُذيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجَعتَ عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تَقولُ لِلنَفسِ الطَموحِ اِقصُري / ما غُرَّ بِالصَهباءِ يَوماً لَبيب
إِيّاك وَإِيّاكَ أَكوابَها / أُختُ الخَنا هَذي وَأُمُّ الذُنوب
وَكَم شِفاهٍ أُرجُوانِيَّةٍ / كَأَنَّها مَخضوبَةٌ بَِلَّهيب
ساعَدَكَ الدَهرُ عَلى لَأمِها / وَرَشفِ ما خَلفَ اللَهيبِ العَجيب
لَكِن لِأَمرٍ أَنتَ أَدرى بِهِ / رَجَعَت عَنها رَجعَةَ المُستَريب
تُعَنِّفُ القَلبَ عَلى غَيِّهِ / وَتَعذُلُ العَينَ الَّتي لا تُنيب
قَتَلتَ نَزعاتِكَ في مَهدِها / وَلَم تُطِع في الحُبِّ حَتّى الحَبيب
وَالآنَ لَمّا اِنجابَ عَنكَ الصِبى / وَلاحَ في المَفرِقِ ثَلجُ المَشيب
وَاِستَسلَمَ القَلبُ كَما اِستَسلَمَت / نَفسُكَ لِليَأسِ المَخوفِ الرَهيب
أَراكَ لِلحَسرَةِ تَبكي كَما / يَبكي عَلى النائي الغَريبِ الغَريب
تَوَدُّ لَو أَنَّ الصِبى عائِدٌ / هَيهاتَ قَد مَرَّ الزَمانُ القَشيب
خَلِّ البُكا يا صاحِبي وَالأَسى / اللَيلُ لا يُقصيهِ عَنكَ النَحيب
لا خَيرَ في الشَيءِ اِنقَضى وَقتُهُ / ما لِقَتيلٍ حاجَةٌ بِالطَبيب
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ
يا شاعِراً حُلوَ المَوَدَّةِ / في الحُضور وَفي الغِيابِ
شَهدٌ وَلاؤُكَ وَالأَنامُ / وَلاؤهُم شَهدٌ وَصاب
أَنا إِن شَكَوتُ إِلَيكَ مِنـ / ـكَ وَسالَ في كُتُبي العِتاب
فَحِكايَتي كَحِكايَةِ الظَمآ / نِ في قَفرٍ يَباب
لَم يَروِهِ لَمعُ السَرابِ فَرا / حَ يَستَسقي السَحاب
فَهَمى فَكانَ الخَيرُ فيـ / ـهِ لِلأَباطِح وَالهِضابِ
مَسعودُ أَهوِن بِالمَشيـ / ـبِ فَما اِمَّحى إِلّا الخُضاب
ما ذا عَلَيكَ مِنَ الثُلوجِ / وَفي ضُلوعِكَ حَرُّ أَب
وَالكَأسُ أَجمَلُ في النَوا / ظِرِ إِذ يُرَصِّعُها الحَباب
إِن شابَ مِنكَ المَفرِقانِ / فَما أَظُنُّ القَلبَ شاب
لا تَزعَمَنَّ لَهُ المَتابَ / فَإِنَّ تَوبَتُهُ كِذاب
ما زالَ يَخفِقُ بِالهَوى / وَيَفيضُ بِالسِحرِ العُجاب
وَيُريكَ دُنيا لا تُحَدُّ وَ / مِن وَرائِكَ أَلفُ باب
دُنيا مِنَ اللَذات وَالأَف / راحِ في دُنيا عَذاب
وَيُريكَ جَنّاتِ الجَمالِ / وَأَنتَ في الطَلَلِ الخَراب
أَفتى القَوافي الشادِياتِ / كَأَنَّها أَطيارُ غاب
إِن قيلَ إِنَّكَ صِرتَ شَيخاً / قُل أَجَل شَيخُ الشَباب
أَتَرى إِذا العُنوانُ ضاعَ / يَضيعُ مَضمونُ الكِتاب
السَيفُ لَيسَ يُعيبُهُ مَشـ / ـيُ الخَلوقَةِ في القِراب
وَالخَمرُ خَمرٌ في إِنا / ءٍ مِن لُجَينٍ أَو تُراب
وَحَياةُ مِثلِكَ لَيسَ تَد / خُلُ في قِياسٍ أَو حِساب
فَغَدٌ زَمانَكَ مِثلُ أَمسٍ / وَإِن مَضى عَصرُ الشَباب
لا يُدرِكُ الهرِمُ النُجومَ / وَأَنتَ في الدُنيا شَهاب
وَإِذا يُعابُ عَلى المَشيبِ / فَتى فَمَن ذا لا يُعاب
أَو كانَ يَمدَحُ بِالسَوادِ / فَمَن تُرى مَدَحَ الغُراب
يا نَفحَةً مِن شاعِرٍ / أَرَجَ الكِتابُ بِها وَطاب
الفَجرُ أَهدى لِيَ السَنا / وَالرَوضُ لِيَ المَلاب
رَوضٌ إِذا زُرتَهُ كَئيبا
رَوضٌ إِذا زُرتَهُ كَئيبا / نَفَّسَ عَن قَلبِكَ الكُروبا
يُعيدُ قَلبَ الخَلِيِّ مُغراً / وَيُنسِيَ العاشِقُ الحَبيبا
إِذا بَكاهُ الغَمامُ شَقَّت / مِنَ الأَسى زَهرُهُ الجُيوبا
تَلقى لَدَيهِ الصَفا ضُروباً / وَلَستَ تَلقى لَهُ ضَريبا
وَشاهَ قَطرُ النَدى فَأَضحى / رِدائُهُ مَعلَماً قَشيبا
فَمِن غُصونٍ تَميسُ تيهاً / وَمِن زُهورٍ تَضَوَّعُ طيبا
وَمِن طُيورٍ إِذا تَغَنَّت / عادَ المُعَنّى بِها طَروبا
وَنَرجِسٍ كَالرَقيبِ يَرنو / وَلَيسَ ما يَقتَضي رَقيبا
وَأُقحُوانٍ يُريكَ دُرّاً / وَجُلَّنارٍ حَكى اللَهيبا
وَجَدوَلٍ لا يَزالُ يَجري / كَأَنَّهُ يَقتَفي مُريبا
تَسمَعُ طَوراً لَهُ خَريراً / وَتارَةً في الزَرى دَبيبا
إِذا تَرامى عَلى جَديبٍ / أَمسى بِهِ مَربَعاً خَصيبا
أَو يَتَجنّى عَلى خَصيبٍ / أَعادَهُ قاحِلاً جَديبا
صَحَّ فَلَو جائَهُ عَليلٌ / لَم يَأتِ مِن بَعدِهِ طَبيبا
وَكُلُّ مَعنى بِهِ جَميلٌ / يُعَلِّمُ الشاعِرَ النَسيبا
أَرضٌ إِذا زارَها غَريبٌ / أَصبَحَ عَن أَرضِهِ غَريبا
رَضِيَت نَفسي بِقِسمَتِها
رَضِيَت نَفسي بِقِسمَتِها / فَليُراوِد غَيرِيَ الشُهُبا
كُلُّ نَجمٍ لا اِهتِداءَ بِهِ / لا أُبالي لاحَ أَو غَرُبا
كُلُّ نَهرٍ لا اِرتِواءَ بِهِ / لا أُبالي سالَ أَو نَضَبا
ما غَدٌ يا مَن يُصَوِّرُهُ / لِيَ شَيئاً رائِعاً عَجِبا
ما لَهُ عَين وَلا أَثَرٌ / هُوَ كَالأَمسِ الَّذي ذَهَبا
أَسقِني الصَهباءَ إِن حَضَرَت / ثُمَّ صِف لِيَ الكَأس وَالحَبَبا
لَيسَ يَرويني مَقالَكَ لي / أَنَّها العِقيانُ مُنسَكِبا
إِنَّ صِدقاً لا أُحِسُّ بِهِ / هُوَ شَيءٌ يُشبِهُ الكَذِبا
لا يُنجي الشاةَ مِن سَغَبٍ / أَنَّ في أَرضِ السُهى عَشَبا
ما عَلى مَن لا يُطيقُ يَرى / نَوَّرَ الوادي أَوِ اِكتَأَبا
ما يُفيدُ الطَيرَ في قَفَصٍ / ضاقَ هَذا الجَوُّ أَرَحِبا
بَرِّدي يا سُحبُ مِن ظَمَأي / وَاِهطُلي مِن بَعدِ ذا ذَهَبا
أَو فَكوني غَيرَ راحِمَةٍ / حِمَماً حَمراءَ لا سُحُبا
وَلأَكُن وَحدي لَها هَدَفاً / وَلتَكُن نَفسي لَها حَطَبا
أَنا مِن قَومٍ إِذا حَزِنوا / وَجَدوا في هُزنِهِم طَرَبا
وَإِذا ما غايَةٌ صَعُبَت / هَوَّنوا بِالتَركِ ما صَعُبا
لِيَطرَبَ مَن شاءَ أَن يَطرَبا
لِيَطرَبَ مَن شاءَ أَن يَطرَبا / فَلَستُ بِمُستَمطِرٍ خُلَّبا
عَرَفتُ الزَمانَ قَريبَ الأَذى / فَصِرتُ إِلى خَوفِهِ أَقرَبا
وَهَذا الجَديدُ أَبوهُ القَديمُ / وَلا تَلِدُ الحَيَّةُ الأَرنَبا
أَرى الكَونَ يَرمُقُهُ ضاحِكاً / كَمَن راءَ في تيهِهِ كَوكَبا
وَلَو عَلِمَ الخَلقُ ما عِندَهُ / أَهَلّوا إِلى اللَهِ كَي يَغرُبا
وَلَو عَلِمَ العيدُ ما عِندَهُم / أَبى أَن يُمَزِّقَ عَنهُ الخِبا
أَلا لا يَغُرَّكَ تَهليلُهُم / وَقَولَتُهُم لَكَ يا مَرحَبا
فَقَد لَبَّسوكَ لِكَي يَخلَعوكَ / كَما تَخلَعُ القَدَمُ الجَورَبا
وَلوعونَ بِالغَدرِ مِن طَبعِهِم / فَمَن لَم يَكُن غادِراً جَرَّبا
وَكائِن فَتىً هَزَّني قَولُهُ / أَنا خِدنُكَ الصادِقُ المُجتَبى
أُرافِقُ مِن شَكلِهِ ضَيغَماً / يُرافِقُ مِن نَفسِهِ ثَعلَبا
هُمُ القَومُ أَصحَبَهُم مُكرَها / كَما يَصحَبُ القَمَرُ الغَيهَبا
أَرانِيَ أَوحَدَ مِن ناسِكٍ / عَلى أَنَّني في عِدادِ الدَبى
وَأَمرَحُ في بَلَدِ عامِرٍ / وَأَحسَبُني قاطِناً سَبسَبا
وَقالَ خَليلِيَ الهَناءُ القُصورُ / وَكَيف وَقَد مُلِأَت أَذأُبا
أَلفتُ الهُمومَ فَلَو أَنَّني / قَدَرتُ تَمَنَّعتُ أَن أَطرَبا
كَأَنَّ الجِبالَ عَلى كاهِلي / كَأَنَّ سُروري أَن أَغضَبا
وَكَيفَ اِرتِياحُ أَخي غُربَةٍ / يُصاحِبُ مِن هَمِّهِ عَقرَبا
عَتِبتُ عَلى الدَهرِ لَو أَنَّني / أَمِنتُ فُؤادِيَ أَن يَعتَبا
وَجَدتُك وَالشَيبُ في مَفرِقي / وَوَدَّعَني وَأَخوكَ الصَبى
فَلَيسَ بُكائِيَ عاماً خَلا / وَلَكِن شَبابي الَّذي غُيِّبا
فَيا فَرَحاً بِمَجيءِ السِنينِ / تَجيءُ السُنونُ لِكَي تَذهَبا
عَجيبٌ مَشيبِيَ قَبلَ الأَوانِ / وَأَعجَبُ أَن لا أَرى أَشيَبا
فَإِنَّ نَوائِبَ عارَكتُها / تَرُدُّ فَتى العَشرِ مُحدَودِبا
وَيا بِنتَ كولَمبَ كَم تَضحَكينَ / كَأَنَّكِ أَبصَرتِ مُستَغرَبا
أَلَيسَ البَياضُ الَّذي تَكرَهينَ / يُحَبِّبُني ثَغرَكِ الأَشنَبا
فَمَن كانَ يَكرَهُ إِشراقَهُ / فَإِنّي أَكرَهُ أَن يُخضَبا
أُحِبُّكَ يا أَيُّها المُستَنيرُ / وَإِن تَكُ أَشَمَتَّ الرَبرَبا
وَأَهوى لِأَجلِكَ لَمعَ البُروقِ / يَ أَعشَقُ فيكَ أَقاحِ الرُبى
وَيا عامُ هَل جِئتَنا مُحرَماً / فَنَرجوكَ أَم جِئتَنا مُحرِبا
تَوَلّى أَخوك وَقَد هاجَها / أَقَلُّ سِلاحٍ بَنيها الظُبى
يُجَندِلُ فيها الخَميسُ الخَميسَ / وَيَصطَرِعُ المُقنَبُ المُقنَبا
إِذا اِرتَفَعَ الطَرفُ في جَوِّها / رَأى مِن عَجاجَتِها هِندِبا
وَجَيّاشَةٍ بَرقُها رَعدُها / تَدُكُّ مِنَ الشاهِقِ المَنكَبا
يَسيرُ بِها الجُندُ مَحمولَةً / قَضاءَ عَلى عَجَلٍ رُكَبا
يَوَدُّ الفَتى أَنَّهُ هارِبٌ / وَيَمنَعُهُ الخَوفُ أَن يَهرُبا
وَكَيفَ النَجاة وَمَقذوفُها / يَطولُ مِنَ الشَرقِ مَن غَرَّبا
وَلَو أَنَّهُ في ثَنايا الغُيومِ / لَما أَمِنَ الغَيمُ أَن يُطلَبا
تَسُحُّ فَلَو أَنَّ تَهتانَها / حَيّاً أَنبَت القاحِلَ المُجدِبا
فَما المَنجَنيق وَأَحجارُهُ / وَما الماضِياتُ الرِقاقُ الَشبا
إِن شَكَتِ الأَرضُ حَرَّ الصَدى / سَقاها النَجيعَ الوَرى صَيِّبا
فَيا لِلحُروب وَأَهوالِها / أَما حانَ يا قَومُ أَن تُشجَبا
هُوَ المَوتُ آتٍ عَلى رُغمِكُم / فَأَلقوا المُسَدَّس وَالأَشطُبا
وَلِلخالِقِ المُلك وَالمالِكونَ / فَلا تَتبَعوا فيكُمُ أَشعَبا
وَلَم أَنسَ مَصرَعَ تيتانِكٍ / وَمَصرَعَنا يَومَ طارَ النَبا
فَمِن شِدَّةِ الهَولِ في صِدقِهِ / رَغِبنا إِلى البَرقِ أَن يَكذِبا
لَيالِيَ لا نَستَطيبُ الكَرى / وَلا نَجِدُ الماءَ مُستَعذَبا
وَباتَ فُؤادِيَ بِهِ صَدعُها / وَبِتُّ أُحاذِرُ أَن يَرأَبا
وَلي ناظِرٌ غَرِقٌ مِثلُها / مِنَ الدَمعِ بِالبَحرِ مُستَوثِبا
إِذا ما تَذَكَّرتُها هِجتُ بي / أَخافُ مَعَ الدَمعِ أَن تُسرَبا
فَأُمسي عَلى كَبِدي راحَتي / أَخافُ مَعَ الدَمعِ أَن تُسرَبا
خُطوبٌ يَراها الوَرى مِثلَها / لِذَلِكَ أَشفَقَ أَن تُكتَبا
لَقَد نَكَبَ الشَرقَ نَكَباتِهِ / وَحاوَلَ أَن يَنكِبَ المَغرِبا
وَأَشقى نُفوسُ بَني آدَمٍ / لِيُرضي السَراحين وَالأَعقُبا
وَلَو جازَ بَينَ الضُحى وَالدُجى / لَقاتَلَ فيهِ الضُحى الغَيهَبا
لَعَلَّك تَمحو جِناياتِهِ / فَنَنسى بِكَ الذَنبَ المُذنِبا
إِذا كُنتَ لا تَستَطيعُ الخُلودَ / فَعِش بَينَنا أَثَراً طَيِّبا
فَإِنَّكَ في إِثرِهِ راهِلٌ / مَشَيتَ السَواكَ أَوِ الهَيدَبى
سَلامٌ عَلى السَيِّدِ المُجتَبى
سَلامٌ عَلى السَيِّدِ المُجتَبى / كَقَطرِ الغمام وَنَشرِ الكَبا
وَيا مَرحَباً بِأَميرِ السَلامِ / وَقَلَّ لَهُ قَولُنا مَرحَبا
قُدومُكَ بَدَّدَ عَنّا الأَسى / كَما يَكشِفُ القَمَرُ الغَيهَبا
وَأَحيا المُنى في فُؤادِ الفَتى / وَرَدَّ إِلى الشَيخِ عَهدَ الصِبى
كَأَنّي بِأَيّارَ خَيرَ الشُهورِ / أَتاهُ البَشيرُ بِذاكَ النَبا
فَوَشّى الرِياض وَحَلّى الحُقولَ / وَزانَ الوِهاد وَزانَ الرُبى
وَقالَ لِأَغصانِهِ صَفِّقي / وَلِلطَيرِ في الأَرضِ أَن تَخطُبا
وَلِلنَسَماتِ تَجوبُ البِلادَ / وَتَملَءُها أَرَجاً طَيِّبا
وَرَنَّت بِأُذني أَغاريدُها / فَقُلتُ لِكَفِّيَ أَن تَكتُبا
فَهَذا القَريضُ حَفيفُ الغُصونِ / وَشَدوُ الطُيور وَنَفحُ الصِبا
طَلَعتَ نَطالَ حُقوقُ الفُؤادِ / كَأَنَّ بِهِ هِزَّةَ الكَهرَبا
وَلَيسَ بِهِ هِزَّةُ الكَهرُباءِ / وَلَكِن رَأى التائِهُ الكَوكَبا
وَأَلقَت إِلَيكَ مَقاليدَها / نُفوسٌ تَخَيَّرَتِ الأَنسُبا
فَيا صاحِبَ الشِيَمِ الباهِراتِ / وَيا مَن تُحِلُّ لَدَيهِ الحُبا
تَقَوَّلَ عَنكَ صِغارُ النُفوسِ / لِأَمرٍ فَما أَدرَكوا مَأرَبا
وَمَن يَسلُبُ الشَمسَ أَنوارَهصا / وَمَن ذا الَّذي يُمسِكُ الصَيِّبا
فَأَحسِن إِلَيهِم وَإِن أَخطَأوا / وَكُن كَالحَيا يُمطِرُ السَبسَبا
إِذا لَم تُسامِح وَأَنتَ الكَريمُ / فَمَن ذا الَّذي يَرحَمُ المُذنِبا
لَقَد طَرِبَ التاج وَالصَولَجانُ / وَحُقَّ لِهَذَينِ أَن يَطرَبا
فَإِن هَنَّأوكَ بِما نِلتَهُ / فَإِنّي أُهَنّي بِكَ المَنصِبا
يا رُبَّ قائِلَة وَالقَولُ أَجمَلُهُ
يا رُبَّ قائِلَة وَالقَولُ أَجمَلُهُ / ما كانَ مِن غادَةٍ حَتّى وَلَو كَذَبا
إِلى ما تَحتَقِرُ الغاداتُ بَينَكُمُ / وَهُنَّ في الكَونِ أَرقى مِنكُم رُتَبا
كُنَّ لَكَم سَبَباً في كُلِّ مَكرُمَةٍ / وَكُنتُم في شَقاءِ المَرأَةِ السَبَبا
زَعَمتُم أَنَّهُنَّ خامِلاتِ نُهىً / وَلَو أَرَدنَ لَصَيَّرنَ الثَرى ذَهَبا
فَقُلتُ لَو لَم يَكُن ذا رَأيُ غانِيَةٍ / لَهاجَ عِندَ الرِجالِ السُخط وَالصَخَبا
لَم تُنصِفينا وَقَد كُنّا نُؤَمِّلُ أَن / لا تُنصِفينا لِهَذا لا نَرى عَجَبا
هَيهاتِ تَعدِلُ حَسناءَ إِذا حَكَمَت / فَالظُلمُ طَبعٌ عَلى الغاداتِ قَد غَلَبا
يُحارِبُ الرَجُلُ الدُنيا فَيُخضِعَها / وَيَفزَعُ الدَهرُ مَذعوراً إِذا غَضِبا
يَرنو فَتَضطَرِبُ الآسادُ خائِفَةً / فَإِن رَنَت ذاتُ حُسنٍ ظَلَّ مُضطَرِبا
فَإِن تَشَء أَودَعتُ أَحشائُهُ بَرَداً / وَإِن تَشَء أَودَعتُ أَحشائَهُ لَهَبا
تَفنى اللَيالي في هَم وَفي تَعَبٍ / حَذارَ أَن تَشتَكي مِن دَهرِها تَعَبا
وَلَو دَرى أَنَّ هَذي الشُهبُ تُزعِجُها / أَمسى يَروعُ في أَفلاكِها الشُهُبا
يَشقى لِتُصبِحَ ذاتُ الحَليِ ناعِمَةً / وَيَحمِلُ الهَمَّ عَنها راضِياً طَرِبا
فَما الَّذي نَفَحَتهُ الغانِياتُ بِهِ / سِوى العَذابِ الَّذي في عَينَيهِ عَذُبا
هَذا هُوَ المَرءُ يا ذاتَ العَفافِ فَمَن / يُنصِفهُ لا شَكَّ فيهِ يُنصِفُ الأَدَبا
عَنَّفتِه وَهوَ لا ذَنبَ جَناهُ سِوى / أَن لَيسَ يَرضى بِأَن يَغدو لَها ذَنَبا
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا
حَيِّ الشَآمَ مُهَنَّدا وَكِتابا / وَالغوطَةَ الخَضراء وَالمِحرابا
لَيسَت قِباباً ما رَأَيت وَإِنَّما / عَزمٌ تَمَرَّدَ فَاِستَطالَ قِبابا
فَاِلثُم بِروحِكَ أَرضَها تَلثُم عُصوراً / لِلعُلى سَكَنَت حَصى وَتُرابا
وَاِهبِط عَلى بَرَدى يُصَفِّقُ ضاحِكاً / يَستَعطِفُ التَلعات وَالأَعشابا
روحٌ أَطَلَّ مِنَ السَماءِ عَشِيَّةً / فَرَأى الجَمالَ هُنا فَحَنَّ فَذايا
وَصَفا وَشَفَّ فَأَوشَكَت ضِفّاتُهُ / تَنسابُ مِن وَجدٍ بِهِ مُنسابا
بَل أَدمُعٌ حورُ الجِنانِ ذَرَفنَها / شَوقا وَلَم تَملِك لَهُنَّ إِيابا
بَرَدى ذَكَرتُكَ لِلعَطاشى فَاِرتَوَوا / وَبَني النُهى فَتَرَشَّفوكَ رِضابا
مَرَّت بِكَ الأَدهارُ لَم تَخبِث وَلَم / تَفسُد وَكَم خَبَثَ الزَمان وَطابا
بِأَبي وَأُمّي في العَراءِ مُوَسَّدٌ / بَعَثَ الحَياةَ مَطامِعا وَرِغابا
لَمّا ثَوى في مَيسَلونَ تَرَنَّحَت / هَضَباتُها وَتَنَفَّسَت أَطيابا
وَأَتى النُجومَ حَديثُهُ فَتَهافَتَت / لِتَقومَ حُرّاساً لَهُ حُجّابا
ما كانَ يوسُفُ واحِداً بَل مَوكِباً / لِلنورِ غَلغَلَ في الشُموسِ فَغابا
هَذا الَّذي اِشتاقَ الكَرى تَحتَ الثَرى / كَي لا يَرى في جُلَّقِ الأَغرابا
وَإِذا نَبا العَيشُ الكَريمُ بِماجِدٍ / حُرٍّ رَأى المَوتَ الكَريمَ صَوابا
إِنّي لِأَزهى بِالفَتى وَأُحِبُّهُ / يَهوى الحَياةَ مَشَقَّة وَصِعابا
وَيُضَوِّعُ عِطراً كُلَّما شَدَّ الأَسى / بِيَدَيهِ يَعرُكُ قَلبَهُ الوَثّابا
وَيَسيلُ ماءً إِنحَواهُ فَدفَدٌ / وَإِذا طَواهُ اللَيلُ شَعَّ شَهابا
وَإِذا العَواصِفُ حَجَّبَت وَجهَ السَما / جَدَلَ العَواصِفَ لِلسَما أَسبابا
وَإِذا تَقَوَّضَ صَرحُ آمالٍ بَنى / أَمَلاً جَديداً مِن رَجاءٍ خابا
فَاِبنُ الكَواكِبِ كُلُّ أُفقٍ أُفقُهُ / وَاِبنُ الضَراغِمِ لَيسَ يَعدِمُ غابا
عَجَباً لِقَومي وَالعَدُوِّ بِبابِهِم / كَيفَ اِستَطابوا اللَهو وَالأَلعابا
وَتَخاذَلَت أَسيافُهُم عَن سَحقِهِ / في حينِ كانَ النَصرُ مِنهُم قابا
تَرَكوا الحُسامَ إِلى الكَلامِ تَعَلُّلاً / يا سَيفُ لَيتَكَ ما وَجَدتَ قِرابا
دُنياكَ يا وَطَنَ العُروبَةِ غابَةٌ / حَشَدَت عَلَيكَ أَراقِما وَذِئابا
فَاِلبِس لَها ماءَ الحَديدِ مَطارِقاً / وَاِجعَل لِسانَكَ مَخلِباً أَو نابا
لا شَرعَ في الغاباتِ إِلّا شَرعَها / فَدَعِ الكَلامَ شِكايَة وَعِتابا
هَذي هِيَ الدُنيا الَّتي أَحبَبتَها / وَسَقَيتَ غَيرَكَ حُبَّها أَكوابا
وَضَحِكتَ مَعَ أَحلامِها وَبَكَيتَ في / آلامِها وَجَرَعتَ مَعَها الصابا
وَأَضَلَّ روحُكَ في السُرى وَأَضَلَّها / ما خِلتَهُ ماءً فَكانَ سَرابا
وَنَظَرت وَالأَوصابُ تَنهَشُ قَلبَها / فَرَأَيتَ كُلَّ لَذاذَةٍ أَوصابا
شاءَ الظَلومُ خَرابَها فَإِذا الوَرى / لا يُبصِرونَ سِوى نُهاهُ خَرابا
دُنيا تَأَلَّقَ أَمسُها في يَومِها / فَاِستَجمَعَ الأَنساب وَالأَحسابا
وَسَرى سَناءُ الوَحيِ مِن آفاقِها / يَغشى العُصور وَيَغمِرُ الأَحقابا
الحَقُّ ما رَفَعَت بِهِ جُدرانُها / وَالخَيرُ ما زانَت بِهِ الأَبوابا
فَاِستِنطِقِ التاريخَ هَل في سِفرِهِ / مَجدٌ يُضاهي مَجدَها الخَلّابا
شابَت حَضارات وَدالَت وَاِنطَوَت / أُمَم وَمَجدُ أُمَيَّةٍ ما شابا
الأَمسُ كانَ لَها وَإِنَّ لَها غَدا / تَتَلَفَّتُ الدُنيا لَهُ إِعجابا
غَنَّيتَ مِن قَبلُ المَحولَة وَالعَرى / أَفَلا تُغَنّي الرَوضَةَ المِخصابا
عَطَفَت لَيالِيَها عَلَيكَ بَشاشَةً / فَاِنسَ اللَيالي غُربَة وَعَذابا
وَاِنشُر جَناحَكَ فَالفَضاءُ مُنَوِّرٌ / وَاِملَء كوأُسَكَ قَد وَجَدتَ شَرابا
فَلِشَدوِ مِثلَكَ كُوِّنَت وَلِمِثلِها / خَلَقَ الإِلَهُ البُلبُلَ المِطرابا
لَيتَ الرِياضَ تُعيرُني أَلوانَها / لِأَصوغَ مِنها لِلرَئيسِ خِطابا
وَأَقولُ إِنّي عاجِزٌ عَن شُكرِهِ / عَجزَ الأَنامِلِ أَن تَلُم عُبابا
أَشكو إِلى نَفسي العَياءَ فَتَشتَكي / مِثلي وَتَصمُتُ لا تَحيرُ جَوابا
فَلَقَد رَأَيتُ البَحرَ حينَ رَأَيتُهُ / فَوَقَفتُ مُضطَرِبَ الرُأى هَيّابا
أَعَميدَ سُرِيّا وَكاشِفَ ضَرِّها / خَلَقَت يَداكَ مِنَ الشُيوخِ شَبابا
وَبَلابِلٌ كانَت تَإِنُّ سَجينَةً / أَطلَقَتها عَلى أَطَرتَها أَسرابا
يا صاحِبَ الخَلقِ المُصَفّى كَالنَدى / لَو لَم تَكُن بَشَراً لَكُنتَ سَحابا
أَمَلُ الشَبيبَةِ في يَدَيكَ وَديعَةٌ / فَاِرفَع لَها الأَخلاق وَالآدابا
فَالجَهلُ أَنّى كانَ فَهوَ عُقوبَةٌ / وَالعِلمُ أَنّى كانَ كانَ ثَوابا
يا وَيحَ نَفسي كَم تُطارِدُني النَوى / وَتَهُدُّ مِنّي القَلب وَالأَعصابا
وَدَّعتُ خَلفَ البَحرِ أَمسُ أَحِبَّةً / وَغَداً أُوَدِّعُ هاهُنا أَحبابا
أَعطَيتُ مَن أَعشَقُها وردَةً
أَعطَيتُ مَن أَعشَقُها وردَةً / مِن بَعدِ أَن أَودَعتُها قَلبي
فَجَعَلَت تَنثُرُ أَوراقَها / بِأَنمُلٍ كَالغَنَمِ الرَطبِ
لا تَسأَلوا العاشِقَ عَن قَلبِهِ / قَد ضاعَ بَينَ الضِحك وَاللَعِبِ
لَم أَقطِفِ الوَردَةَ مِن غُصنِها / لَو لَم تَكُن كَالخَدِّ في الإِتِّقاد
وَلَم تُمَزِّق هِندُ أَوراقَها / لَولا اِشتِباهٌ بَينَها وَالفُؤاد
وَقائِلَةٍ ماذا لَقيتَ مِنَ الحُبِّ
وَقائِلَةٍ ماذا لَقيتَ مِنَ الحُبِّ / فَقُلتُ الرَدى وَالخَوفَ في البُعد وَالقُربِ
فَقالَت عَهَدتُ الحُبَّ يَكسَبُ رَبَّهُ / شَمائِلَ غُرّاً لا تُنالُ بِلا حُبِّ
فَقُلتُ لَها قَد كانَ حُبّاً فَزادَهُ / نُفورُ المَهى راءً فَأَمسَيتُ في حَربِ
وَقَد كانَ لي قَلب وَكُنتُ بِلا هَوىً / فَلَمّا عَرَفتُ الحُبَّ صُرتُ بِلا قَلبِ
ذاتُ شَوكٍ كَالحِرابِ
ذاتُ شَوكٍ كَالحِرابِ / أَو كَأَظفارِ العُقابِ
رَبَضَت في الغابِ كَاللِصِّ / لِفَتك وَاِستِلابِ
تَقطَعُ الدَرَبَ عَلى الفَــ / ــلاح وَالمَولى المَهابِ
صُنتُ عَنها حُرَّ وَجهي / فَتَصَدَّت لِثِيابي
كُلَّما أَفلَتُّ مِن نابٍ / تَلَقَّتني بِنابِ
فَلَها نَهشُ الأَفاعي / وَلَها لَسعُ الذُبابِ
وَأَذاها في سُكوني / كَأَذاها في اِضطِرابي
وَهيَ كَالقَيدِ لِساقي وَلِجيدي كَالسَخابِ
فَكَأَنّا في عِناقٍ / لا نِضالٍ وَوِثابِ
قُلتُ يا ساكِنَةَ الغاب / وَيا بِنتَ التُرابِ
لا تَلَجّي في اِجتِذابي / أَو فَلَجّي في اِجتِذابي
إِنَّ عوداً فيهِ ماءٌ / لَيسَ عوداً لِاِحتِطابِ
أَنا في فَجرِ حَياتي / أَنا في شَرخِ شَبابي
الهَوى مِلءُ فُؤادي / وَالصِبى مِلءُ إِهابي
وَالمُنى تَنبُتُ في دَربي / وَتَمشي في رِكابي
أَنا لَم أَضجَر مِنَ العَيــ / ــشِ وَلَم أَملُل صِحابي
لَم أَزَل أَلمَحُ طَيفَ / المَجدِ حَتّى في السَرابِ
لَم أَزَل أَستَشعِرُ اللَذَّةَ / حَتّى في العَذابِ
لَم أَزَل أَستَشرِفُ الحُســ / ــن وَلَو تَحتَ نِقابِ
ما بِنَفسي خَشيَةُ المَو / تِ وَلا مِنهُ اِرتِهابي
أَنا لِلأَرض وَإِن طالَ / عَنِ الأَرضِ اِغتِرابي
غَيرَ أَنّي لَم يَزَل ضَر / عي لِرَي وَاِحتِلابِ
لَم أَهَب كُلَّ الَّذي عِنــ / ــدي وَلَم يَفرَغ وِطابي
أَنا نَهرٌ لَم أُتَمِّم / بَعدُ في الأَرضِ اِنسِيابي
أَنا رَوضٌ لَم أُذِع كُلَّ / عَبيري وَمَلابي
أَنا نَجمٌ لَم يُمَزِّق / بَعدُ جِلبابَ الضَبابِ
أَنا فَجرٌ لَم تُتَوِّج / فِضَّتي كُلَّ الرَوابي
لي رِغابٌ لَم تَلِد بَعدُ / فَتَبْلى بِالتَبابِ
وَبِنفَسِي أَلفُ مَعنى / لَم يُضَمَّن في كِتابِ
فَإِذا اِستَنفَدتُ ما في / دَنِّ نَفسي مِن شَرابِ
وَإِذا أَنجُمُ آمالي / تَوارَت في الحِجابِ
وَإِذا لَم يَبقَ في / غَيميَ ماءٌ لِاِنسِكابِ
وَإِذا ما صِرتُ كَالعَلـ / ـيقِ تِمثالَ اِكتِئابِ
لا يُرجينِيَ مُحتاج / وَلا يَطمَعُ سابِ
فَاِجذُبيني إِن يَكُن / مِنِّيَ نَفعٌ لِلتُرابِ
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي
مِن أَينَ جِئتَ وَكَيفَ عُجتَ بِبابي / يا مَوكِبَ الأَجيالِ وَالأَحقابِ
أَمِنَ القُبورِ فَكَيفَ مَن حَلّوا بِها / أَهُناكَ ذو أَلَمٍ وَذو تَطرابِ
وَلَهُم صَباباتٌ لَنا أَم غودِروا / في بَلقَعٍ ما فيهِ غَيرُ خَرابِ
أَمرَرتَ بِالأَعشابِ في تِلكَ الرُبى / وَذَكَرتَ أَنَّكَ كُنتَ في الأَعشابِ
حَولَ الصُخورِ النائِماتِ عَلى الثَرى / وَعَلى حَواشي الجَدوَلِ المُنسابِ
وَعَلى ما تَصعَدُ كَالسَحابَةِ في الفَضا / وَإِلى التُرابِ مَصيرُ كُلِّ سَحابِ
لَمّا طَلَعتَ عَلى الشُعاعِ مُوَزِّعاً / مُتَرَجرِجاً كَخَواطِرِ المُرتابِ
وَذَهَبتَ في عَرضِ الفَضاءِ كَخَيمَةٍ / رُفِعَت بِلا عُمُد وَلا أَطنابِ
قالَ الصَحابُ لِيَ اِستَتِر وَتَراكَضوا / لِلذُعرِ يَعتَصِمونَ بِالأَبوابِ
وَهَبِ اِتَّقَيتُكَ بِالحِجابِ فَإِنَّني / لا بُدَّ خالِعَه وَأَنتَ حِجابي
كَم سارِحٍ في غابَةٍ عِندَ الضُحى / جاءَ المَساءُ فَكانَ بَعضَ الغابِ
وَمُصفِقٍ لِلخَمرِ في أَكوابِهِ / طَرَبا وَطَيفُ المَوتِ في الأَكوابِ
أَنا لَو رَأَيتُ بِكَ القَذى مَحضَ القَذى / لَسَتَرتُ وَجهي عَنكَ مِثلُ صِحابي
لَكِن شَهِدتُ شَبيبَة وَكُهولَةً / وَمُنىن وَأَحلاماً بِغَيرِ حِسابِ
وَالشارِبينَ بِكُلِّ كَأس وَالأُلى / عاشوا عَلى ظَمَإٍ لِكُلِّ شَرابِ
وَالضارِبينَ بِكُلِّ سَيفٍ في الوَغى / وَالخانِعينَ لِكُلِّ ذي قِرضابِ
وَالصارِفينَ العُمرَ في سوقِ الهَوى / وَالصارِفينَ العُمرَ في المِحرابِ
وَالغيدَ بَينَ جَميلَة وَدَميمَةٍ / وَالعاشِقَينِ الصَب وَالمُتَصابي
وَالعَبدَ في أَغلالِه وَحِبالِهِ / وَالمُلكَ في الديباج وَالأَطيابِ
وَآبوا جَميعاً في طَريقٍ واحِدٍ / الخاسِرَ المَسبِيِّ مِثلَ السابي
فَضَحِكتُ مِن حِرصي عَلى مَلِكِ الصِبا / وَعَجِبتُ كَيفَ مَضى عَلَيهِ شَبابي
وَوَقَعتَ أَنتَ عَلى تُرابِ ضاحِكٍ / لَمّا وَقَعتَ عَلَيَّ في جِلبابي
وَكَذاكَ أَشواقُ التُرابِ مَآلَها / وَلَئِن تَقادَمَ عَهدُها لِتُرابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ
يا نَفسُ هَذا مَنزِلُ الأَحبابِ / فَاِنسَي عَذابَكِ في النَوى وَعَذابي
وَتَهَلَّلي كَالفَجرِ في هَذا الحِمى / وَتَأَلَّقي كَالخَمرِ في الأَكوابِ
وَلتَمسَحِ البُشرى دُموعَكِ مِثلَما / يَمحو الصَباحُ نَدىً عَنِ الأَعشابِ
وَاِستَرجِعي عَهدَ البَشاشَةِ وَالرِضى / فَالدَهرُ عادَ تَضاحُكاً وَتَصابي
أَنا بَينَ أَصحابي الَّذينَ أُحِبُّهُم / ما أَجمَلَ الدُنيا مَعَ الأَصحابِ
قَد كُنتُ مِثلَ الطائِرِ المَحبوسِ في / قَفَصٍ وَمِثلَ النَجمِ خَلفَ ضَبابِ
يَمتَدُّ في جُنحِ الظَلامِ تَأَوُّهي / وَيَطولُ في أُذنِ الزَمانِ عِتابي
وَأَهُزُّ أَقلامي فَتَرشَحُ حِدَّةً / وَأَسى وَيَندى بِالدُموعِ كِتابي
حَتّى لَقيتَكُمُ فَبِتُّ كَأَنَّني / لِمَسَرَّتي اِستَرجَعتُ عَصرَ شَبابي
لَيسَ التَعَبُّدُ أَن تَبيتَ عَلى الطَوى / وَتَروحَ في خِرَقٍ مِنَ الأَثوابِ
لَكِنَّهُ إِنقاظُ نَفسِ مُعَذَّبٍ / مِن رِبقَةِ الآلامِ وَالأَوصابِ
لَيسَ التَعَبُّدُ عُزلَةً وَتَنَسُّكاً / في الدَيرِ أَو في القَفرِ أَو في الغابِ
لَكِنَّهُ ضَبطُ الهَوى في عالَمٍ / فيهِ الغِوايَةُ جَمَّةُ الأَسبابِ
وَحَبائِلُ الشَيطانِ في جَنَباتِهِ / وَالمالُ فيهِ أَعظَمُ الأَربابِ
هَذا هُوَ الرَأيُ الصَوابُ وَغَيرُهُ / مَهما حَلا لِلناسِ غَيرُ صَوابِ
جُعتُ وَالخُبزُ وَثيرٌ في وِطابي
جُعتُ وَالخُبزُ وَثيرٌ في وِطابي / وَالسَنا حَولي وَروحي في ضَبابِ
وَشَرِبتُ الماءَ عَذباً سائِغاً / وَكَأَنّي لَم أَذُق غَيرَ سَرابِ
مِحنَةٌ لَيسَ لَها مِثلٌ سِوى / مِحنَةِ الزَورَقِ في طاغي العُبابِ
لَيسَ بي داءٌ وَلَكِنّي اِمرُؤٌ / لَستُ في أَرضي وَلا بَينَ صِحابي
مَرَّتِ الأَعوامُ تَتلو بَعضَها / لِلوَرى ضِحكي وَلي وَحدي اِكتِئابي
كُلَّما اِستَولَدَت نَفسي أَمَلاً / مَدَّتِ الدُنيا لَهُ كَفَّ اِغتِصابِ
أُفلِتَت مِنّي حَلاواتُ الرُؤى / عِندَما أُفلِتَ مِن كَفّي شَبابي
بِتُّ لا الإِلهامُ بابٌ مُشرَعٌ / لي وَلا الأَحلامُ تَمشي في رِكابي
أَشتَهي الخَمرَ وَكَأسي في يَدي / وَأُحِسُّ الروحَ تَعرى في ثِيابي
رَبِّ هَبني لِبِلادي عَودَةً / وَليَكُن لِلغَيرِ في الأُخرى ثَوابي
أَيُّها الآتونَ مِن ذاكَ الحِمى / يا دُعاةَ الخَيرِ يا رَمزَ الشَبابِ
كَم هَشَشتُم وَهَشَشنا لِلمُنى / وَبَكَيتُم وَبَكَينا في مُصابِ
وَاِشتَرَكنا في جِهادٍ أَو عَذابِ / وَاِلتَقَينا في حَديثٍ أَو كِتابِ
وَعَرَفتُم وَعَرَفنا مِثلَكُم / أَنَّما الحَقُّ لِذي ظُفرٍ وَنابِ
كُلُّ أَرضٍ نامَ عَنها أَهلُها / فَهيَ أَرضٌ لِاِغتِصابٍ وَاِنتِهابِ
زَعَموا الإِنسانَ بِالعِلمِ اِرتَقى / وَأَراهُ لَم يَزَل إِنسانَ غابِ
إِنَّهُ الثَعلَبُ مَكراً وَهوَ كَالس / سَرَطانِ غَدراً وَحَكيمٌ كَالغُرابِ
يا رِفاقي حَطِّموا أَقدَاحَكُم / لَيسَ في الدُنيا رَحيقٌ لِاِنسِكابِ
جَفَّ ضَرعُ الشِعرِ عِندي وَاِنطَوى / وَلَكَم عاشَ لِمَرعى وَاِحتِلابِ
أَيُّها السائِلُ عَنّي مَن أَنا / أَنا كَالشَمسِ إِلى الشَرقِ اِنتِسابي
لُغَةُ الفولاذِ هاضَت لُغَتي / لا يَعيشُ الشَدوُ في بَحرِ اِصطِخابِ
لَستُ أَشكو إِن شَكا غَيري النَوى / غُربَةُ الأَجسامِ لَيسَت بِاِغتِرابِ
أَنا في نِيويوركَ بِالجِسمِ وَبِالر / روحِ في الشَرقِ عَلى تِلكَ الهِضابِ
في اِبتِسامِ الفَجرِ في صَمتِ الدُجى / في أَسى تِشرينَ في لَوعَةِ آبِ
أَنا في الغوطَةِ زَهرٌ وَنَدى / أَنا في لُبنانَ نَجوى وَتَصابي
إِنَّني أَلمَحُ في أَوجُهِكُم / دَفقَةَ النورِ عَلى تِلكَ الرَوابي
وَأَرى أَشباحَ أَيّامٍ مَضَت / في كِفاحٍ وَنِضالٍ وَوِثابِ
وَأَرى أَطيافَ عَصرٍ باهِرٍ / طالِعٍ كَالشَمسِ مِن خَلفِ الحِجابِ
لَيتَهُ يُسرِعُ كَي أُبصِرَهُ / قَبلَ أَن أَغدو تُراباً في تُرابِ
سَئِمَت نَفسيَ الحَياةَ مَعَ الناسِ
سَئِمَت نَفسيَ الحَياةَ مَعَ الناسِ / وَمَلَّت حَتّى مِنَ الأَحبابِ
وَتَمَشَّت فيها المَلالَةُ حَتّى / ضَجِرَت مِن طَعامِهِم وَالشَرابِ
وَمِنَ الكَذِبِ لابِساً بُردَةَ الصِدقِ / وَهَذا مُسَربَلاً بِالكِذابِ
وَمِنَ القُبحِ في نِقابٍ جَميلٍ / وَمِنَ الحُسنِ تَحتَ أَلفِ نِقابِ
وَمِنَ العابِدينَ كُلَّ إِلَهٍ / وَمِنَ الكافِرينَ بِالأَربابِ
وَمِنَ الواقِفينَ كَالأَنصابِ / وَمِنَ الساجِدينَ لِلأَنصابِ
وَمِنَ الراكِبينَ خَيلَ المَعالي / وَمِنَ الراكِبينَ خَيلَ التَصابي
وَالأُلى يَصمُتونَ صَمتَ الأَفاعِ / وَالأُلى يَهزِجونَ هَزجَ الذُبابِ
صَغُرَت حِكمَةُ الشُيوخِ لَدَيها / وَاِستَخَفَّت بِكُلِّ ما لِلشَبابِ
قالَتِ اِخرُج مِنَ المَدينَةِ لِلقَفرِ / فَفيهِ النَجاةُ مِن أَوصابي
وَليَكُ اللَيلُ راهِبي وَشُموعي الـ / ـشُهبُ وَالأَرضُ كُلُّها مِحرابي
وَكِتابي الفَضاءُ أَقرَأُ فيهِ / سُوَراً ما قَرَأتُها في كِتابِ
وَصَلاتي الَّذي تَقولُ السَواقي / وَغِنائي صَوتُ الصَبا في الغابِ
وَكُؤوسي الأَوراقُ أَلقَت عَلَيها / الشَمسُ ذَوبَ النُضارِ عِندَ الغِيابِ
وَرَحيقي ما سالَ مِن مُقلَةِ الفَجرِ / عَلى العُشبِ كَاللُجَينِ المُذابِ
وَلتُكَحِّل يَدُ المَساءِ جُفوني / وَلتُعانِق أَحلامُهُ أَهدابي
وَليُقَبِّل فَمُ الصَباحِ جَبيني / وَليُعَطِّر أَريجُهُ جِلبابي
وَلأَكُن كَالغُرابِ رِزقِيَ في الحَقـ / ـلِ وَفي السَفحِ مَجثَمي وَاِضطِرابي
ساعَةٌ في الخَلاءِ خَيرٌ مِنَ الأَعـ / ـوامِ تُقضى في القَصرِ وَالأَحقابِ
يا لَنَفسي فَإِنَّها فَتَنَتني / بِالحَديثِ المُنَمَّقِ الخَلّابِ
فَإِذا بي أُقلى القُصورَ وَسُكنا / ها وَأَهلَ القُصورِ ذاتِ القِبابِ
فَهَجَرتُ العُمرانَ تَنفُضُ كَفّي / عَن رِدائي غُبارَهُ وَإِهابي
وَتَرَكتُ الحِمى وَسِرتُ وَإِيّا / ها وَقَد ذَهَّبَ الأَصيلُ الرَوابي
نَهتَدي بِالضُحى فَإِن عَسعَسَ اللَي / لُ جَعَلنا الدَليلَ ضَوءَ الشِهابِ
وَقَضَينا في الغابِ وَقتاً جَميلاً / في جِوارِ الغُدرانِ وَالأَعشابِ
تارَةً في مَلاءَةٍ مِن شُعاعٍ / تارَةً في مَلاءَةٍ مِن ضَبابِ
تارَةً كَالنَسيمِ نَمرَحُ في الوا / دي وَطَوراً كَالجَدوَلِ المُنسابِ
في سُفوحِ الهِضابِ وَالظِلُّ فيها / وَمَعَ النورِ وَهوَ فَوقَ الهِضابِ
إِنَّما نَفسي الَّتي مَلَتِ العُمـ / ـرانَ مَلَّت في الغابِ صَمتَ الغابِ
فَأَنا فيهِ مُستَقِلٌّ طَليقٌ / وَكَأَنّي أَدُبُّ في سِردابِ
عَلَّمَتني الحَياةُ في القَفرِ أَنّي / أَينَما كُنتُ ساكِناً في التُرابِ
وَسَأَبقى ما دُمتُ في قَفَصِ الصَلـ / ـصالِ عَبدَ المُنى أَسيرَ الرَغابِ
خِلتُ أَنِّي في القَفرِ أَصبَحتُ وَحدي / فَإِذا الناسُ كُلُّهُم في ثِيابي
خَرَجَ الناسُ يَشتَرونَ هَدايا
خَرَجَ الناسُ يَشتَرونَ هَدايا / العيدِ لِلأَصدِقاءِ وَالأَحبابِ
فَتَمَنَّيتُ لَو تُساعِفُني الدُنيا / فَأَقضي في العيدِ بَعضَ رِغابي
كُنتُ أُهدي إِذَن مِنَ الصَبرِ أَرطا / لاً إِلى المُنشِئينَ وَالكُتّابِ
وَإِلى كُلِّ نابِغٍ عَبقَرِيٍّ / أُمَّةً أَهلُها ذَوو أَلبابِ
وَإِلى كُلِّ شاعِرٍ عَرَبِيٍّ / سَلَّةً مِن فَواكِهِ الأَلقابِ
وَإِلى كُلِّ تاجِرٍ حُرِمَ التَو / فيقَ زِقَّينِ مِن عَصيرِ الكُذابِ
وَإِلى كُلِّ عاشِقٍ مُقلَةً تُب / صِرُ كَم مِن مَلاحَةٍ في التُرابِ
وَإِلى الغادَةِ الجَميلَةِ مِرآ / ةً تُريها ضَمائِرَ العُزّابِ
وَإِلى الناشِىءِ الغَريرِ مِراناً / وَإِلى الشَيخِ عَزمَةً في الشَبابِ
وَإِلى مَعشَرِ الكَسالى قُصوراً / مِن لُجَينٍ وَعَسجَدٍ في السَحابِ
عَلَّني أَستَريحُ مِنهُم فَقَد صا / روا كَظِلّي في جَيئَتي وَذَهابي
وَإِلى ذي الغِنى الَّذي يَرهَبُ / الفَقرَ اِزدِيادَ الَّذي بِهِ مِن عَذابِ
كُلَّما عَدَّ مالَهُ مُطمَئِنّاً / أَبصَرَ الفَقرَ واقِفاً بِالبابِ
وَإِلى الصاحِبِ المُراوِغِ وَجهاً / أَسوَداً حالِكاً كَوَجهِ الغُرابِ
فَإِذا لاحَ فَرَّتِ الناسُ ذُعراً / مِن طَريقِ المُنافِقِ الكَذّابِ
وَإِلى المُؤمِنينَ شَيئاً مِنَ الشَكِّ / وَبَعضَ الإيمانِ لِلمُرتابِ
وَإِلى مَن يَسُبُّني في غِيابي / شَرَفاً كَي يَصونُهُ مِن سِبابي
وَإِلى حاسِدِيَّ عُمراً طَويلاً / لِيَدومَ الأَسى بِهِم مِمّا بي
وَإِلى الحَقلِ زَهرُهُ وَحُلاهُ / مِن نَدىً لامِعٍ وَمِن أَعشابِ
فَقَبيحٌ أَن نَرتَدي الحُلَلَ القُش / بَ وَتَبقى الرُبى بِغَيرِ ثِيابِ
لَم يَكُن لي الَّذي أَرَدتُ فَحَسبي / أَنَّني بِالمُنى مَلَأتُ وِطابي
وَلَوَ اَنَّ الزَمانَ صاحِبَ عَقلٍ / كُنتُ أُهدي إِلى الزَمانِ عِتابي
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي
حُرٌّ وَمَذهَبُ كُلِّ حُرٍّ مَذهَبي / ما كُنتُ بِالغاوي وَلا المُتَعَصِّبِ
إِنّي لَأَغضَبُ لِلكَريمِ يَنوشُهُ / مَن دونَهُ وَأَلومُ مَن لَم يَغضَبِ
وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ / خَصمي وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبِ
يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى / حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ
لي أَن أَرُدَّ مَساءَةً بِمَساءَةٍ / لَو أَنَّني أَرضى بِبَرقٍ خُلَّبِ
حَسبُ المُسيءِ شُعورُهُ وَمَقالُهُ / في سِرِّهِ يا لَيتَني لَم أُذنِبِ
أَنا لا تَغُشُّنِيَ الطَيالِسُ وَالحُلى / كَم في الطَيالِسِ مِن سَقيمٍ أَجرَبِ
عَيناكَ مِن أَثوابِهِ في جَنَّةٍ / وَيَداكَ مِن أَخلاقِهِ في سَبسَبِ
وَإِذا بَصَرتَ بِهِ بَصَرتَ بِأَشمَطٍ / وَإِذا تُحَدِّثُهُ تَكَشَّفَ عَن صَبي
إِنّي إِذا نَزَلَ البَلاءُ بِصاحِبي / دافَعتُ عَنهُ بِناجِذي وَبِمِخلَبي
وَشَدَدتُ ساعِدَهُ الضَعيفُ بِساعِدي / وَسَتَرتُ مَنكِبَهُ العَرِيَّ بِمَنكِبي
وَأَرى مَساوِءَهُ كَأَنِّيَ لا أَر / وَأَرى مَحاسِنَهُ وَإِن لَم تُكتَبِ
وَأَلومُ نَفسي قَبلَهُ إِن أَخطَأَت / وَإِذا أَساءَ إِلَيَّ لَم أَتَعَتَّبِ
مُتَقَرِّبٌ مِن صاحِبي فَإِذا مَشَت / في عَطفِهِ الغَلواءُ لَم أَتَقَرَّبِ
أَنا مِن ضَميري ساكِنٌ في مَعقِلٍ / أَنا مِن خِلالي سائِرٌ في مَوكِبِ
فَإِذا رَآني ذو الغَباوَةِ دونَهُ / فَكَما تَرى في المَاءِ ظِلَّ الكَوكَبِ
أَحَبَّ إِلَهٌ في صِباهُ إِلاهَةً
أَحَبَّ إِلَهٌ في صِباهُ إِلاهَةً / جَرى السِحرُ في أَعطافِها وَالتَرائِبِ
تَمَنَّت عَلَيهِ آيَةً لَم يَجِئ بِها / إِلَهٌ سِواهُ في العُصورِ الذَواهِبِ
لِيُمسي عَلى الأَربابِ أَجمَعَ سَيِّداً / وَتُمسي تُباهي كُلَّ ذاتِ ذَوائِبِ
وَكانَ إِلَهاً جامِحاً مُتَضَرِّماً / هَوىً فَأَتى بِالمُعجِزاتِ الغَرائِبِ
كَسا الأَرضَ بِالزَهرِ البَديعِ لِأَجلِها / وَرَصَّعَ آفاقَ السَما بِالكَواكِبِ
وَمازالَ حَتّى عَلَّمَ الطَيرَ ما الهَوى / فَحَنَّت وَغَنَّت في الذُرى وَالمَناكِبِ
وَأَنشَأَ جَنّاتٍ وَأَجرى جَداوِلاً / وَمَدَّ المُروجَ الخُضرَ في كُلِّ جانِبِ
وَشاءَ فَشاعَ العِطرُ في الماءِ وَالضِيا / وَفي كُلِّ صَوتٍ أَو صَدىً مُتَجاوِبِ
وَمَسَّ الضُحى فَاِرفَضَّ تِبراً عَلى الرُبى / وَسالَ عَقيقاً في حَواشي السَباسِبِ
وَقالَ لِأَحلامِ البِحارِ تَجَسَّدي / مَواكِبَ أَلوانٍ وَجَيشَ عَجائِبِ
فَكانَت لَآلٍ في الشُطوطِ وَفي الفَضا / غُيومٌ وَمَوجٌ ضاحِكٌ في الغَوارِبِ
وَلَمّا رَأى الأَشياءَ أَحسَنَ ما تُرى / وَتَمَّت لَهُ دُنيا بِغَيرِ مَعايِبِ
دَعاها إِلَيهِ كَي تُبارِكَ صُنعَهُ / وَلَم يَدرِ أَنَّ الحُبَّ جَمُّ المَطالِبِ
فَقالَت لَهُ أَحسَنتَ أَحسَنتَ مُبدِعاً / فَيا لَكَ رَبّاً عَبقَرِيَّ المَواهِبِ
وَلَكِنَّ لي أُمنِيَةً ما تَحَقَّقَت / إِذا لَم تُنِلنيها فَما أَنتَ صاحِبي
فَدُنياكَ هَذي عَلى حُسنِها / وَسِحرِ مَشاهِدِها وَالصُوَر
تُشارِكُني سائِرُ الآلِهاتِ / لَذاذاتِها وَنِساءُ البَشَر
أُريدُ دُنيا فيها شُعاعٌ / يَبقى إِذا غابَتِ النُجوم
أُريدُ دُنيا تُحِسُّ نَفسي / فيها نُفوساً بِلا جُسوم
أُريدُ خَمراً بِلا كُؤوسٍ / مِن غَيرِ ما تُنبِتُ الكُروم
أُريدُ عِطراً بِلا زُهورٍ / يَسري وَإِن لَم يَكُن نَسيم
وَزادَت فَقالَت أُريدُ أَنيناً / يُشَوِّشُ روحي وَلا مُحتَضَر
وَماءً يَموجُ وَلا جَدوَلٌ / وَناراً بِلا حَطَبٍ تَستَعِر
فَأَطرَقَ ذاكَ الإِلَهُ الفَتِيُّ / وَفي نَفسِهِ أَلَمٌ مُستَتِر
وَقالَ اِمهِليني ثَلاثَ لَيالٍ / أُذَلِّلُ فيها المُرادَ العَسِر
وَراحَ يَجوبُ رِحابَ الفَضاءِ / يَحدوهُ شَوقٌ وَيَدعوهُ سِر
فَسالَ مَعَ الشَمسِ فَوقَ الرُبى / وَغَلغَلَ في الحِندِسِ المُعتَكِر
وَأَصغى إِلى نَسَماتِ المُروجِ / وَأَصغى إِلى نَفَحاتِ الزَهَر
وَبَعدَ ثَلاثِ لَيالٍ أَتاها / فَظَنَّتهُ جاءَ لِكَي يَعتَذِر
فَقالَ وَجَدتُ الَّذي تَطلُبينَ / لَدى شاعِرٍ ساحِرٍ مُبتَكِر
وَأَخرَجَ خَيطاً قَصيرَ المَدى / بِلَونِ التُرابِ وَلينِ الشَعَر
فَلَمّا رَأَتهُ عَراها الأَسى / وَغَوَّرَ إيمانِها وَاِندَثَر
فَصاحَت بِغَيظٍ أَتَسخَرُ مِنّي / إِذَن فَاِحمِلِ العارَ أَو فَاِنتَحِر
أَجابَ رُوَيدَكِ يا رَبَّتي / فَما في التَعَجُّلِ إِلّا الضَرَر
وَشَدَّ إِلى آلَةٍ خَيطَهُ / وَدَغدَغَهُ صامِتاً في حَذَر
فَفاضَت خُمورٌ وَسالَت دُموعٌ / وَشَعَّث بُروقٌ وَلاحَت صُوَر
فَصاحَت بِهِ وَهيَ مَدهوشَةٌ / أَلا إِنَّ ذا عالَمٌ مُختَصَر
فَيا لَيتَ شِعرِيَ ماذا يُسَمّى / فَقالَ لَها إِنَّ هَذا الوَتَر
لِيَ بَعلٌ ظَنَّهُ الناسُ أَبي
لِيَ بَعلٌ ظَنَّهُ الناسُ أَبي / صَدِّقوني أَنَّهُ غَيرُ أَبي
وَاِعدِلوا عَن لَومِ مَن لَو مَزَجَت / ما بِها بِالماءِ لَم يُستَعذَبِ
رُبَّ لَومٍ لَم يَفِد إِلّا العَنا / كَم سِهامٍ سُدِّدَت لَم تَصِبِ
يَشتَكي المَرءُ لِمَن يَرثي لَهُ / رُبَّ شَكوى خَفَّفَت مِن نَصَبِ
زَعَموا أَنَّ الغَواني لِعَبٌ / إِنَّما اللُعبَةُ طَبعاً لِلصَبي
وَأَنا ما زِلتُ في شَرخِ الصِبا / فَلِماذا فَرَّطَ الأَهلونَ بي
لِيَ قَدٌّ وَجَمالٌ يَزدَري / ذاكَ بِالغُصنِ وَذا بِالكَوكَبِ
قَد جَرى حُبُّ العُلى مَجرى دَمي / فَهيَ سُؤلي وَالوَفا مِن مَشرَبي
أَنا لَو يَعلَمُ أَهلي دُرَّةٌ / ظُلِمَت في البَيعِ كَالمُخَشلَبِ
أَخَذوا الدينارَ مِنّي بَدَلاً / أَتَراني سِلعَةً لِلمَكسَبِ
لا وَلَكِن راعَهُم عَصرٌ بِهِ / سادَ في الفِتيانِ حُبُّ الذَهَبِ
لَيسَ لِلآدابِ قَدرٌ بَينَهُم / آهِ لَو كانَ نُضاراً أَدَبي
حَسِبوني حينَ لازَمتُ البُكا / طِفلَةً أَجهَلُ ما يَدري أَبي
ثُمَّ بِالغولِ أَبي هَدَّدَني / أَينَ مِن غولِ المَنايا مَهرَبي
أَشيَبٌ لَو أَنَّهُ يَخشى الدُجى / شابَ ذُعراً مِنهُ رَأسُ الغَيهَبِ
لَيتَ ما بَيني وَبَينَ النَومِ مِن / فُرقَةٍ بَيني وَبَينَ الأَشيَبِ
يا لَهُ فَظّاً كَثيرَ الحُزنِ لا / يَعرِفُ الأُنسَ قَليلَ الطَرَبِ
يُخضِبُ الشَعرَ وَلَكِن عَبَثاً / لَيسَ تَخفى لُغَةُ المُستَعرِبِ
قُل لِأَهلِ الأَرضِ لا تَخشوا الرَدى / إِنَّهُ مُشتَغِلٌ في طَلَبي
وَلِمَن يَعجَبُ مِن بُغضي لَهُ / أَيُّها الجاهِلُ أَمري اِتّئِبِ
إِنَّما الغُصنُ إِذا هَبَّ الهَوا / مالَ لِلأَغصانِ لا لِلحَطَبِ
وَإِذا المَرءُ قَضى عَصرَ الصِبا / صارَ أَولى بِالرَدى مِن مَذهَب
عادَت رِياضُ القَوافي وَهيَ حالِيَةٌ
عادَت رِياضُ القَوافي وَهيَ حالِيَةٌ / وَكانَ صَوَّحَ فيها الزَهرُ وَالعُشُبُ
وَاِستَرجَعَت دَولَةُ الأَقلامِ نَخوَتَها / وَكانَ أَدرَكَها الإِعياءُ وَالتَعَبُ
بِشاعِرٍ عَبقَرِيٍّ في قَصائِدِهِ / عِطرٌ وَخَمرٌ وَسِحرٌ رائِقٌ عَجَبُ
فَاِشرَب بِروحِكَ خَمراً كُلُّها أَرَجٌ / وَاِنشُق بِروحِكَ عِطراً كُلُّهُ طَرَبُ
وَاِمرَح بِدُنيا جَمالٍ مِن تَصَوُّرِهِ / فَإِنَّها السِحرُ إِلّا أَنَّهُ أَدَبُ
وَاِلبِس مَطارِفَ حاكَتها يَراعَتُهُ / تَبقى عَلَيكَ وَيَبلى الخَزُّ وَالقَصَبُ
كَم دُرَّةٍ يَتَمَنّى البَحرُ لَو نُسِبَت / إِلَيهِ باتَت إِلى مَسعودَ تَنتَسِبُ
لَو أَنَّها فيهِ لَم تَهتَج غَوارِبُهُ / لَكِنَّها لِسِواهُ فَهوَ يَصطَخِبُ
فَلا جَناحٌ إِذا ما قالَ شاعِرُنا / لِلبَحرِ يا بَحرُ أَغلى الدُرِّ ما أَهَبُ
يا شاعِرَ اَلدَيرِ كَم هَلهَلتَ قافِيَةً / غَنّى الرُواةُ بِها وَاِختالَتِ الكُتُبُ
طَلاقَةُ الفَجرِ فيها وَهوَ مُنبَثِقٌ / وَرِقَّةُ الماءِ فيها وَهوَ مُنسَكِبُ
مَرَّت عَلى هَضَباتِ الدَيرِ هائِمَةً / فَكادَ يورِقُ فيها الصَخرُ وَالحَطَبُ
إِذا تَساقى النُدامى الراحَ صافِيَةً / كانَت قَوافيكَ في الراحِ الَّتي شَرِبوا
فَأَنتَ في أَلسُنِ الأَشياخِ إِن نَطَقوا / وَأَنتَ في هِمَمِ الشُبّانِ إِن وَثَبوا
مَسعودُ عيدُكَ وَالشَهرُ الجَميلُ مَعاً / قَد أَقبَلا وَأَنا في الأَرضِ أَضطَرِبُ
يَحُزُّ نَفسِيَ أَنّي اليَومَ مُبتَعِدٌ / وَأَنتَ مِن حَولِكَ الأَنصارُ وَالصُحُبُ
البيدُ وَالناسُ ما بَيني وَبَينَكُمُ / لَيتَ المَهامِهَ تُطوى لي فَأَقتَرِبُ
ما كانَ أَسعَدَني لَو كُنتُ بَينَكُمُ / كَيما يُؤَدّي لِساني بَعضَ ما يَجِبُ
لِصاحِبٍ أَنا تَيّاهٌ بِصُحبَتِهِ / وَشاعِرٍ طالَما تاهَت بِهِ العَرَبُ