المجموع : 116
عَفا المُصَلّى وَأَقوَتِ الكُثُبُ
عَفا المُصَلّى وَأَقوَتِ الكُثُبُ / مِنِّيَ فَالمِربِدانِ فَاللَبَبُ
فَالمَسجِدُ الجامِعُ المُروأَةِ وَال / دينِ عَفا فَالصِحانُ فَالرَحَبُ
مَنازِلٌ قَد عَمَرتُها يَفعاً / حَتّى بَدا في عِذارِيَ الشَهَبُ
في فِتيَةٍ كَالسُيوفِ هَزَّهُمُ / شَرخُ شَبابٍ وَزانَهُم أَدَبُ
ثُمَّ أَرابَ الزَمانُ فَاِقتَسَموا / أَيدي سَبا في البِلادِ فَاِنشَعَبوا
لَن يُخلِفَ الدَهرُ مِثلَهُم أَبَداً / عَلَيَّ هَيهاتَ شَأنُهُم عَجَبُ
لَمّا تَيَقَّنتُ أَنَّ رَوحَتَهُم / لَيسَ لَها ما حَيِيتُ مُنقَلَبُ
أُبلَيتُ صَبراً لَم يُبلِهِ أَحَدٌ / وَاِقتَسَمَتني مَآرِبٌ شُعَبُ
كَذاكَ إِنّي إِذا رُزِئتُ أَخاً / فَلَيسَ بَيني وَبَينُهُ نَسَبُ
قُطرَبُّلٌ مَربَعي وَلي بَقُرى ال / كَرخِ مَصِيفٌ وَأُمِّيَ العِنَبُ
تُرضِعُني دَرَّها وَتَلحَفُني / بِظِلِّها وَالهَجيرُ يَلتَهِبُ
إِذا ثَنَتهُ الغُصونُ جَلَّلَني / فَينانُ ما في أَديمِهِ جُوَبُ
تَبيتُ في مَأتَمٍ حَمائِمُهُ / كَما تُرَثّي الفَواقِدُ السُلُبُ
يَهُبُّ شَوقي وَشَوقُهُنَّ مَعاً / كَأَنَّما يَستَخِفُّنا طَرَبُ
فَقُمتُ أَحبو إِلى الرَضاعِ كَما / تَحامَلَ الطِفلُ مَسَّهُ سَغَبُ
حَتّى تَخَيَّرتُ بِنتَ دَسكَرَةٍ / قَد عَجَمَتها السِنونُ وَالحِقَبُ
هَتَكتُ عَنها وَاللَيلُ مُعتَكِرٌ / مُهَلهَلَ النَسجِ ما لَهُ هُدُبُ
مِن نَسجِ خَرقاءَ لا تُشَدُّ لَها / آخِيَّةٌ في الثَرى وَلا طُنُبُ
ثُمَّ تَوَجَّأتُ خَصرَها بِشَبا ال / إِشفى فَجاءَت كَأَنَّها لَهَبُ
فَاِستَوسَقَ الشُربُ لِلنَدامى وَأَج / راها عَلَينا اللُجَينُ وَالغَرَبُ
أَقولُ لَمّا تَحاكَيا شَبَهاً / أَيُّهُما لِلتَشابُهِ الذَهَبُ
هُما سَواءٌ وَفَرقُ بَينِهِما / أَنَّهُما جامِدٌ وَمُنسَكِبُ
مُلسٌ وَأَمثالُها مُحَفَّرَةٌ / صُوِّرَ فيها القُسوسُ وَالصُلُبُ
يَتلونَ إِنجيلَهُم وَفَوقَهُمُ / سَماءُ خَمرٍ نُجومُها الحَبَبُ
كَأَنَّها لُؤلُؤٌ تُبَدِّدُهُ / أَيدي عَذارى أَفضى بِها اللَعِبُ
أَيا باكِيَ الأَطلالِ غَيَّرَها البِلى
أَيا باكِيَ الأَطلالِ غَيَّرَها البِلى / بَكَيتَ بِعَينٍ لا يَجِفُّ لَها غَربُ
أَتَنعَتُ داراً قَد عَفَت وَتَغَيَّرَت / فَإِنّي لِما سالَمتَ مِن نَعتِها حَربُ
وَنَدمانِ صِدقٍ باكَرَ الراحَ سُحرَةً / فَأَضحى وَما مِنهُ اللِسانُ وَلا القَلبُ
تَأَنَّيتُهُ كَيما يُفيقُ وَلَم يُفِق / إِلى أَن رَأَيتُ الشَمسَ قَد حازَها الغَربُ
فَقامَ يَخالُ الشَمسَ لَمّا تَرَحَّلَت / فَنادى صَبوحاً وَهيَ قَد قَرُبَت تَخبو
وَحاوَلَ نَحوَ الكَأسِ مَشياً فَلَم يُطِق / مِنَ الضَعفِ حَتّى جاءَ مُختَبِطاً يَحبو
فَقُلتُ لِساقينا اسقِهِ فَانبَرى لَهُ / رَفيقٌ بِما سُمناهُ مِن عَمَلٍ نَدبُ
فَناوَلَهُ كَأساً جَلَت عَن خُمارِهِ / وَأَتبَعَهُ أُخرى فَثابَ لَهُ لُبُّ
إِذا اِرتَعَشَت يُمناهُ بِالكَأسِ رَقَّصَت / بِهِ ساعَةً حَتّى يُسَكِّنَها الشُربُ
فَغَنّى وَما دارَت لَهُ الكَأسُ ثالِثاً / تَعَزّى بِصَبرٍ بَعدَ فاطِمَةَ القَلبُ
دَعِ الأَطلالَ تَسفيها الجَنوبُ
دَعِ الأَطلالَ تَسفيها الجَنوبُ / وَتُبلي عَهدَ جِدَّتِها الخُطوبُ
وَخَلِّ لِراكِبِ الوَجناءِ أَرضاً / تَخُبُّ بِها النَجيبَةُ وَالنَجيبُ
بِلادٌ نَبتُها عُشَرٌ وَطَلحٌ / وَأَكثَرُ صَيدِها ضَبعٌ وَذيبُ
وَلا تَأخُذ عَنِ الأَعرابِ لَهواً / وَلا عَيشاً فَعَيشُهُم جَديبُ
دَعِ الأَلبانَ يَشرَبُها رِجالٌ / رَقيقُ العَيشِ بَينَهُمُ غَريبُ
إِذا رابَ الحَليبُ فَبُل عَلَيهِ / وَلا تُحرَج فَما في ذاكَ حوبُ
فَأَطيَبُ مِنهُ صافِيَةٌ شَمولٌ / يَطوفُ بِكَأسِها ساقٍ أَديبُ
أَقامَت حِقبَةً في قَعرِ دَنٍّ / تَفورُ وَما يُحَسُّ لَها لَهيبُ
كَأَنَّ هَديرَها في الدَنِّ يَحكي / قِراةَ القَسِّ قابَلَهُ الصَليبُ
تَمُدُّ بِها إِلَيكَ يَدا غُلامٍ / أَغَنُّ كَأَنَّهُ رَشَأٌ رَبيبُ
غَذَتهُ صَنعَةُ الداياتِ حَتّى / زَها فَزَها بِهِ دَلٌّ وَطيبُ
يَجُرُّ لَكَ العِنانَ إِذا حَساها / وَيَفتَحُ عَقدُ تَكَّتِهِ الدَبيبُ
وَإِن جَمَّشتُهُ خَلَبَتكَ مِنهُ / طَرائِفُ تُستَخَفُّ لَها القُلوبُ
يَنوءُ بِرِدفِهِ فَإِذا تَمَشّى / تَثَنّى في غَلائِلِهِ قَضيبُ
يَكادُ مِنَ الدَلالِ إِذا تَثَنّى / عَلَيكَ وَمِن تَساقُطِهِ يَذوبُ
وَأَحمَقَ مِن مُغَيِّبَةٍ تَراءى / إِذا ما اِختانَ لَحظَتَها مُريبُ
أَعاذِلَتي اِقصُري عَن بَعضِ لَومي / فَراجي تَوبَتي عِندي يَخيبُ
تَعيبينَ الذُنوبَ وَأَيُّ حُرٍّ / مِنَ الفِتيانِ لَيسَ لَهُ ذُنوبُ
فَهَذا العَيشُ لا خِيَمُ البَوادي / وَهَذا العَيشُ لا اللَبَنُ الحَليبُ
فَأَينَ البَدوُ مِن إيوانِ كِسرى / وَأَينَ مِنَ المَيادينِ الزُروبُ
غُرُرتِ بِتَوبَتي وَلَجَجتِ فيها / فَشُقّي اليَومَ جَيبَكِ لا أَتوبُ
أَعاذِلَ أَعتَبتُ الإِمامَ وَأَعتَبا
أَعاذِلَ أَعتَبتُ الإِمامَ وَأَعتَبا / وَأَعرَبتُ عَمّا في الضَميرِ وَأَعرَبا
وَقُلتُ لِساقينا أَجِزها فَلَم يَكُن / لِيَأبى أَميرُ المُؤمِنينَ وَأَشرَبا
فَجَوَّزَها عَنّي عُقاراً تَرى لَها / إِلى الشَرَفِ الأَعلى شُعاعاً مُطَنَّبا
إِذا عَبَّ فيها شارِبُ القَومِ خِلتَهُ / يُقَبِّلُ في داجٍ مِنَ اللَيلِ كَوكَب
تَرى حَيثُما كانَت مِنَ البَيتِ مَشرِقاً / وَما لَم تَكُن فيهِ مِنَ البَيتِ مَغرِبا
يَدورُ بِها ساقٍ أَغَنُّ تَرى لَهُ / عَلى مُستَدارِ الأُذنِ صُدغاً مُعَقرَبا
سَقاهُم وَمَنّاني بِعَينَيهِ مُنيَةً / فَكانَت إِلى قَلبي أَلَذَّ وَأَطيَبا
لِضَوءِ بَرقٍ ظَلَلتَ مُكتَإِباً
لِضَوءِ بَرقٍ ظَلَلتَ مُكتَإِباً / شَقَّ سَناهُ في الجَوِّ وَاِلتَهَبا
يومِضُ في ضاحِكِ النَواجِذِ مَح / ذُوٌّ بِريحَينِ شَمأَلٍ وَصَبا
نَوَّطَ في الأُفقِ عِبءَ فُرَّقِهِ / وَجَرَّ مِنهُ عَلى الرُبا ذَنَبا
وَنائِحٍ هَبَّ في الغُصونِ ضُحىً / لِمُنتَشٍ مَوهِناً إِذا اِنقَلَبا
يَدعو بِذِكرٍ عَلى اِسمِهِ لِهَوىً / يُذكِرُهُ في زَمانِهِ الرَطَبا
فَبِتُّ مِثلَ المُقيمِ مُغتَرِباً / يَدعو بِواوَيلَتا وَواحَرَبا
مُنقَدَّ جَيبِ القَميصِ يَحثو عَلى ال / رَأسِ مَلِيّاً بِكَفِّهِ التُرُبا
حَتّى إِذا ما اِنتَهى لِغايَتِهِ / ثَمَّ وَأَمضى في نَفسِهِ أَرَبا
أَلجا قِوى ظَهرِهِ إِلى سَنَدٍ / مُعتَصِماً بِالعَزاءِ مُحتَسِبا
وَفِتيَةٍ لا الميراءُ يَشمُلُهُم / زَكَوا فَعالاً مَعاً وَمُنتَسَبا
شَبّوا عَلى أُدبَةٍ كَأَصوِرَةِ ال / مِسكِ مُباحاً تَترى وَمُنتَهَبا
يَسعى عَلَيهِم بِالكَأسِ ذو نُطَفٍ / أَحذاهُ ظَبيُ الصَريمَةِ اللَبَبا
مِن ماثِلٍ فُدِّمَت مَضاحِكُهُ / يَقلِصُ في الكَأسِ بَينَنا الذَهَبا
مِن قَهوَةٍ مُزَّةٍ مُشَعشَعَةٍ / تَرى لَها عِندَ مَزجِها حَبَبا
مَعاً وَتَترى إِذا حَبا أَوَّلٌ / مِنهُنَّ وَطّا لِئاخَرٍ فَحَبا
قالوا وَقَد أَنكَروا مُراوَغَتي ال / كَأسِ وَقَتلي بِبَثِّيَ الطَرَبا
ما لَكَ أَم ما دَهاكَ وَيلُكَ ما / غالَكَ حَتّى اِنفَرَدتَ مُكتَإِبا
قَدِ اِغتَرَفتَ الهُمومَ وَالبَثَّ وَال / وَجدَ وَهُزتَ الأَحزانَ وَالكُرَبا
رُميتَ عَن قَوسِ كُلِّ فادِحَةٍ / رَمَتكَ يَوماً بِنَبلِها كَثَبا
أَإِن جَفاكَ الرَشا الَّذي نَسِيَ ال / ناسُ اِسمَهُ مُنذُ لُقِّبَ اللَقَبا
أَرذاكَ مَجلودُكَ الكَآبَةَ وَال / شَوقَ وَجُهدَ البَلاءِ وَالنَصَبا
وَآنِسٍ لا أَمَلُّ مَجلِسَهُ / قامَ لِوَقتٍ دَنا لِيَنقَلِبا
آثَرتُ أَن لا يُلامَ حِلمي عَلى / لَذَّةِ قَلبي فَاِستَشعَرَ الوَصَبا
فَراحَ لا عَطَّلَتهُ عافِيَةٌ / وَباتَ طَرفي مِن طَرفِهِ جُنُبا
ساعٍ بِكَأسٍ إِلى ناشٍ عَلى طَرَبي
ساعٍ بِكَأسٍ إِلى ناشٍ عَلى طَرَبي / كِلاهُما عَجَبٌ في مَنظَرٍ عَجَبِ
قامَت تُريني وَأَمرُ اللَيلِ مُجتَمِعٌ / صُبحاً تَوَلَّدَ بَينَ الماءِ وَالعِنَبِ
كَأَنَّ صُغرى وَكُبرى مِن فَواقِعِها / حَصباءُ دُرَّ عَلى أَرضٍ مِنَ الذَهَبِ
كَأَنَّ تُركاً صُفوفاً في جَوانِبِها / تُواتِرُ الرَميَ بِالنُشّابِ مِن كَثَبِ
مِن كَفِّ ساقِيَةٍ ناهيكَ ساقِيَةً / في حُسنِ قَدٍّ وَفي ظُرفٍ وَفي أَدَبِ
كانَت لِرَبِّ قِيانٍ ذي مُغالَبَةٍ / بِالكَشخِ مُحتَرِفٍ بِالكَشخِ مُكتَسِبِ
فَقَد رَأَت وَوَعَت عَنهُنَّ وَاِختَلَفَت / ما بَينَهُنَّ وَمَن يَهوَينَ بِالكُتُبِ
حَتّى إِذا ما غَلى ماءُ الشَبابِ بِها / وَأُفعِمَت في تَمامِ الجِسمِ وَالقَصَبِ
وَجُمِّشَت بِخَفِيِّ اللَحظِ فَاِنجَمَشَت / وَجَرَّتِ الوَعدَ بَينَ الصِدقِ وَالكَذِبِ
تَمَّت فَلَم يَرَ إِنسانٌ لَها شَبَهاً / فيمَن بَرى اللَهُ مِن عُجمٍ وَمِن عَرَبِ
تِلكَ الَّتي لَو خَلَت مِن عَينِ قَيِّمِها / لَم أَقضِ مِنها وَلا مِن حُبِّها أَرَبي
شَمِّر شَبابَكَ في قَتلي وَتَعذيبي
شَمِّر شَبابَكَ في قَتلي وَتَعذيبي / فَقَد تَسَربَلتَ ثَوبَ الحُسنِ وَالطيبِ
عَينايَ تَشهَدُ أَنّي عاشِقٌ لَكُمُ / يا دُميَةً صَوَّروها في المَحاريبِ
جَرَّبتُ مِنكِ أُموراً صَدَّعَت كَبِدي / نَعَم وَأَودَت بِما تَحتَ الجَلابيبِ
اِفهَم فَدَيتُكَ بَيتاً سائِراً مَثَلاً / مِن أَوَّلٍ كانَ يَأتي بِالأَعاجيبِ
لا تَحمَدَنَّ اِمرَأً مِن غَيرِ تَجرِبَةٍ / وَلا تَذُمَّنَّهُ إِلّا بِتَجريبِ
وَقَهوَةٍ مِثلُ عَينِ الديكِ صافِيَةً / مِن خَمرِ عانَةَ أَو مِن خَمرَةِ السِيَبِ
كَأَنَّ أَحداقَها وَالماءُ يَقرَعُها / في ساحَةِ الكَأسِ أَحداقُ اليَعاسيبِ
يَسعى بِها مِثلَ قَرنِ الشَمسِ ذو كِفلٍ / يَشفي الضَجيعَ بِذي ظَلمٍ وَتَشنيبِ
كَأَنَّهُ كُلَّما حاوَلتُ نائِلَهُ / ذو نَخوَةٍ ناشِئٌ بَينَ الأَعاريبِ
يَسطو عَلَيَّ بِحُسنٍ لَستُ أُنكِرُهُ / يا مَن رَأى حَمَلاً يَسطو عَلى ذيبِ
يا خاطِبَ القَهوَةِ الصَهباءِ يَمهُرُها
يا خاطِبَ القَهوَةِ الصَهباءِ يَمهُرُها / بِالرَطلِ يَأخُذُ مِنها مِلأَهُ ذَهَبا
قَصَّرتَ بِالراحِ فَاِحذَر أَن تُسَمِّعَها / فَيَحلِفَ الكَرمُ أَن لا يَحمِلَ العِنَبا
إِنّي بَذَلتُ لَها لَمّا بَصُرتُ بِها / صاعاً مِنَ الدُرِّ وَالياقوتِ ما ثُقِبا
فَاِستَوحَشَت وَبَكَت في الدَمنِ قائِلَةً / يا أُمُّ وَيحَكِ أَخشى النارَ وَاللَهَبا
فَقُلتُ لا تَحذَريهِ عِندَنا أَبَداً / قالَت وَلا الشَمسَ قُلتُ الحَرُّ قَد ذَهَبا
قالَت فَمَن خاطِبي هَذا فَقُلتُ أَنا / قالَت فَبَعلِيَ قُلتُ الماءُ إِن عَذُبا
قالَت لِقاحي فَقُلتُ الثَلجُ أُبرِدُهُ / قالَت فَبَيتي فَما أَستَحسِنُ الخَشَبا
قُلتُ القَنانِيَّ وَالأَقداحُ وَلَّدَها / فِرعَونُ قالَت لَقَد هَيَّجتَ لي طَرَبا
لا تُمكِنَنّي مِنَ العِربيدِ يَشرَبُني / وَلا اللَئيمِ الَّذي إِن شَمَّني قَطَبا
وَلا المَجوسِ فَإِنَّ النارَ رَبَّهُمُ / وَلا اليَهودِ وَلا مَن يَعبُدُ الصُلُبا
وَلا السَفالِ الَّذي لا يَستَفيقُ وَلا / غِرِّ الشَبابِ وَلا مَن يَجهَلُ الأَدَبا
وَلا الأَراذِلِ إِلّا مَن يُوَقِّرني / مِنَ السُقاةِ وَلَكِنِ اِسقِني العَرَبا
يا قَهوَةً حُرِّمَت إِلّا عَلى رَجُلٍ / أَثرى فَأَتلَفَ فيها المالَ وَالنَشَبا
دَعِ الرَبعَ ما لِلرَبعِ فيكَ نَصيبُ
دَعِ الرَبعَ ما لِلرَبعِ فيكَ نَصيبُ / وَما إِن سَبَتني زَينَبٌ وَكَعوبُ
وَلَكِن سَبَتني البابِلِيَّةُ إِنَّها / لَمِثلِيَ في طولِ الزَمانِ سَلوبُ
جَفا الماءُ عَنها في المِزاجِ لِأَنَّها / خَيالٌ لَها بَينَ العِظامِ دَبيبُ
إِذا ذاقَها مَن ذاقَها حَلَّقَت بِهِ / فَلَيسَ لَهُ عَقلٌ يُعَدُّ أَديبُ
وَلَيلَةِ دَجنٍ قَد سَرَيتُ بِفِتيَةٍ / تُنازِعُها نَحوَ المُدامِ قُلوبُ
إِلى بَيتِ خَمّارٍ وَدونَ مَحَلِّهِ / قُصورٌ مُنيفاتٌ لَنا وَدُروبُ
فَفُزِّعَ مِن إِدلاجِنا بَعدَ هَجعَةٍ / وَلَيسَ سِوى ذي الكِبرِياءِ رَقيبُ
تَناوَمَ خَوفاً أَن تَكونَ سِعايَةٌ / وَعاوَدَهُ بَعدَ الرِقادِ وَجيبُ
وَلَمّا دَعَونا بِاسمِهِ طارَ ذُعرُهُ / وَأَيقَنَ أَنَّ الرَحلَ مِنهُ خَصيبُ
وَبادَرَ نَحوَ البابِ سَعياً مُلَبِّياً / لَهُ طَرَبٌ بِالزائِرينَ عَجيبُ
فَأَطلَقَ عَن نابَيهِ وَانكَبَّ ساجِداً / لَنا وَهوَ فيما قَد يَظُنُّ مُصيبُ
وَقالَ اِدخُلوا حُيِّيتُمُ مِن عِصابَةٍ / فَمَنزِلُكُم سَهلٌ لَدَيَّ رَحيبُ
وَجاءَ بِمِصباحٍ لَهُ فَأَنارَهُ / وَكُلُّ الَّذي يَبغي لَدَيهِ قَريبُ
فَقُلنا أَرِحنا هاتِ إِن كُنتَ بائِعاً / فَإِنَّ الدُجى عَن مُلكِهِ سَيَغيبُ
فَأَبدى لَنا صَهباءَ تَمَّ شَبابُها / لَها مَرَحٌ في كَأسِها وَوُثوبُ
فَلَمّا جَلاها لِلنَدامى بَدا لَها / نَسيمُ عَبيرٍ ساطِعٍ وَلَحيبُ
وَجاءَ بِها تَحدو بِها ذاتُ مُزهِرٍ / يَتوقُ إِلَيها الناظِرونَ رَبيبُ
كَثيبٌ عَلاهُ غُصنُ بانٍ إِذا مَشى / تَكادُ لَهُ صُمُّ الجِبالِ تُنيبُ
وَأَقبَلَ مَحمودُ الجَمالِ مُقَرطَقٌ / إِلى كَأسِها لا عَيبَ فيهِ أَريبُ
يَشُمُّ النَدامى الوَردَ مِن وَجَناتِهِ / فَلَيسَ بِهِ غَيرُ المِلاحَةِ طيبُ
فَمازالَ يَسقينا بِكَأسٍ مُجِدَّةٍ / تُوَلّي وَأُخرى بَعدَ ذاكَ تَؤوبُ
وَغَنّى لَنا صَوتاً بِلَحنٍ مُرَجَّعٍ / سَرى البَرقُ غَربِيّاً فَحَنَّ غَريبُ
فَمَن كانَ مِنّا عاشِقاً فاضَ دَمعُهُ / وَعاوَدَهُ بَعدَ السُرورِ نَحيبُ
فَمِن بَينِ مَسرورٍ وَباكٍ مِنَ الهَوى / وَقَد لاحَ مِن ثَوبِ الظَلامِ غُيوبُ
وَقَد غابَتِ الشِعرى العَبورُ وَأَقبَلَت / نُجومُ الثُرَيّا بِالصَباحِ تَثوبُ
إِصدَع نَجِيَّ الهُمومِ بِالطَرَبِ
إِصدَع نَجِيَّ الهُمومِ بِالطَرَبِ / وَاِنعَم عَلى الدَهرِ بِاِبنَةِ العِنَبِ
وَاِستَقبِلِ العَيشَ في غَضارَتِهِ / لا تَقفُ مِنهُ آثارَ مُعتَقَبِ
مِن قَهوَةٍ زانَها تَقادُمُها / فَهيَ عَجوزٌ تَعلو عَلى الحُقُبِ
دَهرِيَةٌ قَد مَضَت شَبيبَتُها / وَاِستَنشَقَتها سَوالِفُ الحِقَبِ
كَأَنَّها في زُجاجِها قَبَسٌ / يَذكو بِلا سَورَةٍ وَلا لَهَبِ
فَهيَ بِغَيرِ المِزاجِ مِن شَرَرٍ / وَهيَ إِذا صُفِّقَت مِنَ الذَهَبِ
إِذا جَرى الماءُ في جَوانِبِها / هَيَّجَ مِنها كَوامِنَ الشَغَبِ
فَاِضطَرَبَت تَحتَهُ تُزاحِمُهُ / ثُمَّ تَناهَت تَفتَرُّ عَن حَبَبِ
يا حُسنَها مِن بَنانِ ذي خَنَثٍ / تَدعوكَ أَجفانُهُ إِلى الرِيَبِ
فَاِذكُر صَباحَ العُقارِ وَاِسمُ بِهِ / لا بِصَباحِ الحُروبِ وَالعَطَبِ
أَحسَنُ مِن مَوقِفٍ بِمُعتَرَكٍ / وَرَكضِ خَيلٍ عَلى هَلا وَهَبِ
صَيحَةُ ساقٍ بِحابِسٍ قَدَحا / وَصَبرُ مُستَكرِهٍ لِمُنتَحِبِ
وَرِدفُ ظَبيٍ إِذا اِمتَطَيتَ بِهِ / أَعطاكَ بَينَ التَقريبِ وَالخَبَبِ
يَصلُحُ لِلسَيفِ وَالقَباءِ كَما / يَصلُحُ لِلبارِقَينِ وَالسُحُبِ
حَلَّ عَلى وَجهِهِ الجَمالُ كَما / حَلَّ يَزيدٌ مَعالِيَ الرُتَبِ
يا بِشرُ ما لي وَالسَيفِ وَالحَربِ
يا بِشرُ ما لي وَالسَيفِ وَالحَربِ / وَإِنَّ نَجمي لِلَّهوِ وَالطَرَبِ
فَلا تَثِق بي فَإِنَّني رَجُلٌ / أَكُعُّ عِندَ اللِقاءِ وَالطَلَبِ
وَإِن رَئيتُ الشُراةَ قَد طَلَعوا / أَلجَمتُ مُهري مِن جانِبِ الذَنَبِ
وَلَستُ أَدري ما الساعِدانِ وَلا ال / تُرسُ وَما بَيضَةٌ مِنَ اللَبَبِ
هَمّي إِذا ما حُروبُهُم غَلَبَت / أَيُّ الطَريقَينِ لي إِلى الهَرَبِ
لَو كانَ قَصفٌ وَشُربُ صافِيَةٍ / مَع كُلِّ خَودٍ تَختالُ في السُلُبِ
وَالنَومُ عِندَ الفَتاةِ أَرشُفُها / وَجَدتُني ثَمَّ فارِسَ العَرَبِ
وَمَقرورٍ مَزَجتُ لَهُ شَمولا
وَمَقرورٍ مَزَجتُ لَهُ شَمولا / بِماءٍ وَالدُجى صَعبُ الجِنابِ
فَلَمّا أَن رَفَعتُ يَدي فَلاحَت / بَوارِقُ نورِها بَعدَ اِضطِرابِ
تَزاحَفَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيهِ يَرجو / وِقاءً حينَ جارَت بِاِلتِهابِ
فَأَبصَرَ في أَنامِلِهِ اِحمِراراً / وَلَيسَ لَهُ لَظى حَرِّ الشِهابِ
فَقُلتُ لَهُ رُوَيدِكَ إِنَّ هَذا / سَنا الصَهباءِ مِن تَحتِ النِقابِ
فَسَلسِلها فَسَوفَ تَرى سُروراً / فَإِنَّ اللَيلَ مَستورُ الجَنابِ
فَرَدَّدَ طَرفَهُ كَيما يَراها / فَكَلَّ الطَرفُ مِن دونِ الحِجابِ
وَمُختَلِسِ القُلوبِ بِطَرفِ ريمٍ / وَجيدِ مَهاةِ بَرٍّ ذي هِضابِ
إِذا اِمتُحِنَت مَحاسِنُهُ فَأَبدَت / غَرائِبَ حُسنِهِ مِن كُلِّ بابِ
تَقاصَرَتِ العُيونُ لَهُ وَأَغفَت / عَنِ اللَحَظاتِ خاضِعَةِ الرِقابِ
لَهُ لَقَبٌ يَليقُ بِناطِقيهِ / بَديعٌ لَيسَ يُعجَمُ في الكِتابِ
يُقالُ لَهُ المُعَلَّلُ وَهوَ عِندي / كَما قالوا وَذاكَ مِنَ الصَوابِ
يُعَلِّلُنا بِصافِيَةٍ وَوَجهٍ / كَبَدرٍ لاحَ مِن خَلَلِ السَحابِ
الوَردُ يَضحَكُ وَالأَوتارُ تَصطَخِبُ
الوَردُ يَضحَكُ وَالأَوتارُ تَصطَخِبُ / وَالنايُ يَندُبُ أَحياناً وَيَنتَحِبُ
وَالقَومُ إِخوانُ صِدقٍ بَينَهُم نَسَبٌ / مِنَ المَوَدَّةِ ما يَرقى لَهُ نَسَبُ
تَراضَعوا دِرَّةَ الصَهباءِ بَينَهُمُ / وَأَوجَبوا لِنَديمِ الكَأسِ ما يَجِبُ
لا يَحفَظونَ عَلى السَكرانِ زَلَّتَهُ / وَلا يُريبُكَ مِن أَخلاقِهِم رِيَبُ
سَقاني أَبو بِشرٍ مِنَ الراحِ شَربَةً
سَقاني أَبو بِشرٍ مِنَ الراحِ شَربَةً / لَها لَذَّةٌ ما ذُقتُها لِشَرابِ
وَما طَبَخوها غَيرَ أَنَّ غُلامَهُم / مَشى في نَواحي كَرمِها بِشِهابِ
عَدِّ عَن رَسمٍ وَعَن كُثُبِ
عَدِّ عَن رَسمٍ وَعَن كُثُبِ / وَالهُ عَنهُ بِابنَةِ العِنَبِ
بِالَّتي إِن جِئتُ أَخطُبُها / حُلِّيَت حَلياً مِنَ الذَهَبِ
خُلِقَت لِلهَمِّ قاهِرَةً / وَعَدُوَّ المالِ وَالنَشَبِ
لَم يَذُقها قَطُّ راشِفُها / فَخَلا مِن لاعِجِ الطَرَبِ
لا تَشِنها بِالَّتي كَرِهَت / فَهيَ تَأبى دَعوَةَ النَسَبِ
مَن ذا يُساعِدُني في القَصفِ وَالطَرَبِ
مَن ذا يُساعِدُني في القَصفِ وَالطَرَبِ / عَلى اِصطِباحٍ بِماءِ المُزنِ وَالعِنَبِ
حَمراءُ صَفراءُ عِندَ المَزجِ تَحسَبُها / كَالدُرِّ طَوَّقَها نَظمٌ مِنَ الحَبَبِ
مَن ذاقَها مَرَّةً لَم يَنسَها أَبَداً / حَتّى يُغَيَّبَ في الأَكفانِ وَالتُرَبِ
فَسَلَّ هَمُّكَ بِالنَدمانِ في دَعَةٍ / وَبِالعُقارِ فَهَذا أَهنَأُ الأَرَبِ
وَجانِبِ الشُحَّ إِنَّ الشُحَّ داعِيَةٌ / إِلى البَلِيّاتِ وَالأَحزانِ وَالكُرَبِ
أَنزَفَ دَمعي طولُ تَسكابِهِ
أَنزَفَ دَمعي طولُ تَسكابِهِ / وَاختَصَّني الحُبُّ بِأَتعابِهِ
وَأَغرَقَت قَلبي بِحارُ الهَوى / مِمّا بِهِ مِن طولِ أَوصابِهِ
وَاختَصَّني الحُبُّ حَليفاً لَهُ / بورِكَ في الحُبِّ وَأَسبابِهِ
مَن صَدَقَت نِيَّتُهُ في الهَوى / أَعانَهُ الحُبُّ عَلى ما بِهِ
يُعينُهُ اللُهُ عَلى حُبِّهِ / إِن صَحَّحَ الحُبُّ لِأَصحابِهِ
وَزائِرٍ زارَ بُعَيدَ الكَرى / ذَكَّرَ قَلبي كُنهُ أَطرابِهِ
أَقبَلَ يَسعى في الدُجى مُقبِلاً / كَالبَدرِ يَمشي بَينَ أَترابِهِ
فَقُلتُ لَمّا أَن بَدا مُعلِناً / شَمساً تَجَلَّت بَينَ أَثوابِهِ
فَباتَ يَسقيني جَنى ريقِهِ / يَمزُجُهُ لي بَردُ أَنيابِهِ
وَصاحِبٍ عَفِّ الذُرى ماجِدٍ / بِهَديِهِ زَينٍ لِأَحبابِهِ
قُلتُ لَهُ خُذها أَبا جَعفَرٍ / فَقَد تَدَلّى الصُبحَ في بابِهِ
وَقَد مَضى عَنكَ ظَلامُ الدُجى / وَانكَشَفَت أَستارُ أَثوابِهِ
فَسَلسَلَ الكَأسَ عَلى كُرهِهِ / وَمَرَّ فيها بَعدَ تَقطابِهِ
كَأَنَّما الكَأسُ إِذا صُفِّقَت / قِنديلُ قَسٍّ وَسطَ مِحرابِهِ
وَأَصبَحَت أَلسُنُ أَوتارِهِ / إِذ حَرَّكَ المَثنى بِمِضرابِهِ
ثُمَّ شَدا لَمّا جَرَت كَأسُهُ / صِرفاً وَمَرَّت بَينَ أَترابِهِ
عاوَدَ قَلبي كُنهُ أَطرابِهِ / مِن حُبِّ مَن أَصبَحتُ أَغنى بِهِ
حامِلُ الهَوى تَعِبُ
حامِلُ الهَوى تَعِبُ / يَستَخِفُّهُ الطَرَبُ
إِن بَكى يُحَقُّ لَهُ / لَيسَ ما بِهِ لَعِبُ
تَضحَكينَ لاهِيَةً / وَالمُحِبُّ يَنتَحِبُ
تَعجَبينَ مِن سَقَمي / صِحَّتي هِيَ العَجَبُ
كُلَّما اِنقَضى سَبَبٌ / مِنكِ عادَ لي سَبَبُ
ما هَوىً إِلّا لَهُ سَبَبُ
ما هَوىً إِلّا لَهُ سَبَبُ / يَبتَدي مِنهُ وَيَنشَعِبُ
فَتَنَت قَلبي مُحَجَّبَةٌ / وَجهُها بِالحُسنِ مُنتَقِبُ
حَلِيَت وَالحُسنُ تَأخُذُهُ / تَنتَقي مِنهُ وَتَنتَخِبُ
فَاِكتَسَت مِنهُ طَرائِفَهُ / وَاِستَزادَت فَضلَ ما تَهِبُ
فَهيَ لَو صَيَّرَت فيهِ لَها / عَودَةً لَم يَثنِها أَرَبُ
صارَ جِدّاً ما مَزَحتُ بِهِ / رُبَّ جِدٍّ جَرَّهُ اللَعِبُ
مَن سَبَّني مِن ثَقيفٍ
مَن سَبَّني مِن ثَقيفٍ / فَإِنَّني لَن أَسُبَّه
أَبَحتُ عِرضي ثَقيفاً / وَلَطمَ خَدّي وَضَربَه
وَكَيفَ يُنكَرُ هَذا / وَفيهُمُ لي أَحِبَّه
لَأوسِعَنَّ بِحِلمي / عَبدَ الحَبيبِ وَكَلبَه
وَلا أَكونُ كَمَن لَم / يوسِع لِمَولاهُ قَلبَه
فَقامَ يَدعو عَلَيهِ / وَيَجعَلُ اللَهَ حَسبَه