المجموع : 8
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ
أقول دمىً وهيَ الحسانُ الرّعابيبُ / ومن دونِ أستارِ القِبابِ محَاريبُ
نَوىً أبْعَدَتْ طائيّةً ومزارَها / ألا كلُّ طائيٍّ إلى القلْبِ محْبوب
سَلوا طَيِّءَ الأجبال أينَ خِيامُها / وما أجَأٌ إلاّ حِصانٌ ويعبوب
هُمُ جَنَبوا ذا القلبَ طَوعَ قيادهم / وقد يشهدُ الطِّرْفُ الوغى وهو مجنوب
وهم جاوزوا طلح الشواجن والغضا / تخبّ بهم جُرْدُ اللقاءِ السراحيب
قِبابٌ وأحبابٌ وجُلهَمَةُ العِدى / وخَيلٌ عِرابٌ فوقَهنّ أعاريب
إذا لم أذُدْ عن ذلك الماء وِردَهمْ / وإنْ حَنّ وُرّادٌ كما حنّتِ النِّيب
فلا حَمَلتْ بِيضَ السيوفِ قوائِمٌ / ولا صَحِبَتْ سُمْرَ الرماحِ أنابيب
وهل يَرِدُ الغَيْرانُ ماءً وَرَدْتُهُ / إذا وَرَدَ الضّرْغامُ لم يَلِغِ الذئب
وعهدي بهِ والعيشُ مثلُ جِمامهِ / نميرٌ بماءِ الوَردِ والمسكِ مقطوب
وما تفْتأُ الحسناءُ تُهدي خَيالَها / ومن دونِها إسْآد خمسٍ وتأويب
وما رَاعَني إلاّ ابنُ وَرقاءَ هاتِفٌ / بعينَيْهِ جَمرٌ من ضلوعيَ مشبوب
وقد أنكَرَ الدّوْحَ الذي يستظلّه / وسحّتْ له الأغصانُ وهي أهاضيب
وحَثَّ جَناحَيْهِ ليخْطَفَ قَلبَه / عِشاءً سذانيقُ الدجى وهو غِربيب
ألا أيّها الباكي على غيرِ أيْكهِ / كِلانا فريدٌ بالسماوَةِ مَغلوب
فُؤادُكَ خفّاقٌ ووكْرُكَ نازحٌ / وروضُكَ مطلولٌ وبانُكَ مهضوب
هَلُمّ على أنّي أقِيكَ بأضْلُعي / فأملِكُ دَمعي عنْك وَهْو شآبيب
تُكِنُّكَ لي مَوْشِيّةٌ عبقريّةٌ / كَريشِكَ إلاّ أنّهُنّ جَلابيب
فلا شَدْوَ إلاّ من رَنينِكَ شائِقٌ / ولا دَمعَ إلاّ من جفونيَ مسكوب
ولا مَدْحَ إلاّ للمعِزّ حقِيقَةً / يُفصَّلُ دُرّاً والمديحُ أساليب
نِجارٌ على البيتِ الإماميّ مُعْتَلٍ / وحكمٌ إلى العدلِ الربوبيّ منسوب
يصلّي عليه أصفر القدح صائب / وعوجاء مرنانٌ وجرداء سرحوب
وأسمرُ عَرّاصُ الكعوب مثقَّفٌ / وأبيضُ مشقوقُ العقيقة مخشوب
لأسيافهِ من بُدْنِه وعُصاته / نجيعان مُهراقٌ عَبيطٌ ومصبوب
فإنْ تكُ حرْبٌ فالمفارِقُ والطُّلى / وإن يكُ سِلمٌ فالشوى والعراقيب
أعِزّةُ مَن يُحْذَى النعالَ أذِلّةٌ / له ومُلوكُ العالَمينَ قراضيب
وما هو إلاّ أن يشيرَ بلَحْظِهِ / فتَمخُر فُلكٌ أو تُغِذّ مقانيب
فلا قارعٌ إلاّ القنا السُّمرُ بالقنا / إذا قُرِعَتْ للحادثاتِ الظّنابيب
ولم أرَ زَوّاراً كسيفك للعِدى / فهل عند هام الرّومِ أهلٌ وترحيب
إذا ذكروا آثارَ سيفك فيهمُ / فلا القَطر معدودٌ ولا الرّمل محسوب
وفيما اصطلوا من حرّ بأسك واعظٌ / وفيما أُذيقوا من عذابكَ تأديب
ولكنْ لعلّ الجاثليقَ يَغُرُّه / على حَلَبٍ نَهْبٌ هنالكَ مَنهوب
وثغْرٌ بأطرافِ الشآمِ مضَيَّعٌ / وتفريقُ أهواءٍ مِراضٍ وتخريب
وما كلُّ ثغْرٍ ممكِنٌ فيه فرصَةٌ / ولا كلّ ماءٍ بالجدالةِ مَشروب
ومِن دون شِعْبٍ أنتَ حاميه معرَكٌ / وبيءٌ وتصْعيدٌ كَريهٌ وتصويب
وصَعْقٌ بُركْنِ الأفقِ وابنُ طهارة / يَذُبُّ عن الفرقانِ بالتاجِ معصوب
وجُرْدٌ عناجيجٌ وبِيضٌ صوارِمٌ / وصُيّابةٌ مُرْدٌ وكُرّامةٌ شِيب
وسُفْنٌ إذا ما خاضتِ اليمّ زاخراً / جلَتْ عن بياض النصر وهي غرابيب
تُشَبُّ لها حمراءُ قانٍ أُوارها / سَبوحٌ لها ذيلٌ على الماء مسحوب
لَقيتَ بني مروانَ جانبَ ثَغْرِهمْ / وحظُّهمُ من ذاك خُسرٌ وتتْبيب
وعارٌ بقومٍ أن أعدّوا سوابحاً / صُفُوناً بها عن نصرَةِ الدين تنكيب
وقد عجزوا في ثغرِهمْ عن عدوّهمْ / بحيث تجول المُقرَبات اليعابيب
وجيْشُكَ يعْتاد الهِرَقْلَ بسيفه / ومن دونهِ اليمُّ الغُطامطُ واللُّوب
يُخضْخِضُ هذا الموجَ حتى عُبابه / إذا التجّ من هام البطاريق مخضوب
فمأثور ذكرِ المجد فيها مُفَضَّضٌ / وفوقَ حديدِ الهندِ منهُنّ تذهيب
ومن عجبٍ أن تشجُرَ الرومُ بالقنا / فتوطَأ أغمارٌ وهضْبٌ شناخيب
ونَومُ بني العبّاس فوقَ جُنوبهم / ولا نَصْرَ إلاّ قيْنَةٌ وأكاويب
وأنتَ كَلوءُ الدهرِ لا الطرفُ هاجعٌ / ولا العزمُ مرْدوعٌ ولا الجأش منخوب
همُ أهلُ جرّاها وأنتَ ابنُ حربِها / ففي القرب تبعيدٌ وفي البعد تقريب
ولا عجَبٌ والثّغْرُ ثغرُك كلّه / وأنتَ وليُّ الثّأرِ والثّأرُ مطلوب
وأنتَ نِظامُ الدّينِ وابنُ نَبيّهِ / وذو الأمرِ مدعُوٌّ إليه فمَندوب
سيجلو دُجى الدين الحنيفِ سُرادقٌ / من الشمس فوق البّر والبحر مضروب
وعزْمٌ يُظِلُّ الخافقين كأنّه / على أُفُقِ الدّنْيا بِناءٌ وتطنيب
ويُسْلِمُ أرمِينِيّةً وذَواتِها / صَليبٌ لنُصْحِ الأرمنيّينَ منصوب
وحسْبيَ مما كانَ أو هو كائنٌ / دليلان عِلمٌ بالإله وتَجريب
ولم تخترِقْ سجْفَ الغيوبِ هواجسي / ولكنّه مَن حاربَ اللّهَ محروب
وأعلَمُ أنّ اللّهَ مُنجِزُ وعْدِهِ / فلا القولُ مأفوكٌ ولا الوعدُ مكذوب
وأنتَ مَعَدٌّ وارثُ الأرض كلّها / فقد حُمّ مقدورٌ وقد خُطّ مكتوب
وللّه عِلْمٌ ليس يُحجَب دونَكم / ولكنّه عن سائر الناس محجوب
ألا إنّما أسماؤكم حَقُّ مِثلِكم / وكلُّ الذي تُسمى البريّةُ تلقيب
إذا ما مَدحناكم تضَوّعَ بيننا / وبينَ القوافي من مَكارمكم طيب
فإن أكُ مَحسوداً على حُرّ مَدحكم / فغَيرُ نَكيرٍ في الزمان الأعاجيب
أراني إذا ما قلت بيتاً تنَكّرَتْ / وجوهٌ كما غَشّى الصّحائفَ تتريب
أفي كلّ عصرٍ قلتُ فيه قصيدةً / عليّ لأهلِ الجهلِ لوْمٌ وتَثريب
وما غاظ حُسّادي سوى الصدق وحده / وما من سَجايا مِثليَ الإفكُ والحُوب
وما قصدُ مثلي في القَصيد ضراعَةٌ / ولا من خِلالي فيه حِرْصٌ وترغيب
أرى أعيُناً خُزْراً إليّ وإنّما / دليلا نفوسِ الناس بِشرٌ وتقطيب
أبِنْ موضِعي فيهم ليفخرَ غالبٌ / يَبِينُ بسيماه ويُدْحَرَ مغلوب
وقد أكثروا فاحكُم حكومةَ فيصَلٍ / ليُعرَفَ رَبٌّ في القريض ومرْبوب
فمدحُك مفروضٌ وحكمُك مرتضىً / وهديُك مرغوبٌ وسخطُك مرهوب
وذِكرُكَ تَقديسٌ وأنتَ دلالَةٌ / وحُبُّك تصديقٌ وبُغضُك تكذيب
ألا إنّما الدّنيا رِضاكَ لعاقِلٍ / وإلاّ فإنّ العيشَ هَمٌّ وتَعذيب
وإنْ طالَ عمرٌ في نَعيمٍ وغِبطَةٍ / فما هوَ إلاّ من يَمينكَ موْهوب
كَذبَ السلوُّ العِشقُ أيَسرُ مركبا
كَذبَ السلوُّ العِشقُ أيَسرُ مركبا / ومنيّةُ العُشّاقِ أهْوَنُ مَطلبا
مَنْ راقَبَ المِقدارَ لم يرَ معْركاً / أشِباً ويوْماً بالسَّنَوَّرِ أكْهَبا
وكتائِباً تُرْدي غواربَها القَنا / وفوارساً تَغْدى صَوالجَها الظُّبى
لا يورِدونَ الماءَ سُنْبُكَ سابحٍ / أو يَكتسي بدم الفوارِسِ طُحلُبا
لا يركُضونَ فؤادَ صَبٍّ هائمٍ / إن لم يُسَمّوه الجَوادَ السَّلْهَبا
حتى إذا ملكوا أعنّتَنا هَوىً / صرَفوا إلى البُهَم العِتاق الشُّزَّبا
رَبِذاً فخَيْفاناً فيعبُوباً فذا / شِيَةٍ أغَرّ فمُنْعَلاً فمجنَّبا
قد أطفأُوا بالدُّهْمِ منها فجْرَهمْ / فتكوّرَتْ شمسُ النهار تغضُّبا
واستأنَفوا بشِياتِها فجْراً فلو / عقَدوا نواصِيَها أعادوا الغَيْهبا
في مَعْرَكٍ جَنَبوا به عُشّاقَهم / طَوعاً وكنتُ أنا الذلولَ المُصْحَبا
لبسوا الصِّقال على الخدود مفضَّضاً / والسابريَّ على المناكب مُذهَبا
وتضوّعَ الكافورُ من أرْدانهمْ / عَبقاً فظنّوه عَجاجاً أشهبا
حتى إذا نَبَذوا الصّوارِمَ بينَهُم / قِطَعاً وسُمْرَ الزّاغبيّةِ أكعُبا
قطرتْ غلائلُهم دماً وخُدودهُم / خَجَلاً فراحوا بالجمال مخضَّبا
قد صُرّ آذانُ الجيادِ توجّساً / وكتمْنَ إعلانَ الصّهيلِ تَهَيُّبا
وغدا الذي يَلقى ندامى ليلِه / متبسّماً في الدارِعينَ مُقطِّبا
ويكلّفُ الأرْماحَ لِينَ قوامِهِ / فيذمُّ ذا يَزَنٍ ويَظلِمُ قَعْضَبا
كِسرَى شَهِنشاه الذي حُدّثتَه / هذا فأين تَظُنُّ منه المَهْرَبا
مَن لا يَبيتُ عن الأحِبّةِ راضياً / حتى يكونَ على الفوارسِ مُغضَبا
مَنْ زِيُّه أنْ لا يجيءَ مُقَنَّعاً / حتى يَقُدّ مُتَوَّجاً ومَعُصَّبا
ما زال يعْلَقُ في مَنابتِ فارِسٍ / حتى ظننتُ النَّوبَهارَ له أبا
ولئِنْ سطا بسريرِ مُلْكٍ أعْجَمٍ / فلقد أمَدّتْه لِساناً مُعْرِبا
ولئِن تَعَرَّضَ للدِّماءِ يُسيلُها / فلقد يكونُ إلى النفوسِ مُحبَّباً
قُم فاخترِطْ لي من حواشي لحظِهِ / سَيْفاً يكون كما علمتَ مجرَّبا
وأعِرْ جَناني فتْكَةً مِنْ دَلّه / كيما أكونَ بها الشجاعَ المِحْرَبا
وأمِدّني بتَعلّةٍ مِنْ رِيقِهِ / حتى أُقَبّلَ منه ثَغْراً أشْنَبا
واجعَلْ مَحَلّي أن أراه فإنّني / سأفُضّ بين يديْهِ هذا المِقنَبا
أوَلم يكن ذا الخشْفُ يألفُ وَجرَةً / فاليوْمَ يألَفُ ذا القنا المتأشِّبا
عَهْدي به والشمس دايَةُ خِدرِهِ / تُوفي عليه كلَّ يوْمٍ مَرقَبا
ما إنْ تزالُ تَخِرُّ ساجِدَةً لَه / من حينِ مَطلعِها إلى أن تغربا
فعلى القلوب القاسياتِ مُغلَّباً / وإلى النفوس الفاركاتِ محبَّبا
حتى إذا سَرَقَ القوابلُ شَنْفَه / عوّضْنَه منه صَفيحاً مِقْضَبا
لمّا رأيْنَ شُدُونَه أبرَزْنَه / من حيث يألَفُ كِلّةً لا سَبْسَبا
وَسْنانَ من وَسَنِ المَلاحةِ طرفُه / وجفونُه سكرانَ من خمر الصّبا
قد واجه الأُسْدَ الضّواريَ في الوغى / غِرّاً وقارنَ في الكِناسِ الرّبرَبا
فإذا رأى الأبطالَ نَصّ إليهمُ / جِيداً وأتْلَعَ خائِفاً مُتَرَقِّبا
فأتى به رَكضُ السّوابحِ حُوَّلاً / وأتى به خَوْضُ الكرائه قُلَّبا
قد سِرْتُ في الميدان يوْم طِرادهم / فعجِبتُ حتى كِدتُ أن لا أعجَبا
قَمَرٌ لهم قدْ قَلّدُوه صارماً / لو أنْصَفوه قلّدوه كوكَبا
صَبغوه لَوْناً بالشّقيقِ وبالرّحي / قِ وبالبنفسج والأقاحي مُشرَبا
وكأنّما طَبعوا له من لَحظِهِ / سَيفاً رَقِيقَ الشفرتينِ مُشَطَّبا
قد ماجَ حتى كاد يَسقُطُ نِصْفُه / وأُلينَ حتى كاد أن يتسَرّبا
خالَستُه نَظَراً وكانَ مُوَرَّداً / فاحمرّ حتى كاد أن يتلَهّبا
هذا طرازٌ ما العيون كتبنَه / لكنّه قبلَ العُيونِ تكتّبا
انظُرْ إليه كأنّه مُتَنَصِّلٌ / بجفونهِ ولقد يكون المُذنبا
وكأنّ صفحةَ خَدّهِ وعذارَه / تُفّاحةٌ رُمِيَتْ لتَقْتُلَ عَقربا
نُخبَتْ قَوافي الشعرِ فيك فما لها / لم تأتِ من مدحِ الملوكِ الأوجَبا
من آلِ ساسانٍ مَنارٌ للصِّبا / قد بِتُّ أسأل عنه أنفاسَ الصَّبا
أجني حديثاً كانَ ألطَفَ مَوقعاً / عندي من الراحِ الشَّمول وأعذَبا
رُدْني له حتى أردّ سَلامَه / عَبقاً برَيحانِ السلامِ مُطَيَّبا
هلاّ أنا البادي ولكن شيمتي / مَن ذا يردُّ عن الخَفاء المُغْرِبا
لمْ أُمْطَرِ الوَسمِيَّ إلاّ بعدَما / سبَقَ الولِيُّ له وقد غَمَرَ الرُّبَى
وتلَقّتِ الرُّكْبانَ سَمْعي بالذي / سَمِعَ الزّمانَ أقلَّه فتعجّبَا
ودنَتْ إليه الشمسُ حتى زُوحِمتْ / واخضَرّ منه الأفْقُ حتى أعشبا
في كلّ يوْمٍ لا تَزالُ تحيّةٌ / كرَمٌ يَخُبُّ بها رسولٌ مُجتَبى
فتكادُ تُبلِغُني إليه تَشَوُّقاً / وتكادُ تَحمِلُني إليه تَطَرُّبا
هي أيقظتْ بالي وقد رَقدَ الورى / واستنهضت شكري وقد عُقد الحُبى
إن يَكرُمِ السيْفُ الذي قلّدتني / من غيرها فلقد تَخيّرَ مَنكبِا
لستُ الخطيبَ المسهَبَ الأعلى إذا / ما لم أكنْ فيكَ الخَطيبَ المُسهبا
لو كنتَ حيثُ تَرى لساني ناطقاً / لرأيتَ شِقْشِقةً وقَرماً مُصْعَبا
إنّا وبكراً في الوغى لبنو أبٍ / وإن اختلَفْنا حينَ تَنسِبُنا أبَا
قومٌ يعمُّ سَراةَ قومي فخرُهم / ويخُصُّ أقربَ وائلٍ فالأقربا
أحلافُنا حتى كأنّ ربيعةً / من قبل يعرُبَ كان عاقدَ يَشجُبا
ذَرْني أُجدّدْ ذلك العهدَ الذي / أعيا على الأيامِ أن يَتَقَشّبا
فلَقَد عَلمتُ بأنّ سيفي منهمُ / بيديّ أمضى من لساني مضربا
المانعينَ حِماهم وحِمى النّدى / وحِمى بني قحطانَ أن يُتَنَهّبا
هم قطّعوا بأكفّهمْ أرحامَهُمْ / غَضباً لجارِ بُيوتِهم أن يغضَبا
ووفَوْا فلم يدَعوا الوفاءَ لجارهم / حتى تشتّتَ شملُهُمْ وتخرّبا
لولا الوفاءُ بعَهدهمْ لم يفتِكوا / بكُليبِ تغلِبَ بين أيدي تغلِبا
يومَ اشتكى حرَّ الغليل فقيلَ قد / جاوزتَ في وادي الأحصّ المشربا
وكفاكَ أن أطرَيتَهم ومَدَحْتَهم / جهْدَ المديح فما وجدتَ مكذِّبا
الواهبينَ حِمىً وشَولاً رُتَّعاً / وأباطِحاً حُوّاً وروضاً مُعشِبا
والخائضينَ إلى الكرائه مثلَها / والواردينَ لُمىً لُمىً وثبىً ثبى
لو شَيّدوا الخيماتِ تشييدَ العُلى / أمِنَتْ ديارُ ربيعةٍ أن تَخْرَبا
فهُمُ كواكبُ عصرِهم لكنّهم / منه بحيثُ تَرى العيونُ الكوكبا
مَن ذا الذي يُثني عليكَ بقدْر ما / تولي ولو جازَ المقالَ وأطنَبا
أم مَن يُعَمَّرُ في الزّمانِ مخلَّداً / حتى يعدّ له الحصَى والأثلبَا
مَن كان أولُ نُطقه في مَهده / أهلاً وسهلاً للعُفاة ومَرحبا
عَذلوهُ في بَذْلِ التِّلادِ وإنّما / عَذلوه أن يُدعى الغمامَ الصَّيّبا
لا تعذلوه فلَن يُحوّل عاذلٌ / ما كان طبعاً في النفوس مركَّبا
نفسٌ تَرِقُّ تأدّباً وحِجًى يضي / ءُ تلهّباً ويدٌ تذوبُ تسرُّبا
فيَزيدُها دَرُّ السّماحِ تخرّقاً / ويَزيدُها بَسْطُ البنانِ ترحُّبا
أحْبِبْ بتَيّاكَ القِبَابِ قِباباً
أحْبِبْ بتَيّاكَ القِبَابِ قِباباً / لا بالحُداةِ ولا الركابِ رِكابا
فيها قلوبُ العاشقينَ تخالُها / عَنَماً بأيْدي البِيضِ والعُنّابا
بأبي المهَا وحْشِيّةً أتْبَعْتُها / نَفَساً يُشيّعُ عِيسَها ما آبا
واللّهِ لولا أن يُسفّهني الهوى / ويقولَ بعضُ القائلينَ تصابَى
لكسْرتُ دُمْلُجَها بضيق عناقِها / ورشفتُ من فيها البَرودِ رُضابا
بِنْتُمْ فلولا أن أُغيّرَ لِمتي / عَبَثاً وألقاكمْ عليّ غِضابا
لخَضَبْت شَيباً في عِذاري كاذباً / ومَحَوْت محْوَ النِّقسِ عنه شبابا
وخلعْتُه خلْعَ العِذارِ مُذَمَّماً / واعتَضْتُ مِن جِلبابِهِ جِلبابا
وخضَبْتُ مُسْوَدَّ الحِداد عليكُمُ / لو أنّني أجِدُ البَياضَ خِضابا
وإذا أردتَ على المشيبِ وِفادَةً / فاجعلْ إليه مَطيّكَ الأحقابا
فلتأخذَنّ من الزمان حَمامَةً / ولتدفعنّ إلى الزّمانِ غُرابا
ماذا أقول لريبِ دَهْرٍ جائرٍ / جَمَعَ العُداةَ وفرّقَ الأحبابا
لم ألقَ شيئاً بعدَكم حسَناً ولا / مَلِكاً سوى هذا الأغرّ لُبابا
هذا الذي قد جَلّ عن أسمائهِ / حتى حسبناها له أَلقابا
من ليس يرضى أن يسمى جعفراً / حتى يسمى جعفر الوهابا
يَهَبُ الكتائبَ غانماتٍ والمَهَا / مُستَردَفاتٍ والجِيادَ عِرابا
فكأنّما ضرَبَ السّماءَ سُرادقِاً / بالزّابِ أو رَفعَ النّجومَ قِبابا
قد نالَ أسباباً إلى أفلاكِها / وسيَبْتَغي من بَعدِها أسْبابَا
لبِسَ الصّباحُ به صَباحاً مُسْفرِاً / وسقَتْ شَمائِلُه السّحابَ سحابَا
قد باتَ صَوْبُ المُزْن يسترِقُ النّدى / من كفّه فرأيتُ منه عُجابَا
لم أدْرِ أنّى ذاك إلاّ أنّني / قد رابَني من أمرِهِ ما رابَا
وبأيّ أُنمُله أطافَ ولم يَخَفْ / من بأسِها سَوطاً علَيهِ عَذابَا
وهوَ الغريقُ لئنْ توسّطَ موجَها / والبحرُ مُلتَجٌّ يَعُبُّ عُبابَا
ماضي العزائمِ غيرُه اغتَنَمَ اللُّهَى / في الحربِ واغتنَمَ النفّوسَ نِهابَا
فكأنّه والأعوَجيَّ إذا انتَحَى / قمَرٌ يُصرّفُ في العنانِ شِهابَا
ما كنتُ أحسَبُ أن أرَى بشراً كذا / ليثاً ولا دِرْعاً يسمّى غابَا
وَرداً إذا ألقَى على أكتادِهِ / لِبْداً وصرّ بحَدّ نابٍ نابَا
فرَشَتْ له أيدي الليوثِ خدودَها / ورَضينَ ما يأتي وكنّ غِضابا
لولا حفائظهُ وصَعْبُ مِراسِهِ / ما كانتِ العرَبُ الصّعاب صِعابا
قد طيّبَ الأفواهَ طِيبُ ثنائِهِ / فَمِنَ اجلِ ذا نجدُ الثّغورَ عِذابا
لو شَقّ عن قلبي امتحانُ ودَادهِ / لوجدتَ من قلبي عليه حجابا
قد كنتُ قبلَ نَداكَ أُزجي عارضاً / فأشيمُ منه الزِّبرجَ المُنجابا
آليتُ أصدُرُ عن بحارك بعدما / قِستُ البحار بها فكنّ سرابا
لم تُدْنِني أرضٌ إليكَ وإنّما / جِئْتُ السماءَ ففُتّحَتْ أبوابا
ورأيتُ حولي وَفْدَ كلّ قبيلةٍ / حتى توهّمتُ العراقَ الزّابا
أرضاً وَطئْتُ الدُّرَّ رَضراضاً بها / والمسكَ ترباً والرّياضَ جنابا
وسمِعْتُ فيها كلّ خُطبة فَيْصَلٍ / حتى حَسِبْتُ مُلوكَها أعْرابا
ورأيتُ أجبُلَ أرضها مُنقادةً / فحسِبْتُها مدّتْ إليكَ رِقابا
وسألتُ ما للدّهرِ فيها أشْيَباً / فإذا به من هوْل بأسكَ شابا
سَدّ الإمامُ بكَ الثغورَ وقبلَهُ / هَزَمَ النبيُّ بقوْمكَ الأحزابا
لو قلتُ إنّ المُرهَفاتِ البِيضَ لم / تُخْلَقْ لغَيركُمُ لقُلتُ صَوابا
أنتُمْ ذَوُو التيجانِ من يَمنٍ إذا / عُدّ الشّريفُ أرومةً ونِصابا
إن تمتثِلْ منها الملوكُ قصورَكمْ / فَلَطالَما كانوا لها حُجّابا
هَلْ تشكُرَنّ ربيعةُ الفَرَسِ التي / أوْلَيْتُمُوها جَيئَةً وذَهَابا
أو تحمدُ الحمراءُ من مُضَرٍ لكُمْ / مَلِكاً أغَرّ وقادةً أنجابا
أنتُمْ منَحْتُمْ كلّ سيّد معشَرٍ / بالقُرْبِ من أنسابكم أنسابا
هَبْكُمْ مَنحْتُمْ هذه البِدَرَ التي / عُلِمَتْ فكيف منحتُمُ الأنسابا
قلتم فأُصمِتَ ناطِقٌ وصَمَتُّمُ / فبلغتمُ الإطنابا والإسهابا
أقسمتُ لو فارقتُمُ أجسامَكم / لَبَقيتُمُ من بعْدها أحبابا
ولوَ اَنّ أوطانَ الدّيارِ نَبَتْ بكم / لَسَكنتُمُ الأخلاقَ والآدابا
يا شاهِداً لي أنّه بَشَرٌ ولوْ / أنبأتُهُ بخصاله لارتابا
لكَ هذه المُهَجُ التي تدعَى الوَرَى / فأمُرْ مُطاعَ الأمْرِ وادْعُ مُجابا
لو لم تكن في السلم أنطَقَ ناطقٍ / لكفاكَ سيفُك أن يُحيرَ خِطابا
ولئن خرجتَ عن الظنونِ ورجمِها / فلَقَدْ دخلْتَ الغيبَ باباً بابا
ما اللّهُ تاركَ ظُلْمِ كفّكَ للُّهى / حتى يُنَزّلَ في القِصاصِ كتابا
ليس التعَجّبُ من بحَارِكَ إنّني / قِسْتُ البحارَ بها فكُنّ سَرابا
لكنْ من القَدَرِ الّذي هو سابِقٌ / إنْ كانَ أحْصَى ما وَهَبْتَ حسابا
إني اختصرْتُ لك المديحَ لأنّه / لم يَشْفنِي فجعلْتُهُ إغبابا
والذّنْبُ في مَدْحٍ رأيتُكَ فوقهُ / أيُّ الرّجال يُقالُ فيكَ أصابا
هَبْني كذي المحراب فيك ولُوّمي / كالخصْمِ حين تَسَوّرُوا المِحرابا
فأنا المُنيبُ وفيه أعظمُ أُسْوةٍ / قد خَرّ قبلي راكعاً وأنابا
حَلفتُ بالسّابغاتِ البِيضِ واليَلَبِ
حَلفتُ بالسّابغاتِ البِيضِ واليَلَبِ / وبالأسِنّةِ والهِنْدِيّةِ القُضُبِ
لأنْتَ ذا الجيشُ ثمّ الجيشُ نافلَةٌ / وما سِواكَ فلَغْوٌ غيرُ مْحتسَبِ
ولو أشرْتَ إلى مصْرٍ بسَوطك لمْ / تُحوِجك مِصرٌ إلى ركض ولا خبَبِ
ولوْ ثنَيْتَ إلى أرضِ الشآمِ يَداً / ألقَتْ إليك بأيدي الذل من كثَبِ
لعلّ غيرَكَ يرجو أن يكونَ له / عُلُوُّ ذكركَ في ذا الجحفَل اللّجِبِ
أو أن يُصرِّفَ هذا الأمرَ خاتَمُهُ / كما يُصرِّفُ في جِدٍّ وفي لَعِبِ
هيهاتَ تأبَى عليهم ذاكَ واحدةٌ / أنْ لا تدورَ رحىً إلا على قُطُب
أنتَ السّبيلُ إلى مصرٍ وطاعَتِها / ونُصْرَةِ الدّين والإسلامِ في حلَب
وأينَ عنكَ بأرضٍ سُسْتَها زمناً / وازدانَ باسمِكَ فيها منبرُ الخُطَب
ألستَ صاحبَ أعمالِ الصّعيدِ بها / قِدْماً وقائِدَ أهلِ الخَيْمِ والطُّنُبِ
تَشوّقَ المشرِقُ الأقصى إليك وكمْ / تركتَ في الغَرْبِ من مأثورةٍ عَجَب
وكمْ تخلّفُ في أوراسَ من سِيَرٍ / سارتْ بذكرك في الأسماع والكتب
وكان خيساً لآسادِ العرين وقد / غادرتَه كوِجار الثعلبِ الخَرِب
قد كنتَ تملأهُ خَيْلاً مُضَمَّرةً / يحْمِلنَ كلّ عتيدِ البأسِ والغضَب
وأنتَ ذاك الذي يَدوي الصعيدَ كأنْ / لم تَنْأ عن أهْلهِ يوماً ولم تغِبِ
كن كيفَ شئتَ بأرضِ المشرقينِ تكن / بها الشّهابَ الذي يعلو على الشُّهُب
فأنتَ مَن أقطعَ الأقطاعَ واصطنعَ ال / معروفَ فيها ولم تظلِمْ ولم تَحُب
فسِرْ على طُرقِكَ الأولى تجِدْ أثراً / من ذيل جيشك أبقى الصخر كالكُثُبِ
ونفحةً منك في إخْميمَ عاطرةً / مِسْكيّةً عَبِقَتْ بالماء والعُشُبِ
فلا تَلاقَيتَ إلاّ مَن ملكْتَ ومَن / أجَرْتَ من حادث الأيّامِ والنُّوَب
ولا تَمُرُّ على سَهْلٍ ولا جَبَلٍ / لم تَرْوِهِ من نَدىً أو من دمٍ سَرِبِ
أرضاً غَنيتَ بها عِزّاً لمُغتصِبٍ / سيراً لمكتسبٍ مالاً لمنتهب
فما صَفا الجوُّ فيها منذُ غِبتَ ولا / له انفِراجٌ إلى حيّ من العَرَبِ
وقَلّ بعدَك فيهم من يُذَبِّبُ عن / جارٍ ويدفعُ عن مجدٍ وعن حَسَبِ
فإنْ أتَيْتَهُمُ عن فَترَةٍ فهُمُ / كما عَهِدتَهُمُ في سالِفِ الحِقَب
إذ تجْنِبُ الحُصُنَ الجُرْدَ العِتاقَ بها / وإذ تُصَبّحُ أهلَ السّرجِ والجلَب
وتَخْضِبُ الحَلَقَ الماذِيّ من عَلَقٍ / كأنّما صاغَها داودُ من ذَهَب
إذِ القبائلُ إمّا خائفٌ لكَ أو / راجٍ فمن ضاحِكٍ منهم ومُنتحِب
فحِلّةٌ قد أجابت وهي طائعةٌ / وقبلَها حِلّةٌ عاصَت ولم تُجِب
فتِلكَ ما بينَ مُستَنٍّ ومُنتعِشٍ / وهذه بين مَقتولٍ ومُنتَهِب
فكم مُلاعِبِ أرماحٍ تركتَ بها / تدعو حلائلُه بالويل والحَرَب
وكم فتى كَرَمٍ أعطاكَ مِقْوَدَهُ / فاقتادَ كلُّ كريم النفسِ والنسبِ
إن لا تقُد عُظْمَ ذا الجيش اللهام فقد / شاركتَ قائدَهُ في الدَّرّ والحَلَبِ
فالنّاسُ غيرَك أتباعٌ له خَوَلٌ / وأنت ثانيه في العَليا من الرّتب
أيّدتَهُ عَضُداً فيما يُحاولُهُ / وكُنتُما واحداً في الرأي والأدب
فليسَ يَسلُكُ إلاّ ما سَلَكتَ ولا / يَسيرُ إلاّ على أعلامكَ اللُّحُبِ
فقد سَرَى بسِراجٍ منك في ظُلَمٍ / وقد أُعينَ بسَيْلٍ منك في صَبَب
جَرَيتُما في العلى جَريَ السواء معاً / فجئتُما أوّلاً والخَلقُ في الطّلَبِ
وأنتما كغِرَارَيْ صارمٍ ذكَرٍ / قد جُرّدا أو كغَربَي لهذَمٍ ذَرِبِ
وما أدامَتْ له الأيّامُ حَزمَك أو / عاداتِ نصرك في بَدْءٍ وفي عَقبِ
فليسَ يَعْيا عليه هَوْلُ مُطّلَعٍ / وليس يَبعُدُ عنه شأو مُطّلَب
قد كَتبنا في قطعةٍ من جِرابِ
قد كَتبنا في قطعةٍ من جِرابِ / وجعَلنا المَقالَ غيرَ صَوابِ
ودَعَوْناكَ لا لتجمعَ شَملاً / وبَعَثْنا ابنَ دأيةٍ بالكِتابِ
فإذا جِئتَنَا فجىءْ بنَديمٍ / وسَماعٍ ومجلِسٍ وشَرابِ
وثلاثةٌ لم تجتمِعْ في مجلِسٍ
وثلاثةٌ لم تجتمِعْ في مجلِسٍ / إلاّ لمثلِكَ والأديبُ أريبُ
الوَرْدُ في رامِشْنَةٍ مِن نَرْجِسٍ / والياسَمينُ وكُلّهُنّ غريب
فاحمرّ ذا واصفرّ ذا وابيضّ ذا / فبَدَتْ دلائلْ أمرُهُنّ عَجيب
فكأنّ هذا عاشِقٌ وكأنّ ذا / كَ مُعَشَّقٌ وكأنّ ذاكَ رقيب
لا تلحني يا هذهِ انني
لا تلحني يا هذهِ انني / لم تُصبني هندٌ ولا زينبُ
لكنني أصبو إلى شادن / فيه خصالٌ جَمَّةٌ تُرغَبُ
لا يرهَبُ الطمثَ ولا يشتكي / حملاً ولا عن مُقلتي يُحجَبُ
ماذا تُؤمِّلُ أرضُ مصرٍ من فتىً
ماذا تُؤمِّلُ أرضُ مصرٍ من فتىً / يَغنى بها خريدةٍ يُجدى بها
يُمني ذوي آدابِها وشبابَهَا / أن زيدَ في شعرائِها وقحابِها