المجموع : 8
أعربت لي بك ألحان الغنا
أعربت لي بك ألحان الغنا / السن البشري بنيل الأرب
وغدت تحلب لي كف المنى / بكؤوس الأنس ضرع الطرب
حيث برق السعد بالأفق بدا / وبه انهل سحاب الفرح
فكسا الروض من اليمن ردا / أخضراً وشته بيض المنح
وبه ناتج آمالي غدا / قطفه دان به لم يبرح
كلما فاح شذىً عرفنا / عرفه أفراح كل الحقب
في ليال عدن بالوقت السعيد / وبها شمل الهنا قد جمعا
فهي أيام غدت أيام عيد / ناهجاً للإنس نهجاً مهيعا
قد صفا فيهن لي عيش رغيد / مذ غدا روض الملاهي ممرعا
إذ تلا يهزج في روض العنا / بلبل الأنس بنادي الطرب
رشأ يختال في أبهى البرود / فسباني جيده لما سنح
نرجسي اللحظ وردي الخدود / يمنع الريق ويسخو بالقدح
أبيض المنظر مسود الجعود / كلما استمسك يثنيه المرح
ما حكاه كل من قد حسنا / كيف يحكى وهو بالحسن نبي
قام يجلو راحة في راحتيه / خلتها شمساً لها البدر مدير
وزهت شهب الدجى بين يديه / فترى الآفاق فيها تستنير
لاح في مرآتها من وجنتيه / إذ جلاها وهي في نشر العبير
حمرة الياقوت بل أبهى سنا / وبها شعت لئالي الحبب
أشرقت في كفه مشكاة نور / بالتهاب من حباب كالنجوم
قام فيها ناشراً من في القبور / فهي الروح أعيدت للجسوم
إنها أقوى براهين الثغور / لك فيما تدعيه وتروم
كيف أسقاها ومشروع القنا / حكمت منه بمنع الطلب
ولبيض القضب من سود المقل / برق استمطر منه العطبا
أترى إن جئت في صادي الغلل / كيف من ثغرك أسقي الضربا
وبها عنون محتوم الأجل / لم أجل لي عن شباها مهربا
آه من ذي صبوة قد فتنا / فيك لا يحظى بغير العطب
وبك أنهل دماً دمعي وقد / صبغت حمراً به مني الثياب
وبقلبي قبس الشوق وقد / فلك النور ولي منه الشهاب
يا رشيقاً قلبه للقلب قد / أفلا ترحم صباً فيك شاب
ولماذا لم أنل منك المنى / أفلا تغفر ذنب المذنب
من لصب كلما رام لماك / رغبة فيه عن الكأس الدهاق
أو بخلاً فيه قد حرمت فاك / أم دلالاً منك يا واهي النطاق
لم يزل فيك وإن قل وفاك / شغفاً مورىً بنار الاشيتاق
أنا في حبك قاسيت العنا / لم أجد غيرك في من مذهب
لم أزل أطوي الليالي في قلق / حين أبدلت عن الوصل الصدود
وأسأل الوجد دمعي في الحرق / لا هباً ينهل من فوق الخدود
يا بديع الحسن يا ساهي الحدق / أتراك اليوم موفٍ بالعهود
وترى ينتظم الشمل لنا / بعد ما ولى كعنقا مغرب
حبذا طيب وصل لا يعود / بك في مغنى الغنا آنسه
كان لي فيك به مخضر عود / والنوى ما بيننا أيبسه
أترى الدهر بما فات يجود / يأخذ اليوم ويعطي أمسه
فلقد كان به منهجنا / مهيعاً للكاعبات العرب
عربٌ تسطع ما بين السجوف / فتحاكي بسناها النيرين
ولها من فاحم الشعر صفوف / قد حكى لسعاً أفاعي الواديين
تتلوى فأرى فيها الحتوف / ترصد الصب بأعلى المنكبين
أو بها أرسلن نحوي شطنا / فمنحن الدمع من ذا الوصب
قال رائيها بأكناف المراح / كمصابيح انجلت في خندس
أصباح لاح أم بيضٌ صباح / أسفرت تجلو دياجي الغلس
بيض أوراكٍ صقيلات الصفاح / لم تزل مولعة بالميس
بدرياتٌ لها البدر عنا / وغدت تخجل زهر الشهب
نشرت أنفاسها عرف الخليط / بشذا قيصومها أو شيحها
وطوت أيدي مطاياها البسيط / تترامى في مرامي فيحها
فغدا بحر دموعي كالمحيط / حيث أشجاني صدى تطويحها
وبه أجرى دموعي سننا / من هيامي للحسان الكعب
فلها لا زلت خوار العنان / وعن الحب لها صعب القياد
ليت تجب العيس قد كان بطان / كورها لما سرت مني الفؤاد
أو فجنبي لطلاح البزل كان / مطرحاً تمرح فيه بالوهاد
أو فعيني بوأتها مسكنا / من جفاها ورفيع الطنب
لست أنفك على طول الدهور / لهجاً في ذكر أقمار حسان
سرحت عاقدة تاج الشعور / حائزات الحسن في سبق الرهان
ولوت في جيدها أطواق نور / كالتواء السعد في جيد الزمان
إذ تغنت لي في لحن الهنا / ألسن البشرى بنيل الأرب
أعار الحسن وجنته لهيبا
أعار الحسن وجنته لهيبا / ليمنع نمل عارضه دبيبا
وأفرغه الصبا قمراً فلما / تلظت نار وجنته أذيبا
إذا استرشفت من برد الثنايا / أخاف عليه من نفسي لهيبا
إذا ما افتر شمت وميض برق / وإن سميته الثغر الشنيبا
تغنى حجله فحسبت غصنا / ثنته صبا فأوقع عندليبا
إذا هضم الصبا كشحيه أوفى / بردف ماج مرتجاً كثيبا
فها أنا منثنٍ أدنو إليه / إذا ما اهتز معتدلاً رطيبا
وهل أنا راجع بعناق ظبي / رشا قد تيم الرشأ الربيبا
فأنعم من على الغبراء عيشا / محب باب معتنقاً حبيبا
سفرت لناظري زهراً مندى / فدع لي طيب نشرك أن يطيبا
إذا منه أنست غريب حسن / أتاك بغيره حسناً غريبا
وتحسب وجهه قمراً فيرنو / فتحسب لحظه سيفاً قشيبا
إذا رمت السلو اشتد وجدي / وزاد على الوجيب به وجيبا
وعيشك أيها الرشأ المفدى / لعيشي دون وصلك لن يطيبا
ولست أمد لي أمداً بعيدا / إذا ما كنت لي فيه قريبا
فذات الطوق لو نظرت إليه / لأصبح جيدها منه سليبا
وصور قرطه صنما فخرت / له الأصداغ تعبده صليبا
متى ما كافر الظلماء يدعى / لمرسل شعره لبى مجيبا
فإما لاح حير كل لب / فلم تر عند مرآه لبيبا
رشا تعشو النواظر منه نورا / فلا أخشى بنظرته الرقيبا
أغار الشمس لما واجهته / بمطلعها فودت أن تغيبا
وأخجل قرصها فاحمر حتى / حسبت شعاعها الكف الخضيبا
ولاح لها بمطلعها اضطراب / اتنحو الأفق أم تنحو المغيبا
هوى قد ضاق صدر الصب فيه / ولازمه فعاد به رحيبا
أقام بعينه فغدا سهادا / وحل بقلبه فغدا وجيبا
ووإني قد قرضت الشعر حبا / لذكرك لا لأن أدعى أديبا
فلست ترى به لفظاً غريباً / ولا معنى به إلا غريبا
ولست كسائر الشعراء شعري / تعود أن يثاب ولا يثيبا
ولست أقول هذا العشر إلا / فخاراً أو عتاباً أو نسيبا
لقد سفرت به الظلماء حتى / غدا وضح الصباح به قشيبا
فعرسنا بأروع هاشمي / يريض بسيبه البلد الجديبا
لو الغيث استعار نداه مجرى / لما عرف الورى بلداً جديبا
وأمطر ثم عن برد وتبر / وأسبل برقه غيثاً صبيبا
فتى قد عرقت عدنان فيه / وذاك العرق أحرى أن يطيبا
رأته الباسم العباس يوماً / ويوماً مستماحاً أو مهيبا
فتى ما شب عن طوق علاه / ولكن ساد شبانا وشيبا
لقد ضمت مخايله مزايا / له أبت النقيبة أن يخيبا
فقم هن به الحسن المفدى / زعيم المجد والروض الخصيبا
فتى شرع المكارم للبرايا / فكان هناك أوفرهم نصيبا
ترف عليه ألوية المعالي / إذا ما سار يملكها جنيبا
ألم يعلم مقبل راحتيه / بأيهما حياً يهمي صبيبا
سائق العيس هل تريح الركابا
سائق العيس هل تريح الركابا / حيث ربعي أميمة وربابا
فلتلك الرسوم تحكي خطوطاً / ولتلك الديار تحكي الكتابا
علنا أن نبل حر غليل / زاد بالبين حرقة والتهابا
حيث تغدو مرامعي كقطار / وجفوني تروح تحكي السحابا
سائلاً والمجيب سائل دمعي / هل ترى ويك سائلاً قد أجابا
من عذيري من العذول سحيراً / إذا رأى الدمع ليس يفنى انصبابا
كيف أصغي لعاذل لست أدري / خطأً قال في الهوى أم صوابا
ليس يرجو بذاك قرب حبيب / كيف ترجو من الحبيب اقترابا
سلب القلب طرفه إذ رماني / سهم عشق مسدداً فأصابا
لا تلوماه سالباً ولتلوما / أظلعي حيث أمكنته استلابا
قد أصيب الفؤاد بالعشق لما / خفت للعين إذ رنت إن تصابا
أين تلك القباب من أرض نجد / أترى البين حل تلك القبابا
لك في الحي نظرة لمهاة / راهب الدير لو رآها تصابى
لو رأى الغصن قدها ما تثنى / حين تهتز نشوة وشبابا
ما لفودي ينكران المشيبا
ما لفودي ينكران المشيبا / أحسن الشهب طالع لن يغيبا
وسواد الدخان يسحم حتى / نضع النار فيه شب لهيبا
ما رعى ذمتي المشيب ولكن / من ترعه الأيام يلق المشيبا
هل اراك الزمان بالشيب مرداً / وأراني الزمان بالمرد شيبا
كان لي لو يعودا مسود شعر / يفضح الليل لو يرى عنه نيبا
هيجتني إليه طرة مهر / فتمنيت جزها والسبيبا
أسلمتني يد الصبا ولعمري / لا يسر الزمان مني كئيبا
ما تعيفت أزجر الطير إلا / ووجدت السرور مرمى شطيبا
كل طير يهدي لقلبي حزناً / واكتئاباً وإن يكن عندليبا
ولعندي كأسحم الريش ورق / قلبت بالأراك كفا خضيبا
وكأن الحمام أغربه البين / أخال الهديل منها نعيبا
ضيق الدهر في مجالي حتى / بالأماني لم يكن لي مثيبا
لا يصد الزمان بيني فإني / ممتط غارب النوائب نيبا
أنا لو لم يكن بقربي إلا / صدر رمحي لكان عندي رحيبا
هصرتني الأرزاء عوداً يبيسا / ولقد كنت قبل غصناً رطيبا
هي حال الزمان تعقب حالا / بعد حال فلا تري ذا عجيبا
قد قضيت الصبا ولم أقض فيه / إرباً لا ولا صحبت أريبا
أيها الحاملون نعش جواد / منعش جوده المحل الجديبا
أجهشت خلفك النواظر عبرى / فاضحاً دمعها الحيا المسكوبا
ما همي الغيث فوق قبرك جوداً / إنما صار أدمعاً كي يصوبا
قل لمن أنب البواكي رويداً / أغرقت زجرة البكا التأنيبا
ما قضت نحبها عليه فدعها / كي تطيل البكا له والنحيبا
أنت من راقب الإله فأرضى / بتقىً لم يزل عليه رقيبا
ومحضت الأعمال لله حسبا / لم تراع الترغيب والترهيبا
وألفت الردى أدكارا فلما / حل ناديك لم تجده غريبا
فبعين الورى أغر جواد / ما عقدنا المصاب تى أصيبا
إن نعاك التقى فليس ببدع / قد نعى قبله الربيب ربيبا
أو بكتك العلى بشجو فكم قد / بكت العين نورها المحجوبا
إن تكن غائباً فكم لك نور / رصد اللَه نوره إن يغيبا
فلنسل الجواد ملجىً بطه / خير من تقتفي كهولاً وشيبا
لم تسمك الخطوب خسفاً ولكن / غمزت من قناك عوداً صليبا
يصبر المرء في النكائب علما / إن في الصبر ما يسلي الكئيبا
يا خصم العلوم لم نر يوماً / لعباب أتحفت فيه نضوبا
ملك أنت شاطر الناس منه / ملكاً هادياً ورأياً مصيبا
لست من فرعهم وإن عم لفظ / إنما هادياً ورأياً مصيبا
وبعبد الحسين حق التعزي / إن أراك الزمان يوماً عصيبا
صيغ من معدنين بشرٍ ونشر / واكتسى للبهاء برداً قشيبا
فبعين الزمان يبهج حسناً / وبعين الزمان يأرج طيبا
حاز رهن السباق في المجد ملكا / حازه المجد وارتضاه ربيبا
قد دعته والكل أوجم لكناً / مقصر عنه فوت المطلوبا
أترى خالق الورى لم يقدر / لسواه من المعالي نصيبا
لا ترى بعدها كما قدر رأوها / فتناولت ما رأيت قريبا
أيها المصطفى اصطفتك المعالي / من ذويها كما اجتبتك حبيبا
أنت كالغيث لا يحل بأرض / دون أرض ألا استهل صبيبا
تزهر الأرض من أياديك جودا / إن أردت التشريق والتغريبا
حاك من جودك الربيع مزايا / كست الملس والأراك السليبا
طاب عرق طويت فيه وعرق / مته المجد حقه أن يطيبا
ورعت لحظة الإله كريماً / قد رعى المجد معسراً وخصيبا
سرت بحجاب من منعي حجاب
سرت بحجاب من منعي حجاب / إلى حجب من جندل وتراب
ضفت عزة في عفة وتمنع / لتسكن منها في ثلاث قباب
محجبة كفُّ الردى لا تمسها / لتقبض إلا من وراء حجاب
فلولا تجلي شأنها في سموها / لما لاح معناها بلفظ خطاب
عليٌّ أبوها والبتولة أمها / ومولدها من مكة بشعاب
لعمرك ما قول الوليد بمثلها / وفي مثلها تنزيل آي كتاب
بنا أنت من مجفوة قد عتبتها / وهاجرة لم تنعطف بعتاب
وذاهبة ما أنكرت من طباعها / سوى أنها ما استأذنت لذهاب
أقامت بجنب المرتضى وهي جنبه / وآبت إلى زلفى وحسن مآب
رويداً أبا الهادي فما جل فادح / وإن جل إذ أصبحت عز جناب
فرزء الفتى لا رزؤها بمصابها / إذا عدت الأرزاء فعل صواب
فما تقدح العلياء من ذي مصيبة / كما تقدح العلياء لبوة غاب
إليك تشد العيس إما مناخة / لعلم وإما لاكتساب ثواب
وتعطي فما أدري سحاباً كراحة / لعمر أبي راحة كسحاب
رقيق حواشي الطبع والبيض خيرها / رقاق الشبا إن جردت لضراب
فلا زلت معمور الجناب لطالب / فلم يك إلا فيك نجح طلاب
لمحمد أبكي أم الأصحاب
لمحمد أبكي أم الأصحاب / قد مات فانقلبوا على الأعقاب
غنى النديم فأرقص الحبا
غنى النديم فأرقص الحبا / وتصفقت أكوابه طربا
عصرت زبيباً ثم ما زجها / سر الغرام فأرجت عنبا
ومن الكروم العصر جاء بها / فغدا النديم يديرها ذهبا
نار ولكن في يدي انسكبت / وطلاً ولكن مائها التهبا
دب من صدغه على الخد عقرب
دب من صدغه على الخد عقرب / كلما رامه المتيم يلسب
فبنفسي أفدي بديع جمال / مستهام الفؤاد المعذب
مترف تقطف اللواحظ منه / ورد خدين بالجمال مشرب
أرسل الجعد خيفة من رقيب / فهو شمس في جنح ليل تحجب
حاول الستر بالنقاب ولكن / أحرقته أنواره فتلهب
فهو ما انفك مسفراً لعيون / أن بدا مسفراً لنا أو تنقب
لو سرى في الشراة يوم كقاح / لاختشت حربه سراة المهلب
أنت يا قائد الجمال جموحا / كيف يدنو إليك قائد مقنب