المجموع : 3
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب
ما الشامُ مَقصِدُنا كَلّا وَلا حَلَب / لَكِن لِمَكَّةَ مِنّا ترحلُ النُجُبُ
أُمُّ القُرى لَستُ أَنسى إِذ تُقَرِّبُني / وَالدَمعُ مِن فَرحي في حِجرِها صَبَبُ
مَنَّت عَلَيَّ بِوَصلٍ كَالخَيالِ مَضى / يَهُزُّني كُلَّما اِستَحضَرتُهُ الطَرَبُ
ما العُمرُ إِلّا أويقاتٌ ذَهَبنَ بِها / صُفر سِواها وَهُنَّ الخالِصُ الذَهَبُ
لَو لَم يَكُن غَير بَعثِ المُصطَفى سَبَبٌ / لِمَجدِها لَكَفاها ذَلِكَ السَبَبُ
فاقَت جَميعَ بِلادِ اللَّهِ تَكرِمَةً / بِهِ وَفاقَت بِهِ سُكّانَها العربُ
شَمسُ الهُدى كُلُّ نُورٍ مِنهُ مُقتَبَسٌ / لَكِنَّهُ لِلمَعالي كُلّها قُطُبُ
بِنَفسِهِ فاقَ في الفَضلِ الوَرى وَلَهُ / في أَصلِهِ نَسَبٌ ما مِثلُهُ نَسَبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فَاِستَجَرتُ بِهِ / إِلّا أَتى النَصرُ وَاِنزاحَت بِهِ الكُرَبُ
لا تَرجُ خَلقاً سِواهُ لِلنَدى أَبَداً / فَعِندَ هَذا المُرَجّى يَنتَهي الطَلَبُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ
ما الشامُ مَقصدُنا كلّا ولا حلَبُ / لَكن لمكّة منّا ترحلُ النجُبُ
أمُّ القرى لستُ أَنسى إذ تقرّبني / وَالدمعُ من فرَحي في حجرها صببُ
منّت عليّ بِوصلٍ كالخيال مَضى / يهزُّني كلّما اِستحضرته الطربُ
ما العمرُ إلّا أُويقاتٌ ذهبنَ بها / صُفرٌ سِواها وهنّ الخالص الذهبُ
لَو لَم يَكن غير بعثِ المُصطفى سببٌ / لِمَجدها لكفاها ذلك السببُ
فاقَت جميعَ بلاد اللَّه تكرمةً / بهِ وَفاقت به سكّانَها العربُ
شمسُ الهُدى كلّ نورٍ منه مقتبسٌ / لكنّهُ للمعالي كلّها قطبُ
ما جارَ يَوماً زَماني فاِستجرتُ به / إلّا أَتى النصرُ واِنزاحت به الكربُ
لا ترجُ خُلقاً سواه للندى أبداً / فعندَ هذا المرجّى يَنتهي الطلبُ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ
الحمدُ للَّهِ حمداً أَستعدُّ بهِ / لِنُصرةِ الحقّ كي أَحظى بمطلبهِ
بكَ اِستعنتُ إِلهي عاجِزاً فأعن / أَبغي رِضاكَ فَأَسعفني بِأطيبهِ
فَإن تُعِن ثَعلباً يَسطو على أسدٍ / أَو تخذل اللّيثَ لا يَقوى لثعلبهِ
وَإنّني عالِمٌ ضَعفي ولا عملٌ / عِندي يفيدُ ولا علمٌ أصولُ بهِ
وَرأسُ ماليَ جاهُ المصطفى فبهِ / أَدعوكَ يا ربِّ أيّدني له وبهِ
وَاِرحَم بهِ علماءَ الدين قاطبةً / مِن أهلِ سنّته ساهٍ ومنتبهِ
لَولاهمُ ما علِمنا ما بعثتَ بهِ / خيرَ الوَرى وعَجزنا عن تطلّبهِ
مِنهُم أبو الحسنِ السبكيّ ناصرهُ / سَقاهُ غيث الرضى الهامي بِصيّبهِ
أَهدى شِفاءُ سقامٍ في زيارتهِ / شَفى صدورَ جميعِ المؤمنين بهِ
وَرُبّ غِرٍّ غويّ ذمّهُ حَسداً / بهِ غرورٌ وقاحِ الوجه أصلبهِ
ساءَت خلائقهُ ضلّت طرائقهُ / قَد تاهَ بالتيهِ في تيهاء سبسبهِ
فَقالَ ما قالَ في السبكيّ مِن سَفهٍ / قُبحاً لهُ مِن سفيهِ القول أكذبهِ
أَوفى الجدالَ بغيرِ الحقّ مُختلقاً / ما شاءَ مِن كَذبٍ وهو الخليق بهِ
وَقالَ مُفتخراً بالزورِ مَذهبُنا / تَركُ الجدالِ وتأنيب لطالبهِ
فَاِنظر أَكاذيبهُ واِعجب لحالتهِ / مِنَ التناقضِ هذا بعض أعجبهِ
يا أيّها الجاحدُ الحقَّ المبينَ أفق / قَد طال نومكَ يا نومان فاِنتبهِ
أَهلكتَ نَفسك فاِرحمها وذَر بِدَعاً / بِها بُليتَ ودَع قولاً شقيت بهِ
لَم تجعلِ المُصطفى أهلاً لزائرهِ / بِشدّهِ الرَحل أو من يستغيث بهِ
وَكَم رحلتَ إلى أمرٍ بهِ أربٌ / مِن أمردين ودُنيا قد عنيت بهِ
وَفي المَساجدِ لا كلّ الأمورِ أتى / ذاكَ الحديثُ الّذي قِدماً سمعت بهِ
وَالإستغاثةُ مَعناها تشفّعنا / بِهِ إلى اللَّه فيما نرتجيه بهِ
وَما بذلِكَ مِن بَأسٍ ومن حرجٍ / إلّا لَدى ميّتٍ من لسعةِ الشُبَهِ
هوَ الشفيعُ لمولاه وسيّدهِ / في كلِّ حالٍ مغيث المستغيث بهِ
هوَ الحبيبُ فمَن يا قوم يمنعهُ / فَضلاً حباهُ إله العالمين بهِ
وَاللَّهِ واللَّهِ لولا اللَّهُ يضللُ مَن / يشاءُ مِن خلقهِ فيما يريد بهِ
ما كانَ يوجدُ ذو عقلٍ فيمنع ذا / مِن أهلِ ملّتهِ أو يستريب بهِ
وَأنتَ يا أيّها الإنسان ما لك لا / تُحقّق الأمرَ كي تُهدى لأصوبهِ
ها أَنتَ تزعمُ أنّ اللّه في جهةٍ / وَلا تُبالي بِتشبيهٍ ضللتَ بهِ
مِن أينَ جئتَ بذا هذا إمامكَ لم / يَقُلهُ أحمدُ حاشا أن يقول بهِ
وَسَل أبا الفرجِ الجوزيّ تابعهُ / يُنبيكَ بِالحقِّ فاِعلَم واِعملنّ بهِ
وَتَزعمُ اللَّه بالذاتِ اِستقرّ على / عَرشٍ فتُلحق أوصافَ الحدوث بهِ
وَبالتوسّلِ لا ترضى وتمنعهُ / تَقولُ ذلك فعلُ المشركين بهِ
نَزّهتَ ربّك عن شركٍ بزعمِكَهُ / وَلَم تنزّههُ عن شبهٍ وعن شبهِ
لَقَد وَقعتَ منَ الإشراكِ في شركٍ / مِن حيثُ شئتَ خَلاصاً منه بؤت بهِ
أَمّا الطلاقُ ثَلاثاً فالمخالفُ في / وُقوعهِ ساقِطٌ في نفس مذهبهِ
تُريدُ تنصرهُ في حكمِ مسألةٍ / أَخطا وخالفَ كلّ المسلمين بهِ
وَذاكَ أعظمُ بُرهانٍ بأنّك لم / تَستَحي من باطلٍ مهما أسأتَ بهِ
أَمّا الكلامُ بِأوصافِ الإله علا / عنِ الحَوادثِ طرّاً أَن تحلّ بهِ
فَذاكَ مَوضعهُ علم الكلام فمن / أَرادهُ فَليُراجعه يجدهُ بهِ
كَفاكِ يا نفسُ مَع هذا الخطاب كفى / عودي لصاحبهِ فهو الحريّ بهِ
وَكلُّ ما قلتُ في هذا يناسبهُ / وَهَكذا ذاكَ فيما لا يُخصُّ بهِ
تَحزّبا وغدا السبكيُّ مُنفرداً / كِلاهُما ذو اِعتداءٍ في تحزّبهِ
كِلاهُما قَد حَشا أشعارهُ سَفهاً / عليهِ زوراً وَأبدى حشوَ مذهبهِ
كِلاهُما خَلَفٌ من بعد صاحبهِ / كِلاهما مُتعدٍّ في تصحّبهِ
لَكن بينهما فرقاً بهِ اِفترقا / مَعَ اِتّفاقِهما فيما يعاب بهِ
فَالحنبليُّ لَه عذرٌ بنصرتهِ / لِشيخهِ بأباطيلٍ تليقُ بهِ
أَمّا اليمانيُّ فالمعذورُ لائمهُ / لأنّه مُخطئٌ في خلط مشربهِ
لَم يأتِ ذاكَ غَريباً في القياس نعم / هَذا اليمانيُّ قَد وافى بأغربهِ
إِن كانَ يا يافعٌ عارٌ عليك بذا / فَباِبن أسعدَ فخرٌ تفخرين بهِ
وَما تعجّبتُ مِن شَيءٍ كنسبتهِ / لِلشافعيِّ اِفتراءً في تذَبذبهِ
يَوماً يمانٍ إذا لاقيتَ ذا يمنٍ / وَإِن تجِد حشو شاميّ تدين بهِ
إِن شافعيّاً فهذا الحشو جئت بهِ / مِن أينَ فلتُرهِ حتّى نقول بهِ
هَل قالهُ الشافعي في الأمّ ليس بهِ / أَو في الرِسالةِ أَو من أين جئت بهِ
أَشيخُ شيرازَ أبداهُ وحقّقهُ / في نصٍّ تنبيهه أو في مهذّبهِ
أَوِ الإمام الغزالي قال ذلك أو / إِمامنا الأشعريّ الحبر قال بهِ
أَو قالهُ الفخرُ يوماً في مطالبهِ / أَو الجوينيُّ في إرشاد مطلبهِ
في فِقههِم ذكروهُ أو عقائدهم / جَميعُهم ذمّهُ مع مَن يقول بهِ
إذاً فقل أنا حشويٌّ بدون حياً / وَاِبرأ منَ الشافعي أنتَ الدعيّ بهِ
لَو كانَ حَقّاً حفظت الشافعيّ ولم / تَسؤهُ وَيحكَ في أعلام مذهبهِ
وَإِذا سَفِهتَ على السبكيّ تابعه / سُؤتَ الإمامَ وكلّ المقتدين بهِ
بَل سؤتَ بالإفكِ ممّا قد أتيت بهِ / خيرَ الأنامِ وكل المؤمنين بهِ
لَقَد كَذَبت وشرُّ القول أكذبهُ / إِذ قلتَ للشيخِ مِن عُجبٍ عرفت بهِ
فَاِبرز وَرُدّ تَرى واللَّه أجوبةً / مثلَ الصواعقِ تُردي مَن تمرّ بهِ
عَقلاً ونقلاً وآياتٍ مفصّلةً / مِن كلِّ أروعَ شهم القلب منتبهِ
ماضي الجَنانِ كَحدّ السيف فكرتهُ / يُريكَ نَظماً ونثراً في تأدّبهِ
وَقّاد ذهنٍ إذا جالت قريحتهُ / يَكادُ يُخشى عليه من تلهّبهِ
وَغيرَ ذلكَ ممّا قلته بطراً / اللَّه حَسبُكُ فيما قَد بجحتَ بهِ
لَو كانَ فِكركَ مثلَ السيفِ حدّتهُ / لكنتَ جاهدتَ شَيطاناً غويت بهِ
أَو كانَ ذِهنكَ يا مغرور متّقداً / كَما زعمتَ وتَخشى من تلهّبهِ
لَكانَ يُحرقُ حَشواً في الفؤاد بهِ / خرابهُ فيقيه من مخرّبهِ
أَمّا مذمّتكَ السبكيَّ فهيَ له / شَهادةٌ بكمالٍ حين فهتَ بهِ
لَو كنتَ تَعلمهُ ما قلتَ ذاك بهِ / شَعرتَ فيهِ ولكن ما شعرت بهِ
أَلا اِستحيتَ منَ المختار فيه وفي / آبائهِ وهم أنصارُ موكبهِ
آباؤهُ نصروهُ في كتائبهم / وَهوَ النصيرُ بكتبٍ حبّبته بهِ
لَو لَم يَكُن منهُ في نصر النبيّ سوى / شفائهِ لَكفى أكرِم به وبهِ
وَلاِبن تيميةٍ للمصطفى خدمٌ / لكنّه لم يوفّق في تأدّبهِ
يَقول كالمُشركين المستغيث بهِ / وَقَد عَصى زائرٌ يسعى ليثربهِ
أُفٍّ لذلك ذنباً لا أكفّرهُ / بهِ وَإِن قيلَ بَل خِزيٌ لمذنبهِ
لَكن له حسناتٌ جمّةٌ فبها / أَسبابُ عفوٍ وصفوٍ من مسبّبهِ
مِنها جَوابٌ على التثليثِ ردّ بهِ / أَكرِم بهِ مِن صحيحِ القول معجبهِ
لَم ينهجِ الرافضي منهاجَ سنّتهِ / وَلو رآهُ أراه قبح مذهبهِ
في بابهِ ما لهُ مثلٌ وواجبهُ / حسنُ اِختصارٍ فحسّن رأي موجبهِ
يَسّر إِلهي سنّيّاً يُخلّصهُ / مِن مذهبِ الحشوِ كَي يحظى بطيّبهِ
وَاِنظُر لما قالهُ السبكيُّ فيه تفز / بِأصدقِ القولِ أحلاه وأعذبهِ
إنّ الروافضَ قَومٌ لا خلاق لهم / مِن أجهلِ الناس في علمٍ وأكذبهِ
وَالناسُ في غنية عَن ردِّ إِفكهم / لِهجنةِ الرفضِ واِستقباح مذهبهِ
وَاِبن المُطهّرِ لم تطهر خلائقهُ / داعٍ إلى الرفضِ غالٍ في تعصّبهِ
لَقَد تقوّلَ في الصحبِ الكِرام ولم / يَستحيِ ممّا اِفتراهُ غير منجبهِ
وَلابن تيميةٍ ردٌّ عليه وفى / بِمقصدِ الردّ واِستيفاء أضربهِ
لَكنّهُ خلطَ الحقّ المبين بما / يَشوبهُ كدرٌ في صفو مشربهِ
يُحاوِلُ الحشوَ أنّى كان فهو له / حَثيثُ سَيرٍ بشرقٍ أو بمغربهِ
يَرى حوادثَ لا مَبدا لأوّلها / في اللَّه سُبحانهُ عمّا يظنّ بهِ
لَو كانَ حيّاً يرى قولي ويسمعهُ / رَددتُ ما قال ردّاً غير مشتبهِ
كَما رددتُ عليه في الطلاق وفي / تَركِ الزيارةِ أقفو أثر سبسبهِ
وَبعدهُ لا أرى للردِّ فائدةً / هَذا وَجَوهرهُ ممّا أضنّ بهِ
وَالردُّ يَحسنُ في حالَين واحدة / لِقطع خصمٍ قويٍّ في تغلّبهِ
وَحالةٍ لاِنتفاعِ الناس حيث بهِ / هُدىً وربحٌ لديهم في تكسّبهِ
وَليسَ لِلناسِ في علمِ الكلام هدىً / بَل بِدعةٌ وضلالٌ في تطلّبهِ
وَلي يدٌ فيه لولا ضعفُ سامعهِ / جَعلتُ نظمَ بسيطي في مهذّبهِ
نَعَم لقَد صدَق السبكيّ فيه نعم / حَكى الحقيقةَ لم يعبث بمنصبهِ
مِن أصدقِ الناسِ أَتقاهُم وأعلمهم / فَلا عفا اللَّه يوماً عن مكذّبهِ
كُتب اِبن تيميةٍ بالحشوِ شاهدةٌ / عليهِ فيما حَشاها مِن تَمَذهبهِ
ما خالفَ المذهبَ السنّيّ قيلَ له / حشو وقولُ اِعتزالٍ لا نقول بهِ
فَالحشوُ نَقلٌ لهُ والإعتزال له / عَقلٌ وكلٌّ لسنِّيٍّ بلا شبهِ
فَتلكَ أَلقابهم صارت معرّفةً / فَلفظُها الآنَ وصفٌ لا يذمّ بهِ
هَذا اِصطلاحهُم الحشويّ عندهم / ذو سنّةٍ جامدٌ في كلِّ مُشتبهِ
حَشا عَقيدتهُ حشواً يُخلُّ بما / قَد صحّ للَّه من وصفٍ يليق بهِ
فَفرقةُ الحشوِ قَومٌ قد يصاحبهم / في الحقِّ سوءُ اِعتقاداتٍ نعوذ بهِ
أَمِنهم مشبّهةٌ منهم مجسّمةٌ / لا قدّسَ اللَّه قوماً قائلين بهِ
أَمّا اِبن تيميةٍ فيهم فذو جهةٍ / بِها فأنّبه واِشكُر من مؤنّبهِ
وَذاك كافٍ بهِ في ذمّ بدعتهِ / إِذ لم يرد لَفظها فاِطرحهُ واِرمِ بهِ
وَنزّهِ اللَّه عن شبهٍ وعن جهةٍ / بِالغيبِ آمن وَصُنه في تغيّبهِ
إِذ يَستحيلُ على خلّاقِنا جهةٌ / وَالمُستحيلُ محالٌ أَن ندين بهِ
نَعَم تعقّلُ مَوجودٍ بلا جهةٍ / صَعبٌ لغيرِ نبيهِ القومِ فاِنتبهِ
فَما أتى في كلامِ الشرعِ مُشتبهاً / لِحكمةِ الفهمِ قد جاءَ النبيُّ بهِ
وَواردُ اللفظِ إن أدّى بظاهرهِ / مَعنى الحدوثِ سَعينا في تجنّبهِ
وَفيهِ سِرٌّ لغيرِ اللَّه ما اِنكَشفت / أَستارُه أَو صفيٍّ قد حباهُ بهِ
وَثمَّ معنى لذاكَ اللفظ محتملٌ / بَعضُ الأئمّةِ منّا فسّروه بهِ
وَقصدُهم واحدٌ تنزيهُ خالقنا / تَفويضُ ما جاءَ أو تأويل مشتبهِ
كلُّ الجِهاتِ علا منها ولا جهةٌ / تَحويهُ قد جلّ عن أينٍ وعن شبهِ
وهذهِ الأرضُ فاِنظرها تجد كرةً / وَفوقها العلوُ والعرشُ المحيط بهِ
وَاللَّه من فوقهِ فوق الجميع بلا / كَيفٍ وشبهٍ تَعالى في تحجّبهِ
وَفي السَماءِ وفي الأرضِ الإله أتى / في الذكرِ إنّي بَريءٌ من مكذّبهِ
ما بالُنا نحن نسعى في تباعدهِ / وَهوَ القريب وننأى مع تقرّبهِ
أَيهربُ العبدُ مِن تقريب سيّدهِ / وَسيّدُ العبدِ يَدنو حين مهربهِ
اِفرض سوى اللَّه من كلّ الورى عدماً / وَهَكذا كان معدوماً بغيهبهِ
ما كنتَ مُعتقداً في اللَّه إذ عُدِمت / كلُّ الخلائقِ فهوَ الآن فاِرض بهِ
سُبحانهُ مِن إلهٍ ليس يحملهُ / عَرشٌ بلِ العرشُ محمولٌ له وبهِ
لَو اِستقرّ على عرشٍ لكان بهِ / لِلعرشِ حاجةُ محتاجٍ لمركبهِ
لَكن عليهِ اِستوى لا كيفَ نعلمهُ / للاِستواء أوِ القهر المراد بهِ
قَد جاءَ إتيانهُ للعبد هرولةً / وَالحبُّ وَالقربُ منه مع تقرّبهِ
وَالعلوُ والفوق أيضاً والنزول أتى / وَالضحكُ مع غضَبٍ ويلٌ لمغضبهِ
وَقَد تعجّب من أشياءَ قد وردت / كَما يليقُ به معنى تعجّبهِ
وَهكذا كلّ لفظٍ موهمٍ شبهاً / فَوِّضهُ للّه أو أوّل بلا شبهِ
وَأسلمُ الأمرِ تسليمٌ يُجانِبهُ / مَعنى الحدوث كما يرضى الإله بهِ
هَذا هوَ المذهبُ المأثور عن سلفٍ / أَهلُ التصوّف كلٌّ قائلون بهِ
وَهو المرجّح عند الأشعريِّ ولا / يَأباهُ منّا جميع المقتدين بهِ
وَالماتُريديّ تَفويضٌ عقيدتهُ / وَإن يُؤوّل فلا قطعٌ لديه بهِ
مَن رامَ أَن يدرك الخلّاق فهو إذن / في غيرِ مَطمعهِ قافٍ لأشعبهِ
إِذ ليسَ يَدريه لا جنٌّ ولا ملكٌ / وَلا نبيٌّ قريبٌ من مقرّبهِ
وَحاصلُ الأمرِ أنّا مؤمنون بهِ / معَ الكمالِ وتنزيهٍ يليق بهِ
هَذي عقيدُتنا في اللَّه خالقنا / لم نحشُ لَم نَعتزل فيما ندين بهِ
وَلا نُكفّرهم لكن نُبدّعهم / في الدينِ إِذ أخطؤوا في بعض أضربهِ
إِخوانُنا أَسلموا للَّه واِجتهدوا / الحقَّ شاؤوا فضلّوا في تشعّبهِ
مَع كونهم من فحولِ العلم قد زلقوا / ببعضِ ما دقَّ في الأذهان من شبهِ
وَربّ شَخصٍ ضعيفِ الفهم سيق إلى / صوبِ الصوابِ فلم يبرح يقول بهِ
الأمرُ للَّه مَن يهديهِ نال هدىً / وَمَن أضلّ فقد حلّ الضلال بهِ
وَلَم نُخطّئهم في كلّ مسألةٍ / فَكم كلامٍ لهم فازوا بأصوبهِ
وَفي الفروعِ وباقي الدين مَذهبهم / كَغيرهم وافقوا الشرعَ الشريف بهِ
وَكُتبهم في سوى مَعنى عقائدهم / بحورُ علمٍ فَرِد منها لأعذبهِ
لَكن إذا كنتُ لم تُدرك دَسائسهم / دَع ما يُريبك تفلح في تجنّبهِ
وَاللَّه يَرحمُنا طرّاً فرحمتهُ / هيَ العمادُ لكلّ المؤمنين بهِ