المجموع : 29
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ
بلغتُ بحمد الله ما أنا طالبُ / زماناً وهنَّتني لديكَ المطالبُ
فأصبحتُ لا أرجو سوى ما رجوتهُ / مراماً وما لي في سواكَ مآربُ
وقد كنت من غيظي على الدهر عاتباً / فما أنا في شيءٍ على الدهر عاتبُ
لئن كانَ قبلَ اليوم والأمس مُذنباً / فقد جاءَني من ذنبه وهو تائبُ
وجدتُ بك الأيام مولاي طلقةً / وسالمني فيك الزمان المحاربُ
وقد شِمتُ من جدواكَ لي كلَّ بارقٍ / ونوؤك مرجوٌّ وغيثُك ساكبُ
فلا الأملُ الأقصى البعيدُ بنازحٍ / لديَّ ولا وجهُ المطالب شاحبُ
وهل تنجح الآمالُ وهي قصيَّة / وتبلغُ إلاَّ في نداكَ الرغائبُ
لقد حَسُنَتْ فيك الرعيَّة بعدما / أساءَت إليها بالخطوب النوائبُ
وألهمتها فيما تصدَّيتَ رشدَها / ألا إنَّ هذا الرشدَ للخير جالبُ
كففتَ يدَ الأشرار من كلِّ وجهةٍ / فلا ثمَّ منهوبٍ ولا ثمَّ ناهبُ
ومن لوزير قلَّد الأمر ربَّه / نظيرك شيخاً حنكته التجاربُ
بصيرٌ بتدبير الأمور وعارفٌ / بمبدئِها ماذا تكون العواقب
أذلَّ بكَ الأخطارَ وهي عزيزة / فهانتْ عليه في علاك المصاعب
تريه صباح الرأي والأمر مُبهم / فتنجاب من ليلِ الخطوب الغياهبُ
ألَنْتَ له في قسوة البأس جانباً / فلانَ له في قسوة البأس جانبُ
فأصبح لم يعرض عن الناس لطفه / ويحضر فيهم بأسه وهو غائبُ
وبأسكَ لا البيض الصوارم والقنا / وجودك لا ما تستهلُّ السحائبُ
وما زلت حتَّى يدرك المجد ثأرَهُ / وتُشْرِقُ في آفاقهنَّ المناقبُ
بأيديك سحرُ الخطّ لا الخطّ تنثني / فتثني عليها المرهفات القواضبُ
تخرُّ لك الأقلام في الطرسِ سُجَّداً / لما أنتَ تمليه وما أنتَ كاتبُ
إذا شئت كانت في العداة كتايباً / وهيهات منها إذ تصولُ الكتايبُ
تقرّط آذان الرجال بحكمةٍ / حكتها اللئالي رونقاً أو تقاربُ
متى أفرِغتْ في قالب الفكر زيَّنتْ / وزانت من الألباب تلك القوالب
بهنَّ غذاء للعقولِ وشِرْعَةٌ / تسوغ وتصفو عندهنَّ المشاربُ
تصرَّفتَ في حلوِ الكلام ومرِّهِ / فأنتَ مُجِدٌّ كيف شئتَ ولاعبُ
ذَهَبْتَ بكلٍّ منهما كلَّ مذهب / ذهاباً وما ضاقت عليك المذاهبُ
فمن ذكر وجدٍ يسلب المرءَ لبَّه / على مثله دمع المتيَّم ذائبُ
ومن غَزَلٍ عَذب كأنَّ بُيُوته / مسارحُ آرام النقا وملاعبُ
وفي الباقيات الصالحات مثوبة / من الله ما يبدو من الشمس حاجبُ
دَمَغْتَ بها من آل حربٍ عصابةً / تناقشهم في صنعهم وتحاسبُ
تناقَلَها الركبانُ عنك فأَصبحت / تُجابُ بها أرض وتطوى سباسبُ
مغيظاً من القوم الذين تقدَّمت / لهم في المخازي الموبقات مكاسبُ
غضبت بها لله غير مَداهنٍ / وغيركَ يخشى كاشحاً ويراقبُ
مواهب من ربٍّ كريمٍ رُزِقْتَها / وما هذه الأشياء إلاَّ مواهبُ
أروح أجرُّ الذيل أسحب فضله / وإنِّي لأذيال الفخار لساحبُ
بمن لم يقم في الأكرمين مقامه / ولا نابَ عنه في الحقيقة نائبُ
فقد وجدت بغداد والناس راحةً / وقد أَتْعَبَتْها قبل ذاكَ المتاعبُ
قضى عمري طال في العزِّ عمره / أقاربه مسرورة والأجانبُ
وإن قلتُ ما جاء العراق ولا نرى / نظيراً له فينا فما أنا كاذبُ
بنادرة الدُّنيا وفرحةِ أهلها / أضاءَت لنا أقطارها والجوانبُ
أمولاي ما عندي إليك وسيلة / تقرّبني زلفى وإنِّي لراغبُ
محاسنُ شعري ما إذا أنا قستها / بشعرك والإِنصاف فهي مثالبُ
وإنِّي مع الإِطناب فيك مقصِّرٌ / وإن كانَ شعري فيك ممَّا يناسبُ
أهنِّيكَ فيه مَنصِباً أنت فوقَه / بمرتبة لو أنصفتك المراتبُ
فإنَّك شرَّفتَ المناصبَ كلَّها / وما أنتَ ممَّن شرَّفَتْهُ المناصبُ
وَهَنَّيْت نفسي والعراق وأهلَهُ / وكلَّ امرئ أهل لذاك وصاحبُ
وزفَّت إليه كلَّ عذراء باكرٍ / كما زفَّت البيضُ الحسانُ الكواعبُ
قوافٍ بها نشفي الصدورَ وربَّما / تَدبُّ إلى الحسَّاد منها عقاربُ
شكرتُكَ شكر الروض باكره الحيا / وشكرك مفروض ومدحك واجبُ
وليسَ يفي شعري لشكرك حقَّهُ / ولو نُظمتْ للشعر فيك الكواكبُ
وممَّا حباهُ الله من طيِّب الثنا / مشارقها مملوءة والمغاربُ
وكلِّي ثناء في علاك وألسن / إذا كنت ممدوحي وأنت المخاطبُ
وإنِّي لأبدي حاجةً قد حجبتُها / إليك وما بيني وبينك حاجبُ
سواي يروم المالَ مكترثاً به / ويرغبُ في غير الذي أنا راغبُ
وإنَّك أدرى الناس فيما أريده / وأعلمهم فيما له أنا طالبُ
وكيف وهل يخفى وعلمك سابق / بمطلبي الأسنى وفكرك ثاقبُ
فلا زلتَ طلاَّع الثنايا ولم تزلْ / تطالعني منك النجوم الغواربُ
أدارَ الكأس مترعةً شرابا
أدارَ الكأس مترعةً شرابا / وأهداها لنا ذهباً مذابا
وقد غارت نجوم الصبح لمَّا / رأته وهو قد كشفَ النقابا
وقالَ ليَ الهوى فيه اصطحبها / وطِبْ نفساً بها فالوقت طابا
ونحنُ بجنَّةٍ لا خلدَ فيها / ولا واش نخاف به العقابا
ونارُ الحسن في وَجَنات أحوى / من الغلمان تلتهب التهابا
أدرها يا غلام عَليَّ صرفاً / وأرشفني بريقتك الرضابا
أدرها مُزَّة تحلو وَدَعني / أُقبِّل من ثناياك العذابا
أراش سهامَ مقلته غريرٌ / إذا أرمى بها قلباً أصابا
وطافَ بها على الندمان يسعى / كأَنَّ بكفِّهِ منها خضابا
وشَرِبٍ يشهدون الغيَّ محضاً / إذا الشيطان أبصرهم أنابا
عكفت بهم على اللَّذَّات حتَّى / قرعت بهم من الغايات بابا
متى حجب الوقار اللَّهو عنهم / رأوا أنْ يرفعوا ذاك الحجابا
وقاموا للَّتي لا عيبَ فيها / يرَوْنَ بتركها للعاب عابا
كأَنَّ مجالس الأفراح منهم / كؤوس الرَّاح تنظمهم حبابا
تريك مذاهباً للقومِ شتَّى / وتذهب في عقولهم ذهابا
تحرَّينا السرور وَرُبَّ رأيٍ / أرادَ الخِطْءَ فاحتمل الصوابا
وما زلنا نريق دمَ الحميَّا / ونشربها وقد ساغتْ شرابا
إلى أن أقلعت ظلم الدياجي / كما طيَّرتَ عن وكرٍ غرابا
وغنَّتنا على الأَغصان وُرْقٌ / نهزّ لهنَّ أعطافاً طرابا
وقد ضحكَ الأَقاح الغضُّ منَّا / وأبصرَ من خلاعتنا عجابا
وظلّ البان يرقص والقماري / تغنِّيه انخفاضاً وانتصابا
وفينا كلُّ مبتهج خليعٍ / طروب شبَّ عارضه وشابا
إذا شرب المدام وأطربته / أعادَ على المشيبِ بها الشبابا
ألا بأبي من العشَّاق صبٌّ / متى ذكر الغرام له تصابى
بكُلِّ مهفهفِ الأعطاف يعطو / بجيد الظبي روع فاسترابا
إذا وطئ التراب بأخمصيه / تمنَّى أن يكون له ترابا
وأيم الله إنك مستهام / إذا استعذبت في الحبِّ العذابا
أعدْ لي ذكر أقداحٍ كبارٍ / ملاءً من شربك أو قرابا
وخلِّ اليوم عنك حديث سلمى / فلا سلمى أريد ولا الربابا
ومن قول الشجيّ سألت ربعاً / خلا ممَّن أُحبّ فما أجابا
وخذ بحديث سلمانٍ فإنِّي / أحبّ به الثناء المستطابا
يهاب مع الجمال ولا يدارى / ويوصف بالجميل ولا يحابى
فلو فاكهته لجنيت شهداً / ولو عاديته لشهدت صابا
ولم ترَ قبله عينٌ رأته / جميلاً راح محبوباً مهابا
ينوب عن الصَّباح إذا تجلَّى / وما ناب الصَّباح له منابا
بنفسي من أفديه بنفسي / وما فدَّاه من أحدٍ فخابا
رغبت عن الأنام به فأضحى / يطوِّقني أياديه الرغابا
فكان ليَ الثناء عليه دأباً / وكان له الندى والجود دابا
هم الرأس المقدَّمُ من قريش / يريك الناس أجمعها ذنابا
وهم من خير خلق الله أصلاً / وفرعاً واحتساباً وانتسابا
ويرضى الله ما رضيت قريشٌ / ويغضب إنْ هم راحوا غضابا
ففيهم شيَّد الله المعالي / وفيهم أنزل الله الكتابا
أولئك آلُ بيتٍ أنزلوها / تراثاً عن أبيهم واكتسابا
شواهق من جبال المجد تسمو / مفاخرها وأبنية رحابا
وأخلاقاً مهذَّبة لِداناً / وإيماناً من الجدوى رطابا
إليكم ننتمي وبكم نباهي / من البحر الشرايع والعبابا
وفي الدَّارين ما زلنا لديكم / نجوز الأجر منكم والثوابا
وأبلغ ما يكون به التَّمنِّي / دنوًّا من جنابك واقترابا
زماناً راعني بنواك شهراً / فما لي لا أريع به الركابا
فليس العيدُ ما أوفى بعيدٍ / ولم أشهد به ذاكَ الجنابا
وعاتبنا بفرقتك الليالي / على ما كانَ حزناً واكتئابا
فأمَّا أقصر الأَشراف باعاً / فأطولهم مع الدُّنيا عتابا
فيا قمراً عن الزوراء غابا / زماناً للتنزُّه ثمَّ آبا
طلعت طلوع بدر التِّمِّ لمَّا / غَرَبْتَ فلا لقيت الاغترابا
وجئت فجئتنا بالخيرِ سيلاً / تُسيلُ به الأباطح والهضابا
فإنَّك كلَّما استُسقيت وبلاً / سقيت وكنت يومئذٍ سحابا
فمن مِنَح شرحتَ لنا صدوراً / ومن مِنَنٍ تقلّدها الرقابا
ولمَّا أنْ نظمتُ له القوافي / ولجت بها على الضرغام غابا
وقمتُ عليه أُنشدُها وأهدي / لحضرته الدعاء المستجابا
إذا منع اللئيم ندى يديهِ / أبى إلاَّ انصباباً وانسكابا
أسيرُ وقد جازت بنا غاية السُّرى
أسيرُ وقد جازت بنا غاية السُّرى / ولاحت خيام للحمى وقبابُ
سوابحُ في بحر السراب كأنها / بغارب أمواج السراب حباب
تحنّ إلى أيام سلعٍ ورامةٍ / وما دونها في السالفات قراب
إذا خوطبت في ذكر أيامها الألى / ثناها إلى الوجد التليد خطاب
كأن حشاها من وراء ضلوعها / تقاطر من أجفانها وتذاب
وعاتبت الأيام فيما قضت به / وهل نافع منك الفؤاد عتاب
إلى الشيخ عبد القادر العيس يمَّمت / فتمَّ لها أجر وحق ثواب
وما لسوى آل النبيّ محمّدٍ / تحثّ المطايا أو يناخ ركاب
كأنَّ شعاع النور من حضراتهم / تشق حشا الظلماء فهي حراب
عليها من الأنوار ما يبهر النهى / وينصل فيها للظلام خضاب
يراها بعيني رأسه كل ناظر / وما دونها للناظرين حجاب
فلله قبر ضمّ أشرفَ راقدٍ / لديه كما ضم الحسام قراب
جناب مريع عظم الله شأنه / فجلَّ له قدر وعز جناب
تصاغر كبَّار الملوك جميعها / بحضرة باز الله فهي ذباب
ويستحقر الجبار إذ ذاك نفسه / فيرجو إذا ما راعه ويهاب
قصدناك والعافون أنت ملاذهم / وما قصدوا يوماً علاك وخابوا
تلين الرزايا في حماك وإن قست / وكم لان منها في حماك صلاب
بك اليوم أشياخ كبار تضرعوا / إلى الله فيما نابهم وأنابوا
على فطرة الإسلام شبت وشيَّبت / مفارقهم سود الخطوب فتابوا
قد استعبرت أجفانهم منك هيبة / ومالت لهم عند الضريح رقاب
يمدون أيدي المستميح من الندى / وما غير إعطاء المرام جواب
تُنال بك الآمال وهي بعيدة / وتقضى بك الآمال وهي صعاب
وأنَّى لنا يا أيها الشيخ جيئة / إلى بابك العالي وليس ذهاب
إلى أن ترينا الخطب منفصم العرى / وللأمن من بعد النزوح إياب
وحتى نرى فيما نرى قد تقشعت / غيوم غموم واضمحل ضباب
إلام نعاني غصةً بعد غصةٍ / ونرمى بأسهام الأذى ونصاب
أبا صالح قد أفسد الدهر أمرنا / وضاقت علينا في الخطوب رحابُ
وتالله ما ننفكّ نستجلب الرضى / علينا من الأيام وهي غضاب
وتعدو كما تعدو الذئاب صروفها / علينا وأحداث الزمان ذئاب
وإنا لفي دهر تسافل بعدما / أقيم مقام الرأس فيه ذناب
فوا عجباً مما نراه بجيله / وأكثر أحوال الزمان عجاب
يذاد عن الماء النمير ابن حرة / وللنذل فيها مورد وشراب
وتعلو على أعلى الرجال أراذل / وتسطو على ليث العرين كلاب
فلا خير في هذي الحياة فإنها / عقاب وما لا تشتهيه عقاب
حياة لأبناء اللئام وجودها / نعيم وللحر الكريم عذاب
إلى الله مما نابنا أيّ مشتكى / ولله ما نُرمى به ونصاب
إذا ما مضى عنا مصاب أهالَنا / دهانا مصاب بعده ومصاب
وأحداثُ أيام تشبُّ ولم تَشِبْ / كأن لم يكن قبل المشيب شباب
تَشُنُّ علينا غارة بعد غارة / فنحن إذاً غُنمٌ لها ونهاب
فيا آل بيت الوحي دعوة ضارع / إلى الله يدعو ربه ويجاب
صلاح ولاة الأمر إن صلاحهم / يعود علينا والفساد خراب
بحيث إذا راموا الإساءة أقلعوا / أو اجتهدوا فيما يَسُرُّ أصابوا
مواردكم للحائمين كأنها / موارد من قطر الغمام عذاب
وهل ينبغي الظمآن من غير فضلكم / وُروداً وماء الباخلين سراب
نعفّر منا أوجهاً في صعيدكم / عليهنّ من صبغ المشيب نقاب
فلا دونكم للقاصدين مقاصد / ولا بعدكم للطالبين طلاب
مفاتيح للجدوى مصابيح للهدى / فأيديكم في العالمين رغاب
بكم يرزق الله العباد وفيكم / تنزَّل من رب السماء كتاب
وأنتم لنا في هذه الدار رحمة / إذا مسَّنا فيها أذىً وعذاب
ومن بعد هذا أنتم شفعاؤنا / إذ كانت الأخرى وقام حساب
لأعتابكم تزجى المطي ضوامراً / وتطوى فلاة قفرة ويباب
إذا كنتم باب الرجاء لطالب / فما سد من دون المطالب باب
رُمينا بأدهى المعضلات النوائب
رُمينا بأدهى المعضلات النوائب / وفقدُ الذي نرجو أجلُّ المصائب
وغائب قوم لا يرجّى إيابه / وما غائب تحت التراب بآيب
نؤمِّل في الدنيا حياةً هنيَّةً / وما نحن إلاَّ عرضة للمصائب
ونَغْتَرُّ في برق المنى وهو خُلَّبُ / وهيهات ما في الآل ماءٌ لشارب
نصدّقُ آمالاً محالاً بلوغها / ومن أعجب الأشياء تصديق كاذب
تسالِمُنا الأيام والقصد حَرْبُنا / وما هي إلاَّ خدعة من محارب
ونطمع أن تبقى ويبقى نعيمُها / فلم يبق منها غير حسرة خائب
فلا تحسبنّ الدهر يوفي بعهده / أبى الله أن يرعى ذماراً لصاحب
وإنَّ الليالي لا تدوم بحالة / وهل تترك الأحداث كسباً لكاسب
يروقك منها ما يسوؤك أمرها / وإنَّ الردى ما راق من حد قاضب
وجود الفتى نفس الحمام لنفسه / فلولاه لم يسلك سبيل المعاطب
وتسعى به أنفاسُه لحمامه / وكم أصبح المطلوب يسعى لطالب
كأنَّا من الآجال وهي كواسر / من الأسد الضرغام بين المخالب
ولا يدفعُ السيفُ المنيَّةَ والقنا / وتمضي سيوف الله من غير ضارب
وكلٌّ لمطلوب الردى وهو لاعب / كأنَّ المنايا لا تجدُّ بلاعب
فمن لفؤاد راعه فقد إلْفِهِ / فأصبح من أشجان نهب ناهب
وجفن يهلُّ الدمع من عبراته / على طيّب الأعراق وابن الأطايب
على عمر الرماضان ذي الفضل والنهى / أحاطت بي الأحزان من كلِّ جانب
أذَبْتُ عليه يوم مات حشاشتي / وأمسيت في قلبٍ من الحزن ذائب
بكيت وما يجدي الحزين بكاؤه / وضاقت علينا الأرض ذات المناكب
فتىً كانَ فينا حاضراً كلَّ نكبة / فغاب ولكن ذكره غير غائب
تذكّرُني آثاره بفعاله / فأبكي عليها بالدموع السواكب
صبور على البلوى غيور إذا انتخى / جميل السجايا الشمِّ جمّ المناقب
وما زال بالآداب والفضل مُفْعَماً / ولكنَّه إذ ذاك صفر المصائب
وقد كانَ مثل الشهد يحلو وتارة / لكالصلِّ نَفَّاثاً سموم العقارب
وكم أخبر التجريبُ عن كنه حاله / ويَظْهَرُ كَنهُ المرء عند التجارب
لسان كحدّ السيف ماضٍ غرارُه / وأمضى كلاماً من شفار القواضب
وكم صاغ من تبر القريض جمانة / وأفرغ معناها بأحسن قالب
وزانت قوافيه من الفضل أفْقه / فكانت كأمثال النجوم الثواقب
وأدرك فضلَ الأوَّلين بما أتى / فقصَّر عن إدراكه كلُّ طالب
معانٍ بنظم الشعر كانَ يرومها / أدقّ إذا فكرت من خصر كاعب
لوى ساعد المجد المنون من الورى / بموت أشمٍّ من لؤي بن غالب
فتىً كانَ يصميني الرَّدى في حياته / ولما توفيّ كانَ أدهى مصائبي
فتىً ظَلت أبكي منه حيًّا وميّتاً / أصبْتُ على الحالين منه بصائب
رَعَيْتُ له من صحبة كلَّ واجب / ولو أن حيًّا ما رعى بعض واجبي
سقى الله قبراً مزنة الحيا / وبُلّغَ في الجنَّات أعلى المراتب
ولا زال ذاك القبر ما ذَرَّ شارق / تجود عليه ذاريات السحائب
ألا يا شهاب الدِّين صبراً على الأسى / وليس يهون الصعب عند الصعائب
نعزيك بالقربى على كل حالة / وفي عزّ ربّ المجد عزّ الأقارب
فإنك أرعى من عليها مودة / وإنك أوفى ذمةً للمصاحب
وإنك ممن يهتدى بعلومه / كما يهتدي الساري بضوء الكواكب
عن البحر عن كفيك نروي عجائباً / ولا حَرَجٌ فالبحر مأوى العجائب
إذا كنتَ موجوداً فكلّي مطامع / ونيل الثريا من أقلِّ مآربي
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ
سُؤالُكِ هذا الربعَ أين جَوابُهُ / ومن لا يعي للقول كيف خطابُهُ
وقفتِ وما يغنيكِ في الدار وقفة / سقى الدار غيث مستهل سحابُهُ
غناؤكِ في تلك المنازل ناظر / بدمع توالى غربُه وانسكابه
إلى طلل أقوى فلم يك بعدها / بمغنيك شيئاً قربه واجتنابه
ذكرتِ كأيام الشبيبة عهده / وهل راجع بعد المشيب شبابه
وقد كانَ ذاك العيش والغصن ناعم / يروق ويصفو كالرحيق شرابه
وجدت لقلبي غير ما تجدينه / أسىً في فؤادي قد أناخ ركابه
يفض ختام الدمع يا ميَّ حسرة / ذهاب شباب لا يرجّى إيابه
ودهرٍ أعاني كل يوم خطوبه / وذلك دأبي يا أميم ودأبه
مسوقٌ إلى ذي اللب في الناس رزؤه / ووقفٌ على الحر الكريم مصابه
وحسبك مني صبر أروع ماجد / بمستوطن ضاقت بمثلي رحابه
يبيتُ نجيَّ الهم في كل ليلة / يطول مع الأيام فيها عتابه
قضى عجباً منه الزمان تجلُّداً / وما ينقضي هذا الزمان عجابه
تزاد عن الماء النمير أسوده / وقد تلغ العذب الفرات كلابه
ألم يحزن الآبي رؤوس تطامنت / وفاخر رأس القوم فيها ذنابه
وأعظِمْ بها دهياء وهي عظيمة / إذا اكتنف الضرغامَ بالذل غابه
متى ينجلي هذا الظلام الَّذي أرى / ويكشف عن وجه الصباح نقابه
وتلمع بعد اليأس بارقة المنى / ويصدق من وعد الرجاء كذابه
ومن لي بدهر لا يزال محاربي / تُفلُّ مواضيه وتنبو حِرابُهُ
عقور على شِلوي يعضُ بنابه / وتعدو علينا بالعوادي ذئابه
رمته الروامي بالسباب مذمَّة / وما ضرّ في عِرضِ اللئيم سبابُه
تصفحت إخواني فلم أر فيهمُ / قويماً على نهج الوفاء اصطحابه
أفي الناس لا والله من في إخائه / تُشدُّ على العظم المهيض عصابه
يساورني كأس الهموم كأنّما / يمجُّ بها السمَّ الزعاف لعابه
وأبعد ما حاولت حرًّا دنوُّه / دنوك مما يرتضي واقترابه
نصيبك منه شهده دون صابه / إذا كانَ ممزوجاً مع الشهد صابه
يريك الرضا والدهر غضبان معرض / وترجوه للأمر الَّذي قد تهابه
ورأيك ليست في المشارع شرعة / ولا منهل عذب يسوغ شرابه
وما الناس إلاَّ مثلما أنت عارف / فلا تطلبنَّ الشيء عز طلابه
بَلَوتُ بهم حلوَ الزمان ومرَّه / فسيّان عندي عذبه وعذابه
كأنّي أرى عبد الغني بأهله / غريب من الأشراف طال اغترابه
يميّزه عنهم سجايا منوطة / بأروع من زهر النجوم سخابه
ثمين لئالي العقد حالية به / من الفضل أعناق الحجى ورقابه
إذا ناب عن صرب الغمام فإنه / إذا لم يصب صوب الغمام منابه
تألق فانهلّت عزاليه وارتوى / به حزن راجيه وسالت شعابه
أتعرف إلاَّ ذلك القرم آبياً / على الدهر يقسو أو تلينُ صلابه
تسربل فضفاض الأبوة كلَّها / وزُرَّت على الليث الهصور ثيابه
ولم ينزل الأرض الَّتي قد تطامنت / ولو أن ذاك الربع مسكاً ترابه
لقد ضربت فوق الرواسي وطنَّبَتْ / على قُلَل المجد الأثيل قبابه
فأصبحتِ الشُّم العرانين دونه / وحلَّق في جوّ الفخار عُقابه
أبى الله والنفس الأبيَّة أن يُرى / بغير المعالي همُّه واكتئابُه
فدانت له الأخطار بعد عتوِّها / وذلّت له من كل خطب صعابه
ولو شاء كشف الضرّ فرّق جمعه / وما فارق العضبَ اليماني قرابه
ومجتهدٍ في كلّ علم أبيّةٍ / فلا يتعداها لعمري صوابه
بفكرٍ يرى ما لا يرى فكر غيره / يشقّ جلابيب الظلام شهابه
مقيم على أنْ لا يزال قطاره / يصوب وهذا صوبه وانصبابه
وإمّا خلا ذاك الغمام فمقلع / وعمّا قليل يضمحل ضبابه
وناهيك بالندب الَّذي إنْ ندبته / كفاك مهمّات الأمور انتدابه
ذباب حسام البأس جوهر عضبه / وما الصارم الهندي لولا ذبابه
عليم بما يقني الثناء وعامل / وداعٍ إلى الخير العظيم مجابه
إذا انتسب الفعل الجميل فإنَّما / يكون إلى رب الجميل انتسابه
هل الفضل والإحسان إلاَّ صنيعة / أمْ الحمد والشكران إلاَّ اكتسابه
وإنّي متى أخليتُ من ثروة الغنى / وأغلق من دون المطامع بابه
بدا لي أن أعشو إلى ضوء ناره / وأصبو إلى ذاك المريع جنابه
فأصدرني عنه مصادر وارد / من اليمّ زخّار النوال عبابه
وأصبحُ مرموق السعادة بعدما / خَلَتْ ثُمَّ لا زالت ملاءً وطابه
إذا ذهب المعروف في كل مذهب / إليك برغم الحادثات مآبه
فلست تراني ما حييت مؤملاً / سواك ولم يعلق بي النذل عابه
ولا مستثيباً من دنيٍّ مثوبةً / حرام على الحرِّ الأبيّ ثوابه
وغيرك لم أرفع إلى شيم برقه / ولا غرّني في الظامئين سرابه
دعاه إلى الهوى داعي التّصابي
دعاه إلى الهوى داعي التّصابي / فراح يذكر أيّام الشباب
يذيل مدامعاً قد أرسَلَتها / لواعج فرط حزن واكتئاب
وأبصره العذول كما تراه / بما قاسى شديد الاضطراب
وفي أحشائه وجدٌ كمينٌ / يعذّبه بأنواع العذاب
فلام ولم يُصِب باللّوم رشداً / وكان العذر أهدى للصواب
جفته الغانيات وقد جفاها / فلا وصل من البيض الكعاب
وكان يروعه من قبل هذا / هوى سلمى وزينب والرباب
يروع إلى الدمى صابٍ إليها / ويأنس في أوانها العراب
أعيدي النَّوح يا ورقاء حتَّى / كأنَّكِ قد شكوتكِ بعض ما بي
بكيت وما بكيت لفقد إلفٍ / على أني أصبتُ ولم تُصابي
وذكّرني وميض البرق ثغراً / برود الشرب خمري الرضاب
وما أظمأك يا كبدي غليلاً / إلى رشف الثنايات العذاب
أتنسى يا هذيم غداة عُجنا / على ربع نهاب للذهاب
فَأوْقَفْنا المطيَّ على رسوم / كآثار الكتاب من الكتاب
وأطلال لميَّةَ باليات / بكت أطلالَها مقلُ السحاب
نسائلها عن النائين عنها / فتعجز يا هذيم عن الجواب
هنالك كانت العبرات منا / خضاباً أو تنوب عن الخضاب
أُمني النفس بعد ذهاب قومي / بما يرجو المفارق من إياب
ذريني يا أميم من الأماني / فما كانت خلا وعد كذاب
ذريني أصحب الفلوات إنِّي / رأيتُ الجدَّ أوفقَ بالطلاب
فما لي يا أميمة في خمول / يطول به مع الدنيا عتابي
سقيم بين ظهراني أناسٍ / أروم بهم شراباً من سراب
يجنّبني نداهم صَون عرضي / وتركي للدنيّة واجتنابي
وكم لي فيهمُ من قارصات / وما نفدت سهام من جعابي
سأرسلها وإنْ كانت حثياً / عليها من أباة الضيم آبي
وإنّي مثلما عَلِمَتْ سُعادٌ / وقورُ الجأش مِقْلاقُ الركاب
وأدَّرع القتام لكلّ هول / كما أغمدت سيفاً في قراب
وأصحبُ كلّ مُبْيضّ السجايا / وجنح الليل مسودّ الإهاب
ليأخذ من أحاديثي حديثاً / غنياً عن معاطاة الشراب
بمدح محمَّدٍ ربّ المعالي / ورائق صفوة الحسب اللباب
وها أنا لا أزال الدهر أثني / عليه بالثناء المستطاب
فأطرب فيه لا طرب الأغاني / وكأس الراح ترقص بالحباب
إذا دارٌ نَبتْ بي رحَّلَتها / عزائم باسل عالي الجناب
أطرّزُ باسمه بُرْدَ القوافي / كوشي البرد طرز بالذهاب
وفيه تنزل الحاجات منا / وتنزل في منازله الرحاب
إذا آب الرجاءُ إليه لاقى / بساحة مجده حسن المآب
تواضع وهو عالي القدر سامٍ / ولا عجبٌ هو ابنُ أبي تراب
شريف من ذؤابة آل بيتٍ / براء في الدنا من كل عاب
يشرفني إذا أدنيت منه / دنوّي من علائي واقترابي
وفيما بيننا والفضل قربى / من العرفان والنسب القراب
أهيم بمدحه في كل وادٍ / وأقرع في ثناه كل باب
إلى حضراته الأمداح تجبى / ومن ثم انتَمى فيها لجابي
يرغّب فضله الفضلاء فيه / ويطمعهم بأيديه الرغاب
عطاء ليس يسبقه مطال / وقد يعطي الكثير بلا حساب
وينفق في سبيل الله مالاً / لأبناء السبيل وفي الرقاب
جزى الله الوزير الخير عنا / وأجزاه بأضعاف الثواب
فقد سَرَّ العراقَ ومن عليها / بقاضٍ لا يروغ ولا يحابي
وأبقى الله للإسلام شيخاً / به دفع المصاب عن المصاب
بمثل قضائه فصل القضايا / ومثل خطابه فصل الخطاب
من القوم الذين عَلَوْا وسادوا / كما تعلو الرؤوس على الذناب
أطلّوا بالعلاء على البرايا / كما طلّ الجبال على الروابي
ليهنك أنت يا بغداد منه / بطلعة حسن مرجوٍ مهاب
أقام العدل في الزوراء حتَّى / وجدنا الشاء يأنس بالذئاب
وأنى لا يطاع الحق فيها / ولا تجري الأمور على الصواب
وسيف الله في يد هاشميّ / صقال المتن مشحوذ الذباب
خروجك من دمشق الشام ضاهى / خروج العضب أصلت للضراب
وجئت مجيء سيل الطمّ حتَّى / لقد بلغ الروابي والزوابي
بعلم منك زخّار العباب / وفضل منك ملآن الوطاب
فمن هذا ومن هذا جميعاً / أتيت الناس بالعجب العجاب
وراح الناس يا مولاي تدعو / لعزك بالدعاء المستجاب
فلا أفلتْ نجومك في مغيب / ولا حُجِبَتْ شموسُك في ضباب
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم
يا ابن المخيزيم وافَتنا رسائلكم / مشحونةً بضروب الفضل والأدَبِ
جاءت بأعذب ألفاظٍ منظمة / حتَّى لقد خلتها ضرباً من الضرب
زَهَتْ بأوصاف من تعنيه وابتهجت / كما زهت كأسها الصبهاءُ بالحَبب
عَلَّلْتمونا بكتْبٍ منكُم وَرَدتْ / وربَّما نَفَعَ التعليلُ بالكُتبِ
فيها من الشوق أضعافٌ مضاعفةٌ / تطوي جوانح مشتاقٍ على لهب
وربَّما عَرَضَتْ باللّطفِ واعترضت / دعابة هي بين الجدّ واللعب
قضيتُ من حُسْن ما أبْدَعْته عجباً / وأنتَ تقضي على الإحسان بالعجب
فنحن ممّا انتشينا من عذوبتها / ببنتِ فكرك نلهو لا ابنةِ العنب
فأطربتنا وهزَّتنا فصاحتها / فلا بَرِحَتْ مدى الأيام في طرب
أمَّا النقيبان أعلى الله قدرهما / في الخافقين ونالا أرفع الرتب
الطاهران النجيبان اللّذان هما / من خَير أمٍّ زكَتْ أعراقُها وأب
دامَ السَّعيد لديكم في سعادته / وسالم سالماً من حادث النوب
إنَّ الكويت حماها الله قد بلغت / باليوسْفين مكان السَّبْعة الشُّهب
تالله ما سمعت أذُني ولا بصرت / عَيْني بعزِّهما في سائرِ العرب
فيوسُف بن صَبيح طيب عنصره / أذكى من المسك إنْ يعبق وإنْ يطبِ
ويوسُف البَدر في سعدٍ وفي شرف / بدر الأماجد لم يغرب ولم يغب
فخر الأكارم والأمجاد قاطبة / وآفة الفضّة البيضاء والذهب
من كلِّ من بسطت في الجود راحته / صوب المكارم من أيديه في وَصب
لولا أمورٌ أعاقتنا عوائقها / جِئْنا إليكم ولو حَبْواً على الرّكب
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ
خُذْ بالمسرَّة واغنم لذَّةَ الطَّرَبِ / وزوِّج ابنَ سماءٍ بابنةِ العنب
واشرب على نغم الأوتار صافية / مذابة من لجين الكأس من ذهب
ولا تضع فرصةً جاد الزمان بها / ساعات أنسك بين المجد واللعب
أما ترى الروض قد حاكت مطارفه / أيدي الربيع وجادتها يد السحب
والورد قد ظهرت بالحسف شوكته / وخضب وجنتاه من دم كذب
وزان ما راق دمع الطل حين بدا / تبسّم الأقحوان الغض عن شنب
والراح منعشة الأرواح إن مزجت / صاغ المزاج لها تاجاً من الحبب
وإن بدت وظلام الليل معتكر / رمت شياطين هم المرء بالشهب
داو بها كلَّ ما تشكوه من وصب / ففي المدامة ما يشفي من الوصب
ودُر بحيث ترى الأقداح دائرة / فإنها لمدار الأنس كالقطب
يعود ما فات من عهد الشباب بها / يشبّ فيها معاطيها ولم يشب
يمجُّ منها فمّ الإبراق رائقة / تخالها إنها صيغت من اللهب
في جنة راق للأبصار رونقها / وأدمعُ المزن ما تنفك في صبب
والوُرق تملي من الأوراق ما خطبت / على منابر غصن الدوح من خطب
وما برحت لأيام مضت طرباً / داعي المسرة والأفراح يهتف بي
حتَّى إذا العيد وافانا بغُرَّتِه / أقَرَّ شوال عيني في أبي رجب
بالسيد العلويّ الهاشميّ لنا / فوز يؤمَّل من قَصْدٍ ومن أرب
أحيت مكارمه ما كنت أعْرِفُها / من الأوائل في الماضي من الحقب
الله ألهمه فهماً ومعرفة / وحسن خلقٍ وحلماً غير مكتسب
إنِّي أباهي به الأشراف أجمعها / بذلك النسب العالي الَّذي حسب
فداؤه كل ممقوت بشانئه / فلا إلى حسب يعزى ولا نسب
هو السعيد الَّذي يشقى العدو به / من ذا يعاديه في الدنيا ولم يخب
لما دعاه وليّ الأمر منتدباً / أجابه وأراه خير منتدب
دعاه مستنصراً في عسكر لجب / وقد ينوب مناب العسكر اللجب
فسار مستصحب التوفيق يومئذٍ / فسار أكرمَ مصحوبٍ ومصطحب
وصار تدبيره يغني عساكره / عن الكتائب بالأقلام والكتب
كم كربة نفّست للجيش همته / فحقّه أنّ يسمى كاشف الكرب
دعا إلى طاعة السلطان فاجتمعت / له القبائل من بعد ومن قرب
لقد أجابته وانقادت لطاعته / ولو دعاها سوى علياه لم تجب
أراعهم ما أراهم من مكارمه / وجاء من بره المعروف بالعجب
تلك المزايا لأجدادٍ له سلفت / فأعقب الله ما للمجد من عقب
من سادة شرّف الله الوجود بهم / قد أوْرِثوها علاءً من أبٍ فأب
فلم تجد من لسان غير منطلق / ولا فؤاداً إليهم غير منجذب
فلا تقسهم بقوم دونهم شرفاً / يوماً وكيف يقاس الرأس بالذنب
لقد كفى العسكر المنصور نائبة / تجثو لها نوب الدنيا على الركب
وقوّمت كل معوَجٍّ صوارمه / وسكنت منذ وافى كلّ مضطرب
وأسعد الله مولانا الفريق به / فكان ثابت سعد غير منقلب
وكان أعظم أسباب الفتوح له / فيا له سبب ناهيك من سبب
أما وربك لولاه لما خمدت / نار لها غير فعل النار بالحطب
دهياء تفغر فاهاً لا سبيل إلى / ترك ابتلاع سراة القوم بالنوب
المطمعين بنيل المجد أنفسهم / لا يسأمون من الإقدام في الطلب
وكان خيراً لهم لو أنهم رجعوا / عن غيّهم بعد ذاك الجهد والنصب
بَغوا لما نزغ الشيطان بينهم / والبغي يسلم أهليه إلى العطب
حتَّى إذا دبّروا للحرب أمرهم / وهم عن الرأي والتدبير في حجب
فأقبلت برجال لا عداد لها / وحيّر الترك ما لاقت من العرب
لله درك ماذا أنتَ فاعله / بذلت نفسك فوق المال والنشب
والحرب قائمة والنار موْقدة / يقول منها جَبانُ القوم واحَربي
يساقط الموت من أبطالها جثثاً / كما يساقط جذع النخل بالرطب
برزت فيهم بروز السيف منصلتاً / من غمده وأخذت القوم بالرعب
كففت أيديهم عن ما تمد له / فما استفادوا سوى الخذلان في الغلب
وشتت الله ممن قد طغى وبغى / جمع الخوارج بين القتل والهرب
ودمّر الله في أقدامهم فئة / فكان أعدى إلى أخرى من الجرب
تعبتم فأرحتم بعدها أمماً / كم راحة يجتنيها المرء من تعب
وعم فضلك ذاك القطر أجمعه / يا حسن ما أصبحت في مربع خصب
رأس الأكابر والأشراف من مضر / صدر الرئاسة فخر السادة النجب
ليهنك النصر والفتح المبين وما / بلغت من جانب السلطان من أرب
لئن حباك بنيشان تُسرُّ به / بطالع لقران السعد لم يغب
هذا المشير أعزّ الله دولته / أبانَ فضلك إعلاناً لكلّ غبي
وخذ إليك بقيت الدهر قافية / تلوح منك عليها بهجة الأدب
لآلِ المصطفى عِلْمُ وجودٌ
لآلِ المصطفى عِلْمُ وجودٌ / يحوزُهما مَجيدٌ أو نَجيبُ
وفي هذا الزَّمان من البرايا / لمحمودَين ساقَهما النصيب
تَورَّث علمَهم قَمَرُ الفتاوى / وشمسٌ ما لها أبداً مغيب
وحازَ فخارهم وكذا علاهم / وجودهم تَوَرَّثه النقيب
يا ناجياً نَحوَ كلِّ مَكْرُمَةٍ
يا ناجياً نَحوَ كلِّ مَكْرُمَةٍ / يَبْلُغُ فيها أعاليَ الرُّتَبِ
وطالباً بالكمال ما عَجزَتْ / فحولُ قومٍ عن ذلك الطلبِ
ومِن سهام الآراء فكرتُه / إنْ يرْمِ فيها أغراضَه يُصِبِ
إنَّ الكتاب الَّذي نظرتَ به / أبلَغُ ما ألَّفوه في الكتب
فلو تأمَّلتَ في دقائقه / لقلْتَ هذا من أعجب العجب
إنْ أطلقوا لفظة الكتاب فما / يشارُ إلاَّ إليه في الكتب
وغيره لا يُفيدُني أرباً / وأينَ كتبُ النحاة من أربي
لأنَّ هذا الإِمام أعلمُ خل / ق الله في نحو منطقِ العرب
ولم يزل وهو مرجعُهم / لدائرات العلوم كالقطب
قد ناظرتْه الحسَّاد من حَسَدٍ / فغالَبَتْه بالزُّور والكذب
وراحَ يطوي الأَحشاءَ من أسفٍ / لكتمِهِم فضلَه على لهب
وأدركتْه فمات مغترباً / بأرض شيرازَ حرفةُ الأَدب
فإنْ تكنْ أنت عاشقه / لما حوى طيُّه من النخب
نقلتُه إن أردتَ نُسخَتَه / ولا أُبالي بشدَّة التعب
وليس نقلي له على طمعٍ / ولا لمالٍ يرجى ولا نشب
إنَّ أياديك منك سابقة / عَليَّ قدماً في سالف الحقب
هو لساني يعوقُهُ ثِقَلٌ / وذاكَ عندي من أعظم النوب
فلو تسَبَّبْتَ في معالجتي / لنلتَ أجراً بذلك السَّبب
وليسَ لي حرفةٌ سوى أدبٍ / جَمٍّ ونظم القريض والخطب
من بعد داوود لا حُرِمتُ مُنًى / فَقَدْ مَضَتْ دولةُ الأَدب
سَكبَ الدَّمع لها فانسَكبا
سَكبَ الدَّمع لها فانسَكبا / وقَضى من حَقِّها ما وجبا
أرْبعٌ لولا تباريحُ الهوى / ما جرى دَمعُك فيها صَبَبا
وجَدت فيها السوافي مَلْعَباً / للنّوى فاتَّخَذتْها ملعبا
ما لقينا بوقوف الرّكب في / ساحةِ النّعمان إلاَّ نصبا
ذكر الصبُّ وهل ينسى بها / زمنَ اللَّهو وأيَّام الصّبا
يا رعى الله بها لي قمراً / مُشرِقَ الطلعة لمنْ غربا
أمنًى للنَّفس في أهل مِنًى / وقباب الحيّ في وادي قبا
فلقد كنتُ وكانتْ فتيةٌ / أنجمَ الأُفق وأزهار الرُّبى
ذهب الدهر بهم فامتزجَت / فضَّة الأدمع فيهم ذهبا
يا خَليليَّ وهلاّ شِمْتُما / بارقاً لاحَ لعيني وخبا
فتوارى كفؤادي لهباً / ثمَّ أورى زنده والتهبا
لَعِبَ الشَّوق بأحشائي وما / جَدَّ جِدُّ الوَجْد حتَّى لعبا
فانشدنّ لي في الحمى قلباً فقد / ضاعَ منِّي في الحمى أو غُصِبا
نظرت عيناي أسرابَ المها / نظرةً كانت لحَيْني سببا
يوم أصْبَتْنا إلى دين الهوى / فتَعَلَّلْنا بأرواح الصَّبا
وعدونا زورة الطَّيف أما / آنَ ميعادهُم واقتربا
أربُ النَّفس وحاجات امرئٍ / ما قضى منهم لعمري أربا
قَضَتِ الأَيَّام فيما بيننا / إنَّنا لم نلقَ يوماً طربا
وَهَبَ الدَّهر لنا لذَّته / واستردَّ الدهر ما قد وهبا
ومنعنا من أفاويق الطّلا / منهلاً كانَ لنا مستعذبا
فحدا الحادي لسقيا عهدكم / عارضاً إنْ ساقه البرق كبا
مقلةُ الوالع يذري دمعَها / وبكى القطر لها وانتحبا
أمر القلب بصبرٍ فقضى / ودعا الصَّبرَ إليها فأبى
قلَّما يُدعى فيقضي حاجةً / وإذا ما انتدبوه انتدبا
واللَّيالي فَلَكٌ يظهر في / كلِّ يومٍ عجباً مستغربا
وكآفاق العُلى ما أطْلَعَتْ / كشهاب الدِّين فينا كوكبا
فتأمَّل في معاني ذاته / وتفكَّر فتَحدَّثْ عجبا
هيبة لله في مطلعه / ملأت قلب الأَعادي رعبا
يُرْتجى جوداً ويُخشى سطوة / رغباً يُرجى ويخشى رهبا
عالم الدُّنيا وناهيك به / لا يشوبُ العلم إلاَّ أدبا
معربٌ عن فكره الثاقب إنْ / زفَّ أبكار المعاني عُرُبا
كم تجلَّتْ فَجَلَتْ أفكاره / عن سنا كلّ عويص غيهبا
فأرَتْنا الحقّ يبدو واضحاً / بعد أن قاربَ يحتجبا
بلسان يفصِلُ الأَمر به / كشبا الصَّمصام أو أمضى شبا
فخُذِ اللؤلؤَ من ألفاظِهِ / واجْتَني إن شِئْتَ منها ضَرَبا
وفكاهات إذا أوْرَدَها / نُظِمَتْ فوق الحميَّا حببا
وكمالات له معجزة / وأحاديثاً رواها نخبا
أين من أقلامه سُمُرُ القنا / أين من همَّته بيض الظبا
وكلام راقَ في السَّمع كما / يروقُ العينَ فيما كتبا
عَلَويٌّ من أعالي هاشم / هاشم الجود ويكفي نسبا
صاغه الله لقوم أرباً / ولقومٍ حَسَدوه عطبا
لا يزال الدهر يعلو جدّه / مرتقيها في المعالي رتبا
فإذا بُوحِثَ بالجدّ علا / وإذا غولبَ فيه غَلَبا
أبلجٌ تحسبه بدرَ الدُّجى / أو بأضواءِ الصَّباح انتقبا
ديمةٌ منهلَّة ما شمْتُ في / بارق الآمال منها خلَّبا
ولئنْ أصْبَحَ روضي ممحلاً / فكم اخضرَّ به واعشوشبا
يهنِكَ العيدُ فخذْ من لائذ / بِكم ما كنتُ له مستوجبا
شاكراً منك على العيدِ يداً / لم أُفاخر بسواها السُّحبا
فتفضَّل يا ابن بنت المصطفى / أشرف العالم أُمًّا وأبا
ذكرتُ على النوى عهد التَّصابي
ذكرتُ على النوى عهد التَّصابي / فأشجاني وهيَّجَ بعضَ ما بي
وشوَّقني معالم كنتُ فيها / بأنعم طيبِ عيشٍ مستطاب
فَبِتُّ احِنُّ من شوق إليها / كما حنَّ المشيبُ إلى الشباب
سقى تلك الديار وساكنيها / مُلِثُّ القَطر منهلّ الرباب
فكم ظبيٍ هنالك في كناسٍ / ينوب بفتكه عن ليث غاب
بنفسي من أفدّيه بنفسي / ويعذب في تجنّيه عذابي
ولي قلبٌ تَوَقَّدَ في التهابٍ / ولي دمع توالى بانسكاب
وليلٍ طال بالزفرات منّي / ولم يقصر لحزني واكتئابي
وكم همٍ أساءَ إلى فؤادي / وطال مع الزمان به عتابي
وأزعجني عن الأحباب بينٌ / وبالبينِ انزعاجي واضطرابي
تعلِّلني بموعدها الأماني / وما التعليل بالوعد الكذاب
وتطمعني بما لا أرتجيه / وهل أرجو شراباً من سراب
وما فَعَلتْ بأصحابي المنايا / فأبْقَتْني وقد أخَذَتْ صحابي
وما لي من أُنيب إليه يوماً / إذا ما عضّني يوماً بناب
وما كتَبتْ يدايَ له كتاباً / ولكن كانَ في أمِّ الكتاب
أذاقَنيَ النَّوى حلواً ومرًّا / وجرّعني الهوى شهداً بصاب
أطوِّف في البلاد وأنتحيها / فما أغنى اجتهادي في الطّلاب
وأيَّةُ قفرة لم أرْمِ فيها / ولم أُزْعِجْ بِمَهْمَهها ركابي
لبستُ غُبارها وخرجت منها / كما استلَّ الحُسام من القراب
ولم أبلُغْ مقام العزّ إلاَّ / بعبد القادر العالي الجناب
وما نلنا المنى من السّعي حتَّى / نَزَلْنا في منازله الرِّحاب
كريم طيب الأخلاق بَرٍّ / بيوم الجود أندى من سحاب
فما سُئِل النَّدى والجودَ إلاَّ / وأسْرَعَ بالثواب وبالجواب
إذا ما أُبْت بالنَّعماء عنه / حَمِدْتُ بفضله حُسنَ المآب
أو انتَسَبَ انجذابٌ من قلوب / فما لسواه ينتسِبُ انجذابي
فيا بدرَ الجَمال ولا أُماري / ويا ربَّ الجميل ولا أحابي
سَأشكرُ فضلَك الضّافي وأدعو / لمجدك بالدعاء المستجاب
على نِعمٍ بجودك قد أُفيضَتْ / ولا ترجو بها غير الثواب
وممَّا سَرَّني وأزالَ همِّي / دُنُوِّي من جنابك واقترابي
ولم أبْرَحْ أهيمُ بكلّ وادٍ / وأقْرَعُ في ثنائك كل باب
وأرغَبُ عن سواك بكل حالٍ / وأطْمَعُ في أياديك الرغاب
ولم تبرحْ مدى الأيام تُدعى / لكشف الضر أو دفع المصاب
أصاب بما حباك به مشيرٌ / مشيرٌ بالحقيقة والصواب
وولاّك العمارة إذ تولى / أُمورَ الحكم بالبأس المهاب
فقُمْت مقامه بالعدل فيها / وقد عمرتها بعد الخراب
وذلَّلْتَ الصِّعاب وأنتَ أحرى / وموصوف بتذليل الصعاب
فلا يحزنك أقوال الأعادي / فما جَزِعَتْ أسودٌ من كلاب
لقد حلَّقْتَ في جَوِّ المعالي / فكنتَ اليومَ أمْنَعَ من عقاب
عَلَوْتَ بقَدْرِك العالي عليهم / كما تعلو الجبال على الرَّوابي
وما ضاهاك من قاصٍ ودانٍ / بعدل الحكم أو فصل الخطاب
وحُزْتَ مكارم الأخلاق طرًّا / ومنها جئت بالعجب العجاب
ألا يا سيّدي طال اغترابي / فرخِّصْ لي فَدَيْتُك بالذهاب
فأرجعُ عنك مُنْقَلِباً بخير / وأحْمَدُ من مكارمك انقلابي
وأنظِمُ فيك طول العمر شكراً / كما انتظم الحباب على الشراب
وليس يهمُّني في الدهر همٌّ / وفيك تَعَلُّقي ولك انتسابي
فمن شوقٍ إلى وطنٍ وأهلٍ / غَدَوْتُ اليومَ ذا قلبٍ مذاب
ومن مرضٍ أٌقاسيه ووجدٍ / رضيتُ من الغنيمة بالإياب
أُعالجُ قلباً في هواكم معذَّبا
أُعالجُ قلباً في هواكم معذَّبا / وأصبو إليكم كلَّما هبّتِ الصَّبا
وأطوي على حَرِّ الغرام جوانحاً / تلهَّبُ في نيران وجدي تَلهُّبا
يؤنّبني اللاّحون فيك ولم أكن / لأسْمَعَ في الحبّ العذول المؤَنِّبا
وأرّقني يا سعد برقٌ أشيمه / يزرّ على الأكناف برقاً مذهبا
شجاني فأبكاني وأطربَ مَسْمَعي / حمامٌ بذات البان غنّى فأطربا
وذكَّرني والدار منها قصيّة / على النأي سعدى والرباب وزينبا
بحيث الهوى غضٌّ وبرد شبابنا / قشيب وعهد اللهو في زمن الصبا
يُدارُ علينا من دم الكرم قهوة / فنشرب ترياق الهموم المجرّبا
وتُهدى إلينا في الكؤوس نوافجاً / من المسك أو أذكى أريجاً وأطيبا
إذا زفّها الساقي لشربٍ تبسَّمت / به طرباً حتَّى يروح مقطّبا
ويا رُبَّ ليلٍ رُحتُ فيه مع المها / بقصّة أشواق يكون لها نبا
تُلاعبُ أنفاس النسيم إذا سرى / على جلّنار الخدّ صدغاً معقربا
ألَمْ تنظر الأيام كيف تبدَّلَتْ / بنا ورخاء العيش كيف تَقَلَّبا
فلم أستطبْ يا سعد مرعىً أرودُه / مريعاً ولم أستعذبِ اليوم مشربا
بربّكما عوجا على الربع ساعةً / وإنْ كانَ قد أقوى دروساً وأجدبا
لئن لَعِبت فيه السوافي وبرّحت / فقد كانَ قبل اليوم للسِّرْب مَلْعبا
فواهاً على ظلّ الأراكة في الحمى / وواهاً على الحيِّ الَّذي قد تصبَّبا
أطعتُ الهوى ما إنْ دعاني له الهوى / ولما دَعَوتُ الصَّبر يومئذٍ أبى
وما زال يوري زندُه لاعجَ الحشا / فما باله أورى الفؤاد وما خبا
أُعلِّلُ نفسي بالتلاقي وبيننا / حزونٌ إذا يجري بها خاطري كبا
ولو أنَّ طيفَ المالكيّة زارني / لقَلْتُ له أهلاً وسهلاً ومرحبا
وإنْ نَقَل الواشي لظمياء سلوةً / فما صَدَقَ الواشي بذاك وكذّبا
تُؤاخذُني الأيامُ والذنب ذنبها / على غير ما جُرمٍ وما كنت مذنبا
فيا ويحَ نفسي ضاع عمري ولم أفُزْ / بِحُرٍّ ولا أبْصَرْتُ خِلاًّ مهذبا
ويُقْعِدُني حظّي عن النيل إنْ أرُمْ / مَراماً وإنْ أطلبْ من الدهر مطلبا
ولم يُجْدِني إرهافي العزمَ في المنى / وما حيلتي بالصارم العضب إنْ نبا
وما بَرِحَتْ تملى على الدهر قِصَّتي / فتملأُ أفهام الرجال تعجُّبا
وتزهو بأمداح النّقيب قصائدي / بأحْسَنَ ما تزهو بأزهارها الرّبا
بأبلجَ وَضّاح الجبين كإنَّه / إذا لاح في ضوء النهار تنقّبا
كريمٌ براه الله أكرمَ من بَرا / وأَنْجَبُ من ألْفَيْتَ في النَّاس منجبا
لقد طابَ عرقاً في الكرام ومنبتاً / وما زال عرقُ الهاشميين طيّبا
لتسمُ بنو السادات من آل هاشم / بأنجبهم أُمًّا وأشرفهم أبا
وأحلاهمُ في وابل الجود صيّباً / وأعلاهمُ في قُلَّة المجد منصبا
أتانا بأبكارِ المناقب سيِّدٌ / فأبْدَعَ فيما جاءَ فيه وأغربا
وأغْضَبَ أقواماً وأرضى بما أتى / ومن نال ما قد نال أرضى وأغضبا
وخُيِّر ما بين المذاهب في العُلى / فما اختار إلاَّ مذهب الفضل مذهبا
تحبَّبَ بالحسنى إلى النَّاس كلِّهم / ومن جُملة الإحسان أنْ يتحبَّبا
وأظهرَ فيه الله أسرارَ لُطفِهِ / وقد كانَ سِرًّا في الغيوب محجّبا
لك الله مَنْ طار الفخار بصيته / فَشَرَّقَ في أقصى البلاد وغرَّبا
ومن راح يستهديك للجود والندى / رآك إلى الخيرات أهدى وأصوبا
تقَلَّبَ في نعمائك الدهر كلّه / وما زلتُ في نعمائك المتقلبا
وجدّك لم أُبصِرْ سواك مُؤَمِّلاً / ولا من إذا ما استوهب المال أوهبا
إذا لم أجد لي للثراء مسبّباً / وجَدْتُك في نيل الثراء المسبّبا
وقد شمت برقاً من سحابك ممطراً / وما شمت برقاً من سحابك خلّبا
وإنِّي لأستسقي نوالك ظامئاً / فلم أرَ أمْرى منه شيئاً وأعذبا
ولي قلمٌ يملي عليك إذا جرى / وترجمَ عمّا في الضَّمير وأعربا
فيا قمراً في طالع السعد نيّراً / ويا فلكاً بالمكرمات مكوكبا
لقد جاءني شهرُ الصيام بموكب / من العسر لا شاهدت للعسر مركبا
وشوَّشني لما بدا بقدومِه / ولم أرَ لي أمراً لذاك مرتّبا
فلو أنَّ شهرَ الصَّوم طاف بمنزلي / تبسَّم مما راعه وتعجّبا
وأبْصرَ داراً لو ثوى الخير ساعة / بها لنأى عن أهلها وتغرّبا
ويا طالما وافى على حين غفلة / فأصْبَحْتُ منه خائفاً مترقبا
وجرّبته في كل عام بغصّة / ومثلي من ساس الأمورَ وجرّبا
ولمَّا رأيتُ الهمَّ جاز لي المدى / إلى أن رأيتُ السيل قد بلغ الزبى
وقد أتْعَبَتْني ما هنالك فاقةٌ / ومن كانَ مثلي أتْعَبَتْه وأتعبا
وقد حَمَلتْني حاجة لو كفيتها / غدوت له عن ثروة متأهبا
ركِبْتُ بها الآمال وهي خطيرةٌ / ولو لم يكن غيرُ الأسنّة مركبا
وما خاب ظنِّي في جميلك قبلَها / وما كنتَ للظنِّ الجميل مخيّبا
إسْألِ الأرْسُمَ لو ردَّت جوابا
إسْألِ الأرْسُمَ لو ردَّت جوابا / وَوَعَتْ للمغرَم العاني خطابا
عَرصاتٌ يَقِفُ الصبّ بها / ينفدُ الدَّمع ذهاباً وإيابا
عاتب الدهر على إقوائها / إنَّ للحرّ مع الدهر عتابا
ما رعت فيها الليالي ذمّةً / وكستها من دياجيها نقابا
فسقتها عبرة مهراقة / كالسحاب الجون سحاً وانسكابا
كلَّما أسبلها مُسبِلُها / روت الأغوار منها والهضابا
لا قضت عيناي فيها واجباً / إن تكن عيناي تستجدي السحابا
وقف الركب على أفنائها / وقفة الأميّ يستقري الكتابا
منكراً من أرسُمٍ معرفة / لبست للبين حزناً واكتئابا
لأريننَّكُما وَجدي بها / ما أرَتْني الدار إلاَّ ما أرابا
ليت شعري هذه أطلالهم / أيّ رامٍ قد رماها فأصابا
وبكتها البُدن لكن بدم / فحسبنا أدمع البدن خضابا
وردت منهلها مستعذباً / وأراها بُدِّلَتْ منه عذابا
أينَ منها أوجهٌ مشرقة / ملكت من كامل الحسن نصابا
ولكم كانَ لنا من قمرٍ / في مغاني ذلك الربع فغابا
وأويقات سرور جمعت / لذة الكأس وسلمى والربابا
زمن ما إن ذكرناه لِمَنْ / فاته عهد الصّبا ألا تصابى
ظنَّ أن أسلوكم اللاّحي بكم / كذب الظنّ من اللاّحي وخابا
وتَصامَمْتُ عن العاذل إذ / قال لي صبراً وما قال صوابا
ما عليكم لو دَنَوْتُم من شجٍ / في هواكم دنفٍ شبّ وشابا
أنا أغنى النَّاس إلاَّ عنكمُ / فامنحوا النأي دنوًّا واقترابا
ما رجائي أملاً من فئة / زجر الحظ بهم منهم غرابا
كيف أستمطرُ جدوى سحبٍ / عقدوها بالمواعيد ضبابا
أوَيُغريني وميضٌ خُلَّبٌ / وشراب لم يكن إلاَّ سرابا
ما عرفت النَّاس إلاَّ بعدما / ذقت من أعوادهم شهداً وصابا
إنْ تعالَتْ في المعالي سادة / فعليُّ القدر أعلاها جنابا
سيّد يطلع كالبدر ومن / فكره يوقِد بالرأي شهابا
أريحيٌّ لم يزل متخذاً / دأبَ المعروف والإحسان دابا
ويثيب النَّاس جوداً وندىً / وهو لا يرجو من النَّاس ثوابا
فإذا استُسقِيَ وافى غيثه / ومتى يدعو إلى الحسنى أجابا
فإذا ما سمع الذكر اتّقى / وإذا ما ذُكر الله أنابا
من عرانين علىً قد نزلوا / من بيوت المجد أفناءً رحابا
ما بهم عيب خلا أنَّهم / يَجِدون البخل والإمساك عابا
غرست أيديهم غرس الندى / فاجتنب من ثمر الشكر لبابا
سحبت ذيل افتخار أمةٌ / لبسوا التقوى بروداً وثيابا
وأعدُّوا للعلى سمر القنا / والرقاق البيض والخيل العرابا
ينزل الوحيُ على أبياتهم / فاسأل الآيات عنهم والكتابا
عروة الوثقى ومنهاجِ الهدى / كشفوا عن أوجهِ الحقّ حجابا
إنَّ هذا فرعُهم من أصلهم / طاب ذاك العنصر الزاكي فطابا
هاشميٌّ علويٌّ ضاربٌ / في أعالي قُلل الفخر قبابا
ضاحكُ الثَّغر إذا ما خُطَبٌ / كَشَّرتْ عن مُدْلَهمِّ الخطب نابا
قد تأمَّلناك من بين الورى / فرأينا عَجَباً منك عجابا
يا مهاب البأس مرجوّ الندى / لا تزال الدهر مرجوًّا مهابا
طوَّقَتني منك أيديك وما / طوَّقَتْ إلاَّ أياديك الرقابا
وأرَتْني كيف ينثال الغنى / والغنى أعيا على النَّاس طلابا
كلّما أغلق بابي دونه / فتحت لي يدك البيضاء بابا
أرْخَصَتْ لي كلَّ غالٍ فكأنْ / وَجَدتْ في جودها التبر ترابا
فاهن بالعيد وفُز في آجر ما / صُمْتَه لله أجراً وثوابا
فجزاك الله عنّا خيره / وجزَيْناك الدعاءَ المستجابا
هَلُمَّ بنا نزورُ أبا الخصيبِ
هَلُمَّ بنا نزورُ أبا الخصيبِ / ونرعى جانِبَ العيش الخصيبِ
نعاشر أهْلَهُ ونقيمُ فيه / بخفض العيش من حسن وطيب
كرامٌ قد نزلت بهم غريباً / فكانوا سلوة الرجل الغريب
وعبد الواحد الموصوف فيهم / بطول الباع والصَّدر الرَّحيب
هو الشَّهم الَّذي لا عيب فيه / سوى العرض النقيّ من العيوب
لقد تُقنا إلى ذاك المحيَّا / ولا تَوْقَ المحبِّ إلى الحبيب
فحيِّ ابنَ المبارك من كريم / أحبّ إلى القلوب من القلوب
يرى فعل الجميل عليه فرضاً / وصنع المكرمات من الوجوب
نُصيبُ بفضله الأَعراض منه / ونرجع عنه في أوفى نصيب
حكى إحسانه صوب الغوادي / فقلنا ديمة القطر الصَّبيب
إذا المستصرخون دَعَوْه يوماً / فقد أمنت بكشَّاف الكروب
وإنْ أبْصَرَتْ منه البِشْرَ يبدو / فأبشرْ منه بالفرج القريب
يلذّ لدى سؤال ندى يديه / فيثني عطف مرتاح طروب
ومبتسم بوجه الضَّيف زاه / ووجه الدَّهر مشتدّ القطوب
أَجَلّ عصابة كرمت وجادت / على العافين في اليوم العصيب
كريمٌ قد تفرَّع من كريم / نجيبٌ ينتمي لأبٍ نجيب
رأيت الأَكرمين على ضروب / وهذا خير هاتيك الضروب
وقَدْرٍ ما استخفَّته الرَّزايا / ولا راعته قارعة الخطوب
ولا استهْوَتْه نَفْسٌ في هوانٍ / ولم يَدْنُ إلى أدنى معيب
منارٌ يُستمدُّ الرأي منه / وعنه رميَّة السَّهْمِ المصيب
فأَشهَدُ أنَّه فردُ المعالي / وما أنا منه في شكٍّ مريب
عليه ذوو العقول إذَنْ عيالٌ / وها هو إرْبةُ الفطن الأَريب
فتعرض رأيُها أبداً عليه / كما عرض المريض على الطَّبيب
فداك الباخلون وهم كثيرٌ / فداءَ النَّحر من بُدنٍ ونيب
بيومٍ عنده الإِنفاق فيه / أشدّ على الجبان من الحروب
ولا أَفلَتْ كواكِبُك الزَّواهي / ولا أَذِنَتْ شموسُكَ للغروب
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا
ما غابَ بَدْرُ دُجًى منكم ولا غربا / إلاَّ وأَشْرقَ بدرٌ كانَ مُحتجبا
لا ينزع الله مجداً كانَ مُعطيَه / آل النبيّ ولا فضلاً ولا أدبا
الكاشفون ظلام الخطب ما برحوا / بيض الوجوه وإنْ صالوا فبيض ظبا
من كلّ أَبلَجَ يزهو بهجةً وسناً / تخاله بضياء الصُّبح منتقبا
قد أنفَقوا في سبيل الله ما ملكوا / واستَسْهلوا في طِلاب العزّ ما صَعبا
هم الجبال اشمخرَّتْ رفعةً وعُلًى / هم الجبال وأَمَّا غيرهم فربا
أبناء جدٍّ فما تدنو نفوسهُم / من الدنيَّة لا جدًّا ولا لعبا
عارون من كلّ ما يزري ملابسه / يكسوهم الحُسن أبراداً لهم قُشُبا
ومُنْيَةً قد حثَثْناها فتحسبها / نجائباً لا وجًى تشكو ولا لغبا
إلى عليٍّ عليِّ القدر مرجعها / نقيبُ أَشرافٍ غرّ السَّادة النُّجبا
الواهب المال جمًّا غير مكترثٍ / والمستقلّ مع الإِكثار ما وهبا
يريك وفر العطايا من مكارمه / يوم النوال وإنْ عاديتَه العطبا
قد شرَّف الله فرعاً للنبيّ سما / إلى السَّماء إلى أنْ طاولَ الشُّهبا
لِمْ لَمْ يُشرَّف على الدُّنيا بأجمعها / من كانَ أشرف هذي الكائنات إبا
هذا هو المُجد مجدٌ غير مكتسب / وإنَّما هو ميراثٌ أباً فأبا
من راح يحكيهم بين الورى نشباً / فليس يحكيهم بين الورى نسبا
أنتُم رؤوس بني الدُّنيا وسادتها / إنْ عُدَّ رأسُ سواكم لاغتدى ذنبا
لكم خوارق عادات متى ظهرت / على العوالم كادتْ تخرق الحجبا
رقَّتْ شمائِلُكَ اللاّتي ترقُّ لنا / حتَّى كأَنَّك مخلوق نسيم صبا
وفيك والدَّهر يخشى من حوادثه / ويرتجى رهباً إذ ذاك أو رغبا
صلابةٌ قطّ ما لانتْ لحادثةٍ / وقد تلين خطوب الدَّهر ما صلبا
وعزمةٍ مثل ورْي الزّند لو لمست / مَوْجاً من اليمّ أضحى موجه لهبا
تجنَّب البخل بالطَّبع الكريم كما / تجنَّب الهجر والفحشاء واجتنبا
فنال ما نالَ آباءٌ له سلفت / ندبٌ إلى الشَّرف الأَعلى قد انتدبا
إنْ كانَ آباؤه بالجود قد ذهَبوا / فقد أعاد بهذا الجود ما ذهَبا
فانظر لأيديه إنْ جادتْ أنامله / بالصيّب الهامل الهامي ترى عجبا
أينَ الكواكبُ من تلك المناقب إذ / تزهو كما زَهَتْ بالقطر زهر رُبا
تلك المزايا كنظم العقد لو تُلِيَتْ / على الرَّواسي لهزَّت عطفها طَرَبا
يرضى العلاء متى يرضى على أحدٍ / ويغضب الدَّهر أحياناً إذا غضبا
قد بلَّغت نعم العافين أنعمه / فلم تدعْ لهُمُ في غيره إرَبا
يقول نائلُه الوافي لوافده / قد فازَ جالب آمالي بما جلبا
أكرِمْ بسيّد قومٍ لا يزال له / مكارمٌ تركت ما حاز منتهبا
نَوْءُ السَّحائب منهلٌّ على يده / فلا فقدنا به الأَنواء والسُّحبا
الكاسب الحمد في جود وبذل ندًى / يرى لكل امرئٍ في الدَّهر ما كسبا
نهزُّ غصناً رطيباً كلّ آونةٍ / يساقط الذَّهب الإِبريز لا الرّطبا
فما وجدتُ إلى أيَّامه سبباً / إلاَّ وجدتُ إلى نيل الغنى سببا
وحبَّذا القرم في أيَّام دولته / حَلَبْتُ ضرع مرام قطُّ ما حلبا
بمثله كانت الأَيَّام توعدنا / فحانَ ميعاد ذاك الوعد واقتربا
حتَّى أجابته إذ نادى مآربه / بمنصب لو دعاه غيره لأبى
موفَّق للمعالي ما ابتغى طلباً / إلاَّ وأدرك بالتَّوفيق ما طلبا
سبَّاق غايات قومٍ لا لحاق له / وكم جرى إثره من سابقٌ فكبى
مذْ كنتَ أَنْتَ نقيباً سيِّداً سنداً / أوْضَحتَ آثار تلك السَّادة النُّقبا
أَضْحكتَ بعد بكاء المجد طلعته / وقد تبسَّم مجدٌ بعد ما انتحب
أحيَيْتَ ما ماتَ من فضلٍ ومن أدبٍ / فلتفتخر في معاني مدحك الأدبا
يا آل بيت رسول الله إنَّ لكم / عليَّ فضلاً حباني الجاه والنشبا
وأيدياً أوْجَبتْ شكري لأنعمها / فاليوم أقضي لكم بالمدح ما وجبا
يا أيُّها القمر المني
يا أيُّها القمر المني / رُ وأيُّها الغصنُ الرَّطيبُ
إنِّي لأَعْجبُ من هواك / وإنَّه أمرٌ عجيب
تدمى بعبرَتِها العيون / به وتحترق القلوب
ما لي دَعَوْتُك أَنْ تصيخ / فلا تصيخ ولا تجيب
إنْ كانَ ذنبي أنَّني / أهوى هواك فلا أَتوب
يا بدرُ ما نالَ الأُفولُ / مناه منك ولا الغروب
زُرني إذا غفل الرَّقيب / وربَّما غفل الرَّقيبُ
واعْطِفْ على مُضنًى يُراعُ / إذا جَفَوْتَ ويستريب
صبٍّ بمهجته أُصيبَ / فدمْعُه أبداً صبيب
هل تدري ما تحت الضّلوع / فإنَّها كبدٌ تذوب
ويلاه كيفَ أَصابَني / من ليس لي منه نصيب
عجز الطَّبيب وأيُّ داءٍ / في الفؤاد له وجيب
كيفَ الدَّواء من الهوى / في الحبِّ إنْ عجز الطَّبيب
من كانَ علَّتَه الحبيبُ / فما له إلاَّ الحبيب
أَحِبَّتَنا أَنتُم على السُّخط والرّضا
أَحِبَّتَنا أَنتُم على السُّخط والرّضا / وفي القلب منكُم لوعةٌ ووجيبُ
ذكرناكم والدَّمع ينهلّ والحشا / تذوبُ وأَجفانُ المشوق تصوب
فطارَ بنا شوق إليكم مُبَرّحٌ / له زفرةٌ توري جوًى ولهيب
ركبْنا إليكم ظهرَ كلّ مخوفةٍ / ترامى بنا أهوالها وتجوب
وينظرنا منها وللهول ناظر / جَلوبٌ لآجال الرِّجال مهيب
وخُضْنا ظَلامَ اللَّيل واللَّيل حالك / بهيمٌ وفي وجه الخطوب قطوب
وجِئنا فلم نظفر لديكم بطائل / ولا نِيل حظٌّ منكم ونصيب
وَفَيْنا على صدق الهوى وغدرتمُ / وفزتُمْ لدينا بالجوى ونخيب
فمُنُّوا علينا بعدها بزيارةٍ / بها العيش يصفو والحياة تطيبُ
ولا تمنعونا نظرةً من جمالكم / فيرتاح قلبٌ أو يُسَرُّ كئيب
وإلاّ فَرُسْلُ الشَّوق تبعثُ كلَّما / تَهُبُّ شمال بيننا وجنوب
على مثلنا لو تنصفونا بحبِّكم / تُشَقُّ قلوبٌ لا تشقّ جيوب
وتظهر أسرار وتبدو لواعج / ويشكو محبٌّ ما جناه حبيب
أَحِنُّ إليكم والهوى يستَفِزُّني / كما حنَّ نائي الدَّار وهو غريبُ
وأطرب في ذكراكم ما ذُكِرتُم / وإنِّي على ذكراكم لطروب
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً
عِشْتَ الزمان بخفض العيش منْتَصِباً / لا علَّةً تشتكي فيه ولا وَصَبا
والحمد لله شكراناً لنعمته / أقْضي به من حقوق الشكر ما وجبا
فاليوم ألبَسَك الرحمن عافيةً / تبقى ورَدَّ عليك الله ما سلبا
من بعد ما مرض برحٍ أصبتَ به / وكنتَ لاقيتَ مما تشتكي نصبا
وكم شربتَ دواءً كنتَ تكرَهُهُ / فكان عافيةً فيه لمن شربا
وقد ظهرتَ ظهورَ الصُّبح منبلجاً / فطالما كنتَ قبل اليوم محتجبا
تَفديك روحي وأمِّي في الورى وأبي / فإنَّما أنت خيرُ المنجيين أبا
لي فيك مولاي عن بدر الدجى عِوَضٌ / إن لاح بدر الدجى عني وإن غربا
يا بَدْرَ تِمٍّ بأٌفق المجد مطلعه / من قال إنَّك بَدْرُ التِمِّ ما كذبا
إن رُمْتُ منك مراماً نلت غايته / وإن طلبتُ منىً أدرَكْتُها طلبا
وإن هَزَزْتُك للجدوى هززتُ فتًى / أجني به الفضَّةَ البيضاء والذهبا
يا أكرمَ النَّاس في فضلٍ وفي كرمٍ / ومن رآك رأى من فضلك العجبا
لم يَدَّخِرْ في النَّدى مالاً ولا نشباً / إنَّ المكارم لا تُبقي له نشبا
هب لي رضاك وأتْحِفْني به كرماً / فأنت أكرمُ من أعطى ومن وهبا
ما زلتُ إن لم أجِدْ لي للغنى سبباً / وجدتَ لي أَنْتَ في نيل الغنى شببا
يَرِقُّ فيك ثنائي بالقريض كما / تنفَّسَتْ في رياض الحُزن ريحُ صَبا
والشعر يرتاح أن يُثنى عليك به / وإن دعاه سواكم للثناء أبى
فخراً أبا مصطفى في العيش صفوته / فقد تكدَّرَ عيشي فيك واضطربا
لما انقلبتَ كما نبغي بعافية / بنعمةِ الله قد أصْبَحَت منقلبا
وقلتُ يوم سروري يا مؤرِّخَه / يومٌ به البؤسُ عن سلمان قد ذهبا
سَلِ الله بالسَّادةِ الطَّاهرينَ
سَلِ الله بالسَّادةِ الطَّاهرينَ / مرامَك فهو القريبُ المجيبْ
وَزُرْ مرقداً لعليِّ المقامِ / وأَرِّخْ محلّ ضريحِ النقيبْ