المجموع : 32
يا بن الإمام العسكريّ ومَن
يا بن الإمام العسكريّ ومَن / ربُّ السماءِ لدينه انتجبَه
أفهكذا تُغضي وأنت ترى / نارَ الوباءِ تشبُّ ملتهبه
لا تنطفي إلاِّ بغاديةٍ / من لطفكم تنهلُّ منسكبه
أيضيقُ عنَّا جاهُكم ولقد / وَسِعَ الوجودَ وكنتم سببه
الغوثَ أدركنا فلا أحدٌ / أبداً سواكَ يغيثُ مَن نَدبه
غضِبَ الإِلهُ وأنت رحمتهُ / يا رحمةَ اللهِ اسبقي غَضبَه
هي دارُ غيبتهِ فحيِّ قِبابَها
هي دارُ غيبتهِ فحيِّ قِبابَها / والثم بأجفانِ العيونِ ترابَها
بُذلت لزائرِها ولو كُشف الغطا / لرأيتَ أَملاكَ السما حجّابها
ولو النجومُ الزهرُ تملِكُ أَمرها / لهوت تُقَبِّلُ دهرها أعتابها
سعُدت بمنتظرِ القيام ومَن به / عقدت عيونُ رجائه أهدابها
وَسَمت على أمِّ السما بمواثلٍ / وأبيكَ ما حوتِ السما أضرابها
بضرايحٍ حَجبت أَباه وجدَّه / وبغيبةٍ ضَربت عليه حِجابها
دارٌ مقدَّسةٌ وخيرُ أئمَّةٍ / فَتح الإِلهُ بهم إليه بابها
لهمُ على الكرسيِّ قبّة سؤددٍ / عَقدَ الإِلهُ بعرشهِ أطنابها
كانوا أظلَّةَ عرشهِ وبدينِه / هَبطوا لدائرةٍ غَدوا أقطابها
صَدعوا عن الربِّ الجليل بأمرهِ / فغدوا لكلِّ فضيلةٍ أربابها
فهدوا بني الألبابِ لكن حيَّروا / بظهورِ بعض كمالِهم ألبابها
لا غروَ إن طابت أرومة مجدِها / فنمت بأكرمِ مَغرسٍ أطيابها
فاللهُ صوَّر آدماً من طينةٍ / لهم تخيَّر محضَها ولُبابها
وبراهمُ غُرراً من النُطفِ التي / هي كلَّها غررٌ وسَل أحسابها
تُخبركَ أنَّهمُ جروا في أظهرٍ / طابت وطهَّر ذو العُلى أصلابها
وتناسلوا فإذا استهلَّ لهم فتًى / نسجت مكارمُه له جلبابها
حتَّى أتى الدنيا الذي سيهزُّها / حتَّى يدُكُّ على السهولِ هضابها
وسينتضي للحربِ محتلِب الطُلى / حتَّى يُسيلَ بشفرتيه شعابها
ولسوف يُدركُ حيثُ ينهضُ طالباً / تِرَةً له جعل الإلهُ طِلابَها
هو قائمٌ بالحقِّ كم من دعوةٍ / هزَّتهُ لولا ربُّه لأجابها
سعُدت بمولدِهِ المباركِ ليلةٌ / حَدرَ الصباحُ عن السرورِ نقابها
وزهت به الدنيا صبيحةَ طرَّزت / أيدي المسرَّةِ بالهنا أثوابها
رجعت إلى عصرِ الشبيبةِ غضَّةً / من بعد ما طوت السنينُ شبابها
فاليومَ أبهجت الشريعةُ بالذي / ستنالُ عند قِيامِه آرابها
قد كدَّرت منها المشاربَ عُصبةٌ / جعل الإِلهُ من السرابِ شرابها
يا من يُحاولُ أن يقومَ مهنّياً / إنهض بلغتَ من الأُمور صوابها
وأشر إلى من لا تشير يدُ العُلى / لِسواهُ إن هيَ عَدَّدت أربابها
هو ذلك الحسنُ الزكيُّ المجتبى / من ساد هاشمَ شِيبها وشبابها
جَمعَ الإِلهُ به مزايا مجدِها / ولها أعادَ بعصرِه أحقابها
نشِرت بمن قد ضمَّ طيَّ ردائِه / أطهارَها أطيابها أنجابها
وله مآثرُ ليس تُحصى لو غدت / للحشرِ أملاكُ السما كتّابها
أنَّى وهُنَّ مآثرٌ نبويَّةٌ / كلُّ الخلايقِ لا تُطيق حسابها
ذاك الذي طَلب السماءَ بجدّه / وبمجدِه حتَّى ارتقى أسبابها
ما العلمُ منحلاً لديه وإنَّما / وَرثَ النبوَّةَ وحيَها وكتابها
يا من يريش سهامَ فكرتِه النهى / فلأيّ شاكلةٍ أراد أصابها
ولدتكَ أمُّ المكرماتِ مبرَّءاً / ممَّا يُشينُ من الكرامِ جنابها
ورضعتَ من ثدي الإمامةِ علمَها / مُتجلبباً في حجرِها جلبابها
وبنورِ عصمتِها فُطمت فلم ترث / حتَّى بأمرِ الله نُبت منابها
فاليومَ أعمالُ الخلايقِ عندكم / وغداً تلون ثوابها وعقابها
وإليكم جَعل الإِلهُ إيابها / وعليكم يومَ المعادِ حسابها
يا من له انتهت الزعامة في العُلى / فغداً يروض من الأمور صعابها
لو لامست يدك الصخورَ لفجَّرت / بالماء من صمّ الصخور صِلابها
ورعى ذِمام الأجنبين كما رعى / لبني أُرومةِ مجدِه أنسابها
رُقتَ الأنام طبايعاً وصنايعاً / بهما ملكت قلوبها ورقابها
وجدتكَ أبسط في المكارم راحةً / بيضاءَ يستسقي السحابُ سحابها
ورأتك أنورَ في المعالي طلعةً / غرَّاءَ لم تَنُب النجومُ منابها
للهِ دارك إنَّها قِبَلُ الثنا / وبها المدايحُ أثبتت محرابها
هي جنَّةُ الفردوس إلاّ أنَّها / رضوانُ بِشرك فاتحٌ أبوابها
فأقم كما اشتهت الشريعةُ خالداً / تطوي بنشرِك للهدى أحقابها
قُم ناشد الإِسلامَ عن مُصابه
قُم ناشد الإِسلامَ عن مُصابه / أُصيب بالنبيّ أم كتابه
أم أنَّ ركب الموت عنه قد سرى / بالرُّوح محمولاً على ركابه
بل قضى نفسُ النبيّ المرتضى / وأُدرج الليلة في أثوابه
مضى على اهتضامه بغُصَّة / غصَّ بها الدهرُ مدى أحقابه
عاش غريباً بينها وقد قضى / بسيف أشقاها على اعترابه
لقد أراقوا ليلة القدر دماً / دماؤُها انصببن بانصبابه
تنزَّلُ الرّوح فوافى روحَه / صاعدةً شوقاً إلى ثوابه
فضجَّ والأملاك فيها ضجَّةً / منها اقشعرَّ الكونُ في إهابه
وانقلب السلامُ للفجر بها / للحشر إعوالاً على مُصابه
الله نفسُ أحمدٍ من قد غدا / من نفس كلِّ مؤمنٍ أولى به
غادرهُ ابنُ ملجمٍ ووجههُ / مُخضَّبٌ بالدم في محرابه
وجهٌ لوجه الله كم عفَّره / في مسجدٍ كان أبا ترابِه
فاغبرَّ وجه الدين لاصفراره / وخُضِّب الإيمان لاختضابه
ويزعمُون حيثُ طلوا دمهُ / في صومهم قد زيد في ثوابه
والصومُ يدعو كلَّ عامٍ صارخاً / قد نضحوا دَمي على ثيابه
إطاعةٌ قتلُهم مَن لم يكن / تُقبلُ طاعاتُ الورى إلاَّ به
قتلتُم الصلاة في محرابها / يا قاتليه وهو في محرابه
وشقَّ رأس العدل سفُ جوركم / مُذ شقَّ منه الرأس في ذبابه
فليبك جبريلُ له ولينتحب / في الملأ الأعلى على مُصابه
نعم بكى والغيثُ من بُكائه / ينحبُ والرعدُ من انتحابه
منتدباً في صرخةٍ وإنَّما / يستصرخ المهديّ في انتدابه
يا أيها المحجوبُ عن شيعته / وكاشف الغُمّى على احتجابه
كم تغمد السيف لقد تقطَّعت / رقابُ أهلِ الحقّ في ارتقابه
فانهض لها فليس إلاَّك لها / قد سئم الصابرُ جرع صابه
واطلُب أباك المرتضى ممَّن غدا / مُنقلباً عنهُ على أَعقابه
فهو كتاب الله ضاع بينهم / فاسأل بأمر الله عن كتابه
وقل ولكن بلسان مُرهفٍ / واجعل دماء القوم في جوابه
يا عُصبة الإلحاد أين من قضى / مُحتسباً وكنتِ في احتسابه
أين أمير المؤمنين أوما / عن قتله اكتفيت في اغتصابه
لله كم جُرعة غيظٍ ساغها / بعد نبيّ الله من أَصحابه
وهي على العالمِ لو توزَّعت / أشرقت العالمَ في شرابه
فابغَ إلى أحمدَ ثقل أحمدٍ / وقُل له يا خير مَن يُدعى به
إنَّ الأُلى على النفاقِ مَرَدوا / قد كشفوا بَعدك عن نِقابِه
وصيَّروا سَرح الهُدى فريسةً / للغيِّ بين الطلسِ من ذِيابه
وغادروا حقَّ أخيك مُضغةً / يلوكها الباطلُ في أنيابِه
وظلَّ راعي إفكهم يحلبُ مِن / ضرع لبون الجور في وطابه
فالأمَّةُ اليومَ غدت في مَجهلٍ / ضلَّت طريقَ الحقِّ في شعابه
عادوا بها بَعدك جاهليَّةً / مذ قتلوا الهادي الذي تُهدى به
لم يتشعَّب في قريش نسبٌ / إلاَّ غَدا في المحضِ مِن لُبابه
حتَّى أتيت فأَتى في حسبٍ / قد دخلَ التنزيلُ في حسابه
فيا لها غَلطةُ دهرٍ بعدها / لا يَحمدُ الدهر على صوابِه
مشى إلى خُلفٍ بها فأصبحت / أَرؤُسهُ تتبع من أَذنابِه
وما كفاهُ أن أرانا ضِلَّة / وِهادهُ تعلو على هِضابه
حتَّى أرانا ذئبَه مُفترساً / بين الشبولِ لَيثه في غابِه
هذا أَميرُ المؤمنين بعدما / ألجأهم للدين في ضِرابه
وقادَ من عُتاتِهم مَصاعباً / ما أسمَحت لولا شبا قِرضابه
قد أَلفَ الهيجاءَ حتَّى ليلها / أغرابه يأنس في عُقابه
يمشي إليها وهوَ في ذِهابِه / أشدُّ شوقاً منه في إيابه
كالشبلِ في وثبتهِ والسيفُ في / هبَّته والصلُّ في انسيابه
أرادهُ مَن لو لحَظته عينهُ / في مأزقٍ لفرَّ من إرهابه
ومرَّ من بين الجموعِ هارباً / يَودُّ أن يَخرجَ من إهابِه
وهوَ لعمري لو يشاءُ لَم ينَل / ما نال أشقى القوم في آرابه
لكن غدا مُسلِّماً مُحتسِباً / والخير كلّ الخير في احتسابه
صلَّى عليه الله من مضطهدٍ / قد أغضبوا الرحمن في اغتصابِه
أَهاشمُ تَيمٌ جلَّ منكِ ارتكابُها
أَهاشمُ تَيمٌ جلَّ منكِ ارتكابُها / حرامٌ بغير المُرهفاتِ عتابُها
هي القُرحةُ الأُولى التي مضَّ داؤها / بأحشاكِ حتَّى ليس يبرى انشعابُها
لقد أوجعتْ منكِ القلوبَ بلسعِها / عقاربُ ضِغن أعقبَتها دبابها
إلى الآن يَبرى سمُّها منكِ مهجةً / بإبرتِها قد شُقَّ عنها حِجابها
كأن لم يكن ضدًّا سواه مقاوِماً / حياتَكِ مقصوراً عليها ذِهابُها
لها الغدرُ لم تسلَم لباري نفوسِها / فتُلوى لمن وُلي عليها رِقابها
ولا صدَّقت يوماً بما في كتابِه / فتخشى الذي يَحصي عليها كتابُها
ولا آمنتْ باللهِ لم يغدُ في الورى / بإِمرةِ مولى المُؤمنين خِطابها
علتْ فوق أعوادِ الرسول لبيعةٍ / بها مِن ثقيل الوزر طال احتقابها
تُقلِّب بين المسلمين أناملاً / تُريكَ عن الإِسلام كيف انقلابُها
أعدْ نظراً نحو الخلافة أيّما / أحقُّ بأن تضفو عليه ثيابها
أَمن هو نفسٌ للنبي أم التي / له كان داءاً سِلمُها واقترابها
ومن دحرجَ الأعداءَ عنه أم التي / له دُحرجت تحتَ الظلامِ دُبابُها
يقولون بالإِجماع وُلِّي أمرها / ضئيلُ بني تيم ليُنفى ارتيابها
وهل مَدخلاً للرُشد أبقى وفيه مِن / مدينةِ عِلم الله قد سُدَّ بابها
بَلى عدِلتْ عن عَيبةِ العِلم واقتدت / بمن مُلئت من كل عيبٍ عيابها
ولو لم يكن عَبدٌ مِن الله لم تَنَلْ / ولا لعقةً ممَّا تحلَّت كلابها
فللهِ ما جرَّت سقيفةُ غيِّها / على مرشديها يومَ جَلَّ مُصابها
بها ضَربتْ غَصباً على مُلكِ أحمدٍ / بكفِّ عَديٍّ واستمرَّ اغتِصابُها
إلى حيث بالأَمرِ استبدَّت أُميَّةٌ / فأَسفرَ عن وجهِ الضَّلالِ نقابها
وأبدت حقودَ الجاهلية بعد ما / لخوفٍ من الإِسلام طال احتجابها
وسلَّت سيوفاً أَظمأَ الله حدَّها / فأَضحى إلى دمُ الهادين وهو شَرابها
فقل لِنزارٍ سوِّمي الخيل إنَّها / تحنُّ إلى كرِّ الطِراد عِرابُها
لها إن وهبتِ الأرض يوماً أَرَتكِها / قد انحطَّ خلفَ الخافِقينِ ترابها
حرامٌ على عينيكِ مضمضةُ الكَرى / فإنَّ لَيالي الهمِّ طال حسابها
فلا نومَ حتَّى توقَد الحرب منكُم / بملمومةٍ شهباء يُذكي شهابها
تَساقى بأفواهِ الضُبا مِن أُميَّةٍ / مُدام نجيعٍ والرُؤس حُبابها
كأنَّ بأيديها الضُبا وبنودُها / إلى مهج الأبطالِ تَهوي حِرابها
فِراخُ المنايا في الوكور لرِقِّها / قد التقَطت حبَّ القلوبِ عقابُها
عَجبتُ لكم أن لا تجيش نفوسكم / وأَن لا يقيئَ المرهفاتِ قِرابها
وهذي بنو عَصَّارة الخمرِ أصبحت / على مِنبر الهادي يَطنُّ ذُبابها
رَقدتِ وهبَّت منكِ تطلبُ وِترها / إلى أن شَفى الحِقد القديم طِلابُها
نَضت مِن سواد الثُّكل ما قد كسوتها / وأصبحنَ حُمراً من دِماكِ ثيابها
أَفي كلِّ يومٍ منكِ صدرُ ابن غابةٍ / تَبيت عليهِ رابضاتٍ ذيابها
يُمزِّق أَحشاءَ الإِمامةِ ظِفرها / عِناداً ويُدمى من دم الوحي نابُها
لكِ الله من موتورةٍ هانَ غَلبُها / وعهدي بها صَعب المرام غلابها
كأَن من بني صَخرٍ سيوفك لم تكن / مَقامَ جفونِ العين قام ذبابها
وحَتَّى كأن لم تنتثر في صدورِها / أنابيب سمرٍ لم تَخنك حِرابُها
أَفي الحقِّ أن تحوي صفايا تراثكم / أَكفٌّ عن الإِسلامِ طال انجذابها
وتَذهب في الأحياءِ هدراً دماؤكم / ويبطل حتَّى عند حَربِ طِلابها
هَبوا ما على رُقشِ الأفاعي غَضاضةً / إذا سلَّ منها ذات يوم إهابها
فَهل تصفح الأَفعى إذا ما تلاقيا / على تِرةٍ كفُّ السليمِ وَنابها
أيخرجها من مستكنِّ وِجارها / ويَصفو له بالرغم منها لَصابها
ويَطرِقها حتَّى يدمِّي صماخَها / بكفٍّ له أَثَّرنَ قدماً نيابها
وتنساب عَنه لَم تساوِر بَنانَه / بِنهشٍ ولم يَعطب حشاه لعابها
فما تلكَ مِن شأنِ الأفاعي فلِم غَدتْ / بها مُضر الحمراء ترضى غضابها
أَصبراً وأَعرافُ السوابق لم يَكن / من الدّم في ليلِ الكفاحِ اختضابُها
أَصبراً ولم تُرفع من النقع ضلّةٌ / يُحيل بياضَ المشرقين ضُبابها
أَصبراً وسمرُ الخَطِّ لا متقصِّدٌ / قَناها ولم تندقّ طعناً حِرابها
أَصبراً وبيضُ الهندِ لم يُثن حدّها / ضِرابٌ يَردّ الشوس تُدمى رقابها
وتِلكَ بأَجراعِ الطفوفِ نِساؤكم / عَليها الفلا اسودَّت وضاقت رحابها
وتِلكَ بأَجراعِ الطفوفِ نِساؤكم / يَهدُّ الجبالَ الراسيات انتحابُها
حَواسرَ بين القوم لم تلقَ حاجباً / لها اللهُ حَسرى أين منها حِجابها
كجمرِ الغَضا أكبادُهنَّ من الظما / بِقفرٍ لُعاب الشمسِ فيه شرابُها
تُردِّدُ أنفاساً حِراراً وتَنثني / لها عبراتٍ ليسَ ينثني انصبابها
فَهاتيكَ يُحرقن الغوادي وهذِه / يَنوب منابَ الغاديات انسكابها
هواتفُ من عَليا قريشٍ بعصبةٍ / قَضوا كسيوفِ الهند فُلَّ ذُبابها
مَضوا حيثُ لا الأقدامُ طائشة الخطا / ولا رُجّح الأحلام خَفَّت هضابُها
تُطارِحهم بالعَتبِ شجواً وإنَّما / دَماً فجّر الصخر الأصمّ عتابها
تنادي بصوت زلزل الأرض في الورى / شجى ضعفه حتَّى لَخيف انقلابها
أفتيان فِهرٍ أين عن فتياتِكم / حميَّتكم والأُسد لم يُحم غابها
أفتيان فِهرٍ أين عن فتياتِكم / حفيظتكم في الحرب أن صرَّ نابها
أتصفرُّ من رعبٍ ولم تنض بيضكم / فيحمرَّ من سُود المنايا إهابُها
وتقهرها حربٌ على سلب بُردِها / وأرجُلها بغياً يُباح انتهابها
وتتركها قسراً ببيداءَ من لظى / هواجرها كادت تذوب هضابها
على حين لا خدرٌ تقيلُ بِكسره / عن الشمس حيث الأرض يغلي ترابها
فوادحُ أجرى مقلة الأرض والسَّما / دماً صَبغت وجه الصعيدِ مصابُها
فيا من هُم الهادون والصفوةُ التي / عن اللهِ قُرباً قاب قوسين قابها
عليكم سلامُ اللهِ ما ديمُ الحيا / مَرتها صَبا ريح فدرَّ سحابها
يا آل فِهرٍ أين ذاك الشبا
يا آل فِهرٍ أين ذاك الشبا / ليست ضُباكِ اليوم تلك الضُبا
للضيم أصبحت وشالَت ضُحًى / نَعامةُ العزِّ بذاك الإِبا
فلستِ بعد اليوم في حبوةٍ / مثلُكِ بالأمس فحليّ الحُبا
فعزمُك انصبَّ على جَمرِه / دمُ الطلى منك إلى أن خَبا
ما بقيت فيكِ لمُستنهِضٍ / بقيَّةٌ للسيف تُدمي شَبا
ما الذلَّ كلّ الذل يوماً سِوى / طرحكِ أثقال الوغى لُغّبا
لا يُنبت العزَّ سوى مَربع / ليس به بَرق الضبا خُلَّبا
ولم يطأ عرش العُلا راضياً / مَن لم يطأ شوكَ القنا مغضبا
حيَّ على الموتِ بني غالبٍ / ما أبرد الموت بِحرِّ الضبا
لا قرَّبتك الخيل مِن مطلبٍ / إن فاتكِ الثأرُ فلن يُطلبا
قُومي فأما أَن تُجيلي على / أشلاءِ حربٍ خيلك الشُزَّبا
أَو ترجعي بالموت محمولةً / على العوالي أغلباً أَغلبا
ما أَنتِ للعلياء أَو تَقبلي / بالقُبِّ تنزو بكِ نزو الدبى
تقدمُها من نَقعِها غُبرةٌ / تُطبّقُ المشرقَ والمغربا
يا فِئَةً لم تدرِ غير الوَغى / أُمًّا ولا غير المراضي أَبا
نومكِ تحت الضيم لا عن كرًى / أسهر في الأجفان بيضَ الضُبا
أللهُ يا هاشمُ أين الحمى / أينَ الحفاظُ المرُّ أين الإِبا
أَتشرقُ الشمس ولا عينُها / بالنقع تعمى قبل أن تغربا
وهي لكم في السبي كَم لاحظت / مصونةً لم تبدُ قبل السِبا
كيف بناتُ الوحي أعداؤكم / تدخل بالخيلِ عَليها الخِبا
ولم تَساقط قطعاً بيضكم / وسمرُكم لم تنتثر أكعُبا
لقد سَرت أسرى على حالةٍ / قلَّ لها مَوتُكِ تحت الضُبا
تُساقطُ الأدمعَ أجفانها / كالجمر عن ذوبِ حشاً أُلهبا
فدمعُها لو لم يكن مُحرقاً / عادَ به وجه الثرى مُعشبا
تَنعى أفاعي الحيَّ مَن كم وطوا / مَن دبَّ بالشرِّ لهم عقربا
تنعى بَهاليلاً تسلُّ الوغى / مِن كلِّ شهمٍ منهم مِقضبا
تنعى الأُلى سُحب أياديهمُ / تَستضحك العامَ إذا قطَّبا
تنعاهُم عطشى ولكن لهم / جَداولُ البيض حلت مشربا
خُطَّت بأطرافِ العوالي لهم / مضاجعُ تسقى الدمَ الصِّيبا
سل بهم أما تسل كربلا / إذ واجهوا فيها البلا المُكربا
دكُّوا رُباها ثم قالوا لها / وقد جَثوا نحنُ مكان الرُبا
يا بأبي بالطف أشلاؤُها / تنسج في الترب عليها الصَبا
يا بأبي بالطف أوداجُها / للسيف أضحت مرتعاً مُخصبا
يا بأبي بالطف أحشاؤها / عادت لأطرافِ القنا مَلعبا
جاز النسيم على الغيد الرعابيب
جاز النسيم على الغيد الرعابيب / فجاء يحمل منها نفحةَ الطيب
هي الظِبا بضُبا الألحاظ صرعت / ليثاً فأضحى لديها غيرَ مطلوب
بما استحلت فتاة الحيّ سفك دمي / واستعذبت في مِطال الوصل تعذيبي
هب حسن يوسف فيها مودعٌ أولم / يكن لها في فؤادي وجدُ يعقوبِ
وأغيد منسوب إلى العُرب لاح لي
وأغيد منسوب إلى العُرب لاح لي / على خدّه خالٌ إلى الزنج ينسب
وما نظرت عيناي كالخال مبتلًى / مقيماً على نارٍ من الخدّ تلهب
فتلدغه أفعى من الجعد تارةً / وتلسبه طوراً من الصدغ عقرب
خطرت في رداء حسنٍ قشيبٍ
خطرت في رداء حسنٍ قشيبٍ / تتثنَّى كغصن بانٍ رطيبِ
خلتُ لمَّا تفاوحَ المسكُ منها / فُضَّ في رحلنا لَطيمة طيبِ
وتراني إذا رشفت لُماها / لم أخلهُ إلاَّ جنا يعسوبِ
فاعتنقنا شوقاً وبِتنا نشاوى / من كؤوس الكرى بغير رقيبِ
لا تلمني يا صاحِبي في هَواها / لعِبَ الشوق في فؤادي الطروبِ
نفحاتُ السرورِ أحيت حبيبنا
نفحاتُ السرورِ أحيت حبيبنا / فحبتنا من النسيب نصيبا
وأعادت لنا صريعَ الغواني / يسترقُّ الغرامَ والتشبيبا
غادرتنا نجرُّ رجلَ خليعٍ / غَزلٍ كالصبا يعدُّ المشيبا
نعّمتنا بناعم القدّ غضّ / قد كساه الشبابُ برداً قشيبا
زارنا والنسيمُ نمَّ عليه / فكأَنَّ النسيمَ كان رقيبا
رشأٌ عاطشُ الموشح ريَّا / نُ بماء الصِّبا يميس قضيبا
ما نضى برقعَ المحاسن إلاَّ / لبس البدرُ للحياءِ الغروبا
فعلى بانةٍ يجيلُ وشاحاً / وعلى نيِّرٍ يزرُّ جيوبا
لو رأت نارُ وجنتيه النصارى / عبدت كالمجوس منها اللهيبا
أَو لحاها قسّيسها لأتت تو / قد فيها ناقوسَها والصليبا
كم لحاني العذولُ ثم رآه / فغدا شيِّقاً إليه طروبا
جاءَني لائماً فعاد حسوداً / ربَّ داءٍ سرى فأَعدى الطبيبا
يا نديمي أطربتَ سمعي بلمياءَ / ويا ربِّ زِدتني تعذيبا
لي فيها جعلتَ ألفَ رقيبٍ / ولشهب السما جعلت رقيبا
ذاتُ قدٍّ تكاد تقصف منه / نسماتُ الدلال غصناً رطيبا
فأعد ذكرها لسمعي فقلبي / كادَ شوقاً لذكرها أن يذوبا
غنِّ لي باسمها على نُقُلِ الراح / وزدني أفدي لك العندليبا
بربيبٍ حوى بديعَ جمالٍ / فيه قد أخجل الغزالَ الربيبا
كَفِلاً ناعماً وطرفاً كحيلاً / وحشًى مُخطفاً وكفًّا خضيبا
وَكوَرد الرياض وجنةُ خدٍّ / يقطفُ اللثمُ منه ورداً عجيبا
كلّما طلّه الحيا بنداه / رشَّ ماءً فبلَّ فيه القلوبا
يا بعيداً أثمرنَ منه أعالي / غُصنِ القدِّ لي عِناقاً قريبا
ما أجدَّ الفتورُ لحظَكَ إلاَّ / وبلبّ اللبيب كان لعوبا
أو بخديك عقربُ الصدغ دبَّت / فبقلبي لها وجدتُ دبيبا
لم تزل تألفُ الكثيبَ وقلبي / يتمنَّى بأن يكون الكثيبا
أنتَ ريحانةُ المشوقِ ولكن / جاءَنا ما يفوق ريَّاكَ طيبا
فَلَنا من محمدٍ بشذاه / نسماتُ الإِقبالِ طابت هُبوبا
نفحتنا أعطافهُ فانتشقنا / أرجاً عطَّر الصَبا والجَنوبا
أكثرت شوقها إليه القوافي / فأقلَّت للمدح فيه النسيبا
ودعت يابن أعلم القوم بالله / ويا أكمل الورى تهذيبا
لحظاتُ الإِله في الخلق أنتم / وابنُ ريبٍ من ردَّ ذا مُستريبا
ومتى تنتظم قنا الفخر كنتم / صدرها والكرامُ كانوا كعوبا
وإذا أذنبَ الزمانُ فأنتم / حسناتٌ له تحطّ الذنوبا
بَردت بالهنا ثغورُ المعالي / وجلى الابتسامُ منها الغروبا
ووجوه الأيام قد أصبحت تخ / طب حُسناً وكنَّ قبل خُطوبا
ضحكت بهجةً بلامع بِشرٍ / لم تدع للتقطيب فيه نصيبا
ليت شعري أكان للنجف الأش / رف أم للفيحاء أجلى شحوبا
فرح طافت المسرَّة فيه / فأزالت عن القلوب الكروبا
فتعاطت على اختلاف هواها / ضَرباً هذه وتلك ضَريبا
فأدر لي يا صاحبي حَلب البشر / المُصفَّى واترك لغيري الحليبا
أيها القادمُ الذي تتمنى / كلُّ عينٍ رأته أن لا يغيبا
قد شهدن الفجاج أنَّ بتقوي / ضك للجود في الفلا تطنيبا
كلّ فجٍّ لم ترتحل منه إلاَّ / وأقمتَ السماح فيهِ خَطيبا
قد بذلت القِرى لها وسقاها / بك ربُّ السماءِ غيثاً سكوبا
فكفاها خصباً بأنَّك فيها / سرتَ والغيثَ تقتلان الجُدوبا
يابن قومٍ يَكاد يمسكها الرك / ن كما يمسك الحبيبُ الحبيبا
بك باهى مقامُ جدّك إبرا / هيمَ لمَّا أن أقمت فيه مُنيبا
مسَّ منه مناكباً لك مسَّت / ه وأخلق عنه بها أن تنوبا
ولو أنَّ البطحاء تملكُ نُطقاً / لسمعت التأهيلَ والترحيبا
منك حيّت عمر والعُلى ذلك المُ / كثر للضيف زادَه والمطيبا
وأرتها شَمائلَ لك راقت / أنَّ شيخ البطحاءِ قامَ مهيبا
واستهلَّت طير السماءِ وقالت / مشعُ الطير جاء يطوي السُّهوبا
إنَّ هذا لشيبة الحمد أولى / فابن مَن سادهم شباباً وشيبا
شرفاً يا بني الإِمامةَ قد ألّ / ف مَهديُّها عليها القلوبا
فيه بانت حقائق الفضل للنا / س وكنَّ الأسماءَ والتقليبا
وإليه رياسة الدين آبت / وقُصارى انتظارُها أن تؤوبا
كلَّما عنَّ مشكلٌ حضرته / فكرةٌ فيه أطلعته الغيوبا
أحزمُ العالمين رأياً وأقوا / هم على العاجمين عوداً صليبا
يا أبا الأنجمِ الثواقبِ في الخط / ب بقلب الحسود أبقوا ثُقوبا
إنَّ مَن عن قِسيّ رأيك يَرمي / لجدير سهامهُ أن تصيبا
حلف المجدُّ فيك لا يلد الدهرُ / لهم في بني المعالي ضريبا
لست أدري هل الصوارمُ أم أل / سنهم في الخِصام أمضى غُروبا
والغوادي للعام أضحكُ أم أي / ديهم البيضُ حين تأبى قطوبا
خير ما استغزر الرجا جعفرَ الجودِ / وَناهيك أن ترودَ وهوبا
لو بصغرى البنان ساجل بحراً / لأرى البحرَ أنَّ فيه نُضوبا
أريحيٌّ أرقُّ طبعاً من الزه / ر المندَّى باكرته مستطيبا
عجباً هزَّه المديحُ ارتياحاً / واهتزازُ الأطوادِ كان غريبا
هو في طيب ذكره صالحُ الفعل / لقد طاب مَحضراً ومغيبا
أطهر الناسِ مئزراً ورداء / الغيب أنقى على العفاف جيوبا
خُلقه أسكر الزمانَ ولكن / لم يكن في كؤوسه مسكوبا
قل لِمن رامَ شأوَه أين تَبغي / فقد تعلَّقت ظنّك المكذوبا
أوما في الحسين ما قد نهاكم / أن تطيلوا وراءهُ التقريبا
سادة للعُلى يرشّحها المجدُ / وليداً وناشئاً وَرَبيبا
زعماءُ الأنام قد ضرب الفخرُ / عليهم رِواقَه المحجوبا
سمروا في قباب مجدٍ أعدُّوا / حارسيها الترهيبَ والترغيبا
كلّ سبطِ البنان في الشتوة الغب / راء يأبى عنها الحيا أن ينوبا
حيّ بسامةَ العشيّ تُفدّي / بوجوهٍ كم قد دجت تقطيبا
كم دعاها الرجا فأنشد يأساً / من سجايا الطلول أن لا تجيبا
لا عدى ميسم الهيجاءِ أُناساً / كان وسمُ المديح فيهم غريبا
صبغ الله أوجه البيض والصفر / بخطّ الذي يكون أديبا
كم أعارت محاسنُ الدهرِ قوماً / ملأُوا عيبةَ الزمان عُيوبا
أيّها اللامعاتُ فيهم غروراً / لابن دينارك استرقّي الخصيبا
كتب الطبع فيك نصراً من الخطّ / وفتحاً للأَعبياءِ قريبا
كم لبيبٍ بغير مُغنٍ ومُغنٍ / لأخي ثروةٍ وليس لبيبا
فأعد لي ودعهم ذكرَ قومٍ / لك مهما نشرته ازداد طيبا
عِترةَ الوحي ما أقلَّ ثنائي / إنَّ ظهر الإِنشاء ليس ركوبا
بل بصدر القول ازدحمنَ مزايا / كم فضيَّقنه وكان رحيبا
لم تزل منكم تقرُّ عيوناً / فرحاتٌ لكم تسرُّ القلوبا
فبثوب الزمان ليس سواكم / فالبسوه على الدوام قشيبا
حيتكَ سارقةُ اللحاظ من الظِبا
حيتكَ سارقةُ اللحاظ من الظِبا / تجلو المدامَ فحيّ ناعمةَ الصِبا
جاءتكَ تَبسمُ والبنان نقابُها / فأرتكَ بدراً بالهلال تنقّبا
وكأَنَّها هي حين زَفَّت كأسها / شمسٌ تزفُّ من المدامةِ كوكبا
عقدت على الوسط النطاقَ مفوَّقاً / ولوت على الخصر الوشاحَ مذهّبا
أحبب إليك بها عشيقةَ مُغرمٍ / راض العواذلُ شوقَه فتعصّبا
هي تلك لاعبةُ العشاء ومن لها / ألفت بناتُ الشوقِ قلبك ملعبا
أمسيتَ منها ناعماً بغريزةٍ / بنسيم ريَّاها تعطَّرت الصَبا
ونديمةٍ لك لو تغنَّى باسمها / حجر لرقَّصه غناها مطربا
سكبت بكأس حديثها من لفظها / راحاً ألذَّ من المدام وأعذبا
وترنَّمت هزجاً فأطربَ لحنُها / قُمريَّ مائسةَ الأراكِ فطرّبا
فكأَنَّما علمت بعرس المصطفى / فشدت غناً لابن الأراكةِ أطربا
في ليلةٍ طابت فساعةُ أُنسها / لم تلقَ عمرَ الدهر منها أَطيبا
وَفَدَ السرورُ بها لمغنى أصيدٍ / كرماً يحيي الوافدينَ مُرحّبا
شملت مسرَّته البريَّة كلَّها / إذ كان في كلِّ النفوس محبّبا
فكأَنَّ عُرس المصطفى فيه الورى / كلّ محمدُ صالحٍ أَن يطربا
قد عاد مغربُها يهنِّي شرقَها / فيه ومشرقُها يهنِّي المغربا
فرحوا وحقَّ لهم به أن يفرحوا / من حيثُ أنَّ الدهر فيه أغربا
في الشيب جاء به سروراً لم يجئ / في مثله مُذ كان مقتبلُ الصِبا
هو في الأنام صنيعةٌ مشكورة / للدهر ما صحبوا لِساناً معربا
للكرخ ناعمةَ الهبوب تحمّلي / منّي سلاماً من نسيمك أطيبا
وصلي إلى بيت قد انتجع الورى / منه جناباً بالمكارم مُعشبا
بيت على الزوراء يقطر نعمةً / فكأَنَّه بالغيث كان مطنَّبا
قولي إذا حييتِ فيه بالرضا / فسواكِ منه هيبةً لن يقرُبا
بشراكَ بسَّام العشيّ بفرحةٍ / ضحكت بها الدنيا إليك تطرُّبا
وجلا عليك اليمنَ فيها طلعةً / غرَّاء ساطع سعدها لن يغربا
فاسعد بقرّة ناظريك فقد غدا / في عُرسه المجدُ المؤثّلُ معجبا
أمقيلَ مَن لبس الهجير تغرُّباً / ومعرّسَ السارين تنزِعُ لغّبا
عجباً لهذا الدهر يصحب بُخلَه / ولجود كفّك ليس يبرح مُصحَبا
ويرى جبينك كيفَ يُشرقُ لِلندى / كرماً ويغدو الوجه منه مقطَّبا
أرحبتَ للأضياف دارةَ جفنةٍ / من دارة القمر الوسيعة أرحبا
وحملت عبء بني الزمان ولو به / يُعنى أبوهم لاستقالك مُتعبا
وأما ومجدك خلفةً لو لم يكن / للعالمين سجالُ جودك مشربا
نَزفَ اغترافُهم البحارَ وبعدها / ترك اعتصارهمُ الغمائمَ خُلّبا
فمتى تقوم بحارُها وقطارُها / لهم مقامك ما جرت وتصبَّبا
يفدي أناملكَ الرطيبة مُعجبٌ / في يبس أنملةٍ بعذلك أسهبا
لو مسَّ وجه الأرض يبسُ بنانه / لرأيته حتَّى القيامة مُجدبا
عذبت مذاقة لا بفيه لبخله / وبفيك طعمُ نعم غدا مستعذبا
فازدادَ حتَّى في مَعيشة نفسهِ / ضيقاً وللوفّاد زدتَ ترحّبا
تسع الزمانَ بجود كفّك باسماً / ويضيق صَدر الدهر منك مقطَّبا
لورعتَ مُهجة نفسه وَزحمته / لفطرتها وَحطمتَ منه المنكبا
وَلقد جريتَ إلى العَلاء بهمَّةٍ / لم ترضَ عالية المجرَّة مركبا
حلَّقت حيث الطرفُ عنك مقصرٌ / فصعدت حيث النجم عنك تصوَّبا
شهدت قناة المجد أنَّك صدرُها / وَعدا أخيك غدا الأماجدُ أكعبا
ما قمت يوم الفخر وحدك موكباً / إلاَّ وقامَ به مثالُك موكبا
أصبحت منتسباً لغرِّ أماجدٍ / ودَّت لهم شهب السما أن تُنسبا
هم أيكة الشرف التي منها الورى / ثمرُ السماحة ما اجتنوه مرجّبا
طابت أرُومتها العريقة في العُلى / وسقت مكارمُها ثراها الطيّبا
وكفى بجودك وهو أعدلُ شاهدٍ / يصف الذي من جودها قد غيبا
ولقد تحقَّقتُ اسمَ غادية الحيا / فوجدت معناه نداك الصيّبا
وأجلت فكري في اسم أنفاس الصَبا / فإذا به خلق الرضا قد لقّبا
سيماءُ عزِّك في أسرَّة وجهه / لله أنت فهكذا مَن أنجبا
زيّنت أُفق الفخر منك بكوكبٍ / ما كان أزهره بفخرك كوكبا
فالشمس قد ودَّت وإن هي أعقبت / قمرَ السماءِ نظيره أن تُعقبا
قد غاض فيضُ ابن الفرات لجوده / إذ كان أغزر من نداه وأعذبا
لا تطر كعباً واطوِ حاتم طيء / وانشر مكارمَه تجدها أغربا
واترك له معناً على ما فيه من / كرمٍ فمعنٌ لو رآه تعجَّبا
ودع الخصيب فلو تملَّك ملكه / الهادي لجاد به لفرد أتربا
الجامع الحَمد الذي لم يجتمع / والواهبُ الرفدَ الذي لن يُوهبا
خلقتَ أدرَّ من السحائب كفُّه / بل أُنشأت منها أعمَّ وأخصبا
هو خير من ضمَّت معاقدُ حبوةٍ / وأخوه فخراً خير من عَقد الحُبا
طلعا طلوعَ النيرين فما رأى / أُفق المكارم مُذ أنارا غيهبا
فعُلاهما في المجد أبعدُ مرتقًى / ونداهما للوفد أقربُ مطلبا
أبقيَّةَ الكرم الذين سواهم / لم يتَّخذ نهجُ المكارم مذهبا
لا زلتم في نعمةٍ ومسرَّةٍ / ما دام ظهر الأرض يحمل كبكُبا
يا نسيمَ الصبا وريحَ الجنوبِ
يا نسيمَ الصبا وريحَ الجنوبِ / روّحا مُهجتي بنشر الحبيبِ
إنَّ روحَ المحبوب رَوحٌ لقلبي / ما لقلبي آسٍ سوى المحبوبِ
وَعلى البعد منه إن تحملاه / فعليَّ انفحا به من قريبِ
لو سوى نشر يوسفٍ شمَّ يع / قوبُ إذاً لم يزَل جوى يعقوبِ
وعجيبٌ بميَّةٍ ذابَ قلبي / ويرى طبَّه بنشرِ المذيبِ
ليت يا عذبة اللمى من فؤادي / فيه أطفأتِ بعضَ هذا اللهيبِ
أو على السفح للوداع حبست ال / ركبَ مقدار لفتة من مُريبِ
منكِ لو نال ساعدي ضمَّةَ التو / ديع أدركتُ غاية المطلوبِ
وعلى المتن كان منكِ هلالاً / حين شرَّقتِ جانحاً للغروبِ
ما لطيف الخَيال ضاعف شوقي / حين وافى بوعده المكذوبِ
فيه جاءت من بعد توهيمه الرك / ب حذاراً من عاذل ورقيبِ
قلتُ أنَّى وفت فعاد نصيبي / وصلُها والمِطال كانَ نصيبي
بينما في العناق قد لفَّنا الشو / قُ ضجيعين في رداء قشيبِ
وإذا الوصل في انتباهي أراه / سرق الإِفكَ من سرابٍ كذوبِ
أين منِّي ميّ وقد عوَّذَتها / غلمةُ الحيّ بالقنا المذروبِ
شمس خدرٍ حجابُها حين تبدو / جُنحُ ليلٍ من فرعها الغربيبِ
وهي عن بانةٍ تميسُ دلالاً / وهي ترنو عن طرف ظبي ربيبِ
وسوى البدر في الإِنارة لولا / كُلفةُ البدر ما لها من ضَريبِ
حسدتني حتَّى عيوني عليها / لو تذكَّرتها لأضحت تشي بي
أو سرت مُوهناً إليَّ لظنَّت / كلَّ نجمٍ في الأُفق عين رقيبِ
بُركت ليلةٌ تخيَّلت من أر / دانها عُطّرت بنشر الطيبِ
قلتُ ذا الطيبُ من كثيب حماها / حَملته لنا الصَبا في الهُبوبِ
قال لي الصحب من بشير أتانا / من حِمى الكرخ لا الحِمى والكثيبِ
مُخبراً عن محمدٍ كوكب المجد / سرى الدَّاءُ للحسود المريبِ
أيّهذا البشير لي حبَّذا أنت / بشيراً ببرءِ داءِ الحبيبِ
لو سواهُ روحٌ لجسمي لأَتحف / تك فيه وقلَّ من موهوبِ
لي أهديتَ فرحةً ما سرت قبلُ / ولا بعدُ مثلها في القلوبِ
عرسَ الدهرُ قبلها الذنبَ عندي / فغدا مثمراً بعفوٍ قريبِ
وغريبٌ من الزمان وما زال / لديه اختراع كلّ غريبِ
أن أراني وما أراني سواه / حسناتٍ تُجنى بغرس الذنوبِ
عجباً كيف أَولد النحسُ سعداً / شقَّ في نوره ظلامَ الخطوبِ
فمحيا الدنيا غدا وهو طلقٌ / ما بصافي بياضه من شحوبِ
ضاحكٌ من غضارة البشر أُنساً / وهو بالأمس موحشُ التقطيبِ
أيها الواخدُ المغلّس في عز / مٍ على الهول ليس بالمغلوبِ
صِل على الأمن ناجياً لمحلٍ / في ذرى الكرخ بالندى مهضوبِ
مستجارٌ بالعزِّ يحرس أَو با / لحافِظَينِ الترغيبِ والترهيبِ
وبه حيّ صفوةَ الشرف المحضِ / ربيعَ العُفاة عند الجُدوبِ
طيبُ الأصل فرعه في صريح ال / مجد يُنمى إلى نجيب نجيبِ
وافرُ البشر والسماح إذا المحلُ / بدا عامُه بوجهٍ قطوبِ
جاد حتَّى مسَّ الوفود من الأخ / ذ لغُوبٌ وما به من لغوبِ
في زمانٍ لو الخصيب به ين / شره الله لم يكن بالخصيبِ
قل له يا محمدٌ صالحٌ أَنت / لإِحراز كلِّ فضل غريبِ
ليس تنفكّ أنت واليمن في ظلّ / رواقٍ من العُلى مضروبِ
ولك السعدُ حيث كنت قرينٌ / لم يمل عنك نجمه لغروبِ
كمل الأُنس حين صرت تهنّى / بشفى أُنسك الأعزّ الحبيبِ
وأَخوك الذي قِداحُ المعالي / للمعلى منها حوى والرقيبِ
ماجد هُذّبت خلائقه في ال / مجد والفخرِ غايةَ التهذيبِ
ذو بنانٍ ندٍ ووجهٍ جميل / ولسانٍ طلقٍ وصدرٍ رحيبِ
فابقيا للعلاءِ ما بدت الشم / سُ ومالت في أُفقها للغروبِ
في سرورٍ صافٍ وطرف قريرٍ / ونعيم باقٍ وعيشٍ رطيبِ
عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا
عَجِلَ الصبَّ وقد هبَّ طروبا / فتعدَّى لتهانيك النسيبا
منكَ بدر المجد قَد ألهاه عن / رشأٍ زرَّ على البدر الجيوبا
بدر حسنٍ في دجًى من فرعه / ما أُحيلاهُ طلوعاً وغروبا
كم تصبَّى من أخي حُلمٍ وكم / من أخي لُبٍّ به جدَّ لعوبا
لستُ أدري إذ يعاطي كفُّه / خمرةً من لونها يبدو خضيبا
أَجلا لامعةً في كأسه / أم سنا وجنتهِ أبدى لهيبا
شادنٌ وفرته ريحانةٌ / نشرها ينفح للنُدمان طيبا
ما أدارَ الراحَ إلاَّ مثّلت / حول كسرى منه في الكأس ربيبا
لا تقل قطّب من سَورَتِها / مَن تعاطى رشفها كوباً فكوبا
بل رآه حول كسرى فاكتسى / وجهُه من سورة الغيظ قُطوبا
لك أخلاقٌ عدتني عن طِلاً / رشفها من فمه يحيي القلوبا
ولطبعٍ فيك من رقَّته / لي أنفاسُ الصَبا رقَّت هبوبا
عفتُ منه وجنةً رقَّت إلى / أن شكت من عقرب الصدغ دبيبا
يا نسيمَ الريح إنِّي لم أكن / لسواكَ اليومَ عنِّي مستنيبا
سر إلى البصرة واحمل عن فمي / كلماً أعبق من ريَّاك طيبا
إنَّ في منتدى ربِّ حجًى / أَحرزَ السؤددَ مُذ كان ربيبا
طف بعبد الله فيه إنَّه / كعبةٌ حطَّت من الدهر الذنوبا
واعتمد طلعتَه الغرَّا وقل / بوركت من طلعةٍ تجلو الكروبا
أيُّها الثاقب نوراً كلَّما / قصدوا إطفاءه زاد ثُقوبا
أخصبت ربعَك أنواءُ الهنا / فبنوء الجود لم يبرح خصيبا
خير ما استثمرته غصن عُلاً / لك أنماه النهى غضًّا رطيبا
قد نشا في حجر علياكَ التي / رضع السؤددَ منها لا الحليبا
ذاك عَبد الواحد المالئ في / عزّه قلبَ أعاديه وجيبا
شبلك المخدر في عِرِّيسةٍ / ترهب الليث ولو مرَّ غضوبا
اصطفى المجدُ له مُنجِبةً / واصطفى منه لها كفواً نجيبا
وعلى نسلهما من قبل أن / يلداه قيل بارك كي يطيبا
فلكَ البشرى بعرسٍ سعدُه / في محيَّا الدهر ما أبقى شحوبا
مسحت قلبَ العُلى فرحتُه / بيدٍ ما تركت فيه نُدوبا
قم فهنِّي المجدَ يا سعدُ بمن / مثله لم يصطف المجد حبيبا
وعن الحسَّاد لا تسأل وقل / مهجٌ لاقت من الوجد مذيبا
قد أبات القومَ في غيظهم / يتجافون على الجمر جنوبا
خطبوا مجدكَ يا مَن كم به / عنهم قد دفع الناسُ الخطوبا
وجروا خلفك للعَليا وكم / فُتَّ مطلوباً وأدركت طَلوبا
فاتهم منك ابن مجدٍ لم يزل / في العُلى أطولَهم باعاً رحيبا
أينَ من في الأرض ممَّن عقدت / بنواصي الشهب علياه الطنوبا
حسدت شهبُ الدراري وجهه / إذ له ما وجدت فيها ضريبا
وغدا الأُفق الذي زِينَ بها / يتمنَّى فيه عنها أن ينوبا
يا بني العصر دعوا ضَربكم / بقداحٍ قط لم تحرز نصيبا
فبأعشار العُلى فاز فتًى / كان كفَّاه المعلَّى والرقيبا
أروعٌ وقّر ناديه النهى / فبصر الدهر لم يبرح مَهيبا
ما النسيم الغضُّ يسري سحراً / مُنعشاً في بُردِ ريَّاه القلوبا
لكَ أذكى من سجاياه شذاً / فانتشق زهر المعالي مستطيبا
فلبسَّام العشيَّات فِدًى / أوجهٌ تدجو على الوفد قطيبا
ولرطب الكفّ في الجدب وقًى / كفُّ قومٍ جفَّ في الخصب جدوبا
شنَّجته علةُ البخل فلا / طبَّ أو يغدو له السيفُ طبيبا
أغربت أوصاف ذي مجدٍ حوى / من مزايا المجد ما كان غريبا
أين ما يسري سرى شوقُ الورى / فهو يقتاد الحشا منها جنيبا
وهو بحرٌ ولهذا فمه / يقذف اللؤلؤَ في النادي رطيبا
وهو الغيثُ وأجدر أن ترى / علّم الغيثَ نداه أن يصوبا
أين منه معدل الضيف إذا / لِقراه التمس المسنى المطيبا
وإذا ضرع الغوادي جفَّ في / شتوةٍ واغبرَّت الأرض جَدوبا
بسط الكفَّ بها ثم دعى / دونكم حافلةَ الضرع حلوبا
وغدا يطربُ إذ يسمعها / للقِرى هدَّارة الغلي غضوبا
رثّ بردُ الحمدِ لولا ملِكٌ / كلّ آن يلبسُ الفخرَ قشيبا
أطربَ المدحَ إليه أنَّه / فاتحٌ سمعاً إلى المدح طروبا
عربيّ الذوق يستحلي التي / من عَذارى الشعر جاءته عَروبا
خطب الأبكارَ مشغوفاً بها / فأقام الجودَ في الدنيا خطيبا
فهو عذريّ الهوى في عذرها / وهي من شوقٍ له تطوي السهوبا
أبداً تدعو له قائلةً / لا رأت شمسُ معاليكَ الغروبا
ذخرتُك لي إن نابَني الدهرُ مُرهفا
ذخرتُك لي إن نابَني الدهرُ مُرهفا / على ثقةٍ فيه أصولُ على الخطب
وقلتُ أبي والأمر لله إن مضى / فعنه أخي والحمدُ لله لي حسبي
وبتُّ لنفسي عنه فيكَ مُسلّياً / وعينُ رجائي فيكَ معقودةُ الهُدب
فلمَّا عليَّ الخطبُ ألقى جِرانَه / وسدَّ بعيني واسعَ الشرقِ والغرب
نزلتُ بآمالي عليكَ ظوامياً / وقلتُ رِدِي قد صرت للمنهل العذب
عهدتُكَ عنِّي في العظائِم ناهِضاً / بأثقالِها فَرَّاجَ مُعضلة الكرَب
وكان رجائي منك ما يُكمد العدى / فعادَ رجائي إن تدومَ على الحبّ
فكيفَ وأنتَ السيفُ حدًّا ورونقاً / ونَيتَ على أنِّي هَززتُك بالعتب
كلَّما زادكَ المحبُّ اقترابا
كلَّما زادكَ المحبُّ اقترابا / زدتَ عنه تباعداً واجتنابا
شيمةٌ ليست العُلى ترتضيها / للذي كانَ هاشميًّا لُبابا
يا هماماً ضَربنَ في طينةِ العل / ياء أعراقُه فطبنَ وطابا
لا تَسم هذه الأواصر قَطعاً / ليس ذا اليومُ يومَ لا أنسابا
كيف تُغضي وقد سمعت عتاباً / لم أخلني عدوتُ فيه الصوابا
هل أتى غير مُفهمٍ عن قصورٍ / أم تُراني أسأت فيه الخطابا
أو تَثاقلتَ عن مَلالٍ وحاشا / كَ فكانَ السكوتُ منك جوابا
كان ظنِّي بأن على إثر إن نا / ديتُ أغدو بما رجوتُ مُجابا
فإذا بي أتابعُ الرسلَ تَترى / بكتابٍ للعتب يَتلو كِتابا
لستُ أسخو بأن يقولَ لساني / مسَّ بعضُ التغيير ذاكَ الجَنابا
يا تنزَّهتَ عن تَطرّق ظَنٍّ / بسجاياكَ أن تحولَ انقلابا
قد أبت تلكُم الخلائقُ حتَّى / للعِدى أن تكون إلاَّ عذابا
سؤتني يا نسيجَ وحدِك حدًّا / فَنسجتُ القريضَ فيك عتابا
إن تجدني أطلتُ نحوكَ تِردا / دِيَ بالعَتبِ جيئةً وذهابا
فلوِدٍّ شكا وأيأسُ شاكٍ / مَن يُداوي بعتبهِ الأَوصابا
اسلَم وحضرتُكَ المُهابه
اسلَم وحضرتُكَ المُهابه / للنَّاسِ أمنٌ أو مثابه
أنتَ الهزبرُ وإنَّما / لك حوزةُ الإسلامِ غابَه
وستَغتدي لك أو غَدت / عن صاحبِ الأمرِ النيابه
انظر إلى أملٍ أناخَ / ببابِك العالي ركابَه
يا مَن إذا مُضَرُ انتمت / لِعُلَى نمته في الذؤابه
وإذا هي انتضلت بأس / هم رأيها فلهُ الإصابه
وله مَكارمُ غَبَّرت / حتَّى بوجهِك يا عَرابَه
لا يستطيعُ البحرُ يوماً / أن ينوبَ لنا منابَه
وله خِلالٌ في السماحةِ / ليس توجَدُ في السحابه
رجعَ الزمانُ إلى الصِبا / بكَ إذ أعدَت له شَبابه
أنت الذي اقتدحت بنو / فهرٍ به زندَ النجابه
عَقَدَت به عَلَمَ الفخارِ / فرفَّ منشورَ الذؤابه
سمعاً مقالةَ من أعدَّ / كَ للعظيمِ إذا أرابَه
يا مبدئ النَعما ليك / ملها أعدها مستطابه
فيدي وأنتَ مُطيلُها / قَصُرت فعجِّل بالإثابه
فالحزمُ شاوَرني وقا / لَ اهتُف به واحمد جوابه
قِفا حيَّيا بالكرخ عني ربيبَها
قِفا حيَّيا بالكرخ عني ربيبَها / فيا طيب ريَّاه الغداةَ وطيبَها
تفيأَ من تلك المقاصرِ ظلَّها / فعطَّر فيهنَّ الصَبا وجُنوبَها
غُزالٌ ولكن في الرُصافةِ ناشئٌ / وهل تألفُ الغزلانُ إلاَّ كثيبَها
فوالله ما أدري أزَرَّ جيوبه / على الشمسِ أم زرَّت عليه جُيوبها
تعشقتهُ نشوانَ من خمرةِ الصِبا / منعَّم أطراف البنانِ خضيبها
لو أنَّ النصارى عاينت نارَ خدِّه / إذاً أوقدت ناقوسَها وصليبها
يُرشِفنيها ريقةً عنبيَّةً / كخُلقِ أبي الهادي روت عنهُ طيبها
فتىً كلُّ فخرٍ إن ناظرنا قِداحَهُ / وجدنا مُعلاَّها لهُ ورقيبَها
تراهُ الورى في المحل فرَّاجَ خطبِها / ندىً ولدى فصلِ الخطاب خطيبَها
إلى الحسنِ اجتَبنا الفلا بنوازعٍ / خفافٍ سيُثقِلنَ الحقائبُ نيبَها
حلفتُ بأيديها لسوفَ أزيرُها / على الكرخ وضّاحَ العَشايا طروبها
إذا ما طرحنا الرحلَ عنها بربعهِ / غفرتُ لأيامِ الزمانِ ذُنوبها
يا مَن لويتُ به يدَ الخطبِ
يا مَن لويتُ به يدَ الخطبِ / وبه ثنيتُ طلايعَ الكربِ
ولقيتُ حدَّ الحادثاتِ به / فَفَللتُ ذا غربٍ بذي غرب
وأرحتُ آمالي بساحَتِه / فطرحتُ ثِقلَ الهمِّ عن قلبي
بُشرى لهاشمَ حيثُ سالمني / فيك الزمانُ وكان من حَربي
فلتشهدِ الدُنيا وساكنُها / أنِّي مخضتُ لخيرِهم وَطبي
وبحسبهم ذمًّا شهادتُها / أنِّي بغيرِك لم أقل حسبي
أنت الذي آباؤُه دَرجوا / وهمُ حُلِّيُ عواطل الحُقب
يتناقلون الفخرَ بينهم / ندبٌ لهم يرويه عن ندبِ
ما زالَ صبٌّ بالعَلاءِ لهم / يتورَّثُ العلياءَ من صبِّ
حتَّى ورثتَ عظيمَ سؤددِهم / كرَم الغيوثِ ورفعةَ الشُهب
فقبضتَ عن شرفٍ يدَ الجدب / وبسطتَ عن سَرفٍ يد الخصب
ومرى مكارمَك الثناءُ كما / يُمري النسيمُ حلائب السُحب
طبٌّ بأدواءِ الأمورِ لها / تَضَعُ الهناءَ مواضعَ النقبِ
يفديك كلُّ أخي يدٍ هي في / خصبِ السنين أليفةُ الجدب
لا بالوَلودِ ولا اللبونِ ولا / برؤومِ غيرِ الشُحِّ من سَقب
من لو عصبتَ بنانَ راحته / بالسيفِ ما درّت على العصب
ما الريحُ ناعمةَ الهُبوبِ سرت / سَحراً على نُزَهٍ من العُشب
بأرقَّ منك خلائقاً كرُمَت / ممزوجةُ الصهباء بالعذب
قد جنى لي الزمانُ أعظمَ ذنبٍ
قد جنى لي الزمانُ أعظمَ ذنبٍ / وغدا عنه شاعلي أن يتوبا
بخطوب يقولُ مَن قد عنته / هكذا تُفحِمُ الخُطوبُ الخَطيبا
ليت شعري بما اعتذارُ مُحبٍّ / قد بدا منه ما يسوء الحبيبا
فتأمل في قصتي وتعجَّب / أفهل هكذا رأيت عجيبا
أنا مستغفرٌ وقد أذنب الدهرُ / نأى معرضاً وجئت منيبا
فتجاوز بفضلِ صفحِك عمَّن / لسوى الصفحِ لم يجيء مُستنيبا
ثم هب لي جناية الدهرِ يا من / لم يلد مثلَك الزمانُ وهوبا
وراءكِ اليوم عن لهوي وعن طرَبي
وراءكِ اليوم عن لهوي وعن طرَبي / فإن قلبيَ أمسى كعبةَ النوبِ
لا تطمعي في وصالي إنَّ لي كبداً / تهوى وصال العُلى لا الخُرَّد العرُب
أبعدَ حفظي لأسباب العُلى زمناً / أضيعها لك بين اللهو واللعب
ما بتُّ مستمطراً من مقلتي جزعاً / نوء المدامع بين النؤى والطنب
قدحُ الأسى البرق والرعد الحنين وأن / فاسي الجنوبُ ودمعي ديمةُ السحب
ولا صبا أبداً قلبي لغانيةٍ / إذ ليسَ في حُسنها شغلي ولا أربي
في السُمر لا السُمر معقودٌ هوايَ ولل / بيضِ الظُبا ليس للبيض الظِبا طرَبي
وما عشقتُ سوى بكر العُلى أبداً / ولستُ أخطبها إلاَّ بذي شُطَب
وطالما صرفُ هذا الدهر قلَّبني / فلم يكن لسوى العلياء منقلبي
ما ضرَّني بين قومٍ خفضَ منزلتي / ومنزلي فوق هام السبعة الشهُب
وحسب نفسي وإن أصبحت ذا عُدمٍ / من ثروةٍ أنَّني مُثر من الأدب
ولست آسي على عُمرٍ أطايبه / أنفقتها في ابتغاء المجد في الكُرَب
يأسى على العمر من باتت تقلِّبُه / في مطرح الذلِّ كفُّ الخوف والرهب
لم يسرق الدهرُ لي فضلاً ولا شرفاً / وما ادِّعائي العُلى والمجد بالكذب
وإنَّها لمساعٍ لا نظيرَ لها / ورثتها عن أبٍ من هاشم فأب
من معشرٍ عقدوا قِدماً مآزرهم / على العفاف وكانوا أنجب العرب
والأرض لم تبقَ منها بقعةٌ أبداً / إلاَّ سقوها برقراق الدم السرب
حتفُ الحُماة ومقدام السراة له / في الروع سطوة هجّام على النوَب
محضُ الضريبة مغوارُ الكتيبة مح / مودُ النقيبة يوم السبق والغَلب
في كفّه مرهفٌ ماضي المضارب في / يوم القراع تراه ساطع اللهب
يمضي ولم يعتلق في شفرتيه دمٌ / من سرعة القطعِ يوم الروع والرهب
في موقفٍ بين أنياب الحمام به الآ / سادُ لم تنجُ بالإِقدام والهرب
أعيا المنيَّة حتَّى أنَّها سئمتْ / قبض النفوس به من شدَّة التعب
فيا نيّر الدنيا الذي بضيائه
فيا نيّر الدنيا الذي بضيائه / جلا عن محيَّاها ظلامَ الغياهبِ
عجبتُ لمن يبغي عُلاكَ بسعيه / وما هو من أبناء هذي المطالبِ
وما هو إلاَّ كالمناسم لو سعتْ / مدى الدهر لا تسمو سموَّ الغواربِ
وأعجب منه من يجاريك في الندى / وعندك يُلفى باسطاً كفَّ طالبِ
يهابك إذ تبدو مِرجل ضِغنه / من الغيظ يغلي منه خلف الترائب
ويطرق إجلالاً بحيث تظنّه / قد انعقدت أهدابه بالحواجب
فحسبك فخراً أنَّ فرعك ينتمي / لعرق علًى في طينة المجد ضارب
ولو بنداك البحر يُقرَنُ لم يكنْ / بجنب نداك البحر نهلةَ شارب