برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى
برغمِ الإِباءِ ورغمِ العُلى / ورغمِ أُنوفِ كِرامِ المَلا
ورغم القلوبِ التي تستفيضُ / عُطفاً تَحوطُكَ حَوْطَ الحِمى
وإذ أنتَ ترعاكَ عينُ الزمانِ / ويَهْفُو لجِرْسِكَ سَمْعُ الدُّنى
وتلتفُّ حولَكَ شتَّى النُّفوسِ / تَجيشُ بشتَّى ضروبِ الأسى
وتُعرِبُ عنها بما لا تُبين / كأنَّك من كلِّ نفسٍ حشا
فأنتَ مع الصبحِ شَدْوُ الرعاةِ / وحلمُ العذارى إذا الليلُ جا
وأنت إذا الخطبُ ألقى الْجِران / وحطَّ بكلكلهِ فارتمى
ألحْتَ بشِعرِكَ للبائسين / بداجي الخُطوبِ بَريقَ المُنى
توحُ على مثلِ شَوك القَتادِ / وتغدو على مثل جَمْرِ الغضا
وتطوي الضُّلوعَ على نافذٍ / من الصَّبرِ يُدمي كحزِّ المُدى
دريئةَ كلِّ جذيم اليدينِ / رمى عن يَدَيْ غيرهِ إذ رَمى
رمى عن يدَيْ حاقدٍ نافسٍ / عليك احتشادَ العلى والندى
وحلِساً لدارِكَ والمُقْرفون / يجولونَ كلَّ مجالٍ بدا
على حينَ راحَ هجينُ الطباعِ / تَنطَّفُ أطرافُه بالخَنا
أدَرَّ عليه ثُدِيَّ الخُمولِ / وهزَّتْهُ في المهدِ كفُّ الغَبا
يجرُّ ذيولَ الخنا والغِنى / وتهفو عليه ظِلالُ المُنى
وحولَكَ مثلُ فِراخِ الحَمامِ / لولا الشعورُ – وزُغْبِ القَطا
تدورُ عيونُهمُ والذَّكاءُ / يَلمَعُ فيها كحدِّ الظُبا
إلى كلِّ شَوْهاءَ مرذولةٍ / وأشوَهَ مستأثِرٍ بالغِنى
وتَرْجِعُ والعتبُ في مُوقِها / تَساءلُ : أيُّكما المُبتلى ؟
ب " علقمةَ الفحلِ " أُزجي اليمينَ / أنَّي ألَذُّ بمُرِّ الجنى
وب " الشَّنْفَرى " أنَّ عينَّي لا / تَلَذّانِ في النومِ طعمَ الكرى
وب " المتنبئِ " أنَّ البَلاءَ / إذا جدَّ يَعلم " أني الفتى "
ألا مِن كريمٍ يَسُرُّ الكرامَ / بجيفةِ جلْفٍ زَنيمٍ عَتا
فيا طالما كانَ حدُّ البَغِيِّ / يُخفِّفُ مِن فحشِ أهل البِغا
ويا طالما ثُنِيَ السادِرونَ / بما اقتِيدَ من سادرٍ ما ارعوى
على أنَّه مِن شِفاءِ الصُدورِ / لو أنَّ حُرّاً كريماً شفى
تأصَّلَ هذي العروقَ الخِباثَ / فقد ضاقَ بالجِذْمِ منها الثرى
فما هي أوّلُ مجذومةٍ / مخافةَ عدوى بها تُنتفى
ولا هي أوّلُ " أغلوطةٍ " / محا شاطبٌ رسمَها فامَّحى
وما بالنفوسِ اللواتي ملكنَ / بأطماحهنَّ عَنانَ السّما
عناءٌ إلى مَن يُقيتُ البُطونَ / ولكنْ إلى من يُميطُ الأذى
إلى من يكُفُّ صغارَ النفوسِ / صغارَ الحلومِ صغارَ الهوى
يَكُفُّهمُ أنْ يكون الكريم / به عن هوانهمُ : يُشتفى
أُنّبِيكَ عن أطيبِ الأخبثينَ / فقُلْ أنتَ بالأخبثِ المُزدرى
زِقاقٌ من الرّيحِ منفوخةٌ / وإنْ ثَقَّلَ الزهوُ منها الخطى
وأشباحُ ناسٍ وإنْ أُوهِمُوا / بأنّهمُ " قادةٌ " في الورى
ألمْ ترَ أنِّيَ حربُ الطغاةِ / سلمٌ لكلِّ ضعيفٍ الذَّما
وأني تركتُ دهينَ السِّبالِ / كثيرَ الصيالِ شديدَ القوى
من الخوفِ كالعَيْرِ قبلَ الكواءِ / يَحبقُ مما اصطلى واكتوى ؟!
بماذا يخوِّفني الأرْذَلُونَ / وممَّ تخافُ صِلالُ الفلا؟!
أيُسْلبُ عنها نعيمُ الهجيرِ / ونفحُ الرمالِ وبذْخُ العرا!!
بلى ! إنّ عنديَ خوفَ الشُّجاعِ / وطيشَ الحليمِ وموتَ الرَّدى
إذا شئتُ أنضجتُ الشِّواء / جلوداً تعَّصْت فما تُشتوى
وأبقيتُ من مِيسَمي في الجِباهِ / وشْماً كَوشْمِ بناتِ الهوى
فوارقُ لا يَمَّحي عارُها / ولا يَلتَبسْنَ بوصفٍ " سوى !"
بحيثُ يقالُ إذا ما مشى الصّليُّ / بها : إنّ وغداً بدا
وحيثُ يُعيَّرُ أبناؤهُ / بأنّ لهُمْ والداً مثلَ ذا
أقولُ لنفسيْ – إذاضمَّها / وأترابَها محفِلٌ يُزدهى
تسامَيْ فانكِ خيرُ النفوسِ / إذا قيسَ كلٌّ على ما انطوى
وأحسنُ ما فيكِ أنّ " الضميرَ " / يَصيحُ من القلبِ أنِّي هُنا
وأنتِ إذا زيفُ المعجبينَ / تلألأ للعينِ ثُمَّ انجلى
ولم تستطعْ هممُ المدَّعين / صبراً على جمرةٍ المدَّعى
خلَصْتِ كما خَلصَ ابنُ " القُيون " / تَرعرَع في النار ثمَّ استوى
تسامَيْ فإنّ جناحيكِ لا / يَقَرّانِ إلا على مُرتقى
كذلكَ كلُّ ذواتِ الطِماحِ / والهمِّ مخلوقةٌ للذُّرى
شهِدتُ بأنكِ مذخورةٌ / لأبعدَ ما في المدى من مدى
وأنكِ سوفَ تدوِّي العصورُ / بما تتركينَ بها من صدى
بآيةِ أنَّ يدَ المُغرياتِ / تهابُكِ إلاَّ كَلمسِ النَّدى
وأنكِ إنْ يَلتمعْ مطمعٌ / يُخاف على الرُّوحِ منه العمى
يموتُ " النبوغُ " بأحضانه / ويُنعى به " الأمل " المرتجى
وتمشي الجموعُ على ضوئهِ / لتبكي على عبقريٍّ قضى
وكادتْ تَلُفُّكِ في طيّها / حواشيه ردَّكِ عزمٌ قَضى
لشرِّ النِهاياتِ هذا " المطافُ " / وكلُّ مَطافٍ إلى مُنتهى
متى ترَعوي أُمةٌ بالعِراقِ / تُساقُ إلى حتفِها بالعصا
تُذَرَّى على الضَّيْمِ ذَرْوَ الهشيمِ / ويَعرقُها الذُّلُّ عَرْقَ اللِّحا
وتنزو بها شهوةُ المشتهينَ / كما دُحرجتْ كرةٌ تُرتمى
يَجدُّ بَغيضٌ بها عهدَهُ / إذا قيلَ عهدُ بَغيضٍ مضى
وتسمَنُ منها عِجافٌ مَشتْ / إلى الأجنبيِّ تَجُرُّ الخُصي
تُراودُها عِزّضها كالقُرومِ / هِجانٌ عليها غريبٌ نَزا
عجبتُ وقد أسلمتْ نفسَها / لعَرْكِ الخُطوبِ وعَصْرِ الشَّقا
وقَرَّ على الذُّلِّ خَيشومُها / كما خطمَ الصعب جَذبُ البُرى
وأغْفَتْ فلم أَدْرِ عن حَيرةٍ / بها : كيف إيقاظُها أو متى
ولم أدرِ مِن طيبِ إغفائها / على الذُّلِّ أيَّ خيالٍ تَرى
أهِمّاً تغشَّاهُ بَعْدَ العنا / كرىً أمْ صبياً بريئاً غفا؟
متى تستفيقُ وفحمُ الدُّجى / عليها مشتْ فيه نارُ الضُّحى
وقد نَفَض الكهفُ عن أهله / غُبارَ السنينَ ووَعْثَ البِلى ؟
تعيشُ على الأرضِ أُمِّ الكفاحِِ / وتربُطُ أحلاَمها بالسَّما
وتَصْبَغُ بالوَرْد آمالَها / كما طرَّزَ الحائكونَ الرِّدا
وأصنامِ بَغْيٍ يصُبّونها / ويَدْعُونها مَثلاً يُقتدى
يُثيرونَ من حولِها ضَجَّةً / بها عن مَخازيهمُ يُلتهى
كما حَجَبَتْ بالغُبارِ العيون / خِفافٌ مُهرّأةٌ تُحتذى
فهذا سيمضي وهذا مضى / وهذا سيأتي وهذا أتى
وهذا " زعيمٌ " لأنّ السفيرَ / يرنو إليه بعينِ الرّضا
وفي ذاكَ عن سُخطِ أهل البلادِ / على حُكمهِ أو رضاهم غِنى
وهذا بعِمتَّهِ ساخراً / من " الجنِّ " يَرفعها للعلى
تجيءُ المطامعُ منقادةً / إليه إذا شاءَ أو لم يَشا
وليتك تحَسِبُ أزياءهم / فتجمعَ منها زهورَ الرُّبى
فتلكَ اللفائفُ كالأُقحُوانِ / بها العِلمُ ينفحُ طيبَ الشذا!
تَطُقُّ المسابحُ من حولِها / لتُعلِنَ أنَّ مَلاكاً أتى
وتلكَ الشراشيفُ كالياسمينِ / تاهَ " العِقالُ " بها وازدهى !
تدلَّتْ عناقيدُ مثلُ الكرومِ / على كتفَيْ " يابسٍ " كالصُوى
يَوَدُّ من " التِّيهِ !" لو أنَّه / يَشُدُّ بها " جَرَساً ! " إنْ مشى
لِيَعلِمَ سامعُه أنَّه / " ينوبُ !" عن البلدِ المُبتلى
إذا رَفعَ اليدَ للحاكمينَ / بدَتْ " نَعَمٌ " وهي في زيِّ " لا! "
وبينهما محدَثٌ ناشيءٌ / إذا خطَّ تَعرِفُه أو حَكى
تعوِّذُه أُمُّه إنْ مشى / إلى " البرلمانِ " بأمِّ القرى
ومُستسلمين يَرونَ الكفاحَ / قَوراء مدحوَّةً تُمتطى
فَتغرُزُ في رَخوةٍ سَمْحَةٍ / وتنفِرُ عن ذي مِسَنٍّ قَسا
يَرَوْنَ السياسةَ أنْ لا يمسَّ / هذا وأنْ يُتَّقى شرُّ ذا
وهذا وذا في صميمِ البلادِ / سُلٌّ وفي العينِ منها قذى
مساكين يقتحمونَ الكفاحَ / وقد راعهمْ بابُه مِن كُوى
وما هو إلاَّ احتمالُ الخُطوبِ / وإلاّ الأذى والعَرا والطَّوى
فهمْ يعرفونَ مزايا الخُلودِ / ولا يُنكرونَ مزايا الفَنا
وهمْ يعشَقونَ هُتافَ الجموعِ / ويَخْشونَ ما بعدَه من عَنا
فليتَ لنا بهمُ ناقةً / تُطيق الحفا والوجا والوحى
وتجترُّ بالجوعِ ما عندَها / وتَطوي على الخِمْسِ حَرَّ الظما
ومُحتقِبٍ شرَّ ما يُجتوى / مشى ناصباً رأسهُ كاللِّوا
مشى ومشتْ خلفَهُ عُصبةٌ / تقيسُ خُطاهُ إذا ما مشى
يُحبُّ " السلامةَ " مشفوعةً / بدَعوى " الجْبانِ " بحُبِّ الوَغى
ويجمعُ بينَ ظِلالِ القصورِ / وعَصْرِ الخمورِ ورشْفِ اللَّمى
وعيشِ " المَهازيلِ " في ناعمٍ / من العيشِ مِن مثلهِ يُستحى
وبينَ " الزعامةِ ! " لا تُصطَفَى / بغيرِ السجونِ ولا تُشترى
ولم أدرِ كيفَ يكونُ الزعيمُ / إذا لم يكنْ لاصقاً بالثرى
ومنتحلينَ سِماتِ الأديبِ / يظنّونها جُبَباً تُرتدى
كما جاوبتْ " بومةٌ ! " بومةً / تَقارَضُ ما بينها بالثَّنا
ويرعَوْن في هذَرٍ يابسٍ / من القولِ رعيَ الجمالِ الكلا
يرَوْنَ " وُرَيقاتِهم " بُلغةً / من العيشِ لا غايةً تُبتغى
فَهُمْ والضميرِ الذي يصنعونَ / لمنْ يعتلي صهوةٌ تعتلى
ولاهِينَ عن جِدِّهم بالفراغِ / زوايا المقاهي لهم مُنتدى
تصايَح باللغوِ ما بينها / صِياحَ اللقالق تنفي الحصى
وشدُّوا خُيوطاً بأعناقِهمْ / تَصارَخُ ألوانُها بالدِّما
ألا يخجلونَ إذا قايسوا / حياتَهمُ بحياةِ الأُلى
سقَوا أرضَهم بنجيعً الدِّماءِ / فكانَ الشعارَ الدَّمُ المُستقى
وأولاءِ شُغْلُهم بالبطونِ / فهلاّ استعانوا بشدِّ المِعى
وعارٍ تحلّى بثوب الأديب / وممَّا يُزكّي أديباً خَلا
ومن تبعات النُّفوس الكبار / بسِنِّ اليَراعِ الرخيصِ احتمى
ووغدٍ تخيَّرَ أمثالَه / فوغداً أهرَّ ووغداً شلا
إذا ما تصفحتَ أصنامَه / وهُزأةَ ألقابها والكُنى
أراكَ- وإن أنكرَ العالمانِ - / بمزمارِ داودَ بُوماً شدا
وأنَّ غُراباً شأى " معبداً " / وأنّ حِماراً " غريضاً " حَكى
بدا لكَ طاهٍ أجيرُ البطونِ / كلُّ الذي تشتهيهِ طها
يسُدُّ بذاكَ فراغَ الضميرِ / ويُوقِدُ روحاً خبيثاً خَبا
يبِصُّ لَذي مَنصِبٍ يُرتجى / ويَخدُم ذا صَولةٍ يُختشى
يَرى أنَّه حين يُطري الفسيل / جُذَيْلاً هجا وعُذَيْقاً رمى
وشرٌّ أهرَّ بها أكلُباً / أعارَهمُ نابَهمْ إذْ سَطا
حَبا ما حبا طغمة أُتخِمتْ / بفَضْلاتهِ وزوي ما زوى
وأطلقَ للصيدِ أظفارهنَّ / وأنيابَهنَّ بها واختفى
يقولونَ إنَّ يداً في الغُيوبِ / تُدير على الأرضِ حُكم السَّما
ولمَّا يَزَلْ مَثَلٌ سائرٌ / على الناسِ يَجري : بأيدي سبا
وتحريقُ " لوطٍ " بذنبٍ أتى / وأخذُ " ثمودٍ " بسِقبٍ رغا
فما بالُ كفِّ القضا لا تدورُ / على بلدٍ ظلَّ حتى اختزى !؟
وأضحى " ثمودُ " و " لوطٌ " به / ومَن لهما في الشرورِ انتمى
ومَن عاثَ في أممِ المشرقَينَ / وجارَ على أهلها واحتمى
حَييِينَ بينَ ولاة الأمورِ / في بلدٍ ضاعَ فيه الحيا
يسائلُ بعضٌ به بعضهم / أنحنُ أُخذنْا وهذا نجا ؟!
أُخِذْتَ لأني ركبتُ الطريقَ / شَذاً إلى غايةٍ تُبتغى
وأنت أُخِذْتَ على ناقةٍ / بفلْسينِ أمثالُهما تُشترى
وكنَّا أُناساً كماء السَّماءِ / تَخبَّطَ طوراً وطوراً صَفا
نجيءُ الحياةَ على رِسلِها / نهاياتُها عندنا كالبِدي
ونأتي الجريرةَ لا نَغتلي / ونَبغي الهَناةَ كما تُبتغي
ولا نكبِتُ العاطفاتِ الجْياعَ / فيُشرِقنا كبتُها بالشجا
إلى الآنَ يُضرَبُ من ههنا / بنا مَثلٌ في مصيرِ الدُّنى
ولو صَحَّ من مثلٍ للدَّمارِ / ما كانَ غيرَهمُ والتَّوى
وجَدنا هُنا كلَّ ذي عَورةٍ / على كلِّ ذي حُرمةٍ قد سطا
وكلَّ كريمِ الثَّنا أصيدٍ / تَقلَّص في كِنِّهِ وانزوى
وجَدنا الرَّجالَ هنا بالرِّجالِ / لاهينَ في وَضَحٍ من سَنا
على حينَ تختصُّ نِسوانُهم / نساءً ومنتصِفٌ مَن جزى
وجدَنا الزعيمَ – كما يَنْعَتُونَ - / على قدَميْ غاصبيهِ ارتمى
وجدنا الخبائثَ والطَّيباتِ / بأضدادِهنَّ – هُنا – تُصطفى
وجدنا الرَّجالَ وأسماءَهم / يُخَّففُ من قُبحها بالكُنى
بَنِيَّ إذا الدَّهرُ ألقى القناعَ / وصرَّح من حسوهِ ما ارتغى
ودالتْ لهمْ دولةٌ كالَّتي / لدى الناسِ في وجهها والقفا
سواءٌ فلا خَلْفُها من أمامِ / يبدو ولا وجهُها من ورا
ولا يستبيحُ بها سابقاً / إلى المجدِ ركّاضةً مَن حَبا
ولا يقذفُ الشهمَ ذو لَوثةٍ / ذميمٌ ولا يدّري مَن وعى
وكانَ المُفَضَّلُ لا المُزدرى / لهُ يُعتزى وبهِ يُؤتسى
وكان بها المُثُل الصالحاتُ / لا الطالحاتُ هي المُقتدى
فلا تبخلوا أنْ تزوروا أباً / جريرتُه أنَّ ذُّلاً أبى
ولا تبخَلوا أنْ تَمُدوا يداً / لتحضِنَ منه خيالاً سَرى
وطيفاً أتاكمْ يُهنّيكمُ / بأنْ قد وُقِيتمْ زماناً مضى
ولا تُنكروا أنَّ " عُشّاً " به / تلوحُ لكمْ قَسَماتُ الهنا
كطُهْرِ " الطفولةِ " أجواؤه / وأفياؤه كرفيفِ الضحى
ضرَبنا لنجمعَ أعوادَه / لكم في صميمِ زمانٍ جَسا
ستدْرون أيَّ مطاوي البلاءِ / نزلنا إليها وأيَّ الهُوى
وأيَّ الخصومِ مَدَدْنا له / بأيِّ الأكفِّ بأيِّ القَنا
ضربناهُ بالفكرِ حتى التوى / وبالقلبِ حتى هفا بالرَّدى
وكانَ القريضُ الذي تقرءونَ / أقتلَ مِن ذا وهذا شَبا
ضربناه أنْ لم يُصِبْ مَقتلاً / بسهمٍ أراشَ ونصلٍ برى
وشرُّ " السهامِ " رُواءُ النعيمِ / وشرُّ " النضالِ " بريق الغِنى
سلامٌ على هَضَباتِ العراقِ / وشطَّيهِ والجُرْفِ والمُنحنى
على النَّخْلِ ذي السَّعَفاتِ الطوالِ / على سيّدِ الشَّجَرِ المُقتنى
على الرُّطَبِ الغَضِّ إذ يُجتلَى / كوَشْيِ العروسِ وإذ يُجتنى
بإِيسارهِ يومَ أعذاقُه / تَرفّث وبالعسرِ عندَ القنى
وبالسَّعْفِ والكَرَبِ المُستجِدِّ / ثوباً " تهرّا " وثوباً نضا
ودجلةَ إذْ فارَ آذيُّها / كما حُمَّ ذُو حَرَدٍ فاغتلى
ودجلةَ زهوِ الصَّبايا الملاحِ / تَخَوَّضُ منها بماءٍ صَرى
تُريكَ العراقَّي في الحالتينِ / يُسرِفُ في شُحّهِ والنَّدى
سلامٌ على قَمَرٍ فوقَها / عليها هَفا وإليها رَنا
تُدغدِغُ أضواؤهُ صَدْرَها / وتَمسحُ طيَّاتِها والثِنى
كأنَّ يداً طرَّزَتْ فوقَها / من الحُسن مَوشِيةً تُجتلى
رواءُ النميرِ لها لُحمةٌ / وذَوبُ الشعاعِ عليها سَدى
ونجمٌ تَغَوَّرَ من حُبّها / ونجمٌ عليها ادَّنى فادَّلى
على الجْسِرِ ما انفكَّ من جانبيهِ / يُتيحُ الهَوى مِن عيونِ المها
فيا ليتَهُنَّ الذي يعتدي / ويا ليتَكَ الرّجلُ المُعتدى
ويا ليتَ بلواكَ قُبُّ الصدورِ / ولُعسُ الشفاهِ وبيضُ الطُّلى
ويا ليتَ أنَّكَ لا تشتكي / ظَماءكَ إلاَّ لهذا اللَّمى
وليتَ بهنَّ ولا غيرهنَّ / تَنَقَّلُ في غضبٍ أو رِضا
بهنَّ ولا بغلاظِ الرقابِ / قِباحِ الوجوهِ خِباثِ الكُلى
سلامٌ على جاعلاتِ النَّقيقِ / على الشَّاطئينِ بَريدَ الهوى
لُعنتنَّ مِن صِبيْةٍ لا تشيخُ / ومن شِيْخَةٍ دَهْرَها تُصطبى
تقافَزُ كالجْنِّ بينَ الصخورِ / وتندسُّ تحتَ مَهيلِ النَّقا
حَلَفتُ بمنْ راءَكنَّ الحياةَ / سمحاءَ أبدعَ ما تُرتأى
وألبسكُنَّ جَمالَ الغديرِ / مَن صافَ منكنَّ أو مَن شتا
لأنتُنَّ من واهباتِ البيانِ / جَمالاً ومن مُحييِاتِ اللُغى
على أنَّها لُغةٌ ثرَّةٌ / عواطفكنَّ بها تُمترى
لقد عابكنَّ بما لا يُعابُ / فَدْمٌ بخَلْقٍ جميلٍ زَرى
بسَمحٍ يُنادمُ رَكبَ الخلود / ويُحسن للخابطينَ القِرى
يَدُلُّ على الماءِ مَن ضَلَّه / ويَرفعُ وحشةَ ليلٍ طَخا
كأنَّ بعينيكِ ياقوتتينِ / صاغهما جوهريٌّ جَلا
ولو لم يُخبِّرْ بريقُ النبوغِ / بعينيكِ عن مثلِ سفعِ الذّكا
لنَمَّ الجُحوظُ على شاعرٍ / بعيدِ الخيالِ عنيفِ الرؤى
سجا الليلُ إلا حماماً أجدٍّ / هَديلاً وترجيعَ كلبٍ عَوى
وجُندُبةً طارحَتْ جُندُباً / وبُوماً زقا وسحيلاً ثغا
وديكاً يؤذِّنُ في جَمعهم / بأن قد مضى الليلُ إلا إنى
ودَّوى قِطارٌ فرَدَّ الحياةَ / عفواً إلى عالَمٍ يُبتنى
وما برِحَ القمرُ المستديرُ / يَسبحُ في فلَكٍ مِن سنا
تلوذُ النجومُ بأذيالهِ / هَفَتْ إذ هفا ودَنَتْ إذ دنا
إلى أنْ تَضوَّرَ غولُ الصَّباحِ / ودَبَّ الهُزالُ به فانضوى
سلامٌ على عاطراتِ الحقولِ / تناثرُ مِن حولهن القُرى
ويا لَلَطافةِ هذي الدُّنى / يُتمّمها لُطفُ تلكَ القُصى
وحبلِ ضياءٍ تدلّى به / على أُفقٍ أُفقٌ والتقى
كأنَّ يدَيْ خالقٍ مُبدعٍ / تخيَّلَ عُريتَها وأرتأى
يَمُرَّانِ فوقَ الرُّبى والسفوحِ / ويخترقانِ سُدوفَ الدُّجى
وينتزعانِ الشُفوفَ التي / تدثَّرَ كَوْنٌ بها وارتدى
رويداً رويداً كما سُرِّحتْ / غلائلُ غانيةٍ تُنتضى
وألقتْ عليها الغيومُ اللطافُ / نَسْجاً كعهدِ الغواني وهى
تحرّقَ كاسٍ إلى عُريهِ / وأُغرم عارٍ به فاكتسى
كأنَّ بها عالماً واحداً / تلاقى وإنْ بَعُد المنتأى
سلامٌ على بلدٍ صُنتُه / وإيايَ مِن جفوةٍ أو قِلى
كلانا يكابدُ مُرَّ الفراق / على كبدَينا ولَذْعَ النَّوى
وكلٌّ يُغِذُّ إلى طِيَّة / لنا عند غايتها مُلتقى
غداً إذ يَطِنُّ فضاءُ العراقِ / طنينَ الثرى من هزبرٍ خَلا
وإذ يستقلُّ بِضَبْعِي فتىً / يَرى الغُنْمَ في العيش كسب الثنا
ويقدُرُ إن ضمَّ منه اليدينِ / ايَّ ثمينٍ نفيسٍ حَوى
غداً إذ فريقٌ يحوزُ الثنا / يَعَضُّ فريقٌ بصمِّ الصفا