يا فؤادي رحم الله الهوى
يا فؤادي رحم الله الهوى / كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على أطلاله / واروِ عني طالما الدمع روى
كيف ذاك الحب أمسى خبراً / وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم / هم تواروا أبداً وهو انطوى
يا رياحا ليس يهدا عصفها / نضب الزيت ومصباحي انطفا
وأنا أقتات من وهم عفا / وأفي العمر لناسٍ ما وفى
كم تقلبت على خنجره / لا الهوى مال ولا الجفن عفا
وإذا القلب على غفرانه / كلما غار به النصل عفا
يا غراما كان مني في دمي / قدراً كالموت أوفى طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه / وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه / واغتصابي بسمة من فمه
ليت شعري أين منه مهربي / أين يمضي هارب من دمه
لست أنساك وقد أغريتني / بفمٍ عذبِ المناداة رقيق
ويد تمتد نحوي كيدٍ / من خلال الموج مُدّت لغريق
آه يا قِبلة أقدامي إذا / شكت الأقدام أشواك الطريق
وبريقاً يظمأ الساري له / أين في عينيك ذياك البريق
لست أنساك وقد أغريتني / بالذرى الشم فأدمنت الطموح
أنت روح في سمائي وأنا / لك أعلو فكأني محض روح
يا لها من قمم كنّا بها / نتلاقى وبسرّينا نبوح
نستشف الغيب من أبراجها / ونرى الناس ظلالاً في السفوح
أنتِ حسن في ضحاه لم يَزَل / وأنا عنديَ أحزان الطفَل
وبقايا الظل من ركب رحل / وخيوط النور من نجم أفل
ألمح الدنيا بعيني سئمٍ / وأرى حولي أشباح الملل
راقصات فوق أشلاء الهوى / معولات فوق أجداث الأمل
ذهب العمر هباء فاذهبي / لم يكن وعدك إلا شبحا
صفحة قد ذهب الدهر بها / أثبت الحب عليها ومحا
انظري ضِحكي ورقصي فرحا / وأنا أحمل قلباً ذبحا
ويراني الناس روحاً طائراً / والجَوى يطحنني طحن الرحى
كنت تمثال خيالي فهوى / المقادير أرادت لا يدي
ويحها لم تدر ماذا حطمت / حطمت تاجي وهدت معبدي
يا حياة اليائس المنفرد / يا يباباً ما به من أحد
يا قفاراً لافحاتٍ ما بها / من نجي يا سكون الأبد
أين من عيني حبيب ساحر / فيه نبل وجلال وحياء
واثق الخطوة يمشي ملكاً / ظالم الحسن شهي الكبرياء
عبق السحر كأنفاس الربى / ساهم الطرف كأحلام المساء
مشرق الطلعة في منطقه / لغة النور وتعبير السماء
أين مني مجلس أنت به / فتنَة تمت سناء وسنى
وأنا حب وقلب ودم / وفراش حائر منك دنا
ومن الشوق رسول بيننا / ونديم قدم الكأس لنا
وسقانا فانتفضنا لحظة / لغبارٍ آدمي مسنا
قد عرفنا صولة الجسم التي / تحكم الحي وتطغى في دماه
وسمعنا صرخة في رعدها / سوط جلاد وتعذيب إله
أمرتنا فعصينا أمرها / وأبينا الذل أن يغشى الجباه
حكم الطاغي فكنا في العصاه / وطردنا خلف أسوار الحياه
يا لمنفيين ضلا في الوعور / دميا بالشوك فيها والصخور
كلما تقسو الليالي عرفا / روعة الآلام في المنفى الطهور
طردا من ذلك الحلم الكبير / للحظوظ السود والليل الضرير
يقبسان النور من روحيهما / كلما قد ضنت الدنيا بنور
أنت قد صيرت أمري عجبا / كثرت حوليَ أطيار الربى
فإذا قلت لقلبي ساعة / قم نغرد لسوى ليلي أبى
حجبت تأبى لعيني مأربا / غير عينيك ولا مطلبا
أنتِ من أسدلها لا تدعي / أنني أسدلت هذي الحجبا
ولكم صاح بي اليأس انتزعها / فيرد القدر الساخر دعها
يا لها من خطة عمياء لو / أنني أبصر شيئاًَ لم أطعها
وليَ الويل إذا لبيتها / ولي الويل إذا لم أتبعها
قد حنت رأسي ولو كل القوى / تشتري عزة نفسي لم أبعها
يا حبيبا زرت يوما أيكه / طائر الشوق أغني ألمي
لك ابطاء الدلال المنعم / وتجني القادر المحتكم
وحنيني لك يكوي أعظمي / والثواني جمرات في دمي
وأنا مرتقب في موضعي / مرهف السمع لوقع القدم
قدم تخطو وقلبي مشبه / موجة تخطو إلى شاطئها
أيها الظالم بالله إلى كم / أسفح الدمع على موطئها
رحمة أنت فهل من رحمة / لغريب الروح أو ظامئها
يا شفاء الروح روحي تشتكي / ظلم آسيها إلى بارئها
أعطني حريتي أطلق يديّ / إنني أعطيت ما استبقيت شيّ
آه من قيدك أدمى معصمي / لمَ أبقيه وما أبقى عليّ
ما احتفاظي بعهود لم تصنها / وإلام الأسر والدنيا لديّ
ها أنا جفت دموعي فاعف عنها / إنها قبلك لم تبذل لحي
وهب الطائر عن عشك طارا / جفت الغدران والثلج أغارا
هذه الدنيا قلوب جَمَدت / خبت الشعلة والجمر توارى
وإذا ما قبس القلب غدا / من رماد لا تسله كيف صارا
لا تسل واذكر عذاب المصطلي / وهو يذكيه فلا يقبس نارا
لا رعى الله مساءً قاسياً / قد أراني كل أحلامي سدى
وأراني قلب من أعبده / ساخراً من مدمعي سخر العدا
ليت شعري أي أحداث جرت / أنزلت روحك سجناً موصدا
صدئت روحك في غيهبها / وكذا الأرواح يعلوها الصدا
قد رأيت الكون قبراً ضيقا / خيّم اليأس عليه والسكوت
ورأت عيني أكاذيب الهوى / واهيات كخيوط العنكبوت
كنت ترثي لي وتدري ألمي / لو رثى للدمع تمثال صموت
عند أقدامك دنيا تنتهي / وعلى بابك آمال تموت
كنت تدعونيَ طفلاً كلما / ثار حبي وتندت مقلي
ولك الحق لقد عاش الهوى / فيّ طفلاً ونما لم يعقل
ورأى الطعنة إذ صوبتها / فمشت مجنونة للمقتل
رمت الطفل فأدمت قلبه / وأصَابت كبرياء الرجل
قلت للنفس وقد جزنا الوصيدا / عجلي لا ينفع الحزم وئيدا
ودعي الهيكل شبت ناره / تأكل الركع فيه والسجودا
يتمنّى لي وفائي عودة / والهوى المجروح يأبى أن نعودا
لي نحو اللهب الذاكي به / لفتة العود إذا صار وقودا
لست أنسى ابداً / ساعة في العمر
تحت ريح صفقت / لارتقاص المطر
نوّحت للذكر / وشكت للقمر
وإذا ما طربت / عربدت في الشجر
هاك ما قد صبت الريح بأذن الشاعر /
وهي تغري القلب إغراء النصيح الفاجر /
أيها الشاعر تغفو / تذكر العهد وتصحو
وإذا ما التام جرح / جد بالتذكار جرح
فتعلم كيف تنسى / وتعلم كيف تمحو
أو كل الحب في رأ / يك غفرانٌ وصفح
هاك فانظر عدد الرمل قلوبا ونساء /
فتخير ما تشاء ذهب العمر هباء /
ضل في الأرض الذي ينشد أبناء السماء /
أي روحانية تعصر من طين وماء /
أيها الريح أجل لكنما / هي حبي وتعلاتي ويأسي
هي في الغيب لقلبي خلقت / أشرقت لي قبل أن تشرق شمسي
وعلى موعدها أطبقت عيني / وعلى تذكارها وسدت رأسي
جنت الريح ونادته شياطين الظلام /
أختاما كيف يحلو لك في البدء الختام /
يا جريحا أسلم الجرح حبيبا نكأه /
هو لا يبكي إذا الناعي بهذا نبأه /
أيها الجبار هل تصرع من أجل امرأة /
يا لها من صيحة ما بعثت / عنده غير أليم الذكر
أرقت في جنبه فاستيقظت / كبقايا خنجر منكسر
لمع النهر وناداه له / فمضى منحدراً للنهر
ناضب الزاد وما من سفر / دون زادٍ غير هذا السفر
يا حبيبي كل شيء بقضاء / ما بأيدينا خلقنا تعساء
ربما تجمعنا أقدارنا / ذات يوم بعد ما عز اللقاء
فإذا أنكر خل خله / وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته / لا تقل شيئاً وقل لي الحظ شاء
يا مغني الخلد ضيعت العمر / في أناشيد تغنّى للبشر
ليس في الأحياء من يسمعنا / ما لنا لسنا نغني للحجر
للجمارات التي ليست تعي / والرميمات البوالي في الحفر
غنّها سوف تراها انتفضت / ترحم الشادي وتبكي للوتر
يا نداء كلما أرسلته / رد مقهوراً وبالحظ ارتطم
وهتافاً من أغاريد المنى / عاد لي وهو نواحٌ وندم
رب تمثال جمالٍ وسنا / لاح لي والعيش شجو وظلم
ارتمى اللحن عليه جاثياً / ليس يدري أنه حسن أصم
هدأ الليل ولا قلب له / أيها الساهر يدري حيرتك
أيها الشاعر خذ قيثارتك / غن أشجانك واسكب دمعتك
رب لحن رقص النجم له / وغزا السحب وبالنجم فتك
غنّه حتى نرى ستر الدجى / طلع الفجر عليه فانهتك
وإذا ما زهرات ذعرت / ورأيت الرعب يغشى قلبها
فترفق واتئد واعزف لها / من رقيق اللحن وامسح رعبها
ربما نامت على مهد الأسى / وبكت مستصرخات ربها
أيها الشاعر كم من زهرة / عوقبت لم تدر يوماً ذنبها