المجموع : 3
أعادك يا سعد عيد الهوى
أعادك يا سعد عيد الهوى / وأنت مُلِمٌّ بدار اللّوى
فأصبحت تنحر فيها الجفون / كما تنحر البُدن يوم القِرى
فمن حقّ طرفي هذي الدموع / ومن شأن قلبي هذا الجوى
فما غير قلبي يصْلى الفضا / ولا غير طرفي يفيض الدما
وكيف وقفت على أربع / عَفَتْ قبل هذا بأيدي البلى
أتدفع فيها بها ما ترى / فكيف تداوي الأسى بالأسى
ولِمَ لا اتَّبعت كلام النصوح / وكفكفت دمعك لما جرى
إلى أن تحقَّقْتَ أنَّ الغرام / يعيد القويَّ ضعيف القوى
وحتى أطعت الهوى والشجيُّ / يعاصي الملام لطوع الهوى
فإن تلحُني بعدها مرَّةً / جزيتك يا سعد بئس الجزا
ولمتُكَ في عبرات تفيض / ووجد يقطع منك الحشا
وقلت تسلّ عن الظاعنين / فإنَّ السلوّ بأمر الفتى
ألم تك من قبلها لمتني / فماذا الوقوف وماذا البكا
وقد كنتُ مثلك بين الطلول / أساجل بالدمع وَبْلَ الحيا
وأروي الدِّيار بماء الجفون / قلم يرق دمعي وفيها ظما
وما برحت عبراتي بها / تبلّ الغليل وتروي الصَّدى
وأذكر فيها على صبوتي / زمان التصابي وعهد الصبا
قَضَيْتُ لديه بما أشتهي / ولكنَّه قد مضى وانقضى
أغازل غِزلانَه للوصال / وأشرب للَّهوِ كأس الطلا
وأسمع من نغمات القيان / كلاماً يعشقني بالدمى
يحضُّ على ما يسرُّ النفوس / ويدعو إلى ما هو المشتهى
ينادمني كلُّ عذب الكلام / يشابه بالحسن بدر الدجى
وألقى الزمان بهم باسماً / كوجه الكريم وزهر الرُّبا
فإن ترني بعدهم راضياً / ولو بالخيال فما عن رضا
ولكنَّها زفرات تهيج / فأذكر يا سعد ما قد مضى
وإن جاشتِ النفس من وجدها / فتعليلها بحديث المنى
وأخرج من ذكرهم بالقريض / بمدح عليٍّ خدينَ العُلى
ففي مدحه ما يزيل الهموم / وفي شكره يستفاض الندى
فلا بعده للمنى منتهى / ولا غيره للعُلى مرتقى
تواضَعَ وهو عليُّ الجناب / رفيع المحلّ وسامي الذُّرا
بآثاره أبداً يقتفى / وأقواله أبداً يقتدى
ملاذ الجميع لمن قد دنا / من العالمين ومن قد نأى
أعاد مناقب آبائه / حياة العُفاة وحتف العدى
ويرتاح للبذل يوم العطا / فينفق أنفس ما قد غلا
فإمَّا سألت ندى كفّه / فسل ما تشاء وثق بالغنى
وأعجبُ ما فيه يعطي الجزيل / ويلحق ذاك الجدى بالجدى
ففيه مع الجود هذا الحياء / وفيه مع البأس هذا التُّقى
أليسَ من القوم سادوا الأنام / فهم سادةٌ لجميع الورى
عليهم تنزَّل وحي الإِله / ومنهم تبلج صبح الهُدى
وكيف يفاخرهم غيرهم / إذا كانَ جدّهم المصطفى
يلوذ بحضرتهم من يخاف / خطوب الليالي ويخشى الأذى
حماةٌ بهم يأمن الخائفون / نوائبَ من شدَّةٍ تُتَّقَى
لهم عند ضيق مجال الرجال / عزائم ليست لبيض الظبا
أكارم لا نارهم في الظلام / توارى ولا جارهم في عنا
مضوا وأتى بعدهم فرعهم / ومن قد مضى مثل من قد أتى
مهابٌ إذا أنتَ أبصرته / فتحسبه من أسود الشرى
يجيب إذا ما دعاه الصَّريخ / همام يلبِّي إذا ما دعا
صفا من يديه غير النوال / لمن يجتديه فخذ ما صفا
أُؤمِّلُ منه بعيد المرام / وأرجو به فوق ما يرتجى
وإنِّي بنظمي مديحي له / كمن شرب الرَّاح حتَّى انتشى
ولا زال في كلِّ عيد يعود / بأرفع مجدٍ وأعلى بِنا
أجابَ ما سألتْهُ لما انثنى
أجابَ ما سألتْهُ لما انثنى / يرنو بألحاظ كألحاظ المها
وأثبت الحب له دلائلاً / بصبّه منها النحول والضنى
يا رشاً ملكته حشاشتي / فجار في حكم الغرام واعتدى
رعياً رعاك الله في مستغرم / إن لم تراع ذمَّةً فيك رعى
يا قلب خَفِّضْ لوعةً وجدتها / فربما واصل من كانَ جفا
لا توسعاني بالهوى ملامة / إن الجمال قائدي إلى الهوى
نظرتُ سِرباً بالعقيق نظرة / فأورثتني نظرتي هذا الأسى
حيّ العقيق فاللوى من مربع / نهبت فيه طربي فالمنحنى
زمان لهو صبوة قضيته / ذاك زمان قد تقضّى ومضى
وكلما هب الصبا من نحوهم / زاغ عن الصبر فؤادي وصبا
مالي وللأيام لا كانت فقد / أصمتنيَ الأحداث في سهم الردى
تَخَوَّنَتْني كلَّ يوم نكبةٌ / ضرامها في كل آن تُحتَضا
هل علم الدهر الذي أساءني / أيّ أخي عزم وذي فضل قلى
آه على عمر مضى أكثره / ولم أنل فيه من الدهر المنى
مضى بي العمر وكاد مسرعاً / أن ينجلي صبح المشيب والجلا
وعاند الدهر العبوس مطلبي / إذا جنيت الورد أضحى لي سفا
وإن حلبنا ما نروم دَرّه / كانت عزوزاً لا ترد بالروا
إنَّ اللَّيالي حمَّلتني ثقلاً / تنوء من ثقل به شمُّ الذُّرا
واتَّقدت من الغرام لوعة / كأنما نيرانها نار الفضا
فسعرت من حر أنفاسي بها / لظىً أذاب حرُّه شحم الكلى
يا مانعي المورد من رضابه / ما آن للظمآن ورد من أضا
وروضة يطربني الورق إذا / تَذكَّرَ الإلف لمغداه شدا
كأنَّما الطلّ على أغصانها / قلائد الدر على غيد الطلا
ونسَّمَتْ ريح الصبا عرارها / فهزّ عطفيه لها بانُ النقا
إذا انتشقنا أرجاً من طيبها / كأنْ نشقنا أرجاً من الشذى
أنعِم به مُرْتَبَعاً كأنَّه / بتلكما الغيد محاريب الدُّمى
تعاهدتها من حيّيٍ ماطر / يسقي أهاضيب الحجاز والرُّبا
يا حادي العيس ذميلاً سيره / يهجهج العيس إلى ربع الخلا
تمشي هزيزاً وهزيزاً تارة / إن هزّها حادي الهوينا وحدا
هل أنت موفٍ بالوقوف ساعة / بأربع غيرها خطب البلى
لم يبق إلاَّ سفعة في دمنة / وأرسماً مثل الخيال وجثا
فمسبلاً فيها بقايا أدمع / فناشداً فيها قلوباً وحشا
بالله إنْ عُجت على ربوعها / حي الربوع النازلين في منى
واهاً لصبٍّ كله صبابة / لا يستفيق من تباريح الجوى
يكاد وجداً يتلظَّى وهوىً / وما استقر ساعة ولا سجا
قد حُرِمَ النَّوم على أجفانه / فبات يرعى الفرقدين والسها
أرشفة من ريق من أحبُّه / فتنطفي جذوة وجد في الحشا
وكلَّما نهنهت دمعاً واكفاً / كأنَّما ينصبّ من مزن الحيا
يا عين لا تلوين بي في عبرة / لعلَّ أنْ يبتَلّ بالماء صدى
دعوت دمعي فأجاب طائعاً / ورمت للقلب اصطباراً فعصى
فلا تلمني إنْ بكيت عَنْدَما / فإن دمع العين في العين سرى
إذا رجوتُ مطلباً بادرته / وما عقدت حبوةً على الرَّجا
أعْدَدتُ للبيداء هُوجاً ضُمَّراً / أنْحرُ في أخفافها أدم الفلا
تلوي التليل للحمى تلفتاً / وتسبق الريحَ إذا الريحُ جرى
مهما تحث لمطلب ومقصد / تقاصرت فيها فسيحات الخُطا
وحيث ناويت النوى أنويتها / وكلُّ حَرٍّ أبصر الذل انتوى
وصارم أبيض لو جرّدته / ظننت برقاً لاح علويّ السنا
إذا تصديت به لضربة / فلقت في غراره أمّ الصدى
معتقلاً أسنَّةً خطَّيةً / كأن في طعانها سفع الذكا
إنِّي ومن أنالني من العلى / مراتباً من دونها وخز القنا
إذا رأيت الذُّلَّ رحَّلْتُ له / أنضاء أسفارٍ وناوحت النوى
نجائباً مثل الظليم ترتمي / لدى الفيافي الغفل أنأى مرتمى
ولم أرِدْ مَوْرِدَ عذبٍ شابَهُ / ضيمٌ رأى تكديره لما صفا
ونازعتني شيمة لا ترتضي / إلاَّ المعالي غايةً ومنتهى
وكم هجرت موطناً من أهله / والدار من سكانها قد تجتوى
وربّ طِرف لا يرى الطرف له / إثْراً إذا الطرف اقتفى
يجتاز بي فدافداً دوية / لا تهتدي لمفحص فيها القطا
أفري أديم القاع في حافره / لما طوى البطنان واجتاز المدى
ضافي السبيب أعوجيٌّ ووأوأٌ / ولم يكن أسفى وما فيه سفا
ولائم جسارتي قلت له / إنَّ القضاء كائن لا يتقى
وكيف أخشى ما قضى الله به / وإنَّما الإنسان أهداف القضا
ولا أبالي والوقار شيمتي / أأحْسَنَ الدهر المسيء أم أسا
يا رُبَّ عزمٍ بالدنا جرَّدتُه / كأنَّه حدّ الحسام المنتضى
وموقف من الوغى شَهِدْتُهُ / ترشح بالموت العوالي والظبا
وإنني كذلك القيل الذي / إذا بدا تأجج الحرب اصطلى
سلّم إليَّ الأمر وانظر باسلاً / لا يخطئ الأغراض يوماً إن رمى
أسطو بماضي الشفرتين أحدبٍ / غراره يبتّ أوداج العدى
وحاسد من غيظه فضائلي / حاكى شؤوني بالنهى وما حكى
وفي سواد القلب كنت جاعلاً / وداده حتَّى بدا لي ما بدا
وخرشفيٍّ لا يوارى عيبه / قطعة لؤم صيغ من طين الخنا
لو كانَ عيناي بأم رأسه / لما درى بنفسه إلاَّ قذى
والظلم واللؤم طباع بالفتى / يكتمه العجز ويفشيه القوى
قابلت أفعالاً له بمثلها / ولا يلين جانبي إذا قسا
وقد تنوَّرت الأنام خبرةً / فزال عن عينيَّ من ذاك العمى
وقد عَلِمْتُ أنَّ قلبي مفعمٌ / بما لقي من أهله وما رأى
من لي بخلٍ إن رأى بي زلةٍ / سامحها وعثرةً قال لعا
وهل صديق يرتجى وفاؤه / هيهات هذا أمَلٌ لا يرتجى
ولست بالغمر الذي ما جرّب ال / دهر ولا ذاق السرور والعنا
بل كل خطب خطر بلوته / حتَّى تروى القلب فيه فارتوى
يا ربة القرطين هل من ليلة / تحكي من الوصل ليالينا الألى
ليلة غاب الواشي عن مَحَلِّنا / فكنت أجلو بالدجى شمس الضحى
حمراء لم تقطب بمزج صرفها / فهي كورد الجلّنار تجتنى
لله أيام قضينا شطرها / منادمي أبلج معسول اللمى
عاطيته مشمولة كريقه / لو جليت في جنح ليل لانجلى
مهفهف يميس تيهاً قدُّه / كأنَّما مال به ريح الصبا
وباللّوى كانَ لنا معاهد / سُقيت صوب المزن يا دار اللوى
مرَّت ليالينا وأوطار بها / كأنها أضغاث أحلام الكرى
أموعد المشتاق في وصاله / إنجازك الوعد لمحتاج متى
هذي عرى الصبر التي عهدتها / قد فُصِمَتْ بالوجد هاتيك العرى
إنَّ الأماني باللّبيب ضَلَّةٌ / وما عسى يجدي لعل وعسى
وإنها لحسرة ما تنقضي / أو إنني أقضي بتصريف القضا
هل عائد لي زمنٌ عبرة بذي الغضا / وهل يريني الدهر ما كنت أرى
ولي بأحوال الزمان عبرة / كفى الزمان عبرة لذي النهى
أخبرني هذا الدنا عن القضا / بفطنة تدني إلينا ما نأى
قد ابتليت وبَلَوْتُ أمْرَها / فلا أبالي بعدها بما أتى
عَهْدُك في هذا الزمان قد مضى / وذلك الغصن الرطيب قد ذوى
سلكت من كلِّ الفجاج وعرها / وذقت منها ما أمر وحلا
قد قذفتني في البلاد غربتي / وقد أرتني كلَّ ما رمت النوى
ما كنتُ أرضى بالعراق مسكناً / لو لم يكن في أرضها أبو الثنا
السيّد المحمود في خلاله / وفائض البحرين علماً وندى
يقول من ناظَرَه في علمه / ما بعد هذا غايةٌ ومنتهى
لا هو بالفظِّ الغليظ قلبه / وبالوغى أشدّ من صمّ الصفا
تخاله حين تراه ضاحكاً / كروضة باكرها قطر النّدى
غمر الرّواء لم تزل راحته / منهلَّةً لمن نأى ومن دنا
المقتني الحمد الطويل ذكره / والحمد للإنسان أسنى مقتنى
شهم الجنان لوذعيٌّ فاضِلٌ / أشمّ عرنين العلى عالي الذرا
فاق الأنام بالتقى وبالحجى / وزينة المرء التقى مع الحجى
وزينة الإنسان بل وفخره / إمَّا بأفضالٍ وإما بتقى
سعى إلى الفضل فنال ما ابتغى / وليس للإنسان إلاَّ ما سعى
مكارم الأخلاق فيها مولع / ما اعتام شيئاً غيرها ولا انتضى
ما زال يرقى بالحجى وبالنهى / حتَّى رقى بالعلم أعلى مرتقى
لا يختشي في الله لوم لائم / أفتى على الحقّ وبالحقّ قضى
يقذف من فيه الجمان لفظه / بحر ولكن بالعلوم قد طمى
ما انقبضت راحته عن سائل / وما سمعنا منه هجراً ولغا
تدرّع البأس الشديد قلبه / وفي رداء الفضل والتقوى ارتدى
إلى ذُرا جرثومةٍ طيبةٍ / إذ ينتمي القرم ولمّا ينتمى
ألْهَمَهُ الله علوماً بعضها / لو نشرت سَدَّ بها رحب الفضا
قريحة مثل الركام سيلها / أو هي كالنار إذا اشتدَّت صلا
تجري بما يطلب منها غيثها / وليس بالبدع من الغيث الجدى
فكم أبان من خفايا علمه / حتَّى الذي عنَّا اختفى فيه خفا
فأفحم الجاهل في عبارة / أوضح فيها ما انطوى وما انشرى
وألقَمَ الجاحد منهم حجراً / فبان فعل السيف منا والعصا
تَبَيَّن الرشد من الغيّ به / وزال إظلام الضلال بالهوى
فهل له في ذا الورى مشابهٌ / هيهات ما بين الثريا والثرى
لو كانَ في العالم مثل علمه / لفاخرت جميع أقطار الورى
أزال سقم الشك في تحقيقه / فكم صدور في معانيها شفى
دوَّن ما أجاب في مجلِّدٍ / تذكرة لمن روى ومن وعى
مشتملاً على العلوم كلّها / وحاز فيه كل فضل وحوى
أرسلها إليهم فأيقنوا / أنَّ ببغداد الكمال قد ثوى
وراح للسلطان أيضاً مثله / فحاز إذ ذاك السرور والهنا
لدى أمير المؤمنين والذي / صيَّره الله على الخلق ذُرا
حامي حمى الإسلام والغوث الذي / يغاث فيه المستغيث إذ دعا
خليفة الله على عباده / وذروة فيه الخطوب تتقى
لو كانَ في البحر ندى يمينه / لا نساغ ما البحر عذباً في اللها
والنصر والإقبال بعض جنده / إذا سطا أو إن رمى أو إن غزا
وهادم الكفر بسيف باتر / حتَّى ترى عمادها العالي هوى
لاذت سلاطين الورى ببابه / ترجو مراضيه وتأبى إن أبى
وإنَّ هذا الدينَ في أيَّامه / أعاده من المشيب للصِّبا
طاعته فرض علينا واجبٌ / ويل لمن عن أمره السامي عتا
إذا أتاه بطشه استبلّ لا / يعرف إلاَّ عفوه من ملتجا
أمَدَّ من همَّته وعزمه / ظِلاًّ على الإسلام منه قد ضفا
خلافة جاءت له وراثة / عن جدّه عن النبيّ المصطفى
إنَّ علينا أكبر الفرض بأنْ / ندعو له بالنصر في طول المدى
إذ نظم الملك وشاد سمكه / وقد أباد من طغى ومن بغى
لما عليه عرضت أسئلة / وردّها إلى معاليه أتى
فكان عالي أمره بطبعه / ونشره في كل أقطار الملا
ليستفيد الناس من علومه / ويهتدى فيه وفيه يقتدى
وراكبٍ من المعالي سابقاً / ما عثر الجدّ به ولا كبا
لو ظلَّ مني أملٌ أنشِدُه / إليك من دون الأنام لاهتدى
مفتي العراقين ومولاي الذي / ألوذُ فيه حيث ما أمري وهى
مأوى أولي الفضل وشمس عزهم / والملتجى والمقتفى والمنتدى
والضّيف تغدو عن معالي فضله / شاكرة من فضله حسن القرى
تضرب في دسيعة مائدة / مما عليها من جذور يشتوى
ما تشتهي الأنفس فيها مائدة / يذهب عند مسّها مسّ الطوى
ما علمت بأنَّ في عراقنا / سوابقاً بالعلم تعدو المرطى
نحن وشكراً للذي صيّرنا / ينابع العلم وأعلام الهدى
إذا أتانا جاحدٌ مُباحثٌ / راح وفي فيه اغتذى عفر الثرى
أقْسِمُ بالربِّ العظيم شأنه / ومن على العرش تجلَّى واستوى
ما لَكَ في الدنيا نظيرٌ في ندىً / ولا حجىً ولا نهىً ولا عُلى
لو كانَ يدري الشرك ما حويته / من العلوم الغامضات لبكى
عذراً لحُسَّادك فيما جحدوا / لا تدرك الجونةُ أبصار السخا
مقالة المنصف فيك جهرة لا / شك كل الصيد في جوف الفرا
ذو جدوة هاطلة إذا اجتدى / ونخوة عالية إذا انتخى
درى أمير المؤمنين بالذي / أظهَرْتَه وفي سواه ما درى
ولو رآك طرفه لما ارتضى / إلاَّ بأنْ تسمو إلى أوج السما
قد سر فيك قلبه من سمعه / ولا يفيد الأذْنَ تصوير الرؤى
لله ما هذا الوزير إنَّه / عليٌّ المولى حباك بالرضا
مُعَمِّرٌ بغداد في إحسانه / من بعد ما أبادها ريب الوبا
وراض أهل البغي بالقتل فلن / تسمع في ديارهم إلاَّ الوعى
إذ يختلي الأعناق ضرب سيفه / كأنها العيس وقد لسَّت خلا
إذا امتطى العزم وصال صولة / قدّ الرؤوس جازلاً مع المطا
لو نالت المزن نوال كفه / لما اشتكى الظمآن من عيم الظما
لو كانَ للّيل سنا آرائه / أضاء من صباحها وما عسا
وعارف بالناس ذو فراسة / أخفت له ما قد توارى واختفى
أعلاك أعلى رتبة ومنصب / ذاقت أياديك به طعم الشرا
تقدّ فيك المعضلات كلها / لأنت سيف ولك الفضل جلا
تلقى هزبراً نابه حسامه / إبّان حُمَّ الأمر وانشقت عصا
الثابت الجأش الوقور جانباً / ما ارتاع من حادثة ولا انثنى
ولست منهم إن نأوا وإن دنوا / وهل يقال الدرّ من هذا الحصى
أنَّى لهم بما به أكمدتهم / وباعهم مع طول باعيك ورا
فدتك نفسي من هزبر باسل / وقلَّ من نفسي لعلياك الفدا
وقف على العافين ما تملكت / يمينه مما علا وما غلا
هل العلى إلاَّ يد مبسوطة / يؤمها لوِردها من اعتفى
وصارم مجرَّد مرهفة / مجوهر الإفرند محدود الشبا
وحسن خلقٍ وأحاديث عُلىً / لو أنس العاشق فيه لسلا
يهتزّ عِطف سامعيها طرباً / كأنَّما ذاق المدام فانتشى
وعزة بالدين بل ورفعة / وغيرة يحمى لها ويحتمى
وكلّ ما ذكرته وقلته / فيك على رغم العدى قد انطوى
من ذا يهنِّي العلم في سميذع / أصبحَ بعد الهدم في أسمى البنا
قد كانَ مخفياً فلما جاءه / محمود ذو المجد ابتدا وأنفا
إليك منِّي سيِّدي قصيدةً / فأنت حسبي من غناء وكفى
قصّرت يا مولاي في مقصورة / مضمونها الشكر عليك والثنا
فإن تنل منك الرضا جائزة / فهو الثراء للفقير والغنى
لو أنَّ هذا العيد أضحى ألسناً / تتلو لك الشكر الجميل ما وفى
يرى ضيفُ عبد الواحد الخيرَ كلَّه
يرى ضيفُ عبد الواحد الخيرَ كلَّه / وتُبْصِرُ عيناه جَميعَ الَّذي يهوى
كريمٌ متى تأوِ إلى ضوء ناره / أرتك إذن نيرانه جنة المأوى
فأكرمْ به مثوى ولو شاءَ ضيفه / لأنزل في إكرامه المن والسلوى
يكلّف ما لا تستطيع جفاتُه / ولم يرض حتَّى حُمّلت للقرى رضوى