المجموع : 23
لي في الإله عقيدة غراءُ
لي في الإله عقيدة غراءُ / هي والذي هو في الوجود سواء
نور على نور فهذا عندنا / أرض وعند الله ذاك سماء
يا قلب قلبي أنت جسم الجسم لي / ومن الصفات تأتت الأسماء
قد جاء نوري منك عنك مبلغاً / بك لي فكان بأمرك الإصغاء
وتتابعت بشرى الهواتف بالذي / يعنو له الإلهام والإيحاء
بي نشأتان طفقت أسرح فيهما / لي هذه صبح وتلك مساء
أبداً أنا نور أضيء وظلمة / وأنا تراب في الوجود وماء
وسمائي انشقت وشمسي كورت / ونجومي انكدرت فزال ضياء
وقيامتي قامت وإني هكذا / طبق الذي وردت به الأنباء
لي ساعد فيما أروم مساعد / ويد أصابع كفها الجوزاء
وفم يحدث بالمثاني الغض لا / زالت تجول بغيثه الأنواء
يا نحل قد أوحى إليك إلهنا / ومن الجبال بيوتك الأفياء
فكلي من الثمرات طراً واسلكي / سبل السعادة لا اعتراك شقاء
ومن البطون إلى الظهور شرابها / للناس فيه لذة وشفاء
هذا الذي فيه منادمة المنى / ووجود من قامت به الأشياء
ومتى تأملت التأمل منصفاً / عادت إلى ألف الحروف الياء
والحق ليس لنا إليه إشارة / نحن الإشارة منه والإيماء
بلاء الأنبياء هو البلاءُ
بلاء الأنبياء هو البلاءُ / وقد عانت عناها الأولياءُ
وذلك كان في الدنيا وفيما / به للناس ذم أو ثناء
ومن يكثر عليه الصبر يعظم / به عند الإله له الجزاء
وأما الدين فاحذر من بلاء / يصيبك فيه ذاك هو الشقاء
ومنه الأنبيا عصموا وعنه / شعار الصالحين الأتقياء
ومن يصبر عليه أصر عمداً / على العصيان وازداد العناء
نصحتك لا تخف في قطع رزق / أذى الدنيا فلله العطاء
وكن بالإنفراد سليم صدر / لأن مصاحبات الناس داء
فإنك إن نطقت بما تراه / عليهم حثهم فيك افتراء
وصرت عدوهم في كل حال / وليس لهم بما قلت ارعواء
وإن تسكت وتكرهه بقلب / فقلبك ما له فيهم خفاء
وأدنى ما يكون يقال هذا / ثقيل كل حالته رياء
وهم لا يقبلونك فاجتنبهم / وأنت بما علمت لك اهتداء
لأنك باللقاء تكون مغرى / يسبك إنه بئس اللقاء
وإن خالطتهم وسلكت معهم / يكون لهم بفعلك ذا رضاء
وتمسي بينهم مرفوع شان / وتصبح كل ما تلقى هناء
ولكن تبتلى في الدين منهم / بما هم فيه إذ بالسوء جاؤا
أكابرهم على الإعراض قاموا / ولو بالكفر ما لهم انثناء
وقد حملوا أصاغرهم عليه / مداهنة وليس لهم حياء
تنبه يا مريد الحق وافتح / عيونك ما بنو الدنيا سواء
وصابر عن لقاء الناس واصبر / على الإيذاء وليسع الأناء
فإن الصبر في الدنيا قليل / وعقباه انكشاف وانجلاء
فأما الصبر منك على عقاب ال / قيامة فهو ليس له انقضاء
ولا تترج غير الله مولى / فغير الله ما فيه الرجاء
صريح كلامي في الوجود وإيمائي
صريح كلامي في الوجود وإيمائي / سواء وإعلاني هواء وإخفائي
هو البحر عنه لا يزول كلامنا / فعن موجه طوراً وطوراً عن الماء
وكل كلام قد أتى متكلم / به فهو منه عنه في رمز أسماء
صحت أمةٌ من بعد ما سكرت به / فكان بها نوراً أضاء بظلماء
وقامت له في حضرة أقدسية / هي الشمس عنها الكل أمثال أفياء
عليك نديمي بارتشاف كؤوسها / ففي كأسها منها بقية صهباء
وما الكأس إلا أنت والروح خمرها / تحقق تجد في السكر أنواع سراء
وفي عالم الكرم الذي قد تعرشت / عناقيده قف واغتنم فضل نعماء
وخذ منه عنقوداً هو الجسم ثم دع / كثائفه واحفظ لطائف لألاء
ولا تكسر الراووق إن الصفا به / وحلل وركب في أصول وأبناء
إلى أن ترى وجه الزجاجة مشرقاً / وذات الحميا في غلائل بيضاء
فإن هناك الدن دندن فانياً / وجاء الدواء الصرف يذهب بالداء
وأقبلت الحسناء بالراح تنجلي / على يدها يا طيبَ راحٍ وحسناء
سجدنا إليها أي فنينا بحبها / وذلك لما أن أشارت بإيماء
وحاصله أن الجميع ستائر / على وجهها الباقي فعجل بإفناء
من الجسوم إلى الأرواح إسراءُ
من الجسوم إلى الأرواح إسراءُ / فيه لمثلي إشارات وإيماءُ
فاسجد له سجدة في مسجد حرمت / جهاته منه للأملاك لألاء
واسجد له سجدة أخرى بمسجده ال / أقصى يزل عنك بالتقريب إقصاء
وجه تعدد في المرائي
وجه تعدد في المرائي / وبه تحير كل رائي
والكائنات بأمره / موج على صفحات ماء
والأمر أمر واحد / فيه التقارب والتنائي
إن العوالم كلها / بظهورها والإختفاء
في سرعة وتقلب / مثل الكآبة في الهواء
بمداد أنوار الوجو / د الحق من يد ذي العلاء
قد خطها القلم الذي / هو باب ديوان العطاء
قلم له عدد الورى / أسنان رقم وانتشاء
صبغ الإرادة طبق ما / في الأرض يظهر والسماء
يا باطنا هو ظاهر / في كل ختم وابتداء
إني وإنك واحد / واثنان عند الإنثناء
من لي بمجهول العدا / عرفته كل الأولياء
إن غاب عن أغيارنا / هو عندنا ملء الإناء
يشقى ويسعد من يشا / بالداء جاء وبالدواء
هو بالتكبر في الشعا / ر وبالتعاظم في الرداء
وهو الجليس بذكره / للعارفين وبالثناء
غنى بمن غنى وقد / طبنا به لا بالغناء
وبدا بكل مهفهف / زاكي الملاحة والبهاء
وبه القلوب تهيمت / لا بالموشح في القباء
قمر محا ظلماتنا / بطلوعه وقت الضياء
حتى رأيناه به / في كل أنواع الضياء
شمس وكل الخلق في / أنوارها مثل الهباء
طلعت فأعدمت السوى / والكون آل إلى الفناء
حتى تجلى في غما / ئم باطل غيب العماء
فاختص قوماً بالضلا / ل وعمنا بالإهتداء
والكشف جاء بعسكر / والكون خفاق اللواء
والطبل أجسام الملا / والزمر أرواح الفضاء
وبموكب الأملاك حف / ف الغيب سلطان الوفاء
هذا فكيف عقولنا / لا تضمحل من الهناء
ظهر الوجود بسائر الأشياءِ
ظهر الوجود بسائر الأشياءِ / متجلياً جهراً بغير خفاءِ
والكل فيه هالك قد قال إل / لا وجهه الباقي عظيم بقاء
واعلم بأنك لا ترى منه سوى / ما أنت رائيه من الأشياء
إذ أنت شيء هالك في نوره / والنور يحرق حلة الظلماء
إن الوجود عن البصائر غائب / من حيث ما هو ظاهر للرائي
لا تدرك الأبصار منه سوى السوى / وهي الحوادث جملة الأفياء
والفيء يكشف أن ثمة شاخصاً / متحكماً فيه بغير مراء
فاحذر تظن بأن ما أدركته / ذاك الوجود وكن من العلماء
فجميع ما أدركته الموجود لا / هو ذا الوجود الحق ذو الآلاء
إن الوجود الحق عنك ممنع / في عزة وترفع وعلاء
وجميع ما أدركته هو حادث / فان وأنت كذاك رهن فناء
لكنه بك قد تجلى ظاهراً / وبسائر الأشياء باستقصاء
فرأيته من حيث لم تعلم به / وعلمته في رتبة الأسماء
فعلمت رتبته وأنت لذاته / راءٍ وتنكر أنت أنك رائي
إذ لم تكن تعلمْ به من حيث ما / هو في تدانٍ للورى وتناء
ولقد أتى هو ظاهر هو باطن / فافطن له في محكم الأنباء
ألا يا من بدا فينا
ألا يا من بدا فينا / بأوصاف وأسماءِ
فألهانا به عنا / دواء كان للداء
حبيبي كلنا فانون / وأنت الواحد الباقي
حبيبي إننا ذبنا / كملح ذاب في الماء
رأينا النور في الظَلْما / فكان النور هادينا
وأخفانا وأبدانا / بتصريح وإيماء
جميع الكون في عيني / تقادير الوجود الحق
ومن طاقاته يبدو / وجود الحق للرائي
وصل الله يا ربي / على خير الورى الهادي
ومن عبد الغني يوقى / به في الإسم والباء
كواكب جرت من السماءِ
كواكب جرت من السماءِ / فأمسكتها شبكات الماءِ
وعاقها طبع التراب والهوى / والنار عن مسارح الفضاء
ولو يشاء ربها أطلقها / عن قيدها الوهميِّ بالأشياء
وهي وجوه الغافلين حوِّلت / عن نور وجه الحق للظلماء
محجوبة بعقلها وحسها / عنه وعن ظهوره للرائي
حكم عليها أزلي لم يزل / بمقتضى التقدير والقضاء
ألا هلموا نحونا لتعلموا / علم اليقين صورة المرائي
وتكشفوا بالعقل عن أمثال ما / عليه نفس الأمر في الأنباء
ويعرض الحق على نفوسكم / ليذهب التكدير بالصفاء
فإن تكونوا مستعدين له / وفيكم القبول للوفاء
تذعن للحق بغير ريبة / قلوبكم لطلب اهتداء
فتؤمنون بالكتاب كله / حقاً بلا شك ولا مراء
وتعلمون منزل الأفعال عن / تحقق بالداء والدواء
وههنا الشيوخ تنتهي بكم / في أمر إرشاد وفي استيلاء
فلو تقدموا هنا لاحترقوا / واستوت الشمس على الأفياء
وبعد هذا إن أراد ربنا / أوقفكم هنا عن ارتقاء
في منزل العلم به ومن لهم / فيه الرسوخ صفوة اجتباء
وإن أراد زادكم بفضله / عين اليقين منزل الأسماء
وفصل الأمر الإلهيْ عندكم / ذوقاً بلا رمز ولا إيماء
فتدركون أنكم موتى وما / ثم سوى الحق من الأحياء
وهو الذي في الغيب والأسماء قد / قمتم بها في حضرة الإحصاء
وقد دخلتم جنة عالية / قطوفها دانية اجتناء
ثم إذا أراد زادكم به / حق اليقين حضرة انتهاء
وهو فناؤكم به ذوقاً فلا / موجود غيره من ابتداء
وههنا تم الكلام والذي / من بعد لا يدخل في الاناء
إذا الحقيقة تبدت تنجلي / للكل بالكل بلا خفاء
وكل شيء هالك فيها إذا / بدت وكل الشيء في الفناء
لنا الثبوت لا الوجود عندها / والعدم الصرف بلا انتفاء
عزت وجلت عن جميع ما بدا / بها لها في الأرض والسماء
نور بها تبين في ثبوتها / لأنها توجد باستقصاء
وهي الوجود وحدها الصرف الذي / يجل عن مدح وعن ثناء
وعن كمال نحن ندريه وعن / كل معاني القرب والثنائي
إن الزجاجة عبرة للرائي
إن الزجاجة عبرة للرائي / فانظر بها بالباء بعد الراءِ
وتأمل الأكوان حيث تنوعت / لك تنجلي في بهجة وبهاء
في حمرة في صفرة في خضرة / بخلاف ما هي سائر الأشياء
وكذلك الدنيا وما فيها فلا / يغتر راء بالذي هو رائي
سر التلون في الزجاجة فاعتبر / هذا بنفس داخل الأحشاء
إن النفوس هي الزجاجات التي / طبعت على سعد لها وشقاء
وبها يرى الرائي فيكشف مقتضى / ما عندها بتأمل وتراء
والحكم منه على الذي هو ظاهر / حكم عليه بلبسة وخفاء
فإذا تحقق كان أنصف حاكم / فيما رأى واختص بالنعماء
والقلب أذعن منه في إيمانه / بالغيب عن قطع بغير مراء
قد أحاط الوجود بالأشياءِ
قد أحاط الوجود بالأشياءِ / وتبدى بها بغير خفاءِ
فهو فيها ومالها من وجود / غيره فالحلول محض افتراء
وهي فيه أيضا أحاطة علم / سابق في تقديره والقضاء
فافهموا يا عقول قول إمام / حقق الأمر رغبة الإقتداء
واعرفوا قول في إذا هي قيلت / ههنا في الإله رب السماء
كيف محض الوجوه بالعدم الصر / ف يكون امتزاجه في الثراء
إنما ذاك جاء في الذكر يتلى / وهو حق في مذهب الأولياء
إن الوجود له ذات وأسماءُ
إن الوجود له ذات وأسماءُ / في الغيب عنا وعنه نحن أفياءُ
وهو الذي هو عين الظاهرين به / من الحوادث مما هن اقياء
مصور هو للأشياء من عدم / له ظهورٌ بها فيها وإخفاء
وإنما الحكم للأسماء تظهر ما / قد اقتضته فأنواعٌ وأنواء
فحققوا القول مني وافهموه ولا / تؤولوه ففي تأويله الداء
ولا تظنوا حلولاً في مقالتنا / ولا اتحاداً فمالأشياء أكفاء
هيهات ليس الوجود الحق يشبهها / فإنه باطل يمحوه اقتناء
لولا مشيئته قامت تخصصها / بالعلم ما كان إظهار وإبداء
الله نور السموات استمعه وعى / والأرض والنور يُمحى فيه ظلماء
والنور ذلك معناه الوجود كما / إلى الحوادث بالظلماء إيماء
وعادة النور في الظلماء يذهبها / هذا القياس الذي ما فيه إبطاء
لكن هنا في كلام الله جاء به / على الإضافة للأشياء إيحاء
حتى الإضافة فيه للسوى فتنت / حكم من الله عدل والسوى ساؤوا
كما يضل كثيراً قال خالقنا / به ويهدي كثيراً يا أخلاء
فافهم رموز كلام الله مهتدياً / به وخل تآويلاً بها جاؤوا
وجرد النور هذا عن إضافته / وانظر فهل لجميع الكون إبقاء
تدري الفنا والبقا في عرف سادتنا / أهل المعارف يا لامٌ ويا باء
وتعرف الله جل الله عنك وعن / سواك إذ لا سوى والنفس عمياء
كن غنيّاً في صورة الفقراءِ
كن غنيّاً في صورة الفقراءِ / لا فقيراً في صورة الأغنياءِ
ومرادي بالفقر ما كان فقراً / دنيوياً للأخذ والإعطاء
لا مرادي بالفقر لله ربي / ذاك فقر ما إن له من عناء
ذاك عز بدون ذل وعلم / فاصطبر إنه لخير بلاء
وتمسك بربك الحق واقنع / بالتجلي في سائر الأشياء
وانفض القلب من غبار الترجي / والتمني لجاههم والعلاء
إنما جاههم توهُّم عزٍّ / في هوان وشهرة في خفاء
وعلاهم محض استفالٍ وخفض / واحتقار عند البصير الرائي
وتحقق بما ترى يا أنا من / كل شيء تحقق العلماء
إن هذا مع الذي أنت فيه / هو سر الجميع عند الترائي
لا سواه وما السوى فيه إلا / عن عمود تنوع الأفياء
منعتني حقيقتي عن سواها / منع صادٍ رأى سراباً كماء
فتوقفت لا اكتراثاً وعجزاً / إنما النور طارد الظلماء
قد قال مَنْ قال مِن جهل وإغواءِ
قد قال مَنْ قال مِن جهل وإغواءِ / عن حكم تكليف ربي عبده الثائي
ما حيلة العبد والأقدار جارية / عليه في كل حال أيها الرائي
ألقاه في البحر مكتوفا وقال له / إياك إياك أن تبتل بالماء
حتى عليه فتى من أهل ملتنا / قد قال في رده نظماً بإنشاء
إن حفَّه اللطف لم يمسسه من بللٍ / وما عليه بتكتيفٍ وإلقاء
وإن يكن قدَّر المولى له غرقاً / فهو الغريق وإن أُلقِي بصحراء
يَعني إذا كان في علم الإله له / سعادةٌ عُلمت من غير إشقاء
فهْو السعيد وإن كانت شقاوته / في العلم فهو شقيٌّ هكذا جائي
والعلم يتبع للمعلوم من أزل / مقالة الحق للقوم الأخصّاء
كذا الإرادة والتقدير يتبع ما / في العلم من غير تأخير وإبطاء
فالله قدر ما في العلم كاشفه / بما بإيجاده سمّى بأشياء
وإنما هي آثار ملازمة / أيدي صفات من المولى وأسماء
إذ لا مضل بلا إضلاله أحداً / ولا يسمى بهادٍ دون إهداء
ولا معز بلا شخص يعززه / ولا مذل بلا قوم أذلّاء
وهكذا سائر الأسماء منه لها / قوابل كظلالات وأفياء
قديمة وهي معلوماته أزلاً / معدومة العين في محق وإفناء
والله سمِّيَ علام الغيوب بها / ترتبت هكذا ترتيب إنهاء
وهي التي كشف العلم القديم بها / من قبل إيجادها فافطن لأنبائي
حتى أراد لها قدماً فقدرها / طبق الذي هي فيه ضمن أجزاء
فلم يقدر سوى ما العلم حققَّه / ولا أراد سواه دون أخطاء
وقل على كل شيء حكم قدرته / لكن بمعلومه خُصّت بإبداء
ولم يكن عبثاً تكليفه أبداً / والكتب حق مع الرسل الأدلاء
والأمر والنهي من رب العباد على / عباده لا لسراء وضراء
ولا لأجل امتثال الأمر أوغرض / له تعالى ولا منع وإعطاء
وإنما هو تمييز الخبيث هنا / من طيبٍ ومراضٍ من أصحاء
وفي القيامة عدل الله يظهره / والفضل أيضاً لأقوام أعزاء
فليس من شرعنا جبر ولا قدر / وإنه فعل مختار بإمضاء
وقولُ من قال والأقدارُ جاريةٌ / ما حيلة العبد تغليطٌ بشنعاء
ما حلية العبد في فعل يكون له / بالقصد منه بلا جبر وإلجاء
أحاط علما به ربي فقدره / قدماً عليه بعدل بعد إحصاء
من غير ظلم وحاشا الله يظلم من / عليه يحكم عن علم بإجلاء
ألقاه في البحر مكتوفاً مغالطةٌ / وكيف يكتفه مع قصد إجراء
والكل ما هو بالمجعول في عدم / بل إنه مقتضى الأسما الأجلاء
والجهل تعريفه الإنشاء من عدم / وليس يوصف معدوم بإنشاء
فافهم وحقق لنفس الأمر معتبراً / حكم الإله بعلم لا بجهلاء
هذا الذي قد أخذنا عن مشايخنا / أولى الهداية والتقوى الألبّاء
عناية الله أعلى الله طائفةً / بها على غيرهم من مفتر سائي
عبد الغني له الرحمن وفقه / فبثها للتلاميذ الأخلاء
لعل تأتيه منهم دعوة فيري / قرباً بها من عظيم الفضل معطاء
حضرة الغيب سترها الأشياءُ
حضرة الغيب سترها الأشياءُ / فهي عنه كأنها الأفياءُ
تختفي تارة وتظهر طوراً / للذي قربته كيف تشاء
والذي أبعدته يجهل هذا / كل أنوارها له ظلماء
قدرت ما تشاء من كل حكمٍ / أزلاً إذ به لها إيماء
ثم لما توجهت لترى ما / قدرته ووجهها تلقاء
صبغ الرسم بالوجود فقالوا / وأطالوا وعم ذاك العماء
لا تقل هذه التباسة عقل / ليس للعقل في اليقين بقاء
حرف همزٍ وشكل رمزٍ تبدى / حركت أرضَه عليه السماء
إنه إنه عظيم عظيم / هو هذا إذا استحال الإناء
وهو في العين ساكن فتراه / غينها شين فيه وهو افتراء
ومضت لقمة لآدم كانت / مضغتها بجوفها حواء
أحمد الاسم في السماء بعيسى / وبقومي محمد عنه جاءوا
كل حمد فذاك منه إليه / راجع حيثما تنزَّل ماء
ليس للروح عندنا بعد هذا ال / أمر في الحس ما تراه النساء
قوم عيسى ترهبوا ليزيلوا / وصفَهم بالذكور وهو الدواء
ولنا ملَّة الذكور بذكرٍ / منزل فهي ملة سمحاء
إنها الهمزة الشريفة قدراً / في انقلاب القلوب فهي التواء
وهي حرف لنا وما هي حرف / حيث إبدالها له إبداء
حركات من السكون تبدت / لفجور وللتقى إيحاء
عزة في مذلة وارتفاع / في انخفاض وما الجميع سواء
هذه هذه وهذا وهذا / والذي والتي وهم أولياء
قد تولاهم المفيض عليهم / فهم الأشقياء والسعداء
جل هذا المقام حضرة طه / سيد الرسل أنه لا يجاء
لكن الإنحراف في كل حرف / يقتضي قدر ما يطيق الوعاء
فابدل الهمزة التي أنت تدري / ألفاً ساكناً هم الألفاء
تفاخر الماء والهواءُ
تفاخر الماء والهواءُ / وقد بدا منهما ادِّعاءُ
لسان حال وليس نطق / ولا حروف ولا هجاء
فابتدأ الماء بافتخار / وقال إني بي ارتواء
وبي حياة لكل حي / أيضا وبي يحصل النماء
وكان عرش الإله قدماً / عليَّ يبدو له ارتقاء
وطهر ميتٍ أنا وحيٍّ / لولاي لم يطهر الوعاء
ولا وضوء ولا اغتسال / إلا وبي ما له خفاء
وبالهواء اشتعال نار / ضرت وللنار بي انطفاء
وأحمل الناس في بحار / كأنني الأرض والسماء
وعند فقدي ينوب عني / في الطهر ترب به اعتناء
وأهلك الله قوم نوح / لما طغوا بي لهم شقاء
وليس لي صورة ولون / لوني كما لُوِّن الأناء
وقال عني الإله رجس ال / شيطان بي ذاهب هباء
والخلق يرجونني إذا ما / مسكت عنهم لهم دعاء
والأرض تهتز بي وتربو / فيخرج النبت والدواء
فقام يعلو الهواء جهراً / وقال إني أنا الهواء
فإن أنفاس كل حي / تكون بي للحياة جاؤوا
وإنني حامل الأراضي / والماء فيها له استواء
وأهلك الله قوم عاد / بشدتي ما لهم بقاء
أُرَوِّح القلب بانتشاق / فيحصل الطيب والشقاء
وأدفع الخبث حيث هب ال / نسيم يصفو بي الفضاء
وما لحي من البرايا / عني مدى عمره غناء
والنطق بي لم يكن بغيري / والصوت في الخلق والنداء
وليس كل الكلام إلا / حروفه بي لها انتشاء
وبي كلام الإله يتلى / فيهتدي من له اهتداء
وسنة المصطفى روتها / رواتها بي أيان شاءوا
وكل معنى لكل لفظ / فانه بي له اقتضاء
لولاي ما بان علم حق / وعلم خلق والأنبياء
ولا يكون استماع أذن / إلا وبى النوح والغناء
وحاصل الأمر أن كلاً / من ذا وذا للردى اندراء
وما لهذا فضلٌ على ذا / ولا لذا بل هما سواء
وكل ماء له مزايا / يكون فيها لنا الهناء
ولا هواء إلا وفيه / نفع كما ربنا يشاء
ولكن الماء مع تراب / يصير طيناً هو ابتداء
وآدم كان أصله من / طين وأضحى له اصطفاء
والمارج النار مع هواء / سموم ريح وذاك داء
ومنه إبليس كان خلقاً / له افتخار وكبرياء
فكيف يعلو الهواء يوماً / والماء فينا له العلاء
به الطهارت والذي لم / يجده ترب به اكتفاء
والنار فيها العذاب حتى / لكل شيء بها فناء
وإنما نورها اشتعال ال / هواء فيها له ضياء
والترب فيه الجسوم تبلى / فيظهر الذم والثناء
وعز ربي وجل عما / تقول أن يلحق الخطاء
بخلقه ربنا عليم / والعلم عنا له انتفاء
والفضل منه يكون لا من / سواه حقا ولا امتراء
هما إحاطتان بالأشياءِ
هما إحاطتان بالأشياءِ / إحاطة العلم بلا اختفاءِ
كذا إحاطة الوجود وهما / لم يُخرجا شيئاً من انتفاء
إحاطةُ الوجود للذات كما / لعلمه إحاطةُ الأشياء
بكل شيء ربنا عليمٌ / قد قال في القرآن ذو العلاء
وقال أيضا ربنا محيط / بكل شيء مظهر الأشياء
والشيء ليس خارجاً من عدم / بالعلم والوجود في استقصاء
وإنما هما إحاطتان قل / بذلك الشيء بلا امتراء
والشيء شيء هالك فانٍ ولم / يخرج عن الهلاك والفناء
ولو أحاط ربه علماً به / ولو وجوداً لعيون الرائي
وانظر إلى الظل الذي به أحا / طت شمسه ما زال في الظلماء
وانظر إلى إحاطة الخطوط في / دوائر فارغة الأثناء
وافهم كلامي واتبع القرآن لا / تعدل إلى العقول والآراء
فإن فيهن ضلالات الورى / بهن قد مالوا عن اهتداء
للذات ذات وللأسماء أسماءُ
للذات ذات وللأسماء أسماءُ / تدري حقيقته سعدى وأسماءُ
فاخرج عن اللفظ والمعنى لأنهما / رمزٌ إلى الذات والأسما وإيماءُ
هي الحقيقة في كل الأمور سرت / سراً و قامت بها في الجهر أشياء
تنزهت في فهوم العارفين بها / وإنما هم على الذكرى أدلاء
لا تسأل الكون عنها فهو يجهلها / وعنه سلها ففيها منه أنباء
كن طالباً علمها منها تجده بها / محققاً وعلى التحقيق لألاء
ما في الورى أحد إلا بقوتها / له مدى عمره منع وإعطاء
والناظرون بها والسامعون بها / وإن يكن عندهم للأمر إخفاء
وتسعد الناس أو تشقى بلا غرض / فهي الدواء كما تختار والداء
شمس وعن علمها كل الورى ظهروا / كأنما هم ظلالات وأفياء
حرك الذت آلة الأسماءِ
حرك الذت آلة الأسماءِ / فتنصَّت لطيب هذا الغناءِ
يا غناء هو الحوادث تبدو / ثم تخفى سريعة الإيحاء
هو مثل الأصوات في إيقاع / وانتظام لسامعٍ ولرائي
لمعُ برقٍ إلهامُ كلِّ وليٍّ / وحي حق لسائر الأنبياء
فتأمل كلامنا وتحقق / بالتجلي واخرج من الظلماء
فالتجلي إن قمت يوماً به لا / بك تعرف من أنت بالأضواء
هذه هذه معارف قوم / هم كتاب الله العزيز العلاء
جاء عن أحمد النبي إلينا / ثم كُنَّاهُ معشرَ الأولياء
فيه أنَّا نقوم بالشرع صدقاً / مع ما عندنا من الإصغاء
لتقادير ربنا نافذات / بالورى في سعادة أوشقاء
فاسمعوا يا عقول هذا وكفوا / عن جمود لمائكم في الإناء
واعلموا أنكم بخلق جديد / كل وقت كالبارق المترائي
أمر رب علا وجل وهذا / واحد في ظهوره والخفاء
وهو خلق لقوله كان أمر ال / لَهِ يعني مقدرات القضاء
آمنوا إن جهلتم العلم منا / أو فلا تؤمنوا هما بالسواء
عندنا ليس عندكم واستفال / في السوى لا يقاس بالإرتقاء
واحذروا تنكروا من الجهل قولا / قاله صادق من العلماء
إلي الذات سيري في مراتب أسماءِ
إلي الذات سيري في مراتب أسماءِ / بصورة مزج النار فيَّ مع الماءِ
أنا الهيكل المجموع من كل حضرة / مقدسة كالبدر في جنح ظلماء
ألمت بنا ذات البراقع والورى / نيام فأبدت وجهها بعد إخفاء
أماطت وكنا بالعشي لثامَها / فأصبحت الأنوار تشرق للرائي
إذا كانت الأكوان آثار فعلها / نقول تجلت بالدواء وبالداء
ألا إنها غيب الغيوب وإنها / شهادة داني في الشهادة أو نائي
أهان الهوى قوماً بها قد تولعوا / فعزت عليهم حين جاؤوا بأهواء
إشارات أحوالٍ رموز حقائق / لوائح تقريب بدائع إيماء
أبانت عن الغيب المقدس للذي / تعلقه باللام فيها وبالباء
إضافية تبدو فتخفى بنورها / وتبدو فيخفى شاخص خلف أفياء
لا شيء غير الله والأشياءُ
لا شيء غير الله والأشياءُ / معدومة فعل لمن يشاءُ
والفعل أمر عدمي ما له / بغير من يفعله انجلاء
فالظاهر الله لهم بفعله / والفعل معدوم له الخفاء
والحق أصل وبعلمه بدا / وسائر الخلق له الأفياء
والفيء معدوم الوجود ظاهرٌ / له إلى شاخصه انتماء
والشاخص العلم القديم خلفه / نور وجودِ الذات والضياء
قال ألم ترَ إلي ربك كي / ف قال مدَّ الظلَّ حين جاؤا
وهو المحيط ربنا بكل ما / في الكون وهو المنعم المعطاء
وفي الحديث سبعة يظلهم / في ظله فهو لهم غطاء
وذاك في يوم ظهوره لهم / لا ظل إلا ظله المشاء