المجموع : 14
جويريةُ احمدي عُقبَى البناءِ
جويريةُ احمدي عُقبَى البناءِ / بَنَى بكِ خيرُ مَن تحت السّماءِ
بلغتِ به ذؤابة كل عالٍ / من الشرف الممنّع والسّناء
وكنتِ لقومك الأدنين يمناً / يريهم يُمن خير الأنبياء
فكم أسرى فككتِ وكم سبايا / رددتِ إلى الخدورِ بلا فداء
محرِّرةَ الرقاب كفاك فضلاً / صنيعك بالرجال وبالنساء
كشفت الضرّ عنهم بعد يأسٍ / وأحييت الرميم من الرجاء
توالى المسلمون على سبيل / من الكرمِ المحبّب والسّخاء
لأجلك آثروا البُقْيا وقالوا / علينا العهدُ عهدُ الأوفياء
أمَنْ وصل النَّبيُّ فكان صهراً / كمنقطعٍ من الأقوامِ ناء
خذوا يا قوم أنفسكم وعودوا / إلى أوطانكم بعد الجلاء
سَمَوْا بنفوسهم وبني أبيهم / إلى دين المروءة والإباء
ورَدَّ اللَّه غُربتَهم وفازوا / بنعمته فنعمَ ذوو العلاء
هو الإسلامُ ما للنفس عنه / إذا ابتغتِ السّلامةَ من غناءِ
نظامُ الأرضِ يدفع كلَّ شرٍّ / وَطِبُّ القومِ ينزع كلّ داء
إذا انصرفت شعوب الأرض عنه / فبشّرْ كلَّ شعبٍ بالشقاء
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ / فما يَجِدُ الأُساةُ لهم دَواءَ
ألاَ إنّ النَّطَاسِيَّ المرجَّى / أتى يَلقى الأُلى انتظروا اللِّقاءَ
أتى بالحكمةِ الكُبرى رسولاً / فكانَ لِعلّةِ الدُّنيا شِفَاءَ
أَتَطمعُ زَينبٌ بذراعِ شاةٍ / يُسمَّمُ أن يُضَرَّ وأن يُساءَ
أبى المَلِكُ المُهيمِنُ ما أرادتْ / فَخَيَّبَها وكان لهُ وَقَاءَ
أتَتْ تمشِي بها وتقولُ هذا / طعامُكَ فَارْضَهُ وانعمْ مَساءَ
فقال لصحبِهِ رِزقٌ أتانا / فباسمِ الله لا نُحْصِي ثَنَاءَ
فَلَّما ذَاقَها قال اتركوها / فإنّ اللهَ قد كَشَفَ الغِطاءَ
طَعَامُ السُّوءِ مَسْمُومٌ وهذا / أخِي جبريلُ بالأنباءِ جَاءَ
فَكَفُّوا غَيْرَ بَادِرَةِ لِبِشْرٍ / مَضَتْ قَدَراً لِرَبِّكَ أو قَضاءَ
فَيَا لكِ طَعنَةً لم تُبْقِ منه / لِحاجَةِ نَفْسِهِ إلا ذماءَ
إذا رامَ التَّحَوُّلَ أمسكته / ولو قَدرتْ مَفاصِلُهُ لَناءَ
قَضَاها حِجَّةً من ذاقَ فيها / مَرَارَةَ عَيشِهِ كَرِهَ البقاءَ
وحُمَّ قَضَاؤُهُ فَمَضَى رَضِيَّاً / يُبَوَّأُ جَنَّةَ المأوى جَزاءَ
وقال مُحَمَّدٌ يا آلَ بِشرٍ / كَفَى بِدَمِ التي قُتِلَتْ عَزَاءَ
فلاقَت زَينبٌ قتلاً بقتلٍ / وما كانت لصاحبهم كِفَاءَ
أمَنْ حَمَلَ الخِمَارَ من الغواني / كمن حَمَلَ العِمامَةَ واللِّواءَ
كَذلِكَ حُكمُ ربِّكَ في كتاب / أقَامَ السُّبْلَ بَيِّنَةً وِضَاءَ
هُوَ القِسْطَاسُ أُنزلَ مُسْتَقيماً / لِمن يَزِنُ النُّفوسَ أو الدِّماءَ
أتى يحمي الحُقُوقَ ويقتضيها / فلا جَنَفاً يُريدُ ولا عَدَاءَ
بِناءُ العدلِ ليس به خَفاءٌ / فَسُبحانَ الذي رَفَعَ البِناءَ
ألا خَسِرَ اليهودُ ولا أصابوا / طِوالَ الدَّهرِ خَيراً أو نَماءَ
كَأنَّ الغدرَ عِندَ القومِ دِينٌ / فَما يَدَعُ الرجالَ ولا النساءَ
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ / وعَرفتَ شيخَ السَّداةِ الحُكَماءِ
تلك السياسةُ حَزْمُها ودهاؤُهَا / ناهيك من حزمٍ وفَرْطِ دَهاءِ
مُرْ يا محمدُ وَاقْضِ مالَك عَائِبٌ / في كلِّ أمرٍ ترتضي وقضاءِ
وَلرُبَّما خَفِيَ الصّوابُ فأسفَرتْ / عنه وُجوهُ الرأيِ بعد خَفاءِ
بَدأ النبيُّ بغيرِ من كانوا له / خَيْرَ الصَّحابةِ عند كُلِّ بَلاءِ
يرجو مَوَدَّتَهم وَيَبني منهمُ / لِلدّينِ صَرحَ أمانةٍ وَوفاءِ
أعطى أبا سُفيانَ وَابْنَيْهِ فما / أنْدَى سَجايا الواهبِ المِعْطَاءِ
وَحبا حَكيماً ما أرادَ ثلاثةً / ونهى هَواهُ فكانَ خيرَ حِباءِ
وأصابَها مِئَةً له من نفعها / ما جَلَّ عن عَدٍّ وعن إحْصاءِ
قال ارْعَويْتُ فلستُ أرزأُ بَعدَها / أحداً وآلَى حِلفَةَ الأُمناءِ
يُدْعَى لِيأخذَ من أبي بكرٍ ومن / عُمَرٍ فما يَزدادُ غيرَ إباءِ
يا وَيْحَ للعبّاسِ يَغلبُ حِلْمَهُ / أنْ كان دُونَ مَراتبِ الرُؤساءِ
أبْدَى الشكاةَ فكان صُنْعُ مُحمّدٍ / صُنْعَ الطبيبِ يُريدُ حَسْمَ الدَّاءِ
قال اقْطَعُوا هذا اللِّسانِ بنفحةٍ / عَنّي وتلك سَجِيَّةُ العُظماءِ
صَفوانُ أسلمَ فانجلتْ غَمراتُه / وأفاقَ بعد غَوايةٍ وغَباءِ
لمّا رأى الإسلامَ يَسطعُ نُورُه / كَرِهَ الضلالَ وضَاقَ بالظلماءِ
ومَشى على الأثرِ الكريمِ يَزِينُه / خُلُقُ الهُداةِ ومَظهرُ الحُنَفاءِ
صَفوانُ سِرْ في نُورِ ربِّكَ إنّه / يَهْديكَ في سَيْرٍ وفي إسراءِ
يا زَيْدُ قُمْ بالأمرِ وَاكْتُبْ وَاجْتَنِبْ / خَطَأ الغُواةِ وكَبْوَةَ الجُهَلاءِ
أحْصِ الرجالَ وآتِ كُلّاً حَقَّهُ / ممّا أفاءَ اللهُ ذُو الآلاءِ
ما أكرم الأنصارَ والصَّحْبَ الأُلى / حُرِمُوا فَمِن صَبرٍ ومن إغضاءِ
نزلوا على حُكمِ النبيِّ وسَرَّهم / ما كان من ثقةٍ وحُسنِ رَجاءِ
قَومٌ رسا الإيمانُ مِلءَ قُلوبِهِم / وسَما عَن الشَّهواتِ والأهواءِ
لا تَملكُ الدنيا عليهم أمرَهم / في شِدّةٍ من دَهرهِم ورَخاءِ
ما ضرَّ مَنْ يَسخو بِمُهجةِ نفسِهِ / أنْ لا يفوزَ من امرئٍ بِسَخاءِ
نالوا بفضلِ اللهِ عند رسولهِ / ما لم يَنَلْ أحدٌ من النَّعماءِ
إنّ الثّناءَ إلى الرجالِ يَسوقُه / لأجلُّ من إبلٍ تُساقُ وشَاءِ
خَسِرَ الذي آذَى النَّبيَّ بِقولِهِ / ظَلَم الرجالَ ولجَّ في الإيذاءِ
أثِمَ المنافقُ إنّها لَكبيرةٌ / وكذاكَ يَأثمُ نَاطِقُ العَوْراءِ
صبراً رسولَ اللهِ لستَ بأوّلٍ / ما حِيلةُ الحُكماءِ في السُّفهاءِ
مُوسى أخوكَ أُصيبَ من أعدائهِ / بأشَدِّ ما تَرمِي قُوَى الأعداءِ
إن أنتَ لم تَعدلْ فمن ذا يُرتجى / للعدلِ تحت القُبَّةِ الزّرقاءِ
نَفَر الحِفاظُ بخالدٍ ورفيقهِ / والموتُ مُصغٍ والمهندُ راءِ
لولاكَ إذ جاوزْتَ أبعدَ غايةٍ / في الحِلمِ جاوزَ غايةَ الأحياءِ
قُلتَ اسْكُنا لا تقْتُلاَهُ فإنّه / سيكونُ رأسَ الشِّيعةِ النّكراءِ
يغلونَ في دينِ الإلهِ فَيخرجُوا / مِنهُ خُروجَ السَّهمِ يومَ رِمَاءِ
لا يذكرِ الأقوامُ أنّ محمداً / يَجزِي الأُلى صَحبُوه شرَّ جَزاءِ
تِلكَ النُّبُوَّةُ يا مُحمّدُ فَاضْطَلِعْ / منها بأعباءٍ على أعْباءِ
أدِّبْ وعلِّمْ تِلكَ مدرسةُ الهُدَى / فُتِحتْ وأنت مؤدِّبُ العُلماءِ
يَا ابنَ عَوْفٍ سِرْ حثيثاً باللِّواءْ
يَا ابنَ عَوْفٍ سِرْ حثيثاً باللِّواءْ / وَاقْدِمِ الجيشَ بعزْمٍ وَمَضاءْ
سِرْ حثيثاً يا ابنَ عوفٍ إنّها / دُومَةُ الجندلِ والقومُ البِطاءْ
سُبقوا للحقِّ ما يأخذُهُم / ذلك النّورُ ولا هذا الرُّواءْ
وَيحَهمُ ماذا عليهم لو رَضُوْا / شِرْعَةَ اللهِ ودينَ الحُنَفَاءْ
اتَّقِ اللّهَ ولا تَبْغِ الأَذَى / وَاتَّبِعْ ما قال خيرُ الرُّحَمَاءْ
إنّ للحربِ لديه أدباً / يَزَعُ السَّيْفَ ويَحمي الضُّعَفَاءْ
مَنْ يَدَعْهُ لا يَنَلْ مَجداً وإن / فَتَحَ الأرضَ وأقطَارَ السَّماءْ
أَعرضَ القومُ وقالوا دِينُنا / يا ابنَ عوفٍ دِينُنا لا ما تَشاءْ
ليس غير السيفِ يقضي بيننا / وَهْوَ أَوْلَى يا ابنَ عوفِ بالقَضَاءْ
وَرَأى سَيّدُهم ما هَالَهُ / من أمورٍ لا يراها الجُهَلاءْ
إنّهُ الأصبغُ لا يَخدعُهُ / باطلُ الوَهْمِ ومكْروهُ الهُراءْ
قَالَ أَسلمتُ فيا قوم اشْهَدُوا / وَاهْتدُوا فاللهُ حَقٌّ لا مَرَاءْ
شَرَعَ الدِّينَ الذي وَصَّى بهِ / عُمدَةَ الرُّسْلِ وشيخَ الأنبياءْ
هُوَ دِينُ اللهِ حَقّاً ما بِهِ / إن رَضِينَا أو أَبَيْنَا من خَفَاءْ
أَسْلَمَتْ من قومِهِ طائفةٌ / وَأَبَتْ طائفةٌ كُلَّ الإباءِ
ما على ذي هِمَّةٍ من حَرَجٍ / إن تَرَاخَى الجِدُّ أو زَاغَ الرّجاءْ
كلُّ أمرٍ فَلَهُ مِيقاتُه / طابتِ الأنفسُ أم طالَ العَناءْ
يا ابنةَ الأصبغِ هذا ما قَضَى / ربُّكِ الأعلى فَفُوزِي بالرَّفَاءْ
مِلَّةٌ فُضْلَى وبَعلٌ صالحٌ / حَبَّذَا القَسمُ وما أسنَى العَطَاءْ
إنّه أمرُ النبيِّ المُجتَبَى / معدنِ التّقوى وَمَوْلَى الأتقياءْ
يا ابنَ عوفٍ لو رأى الغيبَ امرؤٌ / لَرَأتْ عيناكَ ما تَحتَ الغِطَاءْ
لَكَ من زَوْجِكَ كَنزٌ جَلَلٌ / مِن كُنوزِ اللَّهِ أغنى الأغنياءْ
يُستمَدُّ العِلمُ مِنهُ والهُدَى / ويُقامُ الدِّينُ قُدْسِيَّ البِناءْ
نعمةٌ للَّهِ ما أعظَمَها / فله الحمدُ جَميعاً والثَّناءْ
دَعا فَأَثار الساكنين دعاؤُهُ
دَعا فَأَثار الساكنين دعاؤُهُ / وَنادى فَراعَ الآمنين نِداؤُهُ
أَخو وَصَبٍ ما إِن يَحمُّ اِنقضاؤه / وَذو أَرَبٍ ما إِن يَحين قَضاؤُهُ
بِهِ مِن بَني مَصرٍ عَناءٌ مُبرِّحٌ / فَيا لَيتَ شِعري هَل يَزولُ عَناؤُهُ
أَما إِنَّهُ لَو كانَ يَشفِي غَليلَهُ / بُكاءٌ عَلى مِصرٍ لَطالَ بُكاؤهُ
تقسَّمها الأَقوامُ لا ذو حَمِيَّةٍ / فَيَحمي وَلا واقٍ فَيُرجى وَقاؤُهُ
وَما مِصرُ إِلّا مَوطنٌ نَحنُ أَهلُهُ / عَزيزٌ عَلَينا أَرضُهُ وَسَماؤُهُ
فَيا حَبّذا قَبل الشَقاءِ نَعيمُهُ / وَيا حَبّذا بَعد النَعيمِ شَقاؤُهُ
ثَوى فيهِ أَقوامٌ مَلَلنا ثَواءَهم / وَيا رُبَّ ثاوٍ لا يُملُّ ثَواؤُهُ
لَقَد كانَ يَأبى أَن يَذِلَّ لغاصبٍ / فَيا لَيتَ شِعري أَينَ ضاعَ إِباؤُهُ
وَيا لَيتَ شِعري أَيَّةً بانَ عِزُّهُ / وَأَينَ تَولَّى مَجدُهُ وَعَلاؤُهُ
لَقَد كانَ يَرعاه رِجالٌ أَعِزَّةٌ / بِهم مِن صُروفِ الدَهرِ كانَ احتماؤُهُ
همو ضارَبوا عَنهُ فَصانوا ذِمارَهُ / بِصارِمِ عَزمٍ ما يُرَدُّ مَضاؤُهُ
بَني وَطَني لا تُسخِطوهُ عَليكمو / فَلَيسَ سَواءً سُخطهُ وَرِضاؤُهُ
بَني وَطني خَلّوا التَخاذُلَ إِنَّهُ / بَلاؤكمو يَجتاحكم وَبلاؤُهُ
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها / ما تَنقضِي الآمالُ في أَبنائِها
أَمسى الشَقاءُ لَها خَدِيناً ما لَهُ / مُتحوَّلٌ عَنها فيا لِشَقائِها
هَذا لعَمُركُمُ العُقوقُ بِعينهِ / أَكَذا تُخلّى الأُمُّ في بَلوائِها
أَكذا تُغادَرُ للخطوبِ تَنوشُها / وَتمدُّ أَيديها إِلى حَوبائِها
غَرضَ النَوائبِ ما تَزالُ سِهامُها / تَهوِي مُسدَّدةً إلى أَحشائِها
صَرعى تَواكلَها الحُماةُ فَما لَها / إِلّا تَرقُّبُ مَوتِها وَفنائِها
تَبكي وَنضحكُ دُونَها وَلَوَ اَنّنا / بَشَرٌ بَكَينا رَحمةً لِبُكائِها
تَشكو البلايا التارِكاتِ نَعيمَها / بُؤساً وَما تَشكو سِوى جُهلائِها
يا آلَ مصرَ وَأَنتمُ أَبناؤُها / وَلَكُم جَوانِبُ أَرضِها وَسَمائِها
إِن تَسألوا فَالجهلُ داءُ بلادِكُم / وَمِن البليّةِ أَن تَموتَ بِدائِها
وَالمالُ وَهوَ مِن الوَدائعِ عِندَكُم / نِعمَ الدَواءُ المُرتَجى لشفائِها
إِن يَبنِ زارعُها الحياةَ لِقَومِهِ / فبكفِّ صانِعها تَمامُ بِنائِها
عودُ الثُقابِ أَما يَكونُ بِأَرضِنا / إِلا تَراهُ العَينُ مِن أَقذائِها
يا قَومُ هَل مِن إِبرَةٍ مِصريّةٍ / تَشفي بَقايا النَفسِ مِن بُرحائِها
إِنّ الصَنائعَ للحياةِ وَسيلةٌ / فَتعاونوا طُرّاً عَلى إحيائِها
لا تَبخلوا يا قَومُ إِن كُنتم ذَوي / كَرَمٍ فَما الدُنيا سِوى كُرمائِها
قُوموا قيامَ الأَكرمين وَجَرِّدوا / هِمَماً تودُّ البِيضُ بَعضَ مَضائِها
وَتَدَفَّقوا بِالمكرماتِ وَنافِسُوا / في بَذلِ عارفةٍ وَكَسبِ ثَنائِها
عَزَّ الثَراءُ فجئتُ مِصرَ وَأَهلَها / مُتَبَرِّعاً بِالشِعرِ عَن شُعرائِها
كَذَبَ المُلوكُ وَمَن يُحاوِلُ عِندَهُم
كَذَبَ المُلوكُ وَمَن يُحاوِلُ عِندَهُم / شَرَفاً وَيَزعُمُ أَنَّهُم شُرَفاءُ
رُتبٌ وَأَلقابٌ تَغُرُّ وَما بِها / فَخرٌ لِحامِلِها وَلا اِستِعلاءُ
آناً تُباعُ وَتَارَةً هِيَ خِدعَةً / تَمْنَى بِشَرِّ سُعاتِها الأُمَراءُ
كَم رُتبَةٍ نَعِمَ الغَبِيُّ بِنَيلِها / مِن حَيثُ جَلَّلَها أَسىً وَشَقاءُ
لَو كانَ يَعلَمُ ذُلَّها وَهَوانَها / ما طالَ مِنهُ الزَهوُ وَالخُيَلاءُ
يَلقى الكَرامَةَ حَيثُ كانَ وَفِعلُهُ / جَمُّ المَساوِئِ وَالمَقالُ هُراءُ
تِلكَ الجَهالَةُ وَالغُرورُ وَباطِلٌ / ما يَصنَعُ الأَغرارُ وَالجَهلاءُ
ذَنبُ المُلوكِ رَمى الشُعوبَ بِنَكبَةٍ / جُلّى تَنوءُ بِحَملِها الغَبراءُ
لا المَجدُ مَجدٌ بَعدَما عَبَثَت بِهِ / أَيدي المُلوكِ وَلا السَناءُ سَناءُ
مالوا عَنِ الشَرَفِ الصَميمِ وَأَحدَثوا / ما شاءَتِ الأَوهامُ وَالأَهواءُ
رَفَعوا الطَغامَ عَلى الكِرامِ فَأَشكَلَت / قِيَمُ الرِجالِ وَرابَتِ الأَشياءُ
زَعَموا الثَراءَ فَضيلَةً فَقَضوا لَهُ / ساءَ الَّذي زَعَمَ المُلوكُ وَساءوا
يا رُبَّ مُثرٍ لَو أَطاعَ إِلَهَهُ / وَأَبى الدَنايا فاتَهُ الإِثراءُ
بَزَّ الضَعيفَ فَمِن نَسائِلِ طِمرِهِ / حُيكت عَلَيهِ البِزَّةُ الحَسناءُ
وَعَلى بَقايا دورِهِ وَطُلولِهِ / أَمسَت تُقامُ قُصورُهُ الشَمّاءُ
وَإِذا الرُعاةُ تَنَكَّبَت سُبُلَ الهُدى / غَوَتِ الهُداةُ وَطاشَتِ الحُكَماءُ
وَإِذا الطبيبُ رَمى العَليلَ بِدائِهِ / فَبِمَن يُؤمَّلُ أن يَزولَ الداءُ
لَو جاوَرَ الشَرَفُ المُلوكَ لَأَورَقَت / صُمُّ الصُخورِ وَضاءَتِ الظلماءُ
ظُلمٌ يُبَرِّحُ بِالبَريءٍ وَغِلظَةٌ / يَشقى بِها الضُعَفاءُ وَالفُقَراءُ
الحَقُّ مُنتَهَكُ المَحارِمِ بَينَهُم / وَالعَدلُ وَهمٌ وَالوَفاءُ هَباءُ
رَفَعوا العُروشَ عَلى الدِماءِ وَإِنَّما / تَبقى السَفينَةُ ما أَقامَ الماءُ
يا بَني النيلِ تَقَضّى صَومُكُم
يا بَني النيلِ تَقَضّى صَومُكُم / فَاِبتَغوا بِالبِرِّ عُقبى الأَتقِياء
وَزَكاةُ الفِطرِ هَذا يَومُها / فَاِجعَلوها لِيَتامى الشُهَداء
غيظَتِ الأَنواءُ مِمّا اِنهَمَرَت / في يَدِ المُختارِ أَيدي الكُرَماء
طافَ يَدعو كُلَّ سَمحٍ مُفَضلٍ / سائِغِ المَعروفِ مَعسولِ العَطاء
صادِقِ الإيمانِ يَخشى رَبَّهُ / وَيَرى رِضوانَهُ خَيرَ الجَزاء
يا رَسَولَ اللَهِ يَمشي حَولَهُ / مَلَأُ الرُسلِ وَوَفدُ الأَنبِياء
لَكَ مِن مِصرَ وَإِن غيظَ العِدى / ما أَقَلَّت مِن نُفوسٍ وَثَراء
دَعوا اِستِقلالَ مِصرَ فَقَد عَرَفنا
دَعوا اِستِقلالَ مِصرَ فَقَد عَرَفنا / خَفايا الأَمرِ وَاِنكَشَفَ الغِطاءُ
دَعوا اِستِقلالَكُم يا قَومُ إِنّا / مِن اِستِقلالِكُم هَذا بَراءُ
خُذوهُ إِلى المَقابِرِ فَاِدفُنوهُ / وَقولوا لِلرَئيسِ لَكَ البَقاءُ
فَإن تَكُ خُطَّةً أُخرى فَمَرحى / وَإِلّا فَالتَذَمُّرُ وَالإِباءُ
دَعوها ضَجَّةً لا خَيرَ فيها / فَما يُغني الضَجيجُ وَلا العُواءُ
أَتُغضِبُكُم حَمِيَّةُ كُلِّ حُرٍّ / تُهَيِّجُهُ المُروءَةُ وَالوَفاءُ
خُذوا سُفهاءَكُم يا قَومُ عَنّا / فَقَد طالَ التَحَلُّمُ وَالحَياءُ
أَنُعرِضُ عَن مَقالَتِكُم وَتَأبى / رِقابُ السوءِ ذَلِكُمُ البَلاءُ
أَأَحرارٌ نُجاهِدُ أَم تِجارٌ / وَهَل في مِصرَ بيعٌ أَو شِراءُ
خُذوني إلى دار النيابةِ وَاسْأَلوا
خُذوني إلى دار النيابةِ وَاسْأَلوا / ضحايايَ عن بأسِي وصِدقِ بَلائي
كأنّ صُفوفَ القومِ في جَنَباتِها / إذا جدَّتِ الهيجا صَفيفُ شُواءِ
لِواءَ الله بُورِكَ مِن لواءِ
لِواءَ الله بُورِكَ مِن لواءِ / وهل بِجنودِ ربّكِ من خَفاءِ
تُظلِّلُها الملائكُ حين تمشِي / وتقدمها صُفوفُ الأنبياءِ
إذا ما النّصرُ أظلمَ جانباهُ / تَبلّجَ في كتائِبها الوِضاءِ
كتائبُ تركبُ الأقدارَ خَيْلاً / وتَتّخِذُ المعاقِلَ في السّماءِ
تَسُلُّ سُيوفَها فَتَكِلُّ عنها / مَضاربُ كُلِّ أَشطبَ ذِي مَضاءِ
جِهادٌ تقذف الآياتُ فيهِ / بِكلِّ مُدمِّرٍ عَجِلِ الفَناءِ
تَطايَر بالكتائبِ والسّرايا / فَغادَرها كمنتشرِ الهباءِ
يَشقُّ جَوانِحَ الشُّمِّ الجواري / ويعصفُ بالسَّوابحِ في الجِواءِ
حُماةَ الحقِّ صُدُّوا كلَّ عادٍ / ورُدُّوا المُبطلين عنِ الهُراءِ
وَصُونوا الشَّعبَ عن أهواءِ قَومٍ / أضَاعوهُ بِمُنقَطعِ الرّجاءِ
يَصيحُ به الحُماةُ وقد تردَّى / بِمَذْأَبةٍ تَجاوبُ بالعواءِ
أقام بها يُصانِعُ كلَّ طاوٍ / شديدِ الختلِ مُستعرِ الضَّراءِ
تراه على الكِلاءَةِ والتَّوقِّي / مُلِحَّ النّابِ يكرعُ في الدّماءِ
أَغارَ وما تَغَيَّبتِ الدّرارِي / وعاثَ وما غفا ليلُ الرِّعاءِ
لَعمرُ النّاكِثين لقد وَفَيْنا / على ما كان من مَضَضِ الوفاءِ
نصونُ لِمصرَ حُرمَتها ونَحمِي / حقيقَتها ونَصدقُ في الفِداءِ
سَجِيَّتُنا وسنّةُ مَن ورِثنا / من السَّلفِ المُقدّمِ في السَّناءِ
أئِمَّةُ نَجدةٍ ودُعاةُ حقِّ / أقاموا المجدَ مُمتَنِعَ البناءِ
عليهم من جلال الذّكر سُورٌ / تروعك منه سِيما الكبرياءِ
يَهابُ الدّهرُ جانِبَهُ فَينْأَى / ويُغضي النَّجمُ عنه من الحَياءِ
جَثتْ هِمَمُ الخلودِ على ذُراهُ / وأقعت حوله ذِمَمُ البَقاءِ
لعمرك ما حياةُ المرءِ إلا / جَلالُ الذّكرِ في شرفِ الجَزاءِ
إذا لم تَبْنِ قومَكَ حين تبني / فأنت وما تَشيدُ إلى العَفاءِ
حُماةَ النّيلِ كيف بنا إذا ما / أضاعَ النّيلَ وَفدُ الأدعياءِ
هُمُ ائْتَمروا بهِ فَتداركوهُ / وَرُدُّوا عنه عاديَة القَضاءِ
أَيذهبُ بين مَأدُبةٍ وأُخرى / فَبِئْسَ الضّيفُ ضيفُ ذَوي السَّخَاءِ
نُباعُ وما أتَى الأقوامَ شرعٌ / بِبَيْعِ في الشُّعوبِ ولا شِراءِ
فَهلا إذْ أبَى النخّاسُ أَمستْ / تُسامُ نُفوسُنا سَوْمَ الغلاءِ
ألا لا يطمعِ الأقوامُ فينا / فلسنا بالعبيدِ ولا الإماءِ
وكيف يُرَدُّ للجهَلاءِ حُكمٌ / إذا جَهِلَ الشُّعوبَ أولو الدّهاءِ
لِئنْ نكَبوا الكِنانةَ حِينَ جاءوا / لقد نُكِبوا بِشعبٍ ذِي إباءِ
بني التّاميزِ لا تَثِقُوا بوفدٍ / يُبايُعكم على صِدقِ الولاءِ
أرى الزُّعماءَ قد لبسوا جميعاً / لكم ولقومهم ثَوْبَ الرِّياءِ
دَعُوا رُسلَ الوِفاقِ وما أرادوا / فإنّا لا نُريد سوى الجلاءِ
لَئِنْ أَودَى الغليلُ بنا فهذا / أوانُ الرِيِّ للمُهَجِ الظِّماءِ
قُصُّوا الحديثَ عن الفريقِ النّائي
قُصُّوا الحديثَ عن الفريقِ النّائي / وصِفوا لمصرَ مَصارعَ الشُّهداءِ
وتداركوا دينَ الجهادِ وفَسِّروا / للجاهلينَ شَرائعَ الزُّعماءِ
إيمانُ أحبارٍ وفِقهُ أئمّةٍ / ذَهبوا فَضاعَ على يدِ الفُقهاءِ
المُنكِرين على الحُماةِ وفاءَهم / المُؤثِرين تقلُّبَ الأهواءِ
القانعينَ من الحياةِ بباطلٍ / ومن المطامعِ والمُنى بهَباءِ
النّازلينَ على مَشيئةِ مَن يرى / أنّ القويَّ أحقُّ بالضُّعفاءِ
شُغِلَ الفوارسُ بالوَغى وأراهمُ / شُغلوا بِبَيْعٍ خاسرٍ وشراءِ
السُّوقُ قائمةٌ ومصر بضاعةٌ / نُكِبَتْ بأخذٍ مُوجَعٍ وعطاءِ
زعموا الشُّعوبَ لكلِّ ذي جَبَريَّةٍ / أسرابَ ضأنٍ أو قطيع إماءِ
وغَلَوْا فظنّوا اللهَ مُخلفَ وعدِه / واللهُ فوق مَزاعمِ الجُهلاءِ
يَئِسوا من العُقْبَى فتلك نُفوسُهم / تُزجَى جَنازتُها بغيرِ رجاءِ
كبّرتُ للموتى تُضيءُ قُبورُهم / وبَكْيتُ بعضَ منازلِ الأحياءِ
يهوين في لُجَجِ الظّلامِ كما هوت / هلكى السَّفينِ تَغيبُ في الدّأماءِ
أبكي على الوطنِ اللّهيفِ ولَيْتَني / أدركتُ سُؤْلي أو أَصبتُ شِفائي
هَدَّتْ جَبابِرةُ الغُزاةِ كِيانَهُ / فهوَى وتلك جنايةُ السّفهاءِ
نادوا شهيدَيْ مِصرَ في قبرَيْهما / وصِلوا دَويَّ ندائكم بندائي
نادوا اللِّواءَيْنِ اللَّذين طوى الرَّدى / فالجندُ منتظِرٌ بغيرِ لواءِ
نزل القضاءُ به فَعُوجِلَ مُصطفَى / وهوى عليٌّ فارسُ الهيجاءِ
أهوَ الجلاءُ دَها الكِنانةَ فيهما / فأثابَ كلَّ مُطالِبٍ بجلاءِ
رُزْءان ما بلَغتْ بَعيدَ مَداهما / هِممُ الخُطوبِ ولا قُوى الأرزاءِ
صَدَعا جِبالَ المشرقَيْنِ وزلزلا / أُممَ الزَّمانِ وساكِني الغبراء
يا مصرُ غُضّي من جمالِكِ واحْجُبي / سُلطانَ حُسنْكِ عن هَوى الأبناءِ
عَبَثوا بِحُرْمتِه وواجبِ حقّهِ / وجزوا صَنيعَكِ فيه شرَّ جزاءِ
هم أخطأوا معنى المحبَّةِ وادَّعوا / حِذقَ الثّقاتِ وفطنةَ الحكماءِ
أَجِدُ الحنينَ إليكِ سُلوةَ نازعٍ / وأرى تودُّدَهم أليمَ جفاءِ
ذهب اللّذان تساقيا صَفْوَ الهوى / عفَّ الكؤوسِ مُهذَّبَ النُّدَماءِ
لم يبقَ بعدهما لِمُضمِرِ لوعةٍ / من حبِّكِ المُضني سِوَى الأقذاءِ
عرفا الصَّبابةَ نَجدْةً وَمُروءةً / والحُبَّ مَحميَةً وصِدقَ بَلاءِ
فَتَدفَّعا يستهلكانِ على الصِّبى / نفْسَينِ تزدادان طولَ بقاءِ
جُودٌ كجودِ الأنبياءِ ولن تَرى / في العاشِقينَ خلائقَ البُخلاءِ
وإذا رُزِقتَ الصِّدق في أهلِ الهَوى / فالنّفسُ أهونُ قُربةٍ وفداءِ
عَجِلَ الرِّفاقُ فمزّعَتْهم نِيَّةٌ / بَعُدَ المطارُ بها عن العَنْقاءِ
خُلِقوا لِوَشْكِ نَوىً وطُولِ تَفرُّقٍ / ونَظنُّهم خُلِقوا لطول ثَواءِ
جَرَتِ الظُّنونُ الهُوجُ خلفَ مَطيِّهم / فهوَيْن من تَعبٍ وفرطِ عَياءِ
لا البرقُ مُخبرُ أيّةً ذهبوا ولا / رُسلُ البريدِ تَجِيءُ بالأنباءِ
الدّهرُ أخرسُ والبلادُ صوامتٌ / والنّاسُ بين تفجُّعٍ وبُكاءِ
والطّيرُ من غادٍ عليَّ ورائحٍ / تَهذِي بِقُربِ تجاورٍ ولِقاءِ
أَسَفِي عليهم يَرتمِي بِرِحالهم / حادي الصَّباحِ وسائقُ الظَّلماءِ
مُغفين من فَرْطِ اللُّغوبِ وما درت / تلك الجفونُ لَذاذةَ الإغفاءِ
تركوا الدّيارَ تذوبُ شوقاً بعدهم / وتَضِجُّ من أسفٍ وطولِ عناءِ
ظَلمتْ فراعِنَةُ الخُطوبِ قطينَها / وقَضى عليها الدّهرُ شرَّ قضاءِ
هي أُمّةٌ أخذَ الهوى بزمامِها / ورمَى الدُّعاةُ عُيونَها بغطاءِ
فَتدافعتْ طَوْعَ العواصفِ ترتدِي / هَبَواتِ كلِّ سفيهةٍ هَوجاءِ
ثمّ انثنتْ صَرعَى تُمجُّ كلومُها / ذَوْبَ الكِلىَ وعُصارةَ الأحشاءِ
ضاقت بها الدُّنيا فما من مَذهبٍ / والرأيُ أفيحُ واسعُ الأرجاءِ
هذا السّبيلُ فأين مُرتادُ الهُدَى / هذا الدواءُ فأين نِضوُ الدّاءِ
لِلحقِّ في ظُلَمِ الأُمورِ مَسالكٌ / بيضُ المعالمِ غيرِ ذاتِ خَفاءِ
نحن الحُماةُ الصّادقين وهذه / سِمَةُ الهُداةِ وسُنّةُ الأُمَناءِ
إن يَمْضِ أعلامُ الجِهادِ فما مَضتْ / بيضُ الظُبى ومساقطُ الأشلاءِ
فتقدَّموا يا قومِ لا يقعُدْ بكم / عند اللّقاءِ تهيُّبُ الجُبَناءِ
مِصرُ المضيمةُ تستثيرُ إباءَكم / وَلْهَى تخافُ شماتةَ الأعداءِ
ضِنُّوا بميراثِ الدُّهور وحَصِّنوا / شرفَ البنين وسُؤدُدَ الآباءِ
لا تجزَعوا للحادثاتِ تُصيبُكم / وخُذوا سبيلَ الفِتيةِ الحُنَفاءِ
الدّهرُ يومُ مَذلَّةٍ ومَهانَةٍ / والدَّهرُ يومُ حميَّةٍ وإباءِ
غَوَتِ النُّفوسُ فَسَادَ كلُّ مخادعٍ / ومَضى بأمرِ القوم كلُّ مُراءِ
هل في المشارقِ مَن يُردِّدُ صَيْحتي / أم في الكنانةِ من يُجيبُ دُعائي
إنّ الذي جَعلَ الحياةَ شريعةً / أوحَى حقائقها إلى الشُّعراءِ
يا رافعي علم الجهاد تقدّموا
يا رافعي علم الجهاد تقدّموا / ودعوا صفوف المحجمين وراءَ
خُوضوا الكريهةَ حاسرين فإن طغت / لُجَجُ الملاحمِ فاركبوا الأشلاءَ
لستم بني الشهداءِ بورك عهدهم / حتى تكونوا مثلهم شهداءَ
انْبعِثْ في الأرضِ يا وَحْيَ السَّماءْ
انْبعِثْ في الأرضِ يا وَحْيَ السَّماءْ / واسْرِ يا نُورَ الهُدَى مِلءَ الفَضاءْ
انْبَعِثْ كالرُّوحِ يا رُوحَ الرَّجاءْ / وامْلأ الأكوانَ مِثلَ الكهرباءْ
أنتَ مَعْنَى الخَلْقِ أو سِرُّ البَقاءْ /
يا حياةً ليسَ عنها مِن مَحيدِ / للبرايا من شقِيٍّ وَسَعَيدِ
امْلأَي الدُّنيا وَزِيدي ثُمَّ زِيدي / لا تَخَافي أَنْ تَزُوليِ أو تَبِيدي
أنتِ أُمُّ الدّهرِ أو أُخْتُ القضاءْ /
أَوَّلٌ لَيْسَ لَهُ مِن آخِرِ / يَرْمُقُ الدُّنيا بِعَيْنَيْ ساخِرِ
يَترامَى في عُبابٍ زاخِرِ / من جَلالٍ عبقريٍّ فاخِرِ
شامِخَ العِرْنينِ عالي الكِبرياءْ /
يا جلالَ الخلدِ في العزّ المُقيمْ / أيّ مُلكٍ مِثْلُ ذا المُلْكِ العظيمْ
يتجلىَّ في سَلامٍ وَنَعيمْ / مِن عطاءِ اللهِ ذي الفضل العميمْ
وهو مَوْلَى كُلِّ فَضْلٍ وعَطَاْءْ /
أَنْزَلَ القُرآنَ نُوراً وهُدَى / في بيانٍ بالِغٍ أقْصَى المَدى
يَتَوالىَ الصَّوتُ منه والصَّدَى / إنّ هذا الكونَ لم يُخلَقْ سُدَى
فاسْتَفِيقي يا ظُنونَ الجُهَلاءْ /
اسْتَفِيقي إنّه صُبحُ اليَقينْ / جاءَ طلقَ الوجهِ وضّاحَ الجبينْ
يتحدَّى الناسَ بالحقِّ المُبينْ / ويَسوسُ الأمرَ من دُنيا ودينْ
في نظامٍ من سَلامٍ وإخاءْ /
يطفِئُ الشَّرِّ بأنفاسِ الجُنَاةْ / تَنْضَوِي فيها جناياتُ الحياةْ
فَإذا القومُ رُفاتٌ في رُفاتْ / وإذا ما قدّموا مِن سَيِئاتْ
طارَ في آثارهم مِثلُ الهَباءْ /
يا طبيبَ الدّاءِ يُودِي بالطّبيبْ / ما لِقومِي مِنْكَ في شكٍّ مُريبْ
غاب لُبُّ الأمرِ عن عِلمِ اللّبيبْ / يا عجيباً دُونَهُ كلُّ عجيبْ
أين من سِرِّكَ سِرُّ الكِيميَاءْ /
صانِعٌ يُحسِنُ إنشاءَ النُّفوسْ / فَهْيَ في إشراقِها مِثلُ الشُّموسْ
وحكيمٌ تَنْحَني شُمُّ الرُّؤوسْ / تَتلَقَّى من عِظاتٍ وَدُروسْ
ما وَعَى للمؤمنين الحُكماءْ /
وَكَّلَ اللهُ به مِن أَهْلِهِ / مَعْشراً ضَمُّوا القُوَى في ظِلِّهِ
وبَنُوا بُنيانَهمْ مِن أجلِهِ / فجَزاهم ربُّهم من فضلهِ
صَالِحَ الأجرِ ومَوفورَ الجزاءْ /
عَلِّمُوهُ الناسَ إذ مالَ الهَوَى / بِزَمانٍ صَدَّ عنه فَغَوى
لو جَرَى الأمرُ عليهِ ما الْتَوَى / هَلْ لأهلِ الأرضِ من هادٍ سِوَى
ما وَعَى الذّكرُ من الآي الوِضاءْ /
يا رِجَالَ اللهِ زِيدُوا اللَه نَصْرا / واعْصْفُوا بالدِّهرِ إيماناً وصَبْرا
لا تَلِينُوا إنّها الأحداثُ تَتْرَى / والجهادُ الحقُّ بالأبطالِ أَحْرَى
يا رجالَ اللِه سِيروا باللِّواءْ /
أَنتمُ القُوَّادُ خُوضُوا بالجنودْ / لُجَجَ الهيجاءِ من حُمْرٍ وسُودْ
نَزِّهُوا الإسلامَ عن دعوى الجُمودْ / أَفَيُدْعَى جامداً رُوحُ الوُجودْ
هكذا تَعْمَى قُلوبُ الأغبياءْ /
الكِفاحُ اشتدَّ والبأسُ احْتَدَمْ / ربَّنا انْصُرْ قومَنا في المُزْدَحَمْ
واجْعَلِ الإسلامَ مرفوعَ العَلَمْ / ربَّنا لا تُخْزِنا بين الأُمَمْ
إنّه المجدُ وإرثُ الأنبياءْ /
كنْ لنا فالأمرُ أمرُ القادرِ / ما لِشَعْبٍ عاجزٍ من ناصِرِ
لا تَدَعْنَا مَغْنمَاً لِلظّافرِ / واسْتَجبْها دعوةً من شاعِرِ
يبتغِي وَجْهَكَ بين الشُّعراءْ /
يُرسِلُ الشّعرَ شُعاعاً سَارِيا / ودماً في كلِّ عِرْقٍ جاريا
يرتوِي منه نقيّاً صافياً / ربِّ فاجْعَلْني إماماً هاديا
واهْدنِي في المؤمنينَ الأصفياءْ /