المجموع : 5
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ
ذوى شبابيَ لم يَنْعَم بسرّاءِ / كما ذوى الغصنُ ممنوعاً عن الماءِ
سَدَّتْ عليَّ مجاري العيشِ صافيةً / كفُّ الليالي وأجرتها بأقذاء
فمِنْ عناءِ بَلَّياتٍ نُهكتُ بها / إلى عناء . ومن داءٍ إلى داء
ستٌ وعشرونَ ما كانت خُلاصتُها / - وهي الشبابُ طريّاً – غيرَ غمَّاء
وما الحياةُ سوى حسناءَ فارِكةٍ / مخطوبةٍ من أحبَّاء وأعداء
قد تمنعُ النفسَ أكفاءً ذوي شغفٍ / ورّبما وهبتها غيرَ أكفاء
ولا يزالُ على الحالينِ صاحبُها / معذَّبَ النفسِ فيها بيِّنَ الداء
فإنْ عجِبتَ لشكوى شاعرٍ طرِبٍ / طولَ الليالي يُرى في زِيِّ بّكاء
فلستُ أجهلُ ما في العيش من نِعمٍ / انا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
ولا أحبُّ ظلامَ القبر يغمُرني / أنا الخبيرُ بأشياءٍ وأشياء
وإنَّما أنا والدُّنيا ومحنتُها / كطالبِ الماء لمَّا غَصَّ بالماء
أُريدُها لمسرّاتٍ فتعكِسُها / وللهناءِ فَتثنيهِ لايذاء
وقد تتبَّعتُ أسلافي فما وقعتْ / عيني على غير مشغوفِ بدُنياء
فانْ أتتكَ أحاديثٌ مُزخرَفةٌ / عن الذينَ رَوَوْها أو عن الللائي
يُشوِّهونَ بها إبداعَ غانيةٍ / فتَّانهٍ لم تكنْ يوماً بشوهاء
طوراً تُصوّرُ حِرباء وآونةً / كالأفعوان . وأُخرى كالرُّتَيْلاء
فلا تصدّقْ فما في العيشِ منقصةٌ / لولا أضاليلُ غوغاءٍ ... ودهماء
ذَمَّ الحياةَ أُناسٌ لم تُواتِهُمُ / ولا دَروا غيرَ دَرَّ الإبْل والشاء
وقلَّدَتْهُمْ على العمياء جَمهرةٌ / تمشي على غير قصدٍ خبطَ عشواء
ولو بدَتْ لهمُ الدُّنيا بزيِنتها / لقابلوها بتبجيلٍ وإطراء
لم تكفِني نكباتٌ قد أُخذتُ بها / حَتى نُكبتُ بأفكاري وآرائي
لي في الحياة أمانٍ لو جَهَرتُ بها / قُوبلتُ من سَفْسطيَّاتٍ بضوضاء
ولو أتاني بِبُرهانٍ يجادلُني / لقلتُ : أهلاً على العينين ِ مولائي
شِيدتْ قصورٌ على الأجراف جاهزةٌ / بكلِّ ما تشتهيهِ أعينُ الرائي
فيهنَّ من شهواتِ النفس أفظعُها / فيها غرائبُ أخبارٍ وأنباء
فيها اللَّذاذاتُ والأفراحُ عاصفةٌ / بنفسِ ذاكَ المُرائي عَصفَ نكباء
حتى إذا قلتَ قولاً تستبينُ به / لُطفَ الحياةِ بتصريحٍ وإيماء
هاجوا عليكَ بإقذاعٍ ومفحشةٍ / وآذنوكَ بحربٍ جِدِّ شعواء
حُرِّيةُ الفكر ما زالتْ مهدَّدةً / في " الرَّافدين " بهمَّازٍ ومشَّاء
وبالنواميسِ ما كانتْ مُفسَّرةً / إلا لِصالحِ هيئاتٍ وأسماء
صاحبي لو تكونُ من أعدائي
صاحبي لو تكونُ من أعدائي / لتمنَّيتَ أن تموتَ بدائي
لتمنيت أن يكونَ لك الطُولان / طُولُ الأذى وطُولُ البقاء
نضت الروح وهزتها لواء
نضت الروح وهزتها لواء / وكسته واكتست منه الدماء
واستمدت من إله الحقل . والبيت / والمصنع . عزما ومَضَاء
رمتِ الزرعَ بعين أثلجَ الدَمعُ / فيها ضرمَ الحِقدِ اجتواء
أعجلت عنهُ فآلت قَسَماً / أن ستسقيه دمَ الاعداءِ ماء
ومشت في زَحمةِ الموتِ على / قدمٍ لم تخشَ مَيلا والتواء
اقسمت باسم عظيمٍ كرمت / باسمِه أنْ لا تهين العظماء
يا " ستَالينُ " وما أعظمَها / في التهجي أحرُفاً تأبى الهجاء
أحرف يستمطرُ الكونُ بها / إنعتاقاً وازدهاراً وإخاء
خالق الامة لم يمنُنْ ولم / يبغِ – لولا أرَجُ الزهر – ثناء
وزعيمٌ شعَّ فيمنْ حولَه / قبسٌ منه فكانوا الزعماء
زَرَّ بُردْيهِ على ذي مِرّةٍ / فاض إشفاقاً وبأساً وعناء
مسّه الظلمُ فعادى أهله / وامترى البؤسَ فَحَبَّ البوساء
وانبرى كالغيمِ في مُضْحِيَةٍ / فسقى دهراً وأحيا وأفاء
بُوركَ الباني وعاشت أمةٌ / وفتِ الباني حقوقاً والبناء
قيل للعيشِ ففاضت امناء / وإلى الموت ففاضت شهداء
ومشى التاريخُ موزونَ الخُطى / ما انحنى ذُلاً ولا ضجّ ادعاء
هذه التربهُ لا ما سُمِّيت / وطناً يُنبِتُ جوعاً وعراء
وهي ذي الحفرة إذ طارت عَجاجاً / الفُ نفسٍ معها طارت فداء
وهو ذا العِرضُ فهل تبغي وقاةً / مثلَهم أو مثل ذا تبغي وقاء
قف على " القَفْقاس " وانظر / موكبَ المجدِ والعزةِ يمشي خُيَلاء
وسلِ ( القوزاقَ ) هل كان دماً / لمعانُ السيف أم كان طلاء
وجدَ الغادرُ من قسوتها / ما رأى من لطفها الضيفُ سخاء
والعتاقُ الجردُ هل لاقت بما / عاقها من جثث القتلى عناء
نفخت من وَدَجَيْها أن رأتْ / مُمْتطَى فارسِها أمسى خلاء
فهي والغيظُ مرى أشداقها / تعرِكُ اللُّجْمَ وتجتّر الغثاء
واحتواها رهَجُ الحربِ فما / تُبصر الأرضَ عتواً وازدهاء
من على صهوتِها يمنحُها / شرف " الفارسِ " عزماً وفتاء
ياعروسَ " الفلغِ " والفلغا دمٌ / ساءت البلوى فاحسنت البلاء
صبغ " الدونَ " دماءين هما / بُعدُ بين الرجس والطهر التقاء
وجرت امواجُه حاملةً / فوقها الضدينِ صبحاً ومساء
وعلى الجرفين " عظمان " هما / رمزُ عهدَيْنِ انحطاطاً وارتقاء
يا ابنة النهرين دومي شَبَحاً / لقويٍّ وضعيفٍ يتراءى
للمهينين عقاباً وجزاء / والمهانين انتفاضاً وإباء
كنتِ اسمى مثلاً من ظَفَرٍ / لم تلده خططُ الحربِ دهاء
غلب الغالبُ فيه وانثنى الطوقُ / – كالحبل – على الطوق انثناء
كنت رمزاً ألْهَمَ الجيلَ الفداء / وهدى الأعقاب ما شاءت وشاء
حسِبوا أمرك ما قد عودوا / صعقَ الحربِ اتقاداً وانطفاء
وابتداء من حديدٍ ودمٍ / يمهَرُ الفتح به ثم انتهاء
واستجاشوا – فيلق الموت على / ظمأ للدم منَّوه ارتواء
ومضوا فيما أرادوا خطوة / أوشك اليأس بها يمحو الرجاء
وجف الغربُ على وطأتِها / وأمالت كلكلَ الشرقِ فناء
وتلوت جيرةٌ طماحةٌ / أفناء تَتَلَقّى أم بقاء
حملت حاضرَها واثقةً / أنَّ في مستقبلٍ آتٍ عزاء
وانبرى التاريخُ في حَيْرتِهِ / أأماماً يتخطّى ام وراء
وسرت انباءُ سوءٍ تَدّعي / أن ريحاً تُنِذرُ الدنيا وباء
حُلُمٌ حلوٌ مُمرٌّ مؤنسٌ / مُوحشٌ سرَّ بما جاء وساء
طاف بالكون فأغفى اهلهُ / تعساءً و أفاقوا سعداء
فاذا العزة في عليائها / تتضرّى فتدوسُ الكبرياء
وإذا الأنقاض في كُرْبتِها / تُفْعِمُ المكروبَ كالرَّوض شذاء
واذا المنقضُ من أحجارها / لمح النجمَ تعالى فاضاء
وإذا الطاغوتُ في أعراسه / يملأ الدنيا نحيباً وبكاء
أنتِ امليت على تاريخه / طافحا بالكبر ذلاً واختذاء
ومحوتِ العجب من اسطاره / وملأت الصَّلَفَ المحضَ ازدراء
وصفعتِ الدنَّ في يافوخِهِ / صفعة لم تُبْقِ خَمْراً وانتشاء
حسب من ضاقت ثناياكِ به / أنه يبغي فلا يَقوى النَّجاء
وكفى المحتلَ هَوناً أن يُرى / الاسرون الغلبُ منه اسراء
نحنُ أهلَ الأرض لو نقْوى وفاء / لرفعناكِ على الأرض سماء
لجعلنا كلَّ عينٍ – مثلما / كلَّ قلب – تتملاكِ اجتلاء
نَعْمَ ما أسدَتْ يدٌ آثمةٌ / كشفت عن وجهِكِ الحرِّ غطاء
عاصفٌ مر فجلّى وانجلى / بدت الشمسُ به أبهى سناء
وضح الحق الذي طال خفاء / وتولى زَبَدُ الكِذبِ جُفاءا
وحّدَ العدلُ شعوباً خلطاء / عمروا الأرضَ وعاشوا خلصاء
وجدوا في تربة تجمعُهمْ / كلّ ما يُطْلبُ في الخُلْدِ اشتهاء
ورأوا في السّلمِ ديناً يُقْتَضى / ورأوا في الحربِ للدَّين اقتضِاء
اترجي – أن تنجي وطنا / من يد الموت – جنوداً فقراء
إن للحرب رجالا ليتَهُمْ / خبّرونا أنَّ للحرب نساء
وغيورات أبى تاريخها / أن ترى دون الغيورين غَناء
زانها الطهرُ رُواءً وارتمتْ / في مُثار النقعِ فازدادت رُواء
ذادت الامُّ عن البيت وقاء / وارتمى الطفلُ على الامِّ افتداء
وتعزَّت حين أخلت طُنفا / لم تَصُنْه – أنها صانت فِناء
" أم غوركَي " ليت عندي وحيه / لأوفى ( بنتَك ) اليومَ الثناء
لو يعود اليومَ حياً لرأى / مثلَها ألفْاً تهزّ البُلَغاء
بل ولولا أن غوركي أمه / مثلُ هذي لم يُبزَّ النبغاء
يا " تولستوي " ولم تذهبْ سدى / ثورةُ الفكر ولا طارت هَباء
يا ثرياً وهبَ الناسَ الثراء / قُمْ ترَ الناسَ جميعا أثرياء
قُمْ تَجِدْهم ما لكِي غلّتهِمْ / من على عهِدك كانوا الأجَراء
هكذا ( الفكرةُ ) تزكو ثَمَراً / أن زكت غرساً وأن طابت نماء
قد محصتَ حقاً وادعاء / كلم يخترق السمع سواء
ووجدت الناسَ من جهلِهِمُ / لا يَميزون ثُغاء ورُغاء
استُغلوا فهُمُ من بأسِهمْ / لا يكادون يَعون الأنبياء
فحملت " البعثَ " باليمنىَ لَهم / وعلى اليسرى هناء ورخاء
وشجبت الرفقَ والرحمةَ من / نفر ليسوا بحق رُحَمَاء
ينشُدون الناس أحراراً وهم / ملأوا البيتَ عبيداً وإماء
وكَسَوْا كلبهُمُ الخزَّ ومنْ / حولهمْ يلتحفُ الجمعُ العراء
ووجدت الذئبَ في حالاتِه / ربما رافق معزاة وشاء
قد يكون الكذب مفضوحا هراء / ويكون الصدقُ مدسوسا وباء
ويكون الحقُ – ما بينهما - / باطلاً والطالحون الصلحاء
يا ابنةَ النهرين هذا نَسَبٌ / من ولاءٍ لو تقبلتِ الولاء
بَعُدَ المَرْمى بما استهدفتِه / واختذى السهمُ فقصرتِ عياء
وارتمى الحسُّ على الحسِّ فما / يستطيع اللفظُ للوعي اداء
ومن الظلم – الذي تابَيْنَه / أن تسومي المعجزاتِ الشعراء
عاطفاتٌ حُوَّمٌ عاجت على / أبْحُرِ الشعر فردتها ظماء
وهي ما كانت لتدلي سببا / لك لولا أنها كانت بَراء
لم تُثِرْها نزوةُ النفس ولم / يُزهها العُجْبُ ولم تنبِضْ رياء
جُلُّ ما يسعفني به / أن يلبي " الفمُ " للقلبِ نداء
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ
بم أستَهِلُّ بِموته ورثائِهِ / أم قبل ذاك بعُرسه وهنائِهِ
عيَّ اللسانُ فان سمِعتَ بِمِقول / فاعلم بأني لستُ من أكفائه
هو موقفٌ ما بين قلبي والأسى / جَلّى فكان الصبرُ من شهدائه
سكن الثرى من كان لا يطِأ الثرى / وهوى اليه وكان في جوزائه
ولقد خشِيتُ عليه من نَفسَ الصَّبا / أسفاً لواهُ الموت في نكبائه
نجم هوى من أُفقه فتناقصت / ولتشهدنَّ عليه شُهْبُ سمائه
من كان يفترش الجْفُون وطاؤه / قد وسدته الترب غيرَ وِطائه
بشرى أبيكَ وبورك العُرسُ الذي / زفوك فيه الى ثرى بَوغْائِه
ما الموت أطبقَ ناظريكَ وإنما / رق الصَّبا فكَرعْتَ من صهبائه
امجانباً عرض البسيط أعيذه / من ان يَضيقَ عليك رحبٌ فضائه
لكن رأى زمراً تمور وعالماً / خلط الظلال هديره بِرُغائه
فطواك في أحشائه متخوفاً / من أن يضيع الدُّر في حصبائه
هذا الربيع – وأنت من أزهاره - / يَبكيك طيبَ أريجه وهوائه
أسفاً فلا روضُ الحمى زاهٍ ولا / نُوارُه متفتحٌ بشذائه
ما اهتز نعشك يوم صفف عوده / الا لأنك كنت من خطبائه
يَبكيك مِنْبَرُكَ الرفيعُ وإنما / يبكى لفقد وقاره وعلائه
قد كان يأمُل أن يبلغ مُنيةٍ / حتى يراك وأنت من بلغائه
لا توقظوه بالدموع فربّما / أغفى لطول سُهاده وعنائه
ولقد خشِيتُ عليه قبلَ حِمامه / أن سوف يُحرِقُه لهيبُ ذكائه
غصْن لوته الحادثات فلم يُطِق / دفعاً لها فذوى بخضرة مائه
جاذبنه فضل الحياة فقصّرت / منه وما قصُرت فضول رادئه
قالوا أأعوزه الدواء جهالةً / ولربما مات الفتى بدوائه
يا أيها " السلك " المبلغ نعيَهُ / هلاّ حملتَ لنا حديث لقائه
ركب تحمل والحِمامُ يسوقه / عَجِلاً ووقعُ البرق صوتُ حُدائه
قلت : البشارةُ بالقدوم فهذه / أوتارهُ هزِجت بلحن غنائه
فإذا على أسلاكه مهزوزةً / نبأ يرِن الحزن في أثنائه
عجباً له خِلو الحشا من لوعة / وجليلُ رزء الموت في أحشائه
قاسٍ تحمل وقع كل عظيمة / جللٍ تحطُ البدر في عليائه
كالعود في أهزاجه والسهم في / إصماته والطَرفِ في إيمائه
متملكٌ سمعَ المُلوك وإنما / يروي فصيح القول في فأفائه
لا يستكنُّ السرُّ بين ضلوعه / وتراه محموداً على إفشائه
تتراجع الأفكار رازحةََ الخطى / ما بين عودته الى إبدائه
ما كنت أعلم " والغريُّ " مَحِلّةٌ / لك أن ستقضي في ربى " فيحائه "
كنت الهلال تنقلاً وقد ارتدى / ثوب المِحاق رعايةً لاخائه
لفُّوْهُ في شَطَن الردى ومضى فلم / يحللْ لغير الله عقد قَبائه
أفديه مصدورَ الفؤاد تقاطرت / افلاذُه بالنار من صُعَدائه
أبكيه ريانَ الشباب رداؤه / نَضِرُ الصبِّا شَرِقٌ بحسن روائه
أبكيه منطوياً على نارين من / داء النَّوى وهو الأمضّ ودائه
أبكيه مذعوراً تقسَّمَ طرفُهُ / ما بين أهليه الى رفقائه
أو بعدَما بَرَقَتْ أسِرَّتُّه لنا / وبدت مخايلُ حسنِه وبهائه
تنتاشُه كفُ المنية صارماً / عَضْباً يفُلُ العضبَ حدُّ مضائه
ما بعدَ يومك غيرُ عينٍ ثَرّة / ومدامعٍ سُحٍّ وحِلْمٍ تائه
لا تسألنِّي عن " أبيكَ " فبعض ما / لاقاه أن بكاءَنا لبكائه
عين تسيل دماً لفقد سوادها / وحشىً يذوب أسىً على سودائه
والمرء سلوة والدٍ متصبرٍّ / فاذا استقلَّ فصبره بازائه
ولقد عهِدْتُكَ والشمائلُ غضةٌ / غنيَ النديم بهن عن نُدمَائه
قالوا : " الوباءُ " فقلت من أدوائنا / وهو القتيل بهن لا بوبائه
رُحْ سالماً ودع الحياة لجاهل / وغروره أو عالم وريائه
والدين كلُّ الناس تعرف حَمْلَهُ / والفرق كلُّ الفرق عند أدائه
هل كنت لو نُجِّيتَ الا ساخراً / من حكم دهرك سادراً بشقائه
صبراً أباهُ وإن دهاك برزئه / دهر يذوب الصبر في أرزائه
أخذ الاله واخذُه أجرٌ كما / أعطى وكان الفضل في اعطائه
ولربما جزِع الفتى من علّة / كانت سبيلَ الشكر عند شِفائه
صبراً وشافع من تسمّى " محسنا " / أملٌ بحسن الصبر عند بلائه
بالخلد عن هذي الحياة تصبراً / يُغنى وعن أكدارها بصفائه
إني نظمت الدمع فيه قصيدة / لما وجدت القول دون رثائه
وعلمت أن الخلد ملك " محمد " / فعسى أكون هناك من شعرائه
صبراً وإن ذهب " العليُ " وأنتم / " بسعيد " هذا الجيل من سعدائه
حياكَ ربُّكَ من ساعٍ بسراءِ
حياكَ ربُّكَ من ساعٍ بسراءِ / يلقى الوفودَ بوجهٍ منهُ وضّاءِ
فاضت أساريرهُ بشراً فما وَقَعَتْ / منهُ العيونُ على كَدٍّ وإعياء
لله يومُك مشهوداً بِروَعْته / تهزّ داني بلادِ اللهِ والنائي
في محفلٍ حجَبَ الأبصارَ موكبُهُ / فليس يحسُدُ الا الناظرَ الرائي
هذي الوفودُ وفودُ الشعبِ حاملةً / إليك إخلاصَ آباءٍ وأبناء
هابُوا جلالتَك العُليا فما نَطَقُوا / حَرْفاً ولا سَلَّموا إلا بايماء
للنَصرِ فوقَك أقواسٌ نوافذُها / ترمي سويداءَ حُسادٍ وأعداء
بغداد مثل قلوب المخلصين لكم / تُزهَى بشُعلة أنوارٍ وأضواء
أنت الطبيبُ لشعبي والدواءُ له / وأنت شَخَّصت منه موضعَ الداء
يدٌ من اللطف غراءٌ ولا عجبٌ / كم من يدٍ لكَ قد أسلفتَ غراء
كم موقفٍ مثلِ حدِّ السيف ذي زلق / فَرَجْتَهُ بين إصباحٍ وإمساء
أذيّةٌ في جهاد نِلتَها طرباً / وهل جهادٌ بلا مسٍّ وإيذاء
في ذمةِ اللهِ ما لاقيتَ من نَفَرٍ / من الأجانب عُبّادٍ لأهواء
الله يُخزي مهازيلاً ضمائرهُم / مأجورة بين إطراء وإزراء
يسوؤهم أن تُرى في زِيِّ مضطلع / بثِقل شعب لما يُصميه أبّاء
لو يقدرون أدالوا كلَّ ظاهرةٍ / وبّدلوا كلَّ نعماءٍ بغماء
هزُّوا العراق بما اسطاعوا فما أخذت / منه تَضارب انباء بأنباء
كانوا وما أمّلوا من زُخْرُفٍ سفهاً / كمن يَخُطّ الذي يهوي على الماء
مررتَ باللغو مرّ الهازئين به / بأُذْنِ حُرٍّ عن الفحشاء صمّاء
حراجة بالكريم الحر موقفُه / حيران ما بين قومٍ غيرِ أكْفاء
إنْ يهمزوك بإرجافٍ فقد بُليتْ / كلُّ الشعوبِ بهمّازٍ ومشّاء
هوِّن فما قام هدّامٌ بمعوله / إّلا وقام عليه ألْفُ بنّاء
يأبى شعوريَ أن يلقاك عن كثب / إّلا بقافيةٍ تأتيك غراء
ومَرْحَباً بك في طياتها نَفَسٌ / كنسمةِ الفجرِ قد طُلّت بانداء