المجموع : 15
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ
رَآنِيَ اللَهُ ذاتَ يَومٍ / في الأَرضِ أَبكي مِنَ الشَقاء
فَرَقَّ وَاللَهُ ذو حَنانٍ / عَلى ذَوي الضُرِّ وَالعَناء
وَقالَ لَيسَ التُرابُ داراً / لِلشِعرِ فَاِرجَع إِلى السَماء
وَشادَ فَوقَ السِماكِ بَيتي / وَمَدَّ مُلكي عَلى الفَضاء
فَاِلتَفَّتِ الشُهبُ حَولَ عَرشي / وَسارَ في طاعَتي الضِياء
وَصِرتُ لا يَنطَوي صَباحٌ / إِلّا بِأَمري وَلا مَساء
وَلا تَسوقُ الغُيومَ ريحٌ / إِلّا وَلي فَوقَها لِواء
فَالأَمرُ بَينَ النُجومِ أَمري / لي الحُكمُ فيها وَلي القَضاء
لَكِنَّني لَم أَزَل حَزيناً / مُكتَئِبَ الروحِ في العَلاء
فَاِستَغرَبَ اللَهُ كَيفَ أَشقى / في عالَمِ الوَحيِ وَالسَناء
وَقالَ مازالَ آدَمِيّاً / يَصبو إِلى الغيدِ وَالطِلاء
وَمَسَّ روحي وَاِستَلَّ مِنها / شَوقي إِلى الخَمرِ وَالنِساء
وَظَنَّ أَنّي اِنتَهى بَلائي / فَلَم يَزِدني سِوى بَلاء
وَاِشتَدَّ نَوحي وَصارَ جَهراً / وَكانَ مِن قَبلُ في الخَفاء
وَصارَ دَمعي سُيولَ نارٍ / وَكانَ قَبلاً سُيولَ ماء
يا أَيُّها الشاعِرُ المُعَنّى / حَيَّرَني داؤُكَ العَياء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ طَيراً / فَقُلتُ كَلّا وَلا غَناء
هَل تَشتَهي أَن تَكونَ نَجماً / أَجَبتُ كَلّا وَلا بَهاء
هَل تَبتَغي المالَ قُلتُ كَلّا / ما كانَ مِن مَطلَبي الثَراء
وَلا قُصوراً وَلا رِياضاً / وَلا جُنوداً وَلا إِماء
وَلَيسَ ما بي يا رَبُّ داءٌ / وَلا اِحتِياجي إِلى دَواء
وَلا حَنيني إِلى القَناني / وَ لا اِشتِياقي إِلى الظِباء
وَلا أُريدُ الَّذي لِغَيري / ذا حِكمَةٍ كانَ أَم مَضاء
لَكِنَّ أُمنِيَّةً بِنَفسي / يَستُرُها الخَوفُ وَالحَياء
فَقالَ يا شاعِراً عَجيباً / قُل لي إِذَن ما الَّذي تَشاء
فَقُلتُ يا رَبِّ فَصلَ صَيفٍ / في أَرضِ لُبنانَ أَو شِتاء
فَإِنَّني هَهُنا غَريبٌ / وَلَيسَ في غُربَةٍ هَناء
فَاِستَضحَكَ اللَهُ مِن كَلامي / وَقالَ هَذا هُوَ الغَباء
لُبنانُ أَرضٌ كَكُلِّ أَرضٍ / وَناسُهُ وَالوَرى سَواء
وَفيهِ بُؤسي وَفيهِ نُعمى / وَأَردِياءٌ وَأَتقِياء
فَأَيُّ شَيءٍ تَشتاقُ فيهِ / فَقُلتُ ما سَرَّني وَساء
تَحِنُّ نَفسي إِلى السَواقي / إِلى الأَقاحي إِلى الشَذاء
إِلى الرَوابي تَعرى وَتَكسى / إِلى العَصافيرِ وَالغِناء
إِلى العَناقيدِ وَالدَوالي / وَالماءِ وَالنورِ وَالهَواء
فَأَشرَفَ اللَهُ مِن عُلاهُ / يَشهَدُ لُبنانَ في المَساء
فَقالَ ما أَنتَ ذو جُنونٍ / وَإِنَّما أَنتَ ذو وَفاء
فَإِنَّ لُبنانَ لَيسَ طَوداً / وَلا بِلاداً لَكِن سَماء
إِبسِمي كَالوَردِ في فَجرِ الصَباء
إِبسِمي كَالوَردِ في فَجرِ الصَباء / وَاِبسُمي كَالنَجمِ إِن جُنَّ المَساء
وَإِذا ما كَفَّنَ الثَلجُ الثَرى / وَإِذا ما سَتَرَ الغَيمُ السَماء
وَتَعَرّى الرَوضُ مِن أَزهارِهِ / وَتَوارى النورُ في كَهفِ الشِتاء
فَاِحلَمي بِالصَيفِ ثُمَّ اِبتَسِمي / تَخلُقي حَولَكِ زَهراً وَشَذاء
وَإِذا سَرَّ نُفوساً أَنَّها / تُحسِنُ الأَخذَ فَسُرّي بِالعَطاء
وَإِذا أَعياكِ أَن تُعطي الغِنى / فَاِفرَحي أَنَّكِ تُعطينَ الرَجاء
زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء
زَحزَحَت عَن صَدرِها الغَيمَ السَماء / وَأَطَلَّ النورُ مِن كَهفِ الشِتاء
فَالرَوابي حِلَلٌ مِن سُندُسٍ / وَالسَواقي ثَرثَراتٌ وَغِناء
رَجَعَ الصَيفُ اِبتِساماً وَشَذىً / فَمَتى يَرجِعُ لِلدُنيا الصَفاء
فَأَرى الفِردَوسَ في كُلِّ حِمىً / وَأَرى الناسَ جَميعاً سُعَداء
زالَتِ الحَربُ وَوَلَّت إِنَّما / لَيسَ لِلذُعرِ مِنَ الحَربِ اِنقِضاء
إِن صَحَونا فَأَحاديثُ الوَغى / في الحِمى الآهِلِ وَالأَرضِ العَراء
وَإِذا نِمنا تَراءَت في الكَرى / صُوَرُ الهَولِ وَأَشباحُ الفَناء
فَهيَ في الأَوراقِ حِبرٌ هائِجٌ / وَعَلى الرَاديو فَحيحُ الكَهرُباء
نَتَّقي في يَومِنا شَرَّ غَدٍ / وَإِذا الصُبحُ اِنطَوى خِفنا المَساء
عَجَباً وَالحَربُ بابٌ لِلرَدى / وَطَريقٌ لِدَمارٍ وَعَفاء
كَيفَ يَهواها بَنو الناسِ فَهَل / كَرِهوا في هَذِهِ الدُنيا البَقاء
إِن يَكُن عِلمُ الوَرى يَشفيهِمُ / يا إِلَهي رُدَّ لِلناسِ الغَباء
وَليَجئ طوفانُ نوحٍ قَبلَما / تَغرَقُ الأَرضُ بِطوفانِ الدِماء
وَاِعصِمِ الأَسرارَ وَاِحجُب كُنهَها / عَن ذَوي العِلمِ وَأَربابِ الذَكاء
فَلَقَد أَكثَرتَ أَسبابَ الأَذى / عِندَما أَكثَرتَ فينا العُلَماء
كَم وَجَدنا آفَةً مُهلِكَةً / كُلَّما زَحزَحتَ عَن سِرٍّ غَطاء
قَد تَرقى الخَلقُ لَكِن لَم تَزَل / شَرعَةُ الغابَةِ شَرعَ الأَقوِياء
حُرِّمَ القَتلُ وَلَكِن عِندَهُم / أَهوَنُ الأَشياءِ قَتلُ الضُعَفاء
لا تَقُل لي هَكَذا اللَهُ قَضى / أَنتَ لا تَعرِفُ أَسرارَ القَضاء
جاءَني بِالماءِ أَروي ظَمَأي / صاحِبٌ لي مِن صِحابي الأَوفِياء
يا صَديقي جَنِّبِ الماءَ فَمي / عَطَشُ الأَرواحِ لا يُروى بِماء
أَنا لا أَشتاقُ كاساتِ الطِلا / لا وَلا أَطلُبُ مَجداً أَو ثَراء
إِنَّما شَوقي إِلى دُنيا رِضىً / وَإِلى عَصرِ سَلامٍ وَإِخاء
لا تَعِدني بِالسَما يا صاحِبي / السَما عِندِيَ قُربُ الأَصدِقاء
وَأُراني الآنَ في أَكنافِهِم / فَأَنا الآنَ كَأَنّي في السَماء
سَمِعَ اللَيلُ ذو النُجومِ أَنيناً
سَمِعَ اللَيلُ ذو النُجومِ أَنيناً / وَهوَ يَغشى المَدينَةَ البَيضاءَ
فَاِنحَنى فَوقَها كَمُستَرِقِ الهَمـ / ـسِ يُطيلُ السُكوتَ وَالإِصغاءَ
فَرَأى أَهلَها نِياماً كَأَهلِ الـ / ـكَهفِ لا جَلبَةً وَلا ضَوضاءَ
وَرَأى السَدَّ خَلفَها مُحكَمَ البُنـ / ـيانِ وَالماءَ يُشبِهُ الصَحراءَ
كانَ ذاكَ الأَنينُ مِن حَجَرٍ في الـ / ـسَدِّ يَشكو المَقادِرَ العَمياءَ
أَيُّ شَأنٍ يَقولُ في الكَونِ شَأني / لَستُ شَيئاً فيهِ وَلَستُ هَباءَ
لا رُخامٌ أَنا فَأَنحَتُ تِمثا / لاً وَلا صَخرَةٌ تَكونُ بِناءَ
لَستُ أَرضاً فَأَرشُفُ الماءَ / أَو ماءً فَأَروي الحَدائِقَ الغَنّاءَ
وَلَستُ دُرّاً تُنافِسُ الغادَةُ الحَس / ناءُ فيهِ المَليحَةَ الحَسناءَ
لا أَنا دَمعَةٌ وَلا أَنا عَينٌ / لَستُ خالاً أَو وَجنَةً حَمراءَ
حَجَرٌ أَغبَرٌ أَنا وَحَقيرٌ / لا جَمالاً لا حِكمَةً لا مَضاءَ
فَلأُغادِر هَذا الوُجودَ وَأَمضي / بِسَلامٍ إِنّي كَرِهتُ البَقاءَ
وَهَوى مِن مَكانِهِ وَهوَ يَشكو الـأ / رضَ وَالشُهبَ وَالدُجى وَالسَماءَ
فَتَحَ الفَجرُ جَفنَهُ فَإِذا الطو / فانُ يَغشى المَدينَةَ البَيضاءَ
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ
لِلَّهِ مِن عَبَثِ القَضاءِ وَسُخرِهِ / بِالناسِ وَالحالاتِ وَالأَشياءِ
كَم دَرَّةٍ في التاجِ أَلفٌ مِثلُها / في القاعِ لَم تَخرُج مِنَ الظَلماءِ
وَلَكَم تَعَثَّرَ بِالغُبارِ سُمَيذَعٌ / وَاِنداحَتِ الأَطوادُ لِلجُبَناءِ
وَلَكَم جَنى عَلَمٌ عَلى أَربابِهِ / وَجَنى الهَناءَ جَماعَةُ الجُهَلاءِ
أَرَأَيتَ أَعجَبَ حالَةٍ مِن حالِنا / أَزَفَ الرَحيلُ وَلَم نَفُز بِلِقاءِ
عاشَت شُهوراً بِالرَجاءِ قُلوبُنا / وَبِلَحظَةٍ أَمسَت بِغَيرِ رَجاءِ
ماتَت أَمانينا الحِسانُ أَجِنَّةً / لَم تَكتَحِل أَجفانُها بِضِياءِ
فَكَأَنَّها بَرقٌ تَأَلَّقَّ وَاِنطَوى / في اللَيلِ لَم تَلمَحهُ مُقلَةُ راءِ
وَكَأَنَّنا كُنّا نُحَلِّقُ في الفَضا / صُعُداً لِنَلمِسَ مَنكِبَ الجَوزاءِ
حَتّى إِذا حانَ الوُصولُ رَمَت بِنا / نَكباءُ عاتِيَةٌ إِلى الغَبراءِ
وَكَأَنَّ تَكسَسَ وَهيَ في هَذا الحِمى / صَقعٌ كَسانبولٍ قَصِيٌّ ناءِ
طوبى لَها إِن كانَ يَعلَمُ أَهلُها / أَنَّ النَزيلَ بِها أَخو الوَرقاءِ
كانَت مَسارِحَ لِلرُعاةِ فَأَصبَحَت / لَمّا أَتاها كَعبَةَ الشُعَراءِ
هُوَ بُلبُلٌ عَبَقُ النُبُوَّةِ في أَغا / نيهِ وَفيها نَكهَةُ الصَهباءِ
وَجَلالُ لُبنانٍ وَقَد غَمَرَ المَسا / هَضَباتِهِ وَاِنسالَ في الأَدواءِ
غَنّى فَفي النَسَماتِ وَالأَوراقِ / وَالغُدرانِ أَعراسٌ بِلا ضَوضاءِ
وَبَكى فَشاعَ الحُزنُ في الأَزهارِ / وَالأَظلالِ وَالأَلوانِ وَالأَضواءِ
هُوَ نَفحَةٌ قُدسِيَّةٌ هَبَطَت إِلى / هَذا الثَرى مِن عالَمِ اللَألاءِ
لَو عادَ لِلدُنيا البُراقُ وَحُزنُهُ / ما كانَ إِلّا نَحوَهُ إِسرائي
أَشكو البَعادَ وَلَيسَ لي أَن أَشتَكي / فَسَماؤُهُ مَوصولَةٌ بِسَمائي
ما حالَ بَينَ نُفوسِنا ما حالَ بَيـ / ـنَ جُسومِنا مِن أَجبُلٍ وَفَضاءِ
فَلَكَم نَظَرتُ إِلى الرُبى فَلَمَحتَهُ / في الأُقحُوانِ الخَيِّرِ المِعطاءِ
وَسَمِعتُ ساقِيَةً تَئِنُّ فَخِلتَني / لِبُكائِهِ أَوطانُهُ إِصغائي
وَإِذا تَلوحُ لِيَ الجِبالُ ذَكَرتُهُ / فَالشاعِرُ القَرَوِيُّ طَودُ إِباءِ
مَن كانَ يَحلُمُ بِالغَديرِ فَإِنَّهُ / يَبدو لَهُ في كُلِّ قَطرَةِ ماءِ
إِن كُنتُ لَم أَرَهُ فَقَد شاهَدتُهُ / بِعُيونِ أَصحابي وَذاكَ عَزائي
أَفَتى القَوافي كَالشِواظِ عَلى العِدى / وَعَلى قُلوبِ الصَحبِ كَالأَنداءِ
سارَت إِلَيكَ تَحِيَّتي وَلَوَ اِنَّني / خُيِّرتُ كُنتُ تَحِيَّتي وَدُعائي
لَو رَأى آدَمٌ فَتاهُ لَزالَ الـ
لَو رَأى آدَمٌ فَتاهُ لَزالَ الـ / ـحِقدُ مِن قَلبِهِ عَلى حَوّاءِ
صَيَّرَ الأَرضَ جَنَّةً دونَها الجَنـ / ـنَةُ في الحُسنِ وَالبَها وَالرُواءِ
ما أَظُنُّ النَعيمَ فيهِ الَّذي في الـ / ـأَرضِ مِن بَهجَةٍ وَمِن لَألاءِ
كُلُّ ما في الوُجودِ لِلمَرءِ عَبدٌ / وَهوَ عَبدُ الشَهواتِ وَالأَهواءِ
كائِنٌ كُلُّ كائِنٍ حارَ فيهِ / فَهوَ حُلوٌ مُرٌّ وَدانٍ ناءِ
وَهوَ طَوراً يَكونُ نِصفَ إِلَهٍ / وَهوَ طَوراً أَدنى مِنَ العَجماءِ
عَجَباً كَيفَ طاعَهُ الطينُ وَالما / ءُ وَما كانَ غَيرَ طينٍ وَماءِ
سادَ في الكَونِ مِثلَما سادَ فيهِ / خالِقُ الكَونِ مُبدِعُ الأَشياءِ
فَهوَ في الماءِ سابِحٌ وَعَلى الغَبـ / ـراءِ ماشٍ وَطائِرٌ في الفَضاءِ
تَخِذَ الجَوَّ مَلعَباً ثُمَّ أَمسى / راكِضاً في الهَواءِ رَكضَ الهَواءِ
فَهوَ فَوقَ السَحابِ يَحكيهِ في مَسـ / ـراهُ لَكِنَّهُ أَخو خُيَلاءِ
وَهوَ بَينَ الطُيورِ تَحسَبُهُ العَنـ / ـقاءَ لَولا اِستِحالَةُ العَنقاءِ
أَبصَرَتهُ فَأَكبَرَت أَن تَرى في ال / جَوِّ صَيّادَها عَلى الغَبراءِ
فَاِستَوى في قُلوبِها الذُعرُ حَتّى / كادَ يَحكي البَلاءَ خَوفُ البَلاءِ
وَتَناجَت تَبغي النَجاةَ فِراراً / أَينَ أَينَ المَفَرُّ مِن ذا القَضاءِ
وَيحَ هَذي الطُيورِ تَجني عَلى المَو / تى وَتَرجو سِلماً مِنَ الأَحياءِ
إِهبِطي أَو فَحَلِّقي أَو فَسيري / إِنَّما المُنتَهى إِلى الأَرزاءِ
وَهوَ بَينَ النُجومِ يَستَرِقُ السَم / عَ وَلا يَتَّقي رُجومَ السَماءِ
مَشهَدٌ رَوَّعَ الدَراري فَباتَت / حائِراتٍ في القُبَّةِ الزَرقاءِ
نافِراتٍ كَأَنَّها ظَبَياتٌ / رَأَتِ القانِصينَ في البَيداءِ
سائِلاتٍ أَذا رَسولُ سَلامٍ / مِن بَني الأَرضِ أَم نَذيرُ فَناءِ
هالَها أَن تَرى مِنَ الأُنسِ قَوماً / يَتَهادَونَ مِثلَها في الفَضاءِ
فَرَأَيتَ الجَوزاءَ تَشكو الثُرَيّا / وَالثُرَيّا تَشكو إِلى الجَوزاءِ
لا تُراعي يا شُهبُ مِنّا فَإِنّا / ما حَمَلنا إِلَيكِ غَيرَ الوَلاءِ
قَد كَرِهنا المُقامَ في الأَرضِ لَمّا / قيلَ إِنَّ السَما مَقَرُّ الهَناءِ
إِنَّما شَوقُنا إِلَيكَ الَّذي أَسـ / ـرى بِنا لا الهِيامُ في الإِسراءِ
فَصِلينا نَزدَد غَراماً وَوَجداً / غَيرُ مُستَحسِنٍ كَثيرُ الإِباءِ
نَحنُ يا شُهبُ في حِماكِ ضُيوفٌ / وَجَميلٌ رِعايَةُ الغُرَباءِ
أَكرِمي ذَلِكَ المُحَلِّقِ فَوقَ الـ / ـسُحبِ يُثني عَلَيكِ خَيرَ ثَناءِ
وَأَنيري طَريقَهُ إِن دَجا اللَي / لُ وَدَبَّت عَقارِبُ الظَلماءِ
صاغَكِ اللَهُ شُعلَةً مِن ضِياءٍ / وَبَرا المَرءَ شُعلَةً مِن ذَكاءِ
تَخِذيهِ أَخاً يَكُن لَكِ عَوناً / كُلُّ نَفسٍ مُحتاجَةٌ لِلإِخاءِ
لا تُفاخِر بِالواخِداتِ وَلا بِالـ / ـخَيلِ مِن أَدهَمٍ وَمِن شَهباءِ
هانَ عَصرُ النِياقِ وَالراكِبيها / عِندَ عَصرِ البُخارِ وَالكَهرُباءِ
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم
وَحَلِمتُ ثانِيَةً وَكانَ الكَونُ لَم / تَبرَح عَلَيهِ كَلاكِلُ الظَلماءِ
أَنّي رَأَيتُ جَرادَةً مَطروحَةً / في سَبخَةٍ مَنهوكَةِ الأَعضاءِ
تَرنو إِلى الأُفُقِ البَعيدِ بِمُقلَةٍ / كَلمى وَتَشتُمُ أَنجُمَ أَنجُمَ الجَوزاءِ
فَسَأَلتُها ماذا عَراكِ فَلَم تُجِب / فَسَأَلتُ عَنها زُمرَةَ الرُفَقاءِ
قالوا رَفيقَتُنا شَهيدَةُ هُزئِها / بِنَصائِحِ العُقَلاءِ وَالحُكَماءِ
كانَت إِذا جاعَت فَحَبَّةُ خَردَلٍ / تَكفي وَإِن عَطِشَت فَنُقطَةُ ماءِ
سَمِعَت بِنَهرٍ في السَماءِ وَجَنَّةٍ / لَيسَت لِتَصويحٍ وَلا لِفَناءِ
العِطرُ في أَثمارِها وَالشَهدُ في / أَنهارِها وَالسِحرُ في الأَنداءِ
فَاِستَنكَفَت أَن تَستَمِرَّ حَياتُها / في الأَرضِ جاثِمَةً عَلى الأَقذاءِ
فَمَضَت تُحَلِّقُ في الفَضاءِ وَلَم تَزَل / حَتّى وَهَت فَهَوَت إِلى الغَبراءِ
رَجَعَت إِلى الدُنيا الَّتي خُلِقَت لَها / لَم تُخلَقِ الحَشَراتُ لِلأَجواءِ
هَذي حِكايَتُها وَفيها عَبرَةٌ / لِلطائِشينَ كَهَذِهِ الحَمقاءِ
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى
رُؤيا مَنامٍ رُبَّ حُلمٍ في الكَرى / فيهِ تَلوحُ حَقائِقُ الأَشياءِ
إِنّي حَلِمتُ كَأَنَّما أَنا سائِرٌ / في رَوضَةٍ خَلّابَةٍ غَنّاءِ
النورُ مَفروشٌ عَلى طُرُقاتِها / وَالعِطرُ في النَسَماتِ وَالأَفياءِ
وَالعُشبُ فيها سُندُسٌ مُتَمَوِّجٌ / وَالجَوُّ أَضواءٌ عَلى أَضواءِ
وَإِذا بِصَوتٍ كَالهَريرِ يَطُنُّ في / أُذُني وَأَنيابٌ تَصُرُّ وَرائي
فَأَدَرتُ طَرفي باحِثاً مُتَعَجِّباً / مِمّا سَمِعتُ وَلَستُ في بَيداءِ
فَإِذا وَرائِيَ في الحَديقَةِ نابِحٌ / ضاري المَحاجِرِ ضامِرِ الأَحشاءِ
كادَت تَطُلُّ عُروقُهُ مِن جِلدِهِ / وَتَطُلُّ مَعها شَهوَةٌ لِدِمائي
أَشفَقتُ يَعلَقُ نابُهُ بِرِدائي / فَرَفَستُهُ غَضَباً فَطارَ حِذائي
فَطَوى نَواجِذَهُ عَلَيهِ كَأَنَّما / عَضَّت نَواجِذُهُ عَلى العَنقاءِ
وَمَضى بِهِ لِرِفاقِهِ فَتَهَلَّلوا / وَتَقاسَموهُ فَكانَ خَيرَ عَشاءِ
لا يَعجَبَن أَحَدٌ رَآني حافِياً / أَبلَت نِعالي أَلسُنُ السُفَهاءِ
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي
تِلكَ السُنونُ الغارِباتُ وَرائي / سِفرٌ كَتَبتُ حُروفَهُ بِدِمائي
ما عِشتُها لِأَعُدَّها بَل عِشتُها / لِتَبينَ في سيمائِها سيمائي
سِيّانَ لَو أَنّي قَنِعتُ بِعَدِّها / عُمري وَعُمرُ الصَخرَةِ الصَمّاءِ
وَلَبَذَّني يَومَ التَفاخُرِ شاطِئٌ / ما فيهِ غَيرُ رِمالِهِ الخَرساءِ
لاحَت لِيَ العَلياءُ في آفاقِها / فَأَرَدتُها دَرباً إِلى العَلياءِ
وَمَحَبَّةً لِلخَيرِ تَسري في دَمي / وَرِعايَةً لِلضَعفِ وَالضُعَفاءِ
وَعِبادَةً لِلحَقِّ أَينَ وَجَدتُهُ / وَالحُسنِ في الأَحياءِ وَالأَشياءِ
لِتَدورَ بَعدي قِصَّةٌ عَن شاعِرٍ / رَقَصَت بِهِ الدُنيا جَناحَ ضِياءِ
نَشَرَ الطُيوبَ عَلى دُروبِ حَياتِهِ / وَسَرى هَوىً في الطيبِ وَالأَنداءِ
وَأَطَلَّ مِن قَلبِ البَخيلِ سَماحَةً / وَشَجاعَةً في السِلمِ وَالهَيجاءِ
وَمَشى إِلى المَظلومِ بارِقُ رَحمَةٍ / وَهَوى عَلى الظَلامِ سَوطَ بَلاءِ
فَتُعِزُّ دُنيا قَد طَوَت آبائي / وَتَهِشُّ دُنيا أَطلَعَت أَبنائي
تِلكَ السُنونُ بِبُؤسِها وَنَعيمِها / مالَت بِعودي وَاِنطَوَت بِرِوائي
أَينَ الشَبابُ أَلُفُّ أَحلامي بِهِ / لَيسَ الشَبابُ الآنَ لي بِرِداءِ
نَفسي تَحُسُّ كَأَنَّما أَثقالُها / قَد خُيِّرَت فَتَخَيَّرَت أَعضائي
كَم مِن رُؤىً طَلَعَت عَلى جَنَباتِها / رَكباً مِنَ الأَضواءِ وَالأَشذاءِ
قَلَّبتُ فيها بَعدَ لَأيٍ ناظِري / فَتَعَثَّرَت عَينايَ بِالأَشلاءِ
يا لِلضَحايا لا يَرِفُّ لِمَوتِها / جَفنٌ وَلا تُحصى مَعَ الشُهَداءِ
وَدَّعتُ لَذّاتِ الخَيالِ وَعُفتُها / وَرَضيتُ أَن أَشقى مَعَ الحُكَماءِ
فَعَرَفتُ مِثلَهُمُ بِأَنّي موجِدٌ / بُؤسي وَأَنّي خالِقٌ نُعَماءِ
إِنّي أُراني بَعدَ ما كابَدتُهُ / كَالفُلكِ خارِجَةً مِنَ الأَنواءِ
وَكَسائِحٍ بَلَغَ المَدينَةَ بَعدَما / ضَلَّ الطَريقَ وَتاهَ في البَيداءِ
شُكراً لِأَصحابي فَلَولا حُبُّهُم / لَم أَقتَرِب مِن عالَمِ اللَألاءِ
بِهِمِ اِقتَحَمتُ العاصِفاتِ بِمَركَبي / وَبِهِم عَقَدتُ عَلى النُجومِ لِوائي
شُكراً لِأَعدائي فَلَولا عَيثُهُم / لَم أَدرِ أَنَّهُموا مِنَ الغَوغاءِ
نَهَشَ الأَسى لَمّا ضَحِكتُ قُلوبَهُم / عُرسُ المَحَبَّةِ مَأتَمُ البَغضاءِ
ذَنبي إِلى الحُسّادِ أَنّي فُتُّهُم / وَتَرَكتُهُم يَتَعَثَّرونَ وَرائي
وَخَطيئَتي الكُبرى إِلَيهِم أَنَّهُم / قَعَدوا وَلَم أَقعُد عَلى الغَبراءِ
عَفوُ المُروءَةِ وَالرُجولَةِ أَنَّني / أَخطَأتُ حينَ حَسِبتُهُم نُظَرائي
شُكراً لِكُلِّ فَتىً مَزَجتُ بِروحِهِ / روحي فَطابَ وَلاؤُهُ وَوَلائي
مَن كانَ يَحلَمُ بِالسَماءِ فَإِنَّني / في قَلبِ إِنسانٍ وَجَدتُ سَمائي
لَيسَ الجَمالُ هُوَ الجَمالُ بِذاتِهِ / الحُسنُ يوجَدُ حينَ يوجَدُ رائي
ما الكَونُ ما في الكَونِ لَولا آدَمٌ / إِلّا هَباءٌ عالِقٌ بِهَباءِ
وَأَبو البَرِيَّةِ ما أَبانَ وُجودَهُ / وَأَتَمَّ غايَتَهُ سِوى حَوّاءِ
إِنّي سَكَبتُ الخَمرَ حينَ سَكَبتُها / لِلناسِ لا لِلأَنجُمِ الزَهراءِ
لا تَشرَبُ الخَمرَ النُجومُ وَإِن تَكُن / مَعصورَةً مِن أَنفُسِ الشُعَراءِ
تِلكَ السُنونُ عَقيمُها كَوَلودِها / حُلوٌ لَدَيَّ كَذا يَشاءُ وَفائي
فَاللَيلَةُ العَسراءُ مِن عُمري / وَعُمرُ الدَهرِ مِثلَ اللَيلَةِ السَمحاءِ
يا مَن يَقولُ ظَلَمتَ نَفسَكَ فَاِتَّئِد / دَعني فَلَستَ بِحامِلٍ أَعبائي
إِنَّ الحَياةَ الروحُ بَعضُ عَطائِها / وَأَنا ثِمارُ الروحِ كُلُّ عَطائي
ما العُمرُ إِن هُوَ كَالإِناءِ وَإِنَّني / بِالطَيِّبِ الغالي مَلَأتُ إِنائي
فَإِذا بَقيتُ فَلِلجَمالِ بَقائي / وَإِذا فَنيتُ فَفي الجَمالِ فَنائي
لِلَّهِ ما أَحلى وَأَسنى لَيلَتي / هِيَ في كِتابِ العُمرِ كَالطُغراءِ
يا صَحبُ لَن أَنسى جَميلَ صَنيعِكُم / حَتّى تُفارِقَ هَيكَلي حَوبائي
وَتَقولُ عَيني قَد فَقَدتُ ضِيائي / وَيَقولُ قَلبي قَد فَقَدتُ رَجائي
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ
هَمٌّ أَلَمَّ بِهِ مَعَ الظَلماءِ / فَنَأى بِمُقلَتِهِ عَنِ الإِغفاءِ
نَفسٌ أَقامَ الحُزنُ بَينَ ضُلوعِهِ / وَالحُزنُ نارٌ غَيرَ ذاتِ ضِياءِ
يَرعى نُجومَ اللَيلِ لَيسَ بِهِ هَوى / وَيَخالُهُ كَلِفاً بِهِنَّ الرائي
في قَلبِهِ نارُ الخَليلِ وَإِنَّما / في وَجنَتَيهِ أَدمُعُ الخَنساءِ
قَد عَضَّهُ اليَأسُ الشَديدُ بِنابِهِ / في نَفسِهِ وَالجوعُ في الأَحشاءِ
يَبكي بُكاءَ الطِفلِ فارَقَ أُمِّهِ / ما حيلَةُ المَحزونِ غَيرُ بُكاءِ
فَأَقامَ حِلسَ الدارِ وَهوَ كَأَنَّهُ / لِخُلُوِّ تِلكَ الدارِ في بَيداءِ
حَيرانُ لا يَدري أَيَقتُلُ نَفسَهُ / عَمداً فَيَخلُصَ مِن أَذى الدُنياءِ
أَم يَستَمِرَّ عَلى الغَضاضَةِ وَالقَذى / وَالعَيشُ لا يَحلو مَعَ الضَرّاءِ
طَرَدَ الكَرى وَأَقامَ يَشكو لَيلَهُ / يا لَيلُ طُلتَ وَطالَ فيكَ عَنائي
يا لَيلُ قَد أَغرَيتَ جِسمي بِالضَنا / حَتّى لَيُؤلِمَ فَقدُهُ أَعضائي
وَرَمَيتَني يا لَيلُ بِالهَمِّ الَّذي / يَفري الحَشا وَالهَمُّ أَعسَرُ داءِ
يا لَيلُ ما لَكَ لا تَرِقُّ لِحالَتي / أَتُراكَ وَالأَيّامُ مِن أَعدائي
يا لَيلُ حَسبِيَ ما لَقيتُ مِنَ الشَقا / رُحماكَ لَستُ بِصَخرَةٍ صَمّاءِ
بِن يا ظَلامُ عَنِ العُيونِ فَرُبَّما / طَلَعَ الصَباحُ وَكانَ فيهِ عَزائي
وارَحمَتا لِلبائِسينَ فَإِنَّهُم / مَوتى وَتَحسَبُهُم مِنَ الأَحياءِ
إِنّي وَجَدتُ حُظوظَهُم مُسوَدَّةٌ / فَكَأَنَّما قُدَّت مِنَ الظَلماءِ
أَبَداً يُسَرُّ بَنو الزَمانِ وَما لَهُم / حَظٌّ كَغَيرِهِم مِنَ السَرّاءِ
ما في أَكُفِّهِم مِنَ الدُنيا سِوى / أَن يُكثِروا الأَحلامَ بِالنَعماءِ
تَدنو بِهِم آمالُهُم نَحوَ الهَنا / هَيهاتَ يَدنو بِالخَيالِ النائي
بَطَرُ الأَنامِ مِنَ السُرورِ وَعِندَهُم / إِنَّ السُرورَ مُرادِفُ العَنقاءِ
إِنّي لَأَحزَنُ أَن تَكونَ نُفوسُهُم / غَرَضَ الخُطوبِ وَعُرضَةَ الأَرزاءِ
أَنا ما وَقَفتُ لِكَي أُشَبِّبَ بِالطَلا / ما لي وَلِلتَشبيبِ بِالصَهباءِ
لا تَسأَلوني المَدحَ أَو وَصفَ الدُمى / إِنّي نَبَذتُ سَفاسِفَ الشُعَراءِ
باعوا لِأَجلِ المالِ ماءَ حَيائِهِم / مَدحاً وَبِتُّ أَصونُ ماءَ حَيائي
لَم يَفهَموا ما الشِعرُ إِلّا أَنَّهُ / قَد باتَ واسِطَةً إِلى الإِثراءِ
فَلِذاكَ ما لاقَيتُ غَيرَ مُشَبِّبٍ / بِالغانِياتِ وَطالِبٍ لِعَطاءِ
ضاقَت بِهِ الدُنيا الرَحيبَةُ فَاِنثَنى / بِالشِعرِ يَستَجدي بَني حَوّاءِ
شَقِيَ القَريضُ بِهِم وَما سَعِدوا بِهِ / لَولاهُمُ أَضحى مِنَ السُعَداءِ
نادوا عَلَينا بِالمَحَبَّةِ وَالهَوى / وَصُدورُهُم طُبِعَت عَلى البَغضاءِ
أَلِفوا الرِياءَ فَصارَ مِن عاداتِهِم / لَعَنَ المُهَيمِنُ شَخصَ كُلِّ مُرائي
إِن يَغضَبوا مِمّا أَقولُ فَطالَما / كَرِهَ الأَديبَ جَماعَةُ الغَوغاءِ
أَو يُنكِروا أَدَبي فَلا تَتَعَجَّبوا / فَالرَمدُ يُؤلِمُهُم طُلوعُ ذَكاءِ
أَو كُلَّما نَصَرَ الحَقيقَةَ فاضِلٌ / قامَت عَلَيهِ قِيامَةُ السُفَهاءِ
أَنا ما وَقَفتُ اليَومَ فيكُم مَوقِفي / إِلّا لِأَندُبَ حالَةَ التُعَساءِ
عَلّي أُحَرِّكُ بِالقَريضِ قُلوبَكُم / إِنَّ القُلوبَ مَواطِنُ الأَهواءِ
لَهَفي عَلى المُحتاجِ بَينَ رُبوعِكُم / يُمسي وَيُصبِحُ وَهوَ قَيدُ شَقاءِ
أَمسى سَواءً لَيلُهُ وَصَباحُهُ / شَتّانَ بَينَ الصُبحِ وَالإِمساءِ
قَطَعَ القُنوطُ عَلَيهِ خَيطَ رَجائِهِ / وَالمَرءُ لا يَحيا بِغَيرِ رَجاءِ
لَهفي وَلَو أَجدى التَعيسُ تَلَهُّفي / لَسَفَكتُ دَمعي عِندَهُ وَدِمائي
قُل لِلغَنِيِّ المُستَعِزِّ بِمالِهِ / مَهلاً لَقَد أَسرَفتَ في الخُيَلاءِ
جُبِلَ الفَقيرُ أَخوكَ مِن طينٍ وَمِن / ماءٍ وَمِن طينٍ جُبِلتَ وَماءِ
فَمِنَ القَساوَةِ أَن تَكونَ مُنَعَّماً / وَيَكونُ رَهنَ مَصائِبٍ وَبَلاءِ
وَتَظَلُّ تَرفُلُ بِالحَريرِ أَمامَهُ / في حينِ قَد أَمسى بِغَيرِ كِساءِ
أَتَضِنُّ بِالدينارِ في إِسعافِهِ / وَتَجودُ بِالآلافِ في الفَحشاءِ
اُنصُر أَخاكَ فَإِن فَعَلتَ كَفَيتَهُ / ذُلَّ السُؤالِ وَمِنَّةَ البُخَلاءِ
أَذوي اليَسارَ وَما اليَسارُ بِنافِعٍ / إِن لَم يَكُن أَهلوهُ أَهلُ سَخاءِ
كَم ذا الجُحودِ وَمالُكُم رَهنُ البَلا / وَبِمَ الغُرورُ وَكُلُّكُم لِفَناءِ
إِنَّ الضَعيفَ بِحاجَةٍ لِنُضارِكُم / لا تَقعُدوا عَن نُصرَةِ الضُعَفاءِ
أَنا لا أُذَكِّرُ مِنكُمُ أَهلَ النَدى / لَيسَ الصَحيحُ بِحاجَةٍ لِدَواءِ
إِن كانَتِ الفُقَراءُ لا تُجزيكُم / فَاللَهُ يُجزيكُم عَنِ الفُقَراءِ
مَهبَطَ الوَحيِ مَطلَعَ الأَنبِياءِ
مَهبَطَ الوَحيِ مَطلَعَ الأَنبِياءِ / كَيفَ أَمسَيتِ مَهبِطَ الأَرزاءِ
في عُيونِ الأَنامِ عَنكِ نُبوٌّ / لَم يَكُن في العُيونِ لَو لَم تُسائي
أَنتِ كَالحُرَّةِ الَّتي اِنقَلَبَ الدَهـ / ـرُ عَلَيها فَأَصبَحَت في الإِماءِ
أَنتِ كَالبُردَةِ المُوَشّاةِ أَبلى الطـ / ـطَيُّ وَالنَشرُ ما بِها مِن رُواءِ
أَنتِ مِثلُ الخَميلَةِ الغَنّاءِ / عُرِّيَت مِن أَوراقِها الخَضراءِ
أَنتِ كَاللَيثِ قَلَّمَ الدَهرُ ظُفرَي / هِ وَأَحنى عَلَيهِ طولُ الثَواءِ
أَنتِ كَالشاعِرِ الَّذي أَلِفَ الوِح / دَةِ في مَحفَلٍ مِنَ الغَوغاءِ
أَنتِ مِثلُ الجَبّارِ يَرسُفُ في الأَغ / لالِ في مَشهَدٍ مِنَ الأَعداءِ
لَو تَشائينَ كُنتِ أَرفَهَ حالاً / أَوَ لَستِ قَديرَةً أَن تَشائي
أَنا ما زِلتُ ذا رَجاءٍ كَثيرٍ / وَلَئِن كُنتُ لا أَرى ذا رَجاءِ
قَد بَكى التارِكوكِ مِنكِ قُنوطاً / فَبَكى الساكِنوكِ خَوفَ التَنائي
كَثُرَ النائِحونَ حَولَكِ حَتّى / خِلتُ أَنّي في حاجَةٍ لِلعَزاءِ
بَذَلوا دَمعَهُم وَصُنتُ دُموعي / إِنَّما اليائِسونَ أَهلُ البُكاءِ
لَو تُفيدُ الدُموعُ شَيئاً لَأَحيَت / كُلِّ عافٍ مَدامِعُ الشُعَراءِ
أَنتِ في حاجَةٍ إِلى مِثلِ موسى / لَستِ في حاجَةٍ إِلى أَرمِياءِ
مُقلَةَ الشَرقِ كَم عَزيزٌ عَلَينا / أَن تَكوني رَمِيَّةَ الأَقذاءِ
شَرَّدَت أَهلَكِ النَوائِبُ في الأَر / ضِ وَكانوا كَأَنجُمِ الجَوزاءِ
وَإِذا المَرءُ ضاقَ بِالعَيشِ ذَرعاً / رَكِبَ المَوتَ في سَبيلِ البَقاءِ
لا يُبالي مُغَرِّبٌ في ذَويهِ / أَن يَراهُ ذَووهُ في الغُرَباءِ
أَرضَ آبائِنا عَلَيكِ سَلامٌ / وَسَقى اللَهُ أَنفُسَ الآباءِ
ما هَجَرناكِ إِذ هَجَرناكِ طَوعاً / لا تَظُنّي العُقوقَ في الأَبناءِ
يُسأَمُ الخُلدُ وَالحَياةُ نَعيمٌ / أَفَتَرضى الخُلودَ في البَأساءِ
هَذِهِ أَرضُنا بَلاقِعُ تَمشي / فَوقَها كُلُّ عاصِفٍ هَوجاءِ
هَذِهِ دورُنا مَنازِلُ لِلبو / مِ وَكانَت مَنازِلَ الوَرقاءِ
بَدَّلَتها السُنونُ شَوكاً مِنَ الزَهـ / ـرِ وَبِالوَحشِ مِن بَني حَوّاءِ
ما طَوَت كارِثاً يَدُ الصُبحِ إِلّا / نَشَرَتهُ لَنا يَدُ الإِمساءِ
نَحنُ في الأَرضِ تائِهونَ كَأَنّا / قَومُ موسى في اللَيلَةِ اللَيلاءِ
تَتَرامى بِنا الرَكائِبُ في البَي / داءِ طَوراً وَتارَةً في الماءِ
ضُعَفاءٌ مُحَقَّرونَ كَأَنّا / مِن ظَلامٍ وَالناسُ مِن لَألاءِ
وَاِغتِرابُ القَوِيِّ عِزٌّ وَفَخرٌ / وَاِغتِرابُ الضَعيفِ بَدءُ الفَناءِ
عابَنا البيضُ أَنَّنا غَيرُ عُجُمٍ / وَالعِبَدّى بِالسِحنَةِ البَيضاءِ
وَيحَ قَومي قَد أَطمَعَ الدَهرُ فيهِم / كُلَّ قَومٍ حَتّى بَني السَوداءِ
فَإِذا فاتَنا عَدُوٌّ تَجَنّى / فَأَرانا الأَحبابَ في الأَعداءِ
أَطرَبَتنا الأَقلامُ لَمّا تَغَنَّت / بِالمُساواةِ بَينَنا وَالإِخاءِ
فَسَكِرنا بِها فَلَمّا صَحَونا / ما وَجَدنا مِنها سِوى أَسماءِ
نَحنُ في دَولَةٍ تَلاشَت قُواها / كَالنُضارِ المَدفونِ في الغَبراءِ
أَو كَمِثلِ الجَنينِ ماتَت بِهِ الحا / مِلُ حَيّاً يَجولُ في الأَحشاءِ
عَجَباً كَيفَ أَصبَحَ الأَصلُ فَرعاً / وَالضُحى كَيفَ حَلَّ في الظَلماءِ
ما كَفَتنا مَظالِمُ التُركِ حَتّى / زَحَفوا كَالجَرادِ أَو كَالوَباءِ
طُرِدوا مِن رُبوعِهِم فَأَرادوا / طَردَنا مِن رُبوعِنا الحَسناءِ
ما لَنا وَالخُطوبُ تَأخُذُ مِنّا / نَتَلَهّى كَأَنَّنا في رَخاءِ
ضِيمَ أَحرارُنا وَريعَ حِمانا / وَسَكَتنا وَالصَمتُ لِلجُبَناءِ
نَهضَةً تَكشِفُ المَذَلَّةَ عَنّا / فَلَقَد طالَ نَومُنا في الشَقاءِ
نَهضَةً تَلفِتُ العُيونَ إِلَينا / إِنَّ خَوفَ البَلاءِ شَرُّ بَلاءِ
نَهضَةً يَحمِلُ الأَثيرُ صَداها / لِلبَرايا في أَوَّلِ الأَنباءِ
نَهضَةً تَبلُغُ النُفوسُ مُناها / فَهيَ مُشتاقَةٌ إِلى الهَيجاءِ
إِنَّ ذا المُلكَ هَيكَلٌ نَحنُ فيهِ الـ / ـقَلبُ وَالقَلبُ سَيِّدُ الأَعضاءِ
زَعَمَ الخائِنونَ أَنّا بِما نَبغيـ / ـهِ نَبغي الوُصولَ لِلعَنقاءِ
سَوفَ يَدرونَ أَنَّما العُربُ قَومٌ / لا يُبالونَ غَيرَ رَبِّ السَماءِ
يَومَ لا تُنبِتُ السُهولُ سِوى النا / سِ وَغَيرَ الأَسِنَّةِ السَمراءِ
يَومَ تَمشي عَلى جِبالٍ مِنَ الأَش / لاءِ تَمشي في أَبحُرٍ مِن دِماءِ
يَومَ يَستَشعِرُ المُراؤونَ مِنّا / إِنَّما الخاسِرونَ أَهلُ الرِياءِ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ
روحي الَّتي بِالأَمسِ كانَت تَرتَعُ / في الغابِ مِثلَ الظَبيَةِ القَمراءِ
تَقتاتُ بِالثَمَرِ الجَنِيِّ فَتَشبَعُ / وَيَبُلُّ غَلَّتَها رَشاشُ الماءِ
نَظَرَت إِلَيكِ فَأَصبَحَت لا تَقنَعُ / بِالماءِ وَالأَفياءِ في الغَبراءِ
تُصغي وَتُنصِتُ وَالحَمامَةُ تَسجَعُ / إِصغاؤُها لَكَ لَيسَ لِلوَرقاءِ
نادَيتِها فَلَها إِلَيكِ تَطلَعُ / هَذا التَطَلُّعُ كانَ أَصلَ شَقائي
جَنَّحتَني كَيما أَطيرَ فَلَم أَطِر / هَيهاتِ إِنَّكِ قَد طَوَيتِ سَمائي
قَد كانَ يَسبيني الجَمالُ الرائِعُ / حَتّى لَمَحتُكِ فَهوَ لا يَسبيني
عَصَفَت بِصَدري لِليَقينِ زَوابِعُ / ثَلَّت عُروشَ تَوَهُّمي وَظُنوني
فَأَنا عَلى ما ضاعَ مِنِّيَ جازِعُ / إِنَّ الَّذي قَد ضاعَ جَدُّ ثَمينِ
لَولاكِ ما ماتَ الخَيالُ اليافِعُ / أَفَتَعجَبينَ إِذا كَرِهتُ يَقيني
هَذا صَنيعُكِ بي فَما أَنا صانِعُ / قَد شاءَ بَحرُكِ أَن تَضِلَّ سَفيني
جَرَّدتِ هَذا الطينَ مِن أَوهامِهِ / وَكَبُرتِ عَن قارورَةٍ مِن طينِ
كَيفَ الوُصولُ إِلَيكِ يا نارَ القِرى / أَنا في الحَضيضِ وَأَنتِ في الجَوزاءِ
لي أَلفُ باصِرَةٍ تَحِنُّ كَما تَرى / لَكِنَّ دونَكِ أَلفُ أَلفِ غَطاءِ
لو مِن ثَرىً مَزَّقتُها بِيَدِ الثَرى / لَكِنَّها سُجُفٌ مِنَ الأَضواءِ
ساءَلتُ قَلبي إِذ رَأى فَتَحَيَّرا / ماذا شَرِبتَ فَمِدتَ قالَ دِمائي
يا لَيتَهُ قَد ظَلَّ أَعمى كَالوَرى / فَلَقَد نَعِمتُ وَكانَ في ظَلماءِ
قَد شَوَّشَت كَفُّ النَهارِ سَكينَتي / يا هَذِهِ رُدّي إِلَيَّ مَسائي
أَمسَيتُ حينَ لَمَستِني بِيَدَيكِ / لي أَلفُ باصِرَةٍ وَأَلفُ جَناحِ
وَلَمَحتُ نارَ الوَحيِ في عَينَيكِ / وَالوَحيُ كانَ سُلافَةَ الأَرواحِ
فَنَشَرتُ أَجنِحَتي وَحُمتُ عَلَيكِ / مُتَوَهِّماً أَنّي وَجَدتُ صَباحي
قَد كانَ حَتفي في الدُنُوِّ إِلَيكِ / حَتفُ الفَراشَةِ في فَمِ المِصباحِ
فَسَقَطتُ مُرتَعِشاً عَلى قَدَمَيكِ / أَلنارُ مَهدي وَالدُخانُ وِشاحي
يا لَيتَ نورَكِ حينَ أَحرَقَني اِنطَوى / فَعَلى ضِيائِكِ قَد لَمَستُ جِراحي
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ
لِيَ صاحِبٌ دَخَلَ الغُرورُ فُؤادَهُ / إِنَّ الغُرورَ أُخَيَّ مِن أَعدائي
أَسدَيتُهُ نُصحي فَزادَ تَمادِياً / في غَيِّهِ وَاِزدادَ فيهِ بَلائي
أَمسى يُسيءُ بِيَ الظُنونَ وَلَم تَسُؤ / لَولا الغُرورُ ظُنونُهُ بِوَلائي
قَد كُنتُ أَرجو أَن يُقيمَ عَلى الوَلا / أَبَداً وَلَكِن خابَ فيهِ رَجائي
أَهوى اللِقاءَ بِهِ وَيَهوى ضِدَّهُ / فَكَأَنَّما المَوتُ الزُؤامُ لِقائي
إِنّي لَأَصحَبَهُ عَلى عِلّاتِهِ / وَالبَدرُ مِن قِدَمٍ أَخو الظَلماءِ
يا صاحِ إِنَّ الكِبرَ خُلقٌ سَيٌّ / هَيهاتِ يوجَدُ في سِوى الجُهَلاءِ
وَالعُجبُ داءٌ لا يَنالُ دَواءَهُ / حَتّى يَنالَ الخُلدَ في الدُنياءِ
فَاِخفِض جَناحَكَ لِلأَنامِ تَفُز بِهِم / إِنَّ التَواضُعَ شيمَةَ الحُكَماءِ
لَو أُعجِبَ القَمَرُ المُنيرُ بِنَفسِهِ / لَرَأَيتَهُ يَهوي إِلى الغَبراءِ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ
وَلَقَد ذَكَرتُكِ بَعدَ يَأسٍ قاتِلٍ / في ضَحوَةٍ كَثُرَت بِها الأَنواءُ
فَوَدِدتُ أَنّي غَرسَةٌ أَو زَهرَةٌ / وَوَدِدتُ أَنَّكِ عاصِفٌ أَو ماءُ
لا تَسَلني عَنِ السَماءِ فَما عِندِيَ
لا تَسَلني عَنِ السَماءِ فَما عِندِيَ / إِلّا النُعوتُ وَالأَسماءُ
هِيَ شَيءٌ وَبَعضُ شَيءٍ وَحيناً / كُلُّ شَيءٍ وَعِندَ قَومٍ هَباءُ
فَسَماءُ الراعي كَما يَتَمَنّاها / مُروجٌ فَسيحَةٌ خَضراءُ
تَلبِسُ التِبرَ مِئزَراً وَوِشاحاً / كُلَّما أَشرَقَت وَغابَت ذُكاءُ
أَبَداً في نَضارَةٍ لا يَجُفُّ العُش / بُ فيها وَلا يَغيضُ الماءُ
وَهيَ عِندَ الأُمِّ الَّتي اِختَرَمَ المَو / تُ بَنيها وَضَلَّ عَنها العَزاءُ
مَوضِعٌ لا يَنالَهُم فيهِ ضَيمٌ / لا وَلا يُدرِكُ الشَبابَ الفَناءُ
وَكَذا يولَدُ الرَجاءُ مِنَ اليَأسِ / إِذا ماتَ في القُلوبِ الرَجاءُ
وَهيَ عِندَ الفَقيرِ أَرضٌ وَراءَ الـ / أُفقِ فيها ما يَشتَهي الفُقَراءُ
لا يَخافُ المَثري وَلا كَلبَهُ الضـ / ـضاري وَلا لِاِمرِئٍ بِهِ اِستِهزاءُ
وَهيَ عِندَ المَظلومِ أَرضٌ كَهَذي الـ / أَرضِ لَكِن قَد شاعَ فيها الإِخاءُ
يَجمَعُ العَدلُ أَهلَها في نِظامٍ / مِثلَما يَجمَعُ الخُيوطَ الرِداءُ
لا ضَعيفٌ مُستَعبَدٌ لا قَوِيٌّ / مُستَبِّدٌ بَل كُلُّهُم أَكفاءُ
كُلُّ شَيءٍ لِلكُلِّ مِلكٌ حَلالٌ / كُلُّ شَيءٍ فيها كَما الكُلُّ شاءوا
وَهيَ عِندَ الخَليعِ أَرضٌ تَميسُ الـ / ـحورُ فيها وَتَدفُقُ الصَهباءُ
كُلُّ ما النَفسِ تَشتَهيهِ مُباحٌ / لا صُدودٌ لا جَفوَةٌ لا إِباءُ
أَكبَرُ الإِثمِ قَولَةُ المَرءِ هَ / ذا الأَمرُ إِثمٌ وَهَذِهِ فَحشاءُ
لَيسَ بَينَ الصَلاحِ وَالشَرِّ حَدٌّ / كَالَّذي شاءَ وَضعُهُ الأَنبِياءُ
وَإِذا لَم يَكُن عَفافٌ وَفِسقٌ / لَم تَكُن حِشمَةٌ وَلا اِستِحياءُ
كُلُّ قَلبٍ لَهُ السَماءُ الَّذي يَهوى / وَإِن شِئتَ كُلُّ قَلبٍ سَماءُ
صُوَرٌ في نُفوسِنا كائِناتٌ / تَرتَديها الأَفعالُ وَالأَشياءُ
رُبَّ شَيءٍ كَالجَوهَرِ الفَردِ فَذِّ / عَدَّدَتهُ الأَغراضُ وَالأَهواءُ
كُلُّ ما تَقصُرُ المَدارِكُ عَنهُ / كائِنٌ مِثلَما الظُنونُ تَشاءُ