المجموع : 19
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى
يعزّ علي أن ألفىَ المعزى / أديباً ملءُ برديه الرجاءُ
وملءُ جَنابِه نورٌ أصيلٌ / كأنَّ هُداه ما وَعتِ السماءُ
أيحسنُ للحيياة وللبرايا / فيخذلُ أو يعذبُ أو يُساء
ومن أين التاسىّ في المآسي / ودنيانا يعُّج بها الشقاء
ونخترع السعادة في إباءٍ / لعزّتنا فلا يُجدى الإباء
عبيدٌ نحسبُ الأسياد منا / وفيمَ الوهمَ أو فيمَ الرياء
وليس سوى المقادر حاكماتٌ / تُراوغنا فيخدعنا الدهاء
لأمرٍ حارت الألبابُ فيه / وجود العالمين أو الفناء
تساوى كل ما نلقى ونرجو / كما وعت الشكولَ الكهرباءُ
ففي طى البقاء لنا فناءٌ / وفي طىّ الفناءِ لنا بقاء
على رغم المصاب أبا رجاءٍ / تصبر حينما الصبرُ الفداء
لئن غرق الشهيد فنحن غرقى / أشُّد ولا رجاءُ ولا نجاء
اضحكي يا شمسُ وابكى يا سماء
اضحكي يا شمسُ وابكى يا سماء / إنَّ هذا العيدَ عيدُ الشَّهداء
لا أبالي أيَّ قُطرٍ حازهُم / إنّهم ملءُ أناشيدِ الرجاء
لا أُبالي أيَّ تاريخٍ حوى / ذِكرهُم فالَّذكرُ عنوانُ البقاء
لم تميزهمُ سوى أعمالِهم / أو يعِّرفهم سوى لون الفدَاء
ربَّ منهم مَن تردَّى بالأسى / كم ذبيحٍ لم يُضرَّج بالدماء
كم شجاع عاينَ الموت وقد / هابهَ الموتُ وشُّر الأشقياء
ليس من يحملُ قلباً كفُّه / مثلَ من يحملُ ذُلَّ الجبناء
وفتاة في رُبَى شيلى حَمت / بطلاً بل بطلينِ من فناء
لجآ واستعصما في قبوها / كدنانِ الخمرِ تزكو في الخفاء
والدٌ حُّر وطفلٌ رَضعا / في اختلافِ السنِّ تقدَيس الإباء
كافحا في طردهم أسبانيا / حينَ سادَ الليلُ واغتيلَ الضياء
حين صار العيشُ والموتُ معاً / عَدَماً لليائسين الضعفاء
فأتى الجندُ لبحثٍ عنهما / وهما في القبو رهنٌ للقضاء
لحظةٌ إن شاءَ ماتا إثرَها / أو أبىَ مَرَّت مُجوناً أو هُراء
قالت الحسناءُ هذا منزلي / لا ألبىّ فيه حُكمَ الغربَاء
أي زادْ شئتمو حُّل لكم / إن يكن عندي وليس الاعتداء
ما مفاتيحي سوى رمزي فما / أرتضى ذُلاًّ لمن بالسيف جاء
ان يكن معناى هذا ضائعاً / بينكم فهو بنفسي والوفاء
قُبِّحتَ أعمالكم من ظَنِّكم / أنَّ عُذر الحرب عذر اللؤماء
تستبيحون بيوتاً لم تكن / غير أقداس عفافِ ونقاء
وتدوسون رضىَ اصحابها / هل هُموُ رجسٌ وأنتم أتقياء
فاستشاط الضابطُ العاتي وأرغى / حانقاً كالذئبِ دوَّى بالعواء
استعُّدوا فاستعُّدوا زُمرةَ / عُوِّدت لذةَ قتل الأبرياء
صوبوا النار إليها في رضىَ / يرقبونَ الأمرَ كالرَّاجي العطاء
والفتاةُ الحرةُ الهيفاءُ تأبى / أىَّ عفوٍ أو خضوعِ أو رياء
نظرت نظرةَ جبارٍ عنيدٍ / تطعنُ البغىَ بسهمِ الكبرياء
فإذا بالضابطِ المغرورِ يبدو / عاجزاً عن أن يُثنِّى بالنِّداء
وأخيراً بعد لأىٍ قال بل / سوف تغدونَ أمامي كالشِّواء
سأحيلُ البيتَ ناراً ملؤها / ضحكاتٌ من روؤسِ الأغبياء
لا تظنىّ والألى تحمينهم / أنكم إلاّ هباءً في هَباء
سأريكم في حجيمٍ حولكم / غاية الغدرِ وعقبى السفهاء
فأبت إلاّ شموخا زاده / ثورةً واستضحكت مما أفاء
وأشارت نحو جمرٍ لاعبٍ / باللَّظى في الموقدِ الجمّ الذَكاء
ثم قالت لك هذا كلُّهُ / فاغتنمه محرِقاً أنَّى تشاء
إنّ حرقَ الجسمِ أمرٌ هينٌ / حين تنجو الروحُ من هذا البلاء
فتهاوى ذلك القاسي كمن / ناله العُّى وإن فات الحياء
ومضى والجندُ ما مدوا يداً / نحوها أو لفظوا لفظا أساء
بل مضوا كالخرسٍ لم يُعرف لهم / غرضٌ أو نكصوا كالبلهاء
دامت الحربُ طويلا وانتهت / كانتهاءِ الشهُّبِ في القفر العراء
ما درى الناسُ لماذا نشبت / واستمرت في دموعٍ ودماء
ولماذا فجأةً قد انتهت / فتساوت في ابتداءٍ وانتهاء
أيدومُ الناس في ضلاّتهم / وأَضُّل الناسِ كان الزعماء
ما تعادَوا مرةً عن سببٍ / لم يوفَّق فيه حُكمُ الحكماء
ما حقوقُ الشعبِ مهما أنكرَت / بالتي تُمحى إذا ما الشعب شاء
شَّب ذاك الطفلُ في أمتَّه / قائداً أنضجهُ طولُ البلاءَ
مرَّت الأحداثُ في سيرته / مِثلَ عصفِ الريحِ في أعلى الجوَاء
لم تُهَّدمهُ ولكن أشبعت / عَقلهُ فهماً وحزماً ومضاء
صار قُطباً تهتدى أمَّتهٌ / بهدَاه وصديقَ العلماء
وَبَنىَ تحديدَها من روحه / قبل صُلبٍ راسخٍ أو كهرباء
شَّع في تاريخها اشعاعَهُ / في نُهىَ جامعةٍ فيها أضاء
كان من أَسَّسها إيمانُهُ / برسالاتِ الهدَاةِ الأمُناء
هكذا الأبطال يحيا ذكرٌ هم / في سبيل الحقِّ مثلَ الأنبياء
من مبلغٌ وطني الحبيب تلُّهفي
من مبلغٌ وطني الحبيب تلُّهفي / للقائه كتأسفي للقائه
لَّج الحنينُ وما عرفتُ بهجرتي / أن استخفَّ بعنفهِ وزكائه
وطني الذي رُبِّيتُ تحت سمائه / ووهبتهُ فني نجومَ سمائِه
ورضعتُ من أزهاره وسكرتُ من / أسماره وشربتُ من أضوائه
من ليس بَعدِ له سوى حِّبي له / حبَّاً تشرَّد كاليتيمِ التائه
من عنده الخبزُ القفارُ ولائمٌ / وولائمُ الأرواح ملءُ رُوائهِ
من طالما غنيتُ في افيائه / بروءاى حين سجنتُ في أفيائه
من لم يمكني لأرفعَ مجدّه / ولواءه وخذلتُ تحت لوائه
من لم ينهنه زجره جهدِي له / وأنا المكبل في مديد بلائه
من ظلَّ لا يجد الثمالَ سوى الألى / خانوه واعتبروا مناطَ رجائهِ
من لا يبالي أن يُشاهدَ أهله / يشقونَ والأبرارَ من شُهدائه
من مكن الإقطاعَ من تقطيعه / وأباح عَّزتهُ رضىَّ سُفهائهِ
من لم يَصن تاريخه بفعاله / وهَوتَ زعامتهُ لدى زُعمائه
من عفَّرَ الرأسَ المنّزه في الثرى / للفاسقين الصُّمِّ من رؤسائه
كُنَّا نُرجِّى الأمسَ صِدقَ بلائهم / فغدوا رزيئتهُ وسرَّ بلائه
من كلِّ أرعنَ لا يصِّعرُ خَدِّهُ / إلا وتلطمه أحُّط نسائه
ينضىِ الركائبَ في الطِّلاب لشهوةٍ / ولِضمِّ أهواءٍ إلى أهوائه
ويخال صَخبَ الموبقاتِ حيا لهُ / إعجابَ من عَانوا من استهزائه
أسفىِ على المُلكِ المذالِ وطالما / حامت قلوبٌ حوله لفدائه
كنا نلوذُ به ليوم كريهةٍ / فإذا بنا ما شاءَ من أشلائه
أسفى وكم يَطغَى الحنينُ كأنني / عبدٌ وإن حِّررتُ بين إمائه
ولربما كان النساءُ بأرضهش / هُنَّ الرجالَ وكنَّ من أدوائه
كم عابثٍ يرثى لحالي ساخراً / وهو الأحُّق بسخره ورثائه
والشعبُ إن باع الكرامةَ صاغراً / أو فاجراً فبقاؤه كفنائه
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي
عَزائي قِف مكانكَ يا عَزائي / فإنِّى لا أراك سوى الُمرائي
هَجرتُكَ مذ خبرتُ صُروفَ دنيا / تُراوغُنا بألوانِ الفناءِ
ولستَ بأىِّ حالٍ من تُرجَّى / لِتزجُي للأخِ الجِّم الإباءِ
إلى الحِّر الذي صَاحَبتُ فيه / أحبَّ الشاعريةِ والذكاء
ومن يطوِى الفؤادَ على هُمومٍ / ولكن في ابتسامِ الكبرياءِ
ومن نَظراتهُ للكونِ نُورُ / وإن بعدَ الوُجودُ عن الِضباءِ
ومن عَرَفَ الحياةَ وإن تسامت / فناءً قد تَطَّورَ عن فَناءِ
فحسبي أن أصوغَ له رَجَاءً / من الصبَّرِ الُمرنَّقِ بالبكاءِ
ومن قلبٍ وفيٍ لا يداجِي / ومن حُبٍّ صفيٍّ لا يُرائي
بأن يَحيا ملاذاً للأماني / ولو وُئدت وضاعت في الهباءِ
طيورَ الخريفِ أطيلي البقاء
طيورَ الخريفِ أطيلي البقاء / فما زال للحبِّ هذا الضياء
أقيلي وغنى غناءَ الربيع / ولو في الخريفِ فينأَى الصقيع
أطيلي البقاءَ فإنَّ العطور / تُراقُ استماعا وُتزهَى الزهور
طيور الخريفِ لماذا الرحيل / وهذى ربوع الجمال الأصيل
لماذا الرحيلُ بليلٍ حزين / ونحن محُّبوكِ لو تعلمين
ونعشقُ جَمعكِ فوقَ الهضاب / ويستوقفُ الجمعُ حتىّ السحاب
نراقبُ لَهوكِ كالعاشقين / وطوراً بخالكِ كالعابدين
وكل الطبيعة تأبى المراحِ / إذا نُحتِ حتى يبينَ الِمزاح
وفي كلّ بيتٍ مكانُ الحنين / لمأواكِ لو كانَ ما تشتهين
فلا الدفءُ والقوتُ عبءٌ ثقيل / على أمَّةٍ تبدعُ المستحيل
ولا الحُّب عَزَّ بأرِضٍ تصون / له الملكَ حين تُعُّز الفنون
وفيها الحياةُ رؤىً للنعيم / تدومُ ولم تَنسَ طيراً يُقيم
ست من السنوات جاوز عمرهَا
ست من السنوات جاوز عمرهَا / عُمرى بل الأبدَ السحيقَ ورائى
هيهاتَ أغفرُ ما جنتهُ فلمؤها / رَممٌ من الآمالِ والأرزاء
خُلطت كأشلاء الحروبِ وليتها / دُفنت ولم تضحك على أشلائي
وإذا بُعثنَ فما أرى إلاَّ الأذى / فيها وما يُشجى من الأصداءِ
فكأنّما الآمالُ لا بعثُ لها / وكأنما الأرزاءُ دُمنَ إزائي
قالوا يحف بكَ النعيمُ ألا ترى / بعضَ الحنينِ هو الجحودُ لنائي
إن كان فالقلبُ الموزعُ شاردٌ / مثلَ النعامة في رؤى الصحراء
يجرى إلى الماضي فينقله الهوى / فوق النجومِ إلى أحبّ سماءِ
يقتاتُ من إشعاعها وخيالها / ويعودُ بين مجاعةٍ وظَماءِ
لو أستطيع خَنقتها بانأملي / فعلى يَدِى سكبت عزيزَ دِمائي
ست من السنوات كم من لوعةٍ / فيها وكم من رعشةٍ لوفائي
ودمي يسيلُ على بيوت مشاعري / لهفاً وُذكِى النارَ طىَّ رجائي
ما اخترتها طوعاً ولكن غضبةً / للحقِّ والأَحرار والشُّهداءِ
وأظل أعتنقُ الشقاءَ عقيدتي / ما دمتُ ألهمُ أمَّتى بشقائي
مثلي على الحالين جدُّ مُغرَّبٍ / كالنورِ حين تراه عينُ الرائي
لا موطنٌ لي غيرُ موطنِ مُهجتي / فإذا أبوا لم يبقَ غيرُ إبائي
هيهاتَ أرَضى العيشَ بين أذَّلةٍ / خَصُّوا مودَّتهم بكلِّ مُرائي
سأَظَل أرقُبُ صابراً تحريرهم / من هذه الحشراتِ والأدواءِ
وأظل انتحهم بروحٍ حُرةٍ / لم تُخترم بمنافعٍ عرجاءِ
فإذا حييتُ وقدرتني أمتي / وتحررت لبيَّتها بولائي
وإذ مضيتُ إلى الفناء وهبتها / في الغربتينَ هواىَ دون فناء
ما كان هذا اليومُ عيداً يُشتهى / والنفيُ يَلطمُ همَّتي وفدائي
أو كانت الأعمارُ غيرَ مآثرٍ / أو كانت الأيامُ غيرَ بناءِ
لو كنت كالمتنبي في جراءته
لو كنت كالمتنبي في جراءته / وفي التحدي لحساد وأعداء
لطرت فوق بساط الريح منصلتا / سيفا يمزق ما آذاك من داء
قد سار وصف له في سعره مثلا / للفن والفن عندي فوق إنشائي
يا منسي الناس آلاما لعلتهم / عوفيت واسلم كعيسى في سويدائي
أعدّ ساعات قرب موشك ثملا / كراهب بين تسبيح وإصغاء
إني على الحب قد نشئت لا عوض / عنه لروحي أو سر لإحيائي
وما الجمال سوى ند لروعته / أو توأم بين أطياف وأضواء
أهلا بعودك للأحياء تسعدهم / وتنشر النور فيهم بعد ظلماء
الحب والحسن في كفيك قد رفعا / للمهتدين فيما يجزيك إطرائي
وددت أهدي طويل العمر من أدبي
وددت أهدي طويل العمر من أدبي / في عيده نفح أضواء وأنداء
أبقى على الدهر من أموال دولته / ولن يبز بإشعاع وأشذاء
ولن تسامى بشعر عبقريته / كأنما فوق معنى الوحي إيحائي
أصغت إلى شدوه الآرباب ساهمة / والأنبياء وأعلام الألباء
فلم أجد غير صدق النصح يشفعني / واشرف النصح لا يجزى بإصغاء
لكنني لا أزال الحر معتمدا / على وفائي وإخلاصي وآرائي
أزجي لكم من ضميري في تجاربه / عبر القرون تعالت فوق أهواء
معالم الحق لم تخذل مسائلها / وخبرة لم تزل ذخري وإثرائي
كما نصحت لكم من قبل في شغفي / بخيركم فكبا صوتي وأصدائي
كأنما كان تبصيري لكم سفها / وحكمة الحر سم للأرقاء
في عيد ميلادك الميمون أي هدى / يرجى سوى طرد هذا الموغل الداء
وكيف يطرد إذ يحمي زبانية / هذا الأذى لشجى مؤتى وأحياء
قد أصبح الملك فذا في دعارته / ورمزه بين إجرام وفحشاء
من كل أرعن في عرنينه خرف / وكل لص وسكير وزناء
فاقوا الجراد وباء حينما أتفقوا / على الخراب لأموال وأرجاء
حتى بيثرب ضج القبر من جزع / لأمّة بعد نور رهن ظلماء
حتى بمكة صار البيت في دنس / من قومكم بين أبناء وأحباء
مبددي المال تبديدا لسمعتهم / وقاتلي الشعب في بؤس وأنواء
دون المعارف قد لائت مفارقهم / أعراض طيش وزهري وأقذاء
حتى غدوا هكذا أعداء أنفسهم / وقومهم فوق أدواء وأعداء
يا ويحهم جعلوا الإسلام سخرية / وظلمة بعد أمجاد ولألاء
وهيؤوا ثورة كبرى ستلحقهم / وملككم إن بقيتم رهن إغضاء
من يسحق الحق يحييه ويشعله / والحق أفصح نطقا وسط ضوضاء
وناشدو الحق يوما ظافرون به / مشوا على النار أم ساروا على الماء
لج الحنين إليك حتى خلتني
لج الحنين إليك حتى خلتني / وأنا القصيّ غدوت غير النائي
وإذا الفصول جميعها فواحة / حولي بعطرك تستثير رجائي
وإذا السماء يرعدها وبروقها / زرقاء مثل سمائك الزرقاء
وإذا الجمال بكل مرأى حفّني / يفترّ لي بجمالك الوضاء
وغذا الحياة وقد رشفت نعيمها / ليست سواك بخاطري ودعائي
هذي المشاهد كيف كن شهيدة / لتلهفي وتبسمي وبكائي
مزجت بأفراحي وأتراحي معا / فكأنها مثلي من الشهداء
وإذا بكيت بها فإنك دمعتي / وإذا شدوت بها فأنت غنائي
ما فاتها مني الوفاء وفاتها / أرضي لديك وجنتي وسمائي
عاث الطغاة مدى فما هادنتهم / ورحلت أرشقهم بصدق هجائي
كانت فعالي قدوة وعواطفي / نارية واسلتها كدمائي
ما تضحيات الماهدين ضئيلة / إلا لدى الناسين والجهلاء
من لي بقربك لو ملكت قيادة / للثائرين فكم أضيع ندائي
لجعلت مصر إذن حفيدة جدّة / غنّى بها الشعراء للشعراء
سبقت مبادئها المسيح بعدلها / وشأت بأخناتون كل ضياء
وغدا بها الوادي جنانا حرة / طهرت من الأوشاب والدهماء
ينساب فيها النيل سيفا مصلتا / إلا على أحبابه الشرفاء
رقصت شواطئة بأشتات المنى / والحب عابقة بكل عطاء
غنى الغراب بها وكان غناؤها / وقفا على الشحرور والورقاء
فيها المساواة العميقة زينة / كالنور في الأجبال والأوداء
ما قيمة الإنسان إلا نفعه / وكذاك حكم عظائم الأشياء
والشمس لولا نفعها هانت لنا / بل أصبحت جيشا من الأعداء
وطن الصبا وعزيز أحلام الصبا / ما زلت لي حلما وحلو عزاء
حمّلت في شيخوختي أعباء من / قبعوا ومن ناموا على الأقذاء
وتخذت لي منفاي منبر دعوة / للثأر من ضيم ومن أدواء
في موطن الأحرار لم يخذل به / فرد ولم يسحق على الغبراء
يسمو به إقدامه فوق السهى / ويحول الغبارء كالجوزاء
أو يفلق الذرات فهي جهنم / للغاشمين وجنة العلماء
صارت شجاعته مثالا يحتذى / وعلت مىربه على الجببناء
فإذا بقيت به عزيزا آبيا / ورضيت من نفيي بكنز إبائي
فلكي أبر بعهد إنسانيّتي / وأكون رمز تجاوب وإخاء
غضّي عيونك يا نجوم فإنني
غضّي عيونك يا نجوم فإنني / أرنو إلى القدسيّ من أضواء
لن تكشفي سري ولو أعطيته / ما كنت كاشفة مدى إسرائي
هذي صلاتي لا أذان يؤمها / غردا ولا الأجراس بالضوضاء
بهت المساء لها كأنّ تأمّلي / ألق وذؤب نهاي في الظلماء
إن كنت في الحسبان أحقر ذرة / فأنا رموز عوالم وفضاء
غنّى الأثير بها ففاض عواطفا / واهتز بالإلهام للشعراء
أصغي إليها يا نجوم فربما / ألهمت ما ضيت من إيحاء
أين الألوهة إنها حولي وما / خفيت وإن عدت كحلم ناء
هي في الحيا وكل ما هو كائن / فجميعه حي بلا استثناء
وجدت مع الأزل السحيق قصيدة / نارية الأنغام والأصداء
لسنا سوى من بعض تفعيلاتها / أو أننا صور لها ومراء
كانت وسوف تكون ذلك شأنها / فعلام فلسفتي وشحذ ذكائي
والخلد من طبع الوجود تسلسلا / لا طوع أفراد ولا أشياء
والموت من صور الحياة فما مضى / حيّ بلا بدل ودون عطاء
فتأمليها يا نجوم وجد لها / يا عقل بالإشعاع غير مرائي
فلربما أصبحت وحدك هاديا / للأرض إن أصغت وللجوزاء
لماذا أعزّي بل لماذا أهنّىء
لماذا أعزّي بل لماذا أهنّىء / وشعبكمو للذل والظلم موطئُ
إذا قيل هذا غابر مات عهده / رأينا جديدا عهده الشؤم أسوأ
نحار بتكييف له ثم حيرتي / تجن فلا أدري بما اليوم أبدأ
فهذي المخازي ما لهن نهاية / وكل قرير عندها يتفيأ
سوى الشعب لم يدرك وجودا لذاته / كأن الممات الصرف أحلى وأهنأ
شعار كمو هذا النفاق مجدا / وفي صخب الأحداث حصن ومرفأ
ويقترف الإجرام غرّ مسبّح / وبالخمر غر آثم يتوضأ
ويبرأ من هذا وذلك مجرم / فمن يا ترى الجاني الذي ليس يبرأ
ألم يبق بين الناس شهم منزة / يدوي له صوت وبالحق يجرؤ
وهل اصفرت ارض النبوة كلها / وأرض الحجا عن زاجر ليس يهدأ
وهل بات أهل الشعر أمثال غيرهم / صعاليك كل للضلال يوطى
يرضون أمداحا هي الذم عينه / إذا عقل الأحياء بل هي أردأ
تفوح نفاقا كل حي يمجه / ومنه ضياء الحق يكبو وصدأ
إذا لم يكن هذا ولا ذاك فلتكن / لصيحة شعري ما يهزّ ويفقأ
نذيراً وتبشيرا ووعظا وحكمة / وما كان نصح مثل نصحي يرجأ
وإني الذي قد أنظر الغيب شاخصا / أمامي فأرويه ولا أتنبأ
أقول لكم لا بد من هدم ملككم / وإن كان هذا الهدم بالغش ينسأ
لأنكمو خادعتمو القسط في الورى / وكلكمو في النهب غرثان يمرأ
وفلسفة الأقدار ليس لها ونى / إذا حكمت لكنها تتهيأ
وما ظمىء الجبار إلا وهده / عتي من الأحداث للعدل أظمأ
فإن تبتغوا عقبى تصون رؤوسكم / فهبوا إلى سعي شريف يوطئ
وردوا إلى الشعب السليب كنوزه / وصونوا له عرضا بكم صار يهرأ
وكونوا رعايا بينه لا مواليا / فما كان مولى من يخون ويهزأ
وإنا بعصر سيد الناس خادم / لعزتهم لا غاشم راح ينتأ
فمن خانه خان النبي محمدا / ومن خانه لا بد يشقى ويرزأ
ولا بد للإسلام من بعث ثورة / ومن أخطر الثورات حنق مخبا
وعنئذ تغدو الجزيرة كلها / منارا لكل الثائرين وتربأ
فهلا ادكرتم واتعظتم وعندكم / صحائف للتاريخ بالنذر تملأ
ستفنى قصور شدتموها وتمحي / حصون لكم في حين يرسخ مبدأ
الخريف الخريف رددت الأطيار
الخريف الخريف رددت الأطيار / نشيدا مرقرقا كالضياء
لست أدري أكان بصحبه / الخوف من البرد أم حواه الحياء
كل شيء صاف وصاح ويسام / وكأن الشباب في وجنتيه
كل شيء قد ناله البعث بع / الصيف حلوا والشوق في مقلتيه
قد خرجنا من الجحيم معافين / فمن ذا يشتاق عهد الجحيم
أيها المشتكي تنعم قبيل النفي / شريدا إلى الصقيع العميم
الوجود القرير حولك يفتر / بتسبيح عابد في صلاته
غلب الخوف جم إيمانه / الحلو فزاد الإيمان مجلى حياته
وإخال الأشجار في نثرها / الأوراق تعرين قبل يوم عميق
كالجمال الذي تهيأ للنوم / طويلا مع الشتاء الصديق
لا تبالي ما بعد نومتها الكبرى / ولم تكترث لنذر الشتاء
حسبها اليوم نشوة من / حياة لم تنغص فما لها والفناء
ذكرى الأباة ومطلع الشهداء
ذكرى الأباة ومطلع الشهداء / هذا دعاء المفلحين دعائي
عبرت عن أحرار مصر بغربتي / ولرب ناء كان غير النائي
وجعلت تبريكي مشاطرة لها / بعواطفي ومدامعي ورجائي
في فرحة النيل هلّل مثلنا / لسنائها واختصّها بوفاء
أوفى وحوض النيل أصبح كله / حرا ففاض بحبه المعطاء
الحسن في نظراته كالحصب في / خطراته كالوحي للشعراء
مرت عهود الحاكمين بأمرهم / واليوم بعث الحق والشهداء
من لم يصدقني فذلك حوله / جمّمن الآيات والالاء
الشعب مجدها وهذا جيشه / قد حاطها بمناعة وعلاء
أنى نظرت ترى مواكب نسقت / للحب بين ترنم وضياء
وترى النخيل على السماء زواهيا / فالنيل فاق جمال كل سماء
تتألق الآمال فوق نضاره / كتألق الأحلام في الصحراء
وترى جموع الفالحين تعرفوا / أقدارهم فغدوا من الأمراء
الفأس في يد كل فرد ماثل / كالصولجان وشامخ للرائي
يا ليتني في مصر ألثم تربها / كالنيل يلثم شطها بولاء
حتى أجدد من غنى إكسيره / عمري وأرشف نعمتي وروائي
فرحان كالطفل الصغير تجمعت / كل الكنوز لصفوه في الماء
لم لا وللنيروز روعة ساحر / قد جال بين عواطف ومرائي
أبناء مصر المخلصين تسابقوا / لأبيكمو المعتزّ بالأبناء
وخذوا هدية عيده ما نلتمو / من نصفة وتحرر وإخاء
حتى يباركها مباركة الهدى / فتزيد بين سماحة ونقاء
وتصير كالنيل العزيز أبيكمو / قدسا تنزّه عن هوى ورياء
العيد هذا عيد مصر بأسرها / لا عيد طائفة ولا أهواء
غنى به الفلاح مثل زروعه / ودموعه في الحقل والأنداء
يا ليت لي في كل عام وقفة / كالحج بينكمو وليت ثوائي
حتى أنافس كل حر مولع / بالنيل مبتدعا فنون غنائي
وألقن الأحفاد ما لقنته / من قبل من سر لفرط إبائي
لا يعرف الأحرار إلا مسهم / في التضحيات وقانع بعناء
فلتحي يا وطني الأصيل منعما / بتتابع الأعياد كالأضواء
ولتحي جمهورية أحرزتها / كالبعث بعد تبدد وفناء
ترقى الشعوب على سواعد أهلها / وتهون تحت سنابك الدخلاء
الله في الحب ألحان واضواء
الله في الحب ألحان واضواء / والله في السلم أزهار وأنداء
حييت يا سلم هذا يوم سيّده / فلتخجل الحرب ولتعتزّ ورقاء
وليفرح العالم المنكوب عن سفه / فقد تعالت على الضوضاء أشذاء
إني أشم عطورا لا أكيفها / لكن يكيفها للنفس إيحاء
فأين مبعثها الروحي يشملني / فليس تدركه عين وإصغاء
لعل في الجامع المبرور تذكرة / فها هو الجامع المبرور وضاء
من وضع أمجد عن بر بملّته / وكذاك يصطحب الأكفاء أكفاء
بلاد إقبال لا فاتتك فلسفة / تعلي السلام ولا نالتك ضراء
إن السلام هو الإسلام من قدم / كما رآه الألباء الأجلّاء
وليس أليق رمزا في رسالته / من جامع حوله الإيمان أضواء
في جادة أسهمت في عرسها أمم / وبوركت فإذا الظلماء لألاء
ما بال مصر تناست ثم مغرسها / وفي ثرى مصر للجنات أفياء
كأنما ما مشى نور المسيح بها / ونوره في جميع الأرض مشاء
كأنما مريم العذراء ما سكنت / بأرضها وكأن الأرض جرداء
وأين ما وهب الأردن من شجر / وفي بساتينه الأدواح غنّاء
واين قدسي أرضيه التي سطعت / أمالها اليوم في الإسراء إسراء
يا ليتني المتنبي الآن صولته / تهز من أذنه للحقف صماء
حتى أعلم قومي في توجسهم / أن العروبة كالإسلام زهراء
أن التسامح اسنى ما يشاد به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / وما عداه فللإسلام أعداء
شدا السلام وأنفاس المسيح به / فكل ما رف أنغام وأصداء
وإن تكن قد تناهت في مشاعرنا / من العواطف أطهار وعذراء
فهللي يا بروجا طالما هتفت / كما هتفت وناجاها الأرقاء
وحررينا من الأحزان قاهرة / كما تحرر من أسداده الماء
قال الصديق وديع في سوانحه
قال الصديق وديع في سوانحه / تقسو الحياة على الأخيار أرزاء
وراح يذكر من آثاره مثل / للمحسنين أسر الدهر أم ساء
من رنق الأدب العالي بنفحته / وحظه من عقوق الدهر ما شاء
لم يكفه الخطب في زوج وفي ولد / حتى أراه جحود الناس أنواء
فيم التفجع والدنيا فواجعها / لا تنتهي وتعيد الأمس أصداء
خل احتمالك ثأرا من نكايتها / واسخر بها حينما تشقي الألباء
جئنا إلى الكون في الذرات من قدم / ولم نفارقه أطيافا واضواء
وليس يعرف منا كنهه أحد / وإن تغلغل في ماضيه مشاء
وإن عرفنا عرفنا بعض أخيلة / كأنما البحر ما نلقاه أنداء
ليست نقاط حروف لا نكيفها / قصيدة راودتنا اليوم عصماء
ولا المآسي التي غاضت مدامعنا / من نارها ستزيد الكون أشلاء
ساوى النشوء دمارا في مسارحه / كما عرفت وساوى البؤس نعماء
وما شكوت التياعا بل مسايرة / للفن أجتاز أمواتا وأحياء
فسر معي يا أديبا عيشه حرق / في مهمه العمر مغمورين أهواء
نحيا لهيبا كأنا شبه ألهة / ونغتدي بانتهاء النار إيحاء
علم الإباء وأحكم الشعراء
علم الإباء وأحكم الشعراء / هذا عزاء الوامقين عزائي
أطلعتهم في كل أرض أنجما / من وحيك المتفنن الوضاء
واليوم ليس لهم سواك ملاذهم / مهما لجأت للوعة وبكاء
منك استمد العارفون يقينهم / فلديك ملجؤهم وخير عزاء
يا من رأى مثلي المنية صورة / للعيش لا تجزع من الأرزاء
ولو أن موت الأم أفدح نكبة / ويصل فيه تفلسف الحكماء
أمم العروبة كلها محزونة / لأساك يا من خصها بوفاء
وبنى لها شم الخوالد شعره / بمعالم الإرشاد والإيحاء
فيم البكاء وفي المنية رحمة / حين الظلام مفوّق بضياء
أنى نظرت ترى المناحة حولها ال / أعراس والأحباب في الأعداء
ولئن شقيت من الجحود فإنني / آثرت أن أحيا مع الشهداء
فتلق بطش الدهر غير مروع / فالدهر معتنق لكل غباء
واجرع كما جرعت فرط جحوده / واصبر فحسبك غاية العلياء
من كان مثلك في سماء نوغه / يسمو على الأعصار والأنواء
ويرى الخلود المعنويّ كفاءه / ويحقر التخليد في الأعضاء
أخي سليمان هذي غربتي بلغت
أخي سليمان هذي غربتي بلغت / بي غربتين وزاد الموت إقصائي
قد كنت أشجي لنايي عنك في أسفي / يا ليتني دمت ذاك الآسف النائي
ما لي سبيل إلى لقيا فأنشدها / فعالم الغيب محفوف بظلماء
لا على ذكريات حية أبدا / من الطفولة لم يبرحن تلقائي
عشنا سويا أليفي نعمة وهوى / نحسو الشذى بين أزهار وأضواء
لم يبلغ الطير ما نلناه من مرح / ومن طلاقة أحلام وأهواء
ولا ابتسام شواطي النيل ما بلغت / عيننا من صفاء دون أقذاء
ولا خرير السواقي في تعثرها / تعثري ضاحكا في الطين والماء
ولا اختصام الورى والحرب صاخبة / مثل اختصام لنا من غير شحناء
ولا الأماني للدنيا بأجمعها / ساوت أمانينا أو بعض إحصائي
تلك السنون التي مرت على عجل / ذخيرة لم تفت لحظي وإصغائي
أحسها وأناجيها وأعرفها / كأنما هي من ذاتي وأعضائي
يا خادم المسرح العالي يسيرته / هذي رواياتك العصماء للرائي
قد خلدت في المرائي فهي نابضة / بين الورى والمرائي مثل أحياء
من عاصروك استقلواف ي مشاعرهم / عن عرضها فهي لن تنسى لنساء
ومن يجيئون حيث الضاد مكرمة / سيكرمونك إكرام الألباء
فنّ كفنّك لن يفنى وإن بعدت / به السنون كبعد للأحباء
لم ندر أيهما أولى بتكرمة / تأليفك الحر في نقد وإيصاء
أم عبقرية تمثيل خصصت به / حتى تعدد في ألوان إيحاء
يا مصلحا كل ما أهدى لنا مثل / للمصلحين ودستور الأطباء
تخذت بعد أبيك الشهم سيرته / شعارك الحي في تنوير دهماء
وفي التسامي بمن هانوا ومن قبعوا / في اللهو حتى غدوا أدنى الأذلاء
إنا افتقدناك في وقت أحق به / من كان مثلك يحمي كل علياء
من كان دون شبيه في مناقبه / حلو الفكاهة حتى للألداء
ويمزج الجد طي المزح تحسبه / يلهو وفيه أفانين لإغراء
نم في ضريحك نوم الأنس في سرر / من الضياء وفي ألوان أشذاء
واقبل دموعي رثائي فهو من مهج / شتى وإن كن أزهاري وأندائي
تمهّل أمام الماء حين ابتسامه
تمهّل أمام الماء حين ابتسامه / على الكرز البسام غير مرائي
تولى صقيع كاد يودي بحسنه / وجمد حتى دمعه كرجائي
تخيّلته في الحلم ميتا مجرحا / ففاء ولكن عالقا بدماء
وقد نفض الأكفان بيضا تبعثرت / وبدل منها حالمات ضياء
بنات الهوى والفن تشرق بالمنى / كما تشرق الأطياف للشعراء
نماها القصي الشرق ثم أتى بها / شعور إخاء أو شعوب ولاء
فرفّت حنينا كالأشة عندما / تحن إلى أصل لها وسماء
ورفت وفاء للديار التي احتفت / بها وأعزتها على النظراء
وقد أشعلوا المصباح رمزا لعيدها / كأن به للعيد كنز ضياء
لئن سكنت هذي البحيرة لم يكن / سكون لها إلا سكون حياء
وفيها ضروب من عواطف لم تكن / لتسكن بل جاشت بغير نداء
أتسمعها إني لأسمع شعرها / أغاني من حب لآخر ناء
أتبصرها إني لأبصر بعضها / مرائي تجلوها فنون مرائي
وقد عكست في الماء فاهتاجه الغنى / فكان لهيبا أو مذاب ذكاء
لئن زارها العشاق من كل بقعة / فكم عاشق في غربة بعنائي
وأما العصافير اللواهي بقربها / فهنّ معاني رفقة وإخاء
تلاهت تلاهي النحل غنت لطلعه / على زمر الأزهار دون عناء
فأخجلني أني المقصر بينها / وأن غنائي ليس فيه غنائي
قالوا طيور تغالي في محبتها
قالوا طيور تغالي في محبتها / فقلت ما كن إلا بعض أبنائي
مرحن حولي كالأطفال في لعب / حتى تحاربن في فسقية الماء
وألبست ريشها الألوان أوسمة / كأنما تتحدى مجد أضواء
يبعثر الماء درّا في تنافسها / كأنّها كرنفال الفنّ للرّائي
ويغضب الماء حينا في تبجّحها / فيستثار كموج فوق أنواء
وكم تعالت لنا أصواتها هرجا / فأضحكتنا وشاقتنا بإيماء
كأنما صور التمثيل معرضها / ما بين وثب وترتيل وأزياء
وأشرب الشاي عن قرب أراقبها / منعّما وكأنّ الشايَ صهبائي
تركت ديوان شعر كنت أقرؤه / لما تسامت بألحان وأصداء
كم شاعر بينها في قوله عجب / للملهمين فما يكفيه إصغائي
لا تشخروا من ودادي حين أرمقها / وحين أعشقها من دون أسماء
لكل طير معان وهي كافية / لتستقل بأشعاري وأهوائي
أسكنتها في عيوني وهي شاردة / كالزهر تسكنه ذرات أنداء
وحومت حول سمعي حينما صمتت / كأنما الصمت مقرون بإفشاء
فهل أغالي إذا أخلصتها مقتي / وهل تغالي بتجديدي وإحيائي