المجموع : 17
زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ
زَعَمَ الغُرابُ مُنَبِّئُ الأَنباءِ / أَنَّ الأَحِبَّةَ آذَنوا بِتَناءِ
فَاِثلِج بِبَردِ الدَمعِ صَدراً واغِراً / وَجَوانِحاً مَسجورَةَ الرَمضاءِ
لا تَأمُرَنّي بِالعَزاءِ وَقَد تَرى / أَثَرَ الخَليطِ وَلاتَ حينَ عَزاءِ
قَصَرَ الفِراقُ عَنِ السُلُوِّ عَزيمَتي / وَأَطالَ في تِلكَ الرُسومِ بُكائي
زِدني اِشتِياقاً بِالمُدامِ وَغَنِّني / أَعزِز عَلَيَّ بِفُرقَةِ القُرَناءِ
فَلَعَلَّني أَلقى الرَدى فَيُريحُني / عَمّا قَليلٍ مِن جَوى البُرَحاءِ
أَخَذَت ظُهورُ الصالِحِيَّةِ زينَةً / عَجَباً مِنَ الصَفراءِ وَالحَمراءِ
نَسَجَ الرَبيعُ لِرَبعِها ديباجَةً / مِن جَوهَرِ الأَنوارِ بِالأَنواءِ
بَكَتِ السَماءُ بِها رَذاذَ دُموعِها / فَغَدَت تَبَسَّمُ عَن نُجومِ سَماءِ
في حُلَّةٍ خَضراءَ نَمنَمَ وَشيَها / حَوكُ الرَبيعِ وَحُلَّةٍ صَفراءِ
فَاِشرَب عَلى زَهرِ الرِياضِ يَشوبُهُ / زَهرُ الخُدودِ وَزَهرَةُ الصَهباءِ
مِن قَهوَةٍ تُنسي الهُمومَ وَتَبعَثُ ال / شَوقَ الَّذي قَد ضَلَّ في الأَحشاءِ
يُخفي الزُجاجَةَ لَونُها فَكَأَنَّها / في الكَفِّ قائِمَةٌ بِغَيرِ إِناءِ
وَلَها نَسيمٌ كَالرِياضِ تَنَفَّسَت / في أَوجُهِ الأَرواحِ وَالأَنداءِ
وَفَواقِعٌ مِثلُ الدُموعِ تَرَدَّدَت / في صَحنِ خَدِّ الكاعِبِ الحَسناءِ
يَسقيكَها رَشَأٌ يَكادُ يَرُدُّها / سَكرى بِفَترَةِ مُقلَةٍ حَوراءِ
يَسعى بِها وَبِمِثلِها مِن طَرفِهِ / عَوداً وَإِبداءً عَلى النُدَماءِ
ما لِلجَزيرَةِ وَالشَآمِ تَبَدَّلا / بِكَ يا اِبنَ يوسُفَ ظُلمَةً بِضِياءِ
نَضَبَ الفُراتُ وَكانَ بَحراً زاخِراً / وَاِسوَدَّ وَجهُ الرَقَّةِ البَيضاءِ
وَلَقَد تُرى بِأَبي سَعيدٍ مَرَّةً / مُلقى الرِحالِ وَمَوسِمَ الشُعَراءِ
إِذ قَيظُها مِثلُ الرَبيعِ وَلَيلُها / مِثلُ النَهارِ يُخالُ رَأدَ ضَحاءِ
رَحَلَ الأَميرُ مُحَمَّدٌ فَتَرَحَّلَت / عَنها غَضارَةُ هَذِهِ النَعماءِ
وَالدَهرُ ذو دُوَلٍ تَنَقَّلُ في الوَرى / أَيّامُهُنَّ تَنَقُّلَ الأَفياءِ
إِنَّ الأَميرَ مُحَمَّداً لَمُهَذَّبُ ال / أَفعالِ في السَرّاءِ وَالضَرّاءِ
مَلِكٌ إِذا غَشِيَ السُيوفَ بِوَجهِهِ / غَشِيَ الحِمامَ بِأَنفُسِ الأَعداءِ
قَسَمَت يَداهُ بِبَأسِهِ وَسَماحِهِ / في الناسِ قِسمَي شِدَّةٍ وَرَخاءِ
مُلِئَت قُلوبُ العالَمينَ بِفِعلِهِ ال / مَحمودِ مِن خَوفٍ لَهُ وَرَجاءِ
أَغنى جَماعَةَ طَيِّئٍ عَمّا اِبتَنَت / آباؤُها القُدَماءُ لِلأَبناءِ
فَإِذا هُمُ اِفتَخَروا بِهِ لَم يَبجَحوا / بِقَديمِ ما وَرِثوا مِنَ العَلياءِ
صَعِدوا جِبالاً مِن عُلاكَ كَأَنَّها / هَضَباتُ قُدسَ وَيَذبُلٍ وَحِراءِ
وَاِستَمطَروا في المَحلِ مِنكَ خَلائِقاً / أَصفى وَأَعذَبَ مِن زُلالِ الماءِ
وَضَمِنتَ ثَأرَ مُحَمَّدٍ لَهُمُ عَلى / كَلَبِ العِدى وَتَخاذُلِ الأَحياءِ
ما اِنفَكَّ سَيفُكَ غادِياً أَو رائِحاً / في حَصدِ هاماتٍ وَسَفكِ دِماءِ
حَتّى كَفَيتَهُمُ الَّذي اِستَكفَوكَ مِن / أَمرِ العِدى وَوَفَيتَ أَيَّ وَفاءِ
مازِلتَ تَقرَعُ بابَ بابَكَ بِالقَنا / وَتَزورُهُ في غارَةٍ شَعواءِ
حَتّى أَخَذتَ بِنَصلِ سَيفِكَ عَنوَةً / مِنهُ الَّذي أَعيا عَلى الخُلَفاءِ
أَخلَيتَ مِنهُ البَذَّ وَهيَ قَرارُهُ / وَنَصَبتَهُ عَلَماً بِسامُرّاءِ
لَم يُبقِ مِنهُ خَوفُ بَأسِكَ مَطعَماً / لِلطَيرِ في عَودٍ وَلا إِبداءِ
فَتَراهُ مُطَّرِداً عَلى أَعوادِهِ / مِثلَ اِطِّرادِ كَواكِبِ الجَوزاءِ
مُستَشرِفاً لِلشَمسِ مُنتَصِباً لَها / في أُخرَياتِ الجِذعِ كَالحِرباءِ
وَوَصَلتَ أَرضَ الرومِ وَصلَ كُثَيِّرٍ / أَطلالَ عَزَّةَ في لِوى تَيماءِ
في كُلِّ يَومٍ قَد نَتَجتَ مَنِيَّةً / لِحُماتِها مِن حَربِكَ العُشَراءِ
سَهَّلتَ مِنها وَعرَ كُلِّ حُزونَةٍ / وَمَلَأتَ مِنها عَرضَ كُلِّ فَضاءِ
بِالخَيلِ تَحمِلُ كُلَّ أَشعَثَ دارِعٍ / وَتُواصِلُ الإِدلاجَ بِالإِسراءِ
وَعَصائِبٍ يَتَهافَتونَ إِذا اِرتَمى / بِهِمُ الوَغى في غَمرَةِ الهَيجاءِ
مِثلَ اليَراعِ بَدَت لَهُ نارٌ وَقَد / لَفَّتهُ ظُلمَةُ لَيلَةٍ لَيلاءِ
يَمشونَ في زَغَفٍ كَأَنَّ مُتونَها / في كُلِّ مَعرَكَةٍ مُتونُ نِهاءِ
بيضٌ تَسيلُ عَلى الكُماةِ فُضولُها / سَيلَ السَرابِ بِقَفرَةٍ بَيداءِ
فَإِذا الأَسِنَّةُ خالَطَتها خِلتَها / فيها خَيالَ كَواكِبٍ في ماءِ
أَبناءُ مَوتٍ يَطرَحونَ نُفوسَهُم / تَحتَ المَنايا كُلَّ يَومِ لِقاءِ
في عارِضٍ يَدِقُ الرَدى أَلهَبتَهُ / بِصَواعِقِ العَزَماتِ وَالآراءِ
أَشلى عَلى مَنويلَ أَطرافَ القَنا / فَنَجا عَتيقَ عَتيقَةٍ جَرداءِ
وَلَوَ انَّهُ أَبطا لَهُنَّ هُنَيهَةً / لَصَدَرنَ عَنهُ وَهُنَّ غَيرُ ظِماءِ
فَلَئِن تَبَقّاهُ القَضاءُ لِوَقتِهِ / فَلَقَد عَمَمتَ جُنودَهُ بِفَناءِ
أَثكَلتَهُ أَشياعَهُ وَتَرَكتَهُ / لِلمَوتِ مُرتَقِباً صَباحَ مَساءِ
حَتّى لَوِ اِرتَشَفَ الحَديدَ أَذابَهُ / بِالوَقدِ مِن أَنفاسِهِ الصُعَداءِ
يا أَخا الأَزدِ ما حَفِظتَ الإِخاءَ
يا أَخا الأَزدِ ما حَفِظتَ الإِخاءَ / لِمُحِبٍّ وَلا رَعَيتَ الوَفاءَ
عَذَلاً يَترُكُ الحَنينَ أَنيناً / في هَوىً يَترُكُ الدُموعَ دِماءَ
لا تَلُمني عَلى البُكاءِ فَإِنّي / نِضوُ شَجوٍ ما لُمتُ فيهِ البُكاءَ
كَيفَ أَغدو مِنَ الصَبابَةِ خِلواً / بَعدَ ما راحَتِ الدِيارُ خَلاءَ
غِبَّ عَيشٍ بِها غَريرٍ وَكانَ ال / عَيشُ في عَهدِ تُبَّعٍ أَفياءَ
قِف بِها وَقفَةً تَرُدُّ عَلَيها / أَدمُعاً رَدَّها الجَوى أَنضاءَ
إِنَّ لِلبَينِ مِنَّةً ما تُؤَدّى / وَيَداً في تُماضِرٍ بَيضاءَ
حَجَبوها حَتّى بَدَت لِفِراقٍ / كانَ داءً لِعاشِقٍ وَدَواءَ
أَضحَكَ البَينُ يَومَ ذاكَ وَأَبكى / كُلَّ ذي صَبوَةٍ وَسَرَّ وَساءَ
فَجَعَلنا الوَداعَ فيهِ سَلاماً / وَجَعَلنا الفِراقَ فيهِ لِقاءَ
وَوَشَت بي إِلى الوُشاةِ دُموعُ ال / عَينِ حَتّى حَسِبتُها أَعداءَ
قُل لِداعي الغَمامِ لَبَّيكَ وَاِحلُل / عُقَلَ العيسِ كَي تُجيبَ الدُعاءَ
عارِضٌ مِن أَبي سَعيدٍ دَعانا / بِسَنا بَرقِهِ غَداةَ تَراءى
كَيفَ نُثني عَلى اِبنِ يوسُفَ لا كَي / فَ سَرى مَجدُهُ فَفاتَ الثَناءَ
جادَ حَتّى أَفنى السُؤالَ فَلَمّا / بادَ مِنّا السُؤالُ جادَ اِبتِداءَ
صامِتِيٌّ يَمُدُّ في كَرَمِ الفِع / لِ يَداً مِنهُ تَخلُفُ الأَنواءَ
فَهوَ يُعطي جَزلاً وَيُثنى عَلَيهِ / ثُمَّ يُعطي عَلى الثَناءِ جَزاءَ
نِعَمٌ أَعطَتِ العُفاةَ رِضاهُم / مِن لُهاها وَزادَتِ الشُعَراءَ
وَكَذاكَ السَحابُ لَيسَ يَعُمُّ ال / أَرضَ وَبلاً حَتّى يَعُمَّ السَماءَ
جَلَّ عَن مَذهَبِ المَديحِ فَقَد كا / دَ يَكونُ المَديحُ فيهِ هِجاءَ
وَجَرى جودُهُ رَسيلاً لِجودِ ال / غَيثِ مِن غايَةٍ فَجاءا سَواءَ
الهِزَبرُ الَّذي إِذا اِلتَفَّتِ الحَر / بُ بِهِ صَرَّفَ الرَدى كَيفَ شاءَ
تَتَدانى الآجالُ ضَرباً وَطَعناً / حينَ يَدنو فَيَشهَدُ الهَيجاءَ
سَل بِهِ إِن جَهِلتَ قَولي وَهَل يَج / هَلُ ذو الناظِرَينِ هَذا الضِياءَ
إِذ مَضى مُجلِباً يُقَعقِعُ في الدَر / بِ زَئيراً أَنسى الكِلابَ العُواءَ
حينَ حاضَت مِن خَوفِهِ رَبَّةُ الرو / مِ صَباحاً وَراسَلَتهُ مَساءَ
وَصُدورُ الجِيادِ في جانِبِ البَح / رِ فَلَولا الخَليجُ جُزنَ ضَحاءَ
ثُمَّ أَلقى صَليبَهُ المَلسَنيو / سُ وَوالى خَلفَ النَجاءِ النَجاءَ
لَم تُقَصِّر عُلاوَةُ الرُمحِ عَنهُ / قيدَ رُمحٍ وَلَم تَضَعهُ خَطاءَ
أَحسَنَ اللَهُ في ثَوابِكَ عَن ثَغ / رٍ مُضاعٍ أَحسَنتَ فيهِ البَلاءَ
كانَ مُستَضعَفاً فَعَزَّ وَمَحرو / ماً فَأَجدى وَمُظلِماً فَأَضاءَ
لَتَوَلَّيتَهُ فَكُنتَ لِأَهليـ / ـهِ غِنىً مُقنِعاً وَعَنهُم غَناءَ
لَم تَنَم عَن دُعائِهِم حينَ نادَوا / وَالقَنا قَد أَسالَ فيهِم قَناءَ
إِذ تَغَدّى العُلوجُ مِنهُم غُدُوّاً / فَتَعَشَّتهُمُ يَداكَ عِشاءَ
لَم تُسِغهُم بَرودُ جَيحانَ حَتّى / قَلَسوا في الرِماحِ ذاكَ الماءَ
وَكَأَنَّ النَفيرَ حَطَّ عَلَيهِم / مِنكَ نَجماً أَو صَخرَةً صَمّاءَ
لَم يَكُن جَمعُهُم عَلى المَوجِ إِلّا / زَبَداً طارَ عَن قَناكَ جُفاءَ
حينَ أَبدَت إِلَيكَ خَرشَنَةُ العُل / يا مِنَ الثَلجِ هامَةً شَمطاءَ
ما نَهاكَ الشِتاءُ عَنها وَفي صَد / رِكَ نارٌ لِلحِقدِ تُنهي الشِتاءَ
طالَعَتكَ الأَبناءُ مِن شُرَفِ الأَب / راجِ زُرقاً إِذ تَذبَحُ الآباءَ
بِتَّها وَالقُرانُ يَصدَعُ فيها ال / هَضبَ حَتّى كادَت تَكونُ حِراءَ
وَأَقَمتَ الصَلاةَ في مَعشَرٍ لا / يَعرِفونَ الصَلاةَ إِلّا مُكاءَ
في نَواحي بُرجانَ إِذ أَنكَروا التَك / بيرَ حَتّى تَوَهَّموهُ غِناءَ
حَيثُ لَم تورِدِ السُيوفَ عَلى خِم / سٍ وَلَم تُصدِرِ الرِماحَ ظِماءَ
يَتَعَثَّرنَ في النُحورِ وَفي الأَو / جُهِ سُكراً لَمّا شَرِبنَ الدِماءَ
وَأَزَرتَ الخُيولَ قَبرَ امرِئِ القَي / سِ سِراعاً فَعُدنَ مِنهُ بِطاءَ
وَجَلَبتَ الحِسانَ حُوّاً وَحوراً / آنِساتٍ حَتّى أَغَرتَ النِساءَ
لَم تَدَعكَ المَها الَّتي شَغَلَت جَي / شَكَ بِالسَوقِ أَن تَسوقَ الشاءَ
عَلِمَ الرومُ أَنَّ غَزوَكَ ما كا / نَ عِقاباً لَهُم وَلَكِن فَناءَ
بِسِباءٍ سَقاهُمُ البَينَ صِرفاً / وَبِقَتلٍ نَسَوا لَدَيهِ السِباءَ
يَومَ فَرَّقتَ مِن كَتائِبِ آرا / ئِكَ جُنداً لا يَأخُذونَ عَطاءَ
بَينَ ضَربٍ يُفلِّقُ الهامَ أَنصا / فاً وَطَعنٍ يُفَرِّجُ الغَمّاءَ
وَبِوُدِّ العَدُوِّ لَو تُضعِفُ الجَي / شَ عَلَيهِم وَتَصرِفُ الآراءَ
خَلَقَ اللَهُ يا مُحَمَّدُ أَخلا / قَكَ مَجداً في طَيِّئٍ وَسَناءَ
فَإِذا ما رِياحُ جودِكَ هَبَّت / صارَ قَولُ العُذّالِ فيها هَباءَ
أَمَواهِبٌ هاتيكَ أَم أَنواءُ
أَمَواهِبٌ هاتيكَ أَم أَنواءُ / هُطُلٌ وَأَخذٌ ذاكَ أَم إِعطاءُ
إِن دامَ ذا أَو بَعضُ ذا مِن فِعلِ ذا / فَنِيَ السَخاءُ فَلا يُحَسُّ سَخاءُ
لَيسَ الَّتي ضَلَّت تَميمٌ وَسطَها ال / دَهناءَ لا بَل صَدرُكَ الدَهناءُ
مَلِكٌ أَغَرُّ لِآلِ طَلحَةَ فَخرُهُ / كَفّاهُ أَرضٌ سَمحَةٌ وَسَماءُ
وَشَريفُ أَشرافٍ إِذا اِحتَكَّت بِهِم / جُربُ القَبائِلِ أَحسَنوا وَأَساؤوا
لَهُمُ الفِناءُ الرَحبُ وَالبَيتُ الَّذي / أُدَدٌ أَواخٍ حَولَهُ وَفِناءُ
وَخُؤولَةٌ في هاشِمٍ وَدَّ العِدى / أَن لَم تَكُن وَلَهُم بِها ما شاؤوا
بَينَ العَواتِكِ وَالفَواطِمِ مُنتَمىً / يَزكو بِهِ الأَخوالُ وَالآباءُ
أَمُحَمَّدَ بنَ عَلِيٍّ اِسمَع عِذرَةً / فيها دَواءٌ لِلمُسيءِ وَداءُ
ما لي إِذا ذُكِرَ الوَفاءُ رَأَيتُني / ما لي مَعَ النَفَرِ الكِرامِ وَفاءُ
يَضفو عَلَيَّ العَذلُ وَهوَ مُقارِبٌ / وَيَضيقُ عَنّي العُذرُ وَهوَ فَضاءُ
إِنّي هَجَرتُكَ إِذ هَجَرتُكَ وَحشَةً / لا العَودُ يُذهِبُها وَلا الإِبداءُ
أَحشَمتَني بِنَدى يَدَيكَ فَسَوَّدَت / ما بَينَنا تِلكَ اليَدُ البَيضاءُ
وَقَطَعتَني بِالجودِ حَتّى إِنَّني / مُتَخَوِّفٌ أَلّا يَكونَ لِقاءُ
صِلَةٌ غَدَت في الناسِ وَهيَ قَطيعَةٌ / عَجَباً وَبِرٌّ راحَ وَهوَ جَفاءُ
لَيُواصِلَنَّكَ رَكبُ شِعرٍ سائِرٍ / يَرويهِ فيكَ لِحُسنِهِ الأَعداءُ
حَتّى يَتِمَّ لَكَ الثَناءُ مُخَلَّداً / أَبَداً كَما تَمَّت لِيَ النَعماءُ
فَتَظَلُّ تَحسُدُكَ المُلوكُ الصيدُ بي / وَأَظَلُّ يَحسُدُني بِكَ الشُعَراءُ
طَيفُ الحَبيبِ أَلَمَّ مِن عُدَوائِهِ
طَيفُ الحَبيبِ أَلَمَّ مِن عُدَوائِهِ / وَبَعيدِ مَوقِعِ أَرضِهِ وَسَمائِهِ
جَزَعَ اللِوى عَجِلاً وَوَجَّهَ مُسرِعاً / مِن حَزنِ أَبرَقِهِ إِلى جَرعائِهِ
يُهدي السَلامَ وَفي اِهتِداءِ خَيالِهِ / مِن بُعدِهِ عَجَبٌ وَفي إِهدائِهِ
لَو زارَ في غَيرِ الكَرى لَشَفاكَ مِن / خَبَلِ الغَرامِ وَمِن جَوى بُرَحائِهِ
فَدَعِ الهَوى أَو مُت بِدائِكَ إِنَّ مِن / شَأنِ المُتَيَّمِ أَن يَموتَ بِدائِهِ
وأَخٍ لَبِستُ العَيشَ أَخضَرَ ناضِراً / بِكَريمِ عِشرَتِهِ وَفَضلِ إِخائِهِ
ما أَكثَرَ الآمالَ عِندي وَالمُنى / إِلّا دِفاعُ اللَهِ عَن حَوبائِهِ
وَعَلى أَبي نوحٍ لِباسُ مَحَبَّةٍ / تُعطيهِ مَحضَ الوُدِّ مِن أَعدائِهِ
تُنبي طَلاقَةُ بِشرِهِ عَن جودِهِ / فَتَكادُ تَلقى النُجحَ قَبلَ لِقائِهِ
وَضِياءُ وَجهٍ لَو تَأَمَّلَهُ اِمرُؤٌ / صادي الجَوانِحِ لَاِرتَوى مِن مائِهِ
ياعَلِيٌّ بَل يا أَبا الحَسَنِ الما
ياعَلِيٌّ بَل يا أَبا الحَسَنِ الما / لِكَ رِقَّ الظَريفَةِ الحَسناءِ
إِتَّقِ اللَهَ أَنتَ شاعِرُ قَيسٍ / لا تَكُن وَصمَةً عَلى الشُعَراءِ
إِنَّ إِخوانَكَ المُقيمينَ بِالأَم / سِ أَتَوا لِلزِناءِ لا لِلغِناءِ
أَنتَ أَعمى وَلِلزُناةِ هَناتٌ / مُنكَراتٌ تَخفى عَلى البُصَراءِ
هَبكَ تَستَسمِعُ الحَديثَ فَما عِل / مُكَ فيهِ بِالغَمزِ وَالإيماءِ
وَالدُعاباتِ بِالعُيونِ وَبِالأَي / دي وَأَخذِ الميعادِ لِلإِلتِقاءِ
قَد لَعَمري تَوَرَّدوا خُطَّةَ الغَد / رِ وَجاؤوا بِالسَوأَةِ السَوآءِ
غَيرَ ما ناظِرينَ في حُرمَةِ الوُد / دِ وَلا ذاكِرينَ عَهدَ الإِخاءِ
قَطَعوا أَمرَهُم وَأَنتَ حِمارٌ / موقَرٌ مِن بَلادَةٍ وَغَباءِ
يا غادِياً وَالثَغرُ خَلفَ مَسائِهِ
يا غادِياً وَالثَغرُ خَلفَ مَسائِهِ / يَصِلُ السُرى بِأَصيلِهِ وَضَحائِهِ
أَلمِم بِساحَةِ يوسُفِ بنِ مُحَمَّدٍ / وَاِنظُر إِلى أَرضِ النَدى وَسَمائِهِ
وَاِقرَ السَلامَ عَلى السَماحَةِ إِنَّها / مَحشورَةٌ مِن دونِهِ وَوَرائِهِ
وأَرى المَكارِمَ أَصبَحَت أَسماؤُها / مُشتَقَّةً في الناسِ مِن أَسمائِهِ
كَلغَيثِ مُنسَكِباً عَلى إِخوانِهِ / كَالنارِ مُلتَهِباً عَلى أَعدائِهِ
فارَقتُ يَومَ فِراقِهِ الزَمَنَ الَّذي / لاقَيتُهُ يَهتَزُّ يَومَ لِقائِهِ
وَعَرَفتُ نَفسي بَعدَهُ في مَعشَرٍ / ضاقوا عَلَيَّ بِعَقبِ يَومِ قَضائِهِ
ماكُنتُ أَفهَمُ نَيلَهُ في قُربِهِ / حَتّى نَأى فَفَهِمتُهُ في نائِهِ
يَفديكَ راجٍ مادِحٌ لَم يَنقَلِب / إِلّا بِصِدقِ مَديحِهِ وَرَجائِهِ
وافاهُ هَولُ الرَدِّ بَعدَكَ فَاِنثَنى / يَدعوكَ وَاللُكّامُ دونَ دُعائِهِ
وَمُؤَمَّلٍ صارَعتُهُ عَن عُرفِهِ / فَوَجَدتُ قُدسَ مُعَمَّماً بِعَمائِهِ
جِدَةٌ يَذودُ البُخلُ عَن أَطرافِها / كَالبَحرِ يَدفَعُ مِلحُهُ عَن مائِهِ
أَعطى القَليلَ وَذاكَ مَبلَغُ قَدرِهِ / ثُمَّ اِستَرَدَّ وَذاكَ مَبلَغُ وائِهِ
ماكانَ مِن أَخذي غَداةَ رَدَدتُهُ / في وَجهِهِ إِذ كانَ مِن إِعطائِهِ
وَعَجِبتُ كُلَّ تَعَجُّبي مِن بُخلِهِ / وَالجودُ أَجمَعُ ساعَةٌ مِن رائِهِ
وَقَدِ اِنتَمى فَاِنظُر إِلى أَخلاقِهِ / صَفحاً وَلا تَنظُر إِلى آبائِهِ
خَطَبَ المَديحَ فَقُلتُ خَلِّ طَريقَهُ / لَيَجوزَ عَنكَ فَلَستَ مِن أَكفائِهِ
أَيُّها الطالِبُ الطَويلُ عَناؤُه
أَيُّها الطالِبُ الطَويلُ عَناؤُه / تَرتَجي شَأوَ مَن يَفوتُكَ شاؤُه
دونَ إِدراكِ أَحمَدِ بنِ سُلَيما / نَ عُلوٌّ يُعيي الرِجالَ اِرتِقاؤُه
ما قَصَدناهُ لِلتَفَضُّلِ إِلّا / أَعشَبَت أَرضُهُ وَصابَت سَماؤُه
حَسَنُ الفِعلِ وَالرُواءِ وَكَم دَل / لَ عَلى سُؤدُدِ الشَريفِ رُواؤُه
ماءُ وَجهٍ إِذا تَبَلَّجَ أَعطا / كَ أَماناً مِن نَبوَةِ الدَهرِ ماؤُه
يَتَجَلّى ضِياؤُهُ فَيُجَلّي / ظُلمَةَ الحادِثِ المُضِبِّ ضِياؤُه
قَد وَجَدناهُ مُفضِلاً فَحَطَطنا / حَيثُ لايَكذِبُ المُرَجّي رَجاؤُه
وَهَزَزناهُ لِلفَعالِ فَأَبدى / جَوهَرَ الصارِمِ الحُسامِ اِنتِضاؤُه
بِأَبي أَنتَ كَم تَرامى بِأَمري / خِلفَةُ الدَهرِ صُبحُهُ وَمَساؤُه
وَإِلَيكَ النَجاحُ فيما يُعاني / آمِلٌ قَد تَطاوَلَ اِستِبطاؤُه
قَد تَبَدَّأتَ مُنعِماً وَكَريمُ ال / قَومِ مَن يَسبِقُ السُؤَالَ اِبتِداؤُه
فَاِمضِ قُدماً فَما يُرادُ مِنَ السَي / فِ غَداةَ الهَيجاءِ إِلّا مَضاؤُه
أَصابَت قَلبَهُ حَدَقُ الظِباءِ
أَصابَت قَلبَهُ حَدَقُ الظِباءِ / وَأَسلَمَ لُبَّهُ حُسنُ العَزاءِ
وَأَقفَرَتِ المَنازِلُ مِن سُلَيمى / وَكانَت لِلمَوَدَّةِ وَالصَفاءِ
وَطالَ ثَواؤُهُ في دِمنَتَيها / فَهَيَّجَ شَوقَهُ طولُ الثَواءِ
وَلَجَّ بِهِ الجَفاءُ فَلَيسَ يَدري / أَيَظعَنُ أَم يُقيمُ عَلى الجَفاءِ
وَهَل خُلِقَ الفَتى إِلّا لِيَهوى / وَيَأنَسَ بِالدُموعِ وَبِالدِماءِ
يا بَرقُ أَفرِط في اِعتِلائِك
يا بَرقُ أَفرِط في اِعتِلائِك / أَو صُب بِجودِكِ وَاِنهِمائِك
أَو كَشِّفِ الظَلماءَ بِال / نورِ المُضيءِ مِنِ اِنجِلائِك
ما أَنتَ كَالحَسَنِ بنِ مَخ / لَدَ في اِقتِرابِكَ وَاِنتِوائِك
إِنّي وَجَدتُ ثَناءَهُ / في الناسِ أَشرَفَ مِن ثَنائِك
وَأَرى نَداهُ بِمالِهِ / يَعلو نَداكَ لَنا بِمائِك
وَضِياؤُهُ في البِشرِ أَو / لى بِالفَضيلَةِ مِن ضِيائِك
وَسُمُوُّهُ لِلمَجدِ أَز / كى مِن سُمُوِّكَ وَاِرتِقائِك
نَفسي فِداؤُكَ إِنَّ حَظ / ظي كَونُ نَفسي مِن فِدائِك
قَد سارَتِ الرُكبانُ بِال / خَبَرِ المُعَجِّبِ عَن وَفائِك
وَتَحَدَّثوا عَن نُجحِ وَع / دِكَ في السَماحِ وَصِدقِ وائِك
فَعَلامَ أَغدو لِاِحتِثا / ثِكَ أَو أُهَجِّرُ لِاِقتِضائِك
سِيَما وَما أَولَيتَهُ / بِالأَمسِ كانَ عَلى اِبتِدائِك
وَيَسوؤُني تَركُ اِعتِما / دِكَ وَالتَأَخُّرُ عَن لِقائِك
وَنَقيصَةُ السيبِيِّ سَي / بَكَ وَالمُتَمَّمَ مِن عَطائِك
بِمِطالِهِ إِنّي أَعُد / دُ مِطالَهُ مِن غَيرِ رائِك
أَلِاَنَ عَلِمتُ أَنَّ البَعثَ حَقٌّ
أَلِاَنَ عَلِمتُ أَنَّ البَعثَ حَقٌّ / وَأَنَّ اللَهَ يَفعَلُ ما يَشاءُ
رَأَيتُ الخَثعَمِيَّ يُقِلُّ أَنفاً / يَضيقُ بِعَرضِهِ البَلَدُ الفَضاءُ
سَما صَعُداً فَقَصَّرَ كُلُّ سامٍ / لِهَيبَتِهِ وَغَصَّ بِهِ الهَواءُ
هُوَ الجَبَلُ الَّذي لَولا ذُراهُ / إِذاً وَقَعَت عَلى الأَرضِ السَماءُ
يَأبى سُمُوُّكَ وَاِعتِلاؤُك
يَأبى سُمُوُّكَ وَاِعتِلاؤُك / إِلّا الَّتي فيها سَناؤُك
عَمري لَقَد فُتَّ الرِجا / لَ وَفاتَ يَومَ السَبقِ شاؤُك
يا اِبنَ المُدَبِّرِ وَالنَدى / وَبلٌ تَجودُ بِهِ سَماؤُك
عَظُمَ الرَجاءُ وَرُبَّ يَو / مٍ حَقَّ فيهِ لَنا رَجاؤُك
وَيَفوتُني نَيلٌ مَسا / فَتُهُ كِتابُكَ أَو لِقاؤُك
فَغَناءُ مَن يُرجى إِذا / لَم يُرجَ في حَدَثٍ غَناؤُك
وَعَطاءُ غَيرِكَ إِن بَذَل / تَ عِنايَةً فيهِ عَطاؤُك
ظَلَمَ الدَهرُ فيكُمُ وَأَساءَ
ظَلَمَ الدَهرُ فيكُمُ وَأَساءَ / فَعَزاءً بَني حُمَيدٍ عَزاءَ
أَنفُسٌ ما تَكادُ تَفقِدُ فَقداً / وَصُدورٌ ما تَبرَحُ البُرَحاءَ
أَصبَحَ السَيفُ داءَكُم وَهُوَ الدا / ءُ الَّذي لايَزالُ يُعيي الدَواءَ
وَاِنتَحى القَتلُ فيكُمُ فَبَكَينا / بِدِماءِ الدُموعِ تِلكَ الدِماءَ
يا أَبا القاسِمِ المُقَسَّمَ في النَج / دَةِ وَالجودِ وَالنَدى أَجزاءَ
وَالهِزَبرَ الَّذي إِذا دارَتِ الحَر / بُ بِهِ صَرَّفَ الرَدى كَيفَ شاءَ
الأُسى واجِبٌ عَلى الحُرِّ إِمّا / نِيَّةً حُرَّةً وَإِمّا رِياءَ
وَسَفاهٌ أَن يَجزَعَ المَرءُ مِمّا / كانَ حَتماً عَلى العِبادِ قَضاءَ
وَلِماذا تَتَبَّعُ النَفسُ شَيئاً / جَعَلَ اللَهُ الفِردَوسَ مِنهُ بَواءَ
أَتُبَكّي مَن لا يُنازِلُ بِالسَي / فِ مُشيحاً وَلا يَهُزُّ اللِواءَ
وَالفَتى مَن رَأى القُبورَ لِما طا / فَ بِهِ مِن بَناتِهِ أَكفاءَ
لَسنَ مِن زينَةِ الحَياةِ كَعَدِّ ال / لاهِ مِنها الأَموالَ وَالأَبناءَ
قَد وَلَدنَ الأَعداءَ قِدماً وَوَرَّث / نَ التِلادَ الأَقاصِيَ البُعَداءَ
لَم يَئِد كُثرَهُنَّ قَيسُ تَميمٍ / عَيلَةً بَل حَمِيَّةً وَإِباءَ
وَتَغَشّى مُهَلهِلَ الذُلُّ فيهِن / نَ وَقَد أُعطِيَ الأَديمَ حِباءَ
وَشَقيقُ بنُ فاتِكٍ حَذَرَ العا / رِ عَلَيهِنَّ فارَقَ الدَهناءَ
وَعَلى غَيرِهِنَّ أُحزِنَ يَعقو / بُ وَقَد جاءَهُ بَنوهُ عِشاءَ
وَشُعَيبٌ مِن أَجلِهِنَّ رَأى الوَح / دَةَ ضَعفاً فَاِستَأجَرَ الأَنبِياءَ
وَاِستَزَلَّ الشَيطانُ آدَمَ في الجَن / نَةِ لَمّا أَغرى بِهِ حَوّاءَ
وَتَلَفَّت إِلى القَبائِلِ فَانظُر / أُمَّهاتٍ يُنسَبنَ أَم آباءَ
وَلَعَمري ما العَجزُ عِندِيَ إِلّا / أَن تَبيتَ الرِجالُ تَبكي النِساءَ
نِلتَ ما نِلتَ يا بَغيضُ بِأُمٍّ
نِلتَ ما نِلتَ يا بَغيضُ بِأُمٍّ / هِيَ أَعطَتكَ رُتبَةَ الوُزَراءِ
فَإِذا عُدِّدَت صَنائِعُ قَومٍ / كُنتَ فيها صَنيعَةَ البَظراءِ
وَمُستَضحِكٍ مِن عَبرَتي وَبُكائي
وَمُستَضحِكٍ مِن عَبرَتي وَبُكائي / بِكَفَّيهِ دائي في الهَوى وَدَوائي
رَآني وَعَيني بِالدُموعِ غَزيرَةٌ / وَقَد هَتَكَ الهِجرانُ سِترَ عَزائي
بَسَطتُ إِلَيهِ راحَتي مُتَضَرِّعاً / أُناشِدُهُ أَلّا يُخيبَ رَجائي
فَقالَ فَمَن أَبكاكَ إِن كُنتَ صادِقاً / فَقُلتُ الَّذي أَهوى فَقالَ سَوائي
نَفسي تَقيكَ وَوالِدايَ كِلاهُما
نَفسي تَقيكَ وَوالِدايَ كِلاهُما / وَجَميعُ مَن وَلَدا مِنَ الأَسواءِ
ثِقَلُ الخَراجِ عَلَيَّ دَينٌ مُؤلِمٌ / وَلَدَيكَ مِمّا أَشتَكيهِ دَوائي
أَنتَ الطَبيبُ لِداءِ جُرحي وَالَّذي / بِدَوائِهِ لا شَكَّ أَدفَعُ دائي
وَالوَعدُ فيهِ مِنكَ لي مُتَقَدِّمٌ / فَاِمنُن عَلَيَّ بِأَن تُخِفَّ أَدائي
إِنَّ البَقِيَّةَ مِن خَراجي قَدرُها / ما إِن يَكونُ لَدَيكَ قَدرَ غَداءِ
فَاِمنُن عَلَيَّ بِصَومِ يَومٍ واحِدٍ / وَاِجعَل غَداءَكَ لي فَفيهِ غَنائي
وَعالِمَةٍ وَقَد جَهِلَت دَوائي
وَعالِمَةٍ وَقَد جَهِلَت دَوائي / بِلا جَهلٍ وَقَد عَلِمَت بِدائي
يَموتُ بِها المُتَيَّمُ كُلَّ يَومٍ / عَلى فَوتِ المَواعِدِ وَاللِقاءِ
لَها ثَغرٌ وَمُبتَسِمٌ وَريقٌ / يَنوبُ عَنِ المُعَتَّقَةِ الطِلاءِ
وَطَرفٌ ساحِرٌ غَنِجٌ كَحيلٌ / وَوَجهٌ لَيسَ يُنكَرُ لِلضِياءِ
فَبوؤسى لِلكَئيبِ بِها إِذا ما / بَدَت تَختالُ في حُسنِ الرُواءِ
كَأَنَّ لَها عَلى قَلبي رَقيباً / مِنَ الصَدِّ المُبَرِّحِ وَالجَفاءِ
وَلَوعاتُ الهَوى هُنَّ اللَواتي / دَعَونَكَ لِلبُلابِلِ وَالغِناءِ
وَطَيفٍ طافَ بي سَحَراً فَأَذكى / حَرارَةَ لَوعَتي وَجَوى حَشائي
وَفي طَيفِ الخَيالِ شِفا المُعَنّى / وَرِيُّ الصادِياتِ مِنَ الظَماءِ
وَلَكِنّي أَشَدُّهُمُ غَراماً / وَأَكثَرُهُم أَصانيفَ البَلاءِ
يَقولُ لِيَ العَذولُ وَلَيسَ يَدري / بِأَنَّ اللَومَ مِن شِيَعِ الخَناءِ
أَجِدَّكَ كَم تُغَرِّرُكَ الأَماني / وَتَطرَحُكَ المَطامِعُ بِالعَراءِ
وَأَنتَ مُشَرِّقٌ في غَيرِ عَزمٍ / وَأَنتَ مُغَرِّبٌ عَن غَيرِ راءِ
فَقُلتُ الدَهرُ يَطلِبُني بِثَأرٍ / وَأَيّامُ الحَوادِثِ بِالدِماءِ
وَما لِلحُرِّ في بَلَدٍ مُقامٌ / إِذا قامَ الأَديبُ مَعَ العَياءِ
وَهَل جُرحٌ يُرَبُّ بِغَيرِ آسٍ / وَهَل غَرسٌ يَطولُ بِغَيرِ ماءِ
غَريتُ بِأَربَعٍ بيدٍ وَعَنسٍ / وَلَيلٍ دامِسٍ وَرَحيلِ ناءِ
وَلَولا أَحمَدٌ وَنَدى يَدَيهِ / لَباتَ المُعتَفونَ عَلى الطَواءِ
أَبو بَكرٍ فَكَم آسى جَريحاً / وَكَم عَمَّ الأَعِلّا بِالشِفاءِ
فَتىً في كَفِّهِ أَبَداً فُراتٌ / يَفيضُ عَلى الرِجالِ مَعَ النِساءِ
فَتىً ناديهِ مَكرُمَةٌ وَفَخرٌ / لِأَربابِ المَفاخِرِ وَالعَلاءِ
رَأى حَوزَ الثَناءِ أَجَلَّ كَسباً / وَحَسبُ المَرءِ مَكسَبَةُ الثَناءِ
وَلَم يَكُ واعِداً وَعداً كَذوباً / وَلا قُوَلٌ يَقولُ بِلا وَفاءِ
هُوَ الخِلُّ الوَدودُ لِكُلِّ خِلٍّ / يَدومُ عَلى المَوَدَّةِ وَالإِخاءِ
هُوَ البَحرُ الَّذي حُدِّثتَ عَنهُ / هُوَ الغَيثُ المُغيثُ مِنَ السَماءِ
لَهُ الأَخلاقُ أَخلاقُ المَعالي / وَآياتُ المُروءَةِ وَالسَخاءِ
أَبا بَكرٍ بَنَيتَ بِناءَ طَولٍ / مِنَ الإِحسانِ لَيسَ مِنَ البِناءِ
فَلا زالَت نُجومُكَ طالِعاتٍ / عَلى رَغمِ الحَواسِدِ وَالعِداءِ
فَتَبلُغُ فيهِ أَقصى كُلِّ حالٍ / تُقَدِّرُ نَيلَهُ في الإِنتِهاءِ
وَكَم عانَيتُ قَبلَكَ مِن جَميلٍ / قَبيحِ الفِعلِ عِندَ الإِجتِداءِ
مَعاشِرُ مالَهُم خُلُقٌ وَلَكِن / لَهُم نِعَمٌ تَدُلُّ عَلى الرَخاءِ
تَعودُ وُجوهُهُم سوداً إِذا ما / نَزَلتُ بِهِم لِمَدحٍ أَو جَداءِ
فِداؤُكَ مِنهُمُ مَن لَيسَ يَدري / وَيَعلَمُ كَيفَ مَدحي مِن هِجائي
فَعِش بِسَلامَةٍ وَاِنعَم هَنيئاً / بِطولِ العُمرِ في عِزِّ البَقاءِ
وَلا زالَت سِنوكَ عَلَيكَ تَجري / بِإِنعامٍ يَتِمُّ بِلا اِنقِضاءِ
وَإِنَّ وَسيلَتي وَأَجَلَّ مَتّي / إِلَيكَ بِحَقِّ أَصحابِ الإِساءِ
وَأَنتَ فَعارِفٌ سَلَفي وَجَدّي / فَقيهُ الأَرضِ في حَشدِ المُلاءِ
وَأَعمامي فَقَد عُدُوا قَديماً / مِنَ العُظَماءِ أَهلِ الإِعتِلاءِ
وُجودُكَ كُلُّهُ حَسَنُ وَلَكِن / أَجَلُّ الجودِ حُسنُ الإِبتِداءِ
يا قَتيلاً لِلِّحيَةِ السَوداءِ
يا قَتيلاً لِلِّحيَةِ السَوداءِ / آفَةُ المُردِ في خُروجِ اللِحاءِ
آجَرَ اللَهُ عاشِقيكَ فَقَد مِت / تَ وَعُرّيتَ مِن ثِيابِ البَهاءِ
شاهِدي في بَيانِ مَوتِكَ بَيتٌ / قالَهُ شاعِرٌ مِنَ الشُعَراءِ
لَيسَ مَن ماتَ فَاستَراحَ بِمَيتٍ / إِنَّما المَيتُ مَيِّتُ الأَحياءِ