القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : إِبْراهيم ناجِي الكل
المجموع : 22
يا من طواها الليل في بَيدائه
يا من طواها الليل في بَيدائه / روحاً مفزعة على ظلمائه
تتلفتين إليَّ في أنحائه / لهف الفؤاد على الشريد التائه
إن تظمئي لي كم ظمئت إليك / جمع الوفاء شقيةً وشقيا
يا منيتي قست الحياة عليك / وجرت مقادرها الجسام عليا
أسفا عليك وأنت روح حائر / والكون أسرارٌ يضيق بها الحجى
تجتاز عابرة ويسرع عابر / وتمر أشباح يواريها الدجى
في وَجنتيك توهج وضرام / وبمقلتيك مدامع وذهول
وكذا تمر بمثلك الأيام / مجهولةً وعذابها مجهول
ولّيتِ قبل لقائنا يا جنتي / لم تظفري مني بقول مسعد
وكعادة الحظ الشقي وعادتي / أقبلت بعد ذهاب نجمي الأوحد
تتعاقب الأقدار وهي مسيئةٌ / كم عقنا ليل وخان نهار
وكأنما هذا الفضاء خطيئة / وكأن همس نسيمه استغفار
وكأنه أحزان قوم ساروا / هذي مآتمهم وثم ظلالها
عفتِ القصور وظلت الأسوار / كمناحة جمدت وذا تمثالها
ران السواد على وجود الدور / وسرى إليّ نحيبها والأدمع
وكأنني في شاطئ مهجور / قد فارقته سفينة لا ترجع
حملت لنا أملا فلما ودعت / لم يبق بعد رحيلها للناظر
إلا خيال سعادة قد أقلعت / ووداع أحبابٍ ودمع مسافر
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء
نداؤك يا فؤادُ كفى نداء / أما تنفك تسقيني الشقاء
أنا ظمآن لم يلمع سراب / على الصحراء إلا خلتُ ماءَ
وأنت فراش ليل كلّ نور / تبعت وكلَّ برق قد أضاءَ
فؤادي قل لها لما افترقنا / على شجن وما نرجو اللقاء
حببتكِ ما شدوت لديك شعرا / ولكني اعتصرت لكِ الدماءِ
إذا أنا في هواك أضعت روحي / فلست أضيع فيك دمي هباء
غرامك كان محراب المصلى / كأني قد بلغتُ بك السماء
خلعت الآدمية فيه عني / ولكن ما خلعت به الإباء
فلم أركع بساحته رياء / ولا كالعبد ذلاً وانحناء
ولكني حببتك حب حرٌ / يموت متى أراد وكيف شاء
وحبيب كان دنيا أملي / حبه المحراب والكعبة بيته
من مشى يوماً على الورد له / فطريقي كان شوكا ومشيته
من سقى يوماً بماء ظامئاً / فأنا من قدح العمر سقيته
خفق القلب له مختلجاً / خفقة المصباح إذ ينضب زيته
قد سلاني فتنكرت له / وطوى صفحة حبي فطويته
أقبلتُ للنيل المبارك شاكياً / زمني وقد كثرت عليَّ همومي
ومسحت كفي والجبين بمائه / علّي أهدئ ثورة المحمومِ
وجلست أنثر جعبة معمورة / بالذكرياتِ جديدها وقديم
لهفي لحب مات غير مدنس / وشباب عمر مرَّ غير ذميم
خان الأحبة والرفاق ولم أخن / عهدي لهم وصفحتُ صفح كريم
أيخيفني العشب الضعيف أنا الذي / أسلمت للشوك الممض أديمي
وإذا ونى قلبي يدق مكانه / شممي وتخفق كبرياء همومي
إني لأحمل جعبتي متحديا / زمني بها وحواسدي وخصومي
أحني لعرش الله رأساً ما انحنى / بالذل يوماً في رحاب عظيم
اذكري ذاك المساء
اذكري ذاك المساء / كيف كنا سعداء
لم يدع عندي هماً / ومحا عنك الشقاء
ملأ الدنيا صفاء / عندما شئت وشاء
كلما أقبلت السح / ب فظلَّلن السماء
قاتمات غائمات / يتهادينَ بطاء
لاح نجمٌ من بعيد / فتجلى وأضاء
وتصدَّى قمرٌ را / حَ على الأرض وجاء
السراب الخؤون والصحراء
السراب الخؤون والصحراء / والحيارى المشردون الظماء
وليالٍ في إثرهن ليالٍ / سنة أقفرَت وأخرى خلاء
قلّ زادي بها وشح الماء / وتولى الرفاق والخلصاء
كيف للنازح الحبيب ارتحالي / وجناحاي السقم والبرحاء
وجراحي المستنزفات الدوامي / وخطاي المقيدات البطاء
ادركي زورقي فقد عبث الي / م به والعواصف الهوجاء
والعباب العريض والأفق المو / حش واللانهاية الخرساء
أفق لا يحد للعين قد ضا / ق فأمسى والسجن هذا الفضاء
سهرت ترقب الصباح وعين الن / جم كلّت وما بها إغفاء
عجبي من ترقبي ما الذي أر / جو ولما يعد لقلبي رجاء
وأنا مرهف المسامع فيه / لي إلى كل طارق إصغاء
التقينا كما التقى بعد تطواف على القفر في السرى انضاء /
قطعوا شَوطهم على الدم والشوك وراحوا على اللهيب وجاءوا /
في ذراعيَّ أو ذراعيك أمن وسلام ورحمة ونجاء /
وعلى صدرك المعذب أو صدريَ حصن وعصمة واحتماء /
كم أناديك في التنائي فترتد بلا مغنم لي الأصداء /
وأناديك في دمائي فتنساب على حسرة لدي الدماء /
وأناديك في التداني وما أطمع إلا أن يستجاب النداء /
باسمك العذب أنه أجمل الأسماء مهما تعددت أسماء /
لفظة لا تبين تنطلق الأقدار عن قوسها ويرمي الفضاء /
وهي بين الشفاه ناي وتغريد وطير وروضة غناء /
وهي في الطرس قصة تذكر الأحباب فيها وتحشد الأنباء /
صدفة ثم وقفة فاتفاق فاشتياق فموعد فلقاء /
فقليل من السعادة لا يكمل فيه ولا يطول الهناء /
فحنين فلوعة فاحتراق فجحيم وقوده الشهداء /
ما بقائي وأجمل العمر ولّى / وانتظاري حتى يحين الشتاء
يطلع الفجر مرهقاً شاحب النور / عليه الكلال والإعياء
وبنفسي دب المساء وحل ال / ليل من قبل أن يحين المساء
زرتني كالربيع في موكب الزهر له روعة وفيه رواء /
ولك الوجه أومض الحسن فيه / والتقى السحر عنده والذكاء
وشحوب كظل خمر وللندمان تجلو شحوبها الصهباء /
ولك الجيد أتلعا أودع الصانع فيه من قدرة ما يشاء /
قدَّ من مرمر وشعشعه الفجر بورد وصب فيه الضياء /
وأنا الطائر الذي تصطبي نفسي السماوات والذرى الشماء /
راشني صائد رماني فأدماني وولّى الجاني وعاش الداء /
مرحباً بالهوى الكبير فإن يبق وإن تسلمي يطب لي البقاء /
فهو القمة التي تهزم الموت ولا يرتقي إليها الفناء /
مرّ يومي كأمسه مسرحاً تعرض فيه الحياة والأحياء /
آدم كالقديم قلباً وتفكيراً ولكن تبدل الأزياء /
لم يحل طبعه ولا ذات يوم / لبست غير نفسها حواء
والنضار المعبود قدس وقربان ورب والشهرة الجوفاء /
والحطام الفاني عليه اقتتال / والأماني بريقها إغراء
وسفين تمر إثر سفين / والرياح للذات والأهواء
والغيوب المحجبات رحاب / تعبت في رموزها الحكماء
عندها المرفأ المؤمل والشطّ المرجّى والصخرة الصماء /
مرّ يومي كأمسه وأتى لَيلٌ بهيج تزف فيه السماء /
قد جلت فيه عرسها كل نجم / قدح يستحم فيه الضياء
لم تزل تسكب السلاف وللأقداح فيها تجدد وامتلاء /
لم تزل حتى هوّم الحان نعسان وأغفى البساط والندماء /
غير نجم في جانب الليل يقظان له روعة بها وجلاء /
ذاك نجم الحبيب مني له الشّوق ومنه الوميض والإيماء /
كم أغنيه بالحنين كما غنت على فرع غصنها الورقاء /
وذراعي في انتظارٍ وصدري / فيه بالضيف فرحة واحتفاء
موقداً للغريب نار ضلوعي / فعسى للغريب فيها اهتداء
لم خليتني وباعدت مسرا / ك ومالي إلى ذراك ارتقاء
بالذي فيك من سنا لا تدعني / فيم هذا المطال والإبطاء
ما تراني وقد ذهبت بحظي / أخطأني من بعدك النعماء
وانتهى بعدك الجميل فلا فض / لٌ لمسد ولا يدٌ بيضاء
ومشى الحسن في ركابك والإح / سان طراً والغرة السمحاء
حسنات كانت يد الدهر عندي / فانطوت بانطوائك الآلاء
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا
لا القوم راحوا بأخبار ولا جاءوا / ولا لقلبك عن ليلاك أنباءُ
جفا الربيع ليالينا وغادرها / وأقفر الروض لا ظل ولا ماءُ
يا شافي الداء قد أودى بي الداء / أما لذا الظمأ القتال إرواءُ
ولا لطائر قلب أن يقر ولا / لمركب فزع في الشط إرساءُ
عندي سماء شتاء غير ممطرةٍ / سوداء في جنبات النفس جرداء
خرساء آونة هوجاء آونة / وليس تخدع ظني وهي خرساء
وكيف تخدعني البيداء غافية / وللسواقي على البيداء إغفاء
أأنت ناديتِ أم صوت يخيل لي / فلي إليك بإذن الوهم إصغاء
لبيك لو عند روحي ما تطير به / وكيف ينهض بالمجروح إعياء
تفرق الناس حول الشط واجتمعوا / لهم به صخب عالٍ وضوضاءُ
وآخرون كسالى في أماكنهم / كأنهم في رمال الشط أنضاء
هم الورى قبل إفساد الزمان لهم / وقبل أن تتحدى الحب بغضاء
ضاقت نفوسٌ بأحقاد ولو سلمت / فإنها كسماء البحر روحاء
تألقت شمس ذاك اليوم واضطرمت / كأنها شعلٌ في الأفق حمراء
طابت من الظل ظل القلب ناحية / لنا وقد صليت بالحر أنحاء
مالي بهم أنت لي الدنيا بأجمعها / وما وعت ولقلبي منك إغناءُ
لو أنه أبدٌ ما زاد عن سنة / ومدة الحلم بالجفنين إغفاء
أرنو إليك وبي خوف يساورني / وأنثني ولطرفي عنك إغضاء
إذا نطقت فما بالقول منتفع / وإن سكت فإن الصمت إفشاء
وأيما لفظة فالريح ناقلة / والشط حاكٍ لها والأفق أصداء
يا ليل من علم الأطيار قصتنا / وكيف تدري الصبا أنا أحِباء
لما أفقنا رأينا الشمس مائلة / إلى المغيب وما للبين إرجاءُ
شابت ذوائب وانحلت غدائرها / شهباء في ساعة التوديع صفراء
مشى لها شفق دامٍ فخضبها / كأنه في ذيول الشعرِ حِناء
يا من تنفس حر الوجد في عنقي / كما تنفس في الأقداح صهباء
ومن تنفستُ حر الوجد في فمه / فما ارتويت وهذا الري إظماء
ما أنت عن خاطري بالبعد مبتعد / ولن تواريك عن عينيّ ظلماء
ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء
ها هنا حفلٌ وذكرى ووفاء / لبّنا أنت ملبِّي الأصدقاء
يا لها من غربة مضنية / ليس تنجاب وأيام بطاء
ذهب الموت بأغلى صاحب / وثوى في الترب أوفى الأوفياء
لست أنساك وقد أقبلت لي / تشتكي غدر صديق قد أساء
آه من جرح ومن قلب على / ألم الجرح انطوى مر الاباء
كلما آلمك الجرح فأح / سست به لطّفته بالكبرياء
أيها الشاكي من الدهر استرح / كلنا يا أيها الشاكي سواء
الجراحات التي عانيتها / لم تدع أرواحنا إلا ذماء
برم العيش بها لم يشفها / وتولى الدهر سأمان وجاء
أذن الموت لها فالتأمت / وشفاها بعدما استعصى الشفاء
لست أرثيكَ أيرثى خالد / في رحاب الخلد موفور الجزاء
كيف أرثيك أيرثى فاضل / عاش بالخيرات موصول الدعاء
إنما الدنيا هي الخير على / قلة الخير وقحط العظماء
إنما الدنيا فتى عاش لكم / باذلاً من قوته حتى الفناء
فإذا مات فقد عاش بكم / فهو بالذكرى جدير بالبقاء
ذلك الشاعر قد واساكمُ / وبكى آلامكم كل البكاء
ذلك الشاعرُ قد غناكمُ / صادحاً في أيككم بشرى الهناء
وأولو الشعر المصابيح التي / حطمتهن رياح الصحراء
خلدت أنوارهم رغم البلى / وبها المدلج في الليل استضاء
سوف يفنى القول إلا قولهم / ويموت الناس إلا الشعراء
عد إلينا نسمة حائرة / ذات نجوى وحنين وولاء
ثم حلق بجناحين إلى / عالم نحن له جد ظماء
طِر مطارَ النسم واترك قدَما / ثقلت بالشوك في أرض الشقاء
أنت فوق التكريم فوق الثناء
أنت فوق التكريم فوق الثناء / جلّ ما قد أسديت عن إطراء
يا عظيم الشؤون جلّت شؤون / أنت منها في الذروة الشماء
يا عظيم الأوقاف جلت أمور / عرّفتنا مواقف العظماء
لم نكرمك للوزارة والمنصب والمجد والسنا والرواء /
نحن قوم نهيم بالرجل الكامل يمضي للأمر دون التواء /
الرحيب الصدر القوي على الخطب السريع الهدم السريع البناء /
قد رأيناك كالمنار المعلى / مثلاً للقوي في الأقوياء
ورأيناك في الرجال فريداً / فاقتفينا خطاك أي اقتفاء
وحببناك ما بنا من نفاق / لا ولا في قلوبنا من رياء
أي وربي لأنتَ من صور الماضي ومجد الجدود والآباء /
وجلال الصعيد والملك في الوادي عزيز البنود ضافي اللواء /
قد ينام التراث جيلاً فجيلا غافياً في مجاهلٍ خرساء /
وتنام الروح العريقة في المجد لتبدو في طلعة سمراء /
فتراها مصرية السمت والقوة والعزم والحجى والمضاء /
قسماً قد غفا الجلال ليصحو / من جديد في وجهك الوضاء
أيها الكوكب الدؤوب على الدهر بلا فترة ولا إبطاء /
تصنع الخير واضحاً شبه نجم / ساكب نوره بعرض الفضاء
وتؤديه خافياً مثل نجم / مستسر خافٍ خلال السماء
غير أن النفوس تعلم مسراه وإن كان ممعنا في الخفاء /
وعظيم الفعال يجمل بالإفصاح عنه كالسيف غب الجلاء /
ما جمال الربيع في الروض إن لم / يشد طير في الروضة الغناء
ما جمال السماء والبدر إن لم / يشدُ سار في اليلة القمراء
واضياع النبوغ في مصر إن لم / تتحدث منابر الخطباء
واضياع النبوغ في مصر إن لم / يَك تخليده على الشعراء
طاقة الشعر طاقة الورد معنى / جلَّ قصداً وقلَّ في الإهداء
لست تجزى به أقل الجزاء / فتقبله آية من وفاء
كيف ننساك والعفاة على بابك حشد يموج بالبأساء /
الشريد الطريد والعامل المرهق يشقى من صبحه للمساء /
وبيوت هي العريقة في الأمجاد صارت عريقة في الشقاء /
لم تطق أن ترى دموع اليتامى تترامى على أكف السخاء /
والأيامى كالكأس بعد الندامى / ذكرت حظها من الصهباء
وقف الدهر دونهم كل باب / طرقوا صم عن ذليل النداء
غير باب من المروءات سمح / لك ما ردّ مرة عن نداء
انظر الحفل داوياً بالدعاء / وانظر البحر زاخراً بالنداء
أنت ورد النبوغ جادت به الدنيا لقوم إلى المعالي ظماء /
كلما أطلعت لهم عبقرياً جعلوا منه معقداً للرجاء /
حمدوا فيك يومهم واطمأنوا / مشرئبين للغد المترائي
كيف ننساك في المحاماة حراً / طاهراً ذيله عفيف الرداء
وقف المجلس المحير يوما / مرهف المسمعين بالإصغاء
إذ يرى فيك نائباً وخطيباً / دامغاً بالحقيقة البيضاء
مفعماً مقحماً قوياً جريئاً / ماحقاً للخصوم والأعداء
أيكون ذنبي أَن رفع
أيكون ذنبي أَن رفع / تُك وارتفعتُ إلى السماء
وعلى جناحك أو جنا / حي قد رقيتُ إلى الصفاء
إن كان حقاً أو خيا / لاً فهو وَثبٌ للضياء
وتحرُّرٌ مما جنا / ه طينُ آدم في الدماء
أيكونَ ذنبي أن جعل / تُك فوق عرشٍ من سناء
وجثوتُ في محراب قُد / سك عابداً هذا الرُّواء
أيكون ذنبي أنني / بك أحتمي من كل داء
وأراك عافيتي فأَض / رَعُ طالباً منك الشفاء
أيكون ذنبي أن أرا / ك لخاطري قَبَساً أضاء
وأُحسُّ وحيَك من علٍ / لي دون أهل الأرض جاء
أيكون ذنبي أن يُنا / طَ بك التعلُّلُ والرجاء
وإليك شكوى القلبِ نج / وى الروحِ أجمعَ والنداء
أيكون ذنبي أن حب / بَك لي من الدنيا وِقاء
فإذا رضيتِ فإن نع / متَها ونقمتها سواء
أيكون ذنبي أيّ ذن / ب صار لي إلا الوفاء
إنّي عشقتك ما طلب / تُ على محبَّتيَ الجزاء
مَن همُّه هَمّي سيح / مل مِن حبيبٍ ما يشاء
ولقد يُساء فما يَرى / مِن حُبِّه أحداً أساء
قد كان عندي عزّةٌ / بصبابتي وليَ احتماء
إن لانَ عُودي للخطو / بِ شَدَدتِ أزري باللقاء
أنسيت كيف نسيت يا / دنيا على الدنيا العفاء
يا لَلهوَى لا صُبح لي / إلا هواك ولا مساء
أَشوامخُ الأحلام وال / مثلِ الرقيقةِ كالهباء
أيها الغائبُ العزيزُ النائي
أيها الغائبُ العزيزُ النائي / فَسدت ليلتي وضاع هنائي
قَمَري أنتَ ليسَ لي منك بدٌّ / في اعتكار السحائبِ السّوداء
هذه الشُّرفَةُ التي جَمَعتنا / يا حبيبي بوجهِك الوضَّاء
سألت عنك فالتفتُّ إليها / وبنفسي كوامنُ البُرَحَاء
قائلاً صَه بالله لا تسأليني / فكلانا من دونِها في عناء
أين ذاك الوجهُ الذي يُرسلُ النو / رَ ويُوحِي إشراقُه بالصَّفاء
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً
أحبُّ أجَل أحبّ كأن نبعاً / سماوياً تفجّر في دمائي
لقد طاب الوجود بحالتيه / شقائي فيك أجملُ من هنائي
وليلي فيك أحسنُ من نهاري / وصبحي فيك أجملُ من مسائي
فمفترقان فيه إِلى لقاءٍ / وملتقيان حتّى في التنائي
أميمةُ إنَّ عمر الحبّ حقّاً / لأعجبُ آيةٍ تحت السماء
فما أدري لأيّهما ثنائي / ثوانيه السِّراع أم البطاء
أهذا الحُلم يمضي شبه لمحٍ / أم الأبدُ المديد بلا انتهاء
أتفكيري هناك أم انتظاري / لأروعِ هالةٍ حول البهاء
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ / وأبهج من تَهادى في رداء
وأسنى من تخطَّر في دلال / وأطهر من تعثَّر في حياء
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً / غداةَ تُعَدُّ أيام الصفاء
وحيدٌ غير أني في زحامٍ / من الآمال تَترى والرجاء
إلى أن لاح عرشُ النور مني / قريباً والهلالُ إِلى اعتلاء
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ / ومنعكسٌ على فضِّيِّ ماء
كذلك أنت في فكري وروحي / سناك مع الهلال على سواء
وطيفٌ عبقريٌّ في خيالي / وحيدُ الذّات مختلفُ الرُّواء
إن حان لحنُ الختام
إن حان لحنُ الختام / صار النشيد دعاء
مرّ الهوى في سلام / فلنفترق أصدقاء
سرّ وراء الظنون / أظلِّني وأضاء
لم أدر ماذا يكون / ولم أسَل كيف جاء
ما بين ضحك الرِّياح / وقهقهات الغيوب
ولّى خيالٌ وراح / وحلّ ظلٌّ غريب
يا ذنبُ فات المتاب / لما تحطًَّم صرحي
ما لي عليها عتاب / إني أعاتب جُرحي
وهذه قيثاري / ذاتُ الشجى والأنين
وهذه أوتاري / أصرتِ لا تطربين
يا كم شدوتُ بلحني / ما بين حزني ودمعي
ما باله طيَّ أذني / لكن غريباً لسمعي
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها
هذه الكعبةُ كنّا طائفيها / والمصلّين صباحاً ومساء
كم سجدنا وعبدنا الحسن فيها / كيف بالله رجعنا غرباء
دار أحلامي وحبي لقيتنا / في جمود مثلما تلقى الجديد
أنكرتنا وهي كانت إن رأتنا / يضحك النور إلينا من بعيد
رفرف القلب بجنبي كالذبيح / وأنا أهتف يا قلب اتئد
فيجيبُ الدمعُ والماضي الجريح / لِمَ عُدنا لَيت أنّا لَم نعُد
لِمَ عُدنا أوَ لَم نَطوِ الغَرَام / وفَرغنا مِن حنينٍ وألَم
ورَضينا بسكونٍ وسلام / وانتهينا لفراغٍ كالعَدَم
أيها الوكر إذَا طار الأليف / لا يَرَى الآخر معنى للسماء
ويَرَى الأيام صفراً كالخَريف / نائحات كرياح الصَّحراء
آه مما صنع الدهر بنا / أو هذا الطلل العابس أنت
والخيال المطرق الرأس أنا / شدَّ ما بتنا على الضنك وبِت
أين ناديك وأين السمرُ / أين أهلوك بساطاً وندامى
كلما أرسلت عيني تنظر / وثب الدمع إلى عيني وغامَا
موطن الحسن ثوى فيه السأم / وسرت أنفاسه في جوِّهِ
وأناخ الليل فيه وجثم / وجرَت أشباحه في بهوهِ
والبلى أبصرتهُ رأي العيان / ويداه تنسجان العنكبوت
صحت يا ويحك تبدو في مكان / كل شيء فيه حيٌّ لا يموت
كل شيء من سرور وحَزَن / والليالي من بهيجٍ وشجي
وأنا أسمعُ أقدامَ الزمن / وخُطى الوحدة فوق الدرج
ركنيَ الحاني ومغنايَ الشفيق / وظلال الخلد للعاني الطليح
علم الله لقد طال الطريق / وأنا جئتك كيما أستريح
وعلى بابك ألقي جَعبتي / كغريبٍ آبَ من وادي المحن
فيك كف الله عنى غربتي / ورسا رحلي على أرض الوطن
وطني أنتَ ولكني طريد / أبديُّ النفي في عالَم بؤسي
فإذا عدت فللنجوى أعود / ثم أمضي بعد ما أفرغ كأسي
قلتُ للبحر إذ وقفت مساءَ
قلتُ للبحر إذ وقفت مساءَ / كم أطلت الوقوف والإصغاءَ
وجعلت النسيم زاداً لروحي / وشربت الظلالَ والأضواءَ
لكأنَّ الأضواء مختلفات / جَعَلَت منكَ رَوضَةً غنّاءَ
مَرَّ بي عطرها فأسكَرَ نفسي / وَسرَى في جوانحي كيف شاءَ
نشوة لم تطل صحا القلب منها / مثلَ ما كان أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيه شبيهاً / أيها البحر نحن لسنا سواءَ
أنت باقٍ ونحن حرب الليالي / مَزَّقتنا وصيرتنَا هباءَ
أنت عاتٍ ونحن كالزبد الذا / هبِ يعلو حيناً ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليك يممتُ وَجهي / إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسّي وما تَم / لِك رَدَّاً ولا تجيب نداءَ
كل يومٍ تساؤلٌ ليت شعري / من ينبّي فيحسن الإِنباءَ
ما تقول الأمواج ما آلَم الشم / سَ فولّت حزينة صفراءَ
تركتنا وخلفت ليلَ شكٍّ / أبديٍّ والظلمةَ الخرساءَ
وكأنَّ القضاء يسخر مني / حين أبكى وما عرفتُ البكاءَ
ويح دَمعي وويح ذلة نفسي / لَم تدع لي أحداثه كبرياءَ
راحوا بأرواحٍ ظماء
راحوا بأرواحٍ ظماء / يتهافتون على الفناء
جفَّت حلوقٌ بعدهم / لم تلق دونهمُ رواء
واهاً لكأسٍ كالخُلو / دِ ومنهلٍ فيه الشفاء
كنَّا إذا ضجَّ الفؤا / دُ وضاق بالدنيا وناء
نَمضي إليه فنستَقي / ونَعُبُّ منه كما نشاء
فاليومَ إذ شطَّ المزا / رُ بكم وقد عزَّ اللقاء
وبخلتُمُ بُخلَ الضَّني / نِ فحسبُنا قَطراتُ ماء
أين الأمين على الإما / رة والحريصُ على اللواء
قبسٌ أضاء العالَمي / ن كما تُضيءُ لهم ذكاء
ثم اختفى خلف الغيو / ب مخلِّفاً ظُلم المساء
فكأنما هبة السّما / ءِ قد استردَّتها السَّماء
جزع الرياض لطائرٍ / غنَّى فأبدعَ في الغناء
حتى إذا خلب العقو / لَ وقيل سِحرٌ لا مراء
ولَّى عن الأيك الفخو / ر به إلى عرضِ الفضاء
فكأنَّه والسُّحّب تط / ويه فيمعن في الخفاء
دنيا من الأمل الجمي / لِ قد استبدَّ بها العَفاء
ووراءها شفقٌ من الذ / ذكرى كجرحٍ ذي دِماء
وتُسائل الدُّنيا التي / ناطت به كلَّ الرَّجاء
عن أي سرٍ طار عن / هَذي الرُّبى وعلام جاء
قُم يا فقيدَ الشعرِ وان / ظُر أيّ حفلٍ للرثاء
أمَمٌ يُصبِّرُ بعضُها / بعضاً وهيهات العزاء
هذي الجموع الباكيا / تُ الساخطاتُ على القضاء
قاسمتها أشجانها / ووفيت ما شاءَ الوفاء
أوَ لَم تجدكَ لسانها الش / شاكي إذا احتدم البلاء
أوَ لَم تكن غِرّيدَها / ونديمها عند الصفاء
لم لا توفيك الجَمي / ل وتَستَقلّ لك الفداء
ومُنَعَّمٍ بين القصو / رِ قد استَتم له الثراء
ما بالهُ حملَ الهمو / مَ وجشَّم القلبَ العناء
وينوءُ بالعبءِ الذي / هو عن أذاه في غَناء
ويحَ الذكاءِ وما يُكل / لِفه من الثَّمنِ الذَّكاء
أضنى قواه ولم يدع / من جسمه إلا ذماء
والمجد يوغل في حنا / يا روحه والمجدُ داء
صرحٌ من الأدبِ الصمي / مِ له على الدنيا البقاء
الدَّهر يحمي ركنَه / والفنُّ في روح البناء
شوقي على رغم التفر / ردِ والتفوقِ والعلاء
ذاك الرقادُ بساحةٍ / كل الرجال بها سواء
وبرغم ذهن كالفرا / شة حول مصباح أضاء
مثواك لا تشكو السكو / نَ ولا تمل من الثواء
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ
دينٌ وهذا اليومُ يومُ وفاءِ / كم منَّةٍ للميت في الأحياءِ
إن لم يكن يُجزى الجزاءَ جميعه / فلعلّ في التذكار بعض جزاءِ
يا ساكنَ الصحراء منفرداً بها / مستوحشاً في غربةٍ وتنائي
هل كنت قبلاً تستشفّ سكونها / وترى مقامك في العراء النائي
فأتيتَ والدنيا سرابٌ كلها / تروي حديثَ الحبّ في الصحراءِ
ووصفت قيساً في شديد بلائه / ظمآن يطلب قطرةً من ماءِ
ظمآن حين الماء ليلى وحدَها / عزَّت عليه ولمَ تُتح لظماءِ
هيمان يضرب في الهواجر حالماً / بظلال تلك الجنة الفيحاءِ
فإذا غفا فلطيفها وإذا هفا / فلوجهها المستعذبِ الوضّاءِ
يا للقلوب لقصةٍ بقيت على / قِدم الدهور جديدةَ الأنباءِ
هي قصةُ الطيف الحزين وصورة ال / قلب الطعين مجللاً بدماءِ
هي قصة الدنيا وكم من آدم / منا له دمعٌ على حوّاءِ
كل به قيس إذا جنَّ الدجى / نزع الإِباءَ وباح بالبرحاءِ
فإذا تداركه النهارُ طوى المدا / معَ في الفؤاد وظُنَّ في السُّعداءِ
لا تعلم الدنيا بما في قلبه / من لوعةٍ ومرارةٍ وشقاءِ
كلٌّ له ليلى ومن لم يَلقها / فحياته عبثٌ ومحضُ هباءِ
كلٌّ له ليلى يرى في حبها / سرّ الدٌّنى وحقيقةَ الأشياءِ
ويرى الأماني في سعير غرامها / ويرى السعادةَ في أتمِّ شقاءِ
الكونُ في إحسانها والعمرُ عِن / د حنانها والخلدٌ يومُ لقاءِ
يا للقلوب لقصةٍ محزونةٍ / لم تُروَ إلا رُوِّحَت ببكاءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / ممّا كساها سيدُ الشعراءِ
خلدت على الدنيا وزادت روعةً / من جودة التمثيل والإلقاءِ
من فنّ زينبها ومن علامها / زين الشباب وقدوةِ النبغاءِ
أرَبّاه أنقذني فأنت رميتني
أرَبّاه أنقذني فأنت رميتني / بقلب على الأشواك والدم مشاءِ
أمينة هذا ما أتاني كتبته / وعندك أخباري وعندك أنبائي
بالروح باكيةً تقب
بالروح باكيةً تقب / بلني وقد قَرُبَ التنائي
هي قُبلةُ التوديعِ مي / ثاقُ المحبةِ والوفاءِ
أبدَ الزمانِ وديعتي / سأصونُها كالأوفياءِ
ستظل في شفتي تذك / كرني وتحيي بي رجائي
فإذا التقينَا ثانياً / سأرُدُّها لكِ في اللقاءِ
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء
قلتُ للبحرِ إذ وقفتُ مساء / كم أطلتُ الوقوفَ والإصغاءَ
وجعلتُ النسيمَ زاداً لروحي / وشربتُ الظلالَ والأضواءَ
وكأنَّ الأضواءَ مختلفاتٍ / جعلت منكَ روضةً غنَّاءَ
مرَّ بي عطرُهَا فأسكرَ نفسي / وسرى في جوانحي كيفَ شاءَ
فاطَّرحتُ الهمومَ والأعباءَ / ونسيتُ العذابَ والبرحاءَ
وكأني أرى بعين خيالي / ساهرَ المقلتين يغضي حياءَ
وكأن الوجودَ لم يحوِ إلا / حُسنَه والطبيعةَ الحسناءَ
نشوة لم تطل صحا القلبُ منها / مثلَ ما كانَ أو أشدّ عناءَ
إنما يفهم الشبيهُ شبيهاً / أيها البحر نحنُ لسنَا سواءَ
أنتَ باقٍ ونحن حَرب الليالي / مزقتنا وصيرتنا هَباءَ
أنت عاتٍ ونحنُ كالزَّبَدِ الذا / هبِ يعلو حينا ويمضي جفاءَ
وعجيبٌ إليكَ يمَّمتُ وجهي / إذ مللتُ الحياةَ والأحياءَ
أبتغي عندك التأسي وما تملكُ / ردَّا ولا تجيبُ نداءَ
كل يوم تساؤلٌ ليت شعري / مَن ينبِّي فيحسنُ الأنباءَ
ما تقولُ الأمواجُ ما آلم الشم / سَ فولَّت حزينةً صفراءَ
تركتنا وخَلَّفَت ليلَ شكٍّ / أبَدِيٍّ والظلمةَ الخرساءَ
يا لهذا الجلالِ والأبدِ المجهولِ / يزدادُ حيرةً وخفاءَ
روعتني ضآلةُ الناسِ فيه / فبكيتُ الحياةَ والأحياءَ
وبكيتُ الغرورَ والأملَ الوا / سعَ والسخطَ والرضا والرياءَ
ما تُرجِّيه ريشةٌ في مهب الريحِ / تَلقى الإعصارَ والأنواءَ
ما يرجيه ذلك القبسُ الخا / بي وشيكاً كأنه ما أضاءَ
والخَيالُ الذي تراءى وولَّى / غيرَ وانٍ كأنه ما تراءى
نحن ألعوبةُ القضاءِ ومن / يملك أمراً ومن يردُّ القضاءَ
ولعلَّ القضاء يسخر مني / حين أبكي وما عرفتُ البكاءَ
فليدعني القضاءُ أبكي لأشفى / لم تَدَع ذلةُ الهوى كبرياءَ
لاح خلفَ الدموعِ وجهُ حبيبٍ / لا أرى غيرَه لقلبي عزاءَ
قلتُ للقلبِ جاءَ ريك فانهل / كم ظمئنا فما وجدنَا الماءَ
لم تُثِبنَا الحياةُ إلا بهذا / حسبنا وجهُه الجميل جزاءَ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ
أنتَ حي برغمِ عادِ الفناءِ / لا يُصاغُ الرثاءُ للأحياءِ
هذه الهجرةُ التي عَزَّ معنا / ها على الآخرينَ والخلصاءِ
زورةٌ في معارجِ النور تلقى ال / وَحي فيها والشعرَ كالإسراءِ
مَن يقل ماتَ حافظٌ ضلَّ رأياً / البلى لا يكونُ للشعراءِ
لا تقولوا قَضَى ولا تندبوه / هذه رجعةُ الغريبِ النائي
إنما الشاعرُ العظيمُ غريبٌ / في ديارِ الأجدادِ والآباءِ
جَسَدٌ في الثرى وروحٌ شريدٌ / في الأعالي محلِّقٌ في السماءِ
ولقد رُدَّ ذا الغريب عن / الدنيا إلى أصلِه في الجوزاءِ
كيف يفنى من عَطَّرَ الخلدُ / برديه وفي شعرهِ نسيجُ البقاءِ
إيهِ يا خدنَ مصطفى كاملٍ / والعَهدُ عهدُ الخطوبِ والإيذاءِ
وصديقاً لا ينثني ووفياً في / الزمانِ الضنينِ بالأوفياءِ
وشقِيَّا ينسى تَفَاقُمَ بلواه / ويبلَى لغيره في الشقاءِ
وفقيراً يرى الغنَى والأماني / في اعتصامِ النفوس بالكبرياءِ
إذا العبقريُّ رامَ أمراً تَوَخَّى / سُبُلاً فوقَ قدرةِ الأقوياء
ورأى السقمَ علةَ الواهي الخا / ئف والبؤس حجة الضعفاءِ
أتراهم في ذروة الخلدِ فوا / لك عنا الجديدَ في الأنباءِ
حومةُ الموتِ استصرخت / مصطفى الثاني فأبلى بها أجلَّ البلاءِ
واللواءُ الخصيبُ كم زادَ حبَّا / فانثنَى ظافراً عزيزَ اللواءِ
طالعاً مطلعَ الهلالِ إذا ما / لاحَ في جنحِ ليلةٍ قمراءِ
انطوى ذلكَ البساطُ الذي / مُدَّ وفُضَّت مجالسُ الندماءِ
وليالي الصفاء تمضي عجالاً / والمنايا بالموتِ غيرُ بطاءِ
وحبيبٌ يمرُّ إثرَ حبيبٍ / ليتَ شعري ما بعدَ هذا الثناءِ
والنوى كالردَى عذابٌ ولكن / يمسكُ القلبُ حُلمَه باللقاءِ
يا مَن طواها الليلُ في ظلمائِه
يا مَن طواها الليلُ في ظلمائِه / روحا مفزعةً على بيدائِهِ
تتلفتينَ إليَّ في أنحائه / لهف الفؤادِ على الشريدِ التائِهِ
إن تظمئي ليَ كم ظمئتُ إِليك / جَمَعَ الوفاءُ شقيةً وشقيَّا
يا مُنيتي قَستِ الحياةُ عليكِ / وجرت مقادرُهَا الجسامُ عليَّا
إِني التفتُ إِلى مكانِكِ والمنى / شُلَّت وقلبي لا يطيقُ حراكا
فصرختُ يا أسفاً لقد كانت هنا / لِمَ عاقني القدرُ الخؤونُ هناكا
عَبَسَت وسودتِ السماءُ ظلالهَا / فكأنَّ عقباناً تحطُّ رحالَهَا
وكأنَّ أطوادَ السحابِ حيالَهَا / أَرسَت على الكتفِ الصغيرِ ثقالَهَا
تستصرخينَ لكِ السماءَ وقد خبت / وطوت بشاشةَ كلِّ نجمٍ مشرقِ
إِن خلتِها استمعت إِليكِ وقاربت / ألفيتِهَا صارت كلحدٍ ضيِّقِ
يا مَن هربتِ من القضاء وصرفهِ / عجباً لهاربةٍٍ تلوذ بهاربِ
إمّا هَوى نجمٌ ومالَ لضعفهِ / أبصرتِ حظَّكِ في الشعاعِ الغاربِ
أسفاً عليك وأنتِ روحٌ حائرُ / والكون أسرارٌ يضيقُ بها الحِجَى
تجتازُ عابرةٌ ويسرعُ عابر / وتمرُّ أشباحٌ يواريها الدُجَى
في وجنتيكِ توهجٌ وضرامُ / وبمقلتيكِ مدامعٌ وذهولُ
وكذا تمرُّ بمثلكِ الأيامُ / مجهولةً وعذابُهَا مجهولُ
وَلَّيت قبلَ لقائنا يا جنتي / لم تطفري مني بقولٍ مسعدِ
وكعادةِ الحظِ الشقيّ وعادتي / أقلبتُ بعد ذهاب نجمي الأوحدِ
تتعاقبُ الأقدارُ وَهيَ مسيئةٌ / كم عقنا ليلٌ وخانَ نهارُ
وكأنما هذا القضاءُ خطيئةٌ / وكأنَّ همسَ نسيمِه استغفارُ
وكأنَّه أحزانُ قومٍ ساروا / هذي مآتمُهم وَثم ظلالُهَا
عَفَتِ القصورُ وظلَّتِ الأسوارُ / كَمَنَاحَةٍ جمدت وذا تمثالُهَا
غامَ السوادُ على وجوه الدورِ / وَسرى إليَّ نحيبُها والأدمعُ
وكأني في شاطئٍ مهجور / قد فارقتهُ سفينةٌ لا ترجعُ
حملت لنا أملاً فلما ودَّعَت / لم يَبقَ بعدَ رحيلِهَا للناظرِ
إلا خيالُ سعادةٍ قد أقلعت / ووداعُ أحباب ودمعُ مسافرِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025