المجموع : 18
إِنَّ الحَياة سَعادَة وَشَقاءُ
إِنَّ الحَياة سَعادَة وَشَقاءُ / يَتَعاقَبان وَضحكة وَبكاءُ
في قَلب من يحيا عَلى ضيق به / يأس يخيم تارة وَرَجاء
لليل صبح سوف يسفر بادياً / بعد الظَلام وَللنهار مساء
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها
وَلَقَد تَزول الحرب عَن أرضٍ بها / شبت وَتَبقى فوقها الأشلاءُ
تَبغي المدافع هدم أَية قرية / فَلَها عَلى شط الفرات رغاء
جَرَت الدموع عَلى دماء قَد جَرَت / وَجرت عَلى تلك الدموع دماء
وَرأَيت في الصبح الشيوخ جميعهم / يدعون لَو نفع الشيوخَ دعاء
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ
تَقلبُ بانتظام في الهَواءِ / حمائمُ هن بهجةُ كل رائي
ملونة وَلَيسَ هناك صبغ / بألوان حوت كل البهاء
حَمائم كلها رمن اِقتراباً / من الأرض ارتفعن إِلى السماء
وَعدن صواعداً متقلبات / وَلَيسَ صعودهن بلا عناء
هجرن وُكُونَهن بها اضطراراً / فطرن من الصباح إلى السماء
إذا رمن الوقوع عَلى بيوت / ربين بها اِنقلبن إلى الوَراء
بِتَصفيق يلذُّ لسامعيه / وَتَصعيد ورقص في الهَواء
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ
أَنت مِمّا تُبدينه من صفاءِ / يا سَماء العِراق خير سَماءِ
انظريني فقد أحبك قَلبي / وأَحبتك مثله حوبائي
انظريني إذا العنادل غنت / سحراً فوق منكب الشجراء
انظريني ليلاً إذا الشمس غابَت / بعيون النجوم في الظلماء
انظريني إذا الخَليقة أَخفت / ما لَها فوقَ الأرض من ضوضاء
انظريني إذا الطَبيعة أَصغَت / في الدياجي الى خَرير الماء
انظريني إِذا الحوادث رامَت / هدأة في الصباح أَو في المَساء
انظريني إذا الخَريف تَراءى / آسيا من أَشجاره الجَرداء
انظريني إذا غَدا الروض خلواً / من زهور أَو زهره من رواء
انظريني من الفروج خلال ال / سحب سراً بعينك الزَرقاء
انظريني اذا نظرت بِعَيني / وَهيَ شكرى إليك عند البكاء
هي في اللانهاية السَوداءِ / تَتَراءى كسنةٍ بيضاءِ
سدم هَذه المجرَّة تنأى / وَشموس جلَّت عَن الإحصاء
شبه واد تَرى عَلى ضفتيه / كركام كَرائم الحصباء
هيَ سيل من الهيولى طفت في / ه نجوم كَثيرة كالغثاء
زبد في نهر جرى من أثير / وَفَقاقيع منه في دأماء
تَتَجافى مدفوعة وَلكل / فلكٌ في أَعماق هَذا الفضاء
لم تحد في اندفاعها قيد شبر / عَن سَبيل لها هناك سواء
ما رأت في البَصير عَيني اهتداء / كاِهتداء الطَبيعة العَمياء
انها قد تحركت في طريقي / نِ هما قد تقابلا في السماء
ما اِختلاف هناك في السير إلا / لاختلاف في وجهة الأنواء
أَكر قد تدحرجَت منذ كانَت / واِستمرَت من غير ما إبطاء
وَلكلٍّ توابعٌ أَنا استب / عدُ حرمانها من الأحياء
قال لي العَقل ما تحرك هَذا ال / كَون إلا بدافع الكَهرباء
هيَ نفسُ النجوم لَيسَت سواها / وَهيَ ما في النجوم من أَضواء
الهيولي هي الأثير تردّى / صوراً ثم شق جيب الرداء
منك يا أَيُّها الأثير بدا الكَو / ن وَفيه الوجود للأشياء
أَنتَ سر المَكانَ وَالكَون وَالده / رِ وسر الحَياة في الغبراء
أَنتَ شيءٌ وَغير شيءٍ وَكافي / كلَّ شيءٍ يا حيرة الحكماء
كَم نجوم يخفين بعد ظهور / وَنجوم يظهرن بعد خفاء
يوصل النور بعضهنَّ بألف / من سنينا إلى عيون الرائي
دفعتها يد الطَبيعة بالقو / وة منها قنابلاً في السماء
من نجوم حمر وَصفر وزرق / وَنجوم خلافها بيضاء
إن منها ما كانَ فَرداً وَمنها / ذا بناءٍ مثنىً وفوق الثُنائي
لست أَدري وَلَيتَني كنتُ أَدري / في خلاء تطوافها أم ملاء
عندهن القوى العَديدة لكن / لم يجئنا منهنَّ غير الضياء
عَجَبي مِن نسرينِ قد وقع الوا / حدُ والثاني طائرٌ في الفضاء
وَسماكينِ رامحٍ يطعن اللَي / لَ دراكاً وأعزل في اللقاء
لهف نَفسي عَلى بناتٍ حسانٍ / أيّ نعشٍ حملنَهُ في العراء
ويل أَهل السماء من عقرب جا / ءت إليهم تدبّ في الظلماء
وَلَقَد باتَ أَرنَب الجو يَرنو / من بعيد للحيَّة الرقطاء
قَد تَمَنَّى العيوق أَن يسلم الجد / يُ من الذئب ناصتاً للعواء
رجف التوأمان لما تَراءى / أسدٌ ذو براثن عقفاء
عاف للذعر حين أَبصر فهداً / فرس الجو سنبل الخضراء
وَلَقَد باتَ راجفاً حمل الزه / رِ أَمام التنين خوف البلاء
هَل بعين الشعرى الغميضاء لَيلاً / أَخبروني قذى من الأقذاء
ما أَظن الميزان يوزن فيه / بعض ما في الحلوى من الأشياء
أَيُريد الراعي الصديّ ليروى / فَلَقَد أَلقى دلوه في الدلاء
قَد تَرى في السماء بالعين لَيلاً / سرطاناً كمثله في الماء
أَيُّها الحوت قل إلى أَي وقت / هَكَذا أَنتَ سابح في الفضاء
يخطف الثعلب الدجاجَة لَولا ال / كلب قد باتَ حارساً بالدَهاء
هَل تَرى ممسك الأعنة يَدنو / من مجال الشجاع في الهيجاء
قَد رأَيت السماك يطعن بالرم / حِ جيوش الظلماء في الأحشاء
وَرأَيتَ الجبار يحرق أَسنا / ناً على الطالِعات بعد المساء
وَأَرى السعد ذابحاً ذا أَثامٍ / وَأَرى الغول منه غير براء
هَل أَصاب الرامي وَقَد سدد السه / مَ من القوس منكب الجوزاء
قَد أَرى في النجوم دبينِ مازا / لا يدوران بينها في الفضاء
مِن كَبير ومن صَغير وكل / منهما حول القطب ذو تعداء
وَقرود النجوم أَربعة قد / درن منها في غابة غبياء
ما أبص الإكليل يطلع لَيلاً / وَالثريّا مَرفوعة في السماء
خفق القَلب للعناق بليل / وأطال الجاثي زَمان الثواء
تحسب الفرقدين صنوين داما / لإخاء وَما هما لإخاء
وَدت المرأة المسلسلة الإب / حار فوق السَفينة القوراء
وَسهيلٌ وَلَيسَ مثل سهيلٍ / متعب من تنفس الصعداء
في السماء الشبان جم غَفير / ثم ما إن بها سوى عذراء
إن ذاكَ الكرسي بين الدراري / يِ لرب للعزة القعساء
وَلَقَد أَكبر السها في عيوني / ما لنجم السها من العلياء
أَنا أَهوى الشعرى العبور لما قد / جمعت من سنىً لها وَسناء
وإذا عُدَّتِ الكواكبُ شعراً / فهي بيتُ القَصيدة العصماء
إِنَّ هَذا الوجود سر تفشَّى / في سماء وَسيعة الأرجاء
وكأن النجوم فيها قلوب / خفقت في جوانح الظلماء
وإذا الشمس وَالكواكِب جمعا / ء زوت نورها فيا للعماء
وَلعل الحَكيم يقرأ فيها / من مراد الحَقيقة الخرساء
كلمات وَقَد تَكون رموزاً / كتبت في صحيفة زرقاء
أعين الجاهلين مَهما تَساوَت / لا تَراها كأعين العلماء
قَد حَلَلنا طيف النجوم عَلى بع / دٍ بعيد بآلة صماء
فَعَرَفنا مقومات الثريا / وَعلمنا عناصر الجوزاء
إنما النور حين يقدم منها / حامل جملة من الأنباء
وَحدة في الوجود بالرغم عما / وَضَعوه من كثرة الأسماء
لَيسَ للعالم الَّذي نحن نحيا / ضمنه من بداية وانتهاء
ظنه الناس للفناء وإني / مَع نقصي حسبته للبقاء
لَيسَ يفنى فيما علمت من الأش / ياءِ إلا ظواهر الأشياء
ربما تظهر الحَقيقة بيضا / ء لَنا من تصادم الآراء
أَيُّها الجهر بالحَقائِق مني / أنت دائي وَقَد تَكون دوائي
لَست أَدري وقد وقفت مَكاني / أَأَمامي سعادتي أَم وَرائي
هَذه الأرض ذرة قَد توارَت / عَن عيون النجوم في تيهاء
هي إحدى توابع الشمس تَجري / حولها كالفراشة العَشواء
فأَتاها فصولها كالربيعي / نِ عليها وَصيفها وَالشتاء
وَلَها حول نفسها دوران / هُوَ داعي صباحها وَالمساء
دورتان الأولى عَلى النفس والأخ / رى عَلى الشَمس في زَمانٍ سواء
إِنَّ أَرضاً تَمشي عليها وَئيداً / كرة قَد تَدَحرَجَت في السماء
أيُّها العَقل أي بدع تَراه / إن جرت في الفضاء بنت الفضاء
جوفها في نار تئزُّ من الحم / مى أَزيزاً وَسَطحها في ماء
وَعلى الأرض دار في كل شهر / قمر ذو وَجاهَة وَبَهاء
كل ضوء يريكه في صفاح / فمن الشمس مصدر الأضواء
نصفه يستنير منه وَنصف / منه باق في لَيلَةٍ لَيلاء
دل أن لَيسَ كائناً فيه ماءٌ / ما تَرى في سَمائه من صفاء
لا كُسوفٌ وَلا خسوفٌ إذا لَم / يقع النيران في الأفياء
إِنَّما هَذه التوابع يجري / نَ درا كاً في الجو حول ذكاء
أَخبروا أنهن مرتبطات / بِذَكاء من جذبها برشاء
ثم لَم يجزموا أَهن بَنات ال / شمس أَم جئنها من الأنحاء
رشقتها النجوم من كل صوب / بسهام للدفع ذات مضاء
رشقتها من الجوانب لما / وَجدتها تجري بغير وقاء
غير أَنَّ النضال بالنبل مِمّا / لَيسَ يؤذي كالطعنة النجلاء
إنما هذه القوى عند ظَني / نجمت من مَعامل الكيمياء
ما أَرى في جواهر الجسم إلا / قوة قد تكاثَفَت في البناء
وَهيَ تنحل في العَناصر بالبط / ءِ إلى قوة بلا اِستثناء
قوة في الكون اِستقرت وأخرى / ما اِستقَرَّت كالجِسم وَالكَهرباء
ثُمَّ إن الشموس منحلة في / سدم بعد فقدها للماء
لَيسَ يَبني السديم شمساً كَما شا / ع لدى زمرة من العلماء
إن أَدنى توابع الشمس فيما / علموه عطارد في السماء
دار أَطرافها كَما يَلعَب الخش / فُ إلى جنب ظبية أَدماء
بعده الزهرة الجَميلة تأَتي / كَوكباً للصباح أَو للمساء
تسحر العين كلما قابلتنا / في اللَيالي بوجهها الوضاء
لَم يَكُن عند وَصفها حين تَبدو / لا مَديحي شَيئاً وَلا إطرائي
ثم هذي الأرض الَّتي نحن نحيا / فَوقها خاضعين للأهواء
ثُمَّ يأَتي المريخ فهو لنا يب / دو مضيئاً كنقطة حَمراء
بعده تأَخذ النُجيمات يجري / ن درا كاً في الجو كالأقرباء
بَعدَها المشتري وَهَل هُوَ إلا / ملك الزاهرات ذو الخَيلاء
ثم يأَتي وَراءه زحلٌ في / حلقاتٍ عليه ذات ضياء
ثم فاِعلَم يدور في الجو أورا / نوس مخفياً عَن عيون الرائي
ثم نبتون وَهُوَ آخر مادا / ر عَلى الشمس من بنات الفضاء
تِلك سَياراتٌ يحمن عَلى النا / ر تباعاً كالهيم حول الماء
تلك أَجرامٌ لَيسَ يبعثن نوراً / غير ما يقتبسنه من ذكاء
إن كلاً منهنَّ يَجري من الغَر / ب إِلى الشرق حولها في زَهاء
وَهوَ عند الدنو منها سَريع / وَهوَ عند الإبعاد ذو إبطاء
وَلكل سوى القريبين أَقما / ر عليه تدور في الأنحاء
رب سيّاحة أَتَت مِن بَعيد / تطلب الشمس صبة باللقاء
ذات ذيل تجره كَسَديم / خلفها أَو ذؤابةٍ شهباء
غادة من غيد السماء إلى من / قد أَحبت تَمشي عَلى اِستحياء
وَأَرى إِذ مَشَت عليها اضطراباً / أَهي سكرى بخمرة صهباء
فإذا ما طافَت به مرة عا / دت سَريعاً أَدراجها للوراء
ما هُوَ القصد وَالمزار بَعيد / يا تُرى من زيارة الحسناء
إن للشمس موكباً فيه تَمشي / نَحو نجمٍ ضمن الثريا نائي
وَأَرى في اصطدامها بسواها / وَهُوَ الزعم أَكبر الأرزاء
إن أَصابَت إحدى التوابع ضرَّا / ءُ أَحس الجَميع بالضراء
ما تأَذَّى عضو من الجسم إلّا / تتأذى بقية الأعضاء
إن دفع الأثير شد عراها / بذكاء فظن جذب ذكاء
إنه وَالوجود عبءٌ ثَقيل / قائم في الفضاء بالأعباء
ذاكَ أَنَّ الأثير يَجري إِلى الشم / س كأمثالها من الأنحاء
وَلإيضاحه أَقولُ وَقولي / لَيسَ إلا رأَياً من الآراء
حَرَكات الأَلِكْتُروناتِ ضمن ال / جسم تَنفي الأثير في الأثناء
فَيَسيل الأثير رداً لما اختل / لَ به من توازن في البناء
فَهوَ يَزجو بجريه ما يلاقي / هِ إليها من أكرة أَو هباء
وأراها من الأثير الَّذي يَج / ري إليها من حولها في نماء
فَهيَ تَنمو حَتى تَكون شموساً / ذات شعّيْ حرارةٍ وَضياء
وَلَقَد كانَت الشموس قَديماً / تابعات لغيرها في السماء
ثُمَّ لما نمت كَثيراً تَناءَت / بعدُ عنها وأغربت في التنائي
وَلَقَد جئت بالحقائق أَشدو / وَتَركت الخَيال للشعراء
إن بين المَريخ وَالمُشتَري مِن / ها نجيماتٌ هنَّ غير بطاء
لَيسَ في الظن أَن تَكون حَياة / فوق تلك الركائب الأنضاء
وَلَقَد جاءَت الحَياة إلى الغب / راء مَدفوعة من الزهراء
إنَّها مركز النظام الَّذي عُد / دَتُ له أَرضنا من الأجزاء
أدفأتنا وَقَد يَعود إليها / ما لنا من سعادة وَشَقاء
قدحت في السماء بالزند فابيض / ضت من النار فحمة الظلماء
كَم لَها في أَشعة أَرسلتهن / نَ إلى الأرض من يد بيضاء
حسنت في عَيني وَقَلبي لما / بزغت في غلالة صفراء
وَضعت إكليلاً بهياً من النو / رِ عَلى رأَسها يد الكبرياء
أطلعتها يَد الطَبيعَة لما / جَحَدوها كحجة غَراء
كَم عَلَيها يبين من كلف كال / خال قد زانَ وجنة الحسناء
رب ليل للشهب فيه عَلى الأر / ضِ مثال من غارة شعواء
اسبحي في السماء أَيَتُّها الأر / ضُ وَلا تزعجي سماك السماء
ما سَعيد إلا الَّذي عاشَ عمراً / مَع جيرانه حَليف الولاء
وَعَلى خط محور لك دوري / مَع أَطواد سطحك الشماء
يا سَماء العِراق إني مَريض / يا سَماء العراق أَنت شفائي
اِفتَحي في ستار سحبك شقّاً / وانظريني بعينك الزَرقاء
إنما أَخشى أَن أَموت فَتَبقى / حاجةٌ لي لَم تقض في الحوباء
ذرفت عليك دموعها الشعراءُ
ذرفت عليك دموعها الشعراءُ / وَمن الدموع إذا ذرفن رثاءُ
كانَت ترجّي الصبح منك لليلها / لما دجا وإذا الصباح مَساء
أَمَللت ضوضاء الحياة لطولها / فنزلت داراً ما بها ضوضاء
ما زالَ روض الفضل أَخضر ناعماً / يَزهو إِلى أَن هبت النكباء
إِنَّ الحَياة بمن نحب عَزيزة / فإذا مَضى فَعَلى الحَياة عفاء
قَد كانَ طود المجد مرتفعاً إلى / أن زايَلته الذروة الشماء
لَيتَ الزَمان يَدور في اِستمراره / فَتَعود مثل قَديمها الأشياء
ماتَ الوَلي وَعاش بعد وَفاته / في كل قلب للوَلي وَلاء
بأبي الأديب مغيباً تحتَ الثَرى / ما حوله أَهل وَلا عشراء
في حفرة هي في الحَقيقة قبره / قَد ظللته من التراب سماء
ما إن بها نور يضيء جَبينه / يَوماً وَلا فيها يهب هواء
يا قبر أخبرني فإنك عارف / أَيَطول فيك من الوَلي ثواء
هَل عي فيك عَن البَيان لسانه / أَم هَل لذاكَ السيف بعد مضاء
لَو طابَ عيشي في العِراق كعهده
لَو طابَ عيشي في العِراق كعهده / ما كانَ في قَلبي له بَغضاءُ
وإذا اللَيالي غيرت سعد امرئٍ / يَخفى الصَديق وَتظهر الأعداء
يا موت إني في اِشتياقك ناحل / قُل لي مَتى قل لي يَكون لقاء
لِلَّه أَيامي بجانب دجلة / إذ لَم يشب عيشي هناك عناء
إذ كل أَحلام الشَبيبة حلوة / وَالصحب يعطفهم عليّ وفاء
وَلَقَد تذكرني بهم آثارهم / وَالماء والأشجار والأفياء
قد كانت الأرض والسماء
قد كانت الأرض والسماء / وكانت الشمس والضياء
والأنجم الزاهرات ليلا / يضم اشتاتها الفضاء
وليس في الأرض من حياة / يظهر في بذرها نماء
حتى إذا ما الأرض استعدت / وساعد الماء والهواء
بدت عليها الحياة توا / فكان منها لها رواء
ثم توالى الحيوان فيها / واختلف الشكل والبناء
محتدما بينها نزاع / لأجل أن يحصل البقاء
وامتاز من بينهما فريق / سلاحه العقل والذكاء
كذلك الحرب إن منها / نتيجة الغالب ارتقاء
فجاء منه الإنسان يعلو / به على غيره الدهاء
لا تخف بعد المنايا
لا تخف بعد المنايا / من عذاب وشقاء
إن ما قالوه ترهيب / لناس بسطاء
إليك تتوق أيتها السماءُ
إليك تتوق أيتها السماءُ / نفوسٌ قد أضرَّ بها الشقاء
ومضَّتها على الأرض الرزايا / وأسأمها بمحبسها الثواءُ
أَحِقِّي يا سماء مُنى نفوس / إليك لها إليك لها التجاء
ترجِّي فيك بعد الموت عيشاً / فوا أسفاه إن خاب الرجاءُ
عِدينا ثم إن شئت امطلينا / فإنا بالوعود لنا اكتفاءُ
وإنا نحن قوم قد أُهنَّا / وإنا نحن قوم أبرياءُ
وإنا قد عشقنا الموت لما / سمعنا ذكره فمتى اللقاء
إذا أمست حياة المرء داءً / فليس سوى الحمام لها دواءُ
يشاء المرء أن يحيا سليماً / ولكنَّ الحوادث لا تشاءُ
وما حب المعيشة في ديارٍ / لأحرار النفوس بها جفاءُ
فلا سقيا ولا رعيا لأرضٍ / تُراق على جوانبها الدماءُ
وما سلمت عليها قبل هذا / من الأرزاء حتى الأنبياء
أنفسي إن جزعت من المنايا / فإني منكِ يا نفسي براءُ
عبدتِ الأدنياءَ رجاءَ دنيا / حوتها بالخداع الأدنياءُ
وأُوردت الهوان فلم تُعافى / فأين تحدثي أين الإباءُ
أَبيني يا سماء وخبرينا / بما لم ندر دام لكِ العلاءُ
ولا زالت على مرِّ الليالي / نجومك يستضئ بها الفضاءُ
هل الأرواح بعد الموت منا / لها في جوِّك السامي بقاءُ
أم الأرواح تابعة جسوماً / لنا تبلى فيلحقها الفناءُ
فضاؤُك هل يصير إلى انتهاءٍ / أم الأبعاد ليس لها انتهاءُ
وحقٌّ أن للإجرام حداً / أم الحدُّ الذي يعزى افتراءُ
وبعد نهاية الأجرام قولي / خلاءٌ في الطبيعة أم ملاءُ
يحيرني امتدادك في الأعالي / ويبهجني بزرقتك الصفاءُ
أُحبُّ ضياء أنجمك الزواهي / فأحسنُ ما بأنجمك الضياءُ
نجومك في دوائر سابحاتٍ / يحف بها المهابة والبهاءُ
تَراءى في تحركها بطاءً / وما هي في تحركها بطاءُ
ولا هي في الجسامة لو علمنا / ولا في بعدها عنا سواءُ
أبيني يا سماء وخيِّريني / وإلّا دام في قلبي امتراءُ
أيبقى المكثرون من الخطايا / إذا ماتوا وليس لهم جزاءُ
لعمركِ لا تريد النفس هذا / فما الجاني وذو التقوى بواءُ
رأَيت البعض يخشع للمنايا / فيذكرها ويغلبه البكاءُ
مخافة أن يُلمَّ الموت يوما / ببنيته فينهدم البناءُ
ويضرب عن وراء الموت صفحاً / كأن الموت ليس له وراءُ
فإن تسأل يقل ما الموت إلا / نهاية كل من لهم ابتداءُ
أضاءَتك الحياة وكنتَ قبلا / بليلٍ حشو ظلمته العماءُ
وجودُك بعد ذاك الليل صبح / وهذا الصبح يعقبه المساءُ
رقيت من الجماد فصرت حياً / تميِّره الدراية والذكاءُ
أقول كذا ولم أزدد يقيتا / يما في الأمر لو كشف الغطاءُ
فقلت له وبعض القول حقٌّ / صريح لا يجوز به المراءُ
أليس يركِّب الأحياء طرا / عناصرُ أوضحتها الكيمياءُ
فقال بلى فقلت له أليس ال / عناصر لا تحسُّ ولا تشاءُ
فقال بلى فقلت إذن فماذا / جرى حتى استتب لها النماءُ
وصارت بعد في الإنسان جسماً / يفكِّر عاقلا وله دهاءُ
فقال السر في التركيب أن ال / مركَّب قد يقوم به ارتقاءُ
إذا اتحدت عناصر في بناءٍ / تغيَّر وصفه ذاك البناءُ
وجدَّ له خصائص ذات شأنٍ / عناصر جسمه منها خلاءُ
وإن حياتنا والموت فاعلم / أجيجٌ في العناصر وانطفاءُ
ولكن التعصب في أناسٍ / أضلَّهم الهوى داء عياءُ
وإفهام الجهول الحق مرّاً / عناءٌ ليس يشبهه عناءُ
وفي الأصل الجواهر لو علمنا / قوى منها الأثير له امتلاءُ
تلاقى بينها فتكون منها / جواهر في النفار لها ولاءُ
صغيرات الحجوم محقراتٌ / ومنها الكائنات لها ابتناءُ
تَضمّن قوتي جذب ودفع / كما يبديه هذا الكهرباءُ
وإن الشمس والاجرام طرّاً / من الحركات ولَّدَها السماءُ
لكل مقولة منها إليها / على الدور ابتداءٌ وانتهاءُ
فإن برزت فذاك لها وجود / وإن خفيت فذاك لها فناءُ
سماؤك هذه تحوي نجوماً / لأكثرها عن البصر اختفاءُ
فتحسب ما يريك الليل منها / شموعاً في الصباح لها انطفاءُ
وما هي لو تعي إلا شموساً / بها ليدَى منوِّرها اعتناءُ
شموس قد أضاء الجوُّ منها / وزال بها عن الكون العماءُ
يصغرها بعينك حين ترنو / لها بعدٌ هنالك واعتلاءُ
أهمَّ بأن أعدّ الأرض منها / كواحدة فيمتعني الحياءُ
فإن الأرض تابعة لشمسٍ / إلى أمّ النجوم لها انتماءُ
فتيهي يا نعماء فليس شيء / تكون فيك عنك له غناء
فأنت لكل موجودٍ وجودٌ / وأنت لكل موجودٍ وعاء
وهذا الجو أنت له امتدادٌ / وهذي الأرض أنت لها غطاء
وإن وجود ما في الكون طراً / عليك إذا تأملنا ثناء
يليق يليق ما استعليت كبراً / بشأنك يا سماء الكبرياء
فقبل القبل كنت كذا سماءً / ولا شمسٌ هناك ولا ضياء
ستفنى الكائنات وليس إلا / لوجه اللَه ثم لك البقاء
فقلت له رعاك اللَه هذا / على ما جاء في العلم اعتداء
فإن حقائق الأشياء سرُّ / خفي ما لغامضه انجلاء
وأبدت قبلنا الحكماء فيها / أقاويلاً فما برح الخفاء
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي
أنا شاعر فاذا أطلت عنائي / قامت عليك قيامة الشعراء
سجن بغداد في الحقيقة قبرٌ
سجن بغداد في الحقيقة قبرٌ / موحش فيه تدفن الأحياءُ
حجرات في جوفها ظلمات / فهي في الليل والنهار سواءُ
خدعوها بقولهم حسناء
خدعوها بقولهم حسناء / شعرها الليل والجبين ذُكاء
غرّها ذلك الثناء فلانت / والغواني يغرهن الثناء
ما تراها تناست اسمي لما / ذكرت نسبتي لها العشراء
ما تناست لشيء اسمي ولكن / كثرت في غرامها الأسماء
إن رأتني تميل عني كأن لم / يجتذبها يوماً إليَّ الولاء
وكأن لم أوافها وكأن لم / تك بيني وبينها أشياءُ
نظرة فابتسامة فسلام / من بعيد يوحى بهِ فرجاء
فاقتراب فوقفة فاستلام / فكلام فموعد فلقاء
يوم كنا ولا تسل كيف كنا / نتلاقى والعيش رغد رخاء
نتلاقى وعند ما نتلاقى / نتهادى من الهوى ما نشاء
وعلينا من العفاف رقيب / دونه في التيقظ الرقباء
مارسته الأهواء منا إلى أن / تعبت في مراسهِ الأهواء
جاذبتني ثوبي العصى وقالت / ببكاء وهل يفيد البكاء
كيف ترضون بالخداع وأنتم / أنتم الناس أيها الشعراء
فاتقوا اللَه في خداع العذارى / فهو إثم تهتز منه السماء
لا تدسّوا الهوى لهن غرورا / فالعذارى قلوبهن هواء
يقولون لا شيء وهم يرجمونني
يقولون لا شيء وهم يرجمونني / وهل يستحق الرجم من هو لا شيء
دعوني ولا شيئيتي وانقدوا امرأ / اذا جاء امراً ساء نقاده الجئ
وما انا الا دوحة قد تجرّدت / فلا ورق يصبى العيون ولا فيء
لا تكون الأشياء خيراً على العل
لا تكون الأشياء خيراً على العل / لاتِ مما قد كانت الأشياء
ليس تأتي يوماً باحسن مما / قد اتته الطبيعة العمياء
من كان في سعة تسير وراءه
من كان في سعة تسير وراءه / اتباعه فكأنهم افياء
واذا الليالي غيرت سعد امرئ / يخفى الصديق وتظهر الاعداء
ان جاءت الارض امراً
ان جاءت الارض امراً / فللسماء القضاء
لا تفعل الارض الا / كما تشاء السماء
قد عفوا عمن لم يكن بمسيء
قد عفوا عمن لم يكن بمسيء / ما الى العفو حاجة للبريء
ان هذا العفو الذي منحوه / هو شر من الجزاء الرديء
ان يكن رزقا فهو غير لذيذ / او يكون ماء فهو غير مريئ
خرت لعزة شعرك الشعراءُ
خرت لعزة شعرك الشعراءُ / فكأنهم أرض وأنت سماء
ما كنت إلا كوكبا متوقدا / قد خر منحدرا له ضوضاء
كنا نرى ما كان ضؤوك فاعلا / فلننتظر ما تفعل الظلماء
من بعد در كنت تنظم عقده / برزت تريد لتلمع الحصباء
لفظ جميل فيه معنى رائع / هو في المعاني وحده العذراء
اليوم باق للقريض بحوضه / ماء وأخشى أن يجف الماء
ولقد خفيت على ظهورك مدة / عن أعيني ومن الظهور خفاء
جل مصابك إنه اهتزت له / أعلام مصر وماجت الدأماء
عجلت في الترحال يا شوقي وقد / بقيت هنالك لم تقل أشياء
قالوا سينبغ عبقريّ مثله / قلنا بلى لو أنجب الآباء