القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : عبد الغَفّار الأَخْرس الكل
المجموع : 14
أتراكَ تعرفُ عِلَّتي وشَفائي
أتراكَ تعرفُ عِلَّتي وشَفائي / يا داءَ قلبي في الهوى ودَوائي
ما رقَّ قلبك لي كأن شكايتي / كانت لمسمع صخرةٍ صمَّاء
والشوق برَّح بي وزاد شجونَهُ / يا شدَّ ما ألقى من البرحاء
عجباً لمن أخذ الغرامُ بقلبه / أنَّى يعد به من الأحياء
هل يعلم الواشون أن صبابتي / كانت بلحظ مها وجيد ظباء
وتجرُّعي مضضَ الملام من التي / حلت عقيب الجزع في الجرعاء
لم يحسن العيش الذي شاهدته / من بعد ذات الطلعة الحسناء
فمتى أبلُّ صدىً بمرشف شادن / نقض العهود ولا وفى لوفائي
وجفا وملّ أخا الهوى من بعد ما / كنا عقيدي ألفةٍ وإخاء
ونأى بركب الظاعنين عشية / أين الركابُ وأينَ ذاك النائي
أصبحتُ لمَّا ماسَ عدل قوامهِ / أشكو طِعان الصعدة السمراء
وأجيبُ سائلَ مهجتي عن دائها / دائي هواك فلا بليت بدائي
لم يدر واللمسِ الممنع طبّه / أن الدواء بمقتضى الأدواء
عُج يا نديم على الكؤوس ميمِّماً / وأدِر عليَّ سلافة الصهباء
وأعد حديثَك لي بذكر أحبّةٍ / كانوا بدور سناً لعين الرائي
مرت بنا أخبارهم فكأنها / أرَجُ الصّبا عن روضة غناء
وتحاكمتْ بي في الهوى أشواقُهم / فقضى عليَّ الحبُّ أيَّ قضاء
لو كنت أدري غدركم بمحبكم / ما كنتُ أمكِنكُمْ على أحشائي
لامَ النصيحُ فما سمعتُ ملامَه / وصَدَدْتُ عنه لشقوتي وعنائي
ما كانَ أرشدني إلى سبل الهوى / لو أنني أصغي إلى النصحاء
كيف المنازلُ بعد ساكنة الحمى / عهدي بها قمريَّة الأرجاء
لما وقفت على منازلها ضحىً / حَيَّيتُها بتحيَّةِ الكرماء
عادتنيَ الأيَّام في سُكانها / كعداوة الجُهَّال للعلماء
هل أصبح الدهر الخؤون معاندي / أم كانت الأيام من خصمائي
ما للَّيالي إن نظرْنَ فضائلي / نظرتْ إليَّ بمقلة عمياء
إنِّي أصون الشعر لا بخلاً به / عن أن يذل بساحة اللؤماء
أن كنت تثني بالجميل على امرئ / فعلى جميل أبي الثناء ثنائي
أعيى المناضلَ والمناظرَ فارتقت / علياؤه قدراً على العلياء
متوقد مثل الضرام فطانة / وبلطف ذاك الطبع لطف الماء
فتبلَّجت منه شموس فضائلٍ / ظهرت على الدنيا بغير خفاء
وعلت على أفهامنا ألفاظه / فتمثَّلت بكواكب الجوزاء
تلك الرويّة والسجيَّة لم تزل / أقمار أفقٍ أو نجوم سماء
كم قد أفيضت من يديه لنا يدٌ / شكراً لهاتيك اليد البيضاء
إيْ والذي جعل العلى من مجده / فرح الصديق وغمَّة الأعداء
شِمنا بوارق نائل من سيله / متتابع الإحسان بالآلاء
هيهات يحكي جوده صوب الحيا / والغيث موقوف على الأنواء
بحر إذا التمس المؤمِّلُ ورْده / فاضت عليه زواخر الأنداء
إن قيل في الزوراء أصبح قاطناً / فاعلم بأنَّ المجدَ في الزوراء
نُشرت علومك في البلاد جميعها / كالصُّبح إذ ملأ الفضا بضياء
ولك الذَّكاءُ كأنّما برهانه / يكسو سناه تبلّج ابنِ ذكاء
ونظرتَ في الأشياء نظرة عارف / حتَّى عرفت حقائق الأشياء
وكشفتَ من سر العلوم غوامضاً / فيهن كانت حيرة الحكماء
أجريت حكم الله بين عباده / فعَلَتْ بحكمك راية الإفتاء
وكأنما يوحى إليك فقد بدت / لك معجزات النظم والإنشاء
فَعَلَت لك الأقلام في مهَج العدى / ما تفعل الأبطال في الهيجاء
خرسٌ إذا أنطقتَها بأنامل / أخرَسْتَ فيها ألسن الفصحاء
أبكيتها فتضاحكت لبكائها / روضُ الفضائل لا رياض كبار
فإذا مدحت مدحت غير مراهن / فيها وغير معرض لرياء
فاهنأ بهذا العيد إنك عيده / يا فرحتي دون الورى وهنائي
وأجزْ عبيدك في رضاك فإنه / وأبيك غايةُ مطلبي ورجائي
لا زلت منفرداً بما أدَّيته / من رفعةٍ وفضيلة وعلاء
عادَ المتيَّم في غرامِكَ داؤُه
عادَ المتيَّم في غرامِكَ داؤُه / أهُوَ السَّليمُ تَعودُهُ آناؤُه
فتأجَّجتْ زفراته وتَلَهَّبَتْ / جمراتهُ وتوقَّدت ومضاؤُه
حسبُ المتيَّم وَجْدُهُ وغرامه / وكفاه ما فعلت به برحاؤُه
بالله أيَّتها الحمائم غرِّدي / ولطالما أشجى المشوقَ غناؤُه
نوحي تجاوبك الجوانح أنَّةً / وتظلُّ تندبُ خاطري ورقاؤُه
هيهات ما صدق الغرام على امرئٍ / حتَّى تذوب من الجوى أحشاؤُه
إن كانَ يبكي الصبّ لا من لوعة / أخذت بمهجته فممَّ بكاؤه
بترقرق العبرات وهي مذالة / سرٌّ يضرّ بحاله إفشاؤه
يا قلب كيف علقت في أشراكهم / أو ما نهاك عن الهوى نصحاؤه
لا تذهبنَّ بك المذاهب غرّة / آرام ذيَّاك الحمى وظباؤه
وبمهجتي من لحظ أحور فاتنٍ / مرض يعزُّ على الطبيب شفاؤه
هل يهتدي هذا الطبيب لعلَّتي / إنَّ الغرامَ كثيرة أدواؤه
واللَّيل يعلم ما أَجَنَّ ضميره / من لوعتي وتضمَّنَتْ أرجاؤه
ما زلت أكتحل السواد بهجركم / أرقاً ويطرف ناظري أقْذاؤه
حتَّى يشقّ الصّبح أردية الدجى / وتحيل صبغة ليله ظلماؤه
زعم العذول بأنَّ همّي همّه / ومن البليَّة همّهُ وعناؤه
يدعوه الفؤاد إلى السلوّ ودونه / للشوق داع لا يردُّ دعاؤه
لا يطمئنَّ بيَ الملام فما له / منِّي سوى ما خابَ فيه رجاؤه
حكمَ الغرام على ذويه بما قضى / ومضى عليهم حكمه وقضاؤه
يا رحمة للمغرمين وإنْ تكنْ / قتلى هواك فإنَّهم شهداؤه
ما كانَ داء الحبّ إلاَّ نظرةً / هي في الصّبابة داؤه ودواؤه
في الحيِّ بعد الظاعنين لما به / مَيْتٌ بكته لرحمة أحياؤه
أحبابه النائين عنه أأنتم / أحبابه الأدنون أو أعداؤه
حفظ الوداد فما لكم ضيَّعتموا / ووفى بعهدكم فدامَ وفاؤه
وجزيتموه على الوفاء قطيعةً / أكذا من الإِنصاف كانَ جزاؤه
ما شرع دين الحبّ شرعة هاجر / صدق الخلوص لودّه شحناؤه
خاصمت أيَّامي بكم فرغمتها / والحرُّ أوغادُ الورى خصماؤه
سفهاً لرأي الدهر يحسب أنَّني / ممَّن يُراع إذا دهتْ دهياؤه
ألقى قطوب خطوبة متبسِّماً / وسواي يرهب في الخطوب لقاؤه
إنِّي ليعجبني ترفُّعُ همَّتي / ويروق وجهي صونه وحياؤه
لا تعجبنَّ من الزمان وأهلِهِ / هذا الزمان وهذه أبناؤه
ليس المهذَّب من تطيش بلبِّه / نعماؤه يوماً ولا بأساؤه
تمضي حوادثه فلا ضرَّاؤه / تبقى على أحدٍ ولا سرَّاؤه
لا بدَّ من يومٍ يُسَرُّ به الفتى / وتزول عن ذي غمَّة غمَّاؤه
ولربَّما صدئ الحسام وناله / قين فعاد مضاؤه وجلاؤه
أوَ ما تراني كيف كنت وكانَ لي / من كانَ أفخر حليتي نعماؤه
عبد الغنيّ أبو جميل وابنه / وكذا بنوه وهكذا آباؤه
نسبٌ أضاءَ به الوجود وأشرقتْ / في مشمخر علائِه أضواؤه
جعل الإِله لنا نصيباً وافراً / من اسمه فتقدَّستْ أسماؤه
هذا القريب من العُفاة عطاؤه / هذا الرحيب بمن ألمَّ فِناؤه
ضربت على قلَل الفخار قِبابه / وبدا لمشتطِّ الدِّيار سناؤه
إن كانَ يُعرَف نائلٌ فنواله / أو كانَ يُعْلَمُ باذخ فعلاؤه
شيخٌ إذا الملهوف أمَّ بحاجةٍ / في بابه نشطتْ لها أعضاؤه
يفدي النزيل بما له وبنفسه / نفسي ونفس العالمين فداؤه
مُتَنَمِّرٌ إن سيم ضيماً أدميت / منه البراثن واستشاط إباؤه
فيه من الضرغام شدَّة بطشه / ومن المهنَّد بأسه ومضاؤه
رُفعت له فوقَ الكواكب عِمَّةٌ / وأحاطَ بالبحر المحيط رداؤه
حدِّث ولا حرجٌ ولست ببالغ / ما تستحقّ لها به آلاؤه
بهر العقول جميله وجمالُه / وجلاله وكماله وبهاؤه
هذي معاليه فما نظراؤه / غير النجوم عُلًى ولا أكفاؤه
تالله لم تظفر يداه بثروةٍ / إلاَّ ليفتك جوده وسخاؤه
راحتْ ذوو الحاجات يقتسمونها / فكأَنَّهم في ماله شركاؤه
وجدانه فقد الثراء لنفسه / ولغيره أبداً يكون ثراؤه
يمسي ويصبح بالجميل ولم يزلْ / يثني عليه صبحه ومساؤه
لله منبلج السَّنا عن غُرَّةٍ / لا الصُّبح منبلجاً ولا أضواؤه
لو تنزل الآيات في أيَّامه / أثنى عليه الله جلَّ ثناؤه
لا بدَّل الله الزمانَ بغيرِه / حتَّى تُبدَّلُ أرضُه وسماؤه
ما في الزمان وأهلِهِ مثلٌ له / إذ لم تكن كرماءه لؤماؤه
وَقْفٌ على الصنع الجميل جنابه / فكأَنَّما هو لو نظرت غذاؤه
وطعامه وشرابُه وسماعه / ومرامه ورجاؤه وصفاؤه
ولربَّما لمعت بوارق غيثه / فانهلَّ عارضه وأُهرِقَ ماؤه
ولقد تجود بكلِّ نَوْءٍ مُزْنُهُ / جود السَّحاب تتابعتْ أنواؤه
إنِّي أؤمل أن أكون بفضله / ممَّن يؤمَّل فضله وعطاؤه
بيتُ المروءة والأُبوَّة والندى / ومحلَّه ومكانه ووعاؤه
سبحان من خلق المكارم كلَّها / في ذلك البيت الرفيع بناؤه
أصبحت روض الحزن من سقيا الحيا / راقتْ محاسنه وراقَ هواؤه
يسري إليه نسيم أرواح الصبا / فتضوع في نفحاتها أرجاؤه
يمري عليها الربّ كلّ عشيَّة / وتجودها من صيّب أنداؤه
عهد الربيع بفصله وبفضله / أبداً يمرُّ خريفه وشتاؤه
ما زالَ يوليني الجميل تكرُّماً / مولًى عليَّ من الفروض ولاؤه
وكأَنَّما اصطبح المدامة شاعر / بمديحه فقريضه صهباؤه
فالله يبقي المكرمات وها هما / متلازمان بقاؤها وبقاؤه
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ
وَقَفنا بالركائب يومَ سلعٍ / على دارٍ لنا أمست خلاءا
نردد زفرة ونجيل طرفاً / يجاذبنا على الطلل البكاءا
وقفنا والنياق لها حنين / كأن النوق أعظمنا بلاءا
هوىً إنْ لم يكن منها وإلا / فمن إلْفٍ لنا عنا تناءى
وقفنا عند مرتبع قديم / فجدَّدنا بموقفنا العزاءا
وقلت لصاحبي هل من دواء / فقد هاج الهوى في الركب داءا
ودار طالما أوقفت فيها / فغادرت الظِّماء بها رواءا
لها حق على المشتاق منا / فأسرع يا هذيم لها الأداءا
أرق يا سعد دمعك إنَّ دمعي / دمٌ إنْ كانَ منك الدمع ماءا
وما لك لا تريق لها دموعاً / وإنِّي قد أرقت لها دماءا
تكاد تميتني الأطلال يأساً / بأهليها وتحييني رجاءا
هوىً ما سرَّها إذ سرّ يوماً / وكم سرّ الهوى من حيث ساءا
كأن العيس تشجيها المغاني / فتشجينا حنيناً أو رغاءا
وقد عاجت مطايانا سراعاً / فما رحّلتها إلاَّ بِطاءا
نؤَمِّل أنْ يطولَ بنا الثَّواء
نؤَمِّل أنْ يطولَ بنا الثَّواء / ونَطْمعُ بالبقاء ولا بقاء
وتُغرينا المطامعُ بالأَماني / وما يجري القضاءُ كما نشاء
تحدِّثُنا بآمالٍ طوالٍ / وليس حديثُها إلاَّ افتراء
وإنَّ حياتنا الدُّنيا غرورٌ / وسَعيٌ بالتكلُّف واعتناء
نُسَرُّ بما نُساءُ به ونشقى / ومن عَجَبٍ نُسَرُّ بما نساء
ونضحك آمنين ولو عقلنا / لحقَّ لنا التَّغابن والبكاء
إلامَ يَصُدُّنا لَعِبٌ ولهو / عن العِظة الَّتي فيها ارعواء
وتنذرُنا المنون ونحن صمٌّ / إذا ما أسمع الصمَّ النداء
وأيَّة لَذَّة في دارِ دنيا / تَلَذُّ لنا وما فيها عناء
ستدركُنا المنيَّةُ حيثُ منَّا / وهلْ ينجي من القدر النجاء
ظهرنا للوجود وكلُّ شيءٍ / له بَدْءٌ لعمرك وانتهاء
لئنْ ذهبت أوائلنا ذهاباً / فأَوَّلُنا وآخرنا سواء
نودِّع كلَّ آونةٍ حبيباً / يَعُزُّ على مفارقه العزاء
تسير به المنايا لا المطايا / إلى حيث السَّعادة والشَّقاء
ولو يُفدى فديناهُ ولكنْ / أسيرُ الموت ليس له فداء
مَضَتْ أحبابنا عنَّا سراعاً / إلى الأُخرى وما نحن البطاء
وما قلنا وقد ساروا خفافاً / إلى أينَ السُّرى ومتى اللّقاء
ولو نبكي دماً حزناً عليهم / لما استوفى حقوقَهُم البكاء
متى تَصفو لنا الدُّنيا فنَصفو / ونَحنُ كما ترى طين وماء
فهذا السّقم ليس له طبيبٌ / وهذا الدَّاء ليس له دواء
فقدنا لا أباً لك من فقدنا / فحلَّ الرُّزْءُ إذ عَظُمَ البلاء
وبعد محمَّد إذ بانَ عنَّا / على الدُّنيا وأهليها العفاء
لقد كانت به الأيام تزهو / عليها رونق ولها بهاء
وكانَ الكوكب الهادي لرشد / يضلُّ الفهم عنه والذكاء
وكانَ العروة الوثقى وفاءً / لمن فيه المودَّة والإِخاء
فيأوي من يُضام إلى علاه / ويعصِمُه من الضَّيم الإِباء
علا أقرانَه شرفاً ومجداً / كما تعلو على الأرض السَّماء
عصاميُّ الأُبوَّة والمعالي / له المجدُ المؤثَّل والسَّناء
وما عُقِدَتْ يدٌ إلاَّ عليه / إذا عُدَّ الكرامُ الأَتقياء
سقاكَ الوابل الهطَّال قبراً / ثوت فيه المروءة والسَّخاء
وحيَّاك الغمام بمستهلٍّ / يصوب فتروي الهيم الظِّماء
قد اسْتُودِعَتْ أكرمَ من عليها / فأنتَ لكلِّ مكرمةٍ وِعاء
وقد واريت من لو كانَ حيًّا / لضاقَ بفضله الوافي الفضاء
وقد أُفْعِمْتَ من كرم السَّجايا / وطيّبها كما فُعِمَ الإِناء
فأصبحَ منك في جنَّات عدن / بدار الخلد لو كُشِفَ الغطاء
مضى فيمن مضى وكذاك نمضي / وغايتنا وما نبقى الفناء
فما يأتي الأيام له بثانٍ / إلى الدُّنيا ولا تَلِدُ النِّساء
فقدناكَ ابنَ عثمانٍ فَقُلنا / فَقَدْنا الجودَ وانقطعَ الرجاء
ستبكيكَ الأيامى واليتامى / وتَرثيكَ المكارمُ والعلاء
وكنتَ علمتَ أنَّك سوف تمضي / ويبقى الحمدُ بعدك والثناء
فما قصَّرْتَ عن تقديم خيرٍ / تُنالُ به المثوبةُ والجزاء
تفوزُ ببرك الآمال منَّا / ويرفَع بالأَكفِّ لك الدُّعاء
إذا وافَت إلى مغناك فازت / ذوو الحاجات واتَّصل الحباء
رزقْتَ سعادة الدَّارين فيها / وإنْ رَغِمت عداك الأَشقياء
لوجه الله ما أنْفَقْتَ لا ما / يراد به افتخارٌ واقتناء
صفاء لا يمازجه مِراءٌ / وتقوًى لا يخالطها رياء
قَضَيْتَ وما انقضى كَمديَ وحزني / عليك وما أظنُّ له انقضاء
يذكرنيكَ ما وافى صباحٌ / وما أنساكَ ما وافى مساء
وما قَصُرَتْ رجال بني زهير / وفيك لها اقتفاء واقتداء
بنيتَ لهم على العَيُّوق نجماً / وشُيِّد بالعلى ذاك البناء
بدور مجالسٍ وأسودُ غيلٍ / إذا الهيجاءُ حان بها اصطلاء
شفاءٌ للصُّدور بكلِّ أمرٍ / إذا مرضَتْ وأعياها الشفاء
وخيرُ خليفة الماضين عنَّا / سليمانٌ وفيه الاكتفاء
وقاسم من زكا أصلاً وفرعاً / وما في طيب عنصره مِراء
إذا زكَتِ الأُصولُ زكتْ فروع / فطابَ العود منها واللّحاء
هو الشَّمسُ الَّتي بزَغَتْ ضِياءً / فلا غربَتْ ولا غرب الضياء
أُعزِّيه وإنْ عَزَّيْتُ نفسي / بمن فيه المدائحُ والرثاء
عليه رحمة وسجالُ عَفْوٍ / من الرحمن ما طلعت ذكاء
ألا من لأجفانٍ أرَقْنَ رواءِ
ألا من لأجفانٍ أرَقْنَ رواءِ / وحرّ قلوبٍ يا هذيم ظماء
صوادٍ إلى يردِ الثغور الَّتي بها / إذا كانَ دائي كانَ ثم دوائي
وصحْبٍ أحالوا الوصل هجراً وأعقبوا / تدانيهمُ في صدّهم بجفاء
نأوا فحنيني لا يزال إليْهم / ويا ويحَ دانٍ يحنُّ لنائي
أجيراننا لما جَفَوْتُم وبِنْتُم / ولم تمنحونا مرةً بلقاءِ
عرفت بعهد الود في الحب غدركم / وأنتُم عَرَفْتُم في الغرام وفائي
وجُدْتُّ بروحي ذمةً وبخلتمُ / كذلك إشفاقي وحسن بلائي
وفيكم ومنكم قبلها وعليكم / نبذت كلام العاذلين ورائي
حلالاً لكم منِّي دمٌ طلَّه الهوى / ولا صانه قومي إذَنْ بفداء
أعيدوا علينا ساعة الوصل إنَّها / لأقصى مرامي منكم ومنائي
سقام بكم لا في سواكم وجدته / فجودوا على مضناكم بشفاء
فإنْ لم تعودوني ولو بخيالكم / فلا تطعموا من بعدها ببقائي
أحِبَّتَنا لك تُنْصِفونا بحبّكم / وما هكذا لو تنصفون جزائي
ذكرناكمُ والدَّمع ماءً نريقه / فشِبْناه في ذكراكُمُ بدماء
فمن لوعة تصلى بنيرانها الحشا / ومهجة قلب آذَنَتْ بفناء
توالى عليها حرقة الوجد والأسى / فلم يُبْقِ منها الحبُّ غير ذماء
ويا سَعْدُ لا تلحُ أخاك وقد مضى / به سَهْمُ راميه أشدَّ مضاء
صريع العيون النجل ما إن رَمَيْنَه / صريع الهوى والوجد والبرحاء
قتيل الهوى العذريِّ قد فتكت به / قدودُ غصونٍ أو لحاظُ ظباء
كأنِّي به يستيقظ الحتفُ راقداً / إذا شام برقاً لاح بعد خفاء
ولم يبسَّمْ ذلك البرق منهم / لعمرك إلاَّ جالباً لبكائي
فما لك تلحوني على ما أصابني / من الداء جهلاً لا بُليتَ بدائي
دعوتك تستمري الدموع لما أرى / فَلَم تَسْتَجب يومَ الغميم دعائي
وهذا هذيم كلّما كرّ طِرفُه / إلى مربعٍ بالرقمتين خلاء
تذكر أياماً بهنَّ قصيرة / يطول عليها شقوتي وعنائي
فأرسَلَها مهراقةً وهي عبرة / ترقرق يرقيها بفضل رداء
خليليَّ إنْ لم تُسعداني على الهوى / فأينَ ودادي منكما وإخائي
ويا سعد إنِّي قد مُنيْتُ وراعني / نوىً يوم جدَّ البين من خلطائي
فما للمطايا بين جدٍّ ولوعةٍ / وبين حنينٍ مزعجٍ ورغاء
بربِّكَ حَثْحِثْها وخُذْ بزمامها / وسِرْ سيرَ لا وانٍ ولا ببطاء
إلى منزل لا يَعرفُ الضَّيمَ أهلُهُ / ولا خاب من وافاهم برجاء
يحلُّ به عبد الغنيّ فلا الغنى / إذا ما دنا الإملاق منك بناءِ
ربيع الندى لا يبرح الفضل فضله / يطيبُ مصيفي عنده وشتائي
ألا لا سقتْني غير راحته الحيا / فتورثُ صوبَ المزن فرط حياء
صفا العيش لي منها وطاب ولم يزل / يروقُ ولم يكدرْ عليَّ صفائي
ولم يرْوِ إلاَّ عنه دام علاؤه / رواية مجد باذخٍ وعلاء
مناقب تزهو بالمكارم كلُّها / وتُشْرِقُ من أنواره بوضاء
ولا كرياض الجزع وهي أنيقة / وتفضلها في بهجة وبهاء
تأرَّجُ أنفاس النسيم بطيبها / كما نسمت ريح الصبا بكباء
أخو العَرَفات الماضيات فما دجا / دجى الخطب إلاَّ جاءَ بابن ذكاء
طربنا وأطرَبْنا الأنام بمدحه / فَهَلْ ديرت الصهباء للندماء
ورُحنا نجرّ الذيل بالفخر كلَّما / ذكرناه في الأشراف والعلماء
غذاءٌ لروحي مَدْحُهُ وثناؤه / وإنَّ أحاديثَ الكرام غذائي
له الله موقي من يلوذ بعزّه / به من صروف النائبات وقائي
فمن شِدَّةٍ فيه ومن لين جانبٍ / ومن كرم في طبعه وسخاء
وما خَفِيَتْ تلك المزايا وإنَّما / تلوحُ كما لاح الصَّباح لرائي
مواهب أعطى الله ذاتك ذاتها / وحسبُك من معطٍ لها وعطاء
بها رحت أجني العزَّ من ثمراته / ويخفق بين الأنجبين لوائي
عليك إذا أثنيت بالخير كلّه / تقبَّل أبا محمود حُسْنَ ثنائي
رأيتُ القوافي فيك تزداد رونقاً / ولو أنَّها كانت نجوم سماء
ولم أرَ مثل الشعر أصدقَ لهجةً / إذا قال فيك القولَ غير مرائي
غنيٌّ عن الدنيا جميعاً وأهلها / سواك وفيه ثروتي وغنائي
فقيرٌ إلى جدواك في كل حالة / وانَّك تدري عفَّتي وإبائي
هذا محلُّ العلم والإفتاءِ
هذا محلُّ العلم والإفتاءِ / تأوي إليه أكابرُ العلماء
دارٌ حوت من كلِّ شهمٍ حائزٍ / بأسَ الحديد ورقَّةَ الصهباء
فيها العوارف والمعارف والتقى / وفكاهة الظرفاء والأدباء
أين النجوم الزهر من ألفاظهم / ووجوههم كالروضة الغنَّاء
لله دار ما خلت من فاضلٍ / أبداً ولا من سادة نجباء
ولقد يحلُّ أبو الثناء بصَدْرِها / يحكي حلول الشَّمس في الجوزاء
مفتي العراقين الَّذي بعلومه / يرقى لأعلى رتبة قعساء
لو أسمع الحجَر الأصمَّ بوعظه / لتفجَّرت صماؤه بالماء
للعلم والآداب شيَّد داره / ولكل ذي فضل من الفضلاء
تسري بمرآها الهموم فأرخوا / دار تسرّ بها عيون الرائي
إنَّ الممالك في صدارة أحمد
إنَّ الممالك في صدارة أحمد / أَضْحَتْ بطيبِ مَسَرَّةٍ وهناء
ضحكت به دار السَّعادة بعدما / أَبكَتْ عليه أَعْيُنَ الزوراء
للدولة العلياء في سلطانها / أَرّخ تصدّر مدحت العلياء
هكذا كانَ فعلَها الحمقاءُ
هكذا كانَ فعلَها الحمقاءُ / ربَّما تَحْلقُ اللّحى الكيمياءُ
أفكان الإِكسير والشَّعر والبَعْرُ / وهذي المقالة الشَّنعاء
كانَ عهدي به ولا لحية ال / تيس وفي حَلْقِها يقلُّ الجزاء
ليتَ شِعري أُريقَ ماءٌ عليها / قبلَ هذا أَمْ ليس ثمَّةَ ماء
لم يعانِ الزّرنيخَ وهو لعمري / فيه للداء في الذقون دواء
ذَهَبَ الشَّعر والشُّعور وأَمسى / يَتَخَفَّى ومشيُه استحياء
وادَّعى أنَّه أُصيبَ بداءٍ / صَدقَ القولُ إنَّما الحَلْقُ داء
أيّ داء إذ ذاك أعظمُ منه / والمجانين عنده حكماء
وترجّى للحَلْق أمراً محالاً / ولقَدْ خابَ ظنُّه والرَّجاء
ما سَمِعْنا اللّحى بها حجر ال / قوم وفي الدّبر تُوضَعُ الأَجزاء
زاعماً أنَّهم أَشاروا إليها / ولهذا جرى عليها القضاء
أَخَذَ العلمَ عن حقيرٍ فقير / هو والسَّارح البهيم سواء
طلب السّعد بالشَّقاء وهي / هات مع الجهل تسعد الأَشقياء
ذهبتْ لحية المريد ضياعاً / وعَلَيْها بَعْدَ الضياع العفاء
ليته صانها ولو بضراطٍ / ولقد يعقب الضراط الفُساء
لم يدع شَعْرَةً وقد قيل أَرِّخْ / حَلَقَتْ شَعْرَ لحيتي الكيمياء
عَرَفْتَ صَبابَةَ هذي النِّياق
عَرَفْتَ صَبابَةَ هذي النِّياق / فما لكَ تسأل عن دائها
كأنَّك لم تَدْرِ أنَّ الهوى / دواها وجالبُ ضرَّائها
أُعيذك ممَّا بها يا هذيم / غرامٌ أقام بأحشائها
نَأَتْ عن منازلها في الغميم / سَقَتْها السَّماءُ بأنوائها
وأَجْرَتْ مدامعها حسرةً / على النَّازلين بجرعائها
ألا صبَّح الغيث تلك الدِّيار / وحيَّى منازلَ أحيائها
فما هي إلاَّ منى العاشقين / تلوح الدِّيار بأرجائها
فَخَلِّ المطيَّ على ما بها / ووافِقْ تَخَالُفَ أَهوائها
لئن وَقَفَتْ بك في الرّقمتين / وَقَفْتَ على بعض أدوائها
فما عُرِفَتْ أوجُهُ المغرمين / لعمرك إلاَّ بسيمائها
وإنَّك إنْ تَعْذِلِ الوامقين / فإنَّك أكبر أعدائها
حَباكَ الله منه بالشِّفاء
حَباكَ الله منه بالشِّفاء / ومَتَّعَك المهيمنُ بالبَقاء
فيا بحر النَّوال ولا أماري / ويا بَدرَ الكمال ولا أُرائي
حياتُك في الوجود أبا جميل / حياةٌ للمروءة والسَّخاء
وفي وجدانك الأَيَّام تزهو / كما تزهو الرِّياض من البهاء
لتشرق في أسِرَّتك النَّواحي / ولا يبقى الظَّلام مع الضياء
وأدعو الله مبتهلاً إليه / دعاءً في الصَّباح وبالمساء
بأنْ يُبقيكَ للإِسْلام ظِلاًّ / تَقيه كلَّ ممتنع الوقاء
فلا اعْتَلَّتْ لعِلَّتك المعالي / ولا فَقَدَتْك أَبناءُ الرَّجاء
دواءٌ للعلى من كلّ داءٍ / فلا احتاج الدواءُ إلى الدواء
أرى هذي النياقَ لها حنينٌ
أرى هذي النياقَ لها حنينٌ / إلى إلْفٍ لها ولها رُغاءُ
وأجفانٌ بِعَبْرَتها رواءٌ / وأحشاءٌ بزفرتها ظِماء
وأنَّ بها من الأَشجانِ داءً / أعندك يا هذيم لها دواء
حدا منها بها للشَّوق حادٍ / وفاز بها بعد التوقّص والنجاء
أراها والغرام قد ابْتلاها / بلى إنَّ الغرامَ هو البلاء
أراعَ فؤادَها بَيْنٌ وإلاّ / فما هذا التَّلَهُّفُ والبكاء
وهل أودى بها يوماً وقوف / على رسمٍ ومرتبع خلاء
فذرها والصَّبابة حيث شاءت / أليس الوجد يفعل ما يشاء
تَحِنُّ إلى منازلها بسلع / عَفَتْها الهوجُ والريح العفاء
وقوم أحسنوا الحسنى إليها / ولكنْ بعد ذلك قد أساؤا
نأَوْا عنها فكان لها التفاتٌ / إليهم تارةً ولها انثناء
وظَنَّتْ أَنَّهم يَدنونَ منها / فخابَ الظَّنُّ وانْقطع الرَّجاء
أَرأَيتَ مثلي في الهوى
أَرأَيتَ مثلي في الهوى / ظمآنَ لا يروى بماءِ
يهوى معانقةَ الظُّبا / ويخاف أحداق الظِّباء
تلك العيون الرَّاميات / جوانحي مضَّ الرماء
تحيي النفوس وإنَّها / لمبيحةٌ سفكَ الدماء
إنِّي بذلت مدامعي / لمقتّرٍ لي بالعطاء
من بعدِ ما فاء الحبيبُ / من الوصال إلى الجفاء
يا ممرضي بجفوته / لا تَرْكَنَنَّ إلى شفائي
كيفَ الشِّفاء من الغرام / وقد غدا دائي دوائي
لو كانَ يبقى من أُحِبُّ / لكنتُ أطمع بالبقاء
جِئْتَ يا ابن الفاروق من معجز
جِئْتَ يا ابن الفاروق من معجز / القول بما لا تَفي به البُلَغاءُ
من بديع التَسْميط ما هو للأب / صار نور وللقلوب جلاء
من قصيد حَلَتْ غداة تحلَّتْ / فازدهَتْنا بحليها الحسناء
سمّطتها من قبلك النَّاس لكنْ / فاتَها في قصورها أشياء
أَنْتَ وفّيتها المحاسن طرًّا / إنَّما شيمة الكرام الوفاء
ولقد خضتَ في الحقيقة بحراً / وقفت عند حدّه الشعراء
منطق مصقع ولفظ وجيز / وكلام كأنَّه الصهباء
مثل روض الحزون لاح عليه / رونقٌ من جماله وبهاء
فهي الشهد في الحلاوة لفظاً / وهي الماء رقةً والهواء
فَلَكَ الأجرُ والمثوبة فيها / ولك الحمد بعدها والثناء
سَلَّمَهُ الرَّبُّ من الأسْواءِ
سَلَّمَهُ الرَّبُّ من الأسْواءِ / مُيَسَّراً للحَمْد والثناء
وأسأل التيسيرَ في رؤيته / بالمصطفى الهادي وآل بيتهِ
وبعد فالشوق الكثير الزائد / منِّي إليك طارف وتالد
أشتاقكم شوق المشيب للصِّبا / والصبّ يشتاق لأرواح الصَّبا
والمغرم العاشق من يهواه / إذا دعاه للمنى هواه
لا سيما لمَّا أتى كتابكم / ولذّ لي في طيِّه خطابكم
كأنَّه ترجم عن أشواقي / وعن صَبابتي وعن أعلاقي
خَبَّرَ عن قلبٍ عميدٍ وامقِ / بصاحبٍ بل بصديق صادق
إنْ نظم الكلام يوماً أو نثرْ / فإنَّه يقذِفُ من فيه الدُّرر
بفكرةٍ ثاقبةٍ وقّادة / وفطنةٍ عارفةٍ نقّادة
أقوالُه في المجد أو أفعاله / يَقصرُ عن أمثالها أمثاله
لله درّ ناظم وناقد / جواهراً في بحر فَضل زائد
جاءََ به مبتكراً نظاماً / قد أبهرَ الأفكار والأفهاما
وزَيّنَتْ أقلامُه الطروسا / فأنْعَشَ الأرواح والنفوسا
وهزَّ كلّ سامعٍ من طرب / فكان عندي من أجلّ الكتب
كأنَّه من حسنه حيّاه / يهزّنا الشوق إلى لقياه
يجري النسيم في حواشي لفظه / ويَصدَع الصخرَ بفأس وعظه
فيا جزاك الله خير ما جَزى / مادَح أصحاب العبا مرتجزا
فكانَ ما قال على فؤادي / كالماء إذا بَلَّ غليلَ الصادي
جاءت به تحمِلُه الرسائل / وترتَضيه العرب الأفاضل
يُتلى فتهتزُّ له المحافل / من طربٍ منه فكلٌّ قائل
أحْسَنْتَ أحْسَنْتَ وأَنْتَ المحسنُ / وكلُّ شيء هو منكم حسنُ
بلَّغَكَ الله الكريمُ الأربا / بالخمسة الذين هم أهل العبا
العترة اللائي من البتول / طيّبة الفروع والأصول
والسادة الغرّ الميامين الأوَلْ / ومَن بهم نصّ الكتاب قد نزل
هذا وإنِّي غير خالي البال / مشوّش الأفكار والأحوال
حرَّرْتُ ما حَرَّرْتُ من سطور / معتذراً إليكَ من قصوري
واعذر أخاك إنَّه معذورُ / إذا جرى في ردّه تأخير
ودُمْتَ بالأمن وبالإيمان / مُوَفَّقاً في سائر الأزمان

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025