المجموع : 246
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً
سَعَروها في البحر حرباً ضروساً / تأكل المالَ نارُها والنفوسا
قرب توشيما قد تصادم أسطو / لان أردى اليابان فيه الروسا
يوم طوغو دها بأسطوله الرو / س قتالاً وكان يوماً عبوسا
فحَداها بوارجاً تملأ البح / ر وقاراً طوراً وطوراً بُوسا
كل مَخّارة إذا حَرَّكت دُفّ / اعها خضخضت به القاموسا
مذ بنَوها لهم كنيسة حرب / تخذت كل مدفع ناقوسا
عرش بلقيس في المناعة لكن / قد حكت في احتشامها بلقيسا
ألبسوها من الحديد وِشاحاً / فتهادت على العُباب عروسا
وإذا تنشر البُنود النص / رَ فيها تخالها الطاوسا
وإذا جنّها على البحر ليلٌ / أطلع الكهرباء فيها شموسا
قد أبى بأسها الشديد سوى الفُو / لاذ درعاً لجسمها ولَبُوسا
سيّروا البرق بينهنّ رسولاً / صادقاً ليس يعرِف التدليسا
فهو فيها لسان صدق يؤدّي / دون سلك كلامها المأنوسا
إنما ملكه الأثير الذي را / ح بطَيّ اهتزازه مدسوسا
جهَّزوها مدافعاً فغرت أف / واه نار قدِ اْلتَقَمْنَ الشوسا
دلعت ألسناً من النار حُمراً / ويلَ من قد غدا بها مَلحوسا
ترسل الموت في قنابلها كالشُهْ / ب ذريعاً مستأصلاً عِتْريسا
طالما بانفجارها انفلق البح / ر انفلاقاً مذكراً عهد موسى
بَثّ أسطوله فلبّسه طو / غو بأسطول خصمه تلبيسا
حيث قد أجفلت من اللجج الحي / تان تَخشى من اللهيب مسيسا
وعلا البحر مُكفَهِرَ غمام / من دخان همى ولكن بوسى
ثار طرّادهم يجيش بنسّا / فات سُفن لهم سَجرن الوطيسا
كجبال تَرى البراكينَ فيها / تقذف الموت جارفاً والنُحوسا
فأباحوهمُ هنالك قتلاً / واغتناماً نفوسَهم والنُفيسا
فسل اليَمّ كم تضمّن منهم / مُغْرَقاً في عُبابه مغموسا
هاجموه وللهياج سعير / ملأت واسع الخِضَمّ حسيسا
فكَسَوْهم من الهَوان لَبُوسا / وسَقَوْهم من المنون كؤوسا
صرعت في الوغى ليوث من اليا / بان أسطول خصمها مفروسا
فانتضَوْها عزائماً ماضيات / طأطأ الروس دونهنّ الرءوسا
وجلّوْها في الروع بيض فِعال / أقرأتهم كتب الفَخار دروسا
إن يوماً لهم تقضىَ بتوشيما لي / وم بالذكر زان الطروسا
بات طوغو يجني الأماني إذ با / ت قنوطاً عدوُّه ويَؤوسا
قائد لم يَرِدْ لظى الحرب إلاّ / مصدراً رأيه لها جاسوسا
تاه أسطوله على اليَمّ عُجباً / حين أضحى لمثله مرؤسا
إن شهماً تقلّد العقل سيفاً / لحَرِيٌ بأن يكون رئيسا
ومليكاً وَلّى عنهمُ كم سعَوا في / ه خميساً عرمرماً فخميسا
رجلاً يملأ الفضاء وخَيلاً / حملت للوغى الكماة الشُوسا
صوَّبوها بنادقاً تطلق المو / ت رصاصاً به أبادوا النفوسا
فأقاموا بها على الروس حرباً / عبدوا نارها وليسوا مجوسا
هكذا شيّدوا بناء المعالي / هكذا أحسنوا لها التأسيسا
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب
ألا انهض وشمِّر أيها الشرق للحرب / وقبِّل غِرار السيف واسل هوى الكتب
ولا تغتر أن قيل عصر تمدُّن / فإن الذي قالوه من أكذب الكذب
ألست تراهم بين مصر وتونس / أباحُوا حِمى الإسلام بالقتل والنهب
وما يُخذ الطليان بالذنب وحدهم / ولكن جميع الغَرب يؤخذ بالذنب
فإني أرى الطليان منهم بمنزل / يُعدّ وهم يُغرونه منزل الكلب
فلولاهم لم يَنقُضِ العهد ناقض / ولا ضاع حقّ في طرابُلُس الغرب
بلاد غدت في الحرب تندب أهلها / فتبكي وتستبكي بني الترك والعُرب
قد اغتالها الطليان وهي بمضجع / من الأمن لم يُقضِض برعب على الجنب
فما انتهبت إلاّ لصرخة مِدفع / وما نهضت إلاّ إلى موقف صعب
فأمست وأفواه المدافع دونها / تمُجّ عليها النار كالوابل السكب
صواعق من سُحب الدخان تدُكّها / وتنسفها نسف الزلازل للهضب
غدت ترتمي فيها عشيّاً وبُكرة / فلا يابساً أبقت ولم تُبق من رطب
وما أن شكا من عضّة الحرب أهلها / ولكنهم شاكونْ من غصَة الجدب
فما خفقت عند الهياج قلوبهم / ولا أخذت أعصابهم رجفة الرُعب
ولكن جرت نُكب الرياح بأرضهم / فجرَّت عليها كلكل الحِجج الشهب
يعزّ علينا أهل برقة أنكم / تدور عليكم بالدمار رَحى الحرب
وأنا إذا ما تستغيثون لم نجد / إليكم على بُعد المسافة من درب
وقد علم الأعداء أن سيوفنا / تململ في الأغماد شوقاً إلى الضرب
ولكن هو البحر الذي حال بيننا / فلم نستطع زحفاً على الضُمَّر القُب
ولولاه فاجأنا العدوّ بفيلق / يبين ضحاً من هَوله مطلع الشهب
فيا بحر فاجمد أو فغُر إن جيشنا / عليك غدا كالبحر يَزخَر بالعتب
ويا سحب هلاَ تنزلين فتحملي / إلى الحرب جيشنا ينشر النقع كالسحب
ويا ريح قد ضِقنا فهل لك طاقة / بحمل منايانا إلى المعرك الرحب
إلى خير أرض داسها شرّ معشر / بأرجلهم قُطّعن من أجرل جُرب
أما والعلا يا أرض برقة إننا / لنشرَق من جرَاك بالبارد العذب
نراك على بُعد تُسامين ذِلةً / فيحزُننا أن لم نكن منك بالقُرب
وما نحن إلاّ الليث شُدَّت قيوده / وأُلقي حياً شبله في فم الذئب
يرى الشبل مأكولاً فيزأر مُوثَقاً / ويضرب كفَّيه على الأرض للوثب
فلا يستطيع الوثب إلاّ تمطِّياً / وزَأراً وانشابَ المخالب بالترب
ويا أهل بنغازي سلام فقد قضت / صوارمكم حق المّواطن في الذَب
حميتم حمى الأوطان بالموت دونها / وذاك بما فيكم لهنّ من الحبّ
ومن مبلغ عنا السَنوسيّ أنه / يمدّ لهذا الصدع منه يدَ الرَأب
فإنا لنرجو أن يقود إلى الوغى / طلائع من خيل ومن إبل نُجْب
فيَحمي بلاد المسلمين من العدى / وينهض كشافاً لهم غُمّة الخطب
فإن حشا الإسلام أصبح دامياً / إلى الله يَشكو قلبه شدة الكرب
فقم أيها الشيخ السنوسي مُدرِكاً / جنود بني عثمان في الجبل الغربي
وكن أنت بين الجُند قطب رحى الوغى / وهل من رحى إلاّ تدور على قُطب
ويا معشر الطليان قُبّحت معشراً / ولا كنت يا شعب المخانيث من شعب
تركت وراء البحر مَزحف جيشنا / وأججت ناراً في طرابلس الغرب
أتحسب هاتيك الديار وقد خَلَت / من الجند تخلو من ضراغمة غُلْب
فما هي إلاّ أرض أكرام معشر / من العُرب لم تنبت سوى البطل الندب
سترجع عنها بالفضيحة ناكصاً / وتَذكرك الأيام باللعن والسَبّ
مشيتم إلينا معجَبين بجمعكم / تظنون حرب المسلمين من اللعب
فلما حللتم أرضنا ذقتم الردى / بأسيافنا حتى صحوتم من العُجب
سنُلبسكم ثوب المهالك ضافياً / ونحملكم منها على مَركب صعب
ونستَمطِر الأهوال حتى نُخيضكم / بسيل دم فوق البسيطة منصّب
وما دعوة البابا لكم مستجابة / فقد أغضبت طغواكم غَيرة الرَبّ
أجل إنكم أغضبتم الله فاتقُوا / وإن رضِيَت تلك الحكومات في الغرب
أيا زعماء الغرب هل من دلالة / لديكم على غير الخديعة والكذب
تقولون إن العصر عصر تمدُّن / أمن ذلكم قتل النفوس بلا ذنب
ألم تُبصروا القَتْلى تمجّ دماءها / على الأرض والجرحى يئنون في الحرب
أفي الحق أم في العلم أن لا يسوءكم / ويُخجلكم شنّ الإغارة للغصب
وهل أغْلَفَت هذي العلومُ قلوبكم / بأغْطِية قُدّت من الحجر الصُلب
كذبتم فإن العصر عصر مطامع / تُقَدّ لها الأوداج بالصارم العضب
فلا تُغضبوا الإسلام إن سيوفه / مواضٍ كما قد كُنّ في سالف الحُقب
هو النصر معقود برايتنا الحمرا
هو النصر معقود برايتنا الحمرا / على أنه في الحرب آيتنا الكبرى
حليفان من نصر مبين وراية / به وبها نعلو على غيرنا قدرا
لئن أدبر الطليان عند كفاحنا / فإن لهم في بطش شُجعاننا عذرا
فإنا لقوم إن نهضنا لحادث / من الدهر أفزعنا بنهضتنا الدهرا
ندُك هضاب الأرض حتى نثيرها / غُباراً على أعدائنا يكثح الذعرا
ونأكل مُرّ الموت حتى كأننا / نَلوك به ما بين أضراسنا تمرا
فسل جيش كانيفا بنا كيف قَوَّمت / شِفار مواضينا خدودهم الصُعرا
وكيف هزمناهم فَولَّوْا كأننا / وإياهم أسد الشَرى تَطرد الحُمرا
وكم قد نثرنا بالسيوف جماجماً / نظمنا بها فوق الثرى للعدى شعرا
وما جزعي للحرب يَحمَى وطيسها / ولكن لأرواح بها أزهقت صبرا
لك الله يا قتلى طرابلس التي / بها حكَّم الطليان أسيافهم غدرا
أداموا بها قتل النفوس نكايةً / إلى أن اصاروا كل بيت بها قبرا
ولما أحاط المسلمون بجيشهم / فعاد الفضاء الرحب في عينه شِبرا
تقهقر يبغي في الديار تحصُّناً / فقرَّبها من خشية الموت واستذرى
وأصبح ينكي أهلها من تغيُّظ / فيقتلهم صبراً ويُرهقهم عسرا
فأوسعهم بالسيف ضرباً رقابَهم / وآنافَهم جَدعاً وأجوافهم بَقرا
وما ضرّ كانيفا اللعين لو أنه / تقحمّ في الهيجاء عسكرنا المجرا
أيُحجم عنا هارباً بعُلوجه / ويبغي بقتل الأبرياء له فخرا
وهل حسِبوا قتل النساء شجاعة / وقد تركوا عند الرجال لهم ثأرا
لقد شجُعوا والموت ليس له يد / ولم يَشجُعوا والموت يطعنهم شزرا
يعِزّ على أسيافنا اليوم أنها / تقارع قوماً قرعهم بالعصا أحرى
ولم تك لولا الحرب تعلو سيوفنا / رءوسا نرى ملء القحوف بها عهرا
ومن مبكيات الدهر أو مضحكَاته / لدى الناس حرٌّ لم يكن خصمه حرا
لئن أيها القتلى أريقت دماؤكم / فما ذهبت عند العدى بعدكم هدرا
سنثأر حتى تسأم الحرب ثأرنا / ونقتل عن كل امرئ أنفساً عشرا
وإني لتغشاني إذا ما ذكرتكم / لواعج حزن ترتمي في الحشا جمرا
على أن قرص الشمس عند غروبها / يذكرني تلك الدماء إذا احمرّا
فأبكي تجاه الغرب والبدر لائح / من الشرق حتى أُبكي الشمس والبدرا
ويا أهل هاتيك الديار تحيّةً / توفّيكم الشكر الذي يرأس الشكرا
فقد قمتم للحرب دون بلادكم / تذودون عن أحواضها البغي والنُكرا
وثرتم أسوداً في الوغى يعرُبيّةً / غدا كل سيف في براثنها ظُفرا
تراها لدى الحرب العوان مُشيحةً / تُهَمهم حتى تُنطق الفتكة البكرا
ولو أن كَفّي تستطيع تناوُشاً / فتبلغُ في أبعادها الأنجم الزُهرا
لرتّبت منها في السماء قصيدة / لكم واتخذت البدر في رأسها طُغرى
وخلّدتها آياً لكم سَرمديّةً / مدائحها تستوعب الكون والدهرا
يقولون إن العصر عصر تمّدن / فما باله أمسى عن الحق مُزورا
إلى الله أشكو في الورى جاهليّة / يَعدّون فيها من تمدّنهم عصرا
أتتنا بثوب العلم تمشي تبختُراً / إلى الخير لكن قد تأبّطت الشرا
فلا تلتَمِظ في مدحها متمطِّقاً / فإن أظهرت حلواً فقد أبطنت مرا
لقد ملك الإفرنج أرض مراكش / وقد ملكوا من قبلها تونس الخضرا
ففاجأنا الطليان من بَعد مُلكهم / لكي يسلبونا في طرابلس الأمرا
وقالوا ألم تأت الفرنجة تونسا / وهذي جيوش الإنكَليز أتت مصرا
فخلُّوا لنا ما بين هذي وهذه / وإلاّ قسرناكم على تركها قسرا
فقلنا لهم إنا أحقّ بمُلكها / فقالوا ولكن زند قُوّتنا أورى
أهذا هو العصر الذي يدّعونه / فسحقاً له سحقاً ودفراً له دفرا
حيَاكم الله أيها العرب
حيَاكم الله أيها العرب / فاستمعوا لي فقصّتي عجب
قد بِتّها ليلة مُطَّولة / يَعقِد جَفني بنجمها الوَصَب
أنجمها الزُهر غير سائرة / كأنما كل كوكب قُطُب
تحسَبني في مضاجعي حَسَك / يقلبني وخزه فأنقلب
أمشي إلى النوم وهو منهزم / مَشيِي دبيب ومشيه خَبَب
حتى بدا الفجر لي وقد طفِقت / تغرق في فيض نوره الشهب
عندئذ خَدَّر الأسى عَصَبي / فنِمت والنوم جرّه التعب
فطاف بي طائف لرَوْعته / يرتجف القلب وهو مُرتعِب
رأيتني قائماً على نَشَزٍ / من شاحل البحر وهو مضطرب
والأفق محمرّة جوانبه / كأنما الجوّ ملؤه لَهَب
وفي عنان السماء قد طلعت / أهِلّة في إزائها صُلُب
والأرض قد بُعثِرت ضرائحها / مكشوفة لا تغمّها التُرَب
والموت كالكبش في جوانبه / يرعى نفوساً كأنها عُشُب
وبين تلك القبور غانية / يلمع في حُرّ وجهها الحسب
لها جبين كأنه قمر / تحت شعور كأنها الذهب
ووجنة باللطم دامية / وساعد بالدماء مختضِب
قد أذبل الجوع ورد وجنتها / فاصفرّ وامتصّ ماءه اللَغَب
شاخصة الطرف وهي جاثية / تحملها دون سوقها الرُكَب
حاسرة الرأس غير ناطقة / إلا بدمع لسانه ذَرِب
فلحظها فوق رأسها صُعُدٌ / ودمعها تحت رجلها صَبَب
مكتوفة الساعدين منكسرٌ / مِن حَزَن طرفها ومكتئب
قد وتَّدُوا القَيد في مُخَلخَلها / ومدّدوه كأنه طُنُب
ترى خُدوشاً على مُقَلَّدها / كأنها في صفيحة شُطَب
وحولها أنفس مصرَّعة / يسرح فيها ويمرح العَطَب
واحتَوَشَتها كلاب مَجزَرة / مهترشات يَهيجها الكَلَب
تنهشها تارةً وآوانَةً / تنبح من حولها وتصطخب
وفوقها الطير وهي حائمة / تبعد من رأسها وتقترب
بيض المناقير ذات أجنحة / خُضر وريش كأنه العُطُب
يَقدُمها طائر قوادمه / تلمع كالبرق حين يلتهب
تضطرب الأرض والسماء له / إذا غدا بالجَناح يضطرب
وقفت أرنو إلى ملامحها / ووجهها بالدموع منتقب
حتى تعلّمت أن سَحْنَتَها / للعرب الأكرمين تنتسب
وبينما كنت ممعناً نظري / فيها وقلبي كقلبها يجب
إذ هاتف في السماء يهتِف بي / كأنه في الغمام مُحتَجِب
يقول لي إنها طرابُلُس / تبكي على أهلها وتنتحب
وهذه الطير حيث تُبصرها / محمد والصحابة النُجُب
فتلك رؤياي غيرَ كاذبة / فهل تُغيثون أيها العرب
يا شيخ روما ومَن لرايته / وتاجه ينتمي وينتسب
لست ولا قومك اللئام بمَن / تُعرف أمّ لمثلهم وأب
وإنما أنتم بنو زمن / إذا ذكرناه تخجل الحقب
برومة قبل وهي مبوَلة / بالكم الدهر وهو مُغترِب
فعشتم في الورى سواسيةً / لا حسب عندكم ولا أدب
ما أوقد الدهر نار مُخزية / إلاّ وأنتم لنارها حَطَب
أغسل شعري إذا هجوتكم / لأنه من هجائكم جُنُب
رأيت إبليس عدوّ البشر
رأيت إبليس عدوّ البشر / يخطُب في جمع له قد حضر
قد لبِس الوشي على قبحه / وخضّب الشيب وقصّ الشعر
وهو يهنّي حزبه قائلاً / يا من عصى الله ومن قد كفر
اليوم قد طابت لنا لعنةٌ / جاءت من الله بحكم القدر
واليوم قد هان الخلود الذي / قدّره الله لنا في سقر
إذ أمة الطليان قد أصبحت / أكبر من خان ومن قد غدر
زلَت إلى العار بهازلّةٌ / شنعاء لا تمحَى ولا تغتفر
فهي التي هان بكفرانها / كفران من زاغ وأبدى البطر
لو ألقي الصخر بمخزاتها / لانفتّ من فرط الحيا وانفطر
ولو أصاب البحر من عارها / لغار منه ماؤه وانحسر
نحن الشياطين على أننا / جئنا من اللؤم بإحدى الكبر
صرنا إلى جنب بني رومة / ننفر من نافرنا وافتخر
فلا نبالي اليوم من لامنا / في رفضنا آدم أو من عذر
إذ في بني رومة عذر لنا / يستسلم السمع له والبصر
فهم على الله لنا حجّةٌ / في أننا أفضل من ذا البشر
وإن يوماً نقضوا عهدهم / فيه ليوم خزيه مبتكر
فلتتّخذه خير عيد لنا / نذكر فيه فوزنا والظفر
ولنجعلنْه يوم أفراحنا / نجني به الأنس ونقضي الوطر
ثم انثنى الشيخ أبو مرّة / يرقص فيما بين تلك الزمر
حتى إذا أكمل أشواطه / رنا إليهم وأحدّ النظر
ثم دعا من بينهم واحداً / مشوّه الوجه كثير القذر
وقال يا خُنزُب بادر إلى / رومة وأدخلها قبيل السَحَر
واذهب إلى عمانويل الذي / دبّ البلى في مجده فاندثر
وقل له إن أبا مرّة / أخاك يدعوك إلى المستقر
فإن يقل أين فقل إنه / في دركة سافلة من سقر
مقعد خزيٍ كتبوا حوله / بأحرف النيران أين المفر
قل للحكومات في البلقان هل علقت
قل للحكومات في البلقان هل علقت / آمالهم من مواعيدٍ بإنجاز
إن الذي تُضمرون اليوم من طمع / أمسى لأشعب يعزو مثله العازي
لم تعرفوا مذ لمستم عِرق نَخوتنا / إذ لمستم بكفّ ذات قفاز
إنا لنعرف لُغزاً في سياستكم / وما السياسة إلاّ بيت ألغاز
ألم تَرْوا أننا مستوفِزون لكم / إذ نحن منكم على حِذْر وأوفاز
زار المليك بلاد الروم حيث غدا / يُلقي الدسائس منكم كل هَمّاز
فزال كل فساد كان منتشراً / من عندكم بين إغراء وإيعاز
حتى اطمأنّت قلوب الناس هادئة / وكل قلب لكم من غَيظه ناز
وأصبح المتَرَجّى من مطامعكم / يرنو إليكم بطرف ساخر هازي
ولا عَبت نسمات الحب ألويةً / من الرشاد أقيمت فوق أنشاز
يا أيها الملك السامي بحكمته / والمُبدل الناس من ذُلّ بإعزاز
قد عَيّ عن وصف ما أوتيتَ من حِكم / كلا كلامَيّ أطنابي وإيجازي
غزوت غزو سلام دون غايته / غَزو الحروب فأنت الفاتح الغازي
ملكت بالعفو والإحسان أفئدة / كانت إلى السيف فيها بعض أعواز
وأنت لو شئت إرهاباً لجئتهم / بصارم لنواصي القوم حزّار
لكنما جئتهم بالعفو تأخذهم / والعفو أفضل ما يجزي به الجازي
فاغمد سُيوفك إن العفو منصلت / واهنأ بشعب محبّ غير مُنحاز
بالترك بالروم بالألبان قاطبة / بالأرمنيين بالبلغار باللاز
أما بنو العرب فالإخلاص يرفعهم / إلى مقام على الأقوام ممتاز
إن هم عماد لعرش أنت ماسكه / فاضرب بغاث العدى منهم بأبواز
ورُض بهم كل صعب إنهم فئةٌ / تبغى الصدور ولا ترضى بأعجاز
وهم ركاز العلا لو زرت أرضهم / يوماً لأركزت فيها أيَّ أركاز
إن يعجز الأمر عن مشىٍ فهم سندٌ / لو كنت مُسنده منهم بُعكّاز
وإن خشِيت على البلدان جِنّتها / فنُط بها من نُهاهم بعض أحراز
وسيف ملكك إن رثّت حمائله / أغنَوْك في رَأبها عن كل خرّاز
زُر أيها الملك المحبوب موطنهم / ولو زيارة عجلان ومُجتاز
وانظر إليه بعين منك شافية / ما نابه اليوم من جهل وإعواز
اشئم وأعرق ورح من بعد محتجزاً / وايمننّ بعزم غير هزهاز
ماذا على ملك الدستور من وطن / لو جال منه بأطرافٍ وأجواز
أدرنة مهلاً فإن الظُبى
أدرنة مهلاً فإن الظُبى / سترعى لك العهد والمَوْثقا
وَداعاً لمَغناك زاهى الرُبا / وداعاً ولكن إلى المُلتقى
عزاءً لمسجدك الجامع / أفارق محرابه المنبرا
وهل في مُصلاّه من راكع / يُجيب المؤذّنَ إن كبّرا
فيا لَسقوطك من فاجع / به فجع الدهر أم القرى
وقبر النبوة في يثربا / ومثوى ضجيعَيْه منوى التُقى
ومَن في البقيع ومن في قُبا / ومن شهِدوا الفتح والخندقا
رويداً أدرنة لا تجزعي / وإن قد أمَضَّك هذا الأذى
إذا أنت بالسيف لم تُرجَعي / فلا حَبذا العيش لا حَبذا
ألا أنت الزاسنا فاسمعي / ونحن الفرنسيس من بعد ذا
سلام على قُطرك المُجتبَى / سلام على أُفْقك المُنتقى
أيُمسي لشِرك العدى مَلعَباً / وكان لتَوحيدنا مَعَبقا
لقد حلّ فيها لواءٌ مُريب / حلول الحقارة بين الجلال
فظلَت بأدمعها والنحيب / تنوح على نجمها والهلال
أتنسى أدرنة عما قريب / إذن لا بلغنا العلا والكمال
فسوف على الرغم من أوربا / نقوم لها فَيلقاً فيلقا
فتُبكي هزاهزنا المغربا / وتُضحك أسيافنا المشرقا
أيقتدر الشعر أن يشكرا / كما يجب الشكر ذاك البطل
فتىً كان في الحرب مستشعراً / شعاراً أجلّته كل الدول
فيا سيف شكري وكل الورى / غدت تضرب اليوم فيك المثل
سيجري لك الشكر لن يَنضُبا / ويجري الزمان به مُغْرقا
وأما ذُكرت حللنا الحُبا / وقُمنا كقومتنا في اللقا
أرى الدهر أنهض كل العِدى / على حين قد قعد المسلمون
فكم جرَعونا كؤوس الردى / ونحن على كيدهم صابرون
أيَحُسن يا قوم أن نقعدا / وقد آن أن ينهض القاعدون
فسيُل المصائب غطّى الزُبى / وغيم النوائب قد طّبقا
وأوشكت الأرض أن تُقلبا / وصبح القيامة أن يُفلَقا
دع الغْرب ينعم في باله / وإن لَقيَ الشرق منه الكُروب
ولا تسألَنْه بأفعاله / فعهد التمدّن عهد كذوب
فنحن اغترَرْنا بأقواله / ولكّننا بعد هذي الحروب
سَنأبَى عليه أشدّ الأِبا / فإما الفناء وإما البقا
ونركب من عزمنا مركباً / ونرقى وإن صَعُب المُرتقى
لقد آن يا قوم تَرك الَونَى / وترك الشقاق وترك الدد
إلى كم نُكابد هذا العَنا / ونخبط في جهلنا الأسود
وبالعلم من قبل نلنا المنى / وفُزنا من العيش بالأرغد
ولكنَما العلم قد غَرَبا / فلا عيش إلاّ إذا شرَقا
فهُبوا إليه هُبوب الصَبا / عسى أن يسِح ويغدودقا
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً
يا موطناً ما انتضيناها مُهَنّدةً / إلاّ لردع الأعادي عن إهانته
ولا ركبِنا منايانا مُطَهَّمةً / إلاّ لنكسب عزّاً من صيانته
سقياً ورعياً لروض منك ذي أنَق / قد كادت الحرب تُذوي غصن بانته
تا الله لم ينكسر في الحرب عسكرنا / من أجل قِلّته أو من جبانته
وكيف وهو تفوق الطَيْس كثرته / وتستعير الرواسي من رزانته
لكن قائده ما كان يَمْأنه / ولا يُبالي بأمرٍ من مَعانته
حتى لقد نِفدت في الحرب عِينَته / بحيث لم يَبق سَهم في كنانته
فظلّ يرسُف في النيران مُرتبكاً / مستفرغاً كل جهد من متانته
حتى غدا جُلُّه للنار مَأكلةً / وما تزحزح شبراً عن مكانته
ولا استكان لهَول الحرب من فَرَق / بل كان يَفرَق من هول استكانته
فخاض غَمر المنايا صابراً وأبى / على الفرار انغماراً في مهانته
ليس الفرار لجند المسلمين ألا / إن الفرار لكفرٌ في ديانته
وكيف يَغلِب جيش كان قائده / يَحُفّه بجيوش من خيانته
فالجيش تَلتَهِم النيران أنفسه / وقائد الجيش لاهٍ في مَجانته
أقام في القصف والأجناد طاوية / مُعاقراً بهناء بنت حانته
صَبحانَ غَبقانَ في أقصى معسكره / محَرورِفاً بين رهط من بِطانته
تلقاه من بين ذاك الرهط في مَرَح / كأنه الجاب يَنزُو بين عانته
لَهفي على الجيش جيش المسلمين فقد / قضى ولم يقضِ شيئاً من لُبانته
نحن للحرب العَوان
نحن للحرب العَوان / ولإدراك الأماني
لا نُعدّ العُرس إلاّ / يوم ضرب وطِعان
يوم نَحسُو من دم / الأعداء لا بنت الدنان
ما صليل السيف إلاّ / عندنا صوت المثاني
شَفّنا الحب لبيض ال / هند لا البيض الحسان
نشتهي غَمغَمة الأبطال / لا عزف القِيان
نحن لا نفخر إلاّ / بلسان من سنان
شِيَم ينظر من تح / تُ إليها الفرقدان
وبها قد شهِد النج / م لنا والقمران
سل بنا كل زمان / سل بنا كل مكان
هل بنينا المجد إلاّ / بالحُسام الهنداوني
كم جَلَوْنا غُمْة الهي / جاء ذات المعمان
بسيوف أضحكت في ال / رَوع وجه الحدثان
وكُماة ثبتت حيث / تزِلّ القدمان
كل رحب الباع صعب المُلتقىَ ثَبت الجَنان /
ثابت الجأش وقور / النفس جَوّال العِنان
حيث شخص الموت في المأزِق بادٍ للعيان /
يا علوج الصرب والبلغار / أولاد الزواني
لم يكن ايعادكم بالحر / ب غير الهَذَيان
إنما الحرب لدينا / من تمام الحَيَوان
فاتركوا الايعاد يا أبناء حمراء العجان /
ودعوا الحرب فليس الحرب من شأن الجبان /
وتَزَيَّوْا يا مخانيث بأزياء الغواني /
إنما أنتم تُيُوس / أولعت بالنَزَوان
سوف تُرَمَوْن من الرُعب بداء اليَرقان /
وستُدمُون بقرع السن أطراف البَنان /
وتذوقون من المو / ت الزُؤام الأرجواني
حين تَلقَون أسوداً / طافحات الهَيَجان
ذات بأس يترك الصَخ / ر قَرين الذَوَبان
وزئير نأخذ الأر / ض له بالرجفان
وقلوب طُبِعت من / حِدّة السيف اليماني
جهِلت في غير ما الراية معنى الخفقان /
إنما نحن كرام / عزّنا غير مُهان
نتفانى في سبيل الذَوْد / عن هذي المغاني
نشتري الموت بنقد / الروح في الحرب العوان
إذ نُقيم الموت معرا / جاً إلى أعلى الجِنان
سوف نكسُو الحرب ثوباً لونه أحمر قان /
فتكون الأرض منها / وردة مثل الدهان
قد أظلّتها سماء / من شُواظ ودخان
تُرسل الموت عليكم / في شآبيب الهَوان
فيقيم الذُلّ فيكم / مُلقياً كل جران
أطربتهم بلحنها الأنغام
أطربتهم بلحنها الأنغام / حين أدمت قلوبنا الآلام
فأقاموا مجالس الإنس حتى / رقص العار بينهم والذام
أضحكوا أوجه السفاهة ضحكاً / قد بكت في خلاله الأحلام
إن في مصر للكريمة عُرساً / سوف تعنى بشرحه الأقلام
أوقدوا فيه للسرور سراجاً / عمّ من نوره البلاد ظلام
ذاك عرس تكشّر اللؤم فيه / عن نيوب كأنهنّ سهام
وتغنّت للقوم فيه قيان / أنكر العهد صوتها والذمام
فلعين الحليم فيه بكاء / ولثغر السفيه فيه ابتسام
أيها المولمون في مصر مهلاً / إن إيلامكم لنا إيلام
أتغنّيكم القيان بيوم / قام في مأتم به الإسلام
لبست هذه البلاد حِداداً / وتحلّت بوشيها الأهرام
وجرت أعين الفرات دموعاً / وجرى النيل ثغره بسّام
أشماتاً بالمسلمين وقد دا / رت عليهم بنحسها الأيام
إذ رمتهم يد الزمان بخطب / جلل ما لنقضه إبرام
فهوت في مصارع الحرب منهم / جثث تملأ الفضاء وهام
وتخلَّوا عن البلاد وأبقَوا / حرمات تدوسها الأقدام
يا بني مصر صغيةً لسؤال / فيه عتب لكم وفيه ملام
أتناط الفتوح في خنصر الك / فِّ ازدياناً إن قطّت الإبهام
أدماء القَتلى لديكم خضاب / أم أنين الجَرحى لكم أنغام
أم تريدون أن تكونوا كقوم / أسكرتهم بين القبور مدام
أم أصختم إلى الأغاريد كي لا / تسموا كيف تنحب الأيتام
لست أدري وقد سمعت بهذا / يقظة ما سمعته أم منام
يا قوم إن العدى قد هاجموا الوطنا
يا قوم إن العدى قد هاجموا الوطنا / فانضُوا الصوارم واحموا الأهل والسكَنا
واستنفروا لعدوّ الله كل فتىً / ممن نأى في أقاصي أرضكم ودنا
واستنهضوا من بني الإسلام قاطبةً / من يسكُن البدو والأريافُ والمُدُنا
واستقتلوا في سبيل الذَود عن وطن / به تقيمون دين الله والسُننا
واستلئموا للعدى بالصبر واتخذوا / صدق العزائم في تدميرهم جُنَنا
واستنكفوا في الوغى أن تلبسوا أبداً / عار الهزيمة حتى تلبَسوا الكفنا
إن لم تموتوا كرماً في مواطنكم / مِتِّم أذلاء فيها مِيتة الجُبَنا
لا عذر للمسلمين اليوم إن وَهَنُوا / في هوشة ذلّ فيها كل مَن وَهَنا
ولا حياة لهم من بَعدُ أن جَبُنوا / كلاّ وأي حياة للذي جَبُنا
عار على المسلمين اليوم أنهم / لم ينقذوا مصر أو لم ينقذوا عدنا
قل للحسينين في مصر رويدكما / قد خُنتما الله والإسلام والوطنا
شايعتما الإنكَليز اليوم عن سَفَهٍ / تالله ما كان هذا منكما حسنا
قد بِعتَما الدين بالدنيا مجازفة / فكنتما في البرايا شّر مَن غُبِنا
لا تفرحا بالوسامَين اللذين هما / طَوقا إسارة مصر فيكما اقترنا
قد مَثّلا منكما للناس قاطبةً / عِجلاً أضلّ الورى من قبل أو وثنا
ما ازدان صدراكما شيئاً بحَملهما / بل أصبحا في كلا صدريكما دَرَنا
إن الحميّة لم تنظر بمُقلتها / إلى وسامَيكما إلاّ بكت حَزَنا
ما كان أغلاهما إذ قد غدت لهما / خزائن النيل في أيدي العدى ثمنا
ستندمان ولا يُجديكما أبداً / أن تَقرعا السنّ أو أن تقبضا الذقَنَا
هذي جيوش بني التوحيد زاحفة / على العدى وعلى من ضلّ مفتتنا
لتُرسلّنّ عليكم كل راعدة / تهمى الدماء وتَمريها ظُبيٌ وقَنا
حتى تعود إلى مصر كرامتها / ويطهر النيل من ماءٍ به أجِنا
لا زلت يا وطن الإسلام منتصراً / بالجيش يزحف من أبنائك الأمنا
يَرُدّ عنك يد الأعداء خاسرةً / ويكشف الغَمّ عن أُفقَيك والمِحنا
سعدَيك من وطن جلّت مفاخره / عن الزوال فلا تَخشى بلىً وفنا
تالله إن معاليك التي سَلَفَت / تُعيي الفصاحة والتبيان واللَسنا
كم قد أقمت على الأيام من شرف / لنا وأنبَتَ من نبع العلاء غُصُنا
إنا نحبّك حبّاً لا انتهاء له / يستغرق الأرض والأكوان والزمنا
نَفديك منا بأرواح مطهّرة / أخلصن لله فيك السرّ والعّلّنا
إذا دهتك من الأيام داهية / فلا رعى الله عيناً تألف الوَسَنا
وإن فتنت بإحدى المزعجات نُرِق / منّا الدماء إلى أن نُخمد الفِتَنا
فقرّ عيناً وطِب نفساً وعش أبداً / وفُز بما شئت من حمد وطيب ثنا
ورب مستصحب لي قال يُخبرني / إن العدوّ إلى أرض العراق دنا
فقلت دع عنك هذا إنه خبرٌ / سواه يَبعث في أحشائي الشَجَنا
إن صحّ أن العدوّ اليوم مقترب / إلى العراق فقد أكدى وقد أفنا
إن العراق لعمر الله مسبعة / تَواثبُ الأسد فيه من هنا وهنا
دون الوصول إليه كلّ مُشعِلَة / شعواء تترك وجه الشمس مَكتمنا
فإن فيه رجالاً من بني مضر / إذا تحارب لا تستشفع الهُدَنا
قوم لَقاح أبَوْا أن يخضعُوا أبداً / إلى الملوك وإن أعطَوهم المُؤَنا
تحمَّلوا كل عبءٍ في حياتهم / إلا الصَغار وإلا الضيم والمِننا
لو أن أُمّاتهم مَنّت على أحد / منهم بألبانها لم يشربوا اللبنا
هم المغاوير إن صالوا بمَلحَمة / فلا يرون لهم غير المَنون مُنى
بَنْوا فأعلَوْا بناء المجد فارتفعوا / به على كل مَن قد شاده وبنى
فكيف تقعد عن حرب العدى فئة / أبت سوى العز مأوىً والعلا وُكَنا
هي عيني ودمعها نضّاح
هي عيني ودمعها نضّاح / كل حزن لمائها يمتاح
كيف لا أذرف الدموع وعزّي / بيد الذّل هالك مجتاح
قد رمتني يد الزمان بخطبٍ / جللٍ ما لليله أصباح
حيث غمّت عليّ وجهَ سمائي / ظلمات تخفى بها الأشباح
وتواري عن أعيني مضمحلاً / شرف في مواطني وضّاح
يوم أمست لا حماة تذود الضي / م عنّي ولا ظبى ورماح
فأنا اليوم كالسفينة تجري / لا شراع لها ولا ملاح
ضقت ذرعاً بمحنتي فتراءت / قيد شِبر لي الفجاج الفساح
أخرس الحزن منطقي بنحيبٍ / ألسن الدمع فيه ذلق فصاح
انحت حتى رثى العدو لحالي / واعتراني من العويل بحاح
فمياهي هي انسكاب دموعي / وخريري هو البكا والنواح
أوَ ما تُبصر اضطرابي إذا ما / خفقت في جوانبي الأرواح
ليس ذا الموج فيّ موجاً ولكن / هو منّي تنهّد وصياح
إن وجدي هو الجحيم ولولا / أدمعي أحرقتني الأتراح
لو درى منبعي بما أنا فيه / من أسىً جفّ ماؤه الضحضاح
علّه قد درى بذاك فهذا / هو باك ودمعه سفّاح
أين أهل الحِفاظ هل تركوني / نهبةً في يد العدوّ وراحوا
برحوا وادي السلام عجالا / أفجد براحهم أم مزاح
مالهم يبعدون عنّي انتزاحاً / وعزيز منهم عليّ انتزاح
فلئن يبعدوا فإن فؤادي / لا ليهم بودّه طمّاح
تركوني من الفراق أقاسي / ألماً ما تطيقه الأرواح
لو رأوني سبياً بأيدي الأعادي / لبكَوا مثلما بكَيت وناحوا
لا مسائي بعد البعاد مساء / يوم بانوا ولا الصباح صباح
أتمنّى بأن أطير إليهم / بجناح وأين مِنّي الجناح
أنا ادري بأنهم بعد هجري / لم يذوقوا غمضا ولم يرتاحوا
بل هم اليوم عازمون على الزح / ف بجيش به تغصّ البطاح
إن تأنَّوا فربضة الليث تأتي / بعدها وثبة له وكفاح
كيف يغصون عن إغاثة وادٍ / زانه من ودادهم أوضاح
فعليه من فخر عثمان تاج / وله راية الهلال وشاح
أنا باقٍ على الوفاء وإنكا / نت بقلبي ممن أحبّ جراح
فإليهم ومنهم اليوم أشكو / بلّغيهم شكايتي يا رياح
مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي
مرت تقول ألا يا ربّ خذ روحي / كي أستريح بموتي من تباريحي
مَهزولةَ الجسم من فقر ومن نَكَد / مصفَرّة الوجه من همّ وتتريح
باتت بغير عشاءٍ وهي طاوية / وأصبح وهي غَرثَى دون تصبيح
ضَنْكُ المعيشة أضوى جسمها فبدت / شروى خيال بطرق العين ملموح
وأذبلَتْها هموم النفس ناصبةً / فصَوَّحت وجنتيها أيَ تصويح
وَيْلُمِّها عيشةً نكداءَ يابسةً / لم تُبق من جسمها غير الألاويح
في طرفها نظر وانٍ تُرَده / لَمْحَ المريض إذا ما جاد بالروح
تَلَفّعت بدَريس منن تخرُّقه / تخال طُرَّتَه بعضَ التقازيح
فكم ترى العين خرقاً غير مرتقع / في جانبيه وفتقاً غير مَنصوح
تمشي انخزالاً بعبء الفقر مُثقَلَةً / كظالع في الطريق الوَعْر مَكسوح
خارت قواها فمارت في تخزّلها / يكاد يُسقِطها هبّ من الريح
لما دَنوت إليها كي أسائلها / والقلب في خَطَران كالأراجيح
تأوّهت آهة حمراء داميةً / تشفّ عن كبِد بالهمَ مَجروح
وأجهشت ثم أرخت من محاجرها / عِنان دمع على الخدَّين منضوح
وأعرضت وهي لم تنبِس سوى نظر / يُغني الألِبّاءَ عن نطق وتصريح
فرُحت من عجبي منها ومن جزَعي / أبكي لها بين ترجيع وتسبيح
من ليس يُبْكيه من أبناء جِلدته / فكاؤهم فهو من جنس التماسيح
ولا يقوم بعبء المجد مُضطَلِعاً / من لا يقوم إلى إِنهاض مَفدوح
وما السعادة في الدنيا بحاصلة / إلا بإسعاد أطلاح مَرازيح
إن المروءة شيءٌ لا تنَاوشُهُ / إلا سواعد أجواد مساميح
أرى كنوز المعالي مالأقْفُلِها / غير السماح لعمري من مفاتيح
والعيش غَيْهَب آمال وليس لنا / سوى التعاون فيه من مصابيح
قامت قيامة أهل الغرب فانبعثت / هزاهزٌ بينهم عمّت بني نوح
واستفحلت فتنة عمياء جائحة / تَمخّضت عن دم في الأرض مسفوح
وقامت الحرب بالَلأْواء شاملةً / كل البسيطة حتى الأبحرِ الفِيح
والأرض قد أصبحت من مكر ساكنها / محَمَّرةَ اللُوح أو مغبرًّةَ السُوح
ضاقت على الناس وانسدّت مسالكها / فعاد كل طريق غير مفتوح
والحرب أغنت أناساً غنيةً عَجَباً / وآخرين رمتهم بالمجاليح
ومعشراً أسكنَتْهم في الذُرا غُرَفاً / ومعشراً بطن ملحود ومضروح
أما التي أوجَعت قلبي بمنظرها / وأوْهنَتْه بتبضيع وتقريح
فغادة عضّت الحرب الضروس بها / عضاً بنابٍ حديدٍ غير مرضوح
أمست تكابد من فقر ألَمّ بها / آلام عيش بشيع الطعم مذروح
ترنو إلى الناس بالشكوى فتحسبها / ظمآن يشكو لآلٍ حُرقة اللُوح
أطالوا الحرب طاحنة زَبونا
أطالوا الحرب طاحنة زَبونا / فعدُّوا بالشهور لها السنينا
وقد زحفت لهم فيها جيوش / تجاوزت الألوف مع المئينا
لقد خربوا البلاد ودوّخوها / وجُنّوا في تناحُرهم جنونا
ولم تُرِد الشعوب لها اتّقاداً / فأوقد نارها المترئّسونا
أولاك هم الجُناة بها علينا / أولاك هم البُغاة الطامعونا
إذا ذكر الورى جشعاً وحرصاً / ف شرشل أكبر المتجشّعينا
وما رزفلت فيها غير جانٍ / يزوّر في إطالتها المُيونا
أعان على الهياج وقال حِيدي / حَيادِ فأعجب المتكذّبينا
فما دعواه في الحَيَدان إلا / كدعوى العفّةِ المتهتّكونا
كذلك ساسة الأقوام فيما / به من أمرهم يتقوّلونا
خِداع لا يراه ذووه شَيْناً / ولا يُمسي به أحد مَشِينا
بسنغافورة اليابان شبُّوا / على أعدائهم حرباً طَحونا
لهم فيها طوائر صاعقات / لها قصف تدكّ به الحصونا
رواعد تملأ رُعباً / وترسل في تهزُّمها المنونا
تزلزلت الحصون بها وكانت / تطاول في مناعتها القرونا
حصون تستخفّ بكلّ طَوْدٍ / وتستعشي برؤيتها العيونا
لقد سكتت مدافعها وجوماً / لجيش حلّ مَرصَفها الحصينا
على بحر بلُجّته أقاموا / لفلق البحر من نار كُرينا
وقد بثُّوا البوارج فاسبَطَّرت / تجول به فوارد أو ثُبينا
ترى الحيان فيه قد اشرأبّت / تردّد فوقه نظراً شَفونا
وتطفو تارةً وتغوص أخرى / وتُبدي من تماقُلها فنونا
وتضرب بالزعانف جانبَيْها / فتنقلب الظهور بها بطونا
بحيث يقول من يرنو إليها / لعلّ بهنّ صرعاً أو جنونا
وبحر الهند أصبح في اضطراب / يرجّم في عواقبه الظنونا
أيُفتَح بابه فيكون حرّاً / لمن يُزجي بلجّته السفينا
ويُمسي الهند عندئذ طليقاً / من الأسر الذي قطع الوَتينا
فبشرى للبلاد إذن وبشرى / لمصر و العراق بما هوينا
فسوف تكفّ عنهن الليالي / مطامع ساسة متحكمينا
هنالك حفرة الأطماع يُمسي / خِداع الانكليز بها دفينا
وتحتدم الحفائظ في البرايا / فتُضرم فوق مدفنه أُتونا
وتتسع السياسة للتصافي / فيستصفي الخدين بها الخدينا
ويُصبح كل تمويه وغِشّ / لأنظار البرية مستبينا
ويصبح كل خدّاع كذوب / رجيماً في سياسته لعينا
ويصبح كل شعب مستقلاً / عزيزاً لن يذِلّ ولن يهونا
ويمسي الناس قاطبةً سواءً / بدين أُخُوةٍ متدينينا
يعاون بعضهم بعضاً ويؤوي / قويّهم الضعيف المستكينا
تسير بها شرائع عادلات / إلى أوح السعادة مرتقينا
جميعاً لا يفرّقهم لسان / ولا دين به يتعبّدونا
فما من سائدٍ أو من مَسودٍ / ولا من دائن يُربي الديونا
ويصبح كل محتَرَث مُشاعاً / لمن فيه ثَوَوا متواطنينا
وما أهل البلاد سوى عيالٍ / على العمل الذي هم يحسنونا
اليوم قرّي يا مواطن أعينا
اليوم قرّي يا مواطن أعينا / وتطرّبي بالحمد منك الألسنا
فلقد وفاك الجيش حقك سابغاً / إذ قام فيك على البلاد مهيمنا
وسعى يَحُوطك بالصوارم طائعاً / لزعيمه العالي الرشيد ومذعنا
جيش قد اقتحم المخاطر واثقاً / بالله والنصر المؤزَّر مؤمنا
متوشحاً عزّ الشهامة جاعلاً / كزعيمه حبّ المواطن دّيْدنا
سر يا زعيم الشعب غير مُنازَع / بالجيش للعزّ المجلّل بالسنا
وأعد لنا عهد الرشيد وحاكه / بالاسم والهمم الرفيعة والكُنى
إنا لمن قوم أبت أحسابهم / إلا ذُرا العزّ المؤثّل مسكنا
غرسوا الفَخار على مسيل دمائهم / وتفيّئوا الشرف الشهيّ المجتنى
أنذِلّ للمستعمرين وعندنا / جيش إذا خاض المعارك ما انثنى
وَفَوُا المواطن حقها وتسنّموا / أعلى المفاجر بالصوارم والقنا
قد أخلصوا لله حبّ بلادهم / فتسربلوا أبهى البرود من الثنا
ويل لمن خانوا البلاد وما أبت / للأجنبيّ نفوسهم أن تركنا
كفروا بأنعمها وهم أبناؤها / فلذاك باؤا بالفضيحة في الدنى
نشؤوا بها مثل العقارب دأبها / نفث السموم فمن هناك ومن هنا
وإذا شممت بناشِقَيْك طباعهم / أعطتك طينتهم شميماً مُنتِنا
لعنت قرائنهم وكل من احتمى / بالأجنبي فحقّه أن يلعنا
طاروا بأجنحة الأجانب واغتدَوْا / يتربّصون بنا التخاذُل والونى
وغدَوْا لهم عَوناً علينا ظاهراً / يتحيّنون لنا الشقا تحيٌّنا
تركوا مواطنهم تنوء بعبئهم / وتقوّلوا بالمَيْن عنها والخنى
وسعَوْا لمنفعة الأجانب سعيةً / شنعاء كادت أن تُعدّ تجنٌّنا
فليُرجِفوا بعد النزوح فما هم / إلا الذباب قد استطار مطنطِنا
وليخسؤوا إن البلاد جميعها / تقفو الزعيم وترتضيه ميهمنا
تبّاً لمن قد خان عرش مليكه / وبني أبيه ونفسه والموطنا
ومكائد السفهاء واقعة بهم / وعداوة الشعراء بئس المقتنى
أيها الانكليز لن نتناسى
أيها الانكليز لن نتناسى / بغيكم في مساكن الفلوجه
ذاك بغيٌ لن يشفي الله إلا / بالمواضي جريحه وشجيجه
هو كرب تأبى الحمية أنّا / بسوى السيف نبتغي تفريجه
هو خطب أبكى العراقين والشا / م وركن البَنِيّة المحجوجه
حلّها جيشكم يريد انتقاماً / وهو مُغرٍ بالساكنين عُلوجه
يوم عاثت ذئاب آثور فيها / عَيْثةً تحمل الشَنار سميجه
فاستهنتم بالمسلمين سَفاهاً / واتخذتم من اليهود وليجه
وأدرتم فيها على العُزْل كأساً / من دماء بالغدر كانت مزيجه
واستبحتم أموالها وقطعتم / بين أهل الديار كل وشيجه
أفهذا تمدّن وعلاء / شعبكم يدّعي إليه عروجه
أم سكِرتم لما غلبتم بحرب / لم تكن في انبعاثها بنضيجه
قد نتجنا لقوحها عن خداج / فلذلك انتهت بسوء النتيجه
هل نسيتم جيشاًلكم مُبْذَعِرّاً / شهدت جُبنه سواحل إيجه
وهوى بانهزامه حَصن اقري / ط وأمسى قذىً على عين فيجه
سوفَ ينْأى بخزيه وبعار / عن بلاد تريد منها خروجه
لا تغرّنّكم شِباكٌ كبارٌ / أصبحت لاصطيادنا منسوجه
لستم اليوم في الممالك إلا / جُعَلاً تحت صدره دُحروجه
وطن عشت فيه غير سعيد / عيش حرّ يأبى على الدهر عُوجه
أتمنّى له السعادة لكن / ليس لي فيه ناقة منتوجه
أخصب الله أرضه ولو أنّي / لست أرعى رياضه ومروجه
كل يوم بعزّه أتغنّى / جاعلاً ذكر عزّه أهزوجه
ما حياة الإنسان بالذُلّ إلا / مُرّة عند حَسْوِها ممجوجه
فثناءً للرافدين وشكراً / وسلاماً عليك يا فَلّوجه
صاح إن الخطوب في غليان
صاح إن الخطوب في غليان / فبماذا يَطّرِق المَلَوان
جلّ ربّ الأنام في كل يوم / هو من كبريائه في شان
خالق الكون ذو الجلال قديم / واحد عنده القرون ثوان
كل ما ضمّ ملكه كلماتٌ / وإليه انتهت جميع المعاني
نسمع اليوم للخطوب أزيزاً / كأزيز القدور في الفوران
إنني مبصرٌ تباشير صبح / مستفيض على ظلام الأماني
ليس تلك الدماء في الحرب إلا / شفقاً من ضيائه الأرجواني
إنني أستشف من غِيَر الده / ر انقلاباً يعمّ كل مكان
سيلوح الداني به وهو قاص / ويلوح القاصي به وهو دان
ويكون المُعَزّ غير مّعَزاً / ويكون المُهان غير مهان
وسيغدو الضعيفُ محترَمَ الح / قّ ويمسي الظلوم في خسران
والثريا ستعتلي في أمان / من عِداء العَيّوق والدَبَران
وستبدو أم النجوم رءوماً / يتدانى من نورها الفرقدان
يتجلّى ربّ السموات والأر / ض علينا بعدله والحنان
فيبوء المستعمرون بخُسرٍ / وتضيء البلاد بالعُمران
معشر العرب أين أنتم من القو / م إذا ما تمّ انقلاب الزمان
أنيام والدهر يفتح فيكم / من جديدَيْه مقلَتيْ يقظان
نقض القوم عهدكم قبل هذا / واستخفُوا بحفظه في صوان
واستهانُوا بالوعد إذ أخلفوه / واستغلّوا دفائن الأوطان
وأقاموا بها قواعد جوٍّ / لاحتشاد الجنود والطيران
ثم بثّوا بها العيون يعيثو / ن فساداً في سُوحها والمباني
ثم ساروا في حكمها سير فُلك / هم بها آخذون بالسُكّان
كل هذا وأنت مستقلّو / ن بزعم من عندهم وامتنان
قيّدوكم لنفعهم بعهود / ناطقات من أسركم بلسان
أوثقوكم بها إِساراً وقالوا / ليس هذا لكم سوى إحسان
ليس تلك العهود يا قوم إلا / كعهود الذئاب للحملان
أفلا تذكرون من أوّليكم / أنَفاً من مسيسهم بهوان
يوم سادوا والعز فيهم يُماشي / ضربهم بالمُشَطَّب الهندواني
وتعالت راياتهم خافقاتٍ / في جيوش عنا لها الخافقان
فانهضوا اليوم مستجدّين مجداً / كالذي كان دونه القمران
إن للمجد في المساعي محَلاً / عالياً لا يحلّه المتواني
قل لمن رام صدعنا بشقاق / أنت كالوعل ناطح الصفوان
ويك إن الإسلام أوجد فينا / وحدة مثل وحدة الرحمن
فاعتصمنا منها بحبلٍ وثيقٍ / هو حبل الإخاء والأيمان
ليس معنى توحيدِنا اللهَ في الملّ / ة إلا اتحادَنا في الكيان
فلهذا نعم لهذا لهذا / نحن دَنّا بوحدة الديّان
وحدة لا يَفُلّها المتوالي / من صروف الدهور والأزمان
وحدة جاءنا من الله فيها / مرسل بالكتاب والفرقان
فهدانا بها إله قديم / واحد عنده القرون ثوان
ما نرى سلطة علينا لخلقٍ / غير سلطان خالق الأكوان
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري
أرى الشعر أحياناً بجيش بخاطري / ويبذل ما قد عزّ لي من مصونه
ويسكن أحياناً فاشجى وإنما / تحرّك شجوي ناشيٌ من سكونه
وقد أتوخّى الهزل منه مجارياً / لدهر أراه مُوغلاً في مجونه
ولكنّ نفسي وهي نفس حزينة / تميل إلى المشجي لها من حزينه
وقد علم الراوون شعري بأنهم / إذا أنشدوه أطربوا بلحونه
وإِنّي إذا استنبطته من قريحتي / شفيت صدى الراوي ببرد معينه
وإني على علم طويت سهوله / ولم أتحيّر خابطاً حزونه
وإني لمحّاص له بسليقة / أبت غثّه واستوثقت من سمينه
وهل يخطر الشعر الركيك بخاطري / إذا كان في طوعي اختشاب متينه
ألا لا اهتدت للشعر يوماً هواجسي / إذا هي لم تنزع إلى مسبيه
ولا غصت في بحر القريض مخاطراً / إذا لم أفز من درّه بثمينه
على أن لي طبعاً لبيقاً بوشيه / نزوعاً إلى أبكاره دون عونه
إذا انتظمت أبياته في قصائدي / ترى كل بيت ممسكاً بقرينه
وما كن دوح الشعر يوماً لتجتنى / بغير اليد الطولى ثمار غصونه
ولم يستقد إِلاّ لذي المعيّة / يكون كرأي العين رجم ظنونه
وإنّيَ قد مارسته بفطانة / يلوح سناها غرّةً في جبينه
لعمري أن الشعر صمصام حكمة / وأن النهي معدودة من قيونه
إذا جنّني ليل الشكوك سللته / عليه ففّراه بفجر يقينه
وما الشعر إلا مؤنسي عند وحشتي / ومسلي فؤادي عند وري شجونه
تقوم مقام الدمع لي نفثائه / إذا الدهر أبكاني بريب منونه
وأجعله للكون مرآة عبرةٍ / فيظهر لي فيها خيال شؤونه
فأبصر أسرار الزمان التي انطوت / بما دار في الأحقاب من منجنونه
وللشعر عين لو نظرت بنورها / إلى الغيب لاستشفيت ما في بطونه
وأذن لو اسصغيتها نحو كاتم / سمعت بها منه حديث قرونه
وليل إلى شعراه أرسلت فكرتي / رسولاً بشعري حاملاً لرقينه
سل الليل عنَي سره وسماكه / ونجم سهاه والجديّ خدينه
فكم بتّ في نهرة المجرّة في الدجى / من الشعر اجري منشآت سفينه
هو الشعر لا أعتاض عنه بغيره / ولا عن قوافيه ولا عن فنونه
ولو سلبتنيه الحوادث في الدنى / لما عشت أو مارمت عيشاًبدونه
إذا كان من معنى الشعور اشتقاقه / فما بعده للمرء غير جنونه
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا
نزلت تجرّ إلى الغروب ذيولا / صفراءَ تشبه عاشقاً متبولا
تهتزّ بين يد المغيب كأنها / صبّ تململ في الفراش عليلا
ضحكت مَشارقها بوجهك بكرةً / وبكت مغاربها الدماء أصيلا
مذ حان في نصف النهار دلوكها / هبطت تزيد على النزول نزولا
قد غادرت كبد السماء منيرة / تدنو قليلا للأفول قليلا
حتى دنت نحو المغيب وجها / كالورس حال به الضياء حيولا
وغدت بأقصى الأفق مثل عرارة / عطشت فأبدت صفرةً وذبولا
غربت فأبقت كالشواظ عقبيها / شفقاً بحاشية السماء طويلا
شفق يروع القلب شاحب لونه / كالسيف ضمّخ بالدما مسلولا
يحكي دم المظلوم مازج أدمعاً / هملت بها عين اليتيم همولا
رقّت أعليه وأسفله الذي / في الأفق اشبع عصفرا محلولا
شفق كأن الشمس قد رفعت به / ردناً بذوب ضيائها مبلولا
كالخود ظلّت يوم ودّع الفها / ترنو وترفع خلفه المنديلا
حتى توارت بالحجاب وغادرت / وجه البسيطة كاسفاً مخذولا
فكأنّها رجل تخرّم عزّه / قرع الخطوب له فعاد ذليلا
وانحطّ من غرف النباهة صاغراً / وأقام في غار الهوان خمولا
لم أنس قرب الأعظمية موقفي / والشمس دانية تريد افولا
وعن اليمين أرى مروج مزارع / وعن الشمال حدائقاً ونخيلا
وترع قلبي للدوالي نعرةٌ / في البين يحبسها الحزين عويلا
ووراء ذاك الزرع راعي ثلّةٍ / رجعت تؤمّ إلى المراح قفولا
وهناك ذو بر ذو نتين قد انثنى / بهما العشيّ من الكراب نحيلا
وبمنتهى نظري دخان صاعد / يعلو كثيراً تارة وقليلا
مدّ الفروع إلى السماء ولم يزل / بالأرض متصلاً يمدّ أصولا
وتراكبت في الجوّ سود طباقه / تحكي تلولاً قد حملن تلولا
فوقفت ارسل في المحيط إلى المدى / نظراً كما نظر السقيم كليلا
والشمس قد غربت ولما ودّعت / أبكت حزوناً بعدها وسهولا
غابت فأوحشت الفضاء بكدرة / سقم الضياء بها فزاد نحولا
حتى قضت روح الضياء ولم يكن / غير الظلام هناك عزرائيلا
وأتى الظلام دنة فدجنّةً / يرخى سدولاً جمّةً فسدولا
ليل بغيهبه الشخوص تلفّعت / فظللت أحسب كل شخص غولا
ثم انثنيت أخوض غمر ظلامه / وتخذت نجم القطب فيه دليلا
أن كان أوحشني الدجى فنجومه / بعثت لتؤنسني الضياءرسولا
سبحان من جعل العوالم أنجماً / يسبحن عرضاً في الأثير وطولا
كم قد تصادمت العقول بشأنها / وسعت لتكشف سرّها المجهولا
لاتحتقر صغر النجوم فإنما / أرقى الكواكب ما استبان ضئيلا
دارت قديماً في الفضاء رحى القوى / فغدا الأثير دقيقها المنخولا
فاقرأ كتاب الكون تلق بمتنه / آيات ربك فصّلت تفصيلا
ودع الظنون فلا وربّك أنها / لم تغن من علم اليقين فتيلا
طرب الشعر أن يكون نسيبا
طرب الشعر أن يكون نسيبا / مذ أجالت لنا القوام الرطيبا
وتجلّت في مسرح الرقص حتى / أرقصت بالغرام منّا القلوبا
أقبلت تنثني بقدٍّ رشيقٍ / ألبسته البرد القصير قشيبا
قصّرت منه كمّه عن يديها / وأطالت إلى النهود الجيوبا
حبس الخصر حيث ضاق ولكن / أطلق النحر بادياً والتريبا
هو زيّ يزيد في الحسن حسناً / من تزيّا به وفي الطيب طيبا
خطرت والجمال يخطر منها / في حشا القوم جيئةً وذهوبا
وعلى رؤس الأصابع قامت / تتخطّى تبختراً ووثوبا
يعبس الأنس أن تروح ذهاباً / ويعيد ابتسامه أن تؤوبا
فهي أن أقبلت رأيت ابتساماً / وهي أن أدبرت رأيت قطوبا
نحن منها في الحالتين ترانا / نرقب الشمس مطلعاً ومغيبا
تضحك الجوّ في الصباح طلوعاً / ثم تبكيه في المساء غروبا
أظهرت في المجال من كل عضو / لعباً كان بالقلوب لعوبا
حيّرتنا لما أرتنا عجيباً / فعجيباً من رقصها فعجيبا
شابهت عظفة الغصون انثناءً / وحكت خطرة النسيم هبوبا
تلفت الجيد للرجوع انصياعاً / كفطيم رأى على البعد ذيبا
تثب الوثبة الخفيفة كالبر / ق صعوداً في رقصها وصبوبا
حركات خلالها سكنات / يقف العقل بينهنّ سليبا
وخطاً تفضح العقود اتساقاً / نظمتها تسرعاً ودبيبا
بسمت كوكباً ومرّت نسيماً / وشدت بليلاً وفاهت خطيبا
لو غدا الشعر ناطقاً لسان / لتغنّى بوصفها عندليبا
أو غدا الحسن شاعراً ينظم الحبّ / قريضاً أبدى بها التشبيبا
هي كالشمس في البعاد وأن كا / ن إلينا منها الشعاع قريبا
عمّت الناس بالغرام فكلّ / قد غدا عاشقاً لها ورقيبا
زهرة تبهج النواظر حسناً / ورواءً وتنعش الروح طيبا
هي دائي إذا شكوت من الدا / ء وطبّي إذا أردت طبيبا
وأتت بعدها من الغيد أخرى / يقتفى أثرها الجمال جنيبا
فأرتنا من الجبين صباحاً / ومن الخدّ كوكباً مشبوبا
حملت بندقيّة صوّبتها / نحو مستهدفٍ لها تصويبا
واستمرّت رمياً بها عن بنان / لطفه ضامن له أن يصيبا
تحشن الرميَ تارةً مستقيما / وإلى الخلف تارة مقلوبا
وانكباباً إلى الأمام واقعا / ساً كثيراً إلى الوراء عجيبا
وهي في كل ذا تصيب الرمايا / مثلما طرفها يصيب القلوبا
لو أردات رميَ الغيوب وأغضت / لأصابت خفيّها المحجوبا
مشهد فيه للحياة حياة / تترك الواله الحزين طروبا
قد شهدناه ليلة جعلتنا / نحمد الدهر غافرين الذنوبا
بين رهطٍ شمّ العرانين ينفى ال / همّ عنّي حديثهم والكروبا
كرُموا أنفساً وطابوا فعالا / وسمَوا محتداً وعفّوا جيوبا
تلك والله ليلة لست أدري / في بلادي قضيتها غريبا
كدى أنسى بها العراق وأن أب / قى ندوباً بمهجتي فندوبا
يا سواد العراق بيّضك الده / ر فأشبهت مقلتي يعقوبا
شملت ريحك العقيم وقد كا / نت لقوحاً تهبّ فيك جنوبا
أين أنهارك التي تملأ الأر / ض غلالا بسيحها وحبوبا
إذ حكت أرضك السماء نجوماً / ما حياتٍ أنوارهنّ الجدوبا
لهف نفسي على نضارة بغدا / د استحالت كدورةً وشحوبا
أين بغداد وهي تزهو علوماً / وزروعاً وأربعا ودروبا
أقفرت أرضها وحاق بها الجه / ل فجاشت دواهياً وخطوبا