القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 448
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ
فِداؤكَ نَفسي مِن لِواءٍ مُحبَّبٍ / حَمى جانِبَيهِ كُلُّ ماضٍ مُدَرَّبِ
يَدينُ لَهُ الجَبّارُ غَيرَ مُعذَّلٍ / وَيَعنو لَهُ المِغوارُ غَيرَ مُؤنَّبِ
إِذا ما أَلمَّت بِالدِيارِ مُلِمَّةٌ / رَماها بمثل المارجِ المتلهِّبِ
سِميعٍ إِذا استنفرتَهُ مُتَحفِّزٍ / سَريعٍ إِذا استنجدته مُتَوثِّبِ
أَخي ثِقَةٍ لا بَأسُهُ بِمُكَذَّبٍ / ولا بَرقُهُ في الحادِثاتِ بِخُلَّبِ
هُمُ الصَحبُ صانوا للديارِ لواءَها / وَصالوا عَلى أَعدائها غَيرَ هُيَّبِ
يَكرّون كرَّ الدارعينَ إِلى الرَدى / إِذا الحربُ أَبدت عَن عبوسٍ مُقَطَّبِ
إِذا طَلبوا حَقّاً تَداعوا فَأَجلبوا / عَلى سالبيهِ وَانثَنوا غَيرَ خُيَّبِ
عَلى حين قَلَّ الناصرون وَأَعرضت / رجالٌ متى تُحمَل عَلى الجِدِّ تَلعبِ
أَطالَت عَناءَ الناصحين وَلَم يَكُن / لِيردَعَها قَولُ النَصيحِ المُؤدِّبِ
مَتى تَرَ شِعباً للعمايةِ تَستبِق / إِلَيهِ وَإِن يَبدُ الهُدى تَتنكَّبِ
تَنامُ عَنِ الأَوطانِ ملءَ عُيونِها / وَما عَمِيَت عَن خَصمِها المُترقِّبِ
فَيا عَجباً كَيفَ القَرارُ بِمعطبٍ / وَكَيفَ الكَرى ما بَينَ نابٍ وَمخلبِ
أَلا لَيتَها مَوتى بِمَدرَجةِ البِلى / وَكَالمَوت عَيشُ الخائِنِ المُتقلِّبِ
وَما مَنَعَ الأَوطانَ إِلّا حُماتُها / وَذادَتُها مِن ذِي شَبابٍ وَأَشيبِ
هُمو ذُخرُها المَرجُوُّ في كلِّ حادثٍ / وَعُدَّتُها في كلِّ يَومٍ عَصَبصَبِ
سَلامٌ عَليهُم مِن كُهولٍ وَفِتيَةٍ / وَبُوركَ فيهم مِن شُهودٍ وَغُيَّبِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ
أَمِن صَلَفٍ صَدودُكِ أَم دَلالِ / فَقَد أَحدَثتِ حالاً بَعدَ حالِ
صَدَدتِ وَكُنتِ لا تَنوينَ شَرّاً / لِمَن أَخزَيتِهِ بَينَ الرِجالِ
مَضى بِكِ لا يُريبُكِ مِنهُ شَيءٌ / سِوى ما غابَ مِن تِلكَ الخِلالِ
وَما بَينَ الرِضى وَالسُخطِ إِلّا / تَأَمُّلُ ناظِرٍ فيما بَدا لي
فَيا لَكِ نَظرَةً جَرَّت شُؤوناً / هُنالِكَ لَم تَكُن تَجري بِبالِ
أَحَلتِ سُرورَ ذاكَ القَلبِ حُزناً / وَهِجتِ لَهُ أَفانينَ الخَبالِ
سَجِيَّةُ هَذِهِ الدُنيا وَخُلقٌ / تُريناهُ تَصاريفُ اللَيالي
وَلَكِن أَنتِ أَعجَلُ بِاِنقِلابٍ / مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُ في اِنتِقالِ
وَأَقرَبُ مِن هُدىً فيما رَواهُ / لَنا الراوي وَأَبعَدُ عَن ضَلالِ
رَأَيتِ خِيانَةَ الأَوطانِ ذَنباً / فَلَم يَكُنِ الجَزاءُ سِوى الزِيالِ
وَلَم يَكُ ذاك مِن شِيَمِ الغَواني / إِذا ما أَزمَعَت صَرمَ الحِبالِ
شَرَعتِ لَها وَلِلفِتيانِ ديناً / ضَرَبتِ بِهِ عَلى دينِ الأَوالي
وَأُقسِمُ لَوحَكَتكِ نِساءُ قَومي / لَسَنَّت بَينَنا سُبُلَ المَعالي
نَخونُ بِلادَنا وَنَنامُ عَنها / وَنَخذُلُها لَدى النُوَبِ الثِقالِ
وَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / بِلا حَربٍ تُقامُ وَلا قِتالِ
وَنَلهو بِالحِسانِ فَلا تُرينا / تَبَرُّمَ عاتِبٍ وَمَلالَ قالِ
وَلَو صَنَعَت صَنيعَكِ لَم نَخُنها / وَلَم نُؤثِر مُصانَعَةَ المَوالي
وَلَم يَكُ نَقصُها لِيُعَدَّ عَيباً / إِذا عَجَزَ الرِجالُ عَنِ الكَمالِ
فَإِن غَضِبوا عَلَيَّ فَقَولُ حُرٍّ / يَرى أَوطانَهُ غَرَضَ النِبالِ
مَهلاً بَني الشَرقِ لا تَعطِف بِكُم هِمَمٌ
مَهلاً بَني الشَرقِ لا تَعطِف بِكُم هِمَمٌ / الشَرقُ مِنها مَروعُ السِربِ مَزؤودُ
قَومٌ هُمُ الجِنُّ سُلطاناً وَمَقدِرَةً / إِن كانَ لِلجِنِّ صُنعٌ بَعدُ مَشهودُ
شَقّوا الجِواءَ فَلا بابُ السُّهى غُلُقٌ / وَلا السَبيلُ إِلى الجَوزاءِ مَسدودُ
الغَربُ في بَرَكاتِ العِلمِ مُنغَمِسٌ / وَالشَرقُ في ظُلُماتِ الجَهلِ مَوؤودُ
بادَت لَهُ صُحُفٌ بيضٌ مُطَهَّرَةٌ / وَاِستُحدِثَت صُحُفٌ قارِيَّةٌ سودُ
دُنياهُ وَحشِيَّةُ الأَطماعِ فاتِكَةٌ / وَدينُهُ فاحِشُ الأَخلاقِ عِربيدُ
دينٌ مِنَ الغَيِّ يَطغى في مَعابِدِهِ / رَبٌّ مِنَ الذَهَبِ الوَهّاجِ مَعبودُ
وَلَن تُقيمَ يَدُ الباني وَإِن جَهَدَت / دُنيا الشُعوبِ وَرُكنُ الدينِ مَهدودُ
مُت لِتَحيا وَلا تُرِدها حَياةً
مُت لِتَحيا وَلا تُرِدها حَياةً / تَصطَليها النُفوسُ مَوتاً فَظيعا
ضَيعَةُ النَفسِ في اِحتِفاظِكَ بِالنَف / سِ وَعارٌ عَلى الفَتى أَن يَضيعا
آيَةُ الحُرِّ أَن يُغامِرَ لِلمَج / دِ وَأَن يَطلُبَ المَحَلَّ الرَفيعا
يَستَبيحُ الحِمى المَنيعَ وَيَعتَد / دُ دِماءَ العِدى حِماهُ المَنيعا
ساهِرُ الهَمِّ وَالصَريمَةِ لا يَب / غي قَراراً وَلا يُريدُ هُجوعا
يَعلَمُ الحَيُّ أَنَّهُ عِصمَةُ الحي / يِ إِذا خافَ مِن مُلِمٍّ وُقوعا
صادِقُ العَزمِ لا يَضيقُ لَدى الإِق / دامِ ذَرعاً وَلا يُطيقُ رُجوعا
يُنكِرُ السُبلَ لا تَموجُ نُفوساً / حينَ يَمضي وَلا تَمُجُّ نَجيعا
شَرُّ ما تَجلِبُ الخُطوبُ عَلَيهِ / أَن يَرى شَعبَهُ الأَمينَ مَروعا
فَهوَ يَمضي مُجاهِداً لا يُبالي / صَرعَ الخَصمَ أَم تَرَدّى صَريعا
يَتَلَقّاهُ حاسِراً يَأخُذُ الأَس / يافَ غَصباً وَيَستَبيحُ الدُروعا
سائِلِ الناسَ أَيُّهُم صانَ نَفساً / وَاِبكِ حُرّاً صانَ النُفوسَ جَميعا
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ
داءُ أَهلِ الشَرقِ ضَعفُ الهِمَمِ / وَبِهَذا كانَ مَوتُ الأُمَمِ
يا بَني الشَرقِ وَلا شَرقَ لَكُم / بِسِوى الجِدِّ وَرَعيِ الذِمَمِ
ما لَكُم لا تَنجَلي غُمَّتُكُم / أَتُحِبّونَ اِشتِدادَ الغُمَمِ
فَرِّجوها وَاِكشِفوا ظُلمَتَها / بِقُوىً كَشّافَةٍ لِلظُلَمِ
خُنتُمُ العَهدَ فَبِتُّم نُوَّماً / ضَلَّ سَعيُ الخائِنينَ النُوَّمِ
يا بَني الشَرقِ أَفيقوا إِنَّما / خَدَعَتكُم كاذِباتُ الحُلُمِ
إِنَّ مِن شَرِّ البَلايا نَومَكُم / عَن عَدُوٍّ ساهِرٍ لَم يَنَمِ
يَقِظِ العَينَينِ وَالرَأَي مَعاً / وَهوَ ماضٍ كَالحُسامِ المِخذَمِ
لا تَظُنّوا المَجدَ شَيئاً هَيِّناً / إِنَّهُ في لَهَواتِ الضَيغَمِ
هَكَذا نَحنُ وَهَذي حالُنا / لَيسَ فينا غَيرُ نِكسٍ مُحجِمِ
واهِنِ العَزمِ ضَعيفٍ قَلبُهُ / غَيرِ ثَبتِ الجَأشِ في المُزدَحَمِ
يا بَني الشَرقِ لِمَجدٍ ضائِعٍ / مَن بَكى ضَيعَتَهُ لَم يُلَمِ
كانَ بِالأَمسِ مَنيعاً صَرحُهُ / يَتَسامى فَوقَ هامِ الأَنجُمِ
أَصبَحَ اليَومَ كَرَبعٍ دارِسٍ / طامِسٍ عَفَّتهُ أَيدي القِدَمِ
قَد شَجاني وَشَجاهُ أنَّهُ / بسوى أيديكمُ لم يُهدَمِ
جدَّدوهُ وَاِمنعوا حَوزَتَهُ / وَاِدفَعوا عَنهُ يَدَ المُهتَضِمِ
وَاِرفَعوا بُنيانَهُ حَتّى يُرى / كَالَّذي كانَ أَشَمَّ القِمَمِ
إِنَّني أَخشى وبالشرق صدىً / أن يروَّى من بنيهِ بالدمِ
وأرى موت الفَتى خَيراً لَهُ / مِن حَياةٍ بَينَ نابَي أَرقَمِ
أَصبَحَ الشَرقُ كَبيراً هَرِماً / لَهفَ نَفسي لِلكَبيرِ الهَرِمِ
أَكرِموهُ يا بَنيهِ إِنَّهُ / لَيسَ يَرضى الشَيخُ إِن لَم يُكرَمِ
ازجُروا أَنفُسَكُم عَن غَيِّها / إِنَّ عُقبى الغَيِّ طولُ النَدَمِ
في كُلِّ يَومٍ شِرعَةٌ وَنِظامُ
في كُلِّ يَومٍ شِرعَةٌ وَنِظامُ / ما هَكَذا الأَحكامُ وَالحُكّامُ
عِشرونَ عاماً وَالدِيارُ مَريضَةٌ / تَنتابُها الأَدواءُ وَالأَسقامُ
إِنَّ الأُساةَ لَتَعرِفُ الداءَ الَّذي / تَرَكَ المَريضَ تُذيبُهُ الآلامُ
وَلَرُبَّما غَشَّ الطَبيبُ عَليلَهُ / لِيَعودَ مِنهُ الداءُ وَهوَ عُقامُ
كَيفَ الشِفاءُ لِمِصرَ مِن أَدوائِها / أَم كَيفَ يُرجى عِزُّها وَيُرامُ
وَالمُصلِحونَ كَما عَلِمتَ وَأَهلُها / عَنها عَلى زَجرِ المُهيبِ نِيامُ
و إذا النفوس تعدَّدت أهواؤها / شقِيَت بها الكتّابُ والأقلامُ
يا دَولَةً رفعَت عَلى أَوطانِنا / عَلَماً تُنَكَّسُ تَحتَهُ الأَعلامُ
أَينَ المَواثيقُ الَّتي أَبرَمتِها / إِن كانَ مِنكِ لِمَوثِقٍ إِبرامُ
لَم تَحفِلي بِعُهودِنا فَنَقَضتِها / يا هَذِهِ نَقضُ العُهودِ حَرامُ
عِشرونَ عاماً ما كَفَتكِ وَهَكَذا / تَأتي وَتَذهَبُ بَعدَها الأَعوامُ
طالَ المُقامُ وَأَنتِ أَنتِ وَلَم يَكُن / لِيَطولَ لَولا الجَهلُ منكِ مُقامُ
دَومي فَما لِلجاهِلينَ دَوامُ / وَكَذا يَكونُ الجِدُّ وَالإِقدامُ
الأَرضُ أَرضُكِ وَالسَماءُ حَليفَةٌ / لَكِ وَاللَيالي وَالوَرى خُدّامُ
يا أُمَّةً خاطَ الكَرى أَجفانَها / هُبّي فَقَد أَودَت بِكِ الأَحلامُ
هُبّي فَما يَحمي المَحارِمَ راقِدٌ / وَالمَرءُ يُظلَمُ غافِلاً وَيُضامُ
هُبّي فَما يُغني رُقادُكِ وَالعِدى / حَولَ الحِمى مُستَيقِظونَ قِيامُ
عَجَباً لِهَذا النّيل كَيفَ نَعَقُّهُ / وَيَدومُ مِنهُ البِرُّ وَالإِكرامُ
لَو كانَ يَجزينا بِسوءِ صَنيعِنا / أَودى بِهاتيكَ النُفوسِ أُوامُ
لَكِنَّها رَحِمُ الجُدودِ وَلَم تَزَل / تُرعى لَدى أَمثالِهِ الأَرحامُ
شَيئانِ يَذهَبُ بِالشُعوبِ كِلاهُما / نَومٌ عَنِ الأَوطانِ وَاِستِسلامُ
إِلّا يَحِن لِلراقِدينَ قِيامُ / فَعَلَيهِمُ وَعَلى الدِيارِ سَلامُ
سَلامٌ أَيُّها المَلِكُ الهُمامُ
سَلامٌ أَيُّها المَلِكُ الهُمامُ / تَطوفُ بِهِ المَلائِكَةُ الكِرامُ
أَتَيتُكَ وَالعُيونُ الخُزرُ تَرنو / إِلَيَّ كَأَنَّها حَولي سِهامُ
فَمَن أَوحى إِلى الأَقوامِ أَنّي / سَأَشكو مِن أَذاهُم ما نُسامُ
لَقَد خَلَّفتَنا لِخُطوبِ دَهرٍ / غَوالِبَ ما لَنا مِنها اِعتِصامُ
سَئِمناها فَلَيسَ لَنا اِصطِبارٌ / وَأَيسَرُ ما بِنا مِنها السَّآمُ
مُحَمَّدُ إِنَّها عِشرونَ عاماً / وَحَسبُ المَرءِ مِمّا ساءَ عامُ
أَتَدري ما تُجَشِّمُنا اللَيالي / وَتَركَبُنا حَوادِثُها الجِسامُ
أَتَرضى أَن يَقِرَّ الضَيمُ فينا / فَخَيرُ رَغائِبِ الحُرِّ الحِمامُ
أَلَيسَ المَوتُ أَجمَلَ مِن حَياةٍ / يُهانُ المَرءُ فيها أَو يُضامُ
أَنَوماً يا مُحَمَّدُ عَن بِلادٍ / أَباحَ حَريمَها الأَهلُ النِيامُ
فَقُم تَرَ ما دَهاها مِن شِقاءٍ / وَمِثلُكَ لَيسَ يُعييهِ القِيامُ
وَإِنَّكَ لَو أَجلْتَ الطَرفَ فيها / لَخَضَّبَ جَيبَكَ الدَمعُ السِجامُ
وَأُقسِمُ لَو قَدِرتَ عَلى جَزاءٍ / إِذَن أَودى بِنا مِنكَ اِنتِقامُ
هَدَمنا ما بَنَيتَ مِنَ المَعالي / بِعَزمِكَ وَالخُطوبُ لَها اِعتِزامُ
أَما يرضيكَ عَمَّن عَقَّ مِنّا / رِجالٌ بِالوَفاءِ لَها اِتِّسامُ
سَواءٌ مَن نَمَتهُ مِصرُ مِنهُم / عَلى غِيَرِ الحَوادِثِ وَالشَآمُ
رَعى اللَهُ الشَآمُ فَكَم حَبانا / أَيادي ما لَها عَنّا اِنصِرامُ
لَنا مِن أَهلِهِ أَهلٌ كِرامٌ / يُصانُ العَهدُ فيهِم وَالذِمامُ
هُمو أَعوانُ مِصرَ وَناصِروها / إِذا نَزَلَت بِها النُوَبُ العِظامُ
وَهُم إِخوانُنا الأَدنَونَ فيها / نُصافيهِم وَإِن كَرِهَ الطَغامُ
يُؤَلِّفُ بَينَنا نَسَبٌ قَريبٌ / وَيَجمَعُنا التَوَدُّدُ وَالوِئامُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ
سِر فَالسَعادَةُ حَيثُ كُنتَ تَكونُ / وَمِنَ السَعادَةِ سَيرُكَ المَيمونُ
الحَزمُ هادٍ وَالسِياسَةُ مَركَبٌ / وَالعَزمُ حادٍ وَالمَضاءُ قَرينُ
لَكَ كُلَّ عامٍ رِحلَةٌ تَبغي بِها / ما عَزَّ مِن آمالِنا فَيَهونُ
تَرِدُ المَوارِدَ ما يُكَدِّرُ صَفوَها / قَولُ الوُشاةِ وَلِلوُشاةِ شُؤونُ
سِر فَالقُلوبُ عَلى ركابِكَ حُوَّمٌ / يَبدو لِعَينِكَ سِرُّها المَكنونُ
صَحِبَتكَ تَعلَمُ أَنَّ بِرَّكَ زادُها / وَالبِرُّ بِالحُبِّ الصَريحِ ضَمينُ
اطلُع بِيَلدِزَ كَوكَباً مُتَوَقِّداً / تَنجابُ عَنهُ غَياهِبٌ وَدُجونُ
وَالقَ الخَليفَةَ قَد تَهَلَّلَ وَجهُهُ / بِشراً وَخَفَّ إِلَيكَ وَهوَ رَصينُ
وَتَذَكَّرا العَهدَ القَديمَ وَجَدِّدا / عَهداً عَنِ الوُدِّ المَتينِ يُبينُ
كَثُرَت ظُنونُ الجاهِلينَ وَقَلَّما / تَبقى إِذا وَضَحَ اليَقينُ ظُنونُ
كَذَبوا فَما اِنتَقَضَ الَّذي أَبرَمتُما / وَالظَنُّ في بَعضِ الأُمورِ يَخونُ
أَتَهيجُهُم طَشيوزُ وَهيَ سَحابَةً / تَمضي كَما يَمضي السَحابُ الجُونُ
إِنَّ الخَليفَةَ لَيسَ يِعدُو عِلمُهُ / أَنَّ الأَميرَ حُسامُهُ المَسنونُ
وَمِنَ السِياسَةِ أَن يَظَلَّ مُذَرَّباً / تَعنو لَهُ هامُ العِدى وَتَدينُ
عَبّاسُ إِنَّكَ لِلَّذينَ تَسوسُهُم / حِصنٌ يَرُدُّ العادِياتِ حَصينُ
يَأبى اِشتِدادَ الخَطبِ حينَ تَروضُهُ / عَزمٌ لَهُ النُوَبُ الشِدادُ تَلينُ
إِلَيها بِالأَمانِيِّ الكِبارِ
إِلَيها بِالأَمانِيِّ الكِبارِ / وَبِالمَجدِ المُؤَثَّلِ وَالفَخارِ
وَبِالبَرَكاتِ وَالخَيراتِ طُرّاً / تَكونُ بِحَيثُ كُنتَ مِنَ الدِيارِ
إِلى مِصرَ الَّتي ذابَت حَنيناً / إِلَيكَ وَشَفَّها طولُ الأُوارِ
مَكانُكَ في البِلادِ وَفي ذَويها / مَكانُ الرِيِّ في المُهجِ الحِرارِ
رَحَلتَ تَصونُ مِصرَ مِنَ العَوادي / وَتَمنَعُ ما ولِيتَ مِنَ الذِمارِ
تُحَلِّقُ صاعِداً بِجَناحِ عَزمٍ / يَجِلُّ عَنِ المُحَلَّقِ وَالمَطارِ
تُجَشِّمُهُ المَناقِبُ يَبتَنيها / مُنيفاتِ الذُرى فَوقَ الدَراري
كَأَنَّ مَضاءَهُ قَدَرٌ مُتاحٌ / يَسُدُّ عَلى العِدى سُبُلَ الفِرارِ
رَأَت مِنكَ المُلوكُ فَتى خُطوبٍ / يُدافِعُهُنَّ بِالهِمَمِ الكِبارِ
طَلَعَت بيلدزٍ فَأَطَلَّ نورٌ / عَلى نورٍ هُنالِكَ مُستَطارِ
جَلَستَ إِلى اليَمينِ فَكُنتَ يُمناً / وَقَد جَلَسَ الصُدورُ إِلى اليَسارِ
لَدى أَسَدٍ مِنَ الخُلَفاءِ ضارٍ / تهابُ عَرينَهُ الأُسدُ الضَواري
أَخافَ الحادِثاتِ فَما تَراها / تَبيتُ عَلى أَمانٍ أَو قَرارِ
سَيَشكُرُهُ الخَليفَةُ حُسنَ رَأيٍ / تَبَلَّجَ منك عَن حُسنِ اِختِيارِ
وَتِلكَ وُفودُها جاءَتكَ تبدي / من الشوق المبرِّح ما تواري
وفودٌ أقبلت مِن كُلِّ فَجٍّ / تَموجُ كَأَنَّها لُجَحُ البِحارِ
سَلِمتَ وَصادَفتَ خَيراً وَيُمناً / رِكابُكَ في رَواحٍ وَاِبتِكارِ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ
بِمِثلِكُما تَعلو الدِيارُ وَتَسعَدُ / وَتَدنو لَها الآمالُ مِن حَيثُ تَبعُدُ
أَبى لَكُما رَعيُ الذِمامِ سِوى الَّذي / يُذاعُ فَيُطرى أَو يُشاعُ فَيُحمَدُ
لِيوميكُما في الحَربِ وَالسلمِ مَشهَدٌ / يَقِرُّ بِعَينَي مَن تَطَلَّعَ يَشهَدُ
لَئِن أَوحَشَ الأَعداءَ سَيفٌ مُجَرَّدٌ / لَقَد آنَسَ الأَوطانَ رَأيٌ مُجَرَّدُ
فَبورِكتُما إِذ تَنفُضانِ يَدَيكُما / مِنَ الأَمرِ لا تَعلو بِأَمرٍ وَأَكمَدُ
أَراهُم عَلى وَخزِ القَريضِ وَوَكزِهِ / وَما فيهِمُ إِلّا ذَليلٌ مُعَبَّدُ
يُساقونَ سَوقَ الحُمرِ لِلسَوطِ ما وَنى / لَدى السَيرِ مِنها فَهيَ في السَهلِ تَجهُدُ
إِلى قاتِمِ الأَعماقِ ما فيهِ مُشرِقٌ / يُضيءُ وَلا مِنهُ إِلى عَلوَ مَصعَدُ
كَأَنّي بِهِم قَد شارَفوهُ فَأَيقَنوا / بِمَوتٍ عَلى أَسرابِهِم يَتَوَرَّدُ
أَسيتُ لِأَوطانٍ أَباحوا ذِمارَها / فَأَيدي العِدى فيها تَعيثُ وَتُفسِدُ
تَبَدَّدَ بَينَ الجُبنِ وَالحِرصِ رَأيُهُم / وَأَضيعُ رَأيَيكَ الَّذي يَتَرَدَّدُ
سَأَبكي عَلى مِصرٍ وَسالِفِ مَجدِها / وَإِن لَم يَكُن لي مِن بَني مِصرَ مُسعِدُ
أَرى اليَومَ مِثلَ الأَمسِ أَو هُوَ أَنكَدُ / فَيا لَيتَ شِعري ما يَجيءُ بِهِ الغَدُ
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني
أَراكَ عَلى المَغيبِ فَهَل تَراني / وَهَل يَخفى عَلى أَحَدٍ مَكاني
دَعا الداعي فَأَسمَعَ حينَ نادى / بَني الأَقطارِ مِن قاصٍ وَدانِ
مَضوا زُمَراً إِلى واديكَ شَتّى / فَهَل وَجَدوا بِهِ ريحَ الجِنانِ
وَظَلّوا عاكِفينَ عَلَيكَ حَتّى / كَأَنَّكَ كُنتَ مِن خَيرِ الأَماني
فَمِن مَلِكٍ أَغَرَّ وَمِن أَميرٍ / أَعَزَّ وَكاتِبٍ ذَرِبِ البَيانِ
أَتَوكَ وَعاقَني حِدثانُ دَهرٍ / يُصَرِّفُ لا كَما أَرضى عِناني
يَعَزُّ عَلَيكَ أَنّي عَنكَ ناءٍ / تَرى تِلكَ الوُفودَ وَلا تَراني
رُوَيدَكَ إنَّ شَخصَكَ مِلءُ عَيني / وَذِكرَكَ ما يزالُ عَلى لِساني
أَيَشغَلُ شاعِرَ الوَطَنِ المُفَدّى / سِواكَ وَأَنتَ شُغلُ بَني الزَمانِ
حَدا أَسرابَهُم بَرحُ اِشتِياقٍ / إِلَيكَ وَقادَهُم فَرطُ اِفتِتانِ
سَيَكفيكَ الَّذي تَخشى وَتَرجو / مِنَ الأدَبِ المُهَذَّبِ ما كَفاني
فَهَل لَكَ أَيُّها الخَزّانُ عَهدٌ / بِحِفظٍ لِلصَنيعَةِ أَو صِيانِ
وَقَبلَكَ ضاعَ شِعري في دِيارٍ / شَجاني مِن بَنيها ما شَجاني
تعامى مَعشَرٌ عَنّي وَعَنهُ / فَيا عَجَبي أَيَخفى النَيِّرانِ
بِرَبِّكَ هَل يَريدُ ذَووكَ خَيراً / بِشَعبٍ عاثِرِ الآمالِ عانِ
وَهَل تُروى الكنانَةُ وَهيَ ظَمأى / فَتَروي عَن صَنائِعِكَ الحِسانِ
أَحَقّاً أَنتَ داهِيَةٌ جَناها / عَلَينا مِن بَني التاميزِ جانِ
أَحَقّاً أَنَّهُم صَدَقوا فَجاءوا / بِأَحسَنِ ما بَنى لِلخيرِ بانِ
سَتُخبِرُنا اليَقينَ صَروفُ دَهرٍ / يَكُرُّ بِها قَضاءٌ غَيرُ وانِ
لَنا إِن رُمتَ شُكراً لا عَلَينا / كَفانا مِن بُناتِكَ ما نُعاني
فَيا صُنعَ الجَبابِرَةِ اِستَعانوا / عَلَيكَ بِخَيرِ رِدءٍ مُستَعانِ
قُوى أَيديهُمُ وَقُوى نُهاهُم / كِلا الأَمرَينِ عُدَّةُ كُلِّ شانِ
سَتَبقى يا عَروسَ النيلِ تُبدي / جَمالَ الفَنِّ آناً بَعدَ آنِ
تَمُرُّ الحادِثاتُ عَلَيكَ سِلماً / تُقَلِّبُ عَينَ ذي الفَزَعِ الجَبانِ
وَلَيسَ لَها وَإِن جَهِلَت عَلَينا / بِما لا تَبتَغي مِنها يدانِ
أَعِر مِصراً كِيانَكَ إِنَّ مِصراً / وَقاها اللَهُ واهِيَةُ الكِيانِ
أَرى الهَرَمَينِ قَد هَرِما وَشاخا / وَأَنتَ مِنَ الصِبى في عُنفُوانِ
فَناجِهِما وَلَو قَدِرا لَخَفّا / إِلَيكَ فَأَقبَلا يَتَبارَيانِ
عَلَيَّ الجِدُّ يُعجِبُ سامِعيهِ / وَلَيسَ عَلَيَّ وَصفُ المِهرَجانِ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ
إِنّا أَتَينا بِالثَناءِ نَسوقُهُ / جَلَلاً يَهُزُّ دَوِيُّهُ الأَقطارا
أَمَّنتَنا كَيدَ الَّذينَ تَنازَعوا / أَرواحَنا وَتَناهَبوا الأَعمارا
يا واهِبَ الأَمنِ النُفوسَ وَلَم تَكُن / لِتُصيبَ أَمناً أَو تَطيقَ قَرارا
إِنَّ الَّذينَ أَدَلتَ مِنهُم عادِلاً / وَتَرَكتَهُم مُتَمَزِّقينَ حَيارى
كانوا النُهاةَ الآمِرينَ فَما اِشتَهوا / نالوا وَما ساموا الخَلائِقَ صارا
كَم أَنَّةٍ تَحتَ الظَلامِ تَرَدَّدَت / فَاِستَوقَفَت أَصداؤُها الأَقدارا
كَم نَكبَةٍ فَدَحَت وَكَم مِن غَمرَةٍ / خُضنا بِها الأَهوالَ وَالأَخطارا
في ظِلِّ قَسوَرِكَ المُبارَكِ عَهدُهُ / عاشَ الَّذي لَقِيَ الحِمامَ مِرارا
أَنتُم وُلاةُ الأَمرِ فَاِحتَفِظوا بِهِ / وَكَفى بِكُم لِبِلادِكُم أَنصارا
مَن يُسعِدُ الأَوطانَ غَيرُ بَنيها
مَن يُسعِدُ الأَوطانَ غَيرُ بَنيها / وَيُنيلُها الآمالَ غَيرُ ذَويها
لَيسَ الكَريمُ بِمَن يَرى أَوطانَهُ / نَهبَ العَوادي ثُمَّ لا يَحميها
تَرجو بِنَجدَتِهِ اِنقِضاءَ شَقائِها / وَهوَ الَّذي بِقُعودِهِ يُشقيها
وَتَوَدُّ جاهِدَةً بِهِ دَفعَ الأَذى / عَن نَفسِها وَهوَ الَّذي يُؤذيها
سُبُلُ المَكارِمِ لِلكِرامِ قَويمَةٌ / فَعَلامَ يُخطِئُها الَّذي يَبغيها
ما أَكثَرَ المُتَفاخِرينَ وَإِنَّما / فَخرُ الكِرامِ بِما حَبَت أَيديها
يَحوي الكَريمُ المالَ لا يَبغي بِهِ / شَيئاً سِوى أُكرومَةٍ يَحويها
وَالجودُ يُحمَدُ حَيثُ كانَ وَخَيرُهُ / ما نالَ أَوطانَ الفَتى وَبَنيها
وَلَقَلَّما أَرضى اِمرُؤٌ أَوطانَهُ / حَتّى تَراهُ بِنَفسِهِ يَفديها
يا آلَ مِصرَ وَما يُؤَدّي حَقَّها / إِلّا فَتىً يَكفي الَّذي يَعنيها
أَيَضنُّ مِنكُم بالمعونة موسرٌ / يلهو ويمرح كلَّ آنٍ فيها
هي أمُّكُم لا كانَ مِن أَبنائِها / مَن لا يُواسيها وَلا يُرضيها
وَهَبَتكُمُ الخَيرَ الجَزيلَ فَهَل فَتىً / مِنكُم بِحُسنِ صَنيعِها يَجزيها
سَعِدَت لَعَمري بِالصَنائِعِ حِقبَةً / وَلَّت عَلى عَجَلٍ فَمَن يَثنيها
لَو يَسمَعُ المَوتى الهُمودُ مَقالَتي / أَسدوا إِلى الأَوطانِ ما يُغنيها
دارُ الصَنائِعِ خَيرُ دارٍ تُبتَنى / فَاللَهُ يَجزي الخَيرَ مَن يَبنيها
كَذَبَ المُلوكُ وَمَن يُحاوِلُ عِندَهُم
كَذَبَ المُلوكُ وَمَن يُحاوِلُ عِندَهُم / شَرَفاً وَيَزعُمُ أَنَّهُم شُرَفاءُ
رُتبٌ وَأَلقابٌ تَغُرُّ وَما بِها / فَخرٌ لِحامِلِها وَلا اِستِعلاءُ
آناً تُباعُ وَتَارَةً هِيَ خِدعَةً / تَمْنَى بِشَرِّ سُعاتِها الأُمَراءُ
كَم رُتبَةٍ نَعِمَ الغَبِيُّ بِنَيلِها / مِن حَيثُ جَلَّلَها أَسىً وَشَقاءُ
لَو كانَ يَعلَمُ ذُلَّها وَهَوانَها / ما طالَ مِنهُ الزَهوُ وَالخُيَلاءُ
يَلقى الكَرامَةَ حَيثُ كانَ وَفِعلُهُ / جَمُّ المَساوِئِ وَالمَقالُ هُراءُ
تِلكَ الجَهالَةُ وَالغُرورُ وَباطِلٌ / ما يَصنَعُ الأَغرارُ وَالجَهلاءُ
ذَنبُ المُلوكِ رَمى الشُعوبَ بِنَكبَةٍ / جُلّى تَنوءُ بِحَملِها الغَبراءُ
لا المَجدُ مَجدٌ بَعدَما عَبَثَت بِهِ / أَيدي المُلوكِ وَلا السَناءُ سَناءُ
مالوا عَنِ الشَرَفِ الصَميمِ وَأَحدَثوا / ما شاءَتِ الأَوهامُ وَالأَهواءُ
رَفَعوا الطَغامَ عَلى الكِرامِ فَأَشكَلَت / قِيَمُ الرِجالِ وَرابَتِ الأَشياءُ
زَعَموا الثَراءَ فَضيلَةً فَقَضوا لَهُ / ساءَ الَّذي زَعَمَ المُلوكُ وَساءوا
يا رُبَّ مُثرٍ لَو أَطاعَ إِلَهَهُ / وَأَبى الدَنايا فاتَهُ الإِثراءُ
بَزَّ الضَعيفَ فَمِن نَسائِلِ طِمرِهِ / حُيكت عَلَيهِ البِزَّةُ الحَسناءُ
وَعَلى بَقايا دورِهِ وَطُلولِهِ / أَمسَت تُقامُ قُصورُهُ الشَمّاءُ
وَإِذا الرُعاةُ تَنَكَّبَت سُبُلَ الهُدى / غَوَتِ الهُداةُ وَطاشَتِ الحُكَماءُ
وَإِذا الطبيبُ رَمى العَليلَ بِدائِهِ / فَبِمَن يُؤمَّلُ أن يَزولَ الداءُ
لَو جاوَرَ الشَرَفُ المُلوكَ لَأَورَقَت / صُمُّ الصُخورِ وَضاءَتِ الظلماءُ
ظُلمٌ يُبَرِّحُ بِالبَريءٍ وَغِلظَةٌ / يَشقى بِها الضُعَفاءُ وَالفُقَراءُ
الحَقُّ مُنتَهَكُ المَحارِمِ بَينَهُم / وَالعَدلُ وَهمٌ وَالوَفاءُ هَباءُ
رَفَعوا العُروشَ عَلى الدِماءِ وَإِنَّما / تَبقى السَفينَةُ ما أَقامَ الماءُ
غَشيتُ دِيارَها مِن بَعدِ عَشرِ
غَشيتُ دِيارَها مِن بَعدِ عَشرِ / فَهَيَّجَتِ الرُسومُ غَليلَ صَدري
لَعَمرُ أَبيكَ ما وَجدي بِسَلمى / وَلا وَجدُ الدِيارِ بِمُستَقِرِّ
هَوىً كَالدَهرِ لَيسَ لَهُ اِنقِضاءٌ / وَكَالقَدرِ المُرَوِّعِ حينَ يَجري
وَما عاهَدتُ مَن أَهواهُ حَتّى / وَفَيتُ بِعَهدِهِ وَقَضيتُ نَذري
وَبَعضُ الناسِ يَذكُرُ ثُمَّ يَنسى / وَمالي غَيرُ ذِكرٍ بَعدَ ذِكرِ
أَصونُ أَحِبَّتي ما الحُبُّ إِلّا / أَمانَةُ فاضِلٍ وَوَفاءُ حُرِّ
إِذا مَكَرَ المُخاتِلُ قُلت قَلبي / أُعيذُكَ مِن مُخاتَلَةٍ وَمَكرِ
وَيا نَفسي الوَفِيَّةُ لا تَكوني / مِراحَ خِيانَةٍ وَمَسيلَ غَدرِ
بِنَفسِكَ فَاِحتَفِظ إِن كُنتَ حُرّاً / وَعَقلَكَ فَاِستَشِر في كُلِّ أَمرِ
وَحَقِّ سِواكَ فَاِرعَ وَلا تَخُنهُ / وَحَقَّكَ لا تَدَعهُ تُقاةَ شَرِّ
وَما لِلمَرءِ حينَ يُضامُ بُدٌّ / مِنَ الصَمصامِ وَالفَرَسِ الطِمِرِّ
وَتارِكُ حَقِّهِ مِن غَيرِ حَربٍ / كَتارِكِ عِرضِهِ مِن غَيرِ عُذرِ
رَأَينا الحاكِمينَ فَما رَأَينا / حُكومَةَ صالِحٍ وَقَضاءَ بَرِّ
لِحُكمِ الجاهِلِيَّةِ في بَنيها / عَلى ما فيهِ مِن عَنَتٍ وَضُرِّ
أَخَفُّ أَذىً وَأَقرَبُ مِن رَشادٍ / وَأَبعَدُ عَن مُماحَكَةٍ وَنُكرِ
أَلَم تَرَ كَيفَ صارَ البَغيُ ديناً / لِكُلِّ حُكومَةٍ وَبِكُلِّ مِصرِ
مَضى الحُنَفاءُ في العُصُرِ الخَوالي / فَهاتِ حَديثَهُم إِن كُنتَ تَدري
وَقِف بي في طُلولِ الشَرقِ وَاِذكُر / هُدى الفاروقِ وَاِندُب عَهدَ عَمرِو
وَلا تَصِفِ الحَضارَةَ لي فَإِنّي / أَرى عَصرَ الحَضارَةِ شَرَّ عَصرِ
أَذىً ما لِلمَمالِكِ مِنهُ واقٍ / وَلا لبَني المَمالِكِ مِن مَفَرِّ
أَرانا ظامِئينَ إِلى حَياةٍ / تَفيضُ بِمُزبِدِ التَيّارِ غَمرِ
تَجولُ حَوائِمُ الآمالِ فيهِ / وَتَسبَحُ مِنهُ في رِيٍّ وَطُهرِ
تَراكَضَتِ المَشارِقُ تَبتَغيها / وَغودِرَتِ الكِنانَةُ في المَكَرِّ
رَأَيتُ الشَعبَ ذا العَزَماتِ يَمضي / وَيَركَبُ في المَطالِبِ كُلَّ وَعرِ
يَخوضُ النَقعَ أَغبَرَ وَالمَنايا / عِجالُ الشَدِّ مِن سودٍ وَحُمرِ
وَبَعضُ العالَمينَ يَذوبُ رُعباً / إِذا بَرَزَ الكُماةُ غَداةَ كَرِّ
يُحِبُّ حَياتَهُ وَيَزيدُ حِرصاً / فَيَلقى المَوتَ مِن خَوفٍ وَذُعرِ
تُراعُ فَوارِسُ الهَيجاءِ مِنهُ / بِزَأرَةِ ضَيغَمٍ وَوُثوبِ هُرِّ
إذا أبصرتَ دهرك مستريباً / فدافعه بِعَزمٍ مُكفَهِرِّ
وَلَن تحظى بِعَيشٍ مِنهُ حُلوٍ / إِذا ما كانَ طعمُك غيرَ مُرِّ
أُساةَ النيلِ وَالأَدواءُ شَتّى / فَمِن بادٍ يَلوحُ وَمُستَسِرِّ
أَقيموا صُلبَهُ وَتَدارَكوهُ / وَلا تُدنوهُ مِن كَفَنٍ وَقَبرِ
ظَلَلتُ أُراقِبُ العُوّادَ مالي / سِوى ماذا يَكونُ وَلَيتَ شِعري
لِمِصرَ شَبابُها في الدَهرِ إِنّي / خَلَعتُ شَبيبَتي وَطَوَيتُ عُمري
أَدنو وَيَجمَحُ بِيَ الإِباءُ فَأَعزُبُ
أَدنو وَيَجمَحُ بِيَ الإِباءُ فَأَعزُبُ / وَأَرى الرضى آناً وَآناً أَغضَبُ
أَتَظُنُّ لي في وُدِّ مِثلِكَ مَطلَباً / نَفسي أُريدُ وَمَجدَ قَومي أَطلُبُ
لَو كانَ هَمّي أَن أُصيبَ مَعيشَةً / أُلفيتُ في سَعَةٍ الغِنى أَتَقَلَّبُ
لا تَخدَعَنَّكَ فِيَّ نَظرَةُ كاذِبٍ / وانظُر إِلَيَّ بِعَينِ مَن لا يَكذِبُ
إِنّي اِمرُءٌ جَمُّ الطِماحِ إِلى الَّتي / تَرِثُ الفَتى شَرَفَ الحَياةِ وَتُعقِبُ
غَيري يُخادِعُهُ الرَجاءُ فَيَشتَهي / وَتَغُرُّهُ دُنيا اللِئامِ فَيَرغَبُ
لَم تَرضَ لي غَيرَ المَحامِدِ مَذهَباً / نَفسٌ يَجيءُ بِها العَفافُ وَيَذهَبُ
وَالمَرءُ يَنهَضُ في الفَضائِلِ جَدُّهُ / ما خَفَّ مَحمَلُهُ وَعَفَّ المَكسَبُ
أَتُعيبُني أَن كُنتُ تِربَ خَصاصَةٍ / تِربُ الغِنى في مِثلِ شَأنِكَ أَعيَبُ
صَفُرَت يَدي مِمّا مَلَكتَ وَمِلؤُها / مَجدٌ تُصابُ بِهِ المُلوكُ وَتُنكَبُ
أَتُدِلُّ بِالتاجِ الرَفيعِ فَإِنَّني / بِالمَكرُماتِ مُتَوَّجٌ وَمُعَصَّبُ
سَتُريكَ عَينُكَ أَيَّ تاجٍ يَنطَوي / وَأَريكَةٍ تَهوي وَمُلكٍ يُسلَبُ
غالِب بِبَأسِكَ مَن تُطيقُ فَإِنَّني / أَرمي العُروشَ بِقُوَّةٍ ما تُغلَبُ
وَاِذهَب بِجُندِكَ في المَمالِكِ غازِياً / مُلكي أَعَزُّ حِمىً وَجُندي أَغلَبُ
إِنّي عَفَفتُ عَنِ المُلوكِ فَلَن أَرى / مُتَمَسِّحاً بِسُتورِهِم أَتَقَرَّبُ
كَذَبَ المُلوكُ فَلَستُ أَعلَمُ عِندَهُم / مِن نِعمَةٍ تُسدى وَمَجدٍ يوهَبُ
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا
أَتِلكَ مَصارِعُ المُستَضعَفينا / فَما بالُ الهُداةِ المُصلِحينا
أَجيبي دنشوايَ فَإِن تَكوني / عَييتِ عَنِ الجَوابِ فَما عَيينا
مُلِئتِ أَسىً فَلَن تَجِدي عَزاءً / وَلَن تَدَعي التَوَجُّعَ وَالأَنينا
هُمو أَخَذوكِ بِالنَكَباتِ حَرّى / وَبِالأَهوالِ شَتّى يَرتَمينا
تَذوقينَ العَذابَ وَهُم نَشاوى / يُغَنّونَ المَشانِقَ ناعِمينا
إِذا طَرِبتَ أَهابَ بِها مِراحٌ / تُجاوِبُهُ نُفوسُ الهالِكينا
تَطوفُ بِها الأَرامِلُ وَاليَتامى / تَضُجُّ وَتَذرِفُ الدَمعَ السَخينا
وَتَعطِفُها السِياطُ عَلى رِجالٍ / بِمُطَّرَحِ الهَوانِ مُمَزَّقينا
تَعاوَرَهُم أَكُفُّ القَومِ صَرعى / تَطيرُ جُلودُهُم مِمّا لَقينا
إِذا اِنسابَ الدَمُ المُهراقُ مِنهُم / رَأيتَ ثِيابَهُم حُمراً وَجونا
عَلى أَجسامِهِم أَثَرٌ مُبينٌ / تُريكَ سُطورُهُ الظُلمَ المُبينا
صَحائِفُ بِالسِياطِ تَخُطُّ فَاِقرَأ / وَقُل لِلَهِ أَيدي الكاتِبينا
وَقائِلَةٍ أَما لِلقَومِ حامٍ / يَقيهِم ما نُشاهِدُ أَو يَقينا
رُوَيدَكِ إِنَّ رَبَّكِ قَد وَعاها / فَظُنّي الخَيرَ وَاِنتَظِري اليَقينا
أَفاطِمَ إِنَّ لِلضُعَفاءِ رَبّاً / يُديلُ لَهُم مِنَ المُتَجَبِّرينا
رَضينا بِالحَمامِ يَكونُ صَيداً / فَما قَنَعَ الرُماةُ بِما رَضينا
أَبَوا إِلّا النُفوسَ فَما اِستَطَعنا / سِوى شَكوى الضِعافِ العاجِزينا
يُديرونَ الحُتوفَ عَلى أُناسٍ / وَيَقضونَ العَذابَ لِآخَرينا
أَذابوا الأُمَّهاتِ أَسىً وَوَجداً / وَطاحوا بِالأُبُوَّةِ وَالبَنينا
قَضاءٌ طاشَ مِن فَزَعٍ وَخَوفٍ / وَيَحسَبُهُ الأُلى فَزِعوا رَزينا
قَتيلُ الشَمسِ ليسَ لَهُ سِوانا / فَمَرحى لِلقُضاةِ العادِلينا
أَمِن دَعوى التَعَصُّبِ وَهيَ زورٌ / تُباحُ دِماؤُنا لِلغاصِبينا
يَقولُ القَومُ إِصلاحٌ وَعَدلٌ / لَعَمرُ المُصلِحينَ لَقَد شَقينا
بَني التاميزَ كونوا كَيفَ شِئتُم / فَلَم نَدَعَ الكِفاحَ وَلَن نَلينا
خُذوا أَنصارَكُم إِنّا نَراهُم / لَنا وَلِقَومِنا الداءَ الدَفينا
هُمُ الأَعداءُ لَسنا مِن ذَويهِم / وَلَيسوا في الشَدائِدِ مِن ذَوينا
ذَمَمنا عَهدَكُم فَمَتى نَراكُم / تَشُدّونَ الرِحالَ مُوَدِّعينا
دَعوا ذِكرَ الوِفاقِ وَما يَليهِ / فَما نَسِيَ الحَمامُ وَلا نَسينا
زَعَمتُم أَنَّ مَوعِدَكُم قَريبٌ / كَذَبتُم أُمَّةً تُحصي السِنينا
أَلا لا أَرى في مِصرَ إلّا دَعاوِياً
أَلا لا أَرى في مِصرَ إلّا دَعاوِياً / وَإِلّا صَدىً يُشجي الرِياحَ الذَوارِيا
أَرى هِمَماً يَعصِفَنَّ بِالنَجمِ رِفعَةً / وَهُنَّ جِثِيٌّ ما رَفَعنَ النَواصِيا
أَرى شِيَماً تُفني الأَماديحَ كُلَّها / وَما بَرَحَت تُملي عَلَيَّ الأَهاجِيا
أَرى ذِمَماً يُنسينَ في الدَهرِ مَن وَفى / وَيُولِعنَ بِالغَدرِ الذِئابَ الضَوارِيا
أَرى أُمَّةً لا يُخطِئُ المَجدَ سَعيُها / وَلَكِنَّها لا تَستَطيعُ المَساعِيا
وَلَولا رِجالٌ جاهَدوا لِبَقائِها / لَما تَرَكتَ مِنها يَدُ الدَهرِ باقِيا
أولَئِكَ رُوّادُ الحَياةِ رَمَت بِهِم / مَطايا المُنى في الخافِقَينِ المَرامِيا
يُنادونَ في الأَقطارِ إِنّا نُريدُها / حَياةً تَرُدُّ النيلَ رَيّانَ صافِيا
فَلَسنا حماة النيل حتى نعزَّهُ / وحتى نرى ملكَ الكنانة عاليا
أنتركها لِلغاصِبينَ وَنَبتَغي / لَنا وَطَناً فَوقَ البَسيطَةِ ثانِيا
غَضِبنا لِمِصرٍ غَضبَةً ما نَرُدُّها / إِلى أَن نَرى المُختارَ في القَبرِ راضِيا
فَلَسنا ذَويهِ إِن أَضَعنا تُراثَهُ / وَلَسنا بَنيها إِن أَطَعنا الأَعادِيا
أَنُمسي عَبيداً يَملِكونَ نُفوسَنا / وَأَموالَنا مِن دونِنا وَالذَرارِيا
أَما يَسأَلونَ الدَهرَ إِذ نَحنُ أُمَّةٌ / نَسوسُ الوَرى ساداتِهِم وَالمَوالِيا
رَفَعنا عَلى هامِ المَمالِكِ حُكمَنا / فَكانَ لَها تاجاً مِنَ العَدلِ غالِيا
وَكُنّا إِذا هَزَّ المُلوكَ عُرامُها / هَزَزنا لَهُم أَسيافَنا وَالعَوالِيا
أَفَالآنَ لَمّا غَيَّرَ الدَهرُ عَهدَهُ / يُريدُ الأَعادي أَن نُطيلَ التَغاضِيا
سَيَنسِفُ بَغيُ القَومِ شامِخَ عِزِّنا / إِذا نَسَفَ الوَهمُ الجِبالَ الرَواسِيا
دَرَجنا عَلى أَنّا نَكونُ أَعِزَّةً / نَصولُ فَنَجتاحُ العَدُوَّ المُناوِيا
نَدينُ بِأَلّا تُستَباحَ بِلادُنا / وَأَلّا نَرى فيها مَدى الدَهرِ غازِيا
وَلَن يَقضِيَ الإِنسانُ حَقَّ بِلادِهِ / إِذا هُوَ لَم يَبذُل لَها النَفسَ فادِيا
شُغِفنا بِوادي النيلِ إِذ نَحنُ أَهلُهُ / فَأَحبِب بِنا أَهلاً وَبِالنيلِ وادِيا
أَما ودُموعِ المُدَّعينَ بِهِ الهَوى / لَقَد كِدنَ يُضحِكنَ القُلوبَ البَواكِيا
أَلَحَّت تَباريحُ الغَرامِ فَمَيَّزَت / أَخا الصِدقِ مِنّا وَالدَعِيَّ المُرائِيا
جَزى اللَهُ في ذاتِ الإِلَهِ جِهادَنا / وَرَوَّحَ هاتيكَ النُفوسَ العَوانِيا
أَلا إِنَّهُ خَيرٌ مُثيباً وَجازِياً / وَلَن يَخذِلَ الهُدّامُ مَن كانَ بانِيا
أَيَكُفُّ شَكوَكَ أَن يَكونَ أَماما
أَيَكُفُّ شَكوَكَ أَن يَكونَ أَماما / حَنِقٌ يَشُبُّ مِنَ الوَعيدِ ضِراما
مِن أَينَ لِلحُرِّ المُهَذَّبِ شيمَةٌ / تَرضى الهَوانَ وَتَقبَلُ الإِرغاما
إِنَّ المُصابَ هُوَ المُصيبُ فَخَلِّهِ / وَخَلائِقاً جُعِلَت عَلَيهِ سِهاما
لا يُعجِبَنَّكَ ما تَرى مِن أَمرِنا / إِنّا خُلِقنا فاضِلينَ كِراما
لا نَستَكينُ لَدى الطِلابِ وَلا نَرى / عَنَتَ الزَمانِ إِذا اِستَمَرَّ غَراما
نَلقى جَبابِرَةَ الخُطوبِ أَعِزَّةً / وَنَهُمُّ بِالنُوَبِ العِظامِ عِظاما
نَعتَدُّ شَكوى الحادِثاتِ مَسَبَّةً / وَنَرى الضَراعَةَ لِلمُلوكِ حَراما
نَأبى تَعَسُّفَهُم ونُنكِرُ ظُلمَهُم / وَنُعِدُّهُم لِشُعوبِهِم خُدّاما
ما شاءَ رَبُّكَ أَن يَكونَ طُغاتُهُم / في الناسِ آلِهَةً وَلا أَصناما
تُغضي العُيونُ إِذا رَأَت تيجانَهُم / وَعُروشَهُم وَالجُندَ وَالأَعلاما
مَهلاً بَني الغَبراءِ قَد وَضَعَ الهُدى / فَخُذوا الحَقائِقَ وَاِنبُذوا الأَوهاما
وَسَلوا المُلوكَ إِذا بَدا حُجّابُهُم / وَجِلينَ مِن حَولِ السُتورِ قِياما
هَل يَدفَعونَ المَوتَ ساعَةَ يَنتَحي / أَم يَملِكونَ عَلى العُروشِ دَواما
المُلكُ أَجمَعُ وَالجَلالُ لِواحِدٍ / صَمَدٍ تَبارَكَ وَحدَهُ وَتَسامى
إِنّا لَعَمرُكَ ما نُطيعُ لِغَيرِهِ / حُكماً وَلا نُعطي سِواهُ زِماما
نَعصي المُلوكَ إِذا عَنَوا عَن أَمرِهِ / وَنُهينُ في مَرضاتِهِ الحُكّاما
وَنُجِلُّ شيعَتَهُ وَنُكرِمُ حِزبَهُ / وَنَصونُ بَعدَ نَبِيِّهِ الإِسلاما
وَنُحِبُّهُ وَنَكونُ عِندَ قَضائِهِ / في الأَقرَبينَ مَحَبَّةً وَخِصاما
نَأتَمُّ بِالنورِ المُبينِ وَحَسبُنا / بِالبَيِّناتِ مِنَ الكِتابِ إِماما
مَلَأَ الزَمانَ هُدىً وَأَشرَقَ حِكمَةً / لِلعالَمينَ وَرَحمَةً وَسَلاما
نَزَلَ الأَمينُ بِهِ فَكانَ حَكيمُهُ / لِلَّهِ عَهداً بَيناً وَذِماما
مَجدٌ لِأَحمَدَ ما يُنالُ وَسُؤدُدٌ / يُعيي الزَمانَ وَيُعجِزُ الأَقواما
وَبِناءُ عِزٍّ ما يَخافُ مَكينُهُ / صَدعاً وَلا يَتهَيَّبُ الهُدّاما
اللَهُ أَمَّنَ رُكنَهُ وَأَحَلَّهُ / رُكناً يَهُدُّ الدَهرَ وَالأَيّاما
هَدَمَ العُروشَ الشامِخاتِ وَرَدَّها / بَعدَ المَهابَةِ وَالجَلالِ رِغاما
بَلَغَت مَكانَ النَيِّراتِ فَأَصبَحَت / وَكَأَنَّها لَم تَبلُغِ الأَقداما
ديسَت بِأَقدامِ الغُزاةِ وَرُبَّما / داسَ الأُلى كانوا عَلَيها الهاما
جَيشٌ مَشى جِبريلُ حَولَ لِوائِهِ / وَمَشى النَبِيُّ مُغامِراً مِقداما
يُزجي مِنَ الأَبطالِ كلَّ مُوَحِّدٍ / صَلّى لِرَبِّ العالَمينَ وَصاما
شَرَعَ اليَقينَ لَدى الطِعانِ مُثَقَّفاً / وَاِستَلَّهُ عِندَ الضِرابِ حُساما
جَنّاتُ عَدنٍ في ظِلالِ سُيوفِهِم / يَرضونَها نُزُلاً لَهُم وَمُقاما
يَتَسابَقونَ إِلى مَنازِلِها العُلى / يَتَفَيَّأونَ الخَيرَ وَالإِنعاما
تَتَأَجَّجُ النيرانُ خَلفَ صُفوفِهِم / وَيَرونَ جَناتِ النَعيمِ أَماما
لا يَملِكونَ إِذا الكُماةُ تَدافَعَت / في غَمرَةٍ خَوَراً وَلا اِستِسلاما
يَرجونَ رِضوانَ الإِلَهِ لِأَنفُسٍ / يَحمِلنَ أَعباءَ الجِهادِ جِساما
رَفَعوا بِحَدِّ السَيفِ دينَ هِدايَةٍ / لَولا جَليلُ صَنيعِهِم ما قاما
في كُلِّ مُعتَرِكٍ يَضُجُّ بِهِ الرَدى / وَيَظَلُّ في أَنحائِهِ يَتَرامى
سالَت بِهِ غُزرُ الدِماءِ جَداوِلاً / وَتَجَمَّعَ الشُهَداءُ فيهِ رُكاما
لا تَثبُتُ الأَسوارُ حينَ تُقيمُها / إِلّا إِذا كانَت دَماً وَعِظاما
وَالناسُ لَولا ما يَجيءُ كِبارُهُم / لَم يُدرِكوا بَينَ الشُعوبِ مَراما
بَكيتَ فَأَبكَيتَ الطُلولَ البَوالِيا
بَكيتَ فَأَبكَيتَ الطُلولَ البَوالِيا / فَما إِن تَرى إِلّا عُيوناً بَواكِيا
دَعاكَ هَوى سُكّانِها فَدَعَوتَها / فَبورِكتَ مَدعُوّاً وَبورِكتَ داعِيا
لَقَد هاجَ رَسمُ الدارِ وَجدَكَ إِذ عَفا / وَحَسبُكَ وَجداً أَن تَرى الرَسمَ عافِيا
لَكَ اللَهُ لا أَلحاكَ في مُهراقَةٍ / سَقيتَ بِها تِلكَ الطُلولَ الصَوادِيا
وَقَبلَكَ أَبكاني تَحَمُّلُ مَعشَرٍ / كَرِهتُ مُقامي بَعدَهُم وَبَقائِيا
جَزى اللَهُ عَنّا أَهلَها وَأَثابَهُم / مَثوبَةَ مَن أَمسى إِلى الحَقِّ هادِيا
هُمُ القَومُ لَم يَرضوا سِوى المَجدِ مَطلَباً / وَلَم يُؤثِروا إِلّا العُلا وَالمَساعِيا
بَنوها عَلى هامِ النُجومِ وَلَم يَكُن / لِيَبلُغَ هَذا الشَأوَ مَن كانَ بانِيا
فَأَمسَت بِمُستَنِّ العَوادي تَضيمُها / وَقد لَبِثَت دَهراً تَضيمُ العَوادِيا
هُمُ اِستَودَعوناها فَضاعَت وَلا أَرى / مِنَ الصَحبِ إِلّا عاجِزاً مُتَوانِيا
إِذا ما رَفَعتُ الصَوتَ أَبغي اِنبِعاثَهُ / لِيَبعَثَ مَيتاً أَو لِيُرجِعَ ماضِيا
تَبَلَّدَ مُغبَرّاً وَأَرعَدَ خائِفاً / وَأَحجَمَ مُزوَرّاً وَأَعرَضَ نائِيا
وَإِن يَدعُهُ داعي الغِوايَةِ يَستَجِب / وَيَغشَ الدَنايا طائِعاً وَالمَخازِيا
وَما ذاكَ خَطبُ القَومِ في مِصرَ وَحدَهُ / فَثَمَّ خُطوبٌ تَستَخِفُّ الرَواسِيا
جَنوها عَلَينا ما نُطيقُ دِفاعَها / بَلايا سَئِمنا حَملَها وَدَواهِيا
تَمادى الرِضى وَالصَبرُ نَرجو اِنقِضاءَها / وَتَأبى عَلى الأَيّامِ إِلّا تَمادِيا
تَطولُ أَمانينا عَلى غَيرِ طائِلٍ / فَلا كانَ مِنّا مَن يُطيلُ الأَمانِيا
أَلا إِنَّها الدَولاتُ تَأتي وَتَنقَضي / وَما زالَ حُكمُ اللَهِ في الناسِ جارِيا
فَلَو كانَ يَهدي ذا الغِوايَةِ ناصِحٌ / وَجَدِّكَ ما أَلفَيتَ في مِصرَ غاوِيا
ظَلَلتُ أُواليها نَصائِحَ مُشفِقٍ / وَعاها مِنَ الأَقوامِ مَن كانَ واعِيا
تُطالِعُها مِن كُلِّ أُفقٍ وَتَنتَحي / رَوائِحَ في أَقطارِها وَغَوادِيا
فَهَوِّن عَلَيكَ الخَطبَ لا تَبتَئِس بِهِ / فَما لَكَ أَمرُ الجاهِلينَ وَلا لِيا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025