المجموع : 970
أنا دائما يا نور كل مليحِ
أنا دائما يا نور كل مليحِ / بين الكناية فيك والتصريحِ
أبدي الهوى طوراً وأكتم تارة / ومدامعي تنبيك عن تبريحي
أما الحشاشة في هواك فإنني / أنفقتُها في رغبة الترويح
أنا بين جسم من صدودك ناحل / شغفاً وقلب بالبعاد جريح
وأضالع بالإصطبار شحيحة / وجداً ودمع فيك غير شحيح
وأنا الذي بين الحواسد والعدا / ما بين هجو في الهوى ومديح
مقل تسح ولا تشح فدمعها / مغني اللبيب به عن التوضيح
يا أيها البدر الذي لما بدا / بالحسن أخرس نطق كل فصيح
لك وجنة هي في النواظر جنة / وجهنم في قلب كل طريح
وترى العيون جمال وجهك مقبلاً / فتضج بالتهليل والتسبيح
أحمامة الوادي قفي وترنمي / فعلى غرامك ظاهر ترجيحي
لا الصبر للتضعيف مفتقر ولا / ذا الشوق محتاج إلى التصحيح
لمعت بروق الأبرقين وقد جرت / أمطار جفن بالبكاء قريح
وروى النسيم لنا أحاديث الحمى / عن عرفجٍ عن زرنبٍ عن شيح
حتى أهاج بنا الغرام فيا لَهُ / في الحب من خبرٍ رواه صحيح
بالله بلغ يا نسيم الريح عن / شوقي وبالغ يا نسيم الريح
واسأل بلطف منيتي عني ولا / تأتي بوجه للمليح قبيح
وانعت له وجدي القديم وصف له / شغفي وما ألقى من التبريح
طفح الغرام علي حتى بالهوى / صرحت في حبي لكل صبيح
وكتمته لما بدا لنواظري / نور الخباء وملت للتلميح
وأنا الذي بهوى المليح تعممي / أبداً ومن شوقي له توشيحي
تب منك حين تقول يا فتاحُ
تب منك حين تقول يا فتاحُ / تلق المنى فالتوبة المفتاحُ
وانهض إلى عين الوجوه مجانباً / ذاك النهوض فلاح فيه فلاح
كم مشرق للشمس فيك ومغرب / منه مساءٌ دائماً وصباح
ولربما رمت القبول فلم تجد / فاسمح بنفسك فالسماح رباح
يا نهر طالوت الذي بليت به / أقوامه ما هذه الألواح
قل ليس مني كل من هو شارب / مني فإني فاتنٌ نصّاح
لعبت بك الأهواء في بحر القضا / فارسِ السفينةَ أيها الملاح
واقبل ولا تقبل وقم واقعد وقل / واسكت ففي إنصاتك الإفصاح
وافهم ولا تفهم وتب عن توبة / هذا مقامك ما عليك جناح
هو لا هو التواب بل هو أنت لا / أنت المتاب عليه يا مصباح
ومتى أحبك حين تبت فإنما / محبوبه بك وجهه الوضاح
والكائنات بسر توبتك اهتدت / فهي الجسوم وذاتك الأرواح
فاحذر فمكر الله توبة عبده / إن تبت تب أن لا تتوب تراح
من قام بي قامت به الأشيا ومن / بالنفس قام تقيمه الأشباح
كأس صفت بيد المدير فأسكرت / ألباب أهل الله منه الراح
فتمايلت شم الحبال وعربدت / في النشأتين وطرفها طماح
وذي طلعة عن كل معنى تنزهت
وذي طلعة عن كل معنى تنزهت / لها كل شيء في الوجود يسبِّحُ
وتسبيحها عنه علت حيث أنه / من الخلق حكم ليس للحق يصلح
لها الحسن بل والقبح والكل حكمها / فتعطى لها الإيمان منها وتمنح
يصورها كل امرئ حسب حاله / وكل إناء بالذي فيه ينضح
إشارات الجمال هي الملاحُ
إشارات الجمال هي الملاحُ / فحي على الجمال فلا جناحُ
وجوه كالبدور على قدود / إذا اهتزت فما السمر الرماح
وألحاظ بألفاظ تنادي / دم العشاق في الدينا مباح
ولا يك بالجلود لك افتتان / فما تلك الجلود هي الملاح
ولا يخفى عليها لطيف سر / لأستار القلوب به افتضاح
وما الفاني بمقصود ولكن / وشَى منه على الباقي وشاح
وسل منا العيون تجبك عنه / لعمرك فهي ألسنة فصاح
ولا تسل القلوب فتلك سكرى / لأن جمال وجه الحب راح
صدقتك ما المعاطف مائلات / لها في كل جارحة جراح
يظلُّ بها المهفهف في ازدهاء / على العشاق والخود الرداح
بأبعد من قنا الإخلاص يسطو / بها في حال صاحبه الصلاح
ولا حمر الخدود موردات / بحاجبة إذا لاح الفلاح
وقل للغافلين هنا طريق / إلى المحبوب ليس لكم يباح
عميتم عنه والأقوام فيه / حذار فدونه الأسد الكفاح
ودعهم ينكروه فليس يأتي / بعلم منهم الجهل الصراح
وإن نبحوك كن من أهل بدر / وكيف يضر بالبدر النباح
إليك عن العواذل في التصابي / إذا عصفت إليه بك الرياح
وقد عفت السوى والنفس عفت / هناك مضى الدجا وأتى الصباح
أنا مجنون الملاحِ
أنا مجنون الملاحِ / فاعقلوني يا لواحي
واقرؤا نطقي فإني / مثبت بالحق ماحي
أخذت قلبي عيون / غمزها سكري وراحي
لا عيون من تراب / هي أو ماء قراح
بل عيون ناظرات / لي من كل النواحي
أينما وليت ألقى / وجهها الحق كفاحي
وبها كنت وما كن / ت وسكران وصاحي
كل عين أنا عنها / نظرة بل وحي واحي
وجميعي هو من أج / فانها المرضى الصحاح
أنا إلا النور منها / في مساء وصباح
أنا إلا القول عنها / في غدو ورواح
تتجلى بي عليكم / في قميصي ووشاحي
قد هدت بي وأضلت / بي كثيراً عن فلاح
ولقد أنكرتموها / من شهودي والتماحي
فرمتكم من جحود ال / حق في الكفر الصراح
وغزتكم بسيوفي / وسبتكم برماحي
لو عقلتم لو دريتم / يا ذوي الجهل المتاح
ونفوس في فساد / لا ترى نور الصلاح
فاحذر الليث وحول / عنه يا كلب النباح
ودعوه يا ذوي الأع / ين هاتيك الوقاح
بيت حق واجب حر / مته غير مباح
لا تقل منه سلمنا / ما حسستم بالجراح
ستذوقون غداً إن / برد الجرح سلاحي
وسترديكم سمومي / وستلقيكم رياحي
ويفي بالوعد بالنص / ر إلهي والنجاح
ويريش الله بالإم / داد مقصوص الجناح
هيكلي سام سليم الشبحِ
هيكلي سام سليم الشبحِ / طاهر الذيل نظيف القدحِ
وإنائي بالتجلي طافح / يتكفّى بفنون الملح
ومن المنبع روحي شربت / وبصدر صدرت منشرح
لا درى الغير ولا كان له / لمحة من نور تلك اللمح
أنا في المذكور والجاهل في ال / ذكر والفكر وعقد السبح
هو في بيت هوى منغلق / وأنا في رفرف منفسح
كلنا من نخلة واحدة / لكن العجوة غير البلح
وجهنا الحق غسلنا وسخ ال / غير عنه بمياه الوضح
وتركنا الكل للكل فلا / بالمذمات ولا بالمدح
هي نفس كيفما شئت بدت / لي بشخص بالسوى متشح
وهو أمري نازل مرتفع / بمزامير الورى في مرح
كلهم منك خيالات فدع / عنك يا عبد الغني واسترح
وادخل البيت وبت في دعة / وتعانق معه واصطلح
واترك الكرسي والعرش وما / تحته للغي أو للفلح
واهجر الجنة والنار ولا / تفتتن عن ذاته بالشبح
وتمتع بالرقيقات وفز / بالعطايا وافتخر بالمنح
وانخلع عنك وعربد طرباً / وتهتك في الهوى وافتضح
هذه دولتنا قد حضرت / دولة العز وكنز الفرح
وانفصلنا أبدا من أزل / عين ماء دافق منسفح
روضة زهرتها فائحة / فانتشق نفحتها وانصلح
وتنصت لغنى بلبلها / وعلى المطرب لا تقترح
واحرق الجاهل في قشرته / وهو لا يشعر بالمصطلح
هو ألقى نفسه معتدياً / في المضيقات ولم ينفسح
أنت بالتصديق في الراحة بي / وهو في إنكاره في ترح
يا من بالنور لوح ذاتي ماحي
يا من بالنور لوح ذاتي ماحي / هات ارشفني بكأس روحي راحي
واجعل بالفرق لي وبالجمع يدا / واكشف سر الأجسام للأرواح
أحزاننا بلقائكم أفراحُ
أحزاننا بلقائكم أفراحُ /
وزماننا قدح وأنتم راحُ /
يا سادة من ذكرهم نرتاحُ /
أبداً تحن إليكم الأرواحُ / ووصالكم ريحانها والراحُ
هذا الوجود جميعه إشراقكم /
وجميع من في الكون هم عشاقكم /
ما هكذا يا سادتي أخلاقكم /
وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم / وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
من ذا ترى يدري بكم من يعرف /
أنتم حقيقة كل شيء يوصف /
غلب الهوى أين المعين المسعف /
وارحمتا للعاشقين تكلفوا / ستر المحبة والهوى فضاح
قوم صفا عما يغاير ماؤهم /
وإليك من دون السوى إيماؤهم /
كتموك حتى أنكرت أحشاؤهم /
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم / وكذا دماء البائحين تباح
عَرْف الوصال يفوح فينا منهمُ /
وسواهم المستحقرون فمن هم /
قوم لهم حال شريف مبهم /
فإذا همو كتموا تحدث عنهم / عند الوشاة المدمع السفاح
أوصافهم يسمو بها من يفهمُ /
وهم الدواء من الردى والمرهم /
كل المعارف والعلوم لديهم /
وكذا شواهد للسقام عليهم / فيها لمشكل أمرهم إيضاح
يا سادتي مني السلام إليكمُ /
فأنا هو المطروح بين يديكم /
ومن الجميع على البعاد لديكم /
خفض الجناح لكم وليس عليكم / للصب في خفض الجناح جناح
لجمالكم في كل قلب ساحة /
وزهورنا بنسيمكم فواحة /
هل للمتيم من جفاكم راحة /
فإلى لقاكم نفسه مرتاحة / وإلى رضاكم طرفه طماح
كدر الحوادث زال عن عين الصفا /
وبدا جمال أحبتي بعد الخفا /
فبحق ذاك العهد يا أهل الوفا /
عودوا بنور الوصل من غسق الجفا / فالهجر ليل والوصال صباح
قد راق في حان الوفا مشروبهم /
ولهم أباح وصاله محبوبهم /
صوفية تبدي الشهود غيوبهم /
صافاهم فصفوا له فقلوبهم / في نوره المشكاة والمصباح
يا قومنا أنا زائد وجدي بكم /
والصبر مني قد مضى في حبكم /
فاهنوا بما فزتم بهم من شربكم /
وتمتعوا فالوقت طاب بقربكم / راق الشراب وراقت الأقداح
رفعت لقلبي في الغرام ظلامة /
لأمير حسن ما لديه جهالة /
انظر عذولي في الجمال جلالة /
يا صاح ليس على المحب ملامة / إن لاح في أفق الوصال ملاح
رفقا بنا يا أهل ذياك اللوى /
إن المتيم عن هواكم ما لوى /
والله حلفة مغرم يشكو النوى /
لا ذنب للعشاق إن غلب الهوى / كتمانَهم فنما الغرام وباحوا
سلمى التي يا ويح مهجة صبها /
جرحت بمقلتها وأسهم هدبها /
لله در عصابة في حبها /
سمحوا بأنفسهم ما بخلوا بها / لما رأوا أن السماح رباح
شربوا كؤوس هوى الأحبة قهوةً /
ولهم غدت كل المكاره شهوةً /
طلبتهم الذات النزيهة نخوةً /
ودعاهمُ داعي الحقائق دعوةً / فغدوا بها مستأنسين وراحوا
هم سادة منهم بطيب خضوعهمْ /
للحب حيث به تنير ربوعهم /
لما تزايد بالفراق ولوعهم /
ركبوا على سفن الدجا فدموعهم / بحر وشدة خوفهم ملّاح
نزعوا الثياب فعوضوا بثيابه /
وعن الخطا قد ساقهم لصوابه /
وهو المعز لهم برفع حجابه /
والله ما طلبوا الوقوف ببابه / حتى دُعُوا وأتاهم المفتاح
هو إن نأى أو زاد في تقريبهم /
يشكو كما يشكون فرط نحيبهم /
وهم الذين تمتعوا بلبيهم /
لا يطربون لغير ذكر حبيبهم / أبداً فكل زمانهم أفراح
فيهم لقد دارت كؤس سقاتهم /
حتى بها زالت عقول صحاتهم /
وحبيبهم لما بدا بصفاتهم /
حضروا وقد غابت شواهد ذاتهم / فتهتكوا لما رأوه وصاحوا
نور التجلي الحق حيَّر عقلهمْ /
لفروعهم أخفى وأظهر أصلهم /
قوم جميع الفضل منتسب لهم /
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم / إن التشبه بالكرام فلاح
سكرت غصون الروض من نسماتها /
وترنمت أطياره بلغاتها /
والذات تجلى في بديع صفاتها /
قم يا نديم إلى المدام فهاتها / في كأسها قد دارت الأقداح
عرفت أهاليها بحفظ أمانةٍ /
وكمال عرفان ورفع مكانةٍ /
بكر أجل طلاً وخير مدامةٍ /
مِن كَرْمِ إكرامٍ بِدَنِّ ديانةٍ / لا خمرة قد داسها الفلاح
إن قلت يا روحي لسبُّوحي
إن قلت يا روحي لسبُّوحي / يقول لي بل أنت يا روحي
وإن أقل يا روح روحي يقل / ذلك نوري من له أوحي
حتى يكون المحو عن لوحنا / فيظهر المخفى في اللوح
غير الوجود الحق ما ها هنا / فاستغنموا تحقيق ممنوح
أحبني قدماً ومن فرط ما / أحبني صور ملموحي
فصورتي محفوظة عنده / يشهدها مشهد ممدوح
وهكذا كل البريات لو / تدري بحال منه مشروح
يا واحداً في كل شيء ولا / شيء فمن سوحٍ إلى سوح
نحن جميعا لك لا أنه / أنت لنا كالنور من بوح
نحن تصاوير تصورتها / حباً لها بالجسم والروح
فادَّعتِ الحبَّ وكانت به / جارحة في زي مجروح
فديتك يا من قد خفيت فلاحا
فديتك يا من قد خفيت فلاحا / وشوقي إليه لا يزال فلاحا
ولا عجب إن طرت في رؤيتي له / فمن لطفه أني وجدت جناحا
ولما بدا وجهٌ له من ورا الورى / رأيت جميع الكائنات ملاحا
تباركت من سر خفي عن السوى / أباح لنا جهراً لقاه أباحا
يقول لشيء كن وما الشيء غيره / إذا كان لكن قد سترت وباحا
وما صبغة الأشياء إلا شؤونه / بها يتجلّى للأنام كفاحا
تعاليت يا ساقي القلوب شرابه / برؤية وجه منه ساعة لاحا
لئن كانت الأكوان في الناس ظلمة / فإنك عندي قد ظهرت صباحا
وشمس سماء الذات منك لنا بدت / وروض التجلي من صفاتك فاحا
هو الكل إلا أن صولة فعله / حجاب له يسقي البرية راحا
فتسكر أرباب العقول فلا ترى / سوى ما لها منها الخيال أتاحا
وما الحسن إلا وهو للعقل تابع / يرى ما يراه قبضة وسراحا
ألا يا وحيد الذات أنت وجودنا / وما نحن إلا الحكم منك متاحا
خطوط بأقلام العقول تخيُّلاً / عن القلم الأعلى صدرن صحاحا
وما القلم الأعلى سوى عن إرادة / تجل انبعاثا إذ علت ورواحا
إرادة غيب من مقام مقدس / ببيدائه فهم المنزه ساحا
قديمة عهد والجميع حوادث / فليس لنا فيها الكلام مباحا
حملت بنا أمٌّ من الأرواحِ
حملت بنا أمٌّ من الأرواحِ / والوضع كان لهيكل الأشباحِ
قلم بِلَوحٍ إن أردت فقل وإن / قد شئت فالأقلام بالألواح
هي ما ترى لا ما رأيت فإنها / تجلى على الرائين كل صباح
فإذا رأو لا يعرفون لمن رأوا / حتى تقوم لهم عقود نكاح
حاء الحيا والحلم والحفظ احتوت / كل الجمال وسائر الأفراح
ولها من النور الشريف تشعشع / كتشعشع الصهباء في الأقداح
والحال يشهد والشهيد هو الذي / شهد الأمور على أتم صلاح
جميع الورى كل أحوالهم
جميع الورى كل أحوالهم / من الخير جود لهم يمنحُ
وفضل من الله لو أنهم / يكون له عندهم ملمح
لشكرانهم أو لكفرانهم / هو الإمتحان لهم يصلح
فلا يفرحوا بالذي جاءهم / ونالوه منه ولا يمرحوا
وأما بفضل إله الورى / نعم فبذلك فليفرحوا
كتاب الله جامع كل شيء
كتاب الله جامع كل شيء / وسنة أحمد المختار شرحُ
وشرحهما الفتوحات التي من / جناب القدس جاء بهن فتح
لشيخ شيوخنا العربي من قد / أتانا منه فيض هدى ومنح
بمحيى الدين يدعى حيث أحيى / لدين الله ذلك نعم مدح
فتوحات بها العلماء زادت / علوماً نحو غيب الغيب تنحو
بها الحيران للتحقيق يهدي / وسكران الهوى والجهل يصحو
ولكن إن هداه الله حتى / من الإنكار لوح النفس يمحو
ولا تعجب فإن كتاب ربي / به خسرت رجال وهو ربح
وسنة أحمد المختار قوم / بها هم في ظلام وهي صبح
ولولا في أوانيهم ضلال / لما منهم ضلال كان نضح
ووالله العظيم يمين عبد / صدوق ما عليه بذاك جنح
أئمة ديننا ما صنفوا في / شريعتنا كتلك ولا يصح
وكيف وقد حوت لعلوم رسم / وكشف كله للناس نصح
وفي الإسلام ليس لها نظير / فيحوي ما حوت وهو الأصح
إني أنا جسم فنفس فروحْ
إني أنا جسم فنفس فروحْ / ثلاثة فيهن أغدو أروحْ
وهن أصل واحد حادث / يخفى سريعاً وسريعاً يلوحْ
وراءه الأمر الذي يقتضي / حقيقة تجهلها كل روح
تنزهت في غيبها عندنا / فما لها إلا شميم يفوح
كاللمح من أبصارنا أمرها / وهو الذي منه يكون الفتوح
يا واحداً وهو كثير كما / قلنا ولكني به لا أبوح
خوفاً على حرمته عند من / يجهله أو يعتريه جموح
فإن كل الفانيات التي / بها الوجود الحق كان السموح
ما غيرته مذ تجلى بها / وباطل في نور حق يطوح
خذ لي أماناً منك يا سيدي / جوانحي للقرب فيها جنوح
وإنني أرجوك في كل ما / أدعوك من خير وقلبي لحوح
حقيقتي أنت ولكن غداً / من بعد موتي لي بهذا وضوح
يوم اللقا مرجعنا كلنا / إليك يا مرجع أنوار يوح
طوبى لمن يفهم أقوالنا / كفهمنا فهو طروب صدوح
أو يترك الإنكار إن لم يكن / يدري ويصغي لكلام النصوح
فإن حانات دواويننا / خمارها يولي الغبوق الصبوح
ولا ينال الكأس إلا فتى / فيه لأسرار المعاني صلوح
عليه ما نرمز لا يختفي / وعنده من كل لفظ شروح
وسر هذا أنه مؤمن / بالغيب من معنى النظام السنوح
يحفظ من طوفان وسواسه / سفينة كان بها حفظ نوح
لا تقرب المنكر يا مسلماً / فربما تعديك منه القروح
وربما سالت جراحاته / فنجست منك الفؤاد الطموح
كم عصبة من جهلهم حالنا / كادوا علينا يلبسون المسوح
ما آمنوا بالغيب حتى على / قلوبهم فيض التجلي يسوح
بل صوروه في خيالاتهم / وعندهم فيما رأوه رجوح
وهو بعيد غاية البعد عن / أن يشبه الغيب الحقيق النزوح
والله مع هذا عليم بهم / وإنه ذو العفو وهوالصفوح
وجه من أهواه لاحْ
وجه من أهواه لاحْ / فاختفى نور الصباحْ
فاسقني الكأس الطفاح / في غبوق واصطباح
لم تقل أهل السماح / موسم الأفراح راح
هذه دعوى الوجود / تمنع القلب الشهود
فهو في أسر القيود / وجنازير الحدود
ليرى حال الأسود / في ملاقاة الكفاح
للغني عبد فقير / وإلى الله المصير
صل يا ربي القدير / لي على البدر المنير
سيد الرسل البشير / فائق كل الملاح
حق عيني رؤية الوجه المليحْ
حق عيني رؤية الوجه المليحْ / قد أتانا خبر فيه صحيحْ
قول طه إن للعين التي / هي عين لك حقاً قد أتيح
فليؤد كل ذي حق هنا / حقه الوارد في النصح الصريح
فهو معروف لدى عارفنا / خافياً عن كل ذي وجه قبيح
وجه من ينكر دين المصطفى / ويرى ذاك حراماً ما أبيح
إن هذا هو شرعي دائماً / وبه ألقى إلهي في الضريح
فليمت غيظاً ويفنى كمداً / كل من ينكره لا يستريح
أين نبت الورد في الخدين من / كل بدرٍ طالع من نبت شيح
والذي ما عنده فرق يرى / بين وجه الشعر والوجه الصبيح
فهو حيوان ولا عقل له / في هوى الدنيا له قلب قريح
يعشق الملعونة الدنيا التي / هو ملعون بها كلب نبيح
إن يقل عنا عرته صبوة / صبوة الجهل بها المرء جريح
ما صبا قلبي ولكن هام في / مجتلى وجه كريم لا شحيح
فانظروا العاشق منكم كيف في / طمس قلب وعمى عين يسيح
وانظروا العاشق منا كيف في / فيض علم الله والفتح الفسيح
ما لكم من نظر يا هؤلا / غير بهتان وتشنيع فضيح
فاستعدوا لسواد الوجه في / يوم حق صادق الوعد رجيح
واعملوا ما شئتموه ههنا / كل قول هو منكم مثل ريح
نحن قوم لا نبالي بالذي / قيل فينا هو ذم أو مديح
حسبنا الله الذي نعرفه / وبه نهوى تجليه الرجيح
أنكرت أمثالكم قبلي على / مثل طه وعلى عيسى المسيح
وعلى مثل خليل الله من / جاء بالحق وإسحق الذبيح
ثم زالوا ومضوا في غيهم / وعن الباطل ذو الحق أزيح
هكذا الدنيا علينا وعلى / منكرينا ما عليها مستريح
إليك يا غير عني إني أحب المليحْ
إليك يا غير عني إني أحب المليحْ / شوقاً لوجه صبيحْ
جارت علينا الحبائبْ يا هل ترى ما يكون / والجور موت صريحْ
إني أرى اليوم قلبي قد غاب عند الحبيب / خلف الستائر طريح
يا ليتني كنت حاضر بين الحمى والمقام / قلبي هناك الجريح
كم سحت بين البوادي أبغي جمال الوجود / فلم أجد غير ريح
هامت رجال التجلي وجاء طيب الوصال / في عز ملك فسيح
يا جيرة الحي قوموا إلى شهود القديم / فإنه قد أبيح
صلوا على النور طه وسلموا يا رفاقي / عبد الغني كم يصيح
إن هذا الصبا وهذا الصباحا
إن هذا الصبا وهذا الصباحا / كشفا لي تلك الوجوه الصباحا
كل وجه له من الله شكل / أتراءى به الجمال الصراحا
واحد لا سواه لكن عليه / من تقاديره ترى أشباحا
لك تبدو به وما هي شيء / فتراها الأجسام والأرواحا
وهو وهو الله الوجود تعالى / عن شبيه له إذا غبت لاحا
وإذا لحت غاب عنك فحاذر / ه وسلم له وألق السلاحا
أنت باب الوجود في يده إن / شاء فتحاً تكن له المفتاحا
وإذا لم يشأ فلا تعترضه / وتأدب واخفض إليه الجناحا
ركب الحجاز سرى الحادي بهم ودنا
ركب الحجاز سرى الحادي بهم ودنا /
وخلفوني أقاسي الشوق والحزنا /
ومذ رأوني بأرض الشام مرتهنا /
شدوا المطايا وقد نالوا المُنى بِمِنى / وكلهم بأليم الشوق قد باحا
تلك البلاد سرت فينا منائحها /
وقد تباشر غاديها ورائحها /
وحين لذَّ لهم في الأرض سائحها /
سارت ركائبهم تندى روائحها / طيباً بما طاب ذاك الوفد أشباحا
هم الرجال أجل الوافدين همُ /
لنحو أحبابهم قد أسرعت همم /
طابوا بطيبة طيباً وانجلت غمم /
نسيم قرب النبي المصطفى لهم / روح إذا شربوا من ذكره راحا
أواه لم أقض يوم البين من وطر /
والشوق ألقى فؤاد الصب في خطر /
فصحت للبدو لما كنت في حضر /
يا سائرين إلى المختار من مضر / سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحا
كم ذا أسلي فؤادي قصد محضرة /
لهم وروحي عنه غير صابرة /
وكم نقول لهم من غير مقدرة /
إنا أقمنا على عجز ومعذرة / ومن أقام على عجز كمن راحا
فَرَحي يا فَرَحي يا فَرَحي
فَرَحي يا فَرَحي يا فَرَحي / خمرة المحبوب ملء القدحِ
قم بنا نشربها صافية / يا نديمي واغتبق واصطبح
خمرة الذات تجلت وعلت / عن معاني الكون يوم الفرح
لا يراها غيرها من أحد / كل طرف بالسوى منجرح
هذه لا هذه أنت ولا / أنت فاعرف عين هذا الشبح
هو عين الكل لا كل سوى / عينه عين العطا والمنح
بيته الغيب فإن لم تستطع / لا تحل عن بابه المنفتح
ربما يقبلك البواب إن / كنت ذا قلب له منطرح
واحد عدده العقل لنا / بانتظام كعقود السبح
فتحقق وتدقق واعترف / أنك الفرد الذي لم تلمح
وتوحد واترك الكثرة عن / وهمك الحاجب عنه واستح
أنت حق واحد لا غيره / غيره أنت فَطِبْ وانشرح
وادخل الحضرة يا حضرته / وتعانق معه واصطلح
لمتى أنت سواه لمتى / في نزاع أنت مت واسترح
يا وجوداً واحداً ليس له / غير أسماء به لا تنمحي
ظهرت عنه له في صور / فانيات مثل قوس القزح
كن له لا لسواه أبداً / وانغسِلْ عنك به وانمسح
كن جماداً وإذا شئت به / كن نباتاً مثمراً كالبلح
وإذا شئت كنِ الحَيْوان يا / أيها الإنسان وقت المرح
وانجمع إن شئت طوراً وافترق / كيفما كنت ولا تقترح
هذه الأطوار لا تبقى له / هي برق لاح للملتمح
يتجلى هو في الكون بها / لا بها مزدلف في قرح
كم شحيح قام بالنفس فلم / يلقها لما تجلت كم شحي