المجموع : 246
أنا بالحكومة والسياسة أعرف
أنا بالحكومة والسياسة أعرف / أأُلام في تفنيدها وأعنَّف
سأقول فيها ما أقول ولم أخف / من أن يقولوا شاعر متطرِّف
هذي حكومتنا وكل شُموخها / كَذِب وكل صنيعها متكلَّف
غُشَّت مظاهرها ومُوِّه وجهها / فجميع ما فيها بهارج زُيَّف
وجهان فيها باطن متستِّر / للأجنبيّ وظاهر متكشِّف
والباطن المستور فيه تحكّم / والظاهر المكشوف فيه تصلُّف
عَلَم ودستور ومجلس أمة / كل عن المعنى الصحيح محرف
أسماء ليس لنا سوى ألفاظها / أما معانيها فليست تعرف
مَن يقرأ الدستور يعلمْ أنه / وَفقاً لصكّ الانتداب مصنَّف
من ينظرِ العَلم المرفوف يلقَه / في عزّ غير بني البلاد يرفرف
من يأتِ مجلسنا يصدّق أنه / لمُراد غير الناخبين مؤلَّف
من يأتِ مُطّرَد الوزارة يُلفِها / بقيود أهل الاستشارة ترسف
أفهكذا تبقى الحكومة عندنا / كلماً تموَّه للورى وتُزخرَف
كثرت دوائرها وقلّ فَعالها / كالطبل يكبُر وهو خال أجوف
كم ساءنا منها ومن وزرائها / عمل بمنفعة المواطن مُجحِف
تشكو البلاد سياسة مالية / تجتاح أموال البلاد وتُتلف
تُجبى ضرائبها الثقال وإنما / في غير مصلحة الرعيّة تُصرف
حكمت مُشدِّدة علينا حكمها / أما على الدخلاء فهي تخفِّف
يا قوم خَلُّوا الفاشية إنها / في السائسين فظاظة وتعجرُف
للإنكَليز مطامع ببلادكم / لا تنتهي إلاّ بأن تتبلشفُوا
بالله يا وزراءنا ما بالكم / إن نحن جادلناكم لم تُنصِفوا
وكأنّ واحدكم لفَرط غروره / ثمِل تَميل بجانبَيْه القرقَف
أفتقنعون من الحكومة باسمها / ويفوتكم في الأمر أن تتصرّفوا
هذي كراسيّ الوزارة تحتكم / كادت لفرط حيائها تتقصَّف
أنتم عليها والأجانب فوقكم / كلّ بسلطته عليكم مُشرِف
أيُعَدّ فخراً للوزير جلوسه / فَرِحاً على الكرسيّ وهو مُكتَّف
إن دام هذا في البلاد فإنه / بدوامه لسيوفنا مُسترعِف
لا بدّ من يوم يطول عليكم / فيه الحساب كما يطول المَوْقف
فهُنالِكم لم يُغنِ شيئاً عنكم / لُسُنٌ تقول ولا عيون تذرف
الشعب في جزع فلا تستعبدوا / يوماً تثور به الجيوش وتزحف
وإذا دعا داعي البلاد إلى الوغى / أتظنّ أن هناك مَن يتخلَّف
أيذِلّ قوم ناهضون وعندهم / شرف يعزّز جانبَيه لمُرهف
كم من نواصٍ للعدى سنجُزّها / ولحىً بأيدي الثائرين ستنتف
إن لم نضاحك بالسيوف خصومنا / فالمجد من أبناء والعُلا تتأفّف
زر ردهة التأريخ إن فناءها / للمجد من أبناء يعرب متحف
قد كان للعرب الأكارم دولة / من بأسها الدول العظيمة ترجُف
عاش الأديب منعَّماً في ظلّها / والعالم النِحرير والمتّفلسف
أيام كان المسلمون من الورى / في ظلّها لهم المحل الأشرف
ثم انقضى عهد العروبة مذ غدا / عنها الزمان بسعده يتحرَّق
حتى تقلَّص بعد من سلطانها / ظلّ بأقصى المشؤقَين مُوَرَّق
وغدت ممالكها الكبيرة كلها / لسهام كل دويلة تَسْتَهْدف
فبنو العروبة أصبحوا في حالة / منها العروبة لا أبا لك تأنف
والمسلمون بحالة من أجلها / تالله ضجّ بما حواه المُصحف
دع مزعج اللوم وخلِّ العتاب
دع مزعج اللوم وخلِّ العتاب / واسمع إلى الأمر العجيب العُجاب
من قِصّة واقصة غصّة / تُضحك بل تدعو إلى الانتحاب
في الكرخ من بغداد مرّت بنا / يوماً فتاة من ذوات الحجاب
لَبَّتها مُوقَرةٌ بالحِلى / وكفّها مُشَبعة بالخِضاب
ووجهها يطمس سحناءه / عنّا ظلام من سواد النقاب
تمشي العِرَضْنَى في جلابيبها / مِشيةَ إحدى المومسات القحاب
تختلب اللبّ بأوضاعها / وكل ما يظهر منها خِلاب
قد وضعت تاجاً على رأسها / يلمع في الظاهر لمعَ الشهاب
يُحسَب من درّ بتَمْوِيهه / وهو إذا حققته من سِخاب
كاسيةَ الجسم أرقّ الكُسا / مَوْشِيّة الثوب بوَشيٍ كذاب
قد غُولط الناس بأثوابها / في أنّها من معمل الانتخاب
وهي لعمري دون ما رِيبةٍ / منسوجة في مَنسَج الاغتصاب
فالغِشّ في لحمتها والسَدى / وكلُّ ما يدعو إلا الارتياب
قال جليسي يوم مرّت بنا / من هذه الغادة ذات الحجاب
قلت له تلك لأوطاننا / حكومة جاد بها الانتداب
نحسبها حسناء من زيَها / وما سوى جنبول تحت الثياب
ظاهرها فيه لنا رحمةٌ / والويل في باطنها والعذاب
مُصابنا أمسى فظيعاً بها / يا ربّ ما أفظع هذا المُصاب
تالله قد حُقَّ لنا أننا / نحثو على الأرؤس كل التراب
ياسين إنك بالقلوب مشيَّع
ياسين إنك بالقلوب مشيَّع / أ فأنت للوطن العزيز مودع
أخذوك يا بطل المعامع غِيلةً / بيد الخِداع ومثلهم مَن يخدع
ولو أنهم تركوا الخداع وحاولوا / لُقياك أعجزهم إليك المطلع
أوَ ليس يدري آخذوك بأنهم / هاجَوا بمأخذك الخطوب وزعزعوا
أين الذمام ونحن من حلفائهم / سرعان ما نقضُوا العهود وضيَعوا
أفيجهلون بأننا من أمة / في المجد تأمر مَن تشاء فيسمع
لا تجزعَنّ فإن خلفك أمةً / تمشي كمشيك للعَلاء وتتبع
إن أخرجوك من المواطن مُكرَهاً / فالشعب خلفك هائج لا يهجع
أو غيّبوك فإن أمرك حاضر / أو ثبطوك فإن جيشك مسرع
فَلنَملأنّ بك البلاد هزاهزاً / حتى يضيق بها الفضاء الأوسع
ولَننهضنّ إلى الهياج بهمّة / شّماء يُبصرها الجبان فيشجع
ولنَسعرنّ معامعاً يَصلونها / ورءوسهم فيها لسيفك رُكّع
ولَنَرمَينّهم بمعضلة إذا / تُرمى الجبال بمثلها تتصدّع
ونقودها خرساء يُنطقها الردى / فيصِل صمصمام ويصرخ مِدفع
يا راحلاً عنا بكَيد عدوّنا / أبشر فإنك عن قريب ترجع
لا تأمَنن دنياك في حالة
لا تأمَنن دنياك في حالة / مهما تكن زاهية زاهرة
وانظر لعُقبى وزراء مضَوْا / كيف عليهم دارت الدائرة
باتُوا على النَعماء في ليلة / شبَت لهم في صبحها نائرة
إذا قذفتهم عن كراسّيها / وزارة كانت بهم وازره
كانوا كعِقد رائق نظمه / فبَددتهم ضربة ناثره
ضربة جيش لم يكن ناطقاً / إلاّ بنيرانٍ له زافره
بانوا كآساد الشرى رُبَّضاً / فأصبحوا كالنَّعَم النافره
فواحد طار إلى ربّه / ولاذ من دنياه بالآخره
وواحد يصحبه أهله / طارت إلى مصر بهم طائره
لم يَصفُ بالسراء عُرس ابنه / ولم تَرُق ليلته الساهره
واثنان سارا في طريق معاً / إلى حمى سورية العامره
سارا وكل منهما قائل / قول امريء أشجانه فائره
بغداد يا خاذلتي إنني / أسكن بعد اليوم في الناصره
ولست بعد المنُتبأى قاطعاً / ما ربطتني بك من آصره
وكانت الأفواه مكمومةً / فأصبحت من بعدهم فاغره
تلهج بالشتم لهم لاذعاً / وتُكثِر الضحك بهم ساخره
وهي التي كانت لهم قبل ذا / مادحةً حامدة شاكره
هذي هي الدنيا وأبناؤها / في يومنا والحِقب الغابره
لا تنفع الناس مساعيهم / إذا الجُدود انقلبت عاثره
لو قيل لي في الجيش مَن ذا الذي / كان بما أوقعه آمره
قلت سلوا الكرخ فذو أمره / في تلكم الدائرة الماكره
ففي فلسطين وثُوّارها / لهم يدٌ تعرفها القاهرة
قد دبَرت منهم لهم كيدها / حتى غدت منهم بهم واتره
أهل العراقين متى تأبهوا / للغِيَر الهاجمة الدامره
في كل يوم لكم هَيْعة / مضحكة كالنكتة النادره
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد
جئت إلى الدير ضحا يوم الأحد / أقصِد منها حلباً فيمن قصد
فاعترضتني شُرطة ذات رَصَد / تطلب تصديق جوازي في الصدد
فعاقني ذاك اليوم لغَد / كأنني والغيظ في قلبي اتَقد
سفينة أسكنها ماءٌ جَمَد / حتى لقد يئست من فتح السُدَد
وقلت من يأسي وقد قلّ الجَلد / كأنَ من يمُرّ من هذا البلد
يمر زحفاً بين أشداق الأسد / لولا كرام أدركوني بالمَدَد
لكنت أبقى زمناً من غير حد / يا صاحب الشرطة ما هذا اللدد
لم أدر جدٌّ فعلكم أم هودَد / فإن أجنادك جاءوا بالفَنَد
إذ فيّ عاثُوا عَيث ذئب في نَقَد / تعاوَرتني منهم يدٌ فيد
أقاد كالقاتل قِيد للقَوَد / حتى ثيابي فتَشوها والجسد
كأنني سارق مال مُفتَقَد / ما أنا ممَن جرّ جرماً فشَرد
ولست ممن سِيم حقاً فجحد / كلاّ ولست جانياً على أحد
لكنما الأمر لديهم قد فسد / والحُكم قد جار عليهم واستبد
فالقوم أما حظّهم فقد رقد / عنهم وأما سعدهم فقد خَمَد
منهم وأما نحسهم فقد وَقَد / وقد أضاعوا مجدهم إلى الأبد
بكت في ظلام الليل تندب أهلها
بكت في ظلام الليل تندب أهلها / بصوت له الصخر الأصمَ يَلين
وباتت وقد جلّ المُصاب حزينةً / لها في مناحى الغُوطتين أنين
تئن وقد مدّ الظلام رِواقه / وخيّم صمت في الدجى وسكون
إذا هي مدّت في الدُجُنّة صوتها / تَميد له في الغوطتين غصون
وتلهب منه في الفضاء شرارة / فتُبصرها في الرافدين عيون
وتَهبو له في ساحل النيل هَبوة / أبو الهول منها واجد وحزين
ومن بعد وهن أشرق البدر طالعاً / فأسفر منها عارض وجبين
فأبصرت منها الوجه أزهر مشرقاً / بخديه سر للجمال مصون
جمال بديع بالجلال متَّوج / له سبب في المكُرمات متين
وبَرقَعَها حزن فكان لوجهها / مكان من الحسن المَهيب مكين
فتاة جَثَت في الأرض تبكي وحولها / صريع على وجه الثرى وطعين
فضمت إلى الصدر اليدين وعينها / تقاذفُ منها بالدموع شؤون
وقد شَخَصت نحو السماء بطرفها / لها كلَّ آن زَفرة وحنين
وما أنس لا أنس العشّية أنها / تورّمَ منها بالبكاء جفون
وإن غزير الدمع خدّد خّدها / فلاحت من الأشجان فيه فتون
ولما انقضى صبري تراميت نحوها / كما ترتمي بالعاصفات سَفين
وقلت لها مَن أنت رُحماك إنني / لك اليوم خِلٌ صادق وأمين
فقالت وقد ألقت إليّ بنظرة / عن القصد فيها مُعرب ومُبين
أنا البلدة الثكلى دمشق ابنة العلا / أما أنت في مغنى دمشق قَطين
ألم تر أبنائي يُساقون للردى / فمنهم قتيل بالظُبى وسجين
فأين أباة الضيم من آل يعرب / ألم يأتِ منهم ناصرٌ ومُعين
فقلت لها لبَّيك يا أُمّ إنهم / سيأتيك منهم بارزٌ وكمين
سندرك فيك الثأثر من أنفس العدى / ونُوقِد نار الحرب وهي زَبون
فهذي دمشق يا كرام وهذه / أحاديث عنها كلهن شُجون
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا
عندي حديث عن دمشق فأنصتوا / فلقد رأيت اليوم طيف خيالها
شاهدتها والغُلّ ناهز قُرطها / والقيد مشدود على خَلخالها
إذ ترسل النظرات في أطرافها / حيث ابن هند قائم بحيالها
وأبو عبيدة واقف بيمينها / وابن الوليد تجاهه بشمالها
وسيوفهم بأكُفّهم مسلولة / والنار تلهب من شِفار نصالها
في ساحة بثّ الأعادي حولها / زُمَراً تموج بخيلها ورجالها
شاهدتها والحزن فوق جبينها / يحكي سواداً فوقه من خالها
ترنو وقد عقد المُصاب لسانها / فشكت مصيبتها بمنطق حالها
جَور العدى أزرى بغضّ جمالها / فذوى وما أزرى بعزّ جلالها
ولقد سمعت أبا يزيد هاتفاً / بمقالة دُهش العدى بمآلها
صُبُّوا لَظاكم في طَريّ جمالها / إني افتديت جلالها بجمالها
هي حرّة تأبى المَذَلّة نفسُها / والدهر أجمعُ عَيّ عن إذلالها
ثم انتحى بالسيف أرضاً حولها / جَلَداً فخطّ بها خطوط مثالها
وغدا به ضرباً على أغلالها / وعلى قيود الرجل من تمثالها
فَعَلت بقامتها وفك أسارها / وانبتّ منقطعاً وثيق عقالها
فمشَوا ثلاْثتهم بها وسيوفهم / شُبِّكْنَ كالاكليل فوق قَذالها
فكأنما هي قَيْلة قد أبررت / تحت اللوامع من ظُبى أقيالها
هذي هي الرؤيا وهل تعبيرها / إلاّ دمشق تفوز باستقلالها
فليعلم اللؤماء من أعدائنا / أن البلاد عزيزة برجالها
فرجالها أسمى الورى وطنية / وأشدهم صبراً بيوم نضالها
فإذا دعتهم للوغى أوطانهم / كانوا الكُماة الشُوس من أبطالها
أرجال كتلتها هنيئاً للعلا / في الدهر أنكم بُغاة وصالها
أولى البرية بالسيادة أمة / تسمو بوحدتها على أمثالها
ومَن افتدت أوطانها بدمائها / وبآخر الرَبَوات من أموالها
وإذا التفرُّق دبّ بين صفوفها / باتت مَهدَّدة العلا بزوالها
يا قوم فَلْنَكُ أمةً كجدودنا / أفعالها تُربي على أقوالها
منّي إلى مصر ذات المجد والحسب
منّي إلى مصر ذات المجد والحسب / تحية ذات ود غير منقضب
تدلي به دجلة اللسناء عن مِقَةٍ / منها إلى النيل ربّ الشعر والخطب
إذا العروبة حلّت عرش دولتها / فمصر تاج لها قد صيغ من ذهب
كم قام للعرب في أرجائها عَلَم / تهفو ذؤابته بالعلم والأدب
قامت بمعترك الأسياف دولتها / من قبل معترك الأقلام والكتب
من أفق فسطاطها في الشرق قد طلعت / شمس إذا غاب قرص الشمس لم تغِب
بيضاء لن تتوارى بالحجاب كما / قبلاً توارى اِيا الأهرام بالحجب
إني أرى مصر والتأريخ يشهد لي / تحيا بعرق بها من ضئضيء العرب
وليس فرعونها ممن يشط به / بُعد عن العرب العرباء في النسب
يَمتّ للعرب ماضيها وحاضرها / بنسبة غضة في المجد والحسب
ما شاد فيها فؤاد قد أقيِم على / ما شاد عمرو بها في سالف الحقب
كفى الجزيرة فخراً في مكارمها / قبر أناف بها قدراً على الشُهُب
قبر بتربتها قد ضمَ جوهرةً / من معدن الله لا من معدن التُرَب
قامت بصاحبه للعرب نهضتهم / تذكو بعزم لهم كالنار ملتهب
جاشت كتائبهم كالموج صاخبة / ترغو بمثل هزيم الرعد في السحب
تمخضوا من سماع الوحي عن همم / نالوا بها أنجم الجوزاء من كثب
قد وحّدوا الله عن علم فوحّدهم / روحاً فخِيلُوا لأم كلّهم وأب
إذ أصبحوا كبني الأعيان تجمعهم / لله وحدنهم في كل مُطَّلَب
بذلكم نهضوا للمجد نهضتهم / ودوّخوا الأرض بالهندية القضب
في الشرق والغرب كم رايٍ لهم ركزت / في مدة هي بين الوِرْد والقَرَب
حتى لقد ملكوا الأمصار مملكة / كانت بسرعتها من أعجب العجب
العدل شيمتهم والعفو عادتهم / والصبر دَيْدنهم في كل مُحْتَرَب
ما كنت في أيام دولتهم / إلاّ سواسية في الحكم والرتب
من أجل ذاك الرعايا فيهم اندمجوا / مستعربين وما كانوا من العرب
والعرب في يومنا كالَطْيس إن حسبوا / كانوا ثمانين مليوناً لمحتسب
بني العروبة هُبّوا من مراقدكم / إلى متى نحن نشكو صَولة النُوَب
فقد لعمري افترقنا شرّ مفتَرَق / وقد لعمري انقلبنا شرَّ منقَلَب
أما تغارون يا أهل الحِفاظ على / حقّ لكم بيد الأعداء مغتصب
لا تكتفوا بافتخار في أوائلكم / فنشوة الخمر لا تغني عن العنب
بل انهضوا للمعالي مثلَ نهضتهم / واستعصموا باتحاد مُحكم السبب
كانت أوائلكم في وحدة تركت / أعداءهم قِدداً في قبضة الرَهَب
سلوا بذلكم اليرموك واديَه / فإنه بسوى ما قلت لم يُجب
عن خالد بطل الأبطال يخبرنا / إذ فلّ جيش العدى بالقتل والهرب
والقادسية عن سعد مِحدثة / يقتل رستم ربّ العسكر الجِب
إذا علمنا بأن النصر طالعهم / من أفق وحدتهم لم يبق من عجب
ما ضرّ لو نحن وحّدنا ثقافتنا / قبل السياسة بالتعليم والكتب
تلك الجزيرة ترنو نحو وحدتكم / في العلم والحكم والانجاد والطلب
ما أرض مصر ولا أرض العراق لها / إلاّ جناحان من عطف ومن حدب
قد استمّرا قروناً من حَنانهما / على الجزيرة في خَفق ومضطرب
أقول والبرق يسري في مراقدهم / يا ساري البرق أيقظ راقدا العرب
من مبسم الغازي إلى الفاروق
من مبسم الغازي إلى الفاروق / بَسَمات مَومُوق إلى موموق
ملكان مؤتلقان في عرشيهما / كالفرقدين قبالة العَيّوق
نجمان صانهما الإله بلطفه / من أن يُراع سناهما بخفوق
طلعا بَريْعان الشباب على الورى / كالشمس ساعة آذنت بشروق
جمع المهين للعروبة فيهما / سملاً به عبِثت يد التفريق
حتى انجلت من بيننا / ظلمات كل تقاطُع وعقوق
لما تألقّ في البلاد سناها / وضحت إلى العلياء كل طريق
صفت المحبّة في قرار نفوسنا / لهما صفاء الخمر في الراووق
باللطف كل منهما من سعبه / يدنو دُنُوَّ أبٍ عليه شفوق
ما أسعد الشعبين قد جمعتهما / أبداً أواصر من دم وعُروق
هذا انتشى بصَبوحه من دجلة / قبلاً وزاد من نيله بغبوق
أحيا العروبة بعد لأيٍ رّبها / بحياة غازيها وبالفاروق
يا وافدين وفي مسيرهم امتطَوْا / بطن الجَوائب لا ظهور النُوق
يا مرحباً بقدومكم من معشر / حرّ إلى الشرف الرفيع سبوق
أبناء مصر والشآم إليكم / منّي تحية وامق وصديق
فيكم جهابذة العلوم بحورها / من كل نطس في الفنون عريق
لله أنتم كم خطيب مِصْقَع / فيكم وكم من شاعر منطيق
من ضئضئ العرب الكرام زكا لكم / نسب يروق بمجده المَنسوق
لا تعجبوا من أن تضوّع طيبه / فلقد تَضَمخ من علاً بخَلوق
أنتم أسود من ذؤابة يعرب / زلزلتم بالعزم كل صَفوق
حاولتم الشرف الرتيق مناله / حتى رميتم رتقه بفتوق
رقت لكم في الرافدين مودّة / كَندى الغيوم تضاحكت ببروق
سكبت لكم منا المَقاول صِرفها / كالراح تسكب من فم الإبريق
ما أن تصافحنا غداة لقائكم / إلا بكفَّيْ شائق ومَشوق
هذي القلوب وقد زكت بوِدادكم / مثل النخيل وقد زهت بعُذوق
لكم المِقات تضمهنّ صدورنا / مثل العقود تُصان في صندوق
والنيل من شرف العروبة منهل / جلّت موارده عن الترنيق
هذي مآثرنا العظام خذوا بها / ودعوا إدعاء الحاسد الصَعفوق
إني أودّعكم ودَاع مواصل / يرجو اللَحاق بكم بلا تعويق
وأطيق في طول المقام تحكُّماً / منكم ولست لبَيْنكم بمطيق
ومن العجائب في الزمان وأهله / بَلَه الفقيه وفطنة الزنديق
قل لسلمان بعدما كان حراً
قل لسلمان بعدما كان حراً / كيف قد جاز رقه والأسار
إن ما قلتَه من القول هُجر / مُنكَر لا تقوله الأحرار
وطن المرء عِرضه وهَواه / وعلى العرض كل حرّ يَغار
كل شيء يعار في الناس إِلا ال / عرض منهم فإنه لا يعار
أرذل الناس مَن يقوم عليهم / أجنبيّ في أمرهم يستشار
هو يُدعى بالمستشار ولكن / هو في الحكم آمرٌ قهّار
كيف نسعى إلى العلا في أمور / ليس فيها رَأيٌ لنا واختيار
فبذا ركن عزّنا يتداعي / وبذا صرح مجدنا ينهار
إن للأجنبيّ فينا لحكماً / أسدلت دون جَوره الأستار
فهو يقضي بحكمه عير مسؤو / لٍ قضاءً به الأمور تُدار
إن أدمون في الوزارة باق / يُترجّى في بهوِها ويزار
يملك البت في الأمور ولكن / لا يقولون إنه مستشار
فاعتبرنا الألفاظ دون المعاني / إذ بها خُصّ عندنا الأنكار
وكذاك استقلالنا غِيل معنا / هُ فأضحى للفظه الاعتبار
ولأدمون من ذويه رجال / كلهم في ظهورنا أوزار
قد تَولَّوْا تمويننا عن خِداع / فارتقت في غلائها الأسعار
واستمرّت أقواتنا في انتقاص / وتفشّى في سوقها الاحتكار
ولهم في مدى العراق جيوش / كجرادٍ علينا انتشار
وَلكَمْ شِيد في العراقين حِصن / ومطار لجيشهم فمطار
هم بذا هَيَّئُوا البلاد لحرب / لم تَقِدْ عندنا لها اليوم نار
كيف نُصلى الحرب التي نحن فيها / لاذُ حُول لنا ولا أوتار
كيف نُصلى الحرب التي فصلتنا / عن ذويها مَهامِهٌ وبحار
إن هذا في الحكم منهم لظلم / وهو عار عليهم وشنار
وهو نقض لما جرى من عهود / حكمها من خِداعهم مستعار
فلماذا نراك تدعو إليهم / وهم اليوم ذُلّنا والصَغار
أيّ شيءٍ تريده بعد هذا / أخُنوع أم خَيْبة أم دَمار
فإذا كنت تبتغي المسخ فينا / كي يعيش الإنسان وهو حمار
فسل الله أن نكون حميراً / قد عراها من الهوان نِفار
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ
يا عدل طَال الانتظار فعجِلِّ / يا عدل ضاق الصبر عنك فأقبل
يا عدل ليس على سواك مُعوَّل / هلا عطفت على الصَريخ المعْوِل
كيف القرار على أمور حكومة / حادت بهنّ عن الطريق الأمثل
في المُلك تفعل من فظائع جَورها / ما لم تقُل وتقول ما لم تفعل
ملأت قراطيس الزمان كتابةً / للعدل وهي بحكمها لم تعدِل
أضحتْ مناصبها تُباع وتُشترى / فغدت تُفوّض للغنيّ الأجهل
تعطى مؤجَّلةً لمن يبتاعها / ومتى انتهى الأجل المسمّى يعزل
فيروح يَشري ثانياً وبما ارتشى / قد عاد من أهل الثراء الأجزل
فيَظَلّ في دار الخِلافة راشياً / حتى يعود بمنصب كالأول
سُوق تباع بع المراتب سُّميت / دار الخلافة عند من لم يعقل
أبَتِ السياسة أن تدوم حكومة / خُصَّت برأي مُقَّدس لم يُسأل
مَثل الحكومة تستبد بحكمها / مَثَل البناء على نَقاً متهّيِل
يا أمة رقدت فطال رقادها / هُبّي وفي أمر الملوك تأمّلي
أيكون ظِلَّ الله تاركُ حكمه ال / مَنْصوص في آي الكتاب المُنزل
أم هل يكون خليفةً لرسوله / من حاد عن هّدْي النبي المُرسَل
كم جاء من مَلِك دهاك بجَوره / ولواك عن قصد السبيل الأفضل
يَقضي هواه بما يَسُومك في الورى / خَسفاً وينقِم منك إن لم تقبلي
ويَروم صبرك وهو يَسقيك الرَدى / ويُريد شكرك وهو لم يتفضل
وقد استكُنْت له وأنت مُهانة / حتى صبَرت لفتكه المستأصل
باتَ السعيدَ وبِتِّ فيه شَقّيةً / تُستخدمين لغَيّه المسترسل
تلك الحماقةُ لا حماقة مثلها / منها رُميتِ بكل داءٍ مُعضِل
إن لم يكن ذُلّ الألولف لواحد / حُمُقاً فهل هو من صحيح تعقُّل
إن الحكومة وهي جمهورية / كشفت عماية قلب كل مضلّل
سارت إلى نُجْح العباد بسيرة / أبدت لهم حُمُق الزمان الأوّل
فسَمَوا إلى أوج الَعلا ونحن لم / نبرح نَسوخ الحضيض الأسفل
حتى استقلّوا كالكواكب فوقنا / تجلو الظلام بنورها المتهلِّل
وعَلَوا بحيث إذا شَخَصنا نحوهم / من تحتهم ضحكوا علينا من عل
لبسوا ثياب فَخارهم مَوشِيّةً / بالعوّ وهي من الطراز الأكمل
نالوا وصال مُنَى النفوس وإنها / حرّية العيش الرغيد المُخْضِل
حتى أُقيم مُجَسَّماً تمثالها / بين الشعوب على بناءٍ هَيْكل
تمثال ناعمة الشمائل وجهها / تزداد نوراً منه عين المُجتلي
أفبعد هذا يا سَراة مَواطني / نَرضى ونَقنع بالمعاش الأرذل
العَوَثُ من هذا الجمود فإنّه / تالله أهَونُ منه صُمُّ الجَنْدل
قد أبْحَرت شُمُّ الجبال وأجبلتْ / لُجّج البحار ونحن لم نتبّدل
ما ضَرَّكم لو تسمعون لناصح / لم يَأتِ من نسج الكلام بهَلهَل
حَتّام تَبقَى لعبة لحكومة / دامَت تُجرِّعنا نَقيع الحنظل
تنحو بنا طُرُق البوار تحيُّفاً / وتَسومنا سوء العذاب الأهَول
هذا ونحن مُجَدَّلون تجاهها / كالفار مُرتعِداً تجاه الخَيْطل
ما بالنا نخاف القتل إن / قمنا أما سنموت إن لم نُقتَل
يا عاذلاً فيما نفثت من الرُقىَ / وعَزَمت فيه على الصريع المهمَل
انظر لصرعة من رَقَيْتُ وطولها / فإذا نظرت فعند ذلك فاعذِل
خليلّ هل من منصت فأبثَّه
خليلّ هل من منصت فأبثَّه / شجون فتى يشكو الأليم من البَثّ
فأني سئمت العيش في عنفوانه / ويسأم مثلي كلّ محترث حرثي
أقول وليل الغرب ليس بنائم / أما لنيام القوم في الشرق من بعث
لقد جاح هذا الشرق بعد اعتزازه / جوائح أودت منه بالكرش والفَرث
فساء من الإملاق والجهل خُلقه / وصار سمين القوم يَبطِش بالغَث
وعاد هزيلاً مجده متلفّعاً / بسحقٍ دَريس من مفاقَره رَثّ
وهبَت به هوج الرياح فلم تدع / من العلم جذراً فوقه غير مُجتَثّ
أرى غثياناً في النفوس وهل ترى / نفوساً على خُبث المطاعم لا تغثي
فيا قومنا أين المساواة عندكم / فقد طال عنها في مواطنكم بحثي
وأين مواثيق الأخوة إنني / أرى حبلها في كل يوم إلى النكث
إن بصدري للقريض لفَوْرةً / يزيد بها من طول غفلتكم نفثي
أراكم فأهجو ثم أطرق ذاكراً / أوائلكم قبلاً فأندب أو أرثي
وأبكي على المجد الذي كان دونه / على رُكبتَيْه الدهر من خشية يجثي
يقولون إن الأرث في الخلق سُنّةٌ / فهل بطلت في خلقكم سنة الإرث
فهلا ورثتم ثلث ذاك الذي بنوا / من المجد لا لا بل أقلّ من الثلث
فعدتم وقاموا واستكَنْتم وفاخروا / بعزٍّ على وجه البسيطة مُنَبثّ
وما أتعبَ المستنهضيكم فإنهم / يحثّون منكم للعلا غير محتثّ
أما والعلا واهاً لها من ألِيَّةٍ / عدِمت العلا إن بِتّ منها على حنث
لاحتقرن الموت في معرك المُنى / واستُر أفق البأس بارَهَج الكث
وأركب متن الهَول دون لُبانتي / ولست أبالي بالكوارث والكَرْث
وأجري بمُستَنّ الخطوب مشمِّراً / واخبط ليل المزعجات بلا لُبْث
ولولا إبائي إن أخاطب ماجناً / كتبت هجاء الدهر بالقلم الثلث
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا
أيا سائلاً عنا ببغداد إننا / بهائم في بيداء أعَوزها النبت
علت أمة الغرب السماء وأشرفت / علينا فظلَنا ننظر القوم من تحت
وهم ركضوا خيل المساعي وقد كبا / بنا فَرَس عن مِقَنب السعي مُنَبت
فنحن أناس لم نزل في بَطالة / كأنا يهود كل أيَامنا سبت
خضعنا لحكام تجور وقد حلا / بأفواهها من مالنا مَأكل سُحت
وكم قامَرتنا ساسة الأمر خُدعةً / فتَمّ علينا بالخِداع لها الدَسْت
لماذا نخاف جُبناً فلم نقم / إلى الذَّب عنا من أمور هي الموت
إذا كنت لا ألقى من الموت مَوْثلاً / فهل نافعي إن خِفته أو تهَيَّبت
ولَلموت خير من حياة تَشوبها / شوائب منها الظلم والذُل والمقت
خرج الناس يهرعون احتفاءً
خرج الناس يهرعون احتفاءً / بقدوم الأمير غير الأمير
ولقد هوَّن الحفاوة منهم / أنهم يحتفون لا عن شعور
ملؤوا الشارع الكبير لأمر / في كبير العقول غير كبير
ليس هذا الضجيج في الطُرق إلاّ / قهقهات التقدير للتدبير
ليس هذا السواد إلاّ سواداً / في رجاء اللبيب ذي التفكير
وسواءٌ أزمرة من رَعاع / لك تبدو أم عانة من حمير
كيف جاء الأمير قبل ائتمار ال / قوم فيما يختصّ بالتأمير
تخذوا منه آلة لأمور / لم تكن من أمورنا بأمور
ثم سمَّوه بالأمير وهذا / من ضروب الخِداع في التعبير
أ أميراً والآمرون سواه / لم يكن عندهم سوى مأمور
أمّا وقد طلع الرجا
أمّا وقد طلع الرجا / ءُ يشع أنوار السرور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
فاذهب لشأنك أيها / اليأس المخيِّم في الصدور
ماذا يريد المرجفو / ن بكلّ بهتان وزور
من بعد ما بدت المنى / للقوم باسمة الثغور
في دار مولانا النقيب / بوجه مولانا الأمير
ماذا يخاف القوم من / ميل الزعانف للنفور
بعد اقتران النَيِّريْن / الساطعين بكل نور
من وجه مولانا النقيب / ووجه مولانا الأمير
مدّ النقيب إلى الأمي / ر يد المعاون والنصير
فليخز كل مشاغب / في القوم ينزغ بالشرور
وليحى مولانا النقيب / حياة مولانا الأمير
لنا مَلك وليس له رعايا
لنا مَلك وليس له رعايا / وأوطان وليس لها حدود
وأجناد وليس لهم سلاح / ومملكة وليس بها نقود
أيكفينا من الدَولات أنّا / تُعلَّق في الديار لنا البُنود
وأنا بعد ذلك في افتقار / إلى ما الأجنبيّ به يجود
تجوز سيادة الهنديّ فينا / وأما ابن البلاد فلا يسود
إذن فالهند أشرف من بلادي / وأشرف من بني قومي الهنود
وكم عند الحكومة من رجال / تراهم سادة وهم العبيد
كلاب للأجانب هم ولكن / على أبناء جِلدتهم أسود
وليس الإنكليز بُمنقذينا / وإن كُتبت لنا منهم عهود
متى شَفِق القويّ على ضعيف / وكيف يعاهد الخِرفانَ سِيد
ولكن نحن في يدهم إسارى / وما كتبوه من عهدٍ قيود
أما والله لو كنا قروداً / لما رضَيت قرابتنا القرود
إليك زعيم الهند أورد هاهنا
إليك زعيم الهند أورد هاهنا / سؤالاً له أرجو الجواب تفضّلا
فنحن هنا في مجلس ذي أمانةٍ / فلم يخشَ فيه الحرّ أن يَتَقوّلا
إذا ما سمعتُ الهند في قول قائل / تخيّلت فيلاً بالحديد مكبّلا
تُزَجّيه كفّ الأجنبيّ مسخَّراً / فيمشي بأعباء الأجانب مُثقلا
ويَبرك أحياناً على الأرض رازحاً / له أنّةٌ من ثِقل ما قد تحملا
ويُنخَس أحياناً فتعلوه رجفةٌ / فيمضي على رغم القُيود مهرولا
وإني أظنّ الفيل صاحب قوّة / تكون له لو شاء من ذاك مّوْثلا
فلو قام هذا الفيل واستجمع القوى / لهزّ بها شُمَّ الجبال وقلقلا
ولو لم تكن بالفيل عندي عَلاقة / لما رُمت عن هذا جواباً مفضّلا
لنا حَمَل وهو العراق نظنّه / غدا من وراء الفيل للذئب مَأكلا
فإن ينجُ هذا الفيل من قيد أسره / نجَوْنا وإلاّ أصبح الأمر مُعضلا
فإن لم يكن هذا صحيحاً فما الذي / ترون سوى هذا عليه المُعَوّلا
ومن بعد هذا يا محمد إنني / أحيّيك باسم الناهضين إلى العلا
لقد جمع الدهر المكايد كلّها
لقد جمع الدهر المكايد كلّها / بقِدرٍ كبيرٍ صيغ من معدن الخبث
وصبّ عليها من بئار صروفه / سجالاً من الكذب المموَّه والحنث
وأنقع فيها ما يعادل ثلثها / من المكر بل ما قد يزيد على الثلث
وفتّت أرطالاً من الغدر فوقها / وعالجها بالدقّ والدلك والدَعت
وأوقد ناراً للخديعة تحتها / تزيد على نار الغضى أو على الرِمث
ففارت ملياً فيه ثم تصعّدت / بخاراً بانبيق من السحر والنَفث
فصاغ طباع الإنكليز من الذي / تقاطر في الإنبيق كالمطر الدَثّ
دع اللَوم واسمع ما أقول فإنني / قتلت طباع التيمسيّين بالبحث
كأنهم والناسَ عُثّ وصوفة / وهل يستقيم الصوف في عيثة العث
فكم حرثوا في أرض مستعمراتهم / مظالم سوداً كنّ من أسوأ الحرث
وكم أيقظُوا والناس في الليل نُوَّم / بها فِتناً كالدَجن يَهمي على الوعث
وهم يأكلون الزبد من منتجاتها / ويُلقون للأهلين منهنّ بالفَرث
فيَحظَوْن منها بالنفائس دونهم / ويعطونهم منها السَقيط من الخُرثى
زُرِ الهند إن رمت العيان فكم ترى / على الأرض من غُبر هناك ومن شُعث
يقولون إنا عاملون لسعدكم / ولم يعملوا غير الكوارث والكرث
فكم بعثُوا في الشرق حرباً ذميمة / تمثّل في أهوالها ساعة البعث
وكم أرسلوا دسّاً جواسيس مكرهم / على الناس يشتدون بالنبش والنبث
وهم سلُبوا أرض العراق سمينها / ولم يتركوا للقوم منها سوى الغث
إذا ما رأيت القوم في فخّ مكرهم / رققت لهم تبكي على القوم أو ترثي
فلا تَرجُ في الدنيا وفاءً لعهدهم / فلا بدّ في الأيام للعهد من نكث
وما الحكم إلاّ عندنا كمِظَشّة / رمَوها إلينا كي يَرَوا لُعبة الطث
سل الإنكليزي الذي لم يزل له
سل الإنكليزي الذي لم يزل له / بدست وزير الداخلية مقعد
أ أنت وزير أم عميد وزارة / نراك إليها كل يوم تَرَدَّد
فها أنت مُلقاة إليك أمورنا / تحلّ لنا ما شئت منها وتعقد
وتأخذ منا راتباً كموظف / وهذا لعمر الله أنكى وأنكد
أنحمل منك اليوم عبء تحكُّم / وندفع فيه الأجر منّا وننقد
وما شأن ذيّاك السفير الذي له / على الجانب الغربيّ قصر مشيّد
وكانت لكم من قبل فينا استثارة / فزالت ولكن دام منكم ترصُّد
تبّدلتم استقلالنا بانتدابكم / ولكن على وجه لنا هو مُعبِد
خلقتم لنا من كل عهد مموَّهٍ / قيوداً بها استقلالنا يتقيّد
إلى أن غدا استقلالنا ضُحكة الورى / به ساخرٌ كلُّ امرئ ومندِّد
وصار كسيفٍ قاطعٍ في أكُفكم / يجرّد للإرهاب طوراً ويُغمَد
غَرَرتم به الأغرار والله شاهد / على أنه في الحكم لفظ مجرّد
وهل يستقل الشعب في أمر نفسه / إذا لم يكن في حكمه يتفرّد
فما هو إلاّ المَيْن منكم أعانكم / عليه رجال خائنون وأيّدوا
وما سكت الأحرار عن مخزياتكم / فكم أبرقُوا غيظاً عليكم وأرعدوا
ولا تعجبوا أن يمقت الشعب دأبكم / فيظهر وهو الساخط المتمرِّد
رويداً فإن رمتم من الشعب ودّه / فخلُّوا له الأمر الذي يتقلّد
وكونوا له عوناً على ما يَهُبّه / يكن لكم عوناً على ما يهدِّد
وإلاّ فأنتم ظالمون وإنما / أخو الظلم مأخوذ بما يتعمّد
يا بني الرافدين مالي أراكم
يا بني الرافدين مالي أراكم / في أباطيلَ كلكم مبغضوها
فعل الإنكَليز فيكم فِعالاً / قد رضُوها لكم ولم ترتضوها
تتشكَّون في السياسة منها / ثم أنتم تأبَون أن تَرفُضوها
وعدوكم من قبل مملكة العُرْ / ب اجتلَوْها بالمَيْن وافترضوها
قبّة زخرفت لكم بالأماني / هم بَنوْها لكم وهم قوّضوها
حرّكوا للقتال منكم عروقاً / بأكاذيب وعدهم أنبضوها
يوم هجتم على ذويكم لضرب / بسيوف ما جاز أن تنتضوها
فلماذا لا تنقضُون عهوداً / بعهودٍ هم قبلكم نقضوها
ما أصحُّوا بلادكم بالمواعي / د ولكن بخُلْفهم أمرضوها
أخسروها بمكرهم كلّ حق / وبغير الوعود ما عوّضوها
هل نسيتم جيوشهم يوم جاءوا / فعثَوْا في البلاد واستنفضوها
تلك والله حالةٌ حار فكراً / في عماها البعيد مستعرضوها