القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 448
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ
هُمْ سَادَةُ الحربِ من شِيبٍ وشُبّانِ / ساروا سِراعاً فما في القومِ من وَانِ
حِيدي جُهَيْنَةُ أو بِيدي مُذَمَّمةً / حُمَّ القضاءُ وخَفَّتْ أُسْدُ خفّانِ
سريّةُ اللهِ ترمي عن يَدَيْ بطلٍ / عالي اللواءِ رفيعِ القَدْرِ والشّانِ
أبا عُبيدَةَ أَوْرِدْها مُظَفَّرَةً / مَوارِدَ النّصرِ تَشفِي كلَّ حَرّانِ
ما للحفِيظَةِ إن جاشَتْ مَراجِلُها / إلا القواضِبُ تُسقَى بالدّمِ القاني
خانت قُريشُ وأمسى عَهدُها كَذِباً / فَبَادِرِ العيرَ وَاضْرِبْ كُلَّ خَوَّانِ
لا يعجبنّ جُناةُ الشرّ إن حَصَدوا / ما يزرعُ الشُّؤْمُ من بَغْيٍ وعُدوانِ
لا تبتئسْ بجرابِ التمرِ يحملُهُ / أولو الحميَّةِ من صَحْبٍ وإخوانِ
أُعجوبةٌ ما لها في الدّهرِ من مَثَلٍ / لكنَّ ربَّكَ ذُو فضلٍ وإحسانِ
إن يَنفدِ الزّادُ أغناكم وزوّدكم / ما ليس يَنفدُ من تقوىً وإيمانِ
كُلُوا من الخَبْطِ نِعمَ الخَبْطُ من أُكُلٍ / لكلّ ذي سَغَبٍ في اللهِ طَيَّانِ
حيّاكُمُ اللهُ من صِيدٍ غَطَارِفَةٍ / يلقون في البؤسِ عيشَ النّاعمِ الهاني
هِيَ النّفوسُ بناها اللهُ من شَممٍ / نِعمَ البناءُ وجَلَّتْ قدرةُ الباني
وأنتَ يا قيسُ فانْحَرْها مُبَارَكةً / تَجنِي بها الحَمْدَ يسْتَعلِي به الجاني
أسديتَها يا ابنَ سعدٍ خيرَ عارفةٍ / جاءَتْ على قَدَرٍ في خيرِ إبّانِ
ما في صَنيعِكَ من بِدْعٍ ولا عَجَبٍ / قَيسٌ ووالدُهُ في الجودِ سِيّانِ
كِلاكُما وسيوفُ اللهِ شاهدةٌ / غَوْثُ اللّهيفِ وَروْحُ البائِسِ العاني
ما أقربَ الحقَّ ممّا يَبتغي عُمَرٌ / لو لم تكنْ لأبٍ للحقِّ صَوَّانِ
يَقضيهِ عنكَ وإن أربيتَ تجعلُهُ / ما تحملُ الأرضُ من إبْلٍ ومن ضَانِ
ما مِثلُ ما قَدَّمَتْ للهِ منك يدٌ / ما قَدَّمَ النّاسُ من هَدْيٍ وقُربانِ
أبا عُبَيْدَةَ لولا أن عزمتَ على / قيسٍ لأَمعنَ قيسٌ أيَّ إمعانِ
يَقولُ إذ رُحتَ تَنهاهُ وتَمنعُهُ / أبا عُبيدَةَ مَهْلاً كيف تنهاني
أنا ابنُ سعدٍ وسعدٌ أنتَ تعرِفُهُ / مَوْلَى العشيرَةِ من قاصٍ ومن دانِ
يَكفي المُهِمَّ إذا ضاقَ الكُفاةُ به / ويُطعِمُ النّاسَ من مَثْنَىً وَوُحدَانِ
أأصنعُ الصُّنْعَ مَحموداً فَيخذِلُني / أبٌ أراه لغيرِي خيرَ مِعوانِ
لا يُبعِدِ اللهُ منه والداً حَدِباً / سمحَ الخلائِقِ أرعاهُ ويرعاني
يا قيسُ إنّ رسولَ اللهِ شاهِدُهُ / فَعَدِّ نَفسَكَ عن وصفٍ وتبيانِ
رَمَتْ جُهَيْنَةُ بالأبْصَارِ من فَزَعٍ / فلم تَجِدْ غيرَ أبطالٍ وفُرسانِ
لاذَتْ بأكنانِها القُصوى ولو قَدرتْ / لاذتْ من الزّاخرِ الطّامِي بأكنانِ
وولّتِ العِيرُ يخشى أن يُحاطَ بها / من الأُلَى هُمْ ذَووها كلُّ شيطانِ
ماذا على القَوْمِ يرضَى البأسُ إن غَضبوا / أن لا يفوزوا بأكفاءٍ وأقرانِ
آبوا بخيرٍ وآبتْ كلُّ طائفةٍ / من الأُلى كَرِهوا الحُسْنَى بِخُسرانِ
للحقِّ سُلطانُهُ فليأتِ مُنكِرُهُ / إنِ اسْتَطاعَ له رَدّاً بِسُلطَانِ
ما حُجَّةُ الشِّركِ والأكوانُ شاهِدَةٌ / بواحدٍ سَرمَدِيِّ المُلكِ دَيّانِ
سُبحانهُ لن يُصيبَ الجاهلونَ على / طُولِ التَّوهُّمِ من ربٍّ لهم ثانِ
طاحَتْ بهم غَمرةٌ ما تَنجَلي وطَغَتْ / على عُقولٍ لهم مَرْضَى وأذهانِ
تلك البراهينُ تترى كلَّ آونةٍ / لو كان ينتفعُ الأعمى بِبرهانِ
أخا جُهَيْنَةَ عُدْ في منظرٍ بَهِجٍ / عَوْدَ امرئٍ مَرِحِ الأعطافِ جَذلانِ
تَمْرٌ وكُسْوَةُ مِعطاءٍ وراحلةٌ / بُشْرَى الصّديقِ وبؤْس الحاسِدِ الشّاني
عَرَفَت قيساً فتى مجدٍ ومكرمةٍ / صدقتَ إنَّكَ ذو علمٍ وعرفانِ
نَبِّئْ جُهَينَةَ واذكرها يداً عظمتْ / فليس في الحقِّ أن تُجزَى بنسيانِ
إذا تدفَّقَ دِينُ المرءِ في دمِهِ / سَرَتْ معانِيهِ في رُوحٍ وجُثمانِ
ما الدينُ يُشرَعُ من صدقٍ ومن وَرَعٍ / كالدينِ يُشرَعُ من زورٍ وبُهتانِ
سَبيلُك في مَرضاةِ ربِّكَ يا بِشرُ
سَبيلُك في مَرضاةِ ربِّكَ يا بِشرُ / وفي حقِّهِ فَادْأَبْ وإن فَدَح الأمرُ
عليكَ بني كعبٍ فَخُذْ صَدقَاتِهم / ولا تَأْلُهم نُصحاً لهم ولك الأجرُ
أطاعوكَ في ذاتِ الإله وأقبلوا / كِراماً يرونَ الدّينَ أن يُبذَلَ البِرُّ
فما لتميمٍ ساء ما صنعتْ بَنُو / تميمٍ أما للقومِ رأيٌ ولا حِجْرُ
أبَوْا أن يُؤدُّوا الحقَّ واهْتاجَ جَمعُهُم / فَعَبَّ عُبابُ البغيِ وَاحْتَدَمَ الشّرُّ
يَقولُ بنو كعبٍ دَعونا وَدِينَنا / وهيهاتَ لجَّ الشِّركُ واستكبرَ الكُفْرُ
لك اللَّهُ يا بِشرٌ فَعُدْ غيرَ آسفٍ / لِربّكَ فيهم حُكمُهُ ولكَ العُذْرُ
أتيتَ رسولَ اللَّهِ تَروِي حديثَهم / فهيّجتَ بأساً مثلما يَقِدُ الجَمْرُ
أعدَّ ابنَ حِصنٍ للوغَى وأمدَّهُ / بكلِّ شديدِ البأسِ مَطعمُهُ مُرُّ
إذا ذاقهُ في غمرةِ الحربِ قَرْنُه / تنكَّبَ يلوِي أخْدَعَيْهِ ويزوَرُّ
أغارَ عليهم فَاسْتَباحَ نُفوسَهم / وأموالَهم فَلْيَنظروا لِمَن الخُسْرُ
تُساقُ سبَاياهُم وأنعامُهم معاً / بأعينِهم من كلِّ أوْبٍ وهُمْ كُثْرُ
تَودُّ لو اَنَّ القومَ يَستنقِذُونها / وهيهاتَ لَجَّ الرُّعْبُ واستفحلَ الذُّعْرُ
أقاموا على غَيْظٍ وعادَ عُيينَةٌ / مَغانِمُهُ شتَّى وآثارُهُ غُرُّ
عليه من النَّصرِ المحجَّلِ بَهجةٌ / إذا ائتلفتْ أوضاحُها ضَحِكَ النَّصْرُ
يظَلُّ أسارَى القومِ في دارِ رَملةٍ / مجازيعَ مما يصنعُ الحبسُ والأسرُ
رأوا سوءَ عُقباهم فأقبلَ وفدُهم / وضَجَّ الأسارى إنّنا مسَّنا الضُرُّ
تصِيحُ ذراريهم وتَبكِي نِساؤُهم / وجهدُ الأسى أن تَهطِلَ الأدمعُ الغُزْرُ
أتوا دارَ أمضَى النّاسِ رأياً وهِمّةً / لنائبةٍ تُعتادُ أو حادثٍ يَعْرُو
يُنادونه في ضجَّةٍ من وَرائِها / ولو ملكوا صبراً لأغناهمُ الصَّبْرُ
ألا اخْرُج إلينا وانظرِ اليومَ أيُّنا / له الشّرفُ العالي الذُّرى وله الفَخْرُ
فلمّا رأوه خارجاً عَلِقوا بهِ / ولم يَثنِهم صَوتُ الأذينِ ولا الزَّجْرُ
قضاها صلاةً يحملُ الرُّوحُ نَشْرَها / فلا أرَجٌ يحكي شذاها ولا نَشْرُ
وعاد حميداً يَنظرُ القومَ حولَه / لهم صَلفٌ ما يَنقَضِي وبهم كِبْرُ
يقولون قولَ الجاهلين وقلّما / يُفيدُ الهُراءُ القومَ أو يَنفعُ الهُجْرُ
عُطارِدُ مَهْلاً وانْهَ صَحْبَكَ إنّما / أردتُم مقاماً دُونَه الشِّعرُ والنَّثْرُ
ألا إنّ قَولَ الصِّدقِ ما قال ثابِتٌ / وحَسّانُ فاشْهَدْ إنّما يشهدُ الحُرُّ
خطيبُ رسولِ اللهِ ما فيه مِرْيةٌ / وشاعرُه ما مِثلُهُ شاعِرٌ بَرُّ
غُلبتم فأسلمتم فَبُشرَى بنعمةٍ / حباكم بها ربٌّ له الحمدُ والشُّكْرُ
خُذوا السَّبْيَ والأسرَى وهذا عطاؤكم / عطاءُ كريمٍ ما لآلائِهِ حَصْرُ
أحِبُّوا رسولَ اللهِ يا قومُ إنّه / مَحبَّتُه غُنْمٌ ومَرضاتُه ذُخْرُ
عَطوفٌ على ذِي الضّعفِ يُؤتيهِ فضله / عفوٌّ حليمٌ ما يضيق له صدرُ
أقيموا على الفرقان تتلون آيَهُ / فذلك نورُ اللهِ ما دونه سِتْرُ
كتابٌ يُضِيءُ السُّبْلَ في كلِّ مطلعٍ / لكلِّ ابن ليلٍ من مطالعهِ فَجْرُ
خُذوا زادَكم منهُ وعُودوا لقومِكم / فَما ثَمَّ زادٌ مثله أيّها السَّفْرُ
ثَقِيفُ اجْمَعِي للَّاتِ ما شِئتِ من عَزْمِ
ثَقِيفُ اجْمَعِي للَّاتِ ما شِئتِ من عَزْمِ / ولا تُسلِميها للمعاولِ والهَدْمِ
أتاها أبو سُفيانَ يرمِي كِيانَها / بخطبٍ يَزيدُ الكُفرَ رغماً على رَغْمِ
وإنّ لها عِندَ المُغيرةِ هِمّةً / تَبيتُ لها الكُفّارُ صَرْعَى من الهَمِّ
علاها بنعليهِ وألقى بنفسِهِ / يُخادِعُ مَن لا يستفيقُ منَ الوَهْمِ
ظَننتُمْ به شرّاً وقلتم أصابَهُ / من اللّاتِ ما يَنْهَى الغَوِيَّ عن الإثمِ
ألا فانظروها كيف أضْحت صخُورُها / تَطيرُ فُضاضاً من صِلابٍ ومن صُمِّ
تُهَدُّ وتبكيها العقائلُ حُسَّراً / فهل عندها بالمأتمِ الضخمِ من عِلْمِ
وهل منعتْ أَسلابَها إذ أصابَها / رَسولُ هُدىً يَزدادُ غُنماً على غُنْمِ
له من دمِ الكُفّارِ ما شاءَ ربُّه / ومن مالهم في غيرِ بَغْيٍ ولا ظُلْمِ
هُم البغيُ والظُّلمُ المُذَمَّمُ والأذَى / وما ثمَّ من عيبٍ شنيعٍ ومن ذمِّ
عَلتْ قُبَّةُ الإسلامِ واعتزَّ جندُه / فَمِن شَرَفٍ وافٍ ومن سُؤْددٍ جَمِّ
هو الدينُ لا دِينُ الجهَالةِ والعَمى / وهل يستحِبُّ الجهلَ من كان ذا حِلْمِ
قَضى اللّهُ ألا يَعبدَ الناسُ غيرَهْ / فما لسِواهُ من قضاءٍ ولا حُكمِ
وليس له غيرُ الذي عاب دينَهُ / وأعرضَ عنه من عدوٍّ ولا خَصْمِ
سَيُصلِيهِ ناراً يُنضِجُ الجلدَ حَرُّها / ويَذهبُ يومَ الدّينِ باللّحمِ والعظمِ
سر يا أُسامةُ ما لجيشكَ هَازِمُ
سر يا أُسامةُ ما لجيشكَ هَازِمُ / أنت الأميرُ وإن تعتَّب وَاهِمُ
قالوا غلامٌ للكتائبِ قائدٌ / وفتىً على الصَّيدِ الخضارمِ حَاكمُ
غَضِبَ النبيُّ وقال إنّي بالذي / جَهِلَ الغِضابُ السّاخطونَ لعالِمُ
إن يجهلوهُ فقد عَرفتُ مَكانَهُ / والعدلُ عِندي لا محالةَ قائِمُ
ولئن رموه بما يسوءُ فقد رموا / مِن قبلُ والدَه ولَجَّ النّاقِمُ
نقموا الإمارَةَ فيهما وهُما لها / أهلٌ فكلٌّ أحوذِيٌّ حازِمُ
الخيرُ فيه وفي أبيهِ فآمِنوا / يا قومُ وَانْطلِقوا لما أنا عازِمُ
ساروا وظَلَّ مع النبيِّ خَليلُه / والخطبُ بينهما مُقِيمٌ جاثِمُ
يَنتابُ مَضجَعَهُ وينظرُ ما الذي / صنعَ القضاءُ فَهَمُّه مُتراكِمُ
مَرضُ النبيِّ طَغَى عليه فَقلبُه / يَغشاهُ مَوجٌ للأسى مُتلاطِمُ
ودَرَى أسامةُ فانثنَى في جيشهِ / والحزنُ طامٍ والدُّموعُ سَواجِمُ
مات الرّسولُ المجتبى ماتَ الذي / أحيا نُفُوسَ الناسِ وَهْيَ رَمائِمُ
مات الرسولُ فكلُّ أُفقٍ عابسٌ / أسفاً عليه وكلُّ جَوٍّ قَاتِمُ
مات الذي شَرَعَ الحياةَ كريمةً / والنّاسُ شرٌّ والحياةُ مآثِمُ
مات الذي كانت عجائبُ طِبّهِ / تَشفِي العُقولَ وداؤُها مُتفاقِمُ
طَاشتْ لمصرعِهِ عُقولٌ رُجَّحٌ / وَوَهَتْ قُوىً مشدودةٌ وعَزائِمُ
دنيا الممالكِ بعد عصرِ مُحمّدٍ / حُزْنٌ يُجدَّدُ والعصورُ مَآتِمُ
صلّى عليكَ اللَّهُ إنّ قضاءَهْ / حَتْمٌ وإنْ زَعَمَ المزاعِمَ حَالِمُ
عادَ ابنُ زيدٍ بالكتائبِ ما لوَى / من عزمِهِ الحَدَثُ الجليلُ العَارِمُ
يَمشِي الخليفةُ لائذاً بركابِهِ / وكأنَّما هو سائِقٌ أو خادِمُ
وأبى الأميرُ فقال دُونَكَ مَركبي / لا تَمْشِ إنّي إن فعلتَ لَغانِمُ
ولئن أبيتَ لأنزلَنَّ كَرامةً / لكَ فاقْضِ أمرَكَ لا نَبَا لَكَ صَارِمُ
قال الخليفةُ ما أراكَ بِمُنْصِفي / دَعْنِي فللإسلامِ حَقٌّ لازِمُ
أنا من جُنودِكَ لو ملكت رأيتني / تحت اللّواءِ فهالكٌ أو سالمُ
قُضِيَ الوَداعُ وعادَ مَشكورَ الخُطَى / يَرعاهُ للإسلامِ رَبٌّ راحِمُ
سِرْ يا أُسامةُ فالقواضِبُ لم تَمُتْ / هِيَ ما ترى وَهْوَ الجهادُ الدّائِمُ
وإذا البواتِرُ واللهاذِمُ أعوزَتْ / فالمسلمونَ بواترٌ ولهاذِمُ
يا لاثِمَ القمرِ المنيرِ مُودّعاً / هل كان قبلكَ للكواكبِ لاثمُ
هِيَ يا أخا الشّوقِ المبرِّحِ قُبْلَةً / ما ذَاقَ لذَّتَها مَشُوقٌ هائِمُ
ولقد تكونُ وفي حلاوتها أسىً / مُرٌّ مَذاقتُه ووجْدٌ جاحِمُ
زلْزِلْ جُنودَ الرُّومِ وَاهْدِمْ مُلكَهُمْ / في عزّهِ العالي فنِعمَ الهادِمُ
قتلوا أباك فلا تَدَعْهُمْ وَاعْتَصِمْ / منهم بربّك إنّه لكَ عاصِمُ
ولقد هَزمتَ جُموعَهم فتفرَّقوا / وشَفاكَ منهم جَيْشُكَ المُتلاحِمُ
وأجَلْتَ خيلكَ في عِراصِ دِيارِهم / وفعلتَ فِعلكَ والأُنوفُ رَواغِمُ
قتلٌ وأسرٌ هَدَّ من عَزَماتِهم / وأذلَّهم وكذاكَ يُجزَى الظّالِمُ
ولَئِنْ أزلتَ دِيارَهُم ونَخيلَهم / من بَعدِ ما ظلموا فما لكَ لائِمُ
عُدْ يا ابنَ زيدٍ باللّواءِ مُظفَّراً / وَانْعَمْ فَبالُ مُحمّدٍ بكَ ناعِمُ
هذا أبو بكرٍ مَشَى في صحبِهِ / يلقاكَ مُبتهِجاً ورَكبُكَ قادِمُ
هُمْ هنَّؤوكَ وأنت أهلٌ للذي / صنعوا وحَسْبُكَ أن يُفيقَ النّائمُ
اشْكُرْ صَنيعَ اللَّهِ يا شيخَ الوغَى / إنّ الذي عابَ الغُلامَ لنادِمُ
حِبَّ الرسولِ لكَ البِشارةُ إنّه / شَرَفٌ له فوقَ النُّجومِ دَعائِمُ
ماذا يقولُ ذَوُو الحفيظةِ بعد ما / شكَرْت أُميّةُ ما صَنَعْتَ وهاشِمُ
عفواً فَتِلكَ حَمِيَّةٌ عَربِيَّةٌ / أعيا الأوائلَ عَهدُها المُتقادِمُ
للمرءِ من نُورِ الحقائقِ ما يَرى / لا ما تُرِيهِ وساوِسٌ ومَزاعِمُ
والنّاسُ عِندَ فِعالِهم إنْ يفعلوا / خَيراً فأحرارُ النّفوسِ أعاظِمُ
لا حُكْمَ للأنسابِ أو للسنِّ في / ما قالَ فِيهمِ مادحٌ أو واصِمُ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ
يا مَنزلَ النَفسِ تَرضاهُ إِلى أَجلٍ / مِن الحَياةِ وَتجفوه إِلى حينِ
لا تجزعنَّ لِطُولِ البَينِ إِن جَزعَت / أَطلالُ كلِّ شَجيِّ الرَسم محزونِ
لَسَوفَ تَقضي النَوى مِن بَعدنا عَجَباً / لِمُقفرٍ بِعوادي الدَهرِ مَسكونِ
بَنَيتَ مِن زُخرفِ الدنيا وَباطِلها / فالقَ العَفاءَ وَدَعنِي في حَمى الدينِ
نَلومُكَ يا يَومَ النُحوسِ وَنَعذِلُ
نَلومُكَ يا يَومَ النُحوسِ وَنَعذِلُ / وَأَنتَ عَلى ما أَنتَ تَمضِي وَتُقبِلُ
فَلا نَحنُ ما عِشنا عَنِ اللَّومِ نَرعوِي / ولا أَنتَ ما كرَّ الجديدان تَحفِلُ
وَنَحسَبُ أَنَّ الجِدَّ قَولٌ نُذيعُهُ / وَتحسبُ أَنّا في المَقالةِ نهزلُ
لعمرك ما أَسلفتَ فينا جَريرةً / وَلكنّ شعباً خامِلاً يَتعلَّلُ
يَلومُكَ فيما كانَ مِن جَهَلاتِهِ / فَهَل كُنتَ تُغريهِ لَيالي يَجهَلُ
كَذَلِكَ شَأنُ العاجزين وَهَكذا / يُسِيءُ إِلى الأَيّامِ مَن لَيسَ يَعقِلُ
ظلمناكَ وَالإِنسانُ بِالظُلمِ مُولَعٌ / فَلَيسَ وَإِن ناشَدتَهُ العَدلَ يَعدلُ
أَنِلنا الرِضى وَالقَ الَّذي جرَّ جَهلُنا / بِحِلمٍ لَو اَنَّ الحِلمَ عِندَكَ يُؤمَلُ
وَمُرَّ عَلَينا كُلّ يَومٍ مُسلِّماً / سَلامَ حَثيثِ السَيرِ لا يَتمهَّلُ
لَحا اللَهُ قَوماً حَمَّلونا مِن الأَذى / بِما ضيّعوا الأَوطانَ ما لَيسَ يُحمَلُ
همو خذلوها فاستُبِيحَ حَريمُها / وَما بَرحَت تَبغي انتِصاراً فَتُخذَلُ
أُعلِّلُ نَفسي وَالأَماني طماعةٌ
أُعلِّلُ نَفسي وَالأَماني طماعةٌ / وَنَفسُ الفَتى تَلهو وَذو العَيش يَأملُ
أُعلّلها بِالصالحاتِ مِن المُنى / وَبِالدَهرِ مِن بَعد الإِساءَةِ يُجمِلُ
وَما حاجَتي أَن أَرتَعي العَيش ناضِراً / أُعَلُّ بِماءِ الخَفضِ فيهِ وَأُنهَلُ
وَلكنّني أَرجو الحَياةَ لِأُمَّةٍ / تُقادُ إِلى الجَلّادِ ظُلماً وَتُقتَلُ
يَكيدُ لَها أَعداؤُها وَيَخونُها / بَنوها فَما تَدري عَلى مَن تُعوِّلُ
أَرى سَوءَةً شَنعاءَ لَستُ إِخالها / بِغَيرِ الدَمِ المُهراقِ عَن مَصرَ تُغسَلُ
دَعا فَأَثار الساكنين دعاؤُهُ
دَعا فَأَثار الساكنين دعاؤُهُ / وَنادى فَراعَ الآمنين نِداؤُهُ
أَخو وَصَبٍ ما إِن يَحمُّ اِنقضاؤه / وَذو أَرَبٍ ما إِن يَحين قَضاؤُهُ
بِهِ مِن بَني مَصرٍ عَناءٌ مُبرِّحٌ / فَيا لَيتَ شِعري هَل يَزولُ عَناؤُهُ
أَما إِنَّهُ لَو كانَ يَشفِي غَليلَهُ / بُكاءٌ عَلى مِصرٍ لَطالَ بُكاؤهُ
تقسَّمها الأَقوامُ لا ذو حَمِيَّةٍ / فَيَحمي وَلا واقٍ فَيُرجى وَقاؤُهُ
وَما مِصرُ إِلّا مَوطنٌ نَحنُ أَهلُهُ / عَزيزٌ عَلَينا أَرضُهُ وَسَماؤُهُ
فَيا حَبّذا قَبل الشَقاءِ نَعيمُهُ / وَيا حَبّذا بَعد النَعيمِ شَقاؤُهُ
ثَوى فيهِ أَقوامٌ مَلَلنا ثَواءَهم / وَيا رُبَّ ثاوٍ لا يُملُّ ثَواؤُهُ
لَقَد كانَ يَأبى أَن يَذِلَّ لغاصبٍ / فَيا لَيتَ شِعري أَينَ ضاعَ إِباؤُهُ
وَيا لَيتَ شِعري أَيَّةً بانَ عِزُّهُ / وَأَينَ تَولَّى مَجدُهُ وَعَلاؤُهُ
لَقَد كانَ يَرعاه رِجالٌ أَعِزَّةٌ / بِهم مِن صُروفِ الدَهرِ كانَ احتماؤُهُ
همو ضارَبوا عَنهُ فَصانوا ذِمارَهُ / بِصارِمِ عَزمٍ ما يُرَدُّ مَضاؤُهُ
بَني وَطَني لا تُسخِطوهُ عَليكمو / فَلَيسَ سَواءً سُخطهُ وَرِضاؤُهُ
بَني وَطني خَلّوا التَخاذُلَ إِنَّهُ / بَلاؤكمو يَجتاحكم وَبلاؤُهُ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ
حَميت لِواءَ المُلكِ فارتدَّ طالِبُهْ / وَصُنتَ ذِمارَ الحَقِّ فاعتزَّ جانبُهْ
وَأَدركت نَصراً ما رَمَت ساحَةُ الوَغى / بِأَمواجها حَتّى رَمَتها غَوارِبُهْ
تَضِجُّ العِدى غَرقى وَيَنسابُ زاخِراً / تَعُبُّ عَواديهِ وَتَطغى مَعاطِبُهْ
إِذا النَصرُ عادى في الوَغى جُندَ مُدبرٍ / فَجندُكَ مَولاهُ وَسَيفُكَ صاحِبُهْ
أَبَت أُمَّةُ اليُونانِ أَن تسكنَ الظُبى / فَهبَّ الرَدى فيها تَلظّى مَضارِبُهْ
بَعَثتَ عَلَيها مِن جُنودِكَ عاصِفاً / تَضيقُ بِهِ الآجالُ إِن جَدَّ دائِبُهْ
تَرامى بِها فَالبَرُّ حَيرى فِجاجُهُ / مُروَّعَةً وَالبَحرُ حَرّى مَسارِبُهْ
إِذا التمسَت في غَمرةِ الهَولِ مَهرباً / تَطلَّعَ عادِي المَوتِ وَانقضَّ وَاثبُهْ
مَنايا تُوزَّعنَ النُفوسَ بِمعطبٍ / دَعا السَيفُ فيهِ فاستجابَت نَوادِبُهْ
إِذا انهلَّ مَسفوكٌ مِن الدَمِ أَعولت / وَراحَت تُرِيقُ الدَمعَ يَنهلُّ ساكِبُهْ
وَإِن ضَجَّ ما بَين القَواضبِ هالكٌ / أَرنَّت وَراءَ الخَيلِ شُعثاً تُجاوِبُهْ
مآتمُ أَمسى الملكُ ممّا تَتابعت / وَأَعراسُه ما تَنقضي وَمَواكبُهْ
تجلّت هُمومٌ كُنَّ بِالأَمسِ حَولَهُ / كَما اسودَّ لَيلٌ ما تَفرّى غَياهبُهْ
أَهاب بِها النَصرُ الحَميديُّ فارعوت / وَأَقبلَ وَضّاحاً تُضِيءُ كَواكبُهْ
تَبيتُ مُنيفاتُ المَآذنِ هُتَّفاً / بِأَنبائِهِ وَالبَغيُ يَنعَقُ ناعِبُهْ
بَريدٌ مِن المُختارِ يَعبَقُ طِيبُه / وَبَرقٌ مِن الأَنصارِ يَسطَعُ ثاقِبُهْ
سَنا الوَحي أَسطارٌ فَإِن كُنتَ قارِئاً / فَهَذا كِتابُ الحَقِّ وَاللَهُ كاتِبُهْ
أَفي معقل الإِسلامِ تَطمَعُ أُمَّةٌ / تَبيتُ مَناياها حَيارى تُراقبُهْ
إِذا لَمحت إِيماءَةً مِنهُ أَجلبت / عَلى القَومِ حَتّى يَسأمَ الشَرَّ جالِبُهْ
كَتائِبُ مِن أَقوامِنا خالديَّةٌ / وَما الحَربُ إِلّا خالدٌ وَكتائِبُهْ
مَشَت تَأخذُ الأَعداءَ وَاللَهُ قائِمٌ / عَلَيها وَدينُ اللَهِ يَعتزُّ غالِبُهْ
إِذا لَمست حِصناً هَوَت شُرُفاتُهُ / وَإِن لَمحت طَوداً تَداعَت مَناكِبُهْ
تَعلَّمتِ الهَيجاءَ شَتّى فُنُونُها / وَتمّت لَها من كُلِّ فَنٍّ عَجائِبُهْ
لَها في أَعاصيرِ القِتالِ وَقائِعٌ / هِيَ السحرُ لَولا أَن يُزيَّف كاذِبُهْ
أَلمّت بلاريسّا فَحلَّ رُبوعَها / عَذابٌ إِذا ما استَصرخت لَجَّ واصِبُهْ
رَمَتها بِوَبلٍ مِن حَديدٍ وَأُسرُبٍ / تَتابَعَ يَجري مِن يَد اللَهِ صائِبُهْ
تُقلِّبُ في فَرسالةَ العَينَ هَل تَرى / عَلى اليَأسِ فيها من سَميعٍ تُخاطِبُهْ
تُديران نَجوى جارَتينِ اِعتراهُما / عَلى الضَعفِ هَمٌّ يَصدعُ الصَخرَ ناصِبُهْ
إِذا صاحتا بِالجَيشِ تَستَنجِدانهِ / تَنصّلَ مُورِيهِ وَأَجفلَ هارِبُهْ
بِكُلّ مَكانٍ مُدبِرٍ مِن فُلولهم / تَضِلُّ مَناحيهِ وَتَعمى مَذاهِبُهْ
يُجانِبُ حَرَّ البَأسِ وَالأَرضُ كُلُّها / دَمٌ وَسَعيرٌ مُطبِقٌ ما يُجانِبُهْ
وَمَن يَلتَمس لحمَ الضَوارِي لَهُ قِرىً / فَتلكَ مَقارِيه وَهذي مَآدبُهْ
هُمُ أُطعِمُوا المَوتَ الزُؤامَ وَعُلِّموا / جُنونَ السُكارى ما تَكونُ عَواقِبُهْ
تَساقَوا أَفاويقَ الغُرورِ فَما نَجَوا / وَلَيسَ بِناجٍ مِن أَذى السُمِّ شارِبُهْ
أَجارَتنا ما أَكرَم الجَيشَ لَو وَفى / وَما أَحسَنَ الأُسطولَ لَو جَدَّ لاعِبُهْ
إِلَيكُم بَني هومِيرَ هل من قصيدةٍ / تُغنّي ضَوارينا بِها وَثعالِبُهْ
دَعوا شَيخَكُم إِنّي عَلى الشعرِ قائِمٌ / فَما يَبتَغي غَيري عَلى الدَهرِ طالِبُهْ
أَسيِّرُهُ فيكُم حَديثاً مُردَّداً / لَنا مَجدُهُ الأَعلى وَفيكُم مَثالبُهْ
لَنا مِن بَني عُثمان سَيفٌ إِذا انتَمى / تَسامَت بِهِ أَعراقُهُ وَمَناسبُهْ
لِحَمزَةَ حَدٌّ مِنهٌ غَيرُ مُكذَّبٍ / وَحدٌّ لِسَيفِ اللَهِ شَتّى مَناقِبُهْ
إِذا ما دَعا الشُمَّ الأُباةَ لغارةٍ / دَعا البَيتُ فيهِ وَاستَجابَت أخاشبُهْ
قَضيتُ لَهُم في اللَهِ واجبَ حَقِّهِ / وَكَيفَ بحقِّ اللَهِ إِن ضاعَ وَاجِبُهْ
أَنّا بَنو عُثمانَ أَعلامُ الوَرى
أَنّا بَنو عُثمانَ أَعلامُ الوَرى / وَالأَرضُ تَشرُفُ فَوقَها الأُعلامُ
إِنّا السَنامُ إِذا الأَنامُ تَفاخَرَت / وَالناسُ فيهم مَنسِمٌ وَسَنامُ
إِنّا يسوسُ أُمورَنا وَيُقيمُها / ملكٌ بِأَمرِ إِلههِ قَوّامُ
رَحبُ الذراعِ كَفى الَّذي نُعنى بِهِ / رَأيٌ لَهُ في المُشكلاتِ حُسامُ
عَبدُ الحَميد أَتاحَ في أَيّامِهِ / لِلملكِ ما ذهبت بِهِ الأَيّامُ
لَولا حَزامتُه وَشدّةُ بَأسِهِ / وَمَضاؤُهُ لَتضعضعَ الإِسلامُ
ما زالَ يَحمِي حَوضَهُ مُذ جاءَهُ / وَكَذاك يَحمي غيلَهُ الضِّرغامُ
مَلِكٌ يَقومُ اللَيلَ يَنظر في غَدٍ / ماذا يُسدِّدُ وَالمُلوكُ نِيامُ
مَنَعَ الخِلافةَ أَن تُنالَ صرُوحُها / حَتّى تَحامَت سُوحَها الأَوهامُ
جَدعاً لِأَنفِ معاشرٍ منّتهمو / بِالمُلكِ ما مَنَّتهمُ الأَحلامُ
وَلَقد دَرى اليُونانُ أَنّا مَعشرٌ / في الرَوعِ ضرّابو الكُماةِ كِرامُ
بيضُ الوُجوه إِذا الكَريهةُ كشّرت / وَسما لَها تَحت الحَديدِ ضِرامُ
نَسطو وَنَبطش قادرين أَعزّةً / تَشكو السُيوفُ ضِرابَنا وَالهامُ
نَهفو وَتثبت رُجّحاً أَحلامُنا / وَتَظلُّ تَهفو منهمُ الأَحلامُ
وَارحمتا للرُومِ أَبقَينا بِهم / جُرحاً مَدى الأَيّامِ لا يَلتامُ
إِنّا لَنمنعُ أَن يُضامَ حَريمُنا / وَنُزلزلُ الأَرضين حينَ يُضامُ
دُم يا أَميرَ المُؤمنين فَما لِمَن / عاداكَ بَينَ العالمين دَوامُ
لا زلتَ يا رُكنَ الخلافَةِ شامِخاً / تَعنو لَك الأَعرابُ وَالأَعجامُ
إِلامَ تَجُنُّ الحادِثاتُ وَتَظلمُ
إِلامَ تَجُنُّ الحادِثاتُ وَتَظلمُ / وَحَتّى مَتى تَبغي العِداةُ وَتظلُمُ
حَملنا مِن الأَيّامِ ما لا يَطيقه / أَبانٌ وَلا يَقوى عَلَيهِ يَلملمُ
نَوائِبٌ تَتلوها إِلَينا نَوائبٌ / صِعابٌ تَهدُّ الراسياتِ وَتهدمُ
إِذا نَحنُ قُلنا قَد تولّت غُيومُها / تَوالَت عَلَينا تَرجَحِنُّ وَتسجمُ
ظَللنا لَها ما بَين باكٍ دُموعُهُ / تَسيلُ وَشاكٍ قَلبُهُ يَتَضرَّمُ
جَزى اللَهُ ما يَجزي المُسِيئينَ مَعشراً / تَمادَت بِنا شَكوى الإِساءَةِ مِنهُمُ
أَتوا مِصرَ ضَيفاناً أَطلنا قِراهمو / وَإِكرامهم وَالحرُّ للضّيفِ يُكرِمُ
فَما بَرحوا يَأتون كُلَّ عَظيمَةٍ / فَنُغضي وَيَأبون الجَميلَ فَنحلُمُ
أَهَذا جَزاءُ المُحسِنينَ وَفوا بِهِ / فَيا بئسما يَجزي اللَئيمُ المُذَمَّمُ
بذلنا لَهُم أَرياً وَجاءوا بعلقمٍ / وَهَل يَستوي الضدّانِ أَريٌ وَعَلقَمُ
نَقيضان هَذا مرّ في الذَوق مطعماً / فَمُجَّ وَهَذا قَد حَلا مِنهُ مَطعَمُ
لِئامٌ لَقوا مِنّا كِراماً لَقوهمو / بِأَحلام عادٍ يلأمون وَنكرُمُ
همو زعموا أَنّا ضِعافٌ فَضاعفوا / أَذانا وَكَم مِن مُخطئٍ حينَ يَزعمُ
يَزيدُ الأَذى مِنهُم فَيزدادُ حِلمنا / وَيعظم وَقعُ الخَطبِ فينا فَنعظمُ
وَجاروا وَماروا وَاعتدوا وَتمرّدوا / وَجالوا وَصالوا وَازدروا وَتهضَّموا
وَعادوا وَكادوا وَاستبدُّوا وَعاندوا / وَخانوا وَمانوا واستطالوا وَأَجرَموا
وَلم يَتركوا شَيئاً لَنا مِن بلادنا / نَلذُّ بِهِ بين الأَنامِ وَننعمُ
نعم تَركوا آلامَ حُزنٍ مُبرِّحٍ / بِها كُلُّ قَلبٍ مِن بَني مِصرَ مُفعَمُ
كَفى حَزَناً أَنّا نَرى مِصرَ أَصبَحت / بِعَينِ بَنيها وَهيَ نَهبٌ مُقَسَّمُ
تُناديهمو كي يُدركوها وَلا أَرى / سِوى مُحجِمٍ يَعتاقُ ساقَيهِ محجِمُ
بَني مِصرَ هُبّوا قَد تَطاوَلَ نَومُكم / أَأَنتُم مَدى الآمادِ عَن مَصر نُوَّمُ
بَني مصرَ هيّا قَد تَمادى جُثومُكم / أَأَنتم إِلى يَوم القِيامَةِ جُثَّمُ
بَني مَصر هَذِي مصرُ تَبكي مُصابَها / أَلا مُشفِقٌ يَحنو عَلَيها وَيرحمُ
بني مصرَ هذي مصرُ قَد ساءَ حالُها / وَأَسوأ حالاً لَو تُفيقونَ أَنتمُ
بَني مصرَ قَد أَوردتمو مصرَ مورداً / يُذيقُ الرَدى وُرّادَه لَو عَلِمتمُ
أَسأتم إِلَيها جاهِدينَ وَأَنتمو / بَنوها فهلّا للعِداةِ أَسأتمُ
فَيا لَيتَها مِن قبلُ كانَت عَقيمةً / وَيا لَيتَها في مُقبلِ الدَهرِ تَعقُمُ
فَما ثاكِلٌ شَمطاءٌ أَمسى وَحيدُها / تخَرَّمهُ صَرفُ الرَدى المتخرِّمُ
رَهينَ بِلىً قَد حَلَّ في جَوف حُفرَةٍ / يُسَدُّ عَلَيها بِالرجام وَيُردَمُ
تَولَّت بِقَلبٍ مُوجعٍ لفراقِهِ / تَشقُّ عَلَيهِ الجَيبَ حُزناً وَتلطمُ
يُقرِّحُ جفنَيها لطولِ بُكائها / دُموعٌ سَخيناتٌ يُعندِمُها دَمُ
بِأَعظَم مِن مَصرَ اِكتِئاباً وَحسرَةً / وَقَد زالَ عَنها عِزُّها المُتصرِّمُ
لَقَد هَرِمت مصرٌ وَنزعَمُ أَنَّها / فَتاةٌ فَهَل أُدعى فَتىً حينَ أَهرَمُ
بَدا ظَهرُها بَعد الشَبابِ مُقوَّساً / وَقَد كانَ قَبل الشَيبِ وَهوَ مُقوَّمُ
وَلَو أَسفَرَت عَن وَجهِها لَبَدَت لَنا / حَقيقتُها لَكنّها تتلثُّمُ
إِذا حاوَلت مِصرٌ إِلى المجدِ نَهضَةً / أَبى ذاكَ عَظمٌ واهِنٌ مُتهشِّمُ
أَتلك فَتاةٌ يا بَني مِصرَ إِنَّكُم / تَوهّمتُمو هَذا فَخابَ التَوهُّمُ
وَفلّاحُ مصرٍ كَم تَوالَت مَصائِبٌ / عَلَيهِ تَلقّى شَرَّها وَهوَ مُرغَمُ
رَأى القُوتَ مِن هَمِّ الحَياةِ فَباعَهُ / يَخافُ أَذاهُم وَانثَنى يَتألَّمُ
لَهُ صِبيَةٌ خُمصُ البُطُونِ كَأَنَّهُم / جَوازِلُ وَكرٍ ما لَها فيهِ مُطعِمُ
وَبادية الثَديَينِ أَخلَقَ ثَوبُها / وَأَبلاهُ بَعد الحَولِ حَولٌ مُجرَّمُ
توجَّعُ تَبغِي بَعدَ عامَينِ غَيره / حِفاظاً على العَوراتِ وَالمرءُ مُعدِمُ
يقول لَها لا ترفعي الصَوتَ واجعَلي / لِباسَكِ حُسنَ الصَبرِ ما ثَمَّ دِرهَمُ
مَغارمُ شَتّى لا تَزالُ تُصِيبُني / إِذا مَغرمٌ مِنها انقَضى جاءَ مَغرَمُ
نُمارسُ أَنواع الشَقاءِ وَغيرُنا / بِما نَحن نَجنِي دُوننا يَتنعَّمُ
نَبيعُ بِبَخسٍ ما علمتِ وَنَشتري / مِن القَومَ لا بِالبخسِ ما نحنُ نُنجِمُ
فَلو أَنّ في مصرٍ مَصانِعَ لَم يَكُن / كَمغنمِ أَهليها عَلى الدَهرِ مَغنمُ
بِلادٌ يَفيضُ الخَيرُ فيها وَتشتَكي / وَشعبٌ يَفوزُ الأَجنبيُّ وَيُحرَمُ
أَلا لَيتَ هَذا الدَهرَ يَعكس سَيرَهُ / فَيَعتادُ مِصراً عَهدُها المتقدِّمُ
لَقَد كانَ عيداً لِلبلادِ وَموسِماً / تُسَرُّ بِهِ لَو دامَ عيدٌ وَمَوسِمُ
ترقَّت بُروجَ العزِّ فيهِ بَواذِخاً / لَها مِن صَميمِ العَزمِ وَالحَزمِ سُلَّمُ
أَتى بَعدهُ عَهدٌ وَعَهدٌ كلاهما / أَضرُّ وَأَنكى للبلادِ وَأَشأمُ
كَفى حَزَناً أَنّ المَدارِسَ أَصبَحَت / دَوارِسَ فيها لِلبَلى مُتخيَّمُ
أَرى أُمَّةً حَيرى يَظلُّ سَوادُها / صَريعَ العَمى وَالجَهلِ ما يَتعلَّمُ
أَلا مُصلحٌ يَبني الحَياةَ لِقَومِهِ / أَلا مُنقِذٌ يَحمي البِلادَ وَيَعصمُ
سَما مِن سَما بِالعلمِ وَاعتزَّ بِالحِجى / مَن اعتزَّ فينا وَالذين تقدَّموا
رَأَيتَ سَنامَ المَجدِ لا يَستطيعهُ / بِلا أَدَبٍ يَسمو بِهِ المُتَسنِّمُ
وَكَيفَ تَنالُ المَجدَ في الناسِ أُمَّةٌ / أَزِمَّتُها للإِنكليزِ تُسلَّمُ
أَنطمعُ كَالأَحياءِ في نَيلِ بُغيةٍ / وَأَعداؤُنا تَقضِي عَلينا وَتحكمُ
وَلَم أَرَ كَالسُودان أَبعَثَ لِلأَسى / وَإِن لجَّ في ترنامِهِ المترنِّمُ
أَكانوا عِداةً فَابتدرنا قِتالَهُم / وصاولهم منّا الخَميسُ العرمرمُ
دهمناهمو لا بل دهمنا نُفوسَنا / فهلّا علمنا أَيُّنا كان يُدهَمُ
سُيوفٌ لِغَير اللَهِ سُلَّت عَليهمو / تُطبِّقُ فيهم مَرَّةً وَتُصمِّمُ
تَمَنّى لَوَ اَنّ الحامليها تثلّمت / سَواعِدُها أَو أَنَّها تَتثلَّمُ
وَمُشتجِراتٌ في الصُدورِ نَوافذٌ / تَودُّ تُقىً لَو أَنَّها تَتَحطَّمُ
فَيا عَجَباً لِلدَهر كَيفَ يَضمُّنا / وَإِخوانَنا الأَدنين في الحَرب مَأزِمُ
أَلا حُرمةٌ وافى بِها الدّينُ تُتَّقى / أَلا رَحِمٌ أَوصى بِها اللَهُ تُرحَمُ
كَأنّي بِأَرواحٍ قَضَت شهداؤُها / تَسامى إِلى ديّانها تَتظلَّمُ
لعمري لَقد غِيظَت لِسوءِ صَنيعنا / مَلائِكَةُ الجبّارِ فَهيَ تُدمدِمُ
تجدَّلت الحامون مِنّا وَمنهمو / وحدّثتِ الناعون عَنّا وَعنهمُ
فَمَن لِنساءٍ قَد شَجاها التَأيُّمُ / وَمَن لِصغارٍ قَد دَهاها التيتُّمُ
يُهنِّئُنا قَومٌ بِهذا وَإِنَّما / يُهنّأُ مَن يَغزو العَدوَّ فَيغنَمُ
عَلام أَرى الغاوين تُسدِي وَتُلحِمُ / وَتنثرُ في مَدحِ العِداةِ وَتنظمُ
أَلا قاتل اللَهُ المقطَّمَ إِنَّهُ / لَيُوشِك أَن يندكَّ مِنهُ المقطَّمُ
نَودُّ لَهُ أَن يَهتدي مِن ضَلالهِ / فَيَأبى وَأَن يَحذو الكِرامَ فَيلأمُ
وَكَيفَ يَرى سُبلَ الهِدايَةِ مُبغضٌ / لَها مُستهامٌ بِالغِوايةِ مُغرَمُ
يَدُبُّ يَقولُ السُوءَ في مصر جاهِداً / كَما دَبّ لَيلاً يَنفثُّ السُمَّ أَرقَمُ
أَلم يَدرِ أَنّ الصدقَ أَهدى طَريقَةً / وَأَجدى وَأَنّ الحَقَّ أَقوى وَأَقوَمُ
تَمَنّى العِدى أَن تَستَبيحَ بِلادَنا / مُنىً دُونَها ذُو لبدتين غشمشمُ
شتيمٌ تَحامى الضارِياتُ عَرينَهُ / يُكشِّرُ عَن أَنيابِهِ وَيُصلقِمُ
مُنىً دُونَها غَيثُ البِلادِ وَغوثُها / مَليكُ الوَرى عَبدُ الحَميدِ المعظَّمُ
أَجلُّ المُلوكِ الصيدِ في الفَضلِ رُتبَةً / وَأَقوم رَأياً في الخطوب وَأَحزَمُ
لَهُ عَزَماتٌ ماضياتٌ متى تَرُمْ / مَراماً تَحاماها القَضاءُ المحتَّمُ
يَبِيتُ الدُجى يَرعى الرَعايا بفكرةٍ / حَكَت مِنهُ طَرفاً كالئاً ما يُهوِّمُ
هوَ المُرتَجى لِلمُلكِ يَحمِي ذِمارَهُ / وَيَدحرُ عَنهُ المُعتَدين وَيَدحَمُ
وَرَأيٍ لَهُ أَمضى غِراراً وَمضرباً / مِن السَيفِ لا يَنبو وَلا هوَ يَكهَمُ
تُغَضُّ بِهِ هامُ الأَعادي إِذا عتت / وَتُجذَمُ أَسبابُ العَوادي وَتُخذَمُ
أَمَولاي رُحماك الَّتي أَنتَ أَهلُها / فَحتّى مَتى نُبدي الشَكايا وَنكتمُ
يُصرّحُ بِالشَكوى لِعُلياك معشرٌ / وَيَخشى الأَعادي معشرٌ فَيُجَمجِمُ
أَمضّت جراحاتُ الخُطوبِ قُلوبَنا / وَلَيسَ لَها في غَير كَفَّيكَ مَرهَمُ
أما للشياطين الَّتي قَد تَمرَّدت / بِأَرضك شُهبٌ مِن سَمائِكَ رُجَّمُ
غِياثَكَ يا رَبَّ البِلادِ لأمةٍ / يُهدَّمُ عالي مجدِها وَيُهضَّمُ
غِياثَكَ إِنّا قَد سئمنا حَياتَنا / وَمِثلُ حَياةِ الحُرِّ في مِصرَ تُسأَمُ
غِياثَكَ قَد ضاقَ الخِناقُ وَحَشرَجَت / نُفوسٌ إِذا استبقيتها تتلوَّمُ
بَقيتَ لِهَذا الملكِ تَدفَعُ دُونه / وَتَمنعُ أَمرَ المُسلمين وَتعصمُ
وَلا زلت يا رُوحَ الخِلافَةِ سالِماً / فَأَمنيَّةُ الإِسلامِ أَنّك تسلمُ
وَلا بَرحَ البَيتُ الَّذي أَنتَ شائِدٌ / مِن المَجدِ فينا وَهوَ بَيتٌ مُحرَّمُ
أُعلِّلُ نَفسِي بِالعَواقِبِ أَرتَجِي
أُعلِّلُ نَفسِي بِالعَواقِبِ أَرتَجِي / لِأَدواءِ قَومي مِن يَد اللَهِ شافيا
عَسَى واضحٌ مِن نُورِهِ أَن يُظلَّنا / فَيصدعُ عَن آمالِ مِصرَ الدِياجيا
أَراها كَسارِي الليلِ لا يَأمنُ الرَدى / وَلا هوَ يَرجو مِن سَنا النَجمِ هاديا
تَلفُّ الدُجى في غَمرةِ الهَمّ بِالدُجى / وَتَلبس أَهوالَ السُرى وَالدَواهيا
وَتَعزفُ تَدعو الجنَّ أَن يَكشفوا الأَذى / تُعالجُ مِن كَربٍ يَهول الأَناسيا
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً
غَضِبَ الحُماةُ لدين أَحمدَ غَضبَةً / نُصر الإِلهُ بِها وَعزَّ المُصحَفُ
قَذَفَت بِهانوتو فَطاحَ بَهبوَةٍ / تَرمِي بِأَبطالِ الرِجالِ وَتقذفُ
ما انقضَّ يَرمي المُسلِمِينَ بِعَسفِهِ / حَتّى اِنبَرى القَدرُ الَّذي لا يَعسِفُ
هاج الحُماةَ فَهاجَ كُلَّ مُشيَّعٍ / عَجِلِ الوَقائع بِالفَوارس يَعصفُ
جبريلُ يَدلِفُ بِاللواءِ وَأَحمدٌ / بَينَ الوَصيِّ وَبَينَ حَمزَةَ يَزحَفُ
أَو كلّما هاجَ التعصُّبَ أَهلُهُ / صاح الغَوِيُّ بِنا وضجَّ المُرجِفُ
في كُلِّ يَومٍ لِلتَعَصُّبِ غارَةٌ / يَدعو بِها داعِي الصَليبِ وَيَهتِفُ
ضَجَّت شُعوبُ المُسلمين وَراعهم / ظُلمُ الأُلى لَولا السياسَةُ أَنصفوا
جَعلوا الصَليبَ سِلاحَها وَتدَّفعت / عَن جانِبَيهِ دَماً فَلَم يَستنكفوا
إِنّ الصَليبَ عَلى جَهالةِ أَهلِهِ / ليرى سَبيلَ المُصلِحينَ وَيَعرِفُ
أَيَهِمُّ هانوتو بِقَبرِ مُحمَّدٍ / وَيَسوعُ حَولَيهِ يَطوف وَيَعكِفُ
أَيقولُ تِلكَ فَلا تَميدُ بِأَهلِها / باريسُ مِن فَزَعٍ وَيَهوي المُتحَفُ
فَلَسَوفَ يَنظرُ أَيّ مُلكٍ يَنطَوي / وَلَسَوفَ يَعلم أَيّ عَرشٍ يُنسَفُ
وَيحي عَلى الإِسلامِ هان وَزَلزَلَت / أَيدي الخُطوبِ شُعوبَه فَاستُضعِفوا
لَولا التَعصُّبُ لَم تُرَع في ظِلِّهِ / أُمَمٌ تَميدُ ولا ممالكُ تَرجُفُ
وَأَرى الَّذين تَفرَّقَت أَهواؤُهم / لَو أَنَّهُم غَضِبوا لَهُ لتأَلّفوا
مَهلاً دُعاةَ الشَرِّ إِنّ وَراءَكُم / يَوماً تَظلُّ بِهِ الشُعوبُ تَخطَّفُ
تَتَخبّط الأَحداث في غَمراتِهِ / وَتظلُّ عَن أَهوالِهِ تَتَكشَّفُ
لِلّهِ فيما تَفعلون بِدينهِ / عَهدٌ أَبرُّ وَمَوعدٌ ما يُخلَفُ
مَهلاً فيومئذٍ يُحَمُّ قَضاؤُهُ / إِنّ القَضاءَ إِذا جَرى لا يُصرَفُ
كشف الكِتابُ عَن المَحجَّةِ فَانظُروا / وَأَرى المحجّة عِندَكُم أَن تَصدِفوا
لُوذوا بِأروَعَ ما تَخافُ نُفوسُكُم / إِنّ الكِتابَ عَلى النُفوسِ لَأَخوَفُ
إِن الَّذي قَهرَ الجَبابر ما لَهُ / مَثَلٌ يُعَدُّ وَلا شَبيهٌ يُوصَفُ
يُزجِي أَساطيلَ القَضاءِ سُطورهُ / وَتَقود خَيلَ اللَهِ مِنهُ الأَحرُفُ
وَلربّما ركب المجرَّةَ فَاعتَلى / وَهَوى المُنيفُ عَلى العُبابِ المُشرِفُ
حِصنٌ يلوذُ الدينُ مِنهُ بِجانبٍ / عَزريلُ مُرتَقِبٌ عَلَيهِ يُرَفرفُ
تَشقى الجِواءُ بِما يُذِيبُ مِن القُوى / وَتَضيقُ بِالمُهجِ الَّتي يَتَلقَّفُ
ما بَينَ وَثبَةِ ثائِرٍ وَنُكوصِهِ / إِلّا مجالٌ للحُماةِ وَمَوقفُ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ
غَوى الناس حَتّى لا صَوابٌ وَلا رُشدُ / وَضلّوا فَلا رُسلٌ تُطاعُ وَلا جُندُ
إِذا كُنتَ في أَمرِ النُفوسِ مُشاوراً / فَما لَكَ مِن سَيفٍ تُشاوِرهُ بُدُّ
وَإِنّك إِن أَمعنتَ في نقدِها اِنتَهى / بِكَ الأَمَدُ الأَقصى وَلم يَنتهِ النَقدُ
وَما زِلتُ بِالدُنيا أَعدُّ ذُنوبَها / إِلى أَن تَناهَت هِمّتي وَانقَضى العَدُّ
بُلِيتُ بِمَن تفري الزَواجرُ سَمعَهُ / فَيَطغى وَترميهِ العِظاتُ فَيشتدُّ
يَقولُ غُواةُ الناسِ مَجدٌ وَسُؤدُدٌ / وَلا سُؤددٌ فيما بَدا لي وَلا مَجدُ
أَرى الناسَ أَنداداً وَلا مَجدَ لامرئٍ / إِذا لَم يَكُن كَالدَهرِ لَيسَ لَهُ نِدُّ
بِذلك أَقضي في الصديقِ وَفي العِدى / وَمِثليَ يَدري ما العداوةُ وَالوُدُّ
نَما الناس حَولي مِن مُحِبٍّ وَحاقدٍ / فَما غَرَّني حُبٌّ وَلا هاجَني حِقدُ
بَني النيلِ إِنّي لا أَرى فيهِ مُفرَداً / وَلا أَدّعي أَنّي بِهِ الشاعرُ الفَردُ
وَلَيسَ بِناءُ المَجدِ فيكُم بِقائِمٍ / مَدى الدَهرِ وَالأَخلاقُ تَهوي وَتنهدُّ
كَفى الدَهرَ عَتباً يا بَني النيلِ أَنَّهُ / مَجالُ حَياةٍ للمالكِ أَو لَحدُ
عَتبتُم عَلى الأَيّامِ وَهيَ كَعهدِها / فَلا تعتبُوا حَتّى يَدومَ لَكُم عَهدُ
وَإِن وَثَبَ الضرغامُ لِلصَيدِ عادِياً / فَلا تَعجبوا أَيُّ الضَراغمِ لا يَعدو
وَما اتُّخِذَت لِلّهوِ مِن قَبلِ داحسٍ / رِقاقُ المَواضي وَالمُسوَّمةُ الجُردُ
بني النيلِ جِدُّوا في المَطالب وَاصدُقوا / فَلا مَجدَ حَتّى يَصدُقَ العَزمُ وَالجِدُّ
هوَ البَأسُ حَتّى يَجفُلَ الأَسَدُ الوَردُ / وَيذهلَ عَن حَوبائِهِ الرجلُ الجَلدُ
سَنركبُها رَوعاءَ تَلوِي عِنانَها / وَنَرمي بِها هَوجاءَ لَيسَ لَها ردُّ
وَما هوَ إِلّا أَن يَثورَ غُبارُها / فَلا أُفْقَ إِلّا وهوَ أَقتمُ مُسوَدُّ
دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ
دَعونا نَبتدِر وِردَ الحِمامِ / لِيُطفئَ بَردُه حَرَّ الأَوامِ
دَعونا إِنّ لِلأَوطانِ حَقاً / تُضيَّعُ دُونه مُهَجُ الكِرامِ
أَنَخذِلُها وَنَحنُ لَها حُماةٌ / فَمَن عَنها يُناضِلُ أَو يُحامي
أَنُسلِمُها إِلى الأَعداءِ طَوعاً / فَتِلكَ سَجِيَّةُ القَومِ الطغام
أَيَبغي الإِنكليزُ لَها اِستلاباً / ولمّا تَختضِب بِدَمٍ سِجامِ
وَيَمشِ أَخو الوَغى مِنّا وَمِنهُم / عَلى جُثَثٍ مُطرَّحةٍ وَهامِ
أَنتركُها بِأَيدي القَومِ نَهباً / وَفي هَذي الكنانةِ سَهمُ رامِ
لَقَد ظَنّ العُداةُ بِنا ظُنوناً / كَواذبَ مثلَ أَحلامِ النِيامِ
رَأونا دُونَهُم عَدداً فَنادوا / عَلَينا بِالنزالِ وَبِالصِدامِ
وَزجّوها فَوارِسَ ضاق عَنها / فَضاءُ الأَرض أَعينُها دَوامِ
لَقيناهم بِآسادٍ جِياعٍ / تَرى لَحم العِدى أَشهى طَعامِ
لعمر أَبيك ما ضعفت قُوانا / فَنجنحَ صاغِرينَ إِلى السَلامِ
مَعاذَ اللَه مِن خَوَرٍ وَضعفٍ / وَمِن عابٍ نُقارفه وَذامِ
وَلا وَاللَه نَرضى الخسفَ دِيناً / كَدأبِ المُستَذَلِّ المُستَضامِ
إِذا حكم العِدى جَنَفاً عَلينا / فَأَعدل مِنهُمُ حكمُ الحُسامِ
هَبُونا كَالَّذي زَعموا ضِعافاً / أَيأبى نَصرَنا رَبُّ الأَنامِ
أَيخذِلُنا وَنحنُ لَهُ نُصلِّي / جَميعاً مِن قُعودٍ أَو قِيامِ
فَلا يَأسٌ إِذا ما الحَرب طالَت / مِن النَصرِ المُرجّى في الختامِ
ولَسنا نَترك الهَيجاءَ يَوماً / بِلا نارٍ تَشُبُّ وَلا ضِرامِ
فَإِمّا العَيشُ في ظِلِّ المَعالي / وَإِمّا المَوتُ في ظلّ القَتامِ
هِيَ الأَوطان إِن ضاعَت رَضينا / مِن الآمال بِالمَوت الزُؤامِ
فَهل جاءَ البويرَ حَديثُ قَومي / وَما قَومي بشيءٍ في الخِصامِ
لنعم القَومُ ما أَوفوا بَعَهدٍ / لِأَوطانٍ شَقِينَ وَلا ذِمامِ
وَلا اِعتصموا بحبل الجِدّ يَوماً / وَلا لاذوا بِأَكناف الوئامِ
فوا أَسفي عَلى وَطَن كَريمٍ / غَدا ما بَيننا غَرَضَ السِهامِ
وَنَحنُ على توجّعه سُكوتٌ / كَأَنّا بَعضُ سكان الرجام
رَعى اللَه البوير بِحَيث كانوا / وَجاد دِيارهم صَوبُ الغَمامِ
نَبِّئ سِوايَ فَما لي حِينَ تُخبرني
نَبِّئ سِوايَ فَما لي حِينَ تُخبرني / بَأسُ الحَديدِ وَلا صَبرُ الجَلاميدِ
ماذا حَملتَ مِن الأَنباءِ لا رُزِئَت / أُذني وَعَيني بِمَسموعٍ وَمَشهودِ
خادَعت أُذني فَلم أَسمَع بِصالحةٍ / وَخُنتُ عَيني فَلم أُبصِر بِمودودِ
دَعني أَصمَّ عَنِ الدُنيا وَساكنها / أَعمى عَنِ الدَهرِ في أَحداثِهِ السُودِ
إِنّي تَزوّدتُ قَبل اليَومِ داهيةً / دَهياءَ أَحملُ مِنها فَوقَ مَجهودي
قُل لِلفَجائعِ شَتّى لا عِدادَ لَها / كُفّي أَذاكِ عَنِ الباكين أَو زيدي
أَغرَّكِ يا أَسماءُ ما ظنَّ قاسمُ
أَغرَّكِ يا أَسماءُ ما ظنَّ قاسمُ / أَقيمي وَراءَ الخِدرِ فَالمرءُ واهمُ
ذكرتُكِ إِنّي إِن تجَلّت غَيابتي / عَلى ما نَمى مِن ذكركِ اليَومَ نادمُ
تَضِيقينَ ذرعاً بِالحِجابِ وَما بِهِ / سِوى ما جَنَت تِلكَ الرُؤَى وَالمَزاعمُ
سَلامٌ عَلى الأَخلاقِ في الشَرقِ كلِّه / إِذا ما اِستُبيحَت في الخُدورِ الكَرائِمُ
أَقاسمُ لا تَقذِف بِجيشكَ تَبتَغي / بِقَومِكَ وَالإِسلامِ ما اللَهُ عالمُ
لَنا من بِناءِ الأَوّلينَ بَقِيَّةٌ / تَلُوذُ بِها أَعراضُنا وَالمحارمُ
أُسائِلُ نَفسي إِذ دلفتَ تُريدُها / أَأَنتَ مِن البانينَ أَم أَنتَ هادمُ
وَلَولا اللَواتي أَنتَ تَبكي مُصابَها / لَما قامَ لِلأَخلاقِ في مِصرَ قائِمُ
نَبذتَ إِلَينا بِالكِتابِ كَأَنَّما / صَحائِفُه مَمّا حَمَلنَ مَلاحمُ
فَفي كُلِّ سَطرٍ مِنهُ حَتفٌ مُفاجئٌ / وَفي كُلِّ حَرفٍ مِنهُ جَيشٌ مُهاجِمُ
حَنانَك إِنّ الأَمرَ قَد جاوزَ المَدى / وَلَم يَبقَ في الدُنيا لِقَومِكَ راحمُ
أَحاطَت بِنا الأُسدُ المُغِيرَةُ جَهرَةً / وَدبَّت إِلَينا في الظَلامِ الأَراقمُ
وَأَبرَحُ ما يَجني العَدُوُّ إِذا رَمى / كَأَهون ما يَجني الصديقُ المُسالمُ
لَنا في كِتاب اللَهِ مَجدٌ مُؤَثَّلٌ / وَمُلكٌ عَلى الحدثانِ وَالدَهر دائِمُ
إِذا نَحنُ شِئنا زَلزلَ الأَرضَ بَأسُنا / وَدانَت لَنا أَقطارُها وَالعَواصمُ
نَصولُ فَنجتاحُ الشُعوبَ وَننثني / بِأَيماننا أَسلابُها وَالغَنائمُ
قَضَينا المَدى صَرعى تَخورُ نُفوسُنا / وَتَخذِلُنا في الناهضينَ العَزائِمُ
فَلم يَكُ إِلّا أَن أَحيط بِملكنا / وَلَم يَك إِلّا أن دَهتنا العَظائِمُ
تَداعَت شُعوبُ الأَرضِ تَسعى لِشأنها / وَغُودِرَ شَعبٌ في الكِنانَةِ نائِمُ
هَمَمنا بربّاتِ الحِجالِ نُريدُها / أَقاطيعَ تَرعى العَيشَ وَهيَ سَوائِمُ
وَإِن امرأً يُلقِي بِلَيلٍ نِعاجَهُ / إِلى حَيثُ تستنُّ الذئابُ لَظالمُ
وَكُلُّ حَياةٍ تَثلِمُ العرضَ سُبّةٌ / وَلا كَحياةٍ جَلَّلتها المَآثمُ
أَتأتِي الثَنايا الغُرُّ وَالطُرَرُ العُلى / بِما عَجزت عَنهُ اللِحى وَالعَمائمُ
عَفا اللَهُ عَن قَومٍ تَمادَت ظُنونُهم / فَلا النَهجُ مَأمونٌ وَلا الرَأيُ حازمُ
أَلا إِنَّ بالإِسلامِ داءً مُخامِراً / وَإِنَّ كِتابَ اللَهِ للدّاءِ حاسمُ
مَتى يَنهضُ الشَرقُ مِن كَبوَتِهْ
مَتى يَنهضُ الشَرقُ مِن كَبوَتِهْ / وَحَتّى مَتى هوَ في غَفوَتِهْ
كَبا وَكذلك يَكبو الجَوادُ / براكبهِ وهوَ في حلبتِه
وَنامَ كَما نامَ ذو كُربَةٍ / تَملَّكَهُ اليَأسُ في كُربَتِه
وَهى عَزمُه ما يُطيقُ الحِراكَ / وَقَد كانَ كالليثِ في وَثبتِه
تجرُّ عَلَيهِ عَوادِي الخُطوب / كلاكِلَها وَهوَ في غَفلَتِه
نَواهِبَ ما كانَ مِن مَجده / سَوالبَ ما كانَ مِن عِزَّتِه
فَلا هوَ يَدفَعُ عَن حَوضِهِ / وَلا هوَ يَمنعُ مِن حَوزتِه
لَعاً أَيّها الشرقُ مِن عَثرَةٍ / بِها نَهضَ الغَربُ مِن عَثرتِه
لَقَد كُنتَ تَسبقُهُ أَعصُراً / وَقَد كانَ يَظلُعُ في مِشيتِه
إِلى المَجدِ حِينَ تَذرَّيته / وَحينَ تَضاءلَ عَن ذِروتِه
سَما الغَربُ وَاعتزَّ بَعد الَّذي / رَأى القَومُ ما كانَ مِن ذِلَّتِه
وَجَدَّ يَرومُ كبارَ الأُمورِ / فَقَد أَصبحت وَهيَ مِن بُغيَتِه
فَأَدركَ ما أَعجزَ المُدركين / وَلَم يَثنِ ذَلِكَ مِن هِمَّتِه
بَلى هوَ في سَعيهِ دائِبٌ / تزيدُ الكَوارِثُ في قُوَّتِه
إِذا نابَهُ حادِثٌ رائعٌ / تَخورُ العَزائمُ مِن خَشيتِه
دَعا مِن بَنيهِ مُطاعٌ مُجاب / تَخفُّ الجُموعُ لَدى دَعوَتِه
كِراماً يَكرُّون مُسترسِلينَ / كَمُبتدرِ الغنمِ في كرَّتِه
هم يَجبرون المَهيضَ الكسيرَ / إِذا فلَّلَ الدَهرُ مِن شَوكَتِه
وَهم يُكرِمونَ السَريَّ الكَريم / وَلا يَحمدونُ سِوى سِيرتِه
وَهم يُنصِفونَ وَلا يَظلمون / كَمَن أَصبحَ الظُلمُ مِن شِيمتِه
فَلا يُرفَعُ المَرءُ عَن قَدرِهِ / وَلا يُخفَضُ الشَيءُ عَن قيمتِه
خِلالٌ غَدَت غُرَّةً لِلخلال / وَهَل حُسنُ شَيءٍ سِوى غُرَّتِه
تَحَلّى بِها الغربُ سُقياً لَهُ / وَبُورِكَ فيهِ وفي حِليتِه
لَقَد كانَ في حُفرَةٍ ثاوياً / وَلَكن ثَوى الشرقُ في حُفرتِه
فَيا لَهفَ قَلبي لمجدٍ مَضى / وَيا شَوقَ نَفسي إِلى عَودتِه
وَيا لَهفَ آبائِنا الأَوّلين / على الشرق إن ظلَّ في نكبتِه
همو غادروه كرَوضٍ أريضٍ / تَتوقُ النُفوسُ إِلى نَضرتِه
وَنَحنُ تَركناهُ للعاديات / وَلم نَرعَ ما ضاعَ مِن حُرمَتِه
فَأَذهَبنَ ما كانَ من حُسنِه / وَأَفنَينَ ما كانَ مِن بَهجتِه
فَهَل يُسمعُ القولَ أَهلَ القُبورِ / خَطيبٌ فَيُسهِبُ في خُطبتِه
يُناديهمُ فِيمَ هَذا الرقاد / كَفى ما دَهى الشَرقَ مِن رَقدتِه
لَقَد ضاعَ بَعدكُمُ مَجدُهُ / وَكُلُّ المَثالبِ في ضَيعتِه
وَأَنتُم رِجالٌ ذَوُو نَجدَةٍ / فَلا تقعُدوا اليَومَ عَن نَجدتِه
لَكُم عَزَماتٌ صِلابٌ شِداد / يَلِينُ لَها الدَهرُ في شدَّتِه
قَواصمُ لِلمُعتَدي المُستَطيل / عَواصِمُ يَحمِينَ مِن صَولَتِه
بِها يُدرِكُ الشَرقُ ثاراتِهِ / فَيُشفى وَيَنقَعُ مِن غُلَّتِه
سَقى اللَه سُكانَ تِلكَ القُبورِ / غُيوثاً هَوامِعَ مِن رَحمَتِه
وَعَزّى بَني الشَرقِ عَن مَجدِهِ / وَبارك لِلغَرب في أُمَّتِه
أَهذي ديارُ القَومِ غَيَّرها الدَهرُ
أَهذي ديارُ القَومِ غَيَّرها الدَهرُ / فَعُوجوا عَليها نَبكِها أَيُّها السَّفْرُ
محا آيها مَرُّ العُصورِ وَكرُّها / إِذا مَرَّ عَصرٌ كَرَّ مِن بَعدِهِ عَصرُ
نُسائِلُها أَينَ استقلَّ قطينُها / وَهَل تَنطق الدارُ المُعَطَّلةُ القَفرُ
وَكائن تَرى من ذي ثَمانين خَضَّبت / لِطُولِ البُكى مِن شَيبهِ الأَدمعُ الحُمرُ
بَكى وَطَناً أَودَت بِسالفِ مَجدِهِ / حَوادث دَهرٍ مِن خَلائقهِ الغَدرُ
أَغارَت عَلَيهِ مِن جَنوبٍ وَشَمأَلٍ / فَما برحت حَتّى أُتيحَ لَها النَصرُ
أَلا إِنَّها مصرُ الَّتي شَقِيَت بِنا / فَيا وَيحَ مصرٍ ما الَّذي لَقِيَت مِصرُ
مَضى عِزُّها المَسلوبُ ما يَستعيدُه / بَنُوها فَلا عِزٌّ لَديهم وَلا فَخرُ
هُمُ رَقَدوا عَنها فَطالَ رُقادُهُم / فَديتكُمُ هُبُّوا فَقَد طَلعَ الفَجرُ
أَلمّا تَروا أَن قَد تُقُسِّمَ أَمرُكُم / بَأَيدي الأُلى جَدّوا فَهل لكمُ أَمرُ
أَما فيكمُ حُرٌّ إِذا قامَ داعياً / إِلى صالحٍ أَوفى فجاوَبَهُ حُرُّ
كَريمان لَمّا يَجثُما عَن عَظيمةٍ / وَلا بهما إِذا يُدعوان لَها وَقرُ
هُما هَضبَتا عَزمٍ وَحَزمٍ كِلاهُما / يَخافُهما الخَطبُ المَخُوفُ فَما يَعرو
هُما الذُخرُ لِلأَوطانِ إِن جَلَّ حادِثٌ / فَضاقَت بِهِ ذَرعاً وَأَعوزَها الذُخرُ
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها
أُمٌّ تُدافعُ يَأسَها بَرجائِها / ما تَنقضِي الآمالُ في أَبنائِها
أَمسى الشَقاءُ لَها خَدِيناً ما لَهُ / مُتحوَّلٌ عَنها فيا لِشَقائِها
هَذا لعَمُركُمُ العُقوقُ بِعينهِ / أَكَذا تُخلّى الأُمُّ في بَلوائِها
أَكذا تُغادَرُ للخطوبِ تَنوشُها / وَتمدُّ أَيديها إِلى حَوبائِها
غَرضَ النَوائبِ ما تَزالُ سِهامُها / تَهوِي مُسدَّدةً إلى أَحشائِها
صَرعى تَواكلَها الحُماةُ فَما لَها / إِلّا تَرقُّبُ مَوتِها وَفنائِها
تَبكي وَنضحكُ دُونَها وَلَوَ اَنّنا / بَشَرٌ بَكَينا رَحمةً لِبُكائِها
تَشكو البلايا التارِكاتِ نَعيمَها / بُؤساً وَما تَشكو سِوى جُهلائِها
يا آلَ مصرَ وَأَنتمُ أَبناؤُها / وَلَكُم جَوانِبُ أَرضِها وَسَمائِها
إِن تَسألوا فَالجهلُ داءُ بلادِكُم / وَمِن البليّةِ أَن تَموتَ بِدائِها
وَالمالُ وَهوَ مِن الوَدائعِ عِندَكُم / نِعمَ الدَواءُ المُرتَجى لشفائِها
إِن يَبنِ زارعُها الحياةَ لِقَومِهِ / فبكفِّ صانِعها تَمامُ بِنائِها
عودُ الثُقابِ أَما يَكونُ بِأَرضِنا / إِلا تَراهُ العَينُ مِن أَقذائِها
يا قَومُ هَل مِن إِبرَةٍ مِصريّةٍ / تَشفي بَقايا النَفسِ مِن بُرحائِها
إِنّ الصَنائعَ للحياةِ وَسيلةٌ / فَتعاونوا طُرّاً عَلى إحيائِها
لا تَبخلوا يا قَومُ إِن كُنتم ذَوي / كَرَمٍ فَما الدُنيا سِوى كُرمائِها
قُوموا قيامَ الأَكرمين وَجَرِّدوا / هِمَماً تودُّ البِيضُ بَعضَ مَضائِها
وَتَدَفَّقوا بِالمكرماتِ وَنافِسُوا / في بَذلِ عارفةٍ وَكَسبِ ثَنائِها
عَزَّ الثَراءُ فجئتُ مِصرَ وَأَهلَها / مُتَبَرِّعاً بِالشِعرِ عَن شُعرائِها

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025