القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : مَعرُوف الرُّصافِيّ الكل
المجموع : 246
تَيَقّظ فما أنت بالخالد
تَيَقّظ فما أنت بالخالد / ولا حادث الدهر بالراقد
فخلّد بسعيك مجداً يَدو / م دوام النجوم بلا جاحد
وأبقِ لك الذكر بالصالحا / ت وخلّ النُزوع إلى الفاسد
ورِدْ ما يُناديك عنه الصُدُور / ألا دَرّ درّك من وارد
وسِر بين قومك في سِيرة / تُميت الحُقود من الحاقد
فإن فتى الدهر من يَدّعي / فتأتي أعاديه بالشاهد
ولاتك مُرمىً بداء السكو / ن فتُصبحَ كالحجر الجامد
وكن رجلاً في العلا حُوَّلاً / تفَنَّنُ في سيره الراشد
إذا أطّردت حركات الحيا / ة ومرّت على نَسَق واحد
ولم تتنوَّع أفانينها / ودامت بوجهٍ لها بارد
ولم تتجدّد لها شَمْلة / من السعي في الشرف الخالد
فما هي إلاّ حياة السَوا / م تجول من العيش في نافد
وما يُرتَجَى من حياة امرىءٍ / كماءٍ على سَبْخة راكد
وليس له في غُضون الحيا / ة سوى النفَس النازل الصاعد
يغُضّ على الجهل أجفانه / ويرضَى من العيش بالكاسد
فذاك هو المَيْت في قومه / وأن كان في المجلس الحاشد
وما المرء إلاّ فتىً يَغْتدي / إلى العلم في شَرَك صائد
سعى للمعارف فأختازها / وصاد الأنيس مع الآبد
وطالع أوجه أقمارها / بعَين بصير لها ناقد
فأبدى الحقائق من طيّها / وألقى القيود على الشارد
إذا هو أصبح نادى البدا / رَ وشَمَّر للسعي عن ساعد
فكان المُجَلِّيَ في شَأوِهِ / بعزم يشُقّ على الحاسد
وأن بات بات على يقظةٍ / بطَرف لنجم العلا راصد
وأحدث مجداً طريفاً له / وأضرب عن مجده التالد
وما الحُمق إلاّ هو الأتّكا / ل على شرف جاء من والد
فذاك هو الحيّ حيّ الفَخا / رِ وأن لَحَدَتْه يد اللاحد
ماذا على الناس لو أصغت مسامعهم / للشعر أنشده في النصح للناس
تاللّه لو خُلقُوا كالصخر لا نصدعُوا / بما أقول انصداع الصخر بالفاس
لكنّهم أخذت في الخلق طينتهم / من طينة ذات أقذار وأدناس
لو أرسل اللّه جبريلاً لساحتهم / لما أتى غير مصحوب بكنّاس
ولو أراد دخولاً في جوانحهم / لكي يقيس الخنى فيها بمقياس
لشمّر الثوب عن ساقَيْه منكمشاً / وسدّ منخره قطعاً لأنفاس
وراح يدخل في مستنقع حَمِىٍء / وينهوي في مساويهم بديماس
وعاد يضحك من إبليس كيف غدا / مستهتراً عَبَثاً فيهم بوَسواس
أذ هم على الشرّ في الأخلاق قد جبلُوا / فلا احتياج لهمّاز وخنّاس
وصار يعذر إبليساً على أنَفٍ / من سجدة لأبيهم ذلك الناسي
لذاك لم يُجد نفعاً ما نصحت لهم / ولو ملأت بنصحي ألف كُرّاس
وكيف ينفع نفح الطيب منتشراً / من بات مُنجدِ لاً في جَوف كِرياس
أرى بغداد من بعد أغبرار
أرى بغداد من بعد أغبرار / زهت بقدوم شاعرها الزهاوي
زهت بكبيرها أدباً وعلماً / زهت بطبيب علّتها المداوي
وكادت مصر تسبقها فَخاراً / به لو ظلّ وهو هناك ثاو
ولكن عاد مُحتَقباً إليها / فَخار الأرض والشرف السماوي
فأهلاً بالحكيم وألف أهل / بمَن لازال مُرشِد كل غاو
وما الآداب في بغداد لولا / يراع جميلها إلاّ دعاو
إذا ما قال في بغداد شعراً / رواه له بأقصى الأرض راو
تفرَّد في بديع الشعر معنىً / فجَلّ عن المُعادل والمُساوي
أُعيذك يا جميل الشعر مِن أن / يسوءك نقد أرباب المَساوي
يداوون السقيم من المعاني / بفَهم كان أجدرَ بالتداوي
ألا لا تعجبَنّ وهم ذئاب / إذا هم أفزعوك بصوت عاو
لقد نقدوا قريضك نقد أعمى / يدُلّ على الضغائن في المطاوي
فأحم لهم حديد الشعر حتى / تُذيق نفوسهم حرّ المكاوي
فهم قوم يرون الحِلم عَجْزاً / إذا ما ناوءوك ولم تناو
ولا تضربهم أن شئت إلاّ / بضِغْث من نبات الشعر ذاو
فهل مثل الذباب يطير ذُعْراً / بهزّ مِذَبّة وهُوِىّ هاو
وليسوا مُحوِجيك إلى مُعين / وهم ما بين مهزول وضاو
فنَفْخ منك يجعلهم هباءً / ويُسقِطهم إلى سُفلى المهاوي
وما أحتاج القويّ إلى مُعين / إذا كان الضعيف هو المُقاوي
كلّ شيء من عالم الذرّات
كلّ شيء من عالم الذرّات / كل شيء في كونه كالنبات
كل شيء في بدئه من صغير / ثم ينمو في ذاته والصفات
هكذا تكبُر الصغار وتقوى / في نواميس حادثات الحياة
هكذا ترسل الأصول فروعاً / عاليات يأتين بالثمرات
أن للفَلس في الثراء محّلاً / كمحلّ الجذور في الدوحات
أن أصل الثراء فلس هل سا / لت سيول إلاّ من القطرات
هو في قدره حقير ولكن / جمعه مُوصل إلى العظمات
يتساوى السخيّ فيه وذو البخ / ل وربّ الأقلال والمَثْراة
هو هَيْن على الذي قال هاكم / حين يعطيه للذي قال هات
أن تُرِدْ غرس نخلة من ثراء / فسوى المفلس مالها من نواة
فأقتصد في موارد العيش فلساً / كل يوم من طائل النفقات
وأجعل الفلس فوق فلس تجِدْه / بعد حين عوناً علىالأزَمات
وأدّخره ليوم نَحْس تجده / مسعداً مسعفاً على الخيرات
وأقصد الخير في أقتصادك حتى / لا يؤول الثراء للأعنات
ليس حسن الأعمال في الناس إلاّ / حسن ما يُضمرون من نيّات
فدع الفعل كيف كان حميداً / أو ذميماً وأنظر إلى الغايات
حسنات الأنام إن لم تكن ذا / ت عموم ضرب من السيّئات
يا شباب العراق هُبّوا إليه / وتوخَوْا بجمعه البركات
إن تكونوا اعتزمتم الأمر فيه / فالبدار البدار قبل الفوات
لا تَشْكُ للناس يوماً عُسرة الحال
لا تَشْكُ للناس يوماً عُسرة الحال / وأن أدامتك في همّ وبِلبال
وجانب اليأس وأسلُك للرجا طُرُقاً / فالدهر ما بين أدبار وأقبال
وأركب على صَهَوات الجِدّ مغترباً / فيما تحاول ذا حلّ وترحال
وأطلب على عزّه بَيْض الأنوق ولا / تطلب لعمرك أن تَحظى بِمفضال
لك يَبق غير الذي غُلَّت أنامله / إما بأغلال شُحّ أو بإقلال
كم قد غدَوْت على الأيام منتدباً / قوماً أضعت بهم شعري وآمالي
أفعالهم دون أن يُغرَى الرجاء بها / لكنّ أقوالهم أقوال أقيال
من كل هيّ بن بيّ لأثبات له / جَعدِ اليدَين قَؤول غيرِ مفعال
كم بات ذو الحُمق خِلواً في مضاجعه / وبات ذو العقل فيها كاسِف البال
هذا يَميس بأبراد مُفوَّفةٍ / وذا يَخيط شظايا طِمْرِه البالي
ألا ما لأهل الشرق في بُرَحاء
ألا ما لأهل الشرق في بُرَحاء / يعيشون في ذُلّ به وشقاء
لقد حكّموا العادات حتى غدت لهم / بمنزلة الأقياد للأسراء
إذا تختبرهم في الحياة تجد لهم / حياةً تخطّت خُطة السعداء
وما ذاك إلاّ أنّهم في أمورهم / أبوا أن يسيروا سيرة العقلاء
لقد غَمِطوا حق النساء فشدّدوا / عليهنّ في حبس وطول ثواء
وقد ألزموهنّ الحجاب وأنكروا / عليهنّ إلاّ خَرْجَة بغطاء
أضاقوا عليهنّ الفضاء كأنهم / يَغارون من نور به وهواء
قد انتبذوا عنهنّ في العيش جانباً / فما هنّ في أمرٍ من الخُلَطاء
وقد زعموا أن لَسْن يصلحن في الدنى / لغير قرار في البُيوت وباء
فما هنّ إلاّ متعة من متاعهم / وأن صنّ عن بَيع لهم وشراء
أهانوا بهنّ الأمّهات فأصبحوا / بما فعَلوا من أْلأم اللؤماء
ولو أنّهم أبقَوْا لهنّ كرامة / لكانوا بما أبقوا من الكرماء
ألم ترهم أمسَوْا عبيداً لأنهم / على الذُلّ شَبُّوا في حجور أماء
وهان عليهم حين هانت نساؤهم / تحمُّل جَوْر الساسة الغرباء
فيا قوم أن شئتم بقاءً فنازعوا / سواكم من الأقوام حبل بقاء
أيَسعَد محياكم بغير نسائكم / وهل سعِدت أرض بغير سماء
وما العار أن تبدو الفتاة بمسرح / تمثّل حالَىْ عزّة وأباء
ولكنّ عاراً أن تَزَيّا رجالكم / على مسرح التمثيل ِزيّ نساء
أقول لأهل الشرق قول مؤنِّب / وأن كان قولي مسخط السفهاء
ألا أن داء الشرق من كُبَرائه / فبُعداً لهم في الشرق من كبراء
وأقبح جهل في بني الشرق أنهم / يسمُّون أهل الجهل بالعلماء
وأكبر مظلوم هو العلم عندهم / فقد يدّعيه أجهل الجهلاء
لو أقتصّ ربّ العلم للعلم منهم / لصبّ عليهم منه سَوْط بلاء
ولأسْتأصل الموت الوَحِيّ نفوسهم / ونادى عليهم مُؤذناً بفناء
ولكنّ حلم اللّه أبقى عليهم / فعاشوا ولو في ِذلّة وشقاء
لقد مزّقُوا أحكام كل ديانة / وخاطُوا لهم منها ثياب رياء
وما جعلوا الأديان إلاّ ذريعة / إلى كل شَغْب بينهم وعداء
فما علماء الجهل إلاّ مساقم / رمَت جهلاء العلم بالقُوَباء
ألا يا شباب القوم أني إلى العلا / لداعٍ فهل مَن يستجيب دعائي
أما آن للأوطان أن تنهضوا بها / لأدراك مجد وابتغاء عَلاء
فقد بحّ صوتي واستشاطت جوانحي / وقلّ أصطباري وأستطال بكائي
على أنّ لي فيكم رجاءً وأن يكن / من اليأس مسدوداً طريق رجائي
وما أنا في وادي الخيال بهائم / وأن كنت معدوداً من الشعراء
ألا خَليِّاني في الكلام من السجع
ألا خَليِّاني في الكلام من السجع / ولا تَجريا في القول إلاّ على الطبع
وأن أنا أرسلت الحديث فأصْغيا / وإلاّ فما يُجدي لسمعكما قرعي
فإنيَ ما أطلعت شمس حقيقة / لمستمع إلاّ لتَغرُب في السمع
ولست أبالي بعد أفهام سامعي / أكان بخفض لفظ ما قلت أم رفع
وإني إذا قبَّلت رأساً ولم أجد / به فضل عقل كان أجدر بالصفع
إذا كان علم الأصل عنديَ حاصلاً / ففيم أهتمامي بعد ذلك بالفَرع
فإن بان لي سير الكواكب لم اُبَلْ / أكان بجَذب ذلك السير أم دفع
شكَوْت إلى ربّ السموات أرضَه / وما الأرض إلاّ من سمواته السبع
فقد جار في الأرض البسيطة خَلْقه / على خلقه جوراً إلى الحزن يستدعي
وأن السموات العلي لكثيرة / وأن لم نعُدّ اليوم منها سوى تسع
وأني لأشكو عادةً في بلادنا / رمى الدهر منها هَضْبة المجد بالصدع
وذلك أنا لا تزال نساؤنا / تعيش بجهل وانفصال عن الجمع
وأكبر ما أشكو من القوم أنّهم / يعُدّون تشديد الحجاب من الشرع
أفي الشرع أعدام الحمامة ريشها / واسكاتُها فوق الغصون عن السجع
وقد أطلق الخَلاّق منها جناحها / وعلمها كيف الوقوع على الزرع
فتلك التي مازلت أبكي لأجلها / بكاءً إذا ما اشتدّ أدّى إلى الصرع
بكْيت بلا دمع ومَن كان حزنه / شديداً بكى من غير صوت ولا دمع
فيا ربّة الخدر أسمعي ما أقوله / لعلّ مقالي فيه شيء من النفع
أيا ابنة فندي أن للمجد غايةً / وأني في أدراكها باذل وسعي
وأني أرى في القوم بعض مخايلٍ / وأحذر من أن يَنقشعْن بلا هَمْع
فقد لا يُرَوّينا السحاب بمائه / وأن كان فيه البرق متصل اللمع
يقولون لي أن النساء نواقص / ويُدْلون فيما هم يقولون بالسمع
فأنكرت ما قالوه والعقل شاهدي / وما أنا في أنكار ذلك بالبِدْع
إذا النخلة العَيْطاء أصبح طلعها / ضعيفاً فليس اللوم عندي على الطلع
ولكن على الجِذع الذي هو نابت / بمنبِت سوء فالنقيصة في الجذع
وواللّه ما أن ِضقت َذرعاً بقولهم / ولكنّما قد ضاق من فعلهم ذرعي
أمزّق دعواهم إذا ما طعنتها / ولو أنها كانت من الدين في دِرْع
ألا فأصدعي يا ربّة الخدر بالذي / ترَيْن من الآراء في الردّ والردع
فأنت مثال للكمال الذي حوى / من العلم أسباباً تجِلّ عن القطع
أدامك ربّ الناس للناس حُجّةً / على مَن نَمى نقص النساء إلى الطبع
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم
ظلموك أيّتها الفتاة بجهلهم / إذ أكرهوك على الزواج بأشْيَبا
طمِعوا بوفر المال منه فأخجلوا / بفضول هاتيك المطامع أشعبا
أفكوكب نَحْس يُقارن في الورى / من سعد أخبية الغواني كوكبا
فإذا رفَضْتِ فما عليك برفضه / عارٌ وأن هاج الوليّ وأغضبا
أن الكريمة في الزواج لحُرّةٌ / والحرّ يأبى أن يعيش مذبذبا
قلب الفتاة أجلّ من أن يُشترَى / بالمال لكن بالمحبّة ُيجتَبَي
أتُباع أفئدة النساء كأنها / بعض المتاع وهنّ في عهد الصبا
هذا لعمر اللّه يأبى مثله / مَن عاش ذا شرفٍ وكان مُهَذَّبا
بيت الزواج إذا بَنَوْه مجدّداً / بالمال لا بالحبّ عاد ُمخرَّبا
يا مَن يساوِم في المُهُور ُمغالياً / ويميل في أمر الزواج إلى الحبا
أقصِر فكم من حرّة مذ اُنزلت / في منزل الرجل الغني بها نبا
أن الزواج محبّةٌ فإذا جرى / بسوى المحبّة كان شيئاً متعبا
لا مهر للحسناء إلا حبُّها / فبحبّها كان القران ُمحَبَّبا
خير النساء أقلّها لخطيبها / مهراً وأكثرها إليه تحبُّبا
وإذا الزواج جرى بغير تعارف / وتحابب فالخير أن نترهّبا
هو عندنا َرميُ الشِباك بلُجَّةٍ / أتُصيب أخبَثَ أم تصادف أطيبا
أو مثل محتطب بليل دامس / أيَدوس أفعى أم يلامس عقربا
ولقومنا في الشرق حال كلما / زدت أفتكاراً فيه زدت تعجُّبا
تركوا النساء بحالة يرثى لها / وقضَوْا عليها بالحجاب تعصُّبا
قل للاُلى ضربوا الحجاب على النسا / أفتعلمون بما جرى تحت العبا
شرف المليحة أن تكون أديبةً / وحجابها في الناس أن تتهذّبا
والوجه أن كان الحياء نقابه / أغنى فتاة الحيّ أن تتنَقّبا
واللؤم أجمع أن تكون نساؤنا / مثل النعاج وأن نكون الأذْؤبا
هل يعلم الشرقيّ أن حياته / تعلو إذا ربّى البنات وهذّبا
وقضى لها بالحق دون تحكُّم / فيها وعلّمها العلوم وأدّبا
فالشرق ليس بناهض إلا إذا / أدنى النساء من الرجال وقَرّبا
فإذا أدّعَيت تقدماً لرجاله / جاء التأخُّر في النساء مُكَذِّبا
من أين يَنهض قائماً مَن نصفه / يشكو السقام بفالِج ُمتَوَصِّبا
كيف البقاء له بغير تناسبٍ / والدهر خصّص بالبقاء الأنسبا
والشعر ليس بنافع أنشاده / حتى يكون عن الحقيقة معربا
تلك الحقيقة للرجال أزفّها / ولها اُقيم من القوافي مَوْكبا
هي الأخلاق تنبت كالنبات
هي الأخلاق تنبت كالنبات / إذا ُسقِيَت بماء المكرُمات
تقوم إذا تعهّدها المُرَبّي / على ساق الفضيلة مثمرات
وتسمو للمكارم باتِّساق / كما اتّسقت أنابيب القناة
وتُنعش من صميم المجد روحاً / بأزهار لها ُمتَضوِّعات
ولم أر للخلائق من مَحَلّ / يهذّ بها كحِضن الأمهات
فحضن الأم مدرسة تسامت / بتربية البنين أو البنات
وأخلاق الوليد تُقاس حسناً / بأخلاق النساء الوالدات
وليس ربيب عالية المَزايا / كمثل ربيب سافلة الصفات
وليس النبت ينبُت في ِجنان / كمثل النبت ينبت في الفلاة
فيا صدر الفتاة رحُبت صدراً / فأنت مقرّ أسنى العاطفات
نراك إذا ضممت الطفل لوحاً / يفوق جميع ألواح الحياة
إذا أستند الوليد عليك لاحت / تصاوير الحَنان مصوَّرات
لأخلاق الوليد بك أنعكاس / كما انعكس الخيال على المرآة
وما ضَرَ بان قلبكَ غير درس / لتلقين الخصال الفاضلات
فأول درس تهذيب السجايا / يكون عليك يا صدر الفتاة
فكيف نظُنّ بالأبناء خيراً / إذا نشؤوا بحِضن الجاهلات
وهل ُيرجى لأطفال كمالٌ / إذا أرتضعوا ثُدِيّ الناقصات
فما للأمهات جهِلْن حتى / أتَيْن بكلّ طَيّاش الحصاة
حَنَوْن على الرضيع بغير علم / فضاع حُنُوّ تلك المرضعات
أؤم المؤمنين إليك نشكو / مصيبتنا بجهل المؤمنات
فتلك مصيبة يا أم منها / نكاد نغص بالماء الفرات
تخذنا بعدك العادات ديناً / فأشقى المسلمون المسلمات
فقد سلكوا بهنّ سبيل خُسْر / وصدّوهنّ عن سُبُل الحياة
بحيث لزِمن قعر البيت حتى / نزلْنَ به بمنزلة الأداة
وعَدُّوهنّ أضعف من ذباب / بلا جنح وأهون من َشذاة
وقالوا شرعة الإسلام تقضي / بنفضيل الذين على اللواتي
وقالوا أن معنى العلم شيءٌ / تضيق به صدور الغانيات
وقالوا الجاهلات أعفّ نفساً / عن الفحشا من المتعلّمات
لقد كذَبوا على الأسلام كذباً / تزول الشُمّ منه مُزَلزَلات
أليس العلم في الأسلام فرضاً / على أبنائه وعلى البنات
وكانت اُمّنا في العلم بحراً / تَحُلّ لسائليها المُشكلات
وعلّمها النبيّ أجلّ علم / فكانت من أجلّ العالمات
لذا قال أرجعوا أبداً إليها / بثُلثَيْ دينكم ذي البيّنات
وكان العلم تلقيناً فأمسى / يُحَصَّل بانتياب المدرسات
وبالتقرير من كتب ضخام / وبالقلم المُمَدّ من الدواة
ألم نرَ في الحسان الغيد قبلاً / أوانس كاتبات شاعرات
وقد كانت نساء القومِ قدماً / يَرُحن إلى الحروب مع الغُزاة
يكنّ لهم على الأعداء عَوْناً / ويَضمِدن الجروح الداميات
وكم منهنّ من اُسرت وذاقت / عذاب الهُون في أسر العداة
فماذا اليومَ ضَرَّ لو التفتنا / إلى أسلافنا بعضَ الْتِفات
فهم ساروا بنهج هدىً وسِرنا / بمنهاج التفرُّق والشَتات
نرى جهل الفتاة لها َعفافاً / كأن الجهل ِحصنٌ للفتاة
ونحتقر الحلائل لا لجُرمٍ / فنُؤذيهنّ أنواع الأذاة
ونُلزِمهنّ قعر البيت قهراً / ونحسبهنّ فيه من الهَنات
لئن وَأدوا البنات فقد قَبَرنا / جميع نسائنا قبل الممات
حجبناهنّ عن طلب المعالي / فعِشن بجهلهنّ مهتّكات
ولو عَدِمت طباع القوم ُلؤماً / لما غدت النساء محجّبات
وتهذيب الرجال أجَلّ شرط / لجعل نسائهم متهذّبات
وما ضرّ العفيفةَ كشفُ وجهٍ / بدا بين الأعفّاء الاُباة
فدىً لخلائق الأعراب نفسي / وأن وُصِفوا لدينا بالجُفاة
فَكم برزت بحَيّهم الغواني / حواسر غير ما متريّبات
وكم خشف بمربعهم وظبيٍ / يمرّ مع الجدَاية والمهاة
ولولا الجهل ثَمّ لقلت مَرْحى / لمن ألِفوا البداوة في الفلاة
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه
لم أر بين الناس ذا مَظْلِمه / أحقّ بالرحمة من مسلمه
منقوصة حتى بميراثها / محجوبة حتى عن المَكْرُمه
قد جعلوا الجهل صواناً لها / من كل ما يدعو إلى المَأثمه
والعلم أعلى رتبةً عندهم / من أن تلقّاه وأن تعلمه
ما تصنع المرأة محبوسة / في بيتها أن أصبحت معدِمه
ضاقت بها العيشة إذ دونها / سُدّت جميع الطُرُق المُعلَمَه
كم في ُبيوت القوم من حرّة / تبكي من البؤس بعينَيْ أمه
قد لَوَّحت نار الطَوى وجهها / وأعمل الفقر به ميسمه
عاب عليها قومها ِضلّةً / أن تكسِب القُوت وأن تَطْعَمَه
من أيّ وجه تبتغي رزقها / وطرقها بالجهل مستَبْهِمه
وكيف والقوم رأوا سعيها / في طلب الرزق من المَلأْمه
وكم فتاة فقدت بعلها / من بعد ما قد َولَدتْ تَوْءمه
فأنقطعت في العيش أسبابها / وأصبحت للبُؤس مستسلمه
تَبِيت لم تحمَد لفرط الجوى / لا قمر الليل ولا أنجمه
من حيث لا تملك من دهرها / ما جَلَّ أو َدقَّ ولو سِمْسِمه
جَفَّ على مُرضَعها ثَديُها / فأضطرّها ذلك أن تَفطِمه
فعاش عيش الأم لم يُوفِه / ملبَسَه الدهرُ ولا مطعمه
فشبّ منهوك القُوى مثلها / يشكو من الدهر الذي أيتمه
فهذه حالة ِنسواننا / وهي لعمري حالة ُمؤلمه
ما هكذا يا قوم ما هكذا / يأمرنا الأسلام في المسلمه
فهل بكم من راحم للنسا / فهنّ أولى الناس بالمرحمه
وبيضاء أغناها عن الحلي ثغرها
وبيضاء أغناها عن الحلي ثغرها / بسِمطَيْن من درّ مضيئين في الثغر
إذا ابتسمت في ظلمة الليل أشرقا / فعُدنا من الآمال في أنجم ُزهر
نرى وجهها بدراً محاطاً من السَنى / بصبحَيْن من ثغر وضيءٍ ومن نحر
يذكرني من مطلع الشمس شعرُها / ذوائبَ تُرخَى من أشعّتها الصفر
تراءت فأما نفسها فحزينة / وأما مُحيّاها فكالكوكب الدرّي
بدت في ِحداد ترسل الطرف وانياً / يُغَضّ على وجد ويُفتح عن سحر
رأيت بها بدراً تردّى ُدجُنّةً / غداة أُميط السجف من جانب الخِدر
فكانت لها سود الجلابيب ِحليةُ / ولا عجبٌ أن الدجى من حِلى البدر
تَبَسَُّ حيناً ثم تُجهش بالبكا / فمن لؤلؤٍ تُبدي ومن لؤلؤ تُذري
كأن تلاميح الأسى في جبينها / بقايا ظلام الليل في غُرّة الفجر
وكم أبصرت عيناي لما تنهّدت / تموُّح بحر الحب من عاصف الهجر
فقد كان منها الصدر يعلو ويرتمي / فيبعث بي شجواً يموج به صدري
ومما شجا نفسي ذُبول بخدّها / كما ذبلت في بيتها باقة الزهر
ولما أنقضى صبري وقفت تجاهها / اُسائل عما ناب من نُوَب الدهر
فقالت وقد ألقت على الصدر كفّها / تشدّ ضلوعاً ينطوين على جمر
لك الخير من حرّ يسائل حرّة / شَكَت هجر بعل لم يكن بالفتى الحرّ
سقاني بكأس الحب حتى شرِبتها / ولم أدر أن الحب ضرب من الخمر
فلما رآني قد سكِرت بحبّه / صحا قلبه من حيث لم أصحُ من سُكري
ألا أن قلبي اليوم إذ مسّه الجَوى / وإذا مال بعلي في هوايَ إلى الغدر
ليَفزَع ممن يدّعي الحبَّ قلبُه / كما فزِعت قُمريّة الروض من صقر
على أن قلبي لم يعُد عنه صابراً / ألا لا أمال اللّه قلبي إلى الصبر
إذا شرقت شمسي تناسيت ذكره / وأن جنّ ليلي بتّ منه على ذُكر
وأني على ما نابني من جفائه / لأقنع منه بالخيال الذي يَسري
ولما شكت لي حُرقةً في فؤادها / ترقرق دمع العين في خدّها يجري
أرى قَطَراتِ الدمع في وَجَناتها / فأحسبها الياقوت رُصّع بالدرّ
هنالك ألقت راحتَيْها بوجهها / تُكَفكِف أسراباً من الدمع بالعشر
وقالت وقد كان النَشيج يصدّها / عن القول إلاّ عن كلام لها نَزر
سأحمل ما قد حَمَّلَتني يد الهوى / من الوجد حتى يحملوني إلى القبر
فقلت أما واللّه لو أن لي يداً / على كل حكم جاء من ظالم الدهر
لشدّدت في زجر المحبّين أن جَفَوْا / وعاقبت منهم من يميل إلى الهجر
قل للحجابيّين كيف ترونكم
قل للحجابيّين كيف ترونكم / من بعد سفر للسفور مبين
كشفت به ما كان من حجب العمى / عنكم نظيَرة بنت زين الدين
سفر أقام على السفور أدلّةً / تركت ذبابكم بغير طنين
يا لاجئين إلى العناد خصومةً / ما كان ِحصن عنادكم بحصين
هل من نظير بينكم لنظيرة / أو من فقيه مثلها وفطين
هدمت نظيرة ما بَنَت عاداتكم / من كل سجن للنساء مُهين
أفتمكُثون على العناد وقد بدا / من بعد ليل الشك صبح يقين
نحن السفوريّين أعلم بالذي / شرع النبيّ محمد من دين
أيكون ما شرع النبي محمد / شيئاً يخالف شرعة التمدين
أن أعتزالكم النساء ترفُّعاً / أمر يناقض حكمة التكوين
حتى رجال الصين تحترم النسا / أفنحن ننقص عن رجال الصين
كلاّ ولكن عادة همجيَّة / جعلتكم حرباً لكل حَسِين
هو الليل يُغريه الأسى فيطول
هو الليل يُغريه الأسى فيطول / ويرخي وما غيرُ الهموم سدول
أبِيت به لا الغاربات طوالع / عليَّ ولا للطالعات أفول
وينشر فيه الصمت لِبداً مضاعفاً / فتَطويه منّي رنّة وعويل
ولي فيه دمع يلذع الخدّ حره / وحزن كما امتدّ الظلام طويل
بكَيت على كل ابن أروع ماجد / له نسب في الأكرمين جليل
يُليح من الضيم المُذِل بغُرّةً / لها البدر تِربٌ والنجوم قبيل
من العُرب أما عِرضه فمُوَفَّر / مَصونٌ وأما جسمه فهزيل
له سَلَف عزّوا فبزّوا نباهةً / ولم تعتَوِرهم فترة وخُمول
وساروا بنهج المكْرُمات تُقِِلَهم / قلائص من سعيٍ لهم وخيُول
وكانوا إذا ما أظلم الدهر أشرقت / به غُرَرٌ من مجدهم وحجول
أولئك قوم قد ذوى روض مجدهم / ولم تَسرِ فيه نسمة وقَبول
وقد أعطشَتْه السحب حتى لقد عَلَت / على الزهر منه صُفرة وذُبول
رعى الله من أهل الفصاحة معشراً / لهم كان فوق الفَرقَدَيْن مَقيل
ترامى بهم رَيب الزمان كأنما / له عندهم دون الأنام ذُحول
فأمست من العُمران خلواً بلادهم / فهنَ حُزون قفرة وسهول
وعادت مَغاني العلم فيها دوارساً / تُجَرّ بها للرامسات ذُيول
وقَوّضت الأيام بنيان مجدها / فرَبْع المعالي بَينهنَ محول
نظرت إلى عَرض البلاد وطولها / فما راقني عرض هناك وطول
ولم تَبدُ لي فيها معاهد عزّها / ولكن رسوم رثَةٌ وطلول
نظرت إليها من خلال ذوارفٍ / من الدمع طرفي بينهنّ كليل
فكنت كراءٍ من وراء زجاجة / بعينيه كيما يستبين ضئيل
ولم أتبَّين ما هنالك من علاً / لكثرة ما قد دبّ فيه نُحُول
هناك حَنْيت الظهر كالقوس رابطاً / بكفّي على قلب يكاد يزول
وأوسعت صدري للكآبة فاغتدت / بأرجائه تحت الضلوع تجول
وأرسلت دمعَ العين فانهلَ جارياً / له بين أطلال الديار مسيل
أأمنع عيني أن تجود بدمعها / على وطني إني إذن لبخيل
فإن تعجبوا أن سال دمعي لأجله / فِإنَّ دمي من أجله سَيسيل
وما عِشت أني قد تناسَيت عهده / ولكنَ صبري في الخطوب جميل
وإن أمرءاً قد أثقل الهَمُّ قلبه / كقلبي ولم يَلْق الردى لحَمول
أفي الحق أن أنسى بلادي سلوةً / وما لي عنها في البلاد بديل
أقول لقومي قول حيران جازع / تهيج به أشجانه فيقول
متى ينجلي يا قوم بالصبح ليلكم / فتذهبَ عنكم غفلة وذهول
وينطقَ بالمجد المؤثل سعيكم / فيسكتَ عنكم لائم وعذول
تُريدون للعَليا سبيلاً وهل لكم / إليها وأنتم جاهلون سبيل
أناشدكم أين المدارس إِنها / على الكون فيكم والحياة دليل
وأين الغنىُّ المُرتجىَ في بلادكم / يجود على تشييدها ويطول
بلاد بها جهل وفقر كلاهما / أكول شروب للحياة قتول
أجل إِنكم أنتم كثير عديدكم / ولكن كثير الجاهلين قليل
ولو أنّ فيكم وَحدةً عصبّيةً / لهان عليكم للمرام وُصول
ولكن إذا مستنهض قام بينكم / تلقّاه منكم بالعناد جهول
وأيّ فريق قام للحق صده / فريق طَلوب للمحال خذول
وإن كان فيكم مُصلحون فواحدٌ / فَعول وألف في مداه قؤول
على أن لي فيكم رجاءً وإن أكن / إلى اليأس أحياناً أكاد أميل
ألستم من القوم الألى كان علمهم / به كل جهل في الأنام قتيل
لهم ههم ليس الظُبات تفلّها / وإن كان منها في الظبات فلُول
ألا نهضةٌ علميّة عربية / فتُنْعَشَ أرواح بها وعقول
ويشجُعَ رعديد ويعتزّ صاغر / وينشطَ للسعي الحثيث كسول
فإن لم تقُم بعد الأناة عزائم / فَعْتبي عليكم والملام فُضول
أما آن أن يَغْشى البلاد سُعُودها
أما آن أن يَغْشى البلاد سُعُودها / ويذهبَ عن هذي النيام هُجُودها
متى يتأتَّى في القلوب انتباهها / فَينْجاب عنها رَيْنُها وجمودها
أما أسدٌ يَحمي البلاد غَضَنْفَر / فقد عاث فيها بالمظالم سِيدها
برئت إلى الأحرار من شرّ أمّةٍ / أسيرةِ حكام ثِقالٍ قُيودها
سقى الله أرضاً أمْحَلت من أمانها / وقد كان رُوّاد الأمان تَرودها
جرى الجور منها في بلاد وسيعة / فضاقت على الأحرار ذَرْعاً حدودها
عجبت لقوم يخضعون لدولة / يسوسهم بالمُوبِقات عميدها
وأعجب من ذا أنهم يَرْهبونها / وأموالها منهم ومنهم جنودها
إذا وُلَيِت أمر العباد طُغاتُها / وساد على القوم السَراةِ مَسُودها
وأصبح حُرُّ النفس في كل وِجهة / يُرَدّ مُهاناً عن سبيل يُريدها
وصارت لئام الناس تعلو كرامها / وعاب لبيداً في النشيد بليدها
فما أنت إلاّ أيها الموت نعمةٌ / يعِزّ على أهل الحِفاظ جُحودها
ألا إنما خرّية العيش غادة / مُنى كل نفس وصلها ووفودها
يُضيء دُجُنّات الحياة جبينها / وتبدو المعالي حيث أتْلِع جيدها
لقد واصلت قوماً وخلّت وراءها / إناساً تَمَنّى الموت لولا وُعودها
وقد مَرِصت أرواحنا في انتظارها / فما ضرّها والهفتا لو تعودها
بني وطني مالي أراكم صبرتم / على نُوَب أعيا الحُصاةَ عديدها
أما آدكم حَمل الهوان فإنه / إذا حُمّلَتْه الراسيات يؤودها
قعدتم عن السعي المؤدّي إلى العلا / على حين يُزري بالرجال قُعودها
ولم تأخذوا للأمر يوماً عَتاده / فجاءت أمور ساء فيكم عَتيدها
ألم تَرَوُا الأقوام بالسعي خَلَّدت / مآثر يستقصي الزمان خلودها
وساروا كراماً رافلين إلى العلا / بأثواب عزّ ليس يبْلى جديدها
قد اسْتَحْوَذَت يا لَلخسار عليكم / شياطين إنْس صال فيكم مرَيدها
وما اتّقدت نار الحّمية منكم / لفقد اتحاد فاستطال خُمُودها
ولولا اتحاد العُنصُرَيْن لما غدا / من النار يَذْكوا لو علمتم وَقودها
إذا جاهل منكم مشى نحو سُبَّةٍ / مشى جمعكم من غير قصد يُريدها
كأنكم المِعزى تهاوَيْن عندما / نزا فنزت فوق الجبال عَتُودها
وماثَلَّة قد أهملتها رُعاتها / بمأسدة جاعت لعشرٍ أسودها
فباتت ولا راع يحامي مراحها / فرائس بين الضاربات تُبيدها
بأضيعَ منكم حيث لاذو شهامة / يذبّ الرزايا عنكم ويذودها
أتطمع هذي الناس أن تبلغ المُنى / ولم تُورَ في يوم الصدام زُنودها
فهل لمَعَت في الجوّ شعلة بارق / وما ارتجست بين الغيوم رعودها
وأدخِنة النيران لولا اشتعالها / لم تمّ في هذا الفضاء صعودها
وإن مياه الأرض تَعْذُب ما جرت / ويُفْسدها فوق الصعيد ركودها
ومن رام في سوق المعالي تجارة / فليس سوى بيض المساعي نقودها
سقَتنا المعالي من سُلافتها صِرفا
سقَتنا المعالي من سُلافتها صِرفا / وغَنَت لنا الدنيا تُهنّئنا عزفا
وزَفّت لنا الدستور أحرارُ جيشنا / فأهلاً بما زفّت وشكراً لمن زقّا
فأصبح هذا الشعب للسيف شاكراً / وقد كان قبل اليوم لا يشكر السيفا
ورُحنا نَشاوىَ العِزّ يَهتف بعضنا / ببعضٍ هتافاً يُصعِق الظلم والحَيْفا
ولاحت لنا حريّةُ العيش عندما / أماطت لنا الأحرار عن وجهها السَجْفا
أتت عاطلاً لا يعرف الحلي جيدُها / ولا كَحَلت عيناً ولا خَضَبت كفّا
فجاءت بمطبوع من الحُسن قد قضى / على الشعر أن لا يستطيع له وصفا
فلم نَرضَ غير العلم تاجاً لرأسها / ولا غير شَنْف العدل في أذنها شَنفا
ولم نكْسُها إلا من العُرف حُلّة / وهل يكتسي الديباج من يكتسى العرفا
نشرنا لها من لفيف اشتياقنا / ونحن إناس نُحس النشر واللفّا
حَللنا الحُبا لما أتتنا كرامة / وقمنا على الأقدام صفّا لها صفا
عَقَدنا لها عقد الوَلاء تعشُّقاً / فكنّا لها إِلفاً وكانت لنا الفا
رَفَعنا لواء النّصر يهفو أمامها / ورحنا على صرف الزمان لها حِلْفا
فلم تَرَ غير الرفق فينا سجيّة / وإن كان بعض القوم أبدى لها عنُفا
تَحَّمل أعباء الصدارة كامل / فَناءَ به ما لم يَخِفّ وما خَفّا
طَوى كَشحه منها على غير لُطفها / وأظهر من وجه الخداع بها اللطفا
نَحا أن يَتِمّ الدَست فيها لحزبه / علينا وظن الأمر فيما نحا يَخْفى
وقد فاته أنّا أولو ألْمَعِيّة / بها نخطُف الأسرار من قلبه خطفا
وأنا نرى من قد تأبّط شَره / بعين تَقُدّ الإبط أو تَخلع الكَتْفا
لنا فِطنةٌ نّرمى الزمان بنورها / فيبدو حجاب الغيب منه وقد شَفّا
رمانا بشَزر اللحظ مُزْوَرّ طرفه / فصحنا به أن غُضّ يا كامل الطرفا
فما نحن بعد اليوم مهما تنوّعت / عناصرنا من أمةٍ تَحمل الخَسفا
مددنا إلى كفّ الإخاء أكُفّنا / نصافحه شوقاً فمدّ لنا الكفّا
فطاب لنا منه العِناق وضمَّنا / إليه فقّبلناه من عينه ألفا
أذُلاً وهذا العزّ صرّح سابغاً / علينا إِذن فالعز أن نُدرك الحَتفا
إِذا نحن قُمنا محنَقين رأيتنا / نَدُكّ جبال الظلم نَنسفها نسفا
ونحن إِذا ما الحرب أفنت جِيادنا / قتالاً ركبنا الموت في حربنا طِرفا
تَرَبع في صدر الوزارة كامل / فخَطّ من النُقصان في وجهها حرفا
وأنحى عليها بالجَفاء مشِّتتاً / نجاحاً بركنَيْها الركينين ملتفا
لقد أغضب الدستور فِعلاً ونِيَّة / ومن أعلنوا الدستور والشعب والصحفا
قد استَوْ ضحوه الأمر والأمر واضح / فأعياه إيضاح الحقيقة فاستعفى
ولم يَطُلبِ الإمهال إِلاّ لأّنه / رأى عذره إِن لم يُطل سبكه زيفا
كذلك مَن صاغ الكلام مُلَفَّقاً / تمّهل حِيناً يُكثِر الخَطّ والحذفا
ومن قال حقاً قاله عن بديهة / ويحتاج للتفكير مّن مّوَّه الخُلفا
فيا أيها الصدر الجديد اتَّعِظ به / فإيّاك تَطْغَى وأن تَثنيَ العطفا
ويا مجلس النواب سر غير عاثر / إلى المجد لا تلقى كلاّلا ولا ضَعفا
ودَع عنك مذموم التجافي فإنما / لغير التجافي اختارك الشعب واستصفى
ألم تَرَ أرجاء البلاد مَحُولة / من العلم فاستمطر لها الدَيم الوطفا
بلاد جفاها الأمن فهي مريضة / فحقق لها من طب رأيك أن تشفى
فإنّ لأهليها عليك لذِمّةً / ومثلك من راعى الذمام ومّن وفّى
وما أنت إلا أمة قد تقدّمت / أماماً وقد خلّت تقهقُرها خلفا
ولا تنسَ مُغبَّر العراق وأهله / فإن البلاء الجمّ من حوله احتفّا
فدجلة أمست مالدُجيل شحيحةً / فلا أنبتت زرعاً ولا أشبعت ظِلفا
وإن الفرات العَذب مُرنقاً / به الماء يجفو أو به الماء قد جَفا
سل الحِلة الفيحاء عنه فإنها / حَكَت شهداء الطف إذ نزلوا الطفا
فيا ويل قوم في العراق قد انطَوَوْا / على الذُل إذ أمست قلوبهم غُلفْا
ولم يذكروا مجداً لهم كان صارباً / رِواقاً على هام الكواكب قد أوفى
وكانوا به شُمّ العَرانين فاغتدَوْا / يُقاسون أهوالاً به تَجْدع الأنفا
يُرَجّوُن من أهل القبور رجاءهم / ومن يحمل الدبوس أو يضرب الدنا
شكايةُ قلب بالأسى نابض العرق
شكايةُ قلب بالأسى نابض العرق / إلى قائم الدستور والعدل والحق
ملوك على كل الملوك ثلاثة / لها الحكم دون الناس في الفتق والرتق
وأقسم إِنّي لا أكون لغيرها / مطيعاً ولو من أجلها ضُربَت عُنقي
فهل أيها الدستور تسمع شاكياً / بك اليوم يرجو أن يرى نهضة الشرق
لقد جئت من أفق الصوارم طالعاً / علينا طلوع الشمس من منتهى الأفق
فصادفت منا أمة قد تعشقت / لقاءك حتى جاوزت مبلغ العِشق
ولم نُبدِ عُنفاً حين جئت وإنما / هتفنا جميعاً بالوفاق وبالرفق
وظلنا نرجّي منك للخرق راقعاً / ولكن تراخى الأمر مُتّسع الخرق
بك اليوم أشقانا الأُلى أنت مُسعِد / لديهم فيالَلَه للمسعد المشقي
نراك بأيديهم على الخلق حجةً / وأنت عليهم حجة لا على الخلق
قد استأثروا بالحكم وارتزقوا به / وسَدُّوا على مَن حولهم منبع الرزق
كأنّا لهم شاءٌ فهم يحلبوننا / وكم مَخضُوا أوطاننا مخضة الزق
وهم يأخذون الزُبد من بعد مخضها / ولم يتركوا للساكنيها سوى المَذْق
أترضى بأن تختصّ بالحكم معشراً / وتصبح للباقين حبراً على رَق
وهم يريدون الصفو منك ولم نَرد / سوى نغبة من بعض سؤرهم الرَنْق
فما نحن إلا كالظماء وإنهم / كساقٍ يُرينا الماء عَذباً ولا يسقي
ألم تر أنا طول عهدك لم نقم / نسابق أهل المجد في حَلْبَة السبق
ولم نكُ ندري لاهتضام حقوقنا / أنحن من الأحرار أم نحن في رِق
ولم نستفد إلا سقوط وِزارة / وتأليف أخرى مثل تلك بلا فرق
وما ضرّهم لو أسقطوا نهج سَيرهم / وساروا بمنهاج التبصُّر والحِذق
ألم يُبصروا للعدل غير طريقهم / فإن طريق العدل من أوضح الطرق
وماذا عسى يجدي سقوط وزارة / إذا لم تقم أخرى على العدل والصدق
مضى كامل من قبل حلمي وإن جرى / كما جر يا حقي فمثلهما حقي
وما الهّم عندي بالذي ذكرته / وإن كان يشجيني ويدعو إلى الزَعْق
ولكن وراء الستر كفٌ حفيّة / تزحزح من شاءت عن الأمر أو تبقي
ولولا يدٌ شدت لساني بنعسةٍ / لبُحت بسرِّ كالشجا هو في حَلقي
فيا أيها الدستور فاقض بما ترى / وأبرق ولكن لا تكن خلب البرق
ولسنا نريد اليوم حكماً عليهم / ولكن نناديهم وندعو إلى الحق
تعالوا إلى أمر نساويه بيننا / وبينكمُ في الجِلّ منه وفي الدِق
فإن فعلوا هذا فيا مرحباً بهم / وإلا فيا سُحق المعاند مِن سحق
سنطلب هذا الحق بالسيف والقنا / وشَِيب وشبان على ضُمَّر بُلق
بكلّ ابن حرب كلما شدّ هّزها / بعزم من السيف المهند مشتق
تراه إذا ما عبّس الموت وجهه / بوجهٍ يلاقي الموت مبتسم طَلْق
من العرب مطبوع الطباع على العلا / بديع معاني الحسن في الخَلق والخُلق
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم
هي المنى كثغور الغِيد تبتسم / إذا تطرّبها الصمامة الخَذِم
دع الأمانيّ أو رُمهنّ من ظُبةٍ / فإنما هنّ من غير الظبي حُلُم
والمجدَ لا تَبنِه إلا على أسس / من الحديد وإلاّ فهو منهدم
لو لم يكن السيف ربّ المُلك حارسه / ما قام يسعى على رأس له القلم
مَن سلَهُ في دجى الآمال كان له / فجراً تحُلّ حُباها دونه الظُلَم
والعلم أضَيع من بذر بمُسبخة / إن لم تُجَلِّله من نَوْء الطبى دِيَم
إن الحقيقة قالت لي وقد صدقت / لا ينفع العلم إلاّ فوقه عَلَم
والحق لا يُجتَنى إلا بذي شُطَب / ماء المنيّة في غربَيْه منسجم
إن أسمعت ألسن الأقلام ظالمها / بعضَ الصرير كمن يبكي وينظلم
فللحسام صليل يرتمي شرراً / مفتِّقاً إذن مَن في إذنه صمم
هب اليراعة ردء السيف تأزره / فهل على الناس غير السيف محتكم
فالعلم ما قارنَتْه البيض مفخرةٌ / والحق ما وازرته السمر محترم
وإنما العيش للأقوى فمن ضَعُفت / أركانه فهو في الثاوين مُختَرم
والعجز كالجهل في الأزمان قاطبةً / داءٌ تموت به أو تُمسخ الأمم
والمجد يأثل حيث البأس يدعَمُه / حتى إذا زال زال المجد والكرم
وإن شَأو المعالي ليس يُدركه / عزم تسَّرب في أثنائه السَأم
آهاً فآهاً على ما كان من شرف / لليعربيّين قد ألوى به القِدم
أيام كانوا وشمل المجد مجتمع / والشعب ملتئم والملك منتظم
كانوا أجلّ الورى عزاً ومقدرة / إذا الخطوب بحبل البَغي تحتزم
وأربط الناس جأشاً في مواقفة / من شدّة الرعب فيها ترجُف اللمم
قوم إذا فاجأتهم غُمّة بدروا / وأوْفزتهم إلى تكشيفها الهمم
على الحصافة قد ليثت عمائهم / وبالحّزامة شُدّت منهم الحُزُم
قضَوْا أعاريب أقحاحاً وأعقبهم / خَلْف هم اليوم لا عُرب ولا عجم
جار الزمان عليهم في تقلُّبه / حتى تبدّلت الأخلاق والشيَم
دبّ التباغض في أحشاهم مَرَضاً / به انْبَرَت أعظم منهم وجَفَّ دم
فأصبح الذُل يمشي بين أظهرهم / مشي الأمير وهم من حوله خدم
فأكثر القوم من ذلّ ومَسكَنة / تلقى الذباب على آنافهم يَنِم
كم قد نَحت لهم في اللوم قافية / من الحفيظة بالتقريع تحتدم
وكم نصحت فما أسمعت من أحد / حتى لقد جفّ لي ريق وكلّ فم
يا راكباً متن منطاد يطير به / كما يطير إذا ما أفزع الرَخَم
يمرّ فوق جناح الريح مخترقاً / عرض الفضاء ويَعدو وهو مُعتزِم
حتى إذا حطّ منقضّاً على بلد / ينقضّ والبلد الأقصى له أمَم
أبلغ بني وطني عنّي مُغَلغَلةً / في طيّها كلم في طيّها ضَرَم
ما بالهم لم يُفيقوا من عَمايتهم / وقد تبلّج أصباح المنى لهم
إلى متي يَخفرون المجدَ ذمّتَه / أليس للمجد في أنسابهم رَحِم
ومَن يعِش وهو مِضْياع لفُرصته / ذاق الشقاءَ وأدمى كفّه الندم
وكل من يدّعي في المجد سابقةً / وعاش غير مجيد فهو متهم
أصبحت أوسعهم لوَماً وتثريبا
أصبحت أوسعهم لوَماً وتثريبا / لما امتطَوْا غارب الإفراط مركوبا
وألهبت منهم الأهواء جاريةً / إلى التفرٌّق اُلْهْبا فألهوبا
وأرسلوهنّ مُرخاةً أعِنّتها / يُوغِلن في الأمر إحضاراً وتقريبا
فأرهجوا الشرّ حتى أن هَبْوَتَه / مَدّت سُرادقها في اللوح مضروبا
راموا الصلاح وقد جاءوا بلائحة / خرقاء تترك شمل الشعب مشعوبا
قد كلّفوا شططا فيها حكومتهم / وخالفوا الحزم فيها والتجاريبا
عَدُّوا النصارى وعدوا المسلمين بها / ونحن نعهدهم طرّاً أعاريبا
قد حكّموا الدين فيها فعي مُعربَة / عمّا يكون لدعوى القوم تكذيبا
من مبلغ القوم أن المصلحين لهم / أمسوا كمن لبِس الجِلباب مقلوبا
ما بالهم وطريق الحق واضحةٌ / لا يسلكون إلى الإصلاح مَلحوبا
أفي مصالح دنياهم وهم عرب / جاءوا على حسب الأديان ترتيبا
ما ضرّهم لو نحَوْا في الأمر جامعةً / تنفي الكنائس عنها والمحاريب
لكنهم أمة تأبى مشاربهم / إلا التعصب للأديان مشروبا
قد حاولوا الحق واشتطّوا بمطلبه / حتى بدا وجهه كالليل غِربيبا
قد يطلب الحق طيّاش فيُبطله / ما كل طالب حقّ نال مطلوبا
قاموا يُريدون إصلاحاً فقمت لهم / استنطق الشعر تأهيلاً وترحيبا
ورحت أحتثّهم حدواً بقافية / غازلت في صدرها الآمال تشبيبا
حتى إذا مخضوا آراءهم ظهرت / للناس زُبدتها ثأياً وتخبيبا
ساروا وسرت فكان السير مختلفاً / يرمي لوَجهين تشريقاً وتغريبا
كانوا أحقّ البرايا مطلباً فغَدوا / من أبطل الناس في الدنيا مطاليبا
راموا انشقاق العصا بالشَغْبِ ملتهباً / والحقد مضطرماً والضِغن مشبوبا
إني لأبصر في بيروت قائبةً / للشَرّ مُوشِكةً أن تُخرج القُوبا
أو أكرة من دناميت إذا انفجرت / فنارها تنسف الشبان والشيبا
وقد رأيت أناساً واصلين بها / وهم بباريز مِلْبارود أنبوبا
وآخرين بمصر يطلبون لها / تفرقعاً يجعل المعمور مخروبا
ويترك الناس في دهياءَ مظلمة / يَرتدُّ منها بياض الشمس حُلبوبا
قل للعُرَيْسيّ والأنباء شائعة / والصحف تروي لنا عنه الأعاجيبا
علام تعقِد في باريز مؤتمراً / ما كنت فيها برأي القوم مندوبا
وهل تعمّد حقي العظم فَعلته / لما نمى خبراً للطان مكذوبا
إذا راح يستنجد الافرنج منتصفاً / كأنه حَمَل يستنجد الذيبا
خافوا التذبذُب في أعمال دولتهم / من أن يجُرّ على الأوطان تخريبا
وكان خوفهم حقاً لو أنهم / لم يعدِلوا عن طريق الحق تنكيبا
لكنهم جاوزوا نهج الصواب إلى / وادي تُهُلِك فاستقصوا به الحُوبا
ولم يُبالوا بما أبدَوْا من جَنَف / أن يُمسي الوطن المحبوب محروبا
فهم كمن فرّ من قَطر يُبلّله / ثَم انْتحى السيل أو جاء الميازيبا
لو كان في غير باريز تألُّبهم / ما كنت أحسبهم قوماً مناكيبا
لكنّ باريز ما زالت مطامعها / ترنو إلى الشام تصعيداً وتصويبا
ولم تزل كل يوم من سياستها / تُلقي العراقيل فيها والعراقيبا
هل يأمن القوم أن يحتلّ ساحتهم / جيش يدُكّ من الشام الأهاضيبا
يا أيها القوم لا يغرُركم نفر / ضجُّوا بباريز إفساداً وتشغيبا
جاءت رسائلهم بالشرّ مغريةً / تفتن في المكر أُسلوباً فأسلوبا
فطالعوهنّ بالأيدي مطالعةً / تسطو عليهن تمزيقاً وتأريبا
أن يصدُقوا أنهم لا يلبسون سوى / محض النصيحة في الدعوى الجلابيبا
فسوف يقرع كل سِنّةُ ندماً / ويُسبل الدمع في الخدين مسكوبا
خاض الدجى وظلام الليل مختلط
خاض الدجى وظلام الليل مختلط / صوت به الوجد مثل السيف مُختَرَط
يبثّ في الليل حزناً لو أحسّ به / لبان في لِمَّتيهِ الشيب والشمط
أبديه منقبضاً منه على شَجَن / فيملأ الليل أرناناً وينبسط
أرسلت منه أنيناً فات أوله / سمعي وآخره بالقلب مرتبط
والليل أرسل وحفاً من غدائره / كأنه بثريّا الأفق يمشتط
والنجم في القبة الزرقاء تحسبه / فرائداً وهي من فيروزج سفط
كم قلت والليل جَثْل الشعر فاحمه / شعراً به كاد فرع الليل ينمعط
ينجاب ليل العمى عن قلب سامعه / كالفجر إن لاح فالظلماء تنكَشط
لهفي على حِكَم ما زلت أنثرها / درّاً ثميناً وما في القوم ملتقط
ضاع الدواء الذي قد كنت أوجِره / مَن ليس يشرب أو من ليس يستعط
تقول لي أن غبطت القوم تجربتي / لا تغبطنّ فما في القوم مُغتَبَط
قل للألى نطقوا بالضاد مُدَّغَماً / لم يُدغم الضاد آباء لكم فرطوا
أيَحسُن اللحن إذ آباؤكم فصحُوا / أم يحسن العجز إذ آباءكم نشِطوا
فيكم غُلُوّ وتقصير وبينهما / ضاع المراد أنتم أمة وَسَط
إني ابتُليت بقوم يبعرَون على / أعقابهم وإذا عنّفتهم ثَلَطوا
شَطّوا بأقوالهم حتى لقد غضِبوا / إذ قلتُ يا قوم في أقوالكم شَطَط
فبدّلوا القول إن صحّت عزائمكم / فعلاً وإلا فإني يائس قَنِط
قد حِرت في الأمر أني حين أسخطهم / يرضَون عني وإن أرضيتهم سخطوا
فاز الذي كان في أحواله وسطاً / فالمُرّ يُعقَى وإن الحُلو يُستَرَط
قل للأعاريب قد هانت مكارمكم / حتى ادَعاها أُناس كلّهم نَبَط
برئت للعرب العرباء من فئة / يُنَموْن للعرب إلا أنهم سَقَط
أين المكارم إن هم أصبحوا عرباً / فإنها في طباع العرب تُشتَرَط
إن يغمِطوني لأني جئت أنهضهم / فأيّ مستنهض ذي نجدة غَمَطوا
هم كالضفادع فاسمعهم إذا رَطَنوا / فما هنالك إلا اللغوُ واللَغَط
يستنثِرون صغَاراً من معاطسهم / ولا يُبالون أن قالوا وأن ضَرَطوا
العار يرحل معهم أينما رحلوا / والخِزي يهبِط معهم أينما هبطوا
من كل أشوهَ لاحت من مغَامِزه / في وجه كل حياة حوله نُقَط
قد رَثَّ عِرضاً وإن جَدّت مآزره / من كل مُخزية في وجهه شَرَط
تراه يشخر عند الأكل من جَشَع / كأنما هو عند الأكل يمتخط
الخلق كالخطّ لا تقرأ لئامهمُ / واشطبعليهم بنعل إنهم غَلَط
إن رمت تشبع من مجد فكُلْ همماً / كأكلك السَمنَ ملبوكاً به الأقِط
نفسي تَجيش لأمر لو صدعت به / لزُلزلت دونه البُلدان والخِطط
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما
هي النفوس وإن لم تَبلُغ الحُلُما / مطبوعة إن لؤماً وإن كرما
تجري على ما اقتضاه الطبع جامحةً / ولن يُغيّر منها نصحك الشِيمَا
إن الحديد على ما القَين يطبَعه / عليه في الكُور إن سيفاً وإن جَلَما
قد كنت أحسَب أن اللؤم أجمعه / على الحسينَيْن في مصر قد انقسما
حتى بدت مُخزيات اللؤم مشركةً / من الحِجاز حسيناً ثالثاً بهما
لكنما ذاك قد أربَت جريمته / عليهما فهو أخزى جارم جرما
فذان قد أخجل الأهرامَ بَغيُهما / وبغي هذاك أبكى البيت والحرما
مَن مُبلغُنّ بني الإسلام مألُكةً / تبكي لها عين خير المرسلين دما
بأن مكة قد أمست معطَّلةً / فلا حجيج ولا للركن مستلما
هذا الذي منه تنشق السماء أسىً / والأرض ترتجّ حتى تقذف الحُمَما
فأنتِ يا قدرة الله التي عظُمت / خذي حسيناً بذنب منه قد عظُما
وأنت يا أرض مُجّي نحوه ضَرَما / ويا سماء عليه أمطري نِقَما
بغَى ففرّق شملاً كان مجتمعاً / للمسلمين وشعباً كان مُلتئما
قالوا الشريف ولو صحّت شرافته / لم يَنقُض العهد أو لم يخفرِ الذمما
وكيف وهو الذي بانت خيانته / فصرحت عن طباع تخجل الكرما
لم تكفه في مجال البَغي فتنته / حتى غداء بعدوّ الله معتَصِما
إذ راح بالانكليز اليوم ممتنعاً / فضاعف الشرّ فيما جرّ واجترما
فسوف يَحْتَزّ منه عُنقه جَزَعاً / ولا أقول سيُدمى كفّه ندما
وسوف يدركه الجيش الذي تركت / أيّامه الغُرّ وجه العزّ مبتسما
جيش ابن عثمان مولانا الخليفة من / أضحى به شمل هذا الملك منتظِما
هو الرشاد الذي يحمي خلافتنا / ويرشد العُرب والأتراك والعجما
قد أشرق العدل في أيامه فَمَحت / أنواره كل ظلم أنتج الظُلمَا
جيش إذا صال صال النصر يتبعه / كالريح إن شدّ أو كالموج إن هجما
إذا السماء عرَاها نَقع مَلحمةٍ / تراه أرفع من جَوْزائها همما
والأرض إن زلزلت يوماً بمعركة / تراه أثبت من أطوادها قَدَما
يرُدّ كل عزوم عن مواقفه / ولا يُرَدّ له عز إذا اعتزما
سل عنه طوسند إذ سُدّت مسالكه / فظلّ في الكوت يشكو بالطوى ألما
وسل هملتون إذ في الدردنيل غدا / يستعظم الهول حتى بات منهزما
هذا نجا هارباً والبحر أنجده / وذاك أسلم منه السيف منثلما
ففي العراق وثغر الدردنيل جرت / وقائع أكسبتنا العزّ والشمما
وسوف يذكرها التأريخ مُنبهراً / في وصفها يُتعِب القرطاس والقلما
وسوف تَبقى على الأيام خالدةً / حتى تعيش زماناً تهرم الهرما
مناقب كنجوم الليل مُشرقةً / تَهدي إلى المجد في أنوارها الأمما
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً
هم يُعَدُّون بالمئات ذكوراً / وإناثاً لهم قصور مُشاله
ولهم أعبُد بها وإماءٌ / ونعيم ورِفعة وجلاله
تركوا السعي والتكسُّب في الدن / يا وعاشوا على الرعّية عاله
يتجلّى النعيم فيهم فتبكي / أعين السعي من نعيم البَطاله
يأكلون الُباب من كدِّ قوم / أعوزتهم سخينة من نُخاله
فكأن الأنام يَشقَوْن كدّاً / كيْ تنال النعيمَ تلك السُلاله
وكأن الإله قد خلق النا / س لمحيا آل السلاطين آله
نعِموا في غضارة الملك عيشاً / وحملنا من دونهم أثقاله
فإذا ما صال العدوّ خرجنا / دونهم للوغى نردّ صياله
وإذا هم جرُّوا الجرائر يوماً / فعلينا تكون فيها الحَماله
وإذا ما استهل فيهم وليد / فعلينا رَضاعه والكفاله
قد رضِينا بذاك لولا عُتُوٌّ / أظهروه لنا على كلّ حاله
ما بهم ما يَميزهم عن بني السُو / قة إلاّ رسوخهم في الجهاله
هم من الناس حيث لو غُربل النا / س لكانوا نُفاية وحُثاله
ومن الجهل حيث لو صُوِّر الجه / ل لكانوا بين الورى تمثاله
حمّلونا من عيشهم كل عبءٍ / ثمّ زادوا أصهارهم والكلاله
فكَفَيْنا أصهارهم مؤنة العي / ش فكانوا ضِغثاً على إبّاله
فكأنا نُعطيهم أجرة البَض / ع كما أُعطي الأجير العماله
تلك والله حالة يقشعِر ال / حقُّ منها وتشمئز العداله
هي منهم دناءة وشَنار / وهي منا حماقة وضلاله
ليس هذا في مذهب الاش / تراكية إلا من الأمور المحاله
وهو في الملّة الحنيفية البي / ضاء كفرٌ بربنا ذي الجلاله

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025