المجموع : 448
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً
بَنِي حَنِيفَة ما أشقَى مسيلمةً / وما أضلَّ الأُلَى أمْسَوا له تَبَعا
جئتم بهِ في ثيابٍ مِلؤُها دَنَسٌ / تَكادُ تَلفظُهُ من هَوْلِ ما صَنَعا
تَرمِي به الأرضُ شيطاناً وتَقذِفُه / رِجْساً مُغَطَّى وشرّاً جاءَ مُبتدعا
يا وَيْلَهُ إذ تُرِيه النَّجمَ في يدِهِ / نَفْسٌ مُضلَّلةٌ هاجتْ له طَمَعا
رَام النُبوَّةَ شَطْرٌ للذي اجتمعت / فيهِ وشطرٌ له يا سوءَ ما اخترعا
قال النبيُّ له لو جِئتَ تسألُني / هذا العَسيبَ الذي عانيتَ لامْتنَعَا
أنا النبيُّ وما أمرِي بِمُشْتَرَكٍ / فَاعْصِ الهَوى وَارْتَدِعْ إن كنتَ مُرتدِعا
أضلَّهُ غيهبٌ للجهلِ مُرتَكِمٌ / أحاط بالقومِ حيناً ثُمَّتَ انْقَشَعا
خَفُّوا إلى الحقِّ يرتادونَ مَنْبَتَهُ / وليس كالحقِّ مُرتاداً ومُنتَجَعَا
وَجاءَ في فتنةٍ عَمياءَ زَيَّنَها / له الغُرورُ وسُوءُ الرأيِ فَانْخَدَعا
إنّ الفسادَ جميعاً والضّلالَ معاً / إلى اليمامةِ في أجلادِهِ رَجَعا
تَلقَّفَ النَّاسَ يُغْوِيهمْ ويَكذِبُهم / فهل رَأوْا مِثلَهُ من كاذبٍ بَرَعا
يقولُ إنّ رسولَ اللهِ أشْرَكهُ / في الأمرِ يَحمِلُ شطراً منه فَاضْطَلعا
ورَاحَ يدعو إلى دينٍ يُزيِّنهُ / أشقَى الدُّعاةِ جميعاً مَن إليهِ دَعا
ألغَى الصّلاةَ وأعطى النَّاسَ بُغْيَتَهُمْ / مِنَ الزِّنا ومن السُّمِّ الذُّعافِ مَعا
دِينُ الفجورِ ومَكروهِ الأمورِ ألا / لا باركَ اللّهُ في الدّينِ الذي شَرَعا
لَو راحَ صاحِبُه يرمي به جَبَلاً / يَعلو الجِبالَ مِنَ الأخلاقِ لانْصَدَعا
ما الطاحناتُ وتاءات يُردِّدُها / لا كانَ مِن فاجرٍ لا يَعرِفُ الوَرَعا
صبراً حنيفةُ إنّ اللهَ قاتِلُهُ / ولا مَردَّ لأمرِ اللهِ إن وقعا
إلى اللَّهِ فارْغَبْ يا عَديَّ بن حاتمِ
إلى اللَّهِ فارْغَبْ يا عَديَّ بن حاتمِ / وَدَعْ دِينَ مَن يبغِي العَمى غيرَ نَادِمِ
إلى اللهِ فارغب وَاتَّبِعْ دِينَهُ الذي / يدينُ به المبعوثُ من آلِ هاشِمِ
خرجتَ حَذَارَ القتلِ من آل طيّئٍ / وما أنتَ من بَلوى القَتيلِ بسالمِ
كفَى النَّفسَ قَتلاً أن تَضِلَّ حَياتُها / وتذهبُ حَيْرَى في مَدَبِّ الأراقِم
أما ضِقْتَ ذَرعاً إذ علمتَ من العمى / مكانَك أم أنت امرؤٌ غيرُ عالم
عَدِيُّ اسْتَمِعْ أنباءَ أُختِكَ واسْتَعِنْ / برأيٍ يُجَلِّي ظُلمَةَ الشَّكِّ حَازِمِ
صَغَا قلبُه فاختارها خُطّةً هُدىً / تُجنِّبُ مَن يَختارُها كُلَّ لائِمِ
وسارت مَطاياهُ تَؤُمُّ مُحمّداً / وِضَاءَ الحوايا والخُطَى والمناسِمِ
فَأنزلَهُ في دارِهِ وأحلَّهُ / مَحلاً تَمنَّى مِثلَهُ كلُّ قادمِ
وقال له إنّي لأعلمُ بالذي / تَدِينُ بهِ فَاشْهَدْ تَكُنْ غيرَ آثِمِ
ألم تأخذ المرباعَ وَهْوَ مُحرَّمٌ / كدأبِ الأُلى سَنُّوه من كلِّ ظالم
فقال بَلَى إنّي إلى اللَّهِ تائبٌ / وإنّي رأيتُ الحقَّ ضربةَ لازِم
لأنتَ رسولُ اللَّهِ ما فيك مِرْيةٌ / لِمن يَمترِي والحقُّ بادِي المعالِمِ
تداركتُ بالإسلامِ نَفْسِي فأصبحَتْ / بعافيةٍ من دَائِها المُتفاقِمِ
هُو العِصمةُ الكبرى إذا لم تَفُزْ بها / نُفوسُ البرايا خَانَها كلُّ عاصِمِ
تأمَّلْ عَديٌّ ما يَقولُ محمدٌ / وَنَبِّهْ مِنَ القومِ العِدَى كلَّ نائمِ
سَيبسطُ دِينُ اللهِ في الأرضِ ظِلَّهُ / ويحكمُ من ساداتِها كُلَّ حاكم
وسوف يَفيضُ المالُ في كلِّ موطنٍ / وأرضٍ فما من آخذٍ أو مُزاحمِ
وتخرجُ ذاتُ الخِدْرِ ما إن تَروعُها / إساءةُ جانٍ أو مَضرّةُ جَارِمِ
فتُقبِلُ من بَصرى إلى البيتِ مالها / على الضَّعفِ والٍ من حُماةِ المَحارِمِ
هو اللَّهُ فاعْرِفْ يا عديُّ سَبيلَهُ / وَدَعْ خطراتِ الوهمِ من كلِّ واهمِ
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى
تَرَكَ المُلوكَ مُلوكَ كِنْدَةَ وانْتحَى / مَن يَتركُ التِّيجانَ واهِيةَ العُرَى
حُيِيتَ عُروَةُ إنّه لكَ مَقْدِمٌ / يُمنٌ وحَسْبُكَ ما تُشاهِدُ أو تَرى
عَطَفَ النبيُّ عليكَ وانْبَسَطتْ له / نَفْسٌ تُرِيكَ مَكَانَهُ والمظهرا
ما كَان يومُ الرّومِ من أوطارِهِ / بل هزَّ نَفْسَكَ واعِظاً ومُذكِّرا
ما أورثَ الإسلامُ قومَكَ زادهم / خَيراً وكان لهم أجلَّ وأكبرا
الجاهليةُ قد عفَتْ آثارُها / فيهم وأصبحَ عهدُها قد أدبرا
كانت لهم مَوْتاً فَتِلكَ حَياتُهم / في دولةِ الإسلامِ عاليةُ الذُّرى
هذا رفيقُك ما لقومِكَ غيرُه / نِعمَ الرفيقُ إذا اللّبيبُ تَخَيَّرا
إنّي جعلتُ لخالدٍ صَدَقاتِهم / تُجبَى إليَّ فما أحقَّ وأجدرا
ولقد أقمتُكَ عاملاً فَكُن امْرءاً / للخيرِ في كلِّ الأمورِ مُيسَّرا
سِيرا على بَرَكاتِ ربِّكما ولا / تَنِيَا إذا أحدٌ ونَى أو قَصّرا
وَفَدَ الفارسُ الذي تَفرُقُ الأب
وَفَدَ الفارسُ الذي تَفرُقُ الأب / طالُ مِنهُ وتَفزعُ الفُرسانُ
جاءَ عَمروٌ وأيُّ قَرمٍ كعمروٍ / حِينَ تُدعى القرومُ والشُّجعانُ
ماله في الرجالِ كُفؤٌ إذا ما / حَمِيَ الضربُ وَاسْتَحرَّ الطعانُ
رَاعَ صَمصامُه وشاعَ له في ال / أرضِ ذِكرٌ مُجلجِلٌ رنّانُ
قال يا قيسُ أنتَ سيّدُ قومٍ / ليس فيهم لغيرِكَ اليومَ شَانُ
أيَّما خُطَّةٍ أردتَ فلا مَعْ / دَلَ عنها وحيثما كنتَ كانوا
سِرْ معي ننظُر الذي رَاحَ يَنْهَى / أن تُقامَ الأصنامُ والأوثانُ
إنّه إنْ يَكُنْ نبيّاً فلن يَخْ / فَى علينا الدّليلُ والبُرهانُ
ومن الحقِّ أن يكونَ مُطاعاً / فعلينا الولاءُ والإيمانُ
قال يا عمروُ هل أصابكَ مَسٌّ / فتمادَى الهُراءُ والهَذيانُ
ما أنا بالذي يَلينُ عِناني / لابنِ أُنثَى إنْ لانَ مِنكَ العِنانُ
إن تكنْ مُذعِناً لمن فَتن النا / سَ فما بي لمثلِهِ إذعانُ
ذَهَبَ الفارِسُ الزبيديُّ فَرْداً / وتَقضَّى النداءُ والبُهتانُ
يطلب السّاحةَ التي يُطلَبُ الخي / رُ بأرجائِها ويُرجَى الأمانُ
مَهبطُ الوحيِ يَرتعُ الرّوحُ فيها / كلَّ حينٍ ويَسطعُ الفُرقانُ
رَضِيَ البرَّ والمُروءةَ ديناً / فَصَفتْ نَفسُه وطابَ الجنانُ
زالَ عنه الأذَى فما خطبُ قيسٍ / إنّ قيساً لثائرٌ حَرَّانُ
قال يا ويحَهُ أ آمره أم / رِي فَمِنْهُ الإباءُ والعِصْيانُ
لأُذِيقنَّهُ الجَزاءَ أليماً / فيرى موضِعي وكيفَ يُدانُ
هكذا تصنع الجهالةُ بالنا / سِ فتعمَى العقولُ والأذهانُ
وَمِنَ النّاسِ مُبصِرونَ يَرَوْنَ ال / حقَّ حقّاً ومِنهمُ عُميانُ
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى
ألا إنّ هذا وَفْدُ كِندَة قد أتى / عليه من النَّعماءِ أرديةُ الحِبَرْ
رُواءٌ من العيشِ الرخيِّ وبهجَةٌ / من الكُحْلِ في الأجفانِ أو مُرْسَلِ الشَّعَرْ
دَنا ثمَّ حيَّا سيِّدَ الرُّسْلِ بالتي / تُحيَّا بها أهلُ الصَّوالجِ والسُّرُرْ
يَقولُ أبيتَ اللَّعْنَ قَوْلَ الأُلى خَلَوْا / من المعشرِ الضُّلَّالِ في سَالِف العُصُرْ
أباها رَسولُ اللهِ منهم تحيّةً / رآها من اللَّغوِ المُذَمَّمِ والهَذَرْ
وقال دَعوْها عادةً جاهليّةً / فلا أنا ذُو مُلْكٍ ولا بِيَ من أشَرْ
خُذوا هذهِ عَنّي فإنّي مُحمدٌ / وإنّي ابنُ عبد اللهِ من ذلك النَّفَرْ
فقالوا له ندعوك باسمِكَ إنّه / لَعمركَ أمرٌ ما يُلائِمُنا عَسِرْ
فماذا به تُكنَى فقال لهم أنا / أبو القاسمِ ادْعونِي بها كُنْيَةٌ تَسُرْ
دَعَوهُ فقالوا يا أبا القاسمِ استجبْ / أأنتَ رسولُ اللهِ يَهدِي بكَ البَشَرْ
فإن يكُ حقّاً ما تقولُ فما الذي / خَبَأْنا من الأشياء نبلو ونَخْتَبِرْ
فقال رُويداً إنّني لستُ كاهناً / ومَهْلاً فهذا شاهدٌ صادقُ الخَبَرْ
ومَدَّ يمينَ الخيرِ يَملؤُها حَصىً / فلم يكُ فيها بالعَيِيِّ ولا الحَصْرِ
قضوا عجباً ممَّا يُسبِّحُ ربَّهُ / وقال شَهِدْنا ما بِكَ الآنَ من نُكُرْ
هداهم إلى دينِ الحياةِ وزادهم / هُدىً من كتابٍ مُحكمِ الآي والسُّوَرْ
تَلا ما تَلا فالقلبُ للهِ خاشِعٌ / من البرِّ والإيمانِ والدَّمعُ مُنْهَمِرْ
فقالوا أمِن خوفِ الذي أنتَ مُرسَلٌ / إلى النَّاسِ منه دَمْعُ عَيْنَيكَ يَبْتَدِرْ
فقال أجل إنّي أخافُ عذابَهُ / وأيةُ نفسٍ تأمنُ اللهَ إن مَكَرْ
بُعِثْتُ بدينٍ إنْ أمِلْ عن صراطِهِ / فما لِيَ من واقٍ يَقيني ولا وَزَرْ
صِراطٌ كحدِّ السيفِ لا يبرحُ الفتى / وإن جَدَّ كلَّ الجِدِّ منه على خَطَرْ
فلا تَغْتَرِرْ نفسي بشاهِدِ حالِها / فلله عِلمُ الغيبِ والغيبُ مُنْتَظَرْ
مِن الخيرِ فاسْتَكْثِرْ لنفسِكَ واسْتَزِدْ / وما تَسْتَطعْ من صالحِ الأمرِ فادَّخِرْ
لِكلِّ امرئٍ من شانِهِ ما أعدَّهُ / كَذلِكَ يجزِي اللَّهُ من بَرَّ أو فَجَرْ
نَهَى القومَ عن لبسِ الحريرِ نَبِيُّهم / ولا شيءَ إلا ما نَهى عنه أو أمَرْ
أطاعوه لا يبغونَ غيرَ سبيلهِ / إذا اتّبعوهُ من سبيلٍ ولا أثَرْ
وإنّ الذي يَنْهَى النُّفوسَ عن الهوى / هو الدّينُ لا دينُ المخيلةِ والبَطَرْ
أَدَأْبُ الألى في الحربِ يصلون نارَها / كدأبِ اللواتي في المقاصيرِ والسُّتُرْ
إذا تركَ القومُ الجهادَ رأيتهم / وإن أشبهوا الأحياءَ مَوْتَى من الخَوَرْ
وإن لم تكن أظفارُهم جُنَّةً لهم / تقلَّب في أحشائِهم كلُّ ذِي ظُفُرْ
هُنا يا سَراةَ الأَزْدِ حُطُّوا رِحالَكُمْ
هُنا يا سَراةَ الأَزْدِ حُطُّوا رِحالَكُمْ / فما أطيبَ المثوَى وما أشرفَ الحِمَى
هنا البِرُّ والتَّقوى هُنا الخيرُ كُلُّه / لِمَنْ كانَ يرجو أن يفوزَ وَيغنما
هُنا المنزلُ الميمونُ ما من مُوَفَّقٍ / يُريدُ سِواهُ مَنزلاً أو مُخَيَّما
أجِلْ يا ابنَ عبدِ اللهِ عينَيْكَ واقْتَبِسْ / مِنَ النُّورِ ما يَجلو الغياهِبَ عنهما
تبيَّنْ هَداكَ الله إنّك ناظرٌ / أجلَّ بني الدُّنيا جميعاً وأعظما
هَداكم به رَبٌّ تَدراكَ خَلْقَهُ / فجادَ به نُوراً مُبيناً وأنْعَما
وولاكَ أمرَ القومِ تمضِي مُجاهداً / بهم مَنْ يَلِيهم من رجالٍ ذَوِي عَمَى
شَكَتْ جَرَشٌ طولَ الحِصَارِ وما اشْتَكَتْ / لكم هِمَمٌ يرمِي بها اللَّهُ مَن رَمَى
رجعتم تُريدونَ المكيدةَ فَاعْتَرى / أذى الوهمِ من عُمَّارِها من تَوهّما
رأى شَكَرٌ من خطبِهم وبلائِكُمْ / مشاهِدَ هَزَّتْهُ فحيَّا وسَلّما
أكنتم كما ظنّوا تخافونَ بأسَهُمْ / ألم يَكْفِهِمْ أن يُضحِكوا السَّيْفَ والدَّما
هُمُ البُدْنُ بُدْنُ اللهِ ضَلَّتْ فمالها / سِوَى النَّحرِ تَلْقاهُ قضاءً مُحَتَّما
كذلك قال الصادِقُ البَرُّ إنّه / لَيُلْقِي الذي يُلْقِي من القولِ مُلْهمَا
أكانَ حديثاً للرسولَيْنِ ساقه / لقومهما أم كان جَيْشاً عَرَمْرما
هُما نبّآهم فَارْعَوَوْا عن ضلالِهم / وقالوا رسولٌ جاءَ بالدِّينِ قيِّما
وأصبح نورُ اللهِ مِلءَ ديارِهم / يُضِيءُ لهم ما كانَ من قبلُ مُظْلِما
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ
جَاءَ الرّسولُ كِتابُه بيمينِهِ / واليمنُ في فمهِ وَفْوَق جَبينِهِ
وَافَى إمامَ المُرسلينَ مُبشّراً / بالمؤمنينَ من الملوكِ بدينهِ
بعثوا إليه رسولهم وكتابَهم / أن ليس مُتَّبَعٌ لهم مِن دونه
قالوا اعْتَصمنا باليقينِ فَزادنا / دِينُ الهُدى والمرءُ عِندَ يقينِهِ
ولقد قتلنا المشركينَ نُريدُه / فتحاً يَشُجُّ الشِّركَ في عِرْنِينهِ
أقيالُ حِمْيَرَ لانَ جانِبُ عِزِّهم / لِمُسلَّطٍ لِينُ الظُّبَى مِن لِينهِ
سَنَّ السّبيلَ بِسيفهِ وَلِسانِهِ / فتهافتَ الأقوامُ في مَسْنُونِه
لا شيءَ كالحقِّ المُسلَّحِ للفتى / يَشفِيهِ من كَلَبِ الهَوى وجُنونِهِ
اللّيثُ في مِحرابِهِ وكتابِهِ / واللّيثُ في أشبالِهِ وعَرِينهِ
رَجَع الرسولُ على هُدَىً برسالةٍ / فيها الهُدَى يَمحُو الظّلامَ لِحينهِ
فيها قُوى الإسلامِ مُحكَمةُ العُرَى / لِمَن ابْتَغَى الخيراتِ في تَمكينهِ
فيها شَعائرهُ ومَظهرُ مجدهِ / ونظامُ دَولتِهِ وأُسُّ شُؤونِهِ
أخَذَ الملوكَ بواضحٍ من هَدْيهِ / مُتبلِّجٍ لم يَأْلُ في تَبْيينهِ
وَرَمى إليهم بالوصيَّةِ سمحةً / يَقضِي الأمينُ بها زِمامَ أمينِهِ
أن أكْرِموا رُسلِي الذين تَرَوْنَهم / يرجون فضلَ الله عِندَ ديُونهِ
أَوصيتُ زرعةَ أن يكونَ لهم يداً / كَيَدِ القرينِ يَشُدُّ أزْرَ قرينِهِ
ولقد جعلتُ إلى معاذٍ أمرهُمْ / فجعلتُه لِزَعيمهِ وضَمينهِ
لا يرجعنَّ إليَّ إلا راضياً / والله عَوْنُ نَصيرِه وَمُعينِهِ
يا حارثُ اشْكُرْ فَضْلَ رَبِّكَ إنّه / أعطاكَ حَظّاً زَادَ في تَحسينِهِ
أوَ لستَ أوّلَ مُسلمٍ من حِمْيَرٍ / وَرَدَ الهُدى وَمَضى بِصَفْوِ مَعينِهِ
وأقامَ للشركِ المذمَّمِ مَأتماً / يَستعذِبُ الإسلامُ رَجْعَ أنينِهِ
أبْشِرْ بخيرٍ غيرِ مقطوعِ الجنَى / مِن ربّكَ الأعلى ولا مَمْنونِهِ
هَذا السّبيلُ فأينَ يذهبُ من أبى / أوَ ليس نُور اللهِ قد كشفَ الدُّجَى
ليس الذي رَكِبَ الغَوايةَ فَالْتوى / كَمَن استقامَ ولا الضَّلالةُ كالهُدَى
أحسنتَ فروةُ إنّ دِينَ مُحمدٍ / لَهُوَ الذي يَشفِي القُلوبَ مِنَ العَمَى
هذا رسولُكُ جَاءَهُ بِهَديّةٍ / فيها لنفسِك كلُّ ما تَهَبُ المُنَى
أنت السّعيدُ بها ولو أتْبعَتها / كُلَّ الذي لك لم تَزِدْ إلا غِنَى
ماذا يغيظُ الرُّومَ من مُسْتَبْصِرٍ / صَرَفَ العِنانَ عن الغوايةِ وارْعَوَى
سجنوه حين رَأوْهُ يُطلِقُ نفسَهُ / في المعشرِ الطُلَقاءِ من سِجنِ الهَوى
وتكنَّفوهُ لِيفتنُوه فزادَ في / إيمانِهِ ما جَرّعوهُ من الأذَى
لو يعقِلُ الملكُ الغَبيُّ لمَا رأى / رَأْيَ الأُلى ضلّوا السّبيلَ ولا غَوَى
قال اعْتَزِلْ دِينَ الذينَ هُمُ العِدَى / إن كنتَ تُؤثِرُ أن تُرَدَّ على رِضَى
لك عند قومِكَ ما تحبُّ وتَشتهِي / في ذلكَ الحَرمِ المُمنَّعِ والحِمَى
المجدُ والشرفُ الرفيعُ وما ترى / من نعمةٍ خضراءَ دانيةِ الجَنى
قال اقْتصِدْ ما أنْتَ أنْتَ ولا أنا / أنا قد مضى من أمرِنا ما قد مَضى
إنّي اصطفيتُ مُحمداً وهو الذي / أوصى به عيسَى فَنِعمَ المُصطفى
وأراكَ تَعلمُ غيرَ أنّكَ مُولَعٌ / بالمُلكِ تكرهُ أن يكونَ له مدَى
قال اقتلوهُ فراحَ يَلقى ربَّهُ / فَرِحاً بما حَفِظَ الأمانةَ وَاتَّقَى
صَلبوهُ من حَنَقٍ عليه فويحهم / أفَلَمْ يكنْ في قتلِ فروةَ ما كَفَى
نِعْمَ الشهيدُ وبِئْسَ ما صَنعوا به / وسيعلمون لِمَنْ يكونُ المُنتهى
تِلكَ العقيدةُ حكمُها وسبيلُها / إمّا سبيلُ المؤمنينَ أوِ الرَّدى
يا بَنِي الحارثِ بن كَعْبٍ سَلامُ
يا بَنِي الحارثِ بن كَعْبٍ سَلامُ / أَذْهَبَ الرِّجْسَ عَنكمُ الإسلامُ
جاءكم خالدٌ بدعوةِ حقٍّ / فاستجبتم ما عابكم إحجامُ
عَظُمَتْ نِعمةُ النبيِّ عليكم / فاعرفوا دِينَهُ وكيف يُقامُ
كلُّ ما تَكرَهُ النُّفُوسُ من البَغْ / يِ وَسُوءِ الصّنيعِ فيه حَرامُ
لا يحلُّ القتالُ إلا بحقٍّ / وَهْوَ حَقٌّ مؤكّدٌ وذِمامُ
أنتمُ القومُ ما عليكم مَلامُ / قُضِيَ الأمرُ واسْتَراحَ الحُسامُ
وعجيبٌ إذا بَدا الحقُّ طَلْقاً / أن تَضِلَّ العقولُ والأحلامُ
يا بَنِي الحارثِ بنِ كعبٍ نزلتم / في حِمَى اللهِ مَنزلاً لا يُرامُ
ها هُنا ها هنا يَطيبُ المقام / هذه يَثرِبٌ وهذا الإمامُ
أرأيتم عِزَّ النبوَّةِ فيما / عَرَفَ النَّاسُ أو رَأى الأقوامُ
لا النبيُّونَ أوّلَ الدهرِ نالوا / بعضَ هذا ولا الملوك العِظامُ
قالَ وهو العليمُ إذ كلَّمَ القو / مَ ومِنْ مثلهِ يَطيبُ الكلامُ
بِمَ كُنتم في الجاهليّةِ تستع / لون بالنصرِ حين يحمَى الصِّدامُ
فأجابوه ذلكم أنّنا كن / نا جميعاً تضمُّنا الأرحامُ
صادِقي البأسِ للقلوبِ اتّحادٌ / حِينَ تَمضي وللصُّفوفِ الْتِئَامُ
صَخْرَةٌ ما تَطيرُ أو تَتفرَّى / إن تَفرَّى الحصَى وَطَارَ الرَغامُ
ثم كنَّا لا نَبدأُ النّاسَ بالظل / مِ نَعافُ الذي يَعافُ الكِرَامُ
نَكرهُ الشَّرَّ قادرِينَ ونأبا / هُ وللشَّرِّ في النُّفوسِ اضْطِرامُ
قال حقّاً لقد صدقتم وما كا / نَ ليُرجَى للظالِمينَ دَوامُ
إنّ زيداً أميركم فَاعْرِفُوه / وَاسْتَقِيموا لكلِّ أمرٍ نظامُ
سُنَّة اللهِ ليس للقومِ بدٌّ / من رئيسٍ يُلْقَى إليه الزِمامُ
عُدْ بخيرٍ يا ابنَ الحصينِ ونُعمَى / إنّك اليومَ لَلرئيسُ الهُمامُ
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ
أَقْبِلْ رِفاعَةُ لا مُعَرَّجُ لامْرِئٍ / يَبغِي الذي تَبغِي ولا مُتَلَوَّمُ
جِئتَ الرسولَ المجتبَى من ربِّهِ / وقدِمتَ تتبعُه فنِعمَ المَقدِمُ
أكرمتَ نفسك فانطلقت تُريدُه / دِيناً هو الشّرفُ الأجلُّ الأعظمُ
يَبني الحياةَ على أساسٍ ثابتٍ / من قُوةِ اللَّهِ التي لا تُهْدَمُ
إن شئتَ أن ترقى بنفسِكَ صاعِداً / فعليكَ بالإيمانِ فهو السُّلَّمُ
وَهْوَ الجناحُ فإن ظَفِرتَ به فَطِرْ / واطْوِ الجِواءَ فأنتَ أنتَ القَشْعَمُ
لا تنهضُ الهِمَمُ الكِبارُ بغيرِه / سبباً ولا تَسمُو النُّفوسُ الحُوَّمُ
سَعِدَ الغُلامُ كما سَعِدَت وربّما / خَدَمَ السّعيدُ فكان مِمّن يُخْدَمُ
عَزَّت بسيّدِهِ العوالمُ أرضُها / وسماؤُها وَهوَ الأعزُّ الأكرمُ
أَفْضَى إليكَ بأمرِ قومِكَ فَاضْطَلِعْ / وَاعْزِمْ رِفاعةُ إنّ مثلَكَ يعزِمُ
وَخُذِ الكتابَ مُباركاً ما مثلُه / كتبتْ يَدٌ فيما يُخَطُّ وَيُرقَمُ
إقرأه مُتَّئِداً عليهم وَادْعُهم / أن يتبَعوكَ إلى التي هِيَ أقْوَمُ
وَلِمَنْ عَصاكَ مدىً فإنْ بلغوا المدَى / فاللّهُ يَقْضِي ما يشاءُ ويَحكمُ
أوَ ما كفى شهرٌ يجرُّ وراءَهُ / شَهراً لِمن يبغِي المحَجَّةَ مِنهُمُ
للّهِ قَومُكَ يا ابنَ زيدٍ إنّهم / سمعوا الكِتابَ فشايعوكَ وأسلموا
نُورٌ على نورٍ ونُعْمى زادها / من فضلِهِ الأوفى الكريمُ المنعِمُ
عَلِمَتْ خزاعةُ بعد جهلٍ فَاهْتَدَتْ / وإلى الحقائقِ يَهتدي مَن يعلمُ
إن يذكروا فَضْلَ الرجالِ وأيُّهم / أرْبَى فأنتَ السابقُ المتقدّمُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ
هُوَ وَفدُهم وهمُ الفريقُ الطَّيِّبُ / ما فَاتَهم من كلِّ خيرٍ مَطْلَبُ
طابت مَنابِتُهم فطابَ صَنيعُهم / إنّ الرجالَ إلى المنابِتِ تُنْسَبُ
إلا يُطيعوا خالداً إذ جَاءهم / فلكلِّ أمرٍ مَوعِدٌ يُتَرَقَّبُ
سَدُّوا السبيل عليه ستة أشهر / وأتى عليٌّ بالكتاب فرحّبوا
همدان أهلٌ للجميلِ وعِندهم / غَوْثُ الصَّريخِ ونَجدةٌ ما تكذبُ
نَصرُ الحُماةِ الصَّادِقينَ وصَبْرُهُم / والحربُ حَرَّى والفوارِسُ هُيَّبُ
شَهِدَ النبيُّ لهم فتلكَ صِفاتُهم / تُمْلى مَحاسِنُها عَليَّ وأكْتُبُ
يرضونَ مِلَّتَهُ فيسجدُ شاكراً / للهِ جلَّ جلالُه يَتقرَّبُ
ويُذِيقُهم بَرْدَ السّلامِ مُردَّداً / عَذْباً كماءِ المُزْنِ أو هُوَ أعْذَبُ
أوتادُ هذِي الأرضِ أو أبدالُها / مِنهم فمشرِقُها لهم والمغرِبُ
يَمضِي الزمانُ وهم وُلاةُ أمورِها / في دولةٍ أبديَّةٍ ما تَذْهَبُ
تِلكَ الولايةُ لا ولايةُ معشرٍ / يَبْقَوْنَ ما غَفل الزمانُ القُلَّبُ
جاءوا عليهم رونقٌ ونضارةٌ / يَصِفُ النَّعيمَ لباسُهم والمركبُ
صَنَعَ البُرودَ لهم فأحسنَ صُنْعَها / وأجادَها صَنَعُ اليَدَيْنِ مُدَرَّبُ
تَهفُو يمانيةً على أجسادِهم / فَتكادُ حُسْناً بالنواظِرِ تُنْهَبُ
من كلِّ وضّاحِ الجبينِ مُعمَّمٍ / وكأنّه مما يُهابُ مُعصَّبُ
زانوا الرِجالَ بما أفاءتْ مَهْرَةٌ / من نَسْلِها الغالِي وأنْجَبَ أرْحَبُ
جاءوا بِشاعِرِهم فَمِنْ أنفاسِهِ / أرَجٌ كَنَفْحِ الطِّيبِ أو هو أطْيَبُ
حيَّا رسولَ اللهِ يُظهِرُ حُبَّهُ / إنّ الكريمَ إلى الكريمِ مُحبَّبُ
حيَّا الشَّمائِلَ كالخمائِلِ فالرُّبَى / تُبدِي البشاشةَ والخمائلُ تطربُ
حَيَّاهُ مُرْتَجِزاً وإنَّ لمالكٍ / لأَعَزَّ ما مَلَكَ البَيَانُ المُعْجِبُ
قُلْ يا أخا هَمْدانَ واشْهَدْ أنّه / لَلحقُّ مالَكَ دُونَهُ مُتَنَكَّبُ
هُوَ ذلكم ما مِنْ رسولٍ غيره / فَيميلُ عنه أخو الرَّشادِ ويَرْغَبُ
ما فيه من شكٍّ وليس كمثلِهِ / لِلعالَمينَ مُعلِّمٌ ومُهَذِّبُ
أنتَ الأميرُ على الأُلى اتّبعوا الهُدَى / والحقَّ من هَمْدانَ أو أنتَ الأبُ
خُذْهم بآدابِ الكتابِ وَكُنْ لهم / مَثَلاً من الشِّيَمِ الرَّضِيَّةِ يُضْرَبُ
وَاعْمَلْ لربِّكَ جَاهِداً لا تَأْلُهُ / دَأَباً فليس يفوزُ من لا يَدْأبُ
تُجيْبُ بعثتِ الوفدَ أمّا سبيلُه
تُجيْبُ بعثتِ الوفدَ أمّا سبيلُه / فَسمحٌ وأمّا مُنتواهُ فَصالحُ
أتى في ذمامِ اللهِ يُؤتيهِ حَقَّهُ / من المالِ يَهديهِ سَناً منه وَاضِحُ
فأكرمَ مثواهم وأعلى مكانَهم / رَسولٌ لِمَنْ يَبغِي المحجَّةَ ناصِحُ
وقال لهم ما بِي إلى المالِ حاجةٌ / وَحَسْبِي من الخيراتِ ما اللَّهُ مانحُ
خذوه فردُّوهُ على فُقرائِكم / فَينعمُ مكروبٌ ويَنهضُ رازِحُ
فقالوا كفيناهم فما منهمُ امرؤٌ / له حاجةٌ تُطوى عليها الجوانِحُ
وقال أبو بكرٍ هُمُ القومُ ما رأت / كمقدِمِهم منّا العيونُ اللّوامِحُ
وسَرَّ رَسولَ اللهِ حسنُ صَنيعِهم / فما مِثلُه إذ يمدح القومَ مادحُ
فلمّا استزادُوه من الحقِّ زادهم / ولَنْ تسأمَ الحقَّ العقولُ الرواجحُ
رأَوْا مَورداً عذباً فألقوا بأنفسٍ / ظِماءٍ بها من وَقدَةِ اللُّوحِ لافحُ
فما مثلهم فيمن هَدَى اللَّهُ وارِدٌ / ولا مثله فيمن شَفى الدّاءَ نَاصِحُ
هُم اسْتأذنُوه في الإيابِ وودَّعوا / تُشيِّعُهم منه العَطايا الدَوالِحُ
بلالُ انْطَلِقْ خَلفَ الرجالِ فأعطهم / جَوائِزَهم إنّ التقيَّ لرابحُ
وَسَلْهُم أفيهم من تَأخَّرَ رِفدُه / فَيُعْطَى ويَلْقَى قَوْمَهُ وَهْوَ فارحُ
فقالوا غُلامٌ في الرحالِ مُخلَّفٌ / على وجهِهِ وَسمٌ من الخيرِ لائحُ
وجاء يقولُ القولَ بِرّاً وحِكْمةً / فوا عَجَبي أين النُّهى والقرائحُ
قَضيتَ رسولَ اللهِ حاجةَ قَومِنا / ولي حاجةٌ بالبابِ واللَّهُ فاتحُ
سَلِ اللَّهَ أن يَرْضَى فيغفرَ حَوْبَتِي / ويرحمني إنّي إلى ذاكَ طامحُ
بِهذَيْنِ فادْعُ اللَّهَ لي ثمّ بالغِنَى / غِنَى القلبِ إنّ المُعْدِمَ القلبِ طائحُ
دعا بالذي وَدَّ الفَتى وأجازَهُ / فلم يَبْقَ من حاجاتهِ ما يُطارحُ
صفا قلبُه من كلِّ شيءٍ يَشوبُه / وطابَتْ بِتقوَى الله منه الجوارحُ
وإنّ له بعد النبيِّ لَمشهداً / يَهونُ به عادٍ من الخطبِ فادحُ
سيكفي أبا بكرٍ تَقَلُّبَ قومهِ / إذا جَهِلَ الأقوامُ والجهلُ فاضحُ
همُ النَّفرُ الأخيارُ ما في رِحالِهم / شَقيٌِّ ولا ناءٍ عن الرُّشدِ جامحُ
أقاموا كِراماً ثم عادوا أعِزَّةً / لهم شرفٌ عالٍ مُقيمٌ وبارحُ
فما فاتَهم خيرٌ ولا نَالَ سَعْيَهم / من النّاسِ غادٍ في البلادِ ورائحُ
ألا إنّه الإسلامُ لا مجدَ مثله / وإن صاحَ بالبهتانِ والإفكِ صائحُ
أُغنِّي به فَلْيَطْرَبِ الدّهرُ وَلْتَدَعْ / تَطارِيبَها هذِي الطيورُ الصّوادحُ
وإنّي لأقضِي للعروبةِ حَقّها / وإن لجَّ مفتونٌ وأرجفَ كاشحُ
وماذا على الأعداءِ إن قامَ ماجدٌ / يُناضِلُ عن أحسابها ويُنافحُ
نَصبتُ لها نفسي فما لانَ جانبي / وجُلْتُ فما ضَاقتْ عليَّ المنادحُ
لك الحمدُ ربّي إنّها لكَ نعمةٌ / وإنّي لِمَا يُرضيكَ منّي لَكادِحُ
فيا ربِّ هل للشّعرِ بعدي خليفةٌ / يقوم به إن غيَّبتني الصَّفائحُ
أرى الجدّ أودى إذ أبى الجِدَّ أهلُه / فلم يَبْقَ إلا ما تَعوَّدَ مازحُ
ألحُّوا على الأخلاقِ فانقضَّ رُكْنُها / وحاقتْ بأبناءِ البلادِ الجوائحُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ
تَوالتْ وفودُ اللهِ تَختارُ دِينَهُ / وترضاهُ ربّاً مالها غيره ربُّ
دَعاها فلبَّتْ تَبتَغي الحقَّ مَذهباً / وجاءت يَظَلُّ الرَّكبُ يتبعهُ الرَكبُ
هَداها إلى الإسلامِ رأيٌ مُسدَّدٌ / فلا شَغبٌ يُؤذِي النُّفوسَ ولا حَرْبُ
إذ المرءُ لم يَزْجُرْ عن الغَيِّ نفسَهُ / فلا الطعنُ يهديه السّبيلَ ولا الضَّربُ
وشَرُّ سجايا النَّفسِ أن تُؤثِرَ العمى / وتَكره أن يستلَّ أدواءها الطِبُّ
تَرامَتْ بهم آمالهم ومَطيُّهم / إلى واسعِ الأكنافِ مَنزلهُ رَحْبُ
جَليلِ الأيادِي ما يَغُبُّ نَزِيلَهُ / قِرىً فاضلٌ من جُودِه وندىً سَكْبُ
إذا جاءَهُ المكروبُ والهمُّ جاثِمٌ / كفَى ما به حتَّى كأنْ لم يكُنْ كَرْبُ
وإن راحَ يَسْتَسْقِي به الغيثَ مُسنِتٌ / تَقَشَّعَ عنه الجدبُ واطَّرَدَ الخِصْبُ
لَكَمْ جاحدٍ لمَّا رأى نُورَ وَجْهِهِ / تجلّى العَمى عن عَيْنِهِ وصحا القلبُ
به عَرَفَ القومُ السّبيلَ إلى الهُدَى / فلا مَسْلَكُ وعرٌ ولا مَرْكَبٌ صَعْبُ
وفي ظلِّهِ الممدودِ حَطُّوا ذُنُوبهم / فَعادوا ولا وِزْرٌ عليهم ولا ذَنْبُ
طَهارَى عليهم من سَنا الحقِّ بَهجةٌ / لها وَهَجٌ باقٍ على الدّهرِ لا يَخْبُو
بَني الدّهرِ ناموا آخرَ الدّهرِ أو هُبُّوا / تكشّفَتِ الظَّلُماء وَانْجابتْ الحُجْبُ
أبى اللَّهُ إلا أن يُؤيّدَ دِينَهُ / فليس لِمن يأباهُ عَقْلٌ ولا لُبُّ
إذا أخذ السيْلُ الأَتِيُّ سبيلَه / فلا الشّرقُ مَسْدودُ الفجاجِ ولا الغربُ
وما الدِّينُ إلا ما محا الشرَّ والأذَى / فلا أُمَّةٌ تشكو الشّقاءَ ولا شعبُ
وما يَستَوِي البحرانِ هذا مذَاقُه / أُجاجٌ وهذا طعمهُ سائِغٌ عذبُ
قضاها لنا ربُّ السّماءِ شَريعةً / مُطَهَّرَةً لا الظلمُ منها والغَصبُ
لنا دِينُنا نسمو بِه وكتابُنا / إلى حيثُ لا الأديانُ تَسمو ولا الكُتْبُ
رَعى اللهُ قوماً ما رَعَوْا غيرَ حقِّهِ / ولا رَاعَهم فيه مَلامٌ ولا عَتْبُ
يُحبِّونَهُ حُبّاً تَلينُ قلوبُهم / بهِ وَهْوَ فيها مِثلُ إيمانِها صُلْبُ
فَمن يكُ عن حالِ المُحِبّينَ سائلاً / فتلكَ سجاياهم وهذا هُوَ الحُبُّ
تَعلَّمْ سجايا القومِ واسْلُكْ سَبيلَهم / أُولئكَ حِزبُ اللَّهِ ما مِثلهُ حِزْبُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ
الكُتْبُ تَتْرَى والكتائبُ تَدلِفُ / والبأسُ بينهما يَثورُ ويعصِفُ
الله وكَّلَ بالملوكِ رَسولَه / فإذا العروشُ بهم تَميدُ وتَرجُفُ
أهِيَ القلوبُ تَلجُّ في خَفَقاتِها / أم تلكَ أجنحةٌ تَظلُّ تُرفرفُ
رُسُلُ النبيِّ بكلِّ أرضٍ جُوَّلٌ / تَرمِي بهم هِمَمٌ نواهِضُ قُذَّفُ
حَملوا القُلوبَ الصُّمَّ يَعصِمُهم بها / دِينٌ لهم صلْبٌ ورأيٌ مُحْصَفُ
تَرمِي الجَلامِدَ والحديدَ بِقوّةٍ / تمضِي فتصدعُ ما تشاءُ وتَقصِفُ
يَخشَى العَتِيُّ المُستَبِدُّ نَكالَها / ويَهابُها المُسْتكبِرُ المُتَغطرِفُ
سِرْ في ذِمامِ اللهِ دِحْيَةُ إنّها / لك حاجةٌ ما دونها مُتخَلَّفُ
أيْقِظْ هِرَقْلَ فقد تطاولَ نَومُهُ / وأبَتْ عَمايتُه فما تَتَكشَّفُ
أيْقِظهُ إنّ اللهَ ليس كَدِينهِ / دِينٌ وليس له شَريكٌ يُعرَفُ
أخَذَ الكتابَ ورَاحَ يسألُ كلّما / وَضح اليقينُ لهُ يُلِحُّ ويُلْحِفُ
ماذا أرادَ اللَّهُ ما شأنُ الذي / بَعثَ الكتابَ بأيِّ شَيءٍ يُوصَفُ
قُلْ يا أبا سُفيانَ لا تُطِعِ الهَوى / وَدَعِ المَلامَ لِمن يَجورُ ويَجْنِفُ
أبدى هِرقلُ لقومِهِ أنْ قد صَغا / مِنْهُ إلى الإسلامِ قلبٌ مُنصِفُ
غَضِبُوا فقال رُوَيْدَكُم ما بي سوى / أن أستبين وأين منا المصرف
بعث الكتاب فقالَ إنّي مُسلمٌ / لكنّهم قومي الأُلى أتَخوَّفُ
وَاخْتَارها مِمّا يُحِبُّ هَدِيَّةً / ألقى بها من مَكْرِهِ يَتزلَّفُ
قال النبيُّ رِسالةٌ من كاشحٍ / يُبدِي الرِّضى ومُنافقٍ يَتكلَّفُ
وهَديَّةٌ سَاءتْ وسَاءَ حَدِيثُها / فالزّورُ من أسمائِها والزُّخْرُفُ
كِسرَى لكَ الويلاتُ ماذا تَبتغِي / ماذا تظنُّ بِمَنْ تُغاثُ وتُسْعَفُ
مَزقَّتَ من كُتبِ النبيِّ تميمةً / فيها مَنابِعُ رَحمةٍ لا تَنْزَفُ
وذخيرةً يَجِدُ الذَّخائِرَ كُلَّها / بِيَدَيهِ حينَ يُصيبُها المتلقِّفُ
أطلبتَ من باذانَ رأسَ مُحمّدٍ / إن لم يَتُبْ بل أنتَ غاوٍ مُسرِفُ
سَتَرى اليقينَ على يَدِ ابنكِ فَانْتَبِهْ / لَكَ مَوْعِدٌ عمّا قليلٍ يَأزَفُ
صَدَقَ النبيُّ وذاقَ كِسرَى حتفَهُ / مِن شِيرويه فما له من يَعطِفُ
وَرأى الهُدى باذانُ بعد ضلالةٍ / فمضَى على البيضاءِ لا يتعسَّفُ
نَبَذَ الهَوى فَصَحا وأصبحَ مُسلِماً / ودَعا الأُلَى معه فلم يَتخلَّفوا
لا خابَ جَدُّ القومِ إنّ إلههم / جمعَ القلوبَ على الهدى فتألَّفوا
وأتى النجَاشيَّ الكتابُ فلم يكن / مِمّن يَصُدُّ عنِ الصَّوابِ ويَصدِفُ
شَرَفٌ أُتِيحَ له وعِزٌّ زانَهُ / إنّ التقيَّ هو الأعزُّ الأشرفُ
وأبى المُقْوقِسُ أن يُفارِقَ دِينَهُ / يَخْشَى الذي يَخْشَى الغَبِيُّ المُتْرَفُ
بَعثَ الهدايا يَتَّقي بحسانِها / ما يتّقِي ذُو البِغْضَةِ المتلطِّفُ
ضَنّ الخبيثُ بِمُلكِهِ وغَداً يرى / يد غَيْرِه في مُلْكِهِ تتصرَّفُ
هذا الذي قال النبيُّ وهكذا / صَنَعَ الذي يبنِي العُروشَ وينسِفُ
والمنذرُ اتَّخذَ السّبيلَ مُسدَّداً / قَبْلَ الكتابِ يُخِبُّ فيه ويُوجِفُ
سألَ النبيَّ فقالَ ما أنا فاعلٌ / بالقومِ إذ ضَلُّوا السّبيلَ وَزَيَّفُوا
فَقَضى إليهِ الأمرَ يأخذُهم بهِ / ويُقيمُه بالحقِّ لا يَتحرَّفُ
للمسلمينَ أمورُهم وله على / مَن ضلَّ جِزيةُ عادلٍ لا يُجحِفُ
وطحا بجيفرَ جَهلُهُ وعِنادُه / فأبَى على عمروٍ وأعرضَ يأنَفُ
ورآهُ يَهدِرُ بالوعيدِ فراعه / وأتى غَدٌ فَانْقَادَ لا يَتوقَّفُ
وَانْساقَ يَتبَعُه أخوهُ وإنّه / لَمُهَذَّبٌ سَمْحٌ الخِلالِ مُثقَّفُ
وأتى اليمامةَ بالكتابِ رَسُولُها / فكذاكَ يَهذِي الطّامِحُ المتعَجْرِفُ
طُغيانُ شاعرِها وجَهْلُ خطيبها / وغروُ صاحِبها المُبيدُ المُتلِفُ
طَلَب المحالَ من النبيِّ ولم يَزَلْ / ذُو الجهلِ يُولَعُ بالمحالِ ويُشْغَفُ
يَهْذِي ببعضِ الأمرِ يَقطعهُ له / والأمرُ ما قطع الحُسامُ المُرهَفُ
والحارثُ المأفونُ طاحَ بِلُبِّهِ / خَبَلٌ تُصابُ بِهِ العقولُ فَتَضْعُفُ
ألقى الكتابَ وقالَ مُلكي ليس لي / كُفْؤٌ فَيُنزَعُ من يَديَّ ويُخْطَفُ
انْظُرْ شُجاعُ الخيلَ والجُندَ الأُلَى / تَلْقَى العدوَّ بهم تَكُرُّ وتزحَفُ
وَاذْكُرْ لِصاحبكَ الحديثَ فَرُبَّما / كَفَّ المناجِزُ وارْعَوى المُسْتَهْدِفُ
ثم استعدَّ وجاءَ قيصرَ وافدٌ / بصحيفةٍ منه تَصِرُّ وتَصْرُفُ
حَمْقاءَ يَطغى الغيظُ بين سُطورِها / وتَشُبُّ بالشَّنآنِ منها الأحرفُ
رَكِبَ الغُرورَ وقال إنّي قَاذفٌ / بالجيشِ يثرِبَ فَهْيَ قاعٌ صَفْصَفُ
قالَ ازْدَجِرْ ما أنتَ من أكفائها / واسْكُنْ فإنّك لَلغوِيُّ المُرجِفُ
فأفاقَ واتَّخَذَ الخِداعَ سَجِيَّةً / لا يَسْتَحِي منها ولا يَتعفَّفُ
بَعثَ السلامَ مع ابنِ وَهْبٍ وَادَّعَى / دَعْوَى الذي يُرخِي القِناعَ ويُغْدِفُ
قال ادَّخرني يا شُجاعُ فإنّ لي / قلباً إلى دينِ الهُدَى يَتشَّوفُ
إنّي لمتبِعٌ سبيلَ مُحمّدٍ / وإليكَ رِفْدُكَ بالكرامةِ يُرْدَفُ
سَمِعَ النبيُّ حدِيثَهُ فتكشَّفتْ / نَفسٌ مُقنَّعةٌ وقلبٌ أغْلَفُ
مُلكٌ يبيدُ ومالِكٌ يُرجَى إلى / أجلٍ يَحينُ وموعَدٍ ما يُخْلَفُ
يَأبَى الغَوِيُّ الرُّشدَ يرفعَ شأنَهُ / فإذا هوى ألفيتَهُ يَتأسَّفُ
لِلحقِّ مِئذنةٌ وَدَاعٍ مُسمِعٌ / في كلِّ شيءٍ بالخلائقِ يَهتِفُ
عَجِبَ الملوكُ لِكابرِينَ سَمَتْ بهم / هِممٌ تَميلُ عنِ العُروشِ وتَعزِفُ
المُتّقونَ هُمُ الملوكُ وإن أبَوْا / رَغدَ الحياةِ ولينَها فتقشَّفوا
عَكَفوا على آيِ الكتابِ فأفْلَحُوا / والجاهلونَ على المآثِمِ عُكَّفُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ
نَهَضَ الغُزاةُ فأين تَمْضِي العِيرُ / أعَلَى الغمامِ إلى الشآمِ تَسيرُ
زَيْدُ بْنُ حارثةٍ يَطيرُ وَرَاءَها / مَا ظَنَّهَا بالنَّسرِ حِينَ يَطيرُ
مَهْلاً أبا سُفيانَ إنَّ طِلابَكُمْ / عَسِرٌ وإنَّ مُصَابَكم لَكَبيرُ
صَفْوَانُ يُرْعِدُ خِيفةً وحُوَيْطِبٌ / مِمَّا عَرَاهُ مُرَوَّعٌ مَذعُورُ
زُولُوا بأنفسِكم فَتِلْكَ حُتوفُها / غَضْبَى إليها بالسُّيوفِ تُشِيرُ
هِيَ غارةُ البَطَلِ المُظَفَّرِ مالكم / مِنه إذا خَاضَ الغِمَارَ مُجيرُ
ظَنُّوا الظنُّونَ بهِ فلمَّا اسْتَيْقَنُوا / زَالوا عَنِ الأموالِ وَهْيَ كَثيرُ
أَمْسَتْ تُساقُ إلى النبيِّ غَنيمةً / للَّهِ فيها فَضلُهُ المشكُورُ
هذا دليلُ العِيرِ غُودِرَ وَحْدَهُ / خَلْفَ الأُلَى خَذلُوهُ فَهْوَ أَسِيرُ
اللَّهُ أطلقَهُ على يدِ مُنْقِذٍ / هُوَ للأُسارَى المرهَقِينَ بَشِيرُ
عَقَدَتْ مِنَ الإسلامِ فوقَ جَبينِهِ / تاجاً عليهِ من الجلالةِ نُورُ
مَن علَّمَ القومَ العُكوفَ على الهوى / أنَّ الحياةَ جَهالةٌ وغُرور
تِلك المغانِمُ ما لها كَمُحَمَّدٍ / في النَّاسِ من أحدٍ إليهِ تَصِيرُ
هِيَ قُوَّةٌ لِلمُسْلِمينَ وَمَظهرٌ / للقائِمينَ على الجهادِ خَطيرُ
بُورِكْتَ يا زَيْدُ بنُ حارثةٍ فما / لكَ في الموالِي الصَّالِحينَ نَظيرُ
إيهٍ أميرَ الجندِ ليس كمثلهِ / جُندٌ ولا مِثلَ الأميرِ أميرُ
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا
بني سُلَيمٍ أَعُدُّوا الخيلَ وَاحْتَرِسُوا / إن كانَ يَنفعُكُم كَرٌّ وإقدامُ
زيدُ بنُ حارثةٍ زيدُ بنُ حارثةٍ / خَطبٌ جليلٌ وجُرحٌ ليس يَلتامُ
هل عِندكم أنْ تغشَّتْكُم سَرِيَّتُهُ / للسَّيفِ سَيْفٌ ولِلضِرغَامِ ضِرغامُ
مَشَى إليكم فهل قَرَّتْ منازلُكُم / وَاسْتَمسكَتْ مِنكُمُ الأعناقُ والهامُ
لولا التي انطلَقَتْ تَهْدِيهِ ما عُرِفَتْ / مِنكم ومنهنَّ آياتٌ وأعلامُ
فما الجَمومُ وما ضمّتْ مَنازِلُهُ / إلا ظنونٌ خَفِيَّاتٌ وأَوهامُ
أين الأناسيُّ جَلَّ اللَّهُ هل مُسِخُوا / لمّا رَأوْكَ فَهُمْ يا زيدُ أنعامُ
ما ثَمَّ إلا الأُلَى أَدركتَهم قَنصاً / لم يُغِنهِ إذ هَوَى خَوْفٌ وإحجامُ
عُدْ بالأُسارَى وبالغنمِ التي قَسَمَتْ / لَكَ القواضِبُ إنّ الغُنْمَ أقسامُ
يا زيدُ ما حقّ مَن دَلَّتكَ إذ صَدَقتْ / أسْرٌ تَضِيقُ به ذَرعاً وإرغامُ
مَنَّ النبيُّ عليها ثم أكرمَها / في مشهدٍ كُلِّهِ مَنٌّ وإكرامُ
نَالتْ بِنِعْمَتِهِ مِن بَعلِها هِبَةٌ / زَالَتْ لها كُرَبٌ شتَّى وآلامُ
بَني سُلَيمٍ أَفي دِينِ الفُسوقِ لكم / إلا ذُنوبٌ تَغَشَّاكُمْ وآثامُ
ما أخيبَ النفسَ في الدُّنيا وأخسرَها / إن أخطأ النفسَ إيمانٌ وإسلامُ
يا للبَلاءِ أَيُعْصَى اللَّهُ ليس له / كُفؤٌ وتُعْبَدُ أوثانٌ وأصنامُ
يا أَبا العاصِ أيَّ أرضٍ تُريدُ
يا أَبا العاصِ أيَّ أرضٍ تُريدُ / إنّ ما تَبْتَغِي لَصَعْبٌ شَديدُ
سُدَّتِ السُّبلُ يا أبا العاصِ فَانْظُرْ / أينَ تمضِي إذنْ وأينَ تَحِيدُ
أرأيتَ الحديدَ يُزجيِهِ زَيْدٌ / مُستَطِيرَ السَّنا عليهِ الحَديدُ
إيهِ يا ابنَ الربيعِ تِلكَ جُنودٌ / تَتَهاوَى عن جَانِبَيْها الجُنُودُ
ليس للعيرِ غيرُها فَدَعِ العِي / رَ وَعُدْ سالماً وأنتَ حَميدُ
بَعُدَتْ مَكَّةٌ فلا تَرِدَنْها / وإلى يثربٍ فَثَمَّ الوُروردُ
جاء صِهرُ النبيِّ في نَابِ مَولا / هُ وللّيْثِ حُكمُهُ إذ يَصيدُ
رَامَ من زَيْنَبَ الجِوارَ فقالتْ / إنّ في ذَا الحِمَى يُجارُ الطَّرِيدُ
وَمَشَتْ تُخْبِرُ الرسولَ وترجو / عِندَهُ الخيرَ والفُؤادُ كميدُ
قال إنّي أجرتُهُ فله ما / شِئْتِ عِندي ومَالُهُ مَرْدُودُ
أَكْرِمِيهِ فما عَلَيكِ جُناحٌ / وَامْنَحِيْهِ الجَميلَ وَهْوَ بَعِيدُ
إنّه مُشْرِكٌ فأنتِ حَرامٌ / شِرعَةُ اللهِ فَلْيَكُنْ ما يُريدُ
قالَ قومٌ أَسْلِمْ يا أبا العاصِ تَغْنَمْ / مَالَ قومٍ هُمُ العَدُوُّ اللَّدُودُ
قالَ كلا فلستُ أبدأَ دِيني / بالتي يَأنفُ الشَّريفُ الرَّشيدُ
وَتَولَّى فجاءَ مَكّةَ ما يُجْ / حَدُ فيها مَقَامُهُ المشهودُ
قال يا قومُ ليسَ بي من جُحودٍ / إنّه مَالُكُم إليكم يَعودُ
فَخذوهُ فقد وَفَيْتُ وَرَبُّ ال / بيتِ سُبحانَهُ عَليَّ شَهيدُ
أَشْهَدُ الآنَ مُوقِناً مُطمئِنّاً / أنّه اللّهُ رَبُّنا المعبودُ
بَعَثَ الصَّادِقَ الأمينَ رِسولاً / يَهدِمُ الشِّركَ دِينهُ فَيَبيدُ
بِكتابٍ فيه الشّرائعُ تَهدِي ال / ناسَ أعلامُها وفيها الحُدودُ
ما حياةُ الشعوبِ في الشِّركِ فَوْضَى / الحياةُ الإيمانُ والتَّوحيدُ
يا أبا العاصِ عُدْتَ بَرّاً تَقِيّاً / فَهنيئاً لكَ المَعَادُ السَّعيدُ
اعتزلْ ما مَضَى لِنَفْسِكَ في دُنْ / يا الخطَايا فأنتَ خَلْقٌ جَديدُ
أنتَ صِهرُ النبيِّ لا الوُدُّ ممنو / عٌ ولا البابُ مُوصَدٌ مَسْدُودُ
زَالَ ما كان من حجابٍ فلا الإسْ / لامُ يَنْهَى ولا الكِتابُ يَذودُ
ليس من حاجَةٍ لم تُتَحْ لَكَ بع / دُ ولا ثَمَّ مَطلبٌ مَنْشُودُ
سَاعَفَتْكَ المُنى وطاب لك العي / شُ ألا هكذا تُواتِي الجُدودُ
بنى ثعلبة هُبّوا
بنى ثعلبة هُبّوا / فإنّ الليثَ قد عَزَمَا
رماكم بابن حارثةٍ / رسولُ اللهِ حِينَ رَمَى
زعمتم أنه هو زَعْ / مَ من يَهْذِي وما عَلِما
فَطَارَتْ قَبلَ مَقدمِهِ / نفوسٌ أُشعِرتْ لَمَمَا
ونِعمَ أخو الوغَى زيدٌ / إذا ما جَدَّ فَاقْتَحَما
يَخوضُ النّقعَ مُرتَكماً / ويَحمِي السيفَ والعَلَمَا
تَولَّى جَمعُهُم فَرَقاً / ولَو لاقاهُ ما سلما
لَبِئْسَ الجمعُ ما صَدَقَتْ / قُواهُ وبئسَ ما زَعَما
تلمَّسَهُ ابنُ حارثةٍ / فلا صَدَدَاً ولا أَمَمَا
تَسَرَّبَ في مَخابِئِهِ / فكان وُجُودُه عَدَما
هَلُمَّ هَلُمَّ يا زيدٌ / هَلُمَّ الشاءَ والنَعَمَا
رُوَيْدَ القومِ هل طلبوا / سِوَى ما يُعجِزُ الهِمَمَا
مَضُوا في إثرِهِ ومَضَى / يَجُرُّ حُسامَه قُدُما
فما بَلغُوه إذ جَهَدوا / ولا رَزأُوهُ ما غَنِمَا
رُوَيْداً عابِدِي الأَصْنا / مِ إنّ اللهَ قد حَكَما
رَضِيتُمْ ظُلمَ أَنْفُسِكُمْ / فأَرْدَاكُمُ وما ظَلَمَا
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ
أَما وَمَضارِبِ البيضِ الرقاقِ / تُضِيءُ النَّقْعَ لِلجُرْدِ العِتاقِ
لقد غَرَّ الهُنَيْدُ بني جُذَامٍ / فما للقومِ مِمّا جَرَّ واقِ
دَعَا سُفهاءَهُم فَمشُوا إليه / وما التفَّتْ لهم ساقٌ بساقِ
لصوصٌ ما يُبالونَ الدنَايا / إذا عَقَدوا العزائمَ لاِنْطِلاَقِ
أحاطَ بِدحيةٍ مِنهم أُناسٌ / تَعُدُّهُم الذّئابُ مِن الرِّفاقِ
مَضوا بِحبَاءِ قَيْصَرَ وَهْوَ جَمٌّ / فما منه لَدَى الكلبيِّ باقِ
أَتى مُستَصرِخاً فأصابَ مَوْلىً / يُغيثُ صَريخَهُ ممّا يُلاقي
وما لمحمدٍ كُفْؤٌ إذا ما / سَقَى الأبطالَ كأسَ الموتِ ساقِ
دَعَا زَيْداً فأقبلَ في جُنودٍ / تَبيتُ إلى الملاحمِ في اشْتِيَاقِ
إلى حِسْمَى فما للداءِ حَسْمٌ / إذا لم تَرْقِهِ بدمٍ مُراقِ
إليهِ يا ابنَ حارثةٍ إليه / فَثَمَّ البغيُ مُمتَدُّ الرُواقِ
لِدحيةَ حَقُّهُ والسّيفُ ماضٍ / وما لِبَنِي جُذَامٍ من إباقِ
عَبيدُ الشِّركِ أَوْثَقَهُمْ فَقَرُّوا / بِدارِ الهُونِ يا لَكَ من وَثاقِ
ألا إنّ الهُنَيْدَ أُديلَ منه / فهل وَجَدَ الرَّدَى عَذْبَ المذاقِ
وهل نَظَرَ ابْنَهُ لمّا تَرَدَّى / وَعَايَنَ روعةَ الموتِ الذُّعاقِ
تَوالى القومُ في الهيجاءِ صَرْعَى / كأن سِرَاعَهُمْ خَيْلُ السّباقِ
فأهلاً بالشَّوِيِّ تُساقُ نَهْباً / وأهلاً بالجِمالِ وبالنِّياقِ
ويا ويحَ الحلائلِ والذَّرارِي / تُعانِي البَرْحَ من أَلَمِ الفِراقِ
أتى النفرُ الأماجدُ من ضَبِيبٍ / وقد شدَّ البلاءُ عُرَى الخِناقِ
فقال إمامُهُم إنّا جميعاً / مِنَ الدينِ القويمِ على وِفَاقِ
هُوَ الإسلامُ يَجمعُنا فَلَسْنَا / بحمدِ اللهِ من أهلِ الشِّقاقِ
ألا اكْشِفْ ما بنا يا زيدُ عَنَّا / فليسَ بِمُستطاعٍ أو مُطاقِ
وجاء من الكتابِ ببيِّناتٍ / فما يُرمَى بكفرٍ أو نِفاقِ
وسارَ إلى رسولِ اللهِ منهم / بُغاةُ الخيرِ والكَرَمِ الدُّفَاقِ
فقال إلى السريّةِ يا ابنَ عَمّي / فأنْ تَلحقْ فَنِعْمَ أخو اللِّحاقِ
وذَا سَيْفِي فَخُذْهُ دَليلَ صدقٍ / فيا لكَ من دليلٍ ذي ائتلاقِ
مَضَى أَمرُ النبيِّ فيا لخطبٍ / تَكشَّفَ ليلُهُ بعد اطّراقِ
أَيُنْصَرُ كلُّ لصٍ من جُذَامٍ / وَيُقْهَرُ رافعُ السَّبعِ الطِّباقِ
تَعالَى اللهُ لا يَرْقَى إليهِ / من العالِينَ فَوْقَ الأرضِ رَاقِ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ
يَميناً ما لِمَدْيَنَ من قَرارِ / فَبُعْدَاً للقطينِ وللديارِ
شُعَيْبٌ كيفَ أنتَ وأينَ قَوْمٌ / عَصُوكَ وما الذي فَعَلَ الذرارِي
همُ اتّخذُوا الهَوَى رَبّاً وسَارُوا / من العهدِ القديمِ على غِرارِ
أتى الإسلامُ فَاجْتَنبوهُ حِرصاً / على دينِ المهانةِ والصَّغارِ
وصَدُّوا عن سبيلِ الله بَغياً / وكان البَغْيُ مَجلبةَ الدَّمارِ
سَمَا زَيْدٌ إليهم بالمنايا / تُرِيكَ مَصَارِعَ الأُسْدِ الضَّوارِي
تَأمّلْ يا شُعَيْبُ أما تَرَاهُ / شديدَ البأسِ مُلتَهِبَ المغارِ
تَوَقَّى القومُ صَوْلَتَهُ فَضَنُّوا / بِأنْفُسِهِم وجَادوا بالفِرارِ
لَبِئْسَ الجُودُ تَلْبَسُهُ سَوَاداً / وُجُوهُ القومِ من خِزْيٍ وعَارِ
تَلفَّتتِ النِّساءُ ولا رِجالٌ / سِوَى السُّرُجِ الزواهرِ كالدّراري
وَضَجَّتْ تستغيثُ ولا غِياثٌ / سِوَى العبراتِ والمُهَجِ الحِرَارِ
تَوَلَّى الجُندُ بالسَّبْيِ المُخَلَّى / وبالنّصْرِ المُحَجَّلِ والفَخَارِ
فيا لبضاعةٍ للكُفرِ تُزْجَى / ويا للشّوقِ يَجمعُ كُلَّ شارِ
ويا لكَ من بُكاءٍ كان حقّاً / لِدينِ اللهِ دَاعِيَةَ افْتِرَارِ
أَتُمْسِي الأمُّ تُعزَلُ عن بَنِيها / لِمَوْلىً غيرِ مولاهم وجَارِ
أَبَى البَرُّ الرّحيمُ فقال رِفْقاً / وتلكَ إهانةُ الهِمَمِ الكِبارِ
فأمسَكَ كلَّ دَمْعٍ مُستَهلٍّ / وَسَكَّنَ كلَّ قلبٍ مُستطارِ
تتابعتِ المواهبُ والعطايا / على قَدَرٍ مِن الرحمن جارِ
فَغُنْمٌ بعد غُنْمٍ وَانْتِصَارٌ / يُنِيرُ المَشْرِقَيْنِ على انتِصارِ
أصَابَ الدّهْرُ بُغْيَتَهُ وأمستْ / تَجَلَّتْ حِكمةُ الفلَكِ المُدَارِ
أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ
أمنكِ فَزارةُ انْبعثَ الغُزاةُ / فما تُغنِي السُّيوفُ ولا الحُماةُ
لَعُمركِ ما ابنُ حارثةٍ بِحِلٍّ / وإن زَعَمَ القَراصِنَةُ الجُفاةُ
أثاروا الشرَّ لا هُوَ يبتغيهِ / ولا أصحابُه الغُرُّ الهُداةُ
أصابوهم على ثِقَةٍ وأمنٍ / فلا سَيفٌ يُسَلُّ ولا قَناةُ
وجَاءوا يَشتكونَ إلى أَبِيٍّ / على الأعداءِ تُحرِجُهُ الشَّكاةُ
رَسولُ اللهِ ليس له كِفاءٌ / إذا التقتِ الفَوارِسُ والكُمَاةُ
دَعا زَيداً هَلُّمَ إلى قتالٍ / تُنالُ بهِ من القومِ التِّراتُ
قُدِ الأبطالَ للهيجاءِ وَاصْبِرْ / فَنِعمَ الصّبرُ فيها والثّباتُ
إليها يا ابنَ حارثةٍ إليها / ولا يَحزُنْكَ ما صَنَعَ الطُّغاةُ
مشى البطلُ المقذَّفُ لا اتّئادٌ / تَضِيقُ به السُّيوفُ ولا أناةُ
يَخِفُّ بها إلى الأعداءِ بِيضاً / عليها من مناقِبها سِماتُ
أقامتْ حائطَ الإسلامِ ضَخْماً / تَدِينُ له الجِبالُ الرّاسِياتُ
وجاءت بالفُتوحِ مُحجَّلاتٍ / له في ظِلِّها الضّافِي حَياةُ
توقَّتها فَزارةُ وهْيَ حَتْمٌ / فما عصمتْ مقاتِلَها التُّقاةُ
رَأوها بعد ما هجعوا بلَيْلٍ / لها فِيهم وللقدرِ انْصلاتُ
هداهَا في الدُّجَى منهم دليلٌ / تُسدِّدهُ الأواصرُ والصِّلاتُ
لَواهُ عن السَّبيلِ قَضاءُ ربٍّ / له الحِكَمُ الصّوادِعُ والعِظاتُ
يسوقُ الأمرَ ظاهرُه عَناءٌ / وباطنُهُ كما اقترحَ العُناةُ
كمثلِ الوِرْدِ أوّلُه أُجاجٌ / وآخرُ مائهِ عَذْبٌ فُراتُ
ظُبىً طَرَقَتْ جَماجِمَهم بَياتاً / وما خِيفَ الطُّروقُ ولا البَياتُ
تَوثّبتِ الحتوفُ فلا فِرارٌ / وأبرقتِ السُّيوفُ فلا نَجاةُ
نَقِيعُ شقاوةٍ يُسقاهُ قومٌ / همُ الشَّرُ المُذمَّمُ والسُّقاةُ
تَردَّوْا في مصَارعِهم فأمسوا / كَسِربِ الوحش صَرَّعه الرُّماةُ
وحاقَ بأمِّ قرفةَ ما أرادتْ / بأكرمِ مَن تُفَدِّي الأُمَّهاتُ
أرادتْ قَتلهُ فجرَى عليها / قضاءُ القتلِ وانْتصَفَ القُضاةُ
فيا لكَ منظراً عجباً تناهتْ / به الصُّوَرُ الرّوائعُ والصّفاتُ
أُحِيطَ بها وبابنتها جميعاً / فما نَجتِ العجوزُ ولا الفَتاةُ
لِتلكَ جَزاؤُها المُرِدي وهَذي / لها الأسرُ المُبَرِّحُ والشَّتاتُ
تُساقُ ذليلةً من بَعدِ عِزٍّ / كما سِيقتْ غداةَ النّحرِ شاةُ
هُوَ ابنُ الأكوعِ البَطلُ المُرجَّى / سَباها حِينَ أسْلَمَها الرُّعاةُ
قَنِيصةُ نافذِ الأظفارِ ضَارٍ / له في كلِّ ذي ظُفُرٍ شَباةُ
هِيَ الهِبةُ الكريمةُ صادَفْتها / يمينٌ ما تُفارِقُها الهِباتُ
يَمينُ مُحمّدٍ لا خيرَ إلا / له فيها مَعالِمُ بَيِّناتُ
حَباها خالَهُ في غَيرِ ضَنٍّ / وأينَ من الضَّنينِ المَكْرُمَاتُ
رَسولُ اللهِ أكرمُ من أناختْ / بهِ الآمالُ وانْتَجَعَ العُفَاةُ
بَنى دِينَ السَّلامِ بكلِّ ماضٍ / بهِ وبمثلِهِ ارْتفَعَ البُناةُ
لإنقاذِ النُّفوسِ من البلايا / تُلِحُّ على مَبَاضِعها الأُساةُ
تأمّلتُ الحياةَ وكيف تَبْقَى / حقائِقُها وتَمضِي التُّرهَّاتُ
فأدَّبَنِي اليقينُ وهَذَّبَتْنِي / وصاةُ اللهِ بُورِكَتِ الوَصاةُ
هَنِيئاً يا ابنَ حارثةٍ وأنَّى / وما تَرْقَى إليكَ التَّهنِئاتُ
سَمَوْتَ فما تُطاوِلُكَ الأمانِي / ولا ترجو مَداكَ النَيِّراتُ
ظَفِرْتَ من النبيِّ بخيرِ نُعْمَى / تَطيبُ بها النُّفوسُ الصّالحاتُ
بِلَثْمٍ زَانَ وَجْهَكَ وَاعْتناقٍ / شَفَاكَ فما بجارحةٍ أذاةُ
على النُّورِ الذي انْجَلَتِ الدياجِي / به وعَليكَ يا زَيْدُ الصَّلاةُ