القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : جَميل صِدقي الزَّهاوي الكل
المجموع : 98
قد كنت اعبدها وحم حمامها
قد كنت اعبدها وحم حمامها / فطفقت اعبد في الدماغ خيالها
ما ان وقفت حيال قبر ضمها / الا خشعت كما خشعت حيالها
انني ان تكن صروف الليالي
انني ان تكن صروف الليالي / احوجتني صبرت صبرا جميلا
لا اريد الاحسان من غير نفسي / فيكون الاحسان عبئاً ثقيلا
تحت الغصون جداول
تحت الغصون جداول / وعلى الغصون عنادل
والايك في ثوب من / الاوراق غض رافل
والبان من هز النسيم / لعطفه متمايل
والكرم قد مدّت له / حول الاراك حبائل
والروض ريان سقا / ه المستهل الوابل
والزهر ينظر باسماً / والعندليب يغازل
وعلى الازاهير الفرا / ش يطوف ثم يزايل
والاقحوان كأنه / للثم ثغر راتل
والنرجس الوسنان عن / غمز البلابل غافل
والورد للصيداح بعد / الوعد منه يماطل
ولا لفها الورقاء في / فنن البشام تساجل
وقنابر الروض الاريض / صواعد ونوازل
ولكل عصفور من / الانغام ما هو باذل
هل ما تقول الطير في / الاغرود وحي نازل
وكأنما القدّاح من / ايدي الحسان انامل
وكأنما جيد البنفسج / من نعاس مائل
وكأنما النسرين للشحرور / خل واصل
وكأنما للعرس انوار / الشقيق مشاعل
وكأنما الصفصاف سيف / قد جلاه الصاقل
وكأنما اللبلاب ملتفاً / عليه حمائل
وكأنما الامواج فو / ق الرافدين سلاسل
وكأنما في العدوتين / الباسقات هياكل
في كل ارض روضة / وازاهر وخمائل
حسن الربيع وورده / في كل عين ماثل
حيّ الربيع فانه / فصل الحياة الفاصل
طابت كما نهوى عشيات / به واصائل
وترى الاشعة فيهما / فتقول تبر سائل
انعم بدنيا كلها / حتى تعيش وسائل
والبحر اما كان رهوا / لم يخفه الواغل
كنت طاغور ماثلا في خيالي
كنت طاغور ماثلا في خيالي / حيثما التفت اجدك حيالى
عن يمني اذا نظرت يميني / وشمالي اذا نظرت شمالي
مثل نجم يهدى ابتساما جميلا / في دجى الليل من مكان عال
وانا باسط اليك يدي في / ضرع اليائس الكثير الملال
قلت لي ان اردت ان نتناجى / فادن مني وفي الدنو تعالى
قلت لا استطيع ذلك اني / من شكوكي اسوخ في الاوحال
قلت حاول منها بنفسك افلا / تاً فحاولته فبان كلالي
وضعت في جيدي الطبيعة اغلا / لا فما حيلتي مع الاغلال
ما بوسعي الدنو الا اذا حر / رتني او خففت من اثقالي
ثم لما تصرم الليل ينأى / وبدا الصبح ابيض الاذيال
يقظ الناس من كراها تحيي / موكب الشمس طالعاً في جلال
لم يكن ما قد بان يومئذ لي / غير طيف من الحقيقة خال
وارى اليوم بالنواظر ما قد / كنت قبلا رأيته في الخيال
حبذا كوكب تألق يدنو / من سماء العراق حتى بدالي
كوكب كله جمال فما ار / وعه في عيون حزب الجمال
كوكب يرسل الاشعة بيضا / ء من الشرق وحده في الليالي
طاب هذا اللقاء بعد انتظار / كاد يقضي فينا على الآمال
وحسبنا ان اللقاء محال / ثم كان المحال غير محال
ولقد اجمع العراق على التر / حيب بالعبقري والاجلال
ايها الشاعر العظيم سلام / من محب لآي شعرك تال
وسلام عليك في كل يوم / وسلام عليك في كل حال
معدن بانت للقصائد غراً / مثلما البحر معدن للآلي
انما هذا الشعر حين تغنيه / على قربه بعيد المنال
انني لا اخشى عليه زوالا / انه للخلود لا للزوال
انت ان رمنا للنوابغ عداً / واحد من اولئك الابطال
أترى ان الحياة برغم الموت / قصداً في خلفة الاجيال
لا تسلني عن الحقيقة اني / اطلب الشمس في مهاوي الظلال
لا تسلني فانني من شكوكي / كالذي يرجحن فوق الحبال
لست ادري ما غايتي من حياتي / ما وجودي ما مبدئي ما مآلي
واذا ما قلبي عصى حكم عقلي / لم يفد منطقي ولا استدلالي
خطلي بعد ان ظللت سبيلي / هو اني ارى الهدى في ضلالي
ما تثبطت في طريقي لو لم / اتعثر كالدمع في اذيالي
ايها الحب والجمال المذيعا / ن سلاماً كلاكما ذو تعال
لست ادري من منكما هو ذاك / المثل الاعلى في طريق الكمال
وسأبقى عن الحقيقة بحا / ثاً وان هاض من جناحي كلالي
انها زهرة على قربها ممنوعة / من اشواكها بالنصال
زهرة حشوها جمال وعرف / نبقت من بين الحصى والرمال
زرتها معولا بصبح ولكن / لم ينبهها من كرى اعوالي
ما من الموت في النهاية بد / فسواء باليت او لم ابال
ليس هول المنون شيئا / اذا قيس بما للحياة من اهوال
ان بين العقول حربا عوانا / نارها لا تزال ذات اشتعال
لم اكن من جناتها علم الله / واني بنارها اليوم صال
ورأيت الزمان ذا دوران / واصل للآباد بالآزال
ولعل الروح الذي هو يبقى / جوهر في نجاره غير بال
ولعل الجسم الذي هو يبلى / مهبط في يوم لروح عال
ايها الكهرباء انت جوابي / للجماهير عند كل سؤال
سوف تبقى الاعراض منفعلات / ثم تفنى في الجوهر الفعال
ثم تبدو وليدة من جديد / ثم تخفى على سبيل التوالي
اتصلنا ثم انفصلنا فمن لي / باتصال يبقى بغير انفصال
قلت للنفس لا تخافي من المو / ت فما هذا الموت غير انتقال
غير ان النفس العصية لا تلقى / لقولي سلاحها في النضال
انقدوا نفسي آخذين عليها / كونها في حب الحياة تغالي
انا لا ابكي في مشيبي ماضي / ولكن ابكي على استقبالي
ابك ان شئت في المصاب وان كا / ن البكى غير لائق بالرجال
الثكالى اذا بكين فان الضعف / عذر المفجوعة المثكال
والعذارى اذا بكين فقد يبكين / من قسوة الشباب المقالي
ربما كان الفرق غير قليل / بين دمع الاسى ودمع الدلال
رب ما اجمل الدموع التي تسبح / في حوض العين كالاطفال
وكأن العين التي هي تبكي / سفط والدموع فيه لآلي
تعد الشمس ان تعيد لنا / المجد وتبلي وعودها بالمطال
ايها الشرق كنت والغرب داج / مطلع النور في السنين الخوالي
وله كنت في الحضارة أستا / ذاً عليه تملي دروس المعالي
ذهبت عنك قوة العلم حتى / انعكس الأمر مؤذناً بالهزال
ولعل الأيام تعلن سلما / بعد حرب الأديان والأموال
حبذا تمثال أمامي تعالى
حبذا تمثال أمامي تعالى / يملأ العين روعة وجلالا
قد حكى فيصل المعظم الا / نطقه آمراً به والمقالا
صورة النحات الملامح منه / فقرأنا وراءهن الخلالا
هو مقناطيس القلوب اليه / انجذبت اسرابا تريد اتصالا
خالداً فوق مرقب من رخام / يعرض الدهر تحته الاجيالا
ملك الرافدين قد عقد النا / س عليه في نفسها الآمالا
شاء فيه النبوغ ان يتعالى / فتعالى وان يطول فطالا
ذب عن حق الشعب ذب قدير / يوم لا تنصر اليمين الشمالا
ما ترى اليوم غير طرف قرير / وفؤاد افراحه تتوالى
اظهر الشعب ماله من ولاء / بهتاف من قلبه يتعالى
كان في ظل عرشه يتمنى / ان يكون انتدابه استقلالا
ولقد صح ما تمناه قبلا / بعد ان كان في الرؤوس خيالا
ليس بدعاً من امة قد رعاها / فيصل ان يكسر الاغلالا
ان من عبّ الرافدان بارض / شب فيها لا يشرب الاوشالا
يا ابا الشعب ان للشعب بعد الله / في امره عليك اتكالا
انما انت للعراق طبيب / بك يرجو من دائه ابلالا
عش لشعب يحب فيك السجايا / فائقات فيمحض الاجلالا
عش له في كلاءة الله تنفى / عنه شراً من طامع وصيالا
ايها الملك انت في ذمة السيف / صقيلا فلا لقيت زوالا
واذا ما ارض سقت تربها / حرية فهي تنبت الابطالا
نحن قوم سرنا الى المجد نعدو / في الدياجي ولا نخاف ضلالا
والى السلم قد نزعنا وان كا / ن على الارض السلم شيئاً محالا
واذا فكر المفكر لا يلقى / حياة الشعوب الا نضالا
سقطت فلا تحزن على ما فقدته
سقطت فلا تحزن على ما فقدته / فما انت بين الساقطين باول
فكم من وزير كان قبلك قد هوى / كجلمود صخر حطه السيل من عل
اني اذا حادثة غيرت
اني اذا حادثة غيرت / حقيقة غيرت اقوالي
لو نبتت لخالتي لحية / سميتها عندئذ خالي
ومدّع بحياة البحر معرفة
ومدّع بحياة البحر معرفة / ما حازها احد في الاعصر الاول
فقلت صف لي كيف الحوت ممتحناً / فقال لي الحوت ذو قرنين كالجمل
فجع المشرقين خطب جليل
فجع المشرقين خطب جليل / وعرى المغربين حزن طويل
مات في الغرب سيد الشرق ضيفا / واذا الغرب بالأسى مشمول
واذا الشرق من نعي زعيم الشرق / ولهان فكره مشلول
فوق ذي اللجتين موج مثار / وعلى الساحلين منه ذيول
أسى الشرق للفجيعة لما / غار برهان الشرق عنه يزول
ذهبت كلها الزعامة في الشر / ق فلا منقذ ولا تعويل
ان رزء البلاد بالملك الرا / حل من غير اوبة لثقيل
حمل الشرق منه شطرا ومنه الغرب / شطرا فلم يخف الحميل
عندما مات فيصل انشق عنه / لعيون ستاره المسدول
فرأوه على الحقيقة وتا / داً كشمس ضياؤها موصول
كان يرنو لوحدة العرب الغر / بعين شعاعها التأميل
رب آثار كالنجوم وضاء / هي للدهر غرة وحجول
فيصل مات فالعروبة ثكلى / مالها للسلو عنه سبيل
فعلى فيصل العروبة تبكي / وعلى فيصل البكاء قليل
وعزيز على العروبة ان يغمد / في قبر سيفها المسلول
فيصل قد قضى ففي كل بيت / بالفراتين رنة وعويل
قد مضى بالحامي الزماع عجولا / ونأى بالراعي يحث الرحيل
بعد ان بلغ الرسالة بالحق كما / يفعل النبي الرسول
فبكاه الفرقان حزنا عليه / وبكاه التوراة والانجيل
كان كالكوكب الذي قد عراه / قبل ان يأتي الاوان افول
او كسيف مجرد للتقاضي / من قراع الاحداث فيه فلول
كان يسعى الى اعادة مجد / فقدته العراق وهو اثيل
يوم لم يبق في العراق لصرح / المجد مجد الآباء الا طلول
خر من جوه شهاب المعالي / وهوى طود اللاجئين الطويل
كان اما رفعت طرفاً اليه / يرجع الطرف عنه وهو كليل
كان ان قال خاطباً يحسب / السامع منه ان السماء تقول
لم يكن في ظنى ولا ظن غيري / ان ضوء الشعرى العبور يزول
غير ان المنون في كل نفس / سنة الله ما لها تبديل
كان والعزم يملأ الصدر منه / عنده المستحيل لا يستحيل
تخذته لها اماما شباب / تتسامى الى العلا وكهول
رأيه مثل سيفه قاطع عند / التلاحي ومثله مصقول
يقرأ الحادثات في حلكة الشك / بعين منها لها قنديل
عرجت روحه الى الموطن الاعلى / بليل يدله جبريل
وبه رحبت ملائكة العر / ش كما ينبغي له التبجيل
ان يوما قد مات فيصل فيه / هو يوم فيه العزاء قليل
ان خطبا هز الشآم ومصرا / والعراقين والحجاز جليل
لو سألت البلاد ايكم الثا / كل قال الجميع اني التكول
مثلما نبكي فيصل اليوم تبكي / بعدنا جيل فيصل ثم جيل
اندبي يا قريش سيدك الصقر / فقد غاله من الليل غول
آه يا نفسي قد تقلص ظل / كان للاجئين فيه مقيل
امروا بالصبر الجميل ومن اين / لدامي الفؤاد صبر جميل
كيف اسلوا وكيف لا اترك لد / مع من العين حيث شاء يسيل
ثم جاؤا به خفافاً على طيارة / في جناحها تعجيل
فاحطت به الجماهير افرا / جا وعبت كما تعب السيول
فعيون من المدامع شكرى / وصدور للحزن فيها غليل
ورؤس نواكس ورقاب / في خشوع منها الى الغش ميل
وعلى ظهر مدفع حملوه / انما يحمل الجليل الجليل
وكأن الجموع بحر خضم / قد اثارته شمأل او قبول
لمن النعش خلفه الناس يبكون / عليهم كآبة وذهول
ولمن هذه البنادق والاعلام / منكوسة وهذا المويل
كنت لاستشفاء نزلت ببرن / مؤثراً طبها وانت عليل
ومللت البقاء فيها غريباً / تشتكي الداء والمريض ملول
فتيممت دار ملكك محمو / لا وقد لاقى حتفه المحمول
وشجاني بالليل في كل بيت / من حماماته عليك الهديل
دفن الشعب جسم فيصل في قبر / كما يدفن الخليل الخليل
وابتغى نظرة الوداع اليه / واذا دونها التراب يحول
موقف فيه ادمع القوم صرعى / دمها فوق ارضه مطلول
موقف تنطق العواطف فيه / بتباريحها وتعيا العقول
سيدي قم من قبرك الضنك واخطب / فالجماهير حاشدون مثول
عد الينا فما فراغك ذا يملؤه / الا شخصك المأمول
انت ما مت بل رحلت سليما / ومن العين للقلوب الرحيل
ثابت انت والليالي توالى / خالد انت والسنون تدول
كان منا لك الهتاف طويلا / واذا ذلك الهتاف عويل
ينشأ المرء من تراب وماء / واخيراً اليهما يستحيل
قلت للدهر عاتبا انت عمّا / هو يؤذى قلوبنا المسؤول
قال اني من الوجود كغيري / بنواميس صعبة مكبول
ايها القلب لا يهولنك موت / ليس في هذا الموت شيء يهول
قد بلوت الحياة وهي بلتني / فكلانا من الفه مملول
يا لها من رواية كلما مثلها / الدهر هاجني التمثيل
يا لها من رواية ذات شجو / ملئت بالدماء منها الفصول
وكأني كوخ عفته الاعاصير / فلم تبق منه الا طلول
انا مهد اليك فيصل شعري / فتقبله انه اكليل
غير شعري الذي سيبقى ندّيا / ايّ دمع على ثراك اذيل
هو من رقة كدمعي في الحز / ن على نفسه يكاد يسيل
افرحي بعد الحزن نفسي وطيبي / ان غازي من فيصل لبديل
لمعت نارهم وقد عسعس الليل / ومل الحادي وتاه الدليل
فيصل الباني مات فليحى غازي / انه ذو الجلالة المأمول
ملك ان تزره يعجبك منه / نظر نافذ ورأى اصيل
سر بالتاج فهو تاج ابيك الفرد / والعرش عرشه المكفول
انت فرع له واكرم بفرع / وسليل له ونعم السليل
تسألني عن آخر ال
تسألني عن آخر ال / كون الذي تجهله
الكون فاعلم دائر / آخره أوله
على العقل قد عولت لله ناشداً
على العقل قد عولت لله ناشداً / وعقلك لا يملى عليك ولا يدلي
وما انت في يوم من الدهر واصل / الى اللَه الا ان خرجت من العقل
لا خير في مجتمع عقله
لا خير في مجتمع عقله / بسيء العادات مغلول
يخبط في موضعه نصفه / ونصفه الآخر مشلول
احبل الليل نهار
احبل الليل نهار / قد نزا ثم تولى
فانتظر ما تلد اللي / لة فالليلة حبلى
فكرت في الماضي البعي
فكرت في الماضي البعي / يد لي وفي مستقبلي
فما عرفت آخري / ولا عرفت اولي
من كل عاصمة الرشيد لاهلها
من كل عاصمة الرشيد لاهلها / لم يبق الا طيفها وخيالها
ديست باقدام ثقيل وطؤها / ارض العروبة سهلها وجبالها
مات سعد فما عسى أن تقولا
مات سعد فما عسى أن تقولا / فيه حتى تهز جمعا حفيلا
مات سعد فهل بكيت على سعد / بكاء يبل منك الغليلا
مات سعد فهل من الشعر غضا / قبسا من وحي الضمير جميلا
مات سعد فهل رأيت لسعد / في بلاد الشرق الكبير مثيلا
مات سعد فهل شهدت الثكالا / مات سعد فهل سمعت العويلا
مات سعد وكان سعد بمصر / علما شاء ربه أن يطولا
فجعت مصر بالزعيم الجليل / بأبي الشعب كله زغلول
بالرئيس الهمام بالمنقد الأكبر / للشعب في الزمان الوبيل
بطل النهضة الكبيرة في مصر / رئيس لحزب القوي الحفيل
وكأني من كل بيت بمصر / سامع رجع رنة وعويل
لم تكن قبل أن يلم بك المو / ت أخيرا بالصارم المفلول
ما بلغت المنى لمصر ولكن / كنت تمشي على سواء السبيل
كنت يا سعد في قضية مصر / للألى يدلجون خير دليل
أنت يا سعد طود خطير / يرجع الطرف عنه وهو حسير
أنت حررت مصر إلا قليلا / آه لو تم ذلك التحرير
كنت للشعب في الحياة إماما / فهو عما تراه ليس يحور
بعد توحيدك الموفق للأحز / اب صارت إلى الصلاح الأمور
فمحقت الأخلاف في كل مصر / مثلما يمحق الحنادس نور
فوجئت مصر بالنعي فكادت / أرضها من هول المصاب تمور
ما على ذاك النعش جثمان سعد / بل عليه آمال قوم تسير
عاقك الموت أن تحقق وعدك / غير نزر وكنت تبذل جهدك
قل لنا أيها الرئيس الذي قد / بان عن مصر من يسد مسدك
إنما الشعب كله لك ولد / فلمن بعد الموت تترك ولدك
حفر الشعب يا أباه جميعا / يوم وافاك الموت في القلب لحدك
كنت تبنى له بعزمك مجدا / واجدا من وراء ذلك مجدك
بك كانت أيام مصر كأعياد / فحالت إلى مآتم بعدك
وادى النيل ما تظنيت قبلا / انك الوادي سوف تفقد سعدك
بين سعد ومصر جد الفراق / ليس هذا الفراق مما يطاق
فبكته مصر وكل فلسطين / وسورية أسى والعراق
وبكاه الإخلاص في حب مصر / وبكاه النبوغ والأخلاق
كان سعد نجما تضيء من الشر / ق بأضواء رأيه الآفاق
فاعتراه بعد البزوغ انطفاء / فهو لا مشرق ولا براق
إنما أنت اليوم يا مصر ثكلى / مات في حضنك ابنك السباق
مات سعد ولم يمت ذكر سعد / فهو باق له القلوب رواق
أيها الراحل المغذ تمهل / من لمن أبقيتهم يتكفل
ما لأبناء مصر يوم اضطراب ال / أمر إلا على هداك المعول
جاءك الموت زائرا فتبسمت / له فانحنى عليك وقبل
قلت أمهلني يا حمام قليلا / فجهادي لمصر لم يتكمل
قال علمت الشعب ما يتقاضى / فهو عما خططت لا يتحول
لا تخف من نكث له واتبعني / فاتباعي بالشيخ أولى وأجمل
فترحلت مرغما نحو دار / ليس عنها عود لمن يرتحل
أيها القبر فيك يغفو الهمام / فسلام عليك ثم سلام
لك يا سعد من ضريحك مثوى / ثم في قلب كل فرد مقام
حبذا في صميم مصر مكان / فيه تمثالك الرفيع يقام
مثلما كنت في الحياة إماما / أنت بعد الحياة أيضا إمام
وإذا نحن عن علاك سكتنا / فستشدوا بذكرك الأيام
كنت في البرلمان خير خطيب / تتغذى برأيه الافهام
لم يغير من وجهك الموت شيئا / إنما أنت ذلك البسام
قد طمى في غرام مصر جنانك / وبه قد مضى يفيض لسانك
ناطقا بالبرهان في حق مصر / ولقد كان قاطعا برهانك
كان تحرير مصر حقا مبينا / لم يهن في يوم به إيمانك
سدت مصرا بصدق حبك فيها / وفشا في ربوعها سلطانك
أيها الحب لا يصورك النطق / بل الدمع وحده ترجمانك
وتحملت في هواها هوانك / ومن العز في هواها هوانك
اعتقالا وبعد ذلك نفيا / لم يكن قد بلاهما جثمانك
إنما الله في السماء أرادا / أن تكون الحياة منك جهادا
ولو أن الذي تحملته كا / ن بطود وقد أحس لمادا
لم يكن بالخفيف عبؤك لكن / حب مصرا مدمنك الفؤادا
ومن الرزء أن يموت زعيم / فيرى ذلك الزعيم جمادا
لست أرجو بلا هدى من امام / أن تكون البلاد يوما بلادا
أيها المصلح الكبير سلام / يوم القيت للمنون القيادا
وسلام أيام كنت قريبا / وسلام يوم احتملت البعادا
استراح الرئي بعد العراك / بعد ضرب صعب وطعن دراك
بعد أخذ يوم الجدال ورد / وانسحاب عن الوغى واصطكاك
قد مشى في أعصابه حب مصر / مشية الكهرباء في الأسلاك
كان أقواله تدور عليها / دوران النجوم في الأفلاك
لم يعول على السلاح لدرء / الضيم عن مصر بل على الادراك
لا يصون الورد الجميل من الجنى / سياج له من الأشواك
أي طرف عليك لم يك يا / سعد بمصر وغيرها والباك
لم يمت في حقيقة الأمر سعد / انه لا يزال يخطب بعد
إنه لا يزال يلهج باستقلا / ل مصر كعهده ويجد
هو بالروح للذين بمصر / ينشدون استقلال مصر يمد
إن في مصر اليوم من بعد سعد / كل فرد للدود عن مصر سعد
كلهم ينهجون منهج سعد / كلهم فوق ما لهم خط يعدو
إنما حكم الذات حاجة مصر / ما لها في حياتها منه بد
ذلكم حقها قد انتزعوه / وهي اليوم أو غدا تسترد
المنايا تريد منك صحايا / آه من قسوة بقلب المنايا
هي تبقى قسما وتأخذ قسما / ثم تلهو بأخذ تلك البقايا
وإذا اشنقت القذيفة في أر / ض تصيب المجاورين شظايا
ليس شيء مثل الحياة عزيزا / مع ما في بقائها من رزايا
إنما هذه النعوش التي ير / كبها الهالكون بئس المطايا
ليس نوع الإنسان إلا كحيوا / ن وليس الأفراد إلا خلايا
وحياة الإنسان من بعد موت / يتلقاه من أدق القضايا
كذبتنا الحياة فهي تداجي / وأرى الموت واضح المنهاج
صدق الموت فهو حق إذا جا / ء فما من ريث ولا إفراج
قد تقدمت في سبيل المنى / ثم تأخرت راجعا إدراجي
إنما قد سلكت من غير هاد / سبلا في الحياة غير فجاج
أي نفع جنيته في حياتي / أنا من تأويبي ومن إدلاجي
غير أن الحياة طيبة والمر / ء فيها مهما طغى الهم راجي
لم تكن هذه الحياة سوى حرب / وقد تختفي وراء العجاج
قسما بالنجوم من نيرات / في علو لها ومنطفآت
بابتسام الحياة في كل يوم / وعبوس الهلاك بعد الحياة
بسرور النفس ثم اكتئاب / واجتماع للشمل ثم شتات
وبآمال أمة ذات تاريخ / وباليأس المر في النكبات
بشعور الأحياء من كل جيل / وبفقد الشعور في الأموات
وبما للحياة من حركات / والسكون الملم بالحركات
إنني في شك من الأمر لا أد / ري لماذا نمضى لماذ نأتي
للناس من شعر تركت جمال
للناس من شعر تركت جمال / تشدو به من بعدك الأجيال
سيقام تمثال لشخصك رائع / فيكون شعرا ذلك التمثال
بالأمس كنت لعارفيك حقيقة / ملموسة واليوم أنت خيال
ولأنت مبق في زوالك عندهم / لك ذكريات ما لهن زوال
لو كانت الأوقات ذات ضمائر / لبكى الغدو عليك والاصال
بقيت من الآداب أو شال لنا / فوددت أن لا تذهب الأوشال
إن الحياة كمشكلات كلها / أما المنون فوحده الحلال
بعد المنية وهي غير بعيدة / لا مشكل يبقى ولا إشكال
لا ويل للميت الذي انفسحت له / من كل قلب روضة محال
الويل كل الويل للحي الذي / في نفسه قد ماتت الآمال
من كل زهر قد جمعت قليلا
من كل زهر قد جمعت قليلا / وجعلت منه لقبره إكليلا
أجملته في باقة خلابة / من بعد ما فصلته تفصيلا
فتظن أبيضها أشعة كوكب / وتخال أحمرها دما مطلولا
كنا سيوفا للقراع ثلاثة / نحمي فكنت الثالث المفلولا
يا نفس أوري من أساك ذبالة / فأخاف ليلك أن يكون طويلا
حملوه من قصر له فخم إلى / ملحودة ما أعظم المحمولا
ولقد شجت خلف الظغائن نسوة / بملأن أجواز الفضاء عويلا
يا دافن السيف المذرب إنني / لأراك عما جئته مسؤولا
ماذا ليوم الروع عنه اعتضته / لما غمدت الصارم المصقولا
لا والذي أعطى القليل شجاعة / ما كنت خوارا ولا إجفيلا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025