القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : تَمِيم بنُ المُعِزّ الفاطِميّ الكل
المجموع : 120
يا رُبَّ ليل بتُّه ناعماً
يا رُبَّ ليل بتُّه ناعماً / بين رُبا المختار فالجِسْرِ
أَخرج فيه لِصِباً من صِباً / وَأستحثّ الخمرَ بالخمرِ
وعذبة الألفاظ معشوقةٍ / ساحرِة الأَوتار والشِعْر
راجحة الأرداف مَمْكورةٍ / طَوْع الصِّبَا مرهَفة الخَصْر
كأنما البدرانِ في وجهها / فهْيَ سَماءُ الشّمسِ والبدرِ
فلم أَزْل أَشربُ من كفّها / وأَجْتَنِي الشّهَد من الثَّغْر
حتى تضجّعت وبي منه ما / بِلَحْظ عَيْنَيها من السُّكْر
والبدرُ قدْ مدّ على نِيله / مِنْطقةً من خالص التِّبر
ليس إلا الغِنَاء يُظهر بَثِّي
ليس إلا الغِنَاء يُظهر بَثِّي / ويُقَوِّي عليّ جيشَ السرورِ
يا ندِيمي اتَّخِذْ سوايَ فإِنّي / لستُ أَحْيا ما بين مَثْنىً وزِير
سيَّما إن بَدا بلَفْظٍ رخيم / وتردّى بلحظ طَرْف سَحُور
شهِدتْ عليه بقلَّة الصبرِ
شهِدتْ عليه بقلَّة الصبرِ / وعظيمِ ما يَلْقَى من الهجرِ
فوّارةٌ حسدتْ مدامعَه / وهمولَها فَجرَتْ كما تَجري
لكن بدت بمدامع يَقَقٍ / وبكيتُ قبلُ بأدمُعٍ حُمْر
إذا رحتُ من سكرٍ غدوتُ إلى سكرِ
إذا رحتُ من سكرٍ غدوتُ إلى سكرِ / وأنفقتُ في الهوى وفي لذَّتي عمري
ولِمْ لا أجُرّ الذَيْل في ساحة الصِبَا / وشَرْخُ شبابي قائمٌ لي بالعذر
ومعشوقةِ الألحاظِ تهتزّ للصِّبا / كما اهتز غُصْنُ البان في الوَرَق الخُضْر
مُهفهَفة صفراء إلاَّ لآلِئاً / إذا ابتسمتْ بِيضاً يَلْحْنَ من الثغر
قطعتُ بها ليل التِّمام وبدره / إذا ما رآها ظنَّها غُرَّةَ البدرِ
أتَاحَ لمقلتي السَّهَرَا
أتَاحَ لمقلتي السَّهَرَا / وجارَ عليّ واقتَدَرَا
غزالٌ لو جرى نَفسي / عليه لذاب وانفَطَرا
ولكن عينُه حشدت / ليّ الغُنْجَ والحَوَرا
ومحمد أودى به قمرٌ / فكيف يعاقِب القمرا
اشرب على بدرٍ بدا كاملاً
اشرب على بدرٍ بدا كاملاً / في أنجمٍ منثورةٍ كالشَرَرْ
كأنه في ليله غُرَّةٌ / تمّ سناها بسواد الطُرَرْ
يا لائِمي في أن خلعتُ العِذارْ
يا لائِمي في أن خلعتُ العِذارْ / ما ترك الحبّ لقلبي اختيارْ
الصبر أولى غير أنّ الهوى / أحلاه ما لم يك فيه اصطبار
كَمْ وَلَهِي فيه وكَمْ عَبْرتي / ومُحْرَقي من غير نارٍ بنار
ولو تأمّلتَ وجدت الصِّبَا / أخفَّ من حِلْمٍ ثقيلِ الوقار
هل بعد طَيّ العُمْر إلا البِلَى / وهل وراءَ الشيب إلا البوَارْ
عصرُ شباب المرء ضيفٌ له / يمضي وأيام التّصابي قِصار
فخذ من اللَّذة من قبل أن / ينأى بلّذاتك بُعْدُ المَزَار
وليلةٍ أسريت فيها ولا / بدرٌ يُنِير الأرض إلا سِرار
كالمُقْلة الدعجاء زنجيَّة / كافرة لَمْعَ نجوم المدار
وصاحبي ذو رَوْنق صارم / مدرَّج المَتْنين ماضي الغِرار
أنحفُ من ضعف نسيم الصَبا / حدّا وأمضى من ظُبَا الاحورار
حتى طرقتُ الحيَّ من وائل / ولجوّ مكحول النواحي بِقار
والقوم من سَوْرة كأس الكَرَى / كأنما عُلُّوا بِصِرفٍ عُقار
فبتّ في محبوك مَجْدُولة / صامتةِ الحِجْلْين ملأَى السِّوارْ
مُرْتشِفاً من بَرْد أنيابها / حُلْواً بَرُودَ الطّلّ عذْبَ القِطار
وهي من الخِيفة لا تَهْتدي / لموضع الشَّكوى ولا الاعتذار
كأنّها غصنُ نقاً ناعمٌ / يَميس من يُمْنى يدٍ لليَسار
والذّعر يَسْتَنْبِط من دمعها / درّاً أبَتْ سِلْكاه إلاّ انتثار
كأنها تَمْسح رشحاً من ال / كافور بالعُنَّاب من جُلنّار
حتى إذا رقّ قميصُ الدّجى / وابتسم الصبحُ وَراءَ الإزار
قامت كئيباً غائراً لونُها / تَسْتوقف اللّيل عن الانفجار
فعاد ليلاً ثانياً فرعُها / أَعْجِب بليلٍ طالع من نَهار
وحذَّرَتْني من أَذَى قَومِها / حتى إذا لم يَبْدُ منّي الحِذَار
بكتْ وفدَّتْني بآبائها / والشُّمِّ من معشرها والنُّضَار
ثم ثَنَتْ كفّي على خافقٍ / من قلبها مُرْتَجِفٍ مُسْتَطار
كأنّها ظبيٌ رأى قانصاً / بحيث لا يُنْجِيه منه الفِرار
أو معشرٌ عادَوْا بني المصطفى / واغتصبوا المُلكَ وخافوا نزار
قل لأبي المنصور يا بن العلا / ووارثَ المُلْك وحامي الذِّمار
يا حجّة الله التي أشرقتْ / فينا ويا صاحبَ كَنْز الجِدار
وَيا مجيرَ الجود من حبسه / في حين لا سَمْحٌ به يُسْتجارْ
ويا هُدَى مَن ضلَّ عن رُشْدِه / واشتبه الحقّ عليه فحار
أبوك جلَّي الظلم والبغي عن / شرائع الدين فأنت المَنار
جمعتَ أفذاذ بني فاطم / عزماً وأدركت لهم كلَّ ثار
بهمَّةٍ تسمو على المشترِي / وراحةٍ تغمر مَدَّ البحار
هَنَاك عِيد لك تمَّت له / فينا معاني لفظِه واستنار
جمَّلتَه عِزّاً وحسناً كما / جمَّلتِ الشمس رداءَ النهار
برزتَ فيه كبروز الضحى / مجتمعَ الهيئة بادي الوقار
وأنت مِن جودك في وابلٍ / سَحّ ومن لُبْس التقي في شِعار
تبتسم الدنيا إلى ماجدٍ / منك حُسنيّ كريم النِجَار
لا يخلط الجِدَّ بهزل ولا / يَهنيه في غير المعالي قرار
ولا يُعدّ الحِلمْ حلماً إذا / لم ينشر الحلم مع الاقتدار
أروع لا يثنِيه عن عزمه / رَوْع ولا حادث خطبٍ كُبَار
يَلْقَى القنا الصُمّ بمثل القنا / من رأيه تحت سماء الغبار
لا يسأم الجود فِعالاً ولا / يزداد للإيمان إلا انتصار
صلَى عليك الله من مالك / جَذَّ يَدَ البخل نَداه فبار
والنصرُ والعِزّ قِريناك ما / رُمْتَ عدوّاً فلك اللهُ جار
بتنا عَناقاً ولثماً
بتنا عَناقاً ولثماً / وضمَّ نحرٍ لنحرِ
وقد شفى الحبُّ منا / غليلَ صدرٍ بصدرِ
وقد مزجنا اعتناقاً / مِزاجَ ماء بخمر
ريقاً بريقٍ بَرُودٍ / عذبٍ وثغراً بثغر
مُعانِقاً غُصْنَ بانٍ / ولاثِماً ضوء بدر
عاقِب بما شئتَ سوى الهجر
عاقِب بما شئتَ سوى الهجر / واغلق رضا قلبك عن غَدْري
أليس قد رُحتُ على كلّ ذا / أجولُ في سرّك والجهر
جدِّد ولو بالسوءِ ذِكرى فما / أحِبّ أن تنفكّ عن ذكري
يا من أرى ذلّيَ في حبّه / أحلى من الفُسْحة في العمر
ومن إذا شبّهته لم أَجِد / لوجهه شِبْهاً سوى البدر
سَلْ لحظَ عينيك وتفتيرَه / إن كان لي شيء من الصبر
كأنّ فكري لك دوني فما / أَقدِر أَن تَسقُط من فكري
وباكيةٍ متَوَّجةٍ بنارِ
وباكيةٍ متَوَّجةٍ بنارِ / كأنّ دموعَها حَبَبُ العُقَارِ
إذا ما تُوِّجت في دار قوم / رأيتَ الليلَ منها كالنهار
فتاة عمُرها عمرٌ قصير / ولكنْ نفْعها نفع الكبارِ
إني وإن كان لي قلب أراك به
إني وإن كان لي قلب أراك به / في القرب والبعد يا بن السادة الغُرَرِ
فليس يُقنعني رؤياكَ منفرِدا / بالفكْر إن لم تكن رؤياك بالبصر
عينُ المحبّ على ما في جوانحه / دليلهُ فاختبْر ما شئتَ بالنظر
مَن كان في قلبه أو حبّه كَدَرٌ / فإنّ حُبَّك في قلبي بلا كَدَر
فامنُن برؤياك مشكوراً لتطفئ بالتْ / تِذكار ما في الحشا من لَوْعة الفِكَر
آلَى يميناً على قتلِي مردَّدةً
آلَى يميناً على قتلِي مردَّدةً / وجاء بالزُور فيما قال يعتذرُ
وقال لَحْظِي ضعيف حين أُرسله / ووَجْنتي وجنةٌ بالوَهْم تنفطر
وكَيْف أقتل مَن أمسى النبيّ له / أَباً ومن بكتاب الله يَنتصِر
هذا وجدِّي رسولِ الله وجنتُه / مخضوبةٌ بدمي يا قوم فاعتبروا
تشيَّع الحُسن فيه إذ ألمَّ به / وقلبه ناصِبيّ ليس يغتفر
نُوَبُ الزمان عجيبة الأمرِ
نُوَبُ الزمان عجيبة الأمرِ / فاصِرف ملامك عن شَبا الدهِر
كم جاد لي بلقاء مَن طفقت / فيه المدامع وُكّفاً تجري
فشفيتُ باستطلاع غُرَّته / قلباً أحرّ جوىً من الجمر
يا ساعة ما كان أسعدَها / ضحِك الوِصال بها من الهجر
وَسَعت خطوبُ الدهر تخدُمني / فيمن كَلِفْتُ به ولا أدري
لم تلمِس البدرَ المنيرَ يدٌ / ولقد ملأتُ يدي من البدر
أيها الدِعْص والقضيب الذي قا
أيها الدِعْص والقضيب الذي قا / بَلَ بدرَ الدُّجى ببدر منيرِ
لا تمكِّن لَحَاظَ عينيك من قت / لِي فما اللّحظ فيه بالمعذور
لا تكن للنبيّ فيه خصيماً / عند ربّ النبيّ يومِ النُّشور
ربَّ ليل أنرتُه بثغورِ
ربَّ ليل أنرتُه بثغورِ / وصباح طمسْته بشُعورِ
ورقيبٍ خبأتُ شخصيَ عنه / أن يراني في مستكِنّ النُحور
بات حِصْني منه ذِراع ونهد / ومَجِنّي قلائد الكافور
أجتني البرقَ من لآلي ثغور الصْ / صفْرِ والورد في صحون البدور
تحت ليل كثوبِ يوسفَ في أج / فان يعقوبَ أو كقول البشير
أبكي على ظالم لي غير مغتفر
أبكي على ظالم لي غير مغتفر / لم يُبق لي حبُّه صبراً ولم يَذَرِ
إذا تسلِّيت عنه ضاق متَّسِعي / وإن تهيَّمت في قلّ مصطبَري
وليس يهجرني إلاّ بمعرفة / أنّي على الهجر منه غيرُ مقتدر
والله لولا سهامٌ في لواحظه / وخمرةٌ ظهرتْ في ثَغْرهِ الخَصِر
لما أراق دمي ظُلماً بلا سبب / ولا تمكَّن من نفعي ومن ضرري
إن تُعْزَ للغُصن الميَّاس قامتُه / فإنّ للدِّعص منه ثِقْلَ مؤتزرِ
اعْجَبْ لعينيَ إذْ لم تَجرِ أدمُعها / دماً عليه وقلبي كيف لم يطر
ويح المحبِّين ما أقوى قلوبَهُمُ / على الجوى والأسى والشوقِ والذِكَرِ
تشوقُني لحظَات الغيد فاترةً / ولينُ لفظ ذوات الدّلِّ والخَفَر
وكلُّ مجدولةٍ في جِيدها جَيَدٌ / كأنها من ظباء المَرْخ والعُشَر
ولست أُغضي على عارٍ أُعابُ به / ولا أُسِرّ على غَدر ولا نُكُرِ
يا دهر ما بال جَبْري فيك منكسِراً / أعَمى لديك وكَسِرى غير منجبِر
شاخ الزمان زمانُ السوء واكتهلت / أيَّامه فاعترته غَفْلة الكِبَر
فصار أعجزَ من مَيْت وأبعدَ من / فَوْت وأصمتَ من عُود بلا وَتَر
وكان أوثبَ من لَيْث على نَعَمٍ / فينا وأَشْرَهَ من أنثَى بلا ذكر
لولا العزيزُ أمينُ الله ما لَجَأَتْ / نفسي إلى ملجأ منه ولا وَزَر
إمامُ عدلٍ إذا استمطرتَ راحتَه / وجدت أَنملها أَنْدَى من المطر
يا بن الأئمَّةِ والهادين متّصلاً / بصفوة الله أهِل الوحي والسُّوَر
لا تجهد النفس في جمع السلاح ولا / في عُدّة الحرب والرَّوْحات والبُكَر
فقد كفاك أذى الأعداءِ كلّهم / نصرُ الإله وسيف الدهر والقَدَر
أنت المقيم إذا سافرتَ مُرْتحِلاً / وكلّ من غِبتَ عنه فهو في سفر
ضرورة كان تأخيري زيارَتكم / وقد عفا الله قِدْماً عن أولى الضرر
لو لم يكنْ ليّ عذرٌ أنت تعلمه / لجئت أسعى بلا عذر على بصري
مودّةُ العين لا يزكو الوفاءُ بها / والودُّ بالقلب ليس الودُّ بالنظر
لا زلتُ في فكرة تفضي إلى تعب / إن كنتَ تسقط مِن همّي ومن فِكَرِي
مودتي لك طبع غير منتقل / وطاعتي لك طول غير مختصَر
وودّ غيريَ مكسوب ومصطنَع / والوسم في الجِلْد غير الوسم في الشَعَر
يكفي عدُّوك أنّ الله يلعنه / وأنه لا يُرَى إلا على حذر
وأنّ كل فؤاد عنه منقبض / وكل قلب له أقسى من الحجر
جئت الخلافة لمَّا أن دعتك كما / وافى لميقاته موسى على قَدَر
كالأرض جاد عليها الغيث منهملاً / فزانها بضروب الرّوض والزَهَر
ما أنت دون ملوك العالمين سوى / روح من القدس في جِسم من البشر
نور لطيف تناهى فيك جوهره / تناهياً جاز حدَّ الشمس والقمر
معنىً من العلَّة الأولى التي سبقتْ / خَلْق الهيولىَ وبسَطْ الأرض والمَدَرِ
فأنت بالله دون الخلق متّصل / وأنت لله فيهم خيرُ مؤتمر
وأنت آيته من نسل مرسَله / وأنت خيرته الغرّاء من مضر
لو شئت لم ترض بالدنيا وساكنها / مَثْوىً وكنتَ مليك الأنجم الزهُرِ
ولو تفاطنت الألباب منك درت / بأنها عنك في عَجْز وفي حَصَرِ
إن جَلّ شخصُك عن حَدّ العِيان فقد / جلَّت مساعيك عن مِثْل وعن خَطَر
لا مشبهٌ لك في الأملاك نعرفه / الهَزل في النوم غير الجِدّ في السهَر
إن العيون اسمها والجنس يجمعها / والحُول غير ذوات الكُحْل والحَوَرِ
يا حاسداً يتمنَّى أن يساويَني / فيما لديك تمنِّي الكاذب الأشِر
وما تقاصرتُ عن طُول فيلحقني / ولا تطاولْتُ بعد الصُغْر والقِصَر
إنا جميعاً تشارَكْنا دماً وأبا / كما تشاركتِ الأغصانُ بالثمر
فكيف يبلغ شَأوِي أو يطاولني / وأنت لي دونه كالصارم الذَكَر
أُنصر أخاك فإن القوم قد نصروا / غِلْمانهم واسمُ في تأخير منتصِر
فأنت ما زلت لي يُسْراً بلا عُسُر / ومورداً صافياً عذباً بلا كدر
دنَوا وغبتُ ولو أني حضرتهمُ / جرَّعتُهم غُصَصَّاً في الوِرْد والصَدَر
لا زلتَ مقتدراً ما بين ألوية / خفّاقة لك يوم الروع بالظفر
شكري لفضلك شكرٌ غيرُ منصرمٍ / ومَنْ أحقُّ وأولَى منك بالشكُر
قسمة الموت قسمةٌ لا تجور
قسمة الموت قسمةٌ لا تجور / كلُّ حيٍّ بكأسها مخمور
يستوي كل من تفاوت فيها / لا أميرٌ يبقى ولا مأمور
نحن في غفلة وللموت فينا / طالب مدرك مُجِدّ قدير
نستطيب المنى وهن عواصٍ / فنطيل الآمال وهي غرور
فِكره في الحياة وهيْ ضلال / إنّ في الموت يحسنُ التفكيرُ
ليس ينجو من الغرور سوى مَنْ / قبرهُ في فؤاده محفور
كدَّر الموتُ صفوَ عيشي وهل في الْ / أَرْضِ عيشٌ ما شابَهُ تكدير
وتذكرتُ بالمصائب قومي / وجدودي إني لقومي ذَكُور
أَيْنَ قومي الأُلَى الذين بهمْ كا / ن يموت الخنا ويحيا الفقير
لو حَمَى معشراً من القوم حامٍ / لحمتْ قوميَ العُلاَ والخِيرُ
أين آبائي الذين تفانَوْا / وبهمْ كانت الليالي تُنِير
أين جدّي حسينٌ بن عليّ / أين زيدُ المفجَّع الموتور
أين مهِدِيُّنا المملَّكُ والقا / ئمُ أين المعزّ والمنصور
أين تلك الحلوم والفضل والأَلْ / باب بل أين ذلك التدبير
أين ذاك السلطانُ والملكُ والمَنْ / عةُ والبطشُ والعلا والظهور
أين تلك الجيوشُ والعزةُ القَعْ / ساءُ والجمعُ والعديدُ الكثير
فرّقتهمْ يَدُ المنون فبادُوا / وَحوَتْهُمْ بعد القصور القبورُ
سَلَفٌ صالح وأملاكُ صِدقٍ / بهمُ تستوي وتُلْوَي الأمور
ثم عِشنا ثلاثةً بفم الحا / سد من عيشنا الثَرَى والصخور
فعمَرْنا بذاك مدَّة دهرٍ / كلُّنا ظاهرُ الرضا مسرور
لم يعِش للمعزّ نَسْلٌ سِوانا / كلُّ ميْتٍ بنجله مذكور
فأصابت يدُ المنون عَقِيلاً / وهو مثلُ القضيب غَضّ نضِير
حين هزّ الشبابُ أعطافَه الغِي / دَ وحين استوى له التعمير
لم يجاوِز حَدَّ الثلاثين إلا / بليالٍ ليست لها تكثِير
أين تلك البشاشةُ الغضَّةُ الطلْ / قةُ والنظَرُ البهِيُّ المنير
أين ذاك الطبعُ السليمُ وذاك ال / خُلُقُ العذْبُ والسَّنَا والنور
أين ذاك البِشرُ الذي كان يبدو / مِنْ سَناه للناظرين البشير
كان عفَّ الضمير عذبَ السجايا / ليس في سرّ أمره تعسير
صادقَ الودّ وارِيَ الزَنْد لا يَعْ / دُوهُ في كلّ حالةٍ تطهير
صار من بعد ذلك الأُنسِ وَحْشاً / وهُوَ في قعر حفرةٍ مهجور
آهِ من لوعة لها في سواد الْ / عينِ دمعٌ وفي الفؤاد زفير
كيف يبقَى امرؤ توَلَّى أبوه / وأخوه فحبْلهُ مبتور
بأن أَصل وجُدَّ فرعيَ واللّ / هُ عليم بما تُجِنّ الصدور
فسأبكيك يا عَقِيل بقَلْبٍ / فيه من حزنه عليك سعير
كنتُ قِدماً أظنّ أنّي جَلِيد / ليس يَلِوي عزيمتي المحذور
فأراني مما بلا الصبر عيًّا / أيُّ قلبٍ على الخطوب صبور
ومشرقةٍ وجنح الليل قارُ
ومشرقةٍ وجنح الليل قارُ / لها من كل ناحية مَنَار
تضرّ بنفعها فلها دموع / على الخدّين مسبَلة غِزار
أعار الغُصنُ قامتَها استواءً / ووكّلها على الليل النهار
إذا ما رأسها قُطِف استفاقت / وجانَبَها التخوُّفُ والحِذار
أقول ونارها تسطو عليها / كما بالليل يسطو الانفجار
بنفسي كلُّ مهضومٍ حشاها / إذا ظُلِمت فليس لها انتصار
إني غريمٌ والغريمُ مطالِبٌ
إني غريمٌ والغريمُ مطالِبٌ / كان المُداينُ موسِراً أو معسِرا
يا سيِّدي أدعوك دعوَةَ مُذْكِرٍ / مِن وعده ما خاف ألا يذكرا
شِعْر كأنّ جميع ألباب الورى / جُمِعتْ عليه فقصرنا أن يُشْهَرا
لفظ كأنّ الغانياتِ لفَظْنه / فنظمن منه في القلائد جوهرا
هو أوّلٌ في حسنه وكمالِه / وارى جميعَ الشعر بعدك آخِرا
كتباين الليلين ليلٍ مظلمٍ / وَحْشٍ وليلٍ قد أتانا مقمِرا
هو روضة أُنُفٌ تفيدك أخضرا / طَوْراً وطَوْراً أحمرا أو أصفرا
ومودّة مثل الأماني لذّةً / لو أدركتْ بالشمّ كانت عنبرا
أوليتها ندّاً وعوداً مثل ما / حُزْتَ الفضائلَ منظراً أو مخبرا
وكذاك من يَكُن العزيزُ أَخاً له / يَأْوِي إلى جبلٍ مِنيع أوعرا
صلّى عليه الله ما امتدّ الدجى / ورأت عيونُ الناس صبحاً أنورا
لا تَنْسَ ما أسلفته إني امرؤٌ / وَقْفٌ على شُكْرِيكَ حتى المحشرا
إني أخافُ إذا تركتَ تَغاضياً / عاداتِ مثلِكَ أن أكون مقصرا
بلغْت بلاغتُك البديعَ وأكثرا
بلغْت بلاغتُك البديعَ وأكثرا / فنظمْتَ في الآداب لفظَك جوهرا
وشعرتَ حتّى كِدتَ تمنع كلّ من / حاك القوافِي في الورى أن يشعرا
فَهْماً يكاد يريك ما تحتَ الدجَى / ويُبِين بالجَرْس الخفّي المضمرا
وفطانة عَلَوية قد فجَّرت / للناس من طُرُق البلاغة أبحرا
لو كان مرئِيّا كلامُك لم يكن / إلا صباحاً في العيون منوّرا
ما زلتُ أَجنِي حكمةً ولطافةً / غرّاء مذ عايَنْتُ تلك الأسطرا
إن أسكرتْ كأسُ المُدام فقد غدتْ / أقسام ذاك اللفظِ منها أَسكرا
أو أصبحت نُجْلُ العيون سواحرا / ففصولُ شعرِك رُحْن منها أَسْحَرا
حاشا للفظك أن يُقاسَ بمشبهٍ / ولفضل فهمك أن يُفاتَ إذا جرى
ولو أمرؤُ القيس اغتدى متعرَّضاً / لك في بديع لانثنى وتقهقرا
عِلْماً وطِئتَ به النجوم تشرُّفاً / وعُلاً وآدابا فَضَلْتَ بها الورى
أنا شاكرٌ لك في اقتضائك لي ومَنْ / لاقى الجميل بوده أن يشكرا
إني وإن حُزْتُ المَدَى حتَّى غدت / زُهْرُ الكواكب في العُلاَلِيَ مَعْشرا
وبلغتُ ما أعيا البرّية نَيْلُه / من كل فضل إذ دعا متخيرا
وجلبت حِذْقَ القول إذ لم يُجتَلَبْ / وقَطَفْتُ روضَ الفهمِ حتّى نوّرا
لأَرَى جميعَ الفاضلين كواكباً / وأراك وحدك بَدْرَ تمٍّ مقمِرا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025