المجموع : 120
يا رُبَّ ليل بتُّه ناعماً
يا رُبَّ ليل بتُّه ناعماً / بين رُبا المختار فالجِسْرِ
أَخرج فيه لِصِباً من صِباً / وَأستحثّ الخمرَ بالخمرِ
وعذبة الألفاظ معشوقةٍ / ساحرِة الأَوتار والشِعْر
راجحة الأرداف مَمْكورةٍ / طَوْع الصِّبَا مرهَفة الخَصْر
كأنما البدرانِ في وجهها / فهْيَ سَماءُ الشّمسِ والبدرِ
فلم أَزْل أَشربُ من كفّها / وأَجْتَنِي الشّهَد من الثَّغْر
حتى تضجّعت وبي منه ما / بِلَحْظ عَيْنَيها من السُّكْر
والبدرُ قدْ مدّ على نِيله / مِنْطقةً من خالص التِّبر
ليس إلا الغِنَاء يُظهر بَثِّي
ليس إلا الغِنَاء يُظهر بَثِّي / ويُقَوِّي عليّ جيشَ السرورِ
يا ندِيمي اتَّخِذْ سوايَ فإِنّي / لستُ أَحْيا ما بين مَثْنىً وزِير
سيَّما إن بَدا بلَفْظٍ رخيم / وتردّى بلحظ طَرْف سَحُور
شهِدتْ عليه بقلَّة الصبرِ
شهِدتْ عليه بقلَّة الصبرِ / وعظيمِ ما يَلْقَى من الهجرِ
فوّارةٌ حسدتْ مدامعَه / وهمولَها فَجرَتْ كما تَجري
لكن بدت بمدامع يَقَقٍ / وبكيتُ قبلُ بأدمُعٍ حُمْر
إذا رحتُ من سكرٍ غدوتُ إلى سكرِ
إذا رحتُ من سكرٍ غدوتُ إلى سكرِ / وأنفقتُ في الهوى وفي لذَّتي عمري
ولِمْ لا أجُرّ الذَيْل في ساحة الصِبَا / وشَرْخُ شبابي قائمٌ لي بالعذر
ومعشوقةِ الألحاظِ تهتزّ للصِّبا / كما اهتز غُصْنُ البان في الوَرَق الخُضْر
مُهفهَفة صفراء إلاَّ لآلِئاً / إذا ابتسمتْ بِيضاً يَلْحْنَ من الثغر
قطعتُ بها ليل التِّمام وبدره / إذا ما رآها ظنَّها غُرَّةَ البدرِ
أتَاحَ لمقلتي السَّهَرَا
أتَاحَ لمقلتي السَّهَرَا / وجارَ عليّ واقتَدَرَا
غزالٌ لو جرى نَفسي / عليه لذاب وانفَطَرا
ولكن عينُه حشدت / ليّ الغُنْجَ والحَوَرا
ومحمد أودى به قمرٌ / فكيف يعاقِب القمرا
اشرب على بدرٍ بدا كاملاً
اشرب على بدرٍ بدا كاملاً / في أنجمٍ منثورةٍ كالشَرَرْ
كأنه في ليله غُرَّةٌ / تمّ سناها بسواد الطُرَرْ
يا لائِمي في أن خلعتُ العِذارْ
يا لائِمي في أن خلعتُ العِذارْ / ما ترك الحبّ لقلبي اختيارْ
الصبر أولى غير أنّ الهوى / أحلاه ما لم يك فيه اصطبار
كَمْ وَلَهِي فيه وكَمْ عَبْرتي / ومُحْرَقي من غير نارٍ بنار
ولو تأمّلتَ وجدت الصِّبَا / أخفَّ من حِلْمٍ ثقيلِ الوقار
هل بعد طَيّ العُمْر إلا البِلَى / وهل وراءَ الشيب إلا البوَارْ
عصرُ شباب المرء ضيفٌ له / يمضي وأيام التّصابي قِصار
فخذ من اللَّذة من قبل أن / ينأى بلّذاتك بُعْدُ المَزَار
وليلةٍ أسريت فيها ولا / بدرٌ يُنِير الأرض إلا سِرار
كالمُقْلة الدعجاء زنجيَّة / كافرة لَمْعَ نجوم المدار
وصاحبي ذو رَوْنق صارم / مدرَّج المَتْنين ماضي الغِرار
أنحفُ من ضعف نسيم الصَبا / حدّا وأمضى من ظُبَا الاحورار
حتى طرقتُ الحيَّ من وائل / ولجوّ مكحول النواحي بِقار
والقوم من سَوْرة كأس الكَرَى / كأنما عُلُّوا بِصِرفٍ عُقار
فبتّ في محبوك مَجْدُولة / صامتةِ الحِجْلْين ملأَى السِّوارْ
مُرْتشِفاً من بَرْد أنيابها / حُلْواً بَرُودَ الطّلّ عذْبَ القِطار
وهي من الخِيفة لا تَهْتدي / لموضع الشَّكوى ولا الاعتذار
كأنّها غصنُ نقاً ناعمٌ / يَميس من يُمْنى يدٍ لليَسار
والذّعر يَسْتَنْبِط من دمعها / درّاً أبَتْ سِلْكاه إلاّ انتثار
كأنها تَمْسح رشحاً من ال / كافور بالعُنَّاب من جُلنّار
حتى إذا رقّ قميصُ الدّجى / وابتسم الصبحُ وَراءَ الإزار
قامت كئيباً غائراً لونُها / تَسْتوقف اللّيل عن الانفجار
فعاد ليلاً ثانياً فرعُها / أَعْجِب بليلٍ طالع من نَهار
وحذَّرَتْني من أَذَى قَومِها / حتى إذا لم يَبْدُ منّي الحِذَار
بكتْ وفدَّتْني بآبائها / والشُّمِّ من معشرها والنُّضَار
ثم ثَنَتْ كفّي على خافقٍ / من قلبها مُرْتَجِفٍ مُسْتَطار
كأنّها ظبيٌ رأى قانصاً / بحيث لا يُنْجِيه منه الفِرار
أو معشرٌ عادَوْا بني المصطفى / واغتصبوا المُلكَ وخافوا نزار
قل لأبي المنصور يا بن العلا / ووارثَ المُلْك وحامي الذِّمار
يا حجّة الله التي أشرقتْ / فينا ويا صاحبَ كَنْز الجِدار
وَيا مجيرَ الجود من حبسه / في حين لا سَمْحٌ به يُسْتجارْ
ويا هُدَى مَن ضلَّ عن رُشْدِه / واشتبه الحقّ عليه فحار
أبوك جلَّي الظلم والبغي عن / شرائع الدين فأنت المَنار
جمعتَ أفذاذ بني فاطم / عزماً وأدركت لهم كلَّ ثار
بهمَّةٍ تسمو على المشترِي / وراحةٍ تغمر مَدَّ البحار
هَنَاك عِيد لك تمَّت له / فينا معاني لفظِه واستنار
جمَّلتَه عِزّاً وحسناً كما / جمَّلتِ الشمس رداءَ النهار
برزتَ فيه كبروز الضحى / مجتمعَ الهيئة بادي الوقار
وأنت مِن جودك في وابلٍ / سَحّ ومن لُبْس التقي في شِعار
تبتسم الدنيا إلى ماجدٍ / منك حُسنيّ كريم النِجَار
لا يخلط الجِدَّ بهزل ولا / يَهنيه في غير المعالي قرار
ولا يُعدّ الحِلمْ حلماً إذا / لم ينشر الحلم مع الاقتدار
أروع لا يثنِيه عن عزمه / رَوْع ولا حادث خطبٍ كُبَار
يَلْقَى القنا الصُمّ بمثل القنا / من رأيه تحت سماء الغبار
لا يسأم الجود فِعالاً ولا / يزداد للإيمان إلا انتصار
صلَى عليك الله من مالك / جَذَّ يَدَ البخل نَداه فبار
والنصرُ والعِزّ قِريناك ما / رُمْتَ عدوّاً فلك اللهُ جار
بتنا عَناقاً ولثماً
بتنا عَناقاً ولثماً / وضمَّ نحرٍ لنحرِ
وقد شفى الحبُّ منا / غليلَ صدرٍ بصدرِ
وقد مزجنا اعتناقاً / مِزاجَ ماء بخمر
ريقاً بريقٍ بَرُودٍ / عذبٍ وثغراً بثغر
مُعانِقاً غُصْنَ بانٍ / ولاثِماً ضوء بدر
عاقِب بما شئتَ سوى الهجر
عاقِب بما شئتَ سوى الهجر / واغلق رضا قلبك عن غَدْري
أليس قد رُحتُ على كلّ ذا / أجولُ في سرّك والجهر
جدِّد ولو بالسوءِ ذِكرى فما / أحِبّ أن تنفكّ عن ذكري
يا من أرى ذلّيَ في حبّه / أحلى من الفُسْحة في العمر
ومن إذا شبّهته لم أَجِد / لوجهه شِبْهاً سوى البدر
سَلْ لحظَ عينيك وتفتيرَه / إن كان لي شيء من الصبر
كأنّ فكري لك دوني فما / أَقدِر أَن تَسقُط من فكري
وباكيةٍ متَوَّجةٍ بنارِ
وباكيةٍ متَوَّجةٍ بنارِ / كأنّ دموعَها حَبَبُ العُقَارِ
إذا ما تُوِّجت في دار قوم / رأيتَ الليلَ منها كالنهار
فتاة عمُرها عمرٌ قصير / ولكنْ نفْعها نفع الكبارِ
إني وإن كان لي قلب أراك به
إني وإن كان لي قلب أراك به / في القرب والبعد يا بن السادة الغُرَرِ
فليس يُقنعني رؤياكَ منفرِدا / بالفكْر إن لم تكن رؤياك بالبصر
عينُ المحبّ على ما في جوانحه / دليلهُ فاختبْر ما شئتَ بالنظر
مَن كان في قلبه أو حبّه كَدَرٌ / فإنّ حُبَّك في قلبي بلا كَدَر
فامنُن برؤياك مشكوراً لتطفئ بالتْ / تِذكار ما في الحشا من لَوْعة الفِكَر
آلَى يميناً على قتلِي مردَّدةً
آلَى يميناً على قتلِي مردَّدةً / وجاء بالزُور فيما قال يعتذرُ
وقال لَحْظِي ضعيف حين أُرسله / ووَجْنتي وجنةٌ بالوَهْم تنفطر
وكَيْف أقتل مَن أمسى النبيّ له / أَباً ومن بكتاب الله يَنتصِر
هذا وجدِّي رسولِ الله وجنتُه / مخضوبةٌ بدمي يا قوم فاعتبروا
تشيَّع الحُسن فيه إذ ألمَّ به / وقلبه ناصِبيّ ليس يغتفر
نُوَبُ الزمان عجيبة الأمرِ
نُوَبُ الزمان عجيبة الأمرِ / فاصِرف ملامك عن شَبا الدهِر
كم جاد لي بلقاء مَن طفقت / فيه المدامع وُكّفاً تجري
فشفيتُ باستطلاع غُرَّته / قلباً أحرّ جوىً من الجمر
يا ساعة ما كان أسعدَها / ضحِك الوِصال بها من الهجر
وَسَعت خطوبُ الدهر تخدُمني / فيمن كَلِفْتُ به ولا أدري
لم تلمِس البدرَ المنيرَ يدٌ / ولقد ملأتُ يدي من البدر
أيها الدِعْص والقضيب الذي قا
أيها الدِعْص والقضيب الذي قا / بَلَ بدرَ الدُّجى ببدر منيرِ
لا تمكِّن لَحَاظَ عينيك من قت / لِي فما اللّحظ فيه بالمعذور
لا تكن للنبيّ فيه خصيماً / عند ربّ النبيّ يومِ النُّشور
ربَّ ليل أنرتُه بثغورِ
ربَّ ليل أنرتُه بثغورِ / وصباح طمسْته بشُعورِ
ورقيبٍ خبأتُ شخصيَ عنه / أن يراني في مستكِنّ النُحور
بات حِصْني منه ذِراع ونهد / ومَجِنّي قلائد الكافور
أجتني البرقَ من لآلي ثغور الصْ / صفْرِ والورد في صحون البدور
تحت ليل كثوبِ يوسفَ في أج / فان يعقوبَ أو كقول البشير
أبكي على ظالم لي غير مغتفر
أبكي على ظالم لي غير مغتفر / لم يُبق لي حبُّه صبراً ولم يَذَرِ
إذا تسلِّيت عنه ضاق متَّسِعي / وإن تهيَّمت في قلّ مصطبَري
وليس يهجرني إلاّ بمعرفة / أنّي على الهجر منه غيرُ مقتدر
والله لولا سهامٌ في لواحظه / وخمرةٌ ظهرتْ في ثَغْرهِ الخَصِر
لما أراق دمي ظُلماً بلا سبب / ولا تمكَّن من نفعي ومن ضرري
إن تُعْزَ للغُصن الميَّاس قامتُه / فإنّ للدِّعص منه ثِقْلَ مؤتزرِ
اعْجَبْ لعينيَ إذْ لم تَجرِ أدمُعها / دماً عليه وقلبي كيف لم يطر
ويح المحبِّين ما أقوى قلوبَهُمُ / على الجوى والأسى والشوقِ والذِكَرِ
تشوقُني لحظَات الغيد فاترةً / ولينُ لفظ ذوات الدّلِّ والخَفَر
وكلُّ مجدولةٍ في جِيدها جَيَدٌ / كأنها من ظباء المَرْخ والعُشَر
ولست أُغضي على عارٍ أُعابُ به / ولا أُسِرّ على غَدر ولا نُكُرِ
يا دهر ما بال جَبْري فيك منكسِراً / أعَمى لديك وكَسِرى غير منجبِر
شاخ الزمان زمانُ السوء واكتهلت / أيَّامه فاعترته غَفْلة الكِبَر
فصار أعجزَ من مَيْت وأبعدَ من / فَوْت وأصمتَ من عُود بلا وَتَر
وكان أوثبَ من لَيْث على نَعَمٍ / فينا وأَشْرَهَ من أنثَى بلا ذكر
لولا العزيزُ أمينُ الله ما لَجَأَتْ / نفسي إلى ملجأ منه ولا وَزَر
إمامُ عدلٍ إذا استمطرتَ راحتَه / وجدت أَنملها أَنْدَى من المطر
يا بن الأئمَّةِ والهادين متّصلاً / بصفوة الله أهِل الوحي والسُّوَر
لا تجهد النفس في جمع السلاح ولا / في عُدّة الحرب والرَّوْحات والبُكَر
فقد كفاك أذى الأعداءِ كلّهم / نصرُ الإله وسيف الدهر والقَدَر
أنت المقيم إذا سافرتَ مُرْتحِلاً / وكلّ من غِبتَ عنه فهو في سفر
ضرورة كان تأخيري زيارَتكم / وقد عفا الله قِدْماً عن أولى الضرر
لو لم يكنْ ليّ عذرٌ أنت تعلمه / لجئت أسعى بلا عذر على بصري
مودّةُ العين لا يزكو الوفاءُ بها / والودُّ بالقلب ليس الودُّ بالنظر
لا زلتُ في فكرة تفضي إلى تعب / إن كنتَ تسقط مِن همّي ومن فِكَرِي
مودتي لك طبع غير منتقل / وطاعتي لك طول غير مختصَر
وودّ غيريَ مكسوب ومصطنَع / والوسم في الجِلْد غير الوسم في الشَعَر
يكفي عدُّوك أنّ الله يلعنه / وأنه لا يُرَى إلا على حذر
وأنّ كل فؤاد عنه منقبض / وكل قلب له أقسى من الحجر
جئت الخلافة لمَّا أن دعتك كما / وافى لميقاته موسى على قَدَر
كالأرض جاد عليها الغيث منهملاً / فزانها بضروب الرّوض والزَهَر
ما أنت دون ملوك العالمين سوى / روح من القدس في جِسم من البشر
نور لطيف تناهى فيك جوهره / تناهياً جاز حدَّ الشمس والقمر
معنىً من العلَّة الأولى التي سبقتْ / خَلْق الهيولىَ وبسَطْ الأرض والمَدَرِ
فأنت بالله دون الخلق متّصل / وأنت لله فيهم خيرُ مؤتمر
وأنت آيته من نسل مرسَله / وأنت خيرته الغرّاء من مضر
لو شئت لم ترض بالدنيا وساكنها / مَثْوىً وكنتَ مليك الأنجم الزهُرِ
ولو تفاطنت الألباب منك درت / بأنها عنك في عَجْز وفي حَصَرِ
إن جَلّ شخصُك عن حَدّ العِيان فقد / جلَّت مساعيك عن مِثْل وعن خَطَر
لا مشبهٌ لك في الأملاك نعرفه / الهَزل في النوم غير الجِدّ في السهَر
إن العيون اسمها والجنس يجمعها / والحُول غير ذوات الكُحْل والحَوَرِ
يا حاسداً يتمنَّى أن يساويَني / فيما لديك تمنِّي الكاذب الأشِر
وما تقاصرتُ عن طُول فيلحقني / ولا تطاولْتُ بعد الصُغْر والقِصَر
إنا جميعاً تشارَكْنا دماً وأبا / كما تشاركتِ الأغصانُ بالثمر
فكيف يبلغ شَأوِي أو يطاولني / وأنت لي دونه كالصارم الذَكَر
أُنصر أخاك فإن القوم قد نصروا / غِلْمانهم واسمُ في تأخير منتصِر
فأنت ما زلت لي يُسْراً بلا عُسُر / ومورداً صافياً عذباً بلا كدر
دنَوا وغبتُ ولو أني حضرتهمُ / جرَّعتُهم غُصَصَّاً في الوِرْد والصَدَر
لا زلتَ مقتدراً ما بين ألوية / خفّاقة لك يوم الروع بالظفر
شكري لفضلك شكرٌ غيرُ منصرمٍ / ومَنْ أحقُّ وأولَى منك بالشكُر
قسمة الموت قسمةٌ لا تجور
قسمة الموت قسمةٌ لا تجور / كلُّ حيٍّ بكأسها مخمور
يستوي كل من تفاوت فيها / لا أميرٌ يبقى ولا مأمور
نحن في غفلة وللموت فينا / طالب مدرك مُجِدّ قدير
نستطيب المنى وهن عواصٍ / فنطيل الآمال وهي غرور
فِكره في الحياة وهيْ ضلال / إنّ في الموت يحسنُ التفكيرُ
ليس ينجو من الغرور سوى مَنْ / قبرهُ في فؤاده محفور
كدَّر الموتُ صفوَ عيشي وهل في الْ / أَرْضِ عيشٌ ما شابَهُ تكدير
وتذكرتُ بالمصائب قومي / وجدودي إني لقومي ذَكُور
أَيْنَ قومي الأُلَى الذين بهمْ كا / ن يموت الخنا ويحيا الفقير
لو حَمَى معشراً من القوم حامٍ / لحمتْ قوميَ العُلاَ والخِيرُ
أين آبائي الذين تفانَوْا / وبهمْ كانت الليالي تُنِير
أين جدّي حسينٌ بن عليّ / أين زيدُ المفجَّع الموتور
أين مهِدِيُّنا المملَّكُ والقا / ئمُ أين المعزّ والمنصور
أين تلك الحلوم والفضل والأَلْ / باب بل أين ذلك التدبير
أين ذاك السلطانُ والملكُ والمَنْ / عةُ والبطشُ والعلا والظهور
أين تلك الجيوشُ والعزةُ القَعْ / ساءُ والجمعُ والعديدُ الكثير
فرّقتهمْ يَدُ المنون فبادُوا / وَحوَتْهُمْ بعد القصور القبورُ
سَلَفٌ صالح وأملاكُ صِدقٍ / بهمُ تستوي وتُلْوَي الأمور
ثم عِشنا ثلاثةً بفم الحا / سد من عيشنا الثَرَى والصخور
فعمَرْنا بذاك مدَّة دهرٍ / كلُّنا ظاهرُ الرضا مسرور
لم يعِش للمعزّ نَسْلٌ سِوانا / كلُّ ميْتٍ بنجله مذكور
فأصابت يدُ المنون عَقِيلاً / وهو مثلُ القضيب غَضّ نضِير
حين هزّ الشبابُ أعطافَه الغِي / دَ وحين استوى له التعمير
لم يجاوِز حَدَّ الثلاثين إلا / بليالٍ ليست لها تكثِير
أين تلك البشاشةُ الغضَّةُ الطلْ / قةُ والنظَرُ البهِيُّ المنير
أين ذاك الطبعُ السليمُ وذاك ال / خُلُقُ العذْبُ والسَّنَا والنور
أين ذاك البِشرُ الذي كان يبدو / مِنْ سَناه للناظرين البشير
كان عفَّ الضمير عذبَ السجايا / ليس في سرّ أمره تعسير
صادقَ الودّ وارِيَ الزَنْد لا يَعْ / دُوهُ في كلّ حالةٍ تطهير
صار من بعد ذلك الأُنسِ وَحْشاً / وهُوَ في قعر حفرةٍ مهجور
آهِ من لوعة لها في سواد الْ / عينِ دمعٌ وفي الفؤاد زفير
كيف يبقَى امرؤ توَلَّى أبوه / وأخوه فحبْلهُ مبتور
بأن أَصل وجُدَّ فرعيَ واللّ / هُ عليم بما تُجِنّ الصدور
فسأبكيك يا عَقِيل بقَلْبٍ / فيه من حزنه عليك سعير
كنتُ قِدماً أظنّ أنّي جَلِيد / ليس يَلِوي عزيمتي المحذور
فأراني مما بلا الصبر عيًّا / أيُّ قلبٍ على الخطوب صبور
ومشرقةٍ وجنح الليل قارُ
ومشرقةٍ وجنح الليل قارُ / لها من كل ناحية مَنَار
تضرّ بنفعها فلها دموع / على الخدّين مسبَلة غِزار
أعار الغُصنُ قامتَها استواءً / ووكّلها على الليل النهار
إذا ما رأسها قُطِف استفاقت / وجانَبَها التخوُّفُ والحِذار
أقول ونارها تسطو عليها / كما بالليل يسطو الانفجار
بنفسي كلُّ مهضومٍ حشاها / إذا ظُلِمت فليس لها انتصار
إني غريمٌ والغريمُ مطالِبٌ
إني غريمٌ والغريمُ مطالِبٌ / كان المُداينُ موسِراً أو معسِرا
يا سيِّدي أدعوك دعوَةَ مُذْكِرٍ / مِن وعده ما خاف ألا يذكرا
شِعْر كأنّ جميع ألباب الورى / جُمِعتْ عليه فقصرنا أن يُشْهَرا
لفظ كأنّ الغانياتِ لفَظْنه / فنظمن منه في القلائد جوهرا
هو أوّلٌ في حسنه وكمالِه / وارى جميعَ الشعر بعدك آخِرا
كتباين الليلين ليلٍ مظلمٍ / وَحْشٍ وليلٍ قد أتانا مقمِرا
هو روضة أُنُفٌ تفيدك أخضرا / طَوْراً وطَوْراً أحمرا أو أصفرا
ومودّة مثل الأماني لذّةً / لو أدركتْ بالشمّ كانت عنبرا
أوليتها ندّاً وعوداً مثل ما / حُزْتَ الفضائلَ منظراً أو مخبرا
وكذاك من يَكُن العزيزُ أَخاً له / يَأْوِي إلى جبلٍ مِنيع أوعرا
صلّى عليه الله ما امتدّ الدجى / ورأت عيونُ الناس صبحاً أنورا
لا تَنْسَ ما أسلفته إني امرؤٌ / وَقْفٌ على شُكْرِيكَ حتى المحشرا
إني أخافُ إذا تركتَ تَغاضياً / عاداتِ مثلِكَ أن أكون مقصرا
بلغْت بلاغتُك البديعَ وأكثرا
بلغْت بلاغتُك البديعَ وأكثرا / فنظمْتَ في الآداب لفظَك جوهرا
وشعرتَ حتّى كِدتَ تمنع كلّ من / حاك القوافِي في الورى أن يشعرا
فَهْماً يكاد يريك ما تحتَ الدجَى / ويُبِين بالجَرْس الخفّي المضمرا
وفطانة عَلَوية قد فجَّرت / للناس من طُرُق البلاغة أبحرا
لو كان مرئِيّا كلامُك لم يكن / إلا صباحاً في العيون منوّرا
ما زلتُ أَجنِي حكمةً ولطافةً / غرّاء مذ عايَنْتُ تلك الأسطرا
إن أسكرتْ كأسُ المُدام فقد غدتْ / أقسام ذاك اللفظِ منها أَسكرا
أو أصبحت نُجْلُ العيون سواحرا / ففصولُ شعرِك رُحْن منها أَسْحَرا
حاشا للفظك أن يُقاسَ بمشبهٍ / ولفضل فهمك أن يُفاتَ إذا جرى
ولو أمرؤُ القيس اغتدى متعرَّضاً / لك في بديع لانثنى وتقهقرا
عِلْماً وطِئتَ به النجوم تشرُّفاً / وعُلاً وآدابا فَضَلْتَ بها الورى
أنا شاكرٌ لك في اقتضائك لي ومَنْ / لاقى الجميل بوده أن يشكرا
إني وإن حُزْتُ المَدَى حتَّى غدت / زُهْرُ الكواكب في العُلاَلِيَ مَعْشرا
وبلغتُ ما أعيا البرّية نَيْلُه / من كل فضل إذ دعا متخيرا
وجلبت حِذْقَ القول إذ لم يُجتَلَبْ / وقَطَفْتُ روضَ الفهمِ حتّى نوّرا
لأَرَى جميعَ الفاضلين كواكباً / وأراك وحدك بَدْرَ تمٍّ مقمِرا