المجموع : 98
اني افكر في الطبيعة فاحصا
اني افكر في الطبيعة فاحصا / فيعد تفكيري من الالحاد
ما حيلتي وانا امرؤ متفكر / جم الشكوك الى الحقيقة صاد
انا في حياتي بالحقيقة مغرم / واقولها جهرا على الاشهاد
يا عقل مالك في شكوكك سائخا / هل فال منك الرأي بعد سداد
في الليل مجرى السيل ليس بمأمن / اما الامان ففوق ظهر الوادي
للكون ابعاد ولست بعارف / ماذا تكون نهاية الابعاد
ما للحياة وراء الموت تجديد
ما للحياة وراء الموت تجديد / فلا يقوم من الاجداث ملحود
فيها النهار كليل لا صباح له / اما الليالي فتلكم كلها سود
القبر آخر بيت للألى هلكوا / والحس في الهالك الملحود مفقود
فليس يدرى الذي هيل التراب على / جثمانه ان ما يحويه اخدود
ولي الشتاء وانواء الشتاء وقد / جاء الربيع ولما يورق العود
هناك جذع على الارض الخلاء لقى / كأنه في مهب الريح جلمود
وهكذا المرء شلو في نهايته / وهكذا المرء منه الركن مهدود
اما القصور فتلكم في مناكبها / مثل القبور عباديد عباديد
للحي جهد جهيد للحياة وما / للميت كيما يدوم الموت مجهود
سل الجماعات من عرب ومن عجم / هل بينهم واحد في العيش مسعود
اشكوا الى اللَه تعساً لا يفارقني / كأنه بي حتى الموت معقود
داء عقام واوجاع مبرحة / وفوقهن من الاشرار تهديد
لم يبق لي غير باب الموت منفتحا / وكل باب سواه فهو مسدود
اليوم التمس اللذات كاذبة / في ذكر عهد به انصاعت لي الغيد
لقد تلقص ظل كنت الزمه / من الشباب زمانا وهو ممدود
لا خمرة منه لي احسو سلافتها / ولا على كرمة الآمال عنقود
كان الشباب ربيعاً فيه تطربني / من العصافير في الصبح الاغاريد
مات الشباب وافراح الشباب معاً / الا هموما بهن الروح مكدود
الشعر كالفارس المغوار ذو جرة
الشعر كالفارس المغوار ذو جرة / ويومه في قديم العهد مشهود
واللفظ غمد لمعناه ومن عجب / ان يقطع النصل منه وهو مغمود
والشعر في لفظه كالماء مجتمعاً / ان كان في السمع عذبا فهو مورود
والشعر يكبر اما كان مبتكرا / والشعر لا ينبغي في الشعر تقليد
والشعر يهتف دهراً بعد قائله / والشعر للشاعر الخنذيذ تخليد
وشاعر الحب ما ان فيه من ثقل / فطالما حمل الصيداح املود
يا روضة الشعر مالي عنك من حول / ما دام في ايكك الفينان غريد
وقد اثوب الى عقلي فينبئني / ان القريض خيال فيه تبعيد
قد لمت دهري على ما جاء من رهق / وقلت لم ينج من عدواك موجود
الموت امضى سلاح في يديك وكم / به تجندل صنديد وصنديد
فقال لي لا تلمني قبل معرفتي / فانني بنواميس لمصفود
نصيبي العجز عن نفع وعن ضرر / فانما في يدي غيري المقاليد
لم يكذب الدهر فيما قال معتذرا / حتى يسفهه دحض وتفنيد
لا تجزعنّ اذا ما فتنة حدثت / ما انت وحدك بالاضرار مقصود
تأبى الطبيعة الا ان تطاوعها / وانت تؤثر ما تبغى التقاليد
فاختر لرأسك جلمودا لتضربه / ولا تقلّ على الارض الجلاميد
ذممت للناس دنياهم تزهدهم / وانت ان ذكر اسم الموت رعديد
تخشى الردى واجفا في كل نازلة / وانت بالجنة الغناء موعود
تصدق القول ترويه مقلدة / وان وهت منه في النقل الاسانيد
قل للذي ذهبت ايام عزته / لا تأس فالدهر تنزيل وتصعيد
الناس يحيون بالآمال تنعشهم / وانت من دونهم في اليأس موؤد
لا يسبق الراكب اليعفور ينخسه / من تحتهم تتبارى الضمر القود
ولا حجارتنا تحكى قنابلهم / كلاّ ولا عندنا علم وتمهيد
ما اسبق الجيل شأواً في حضارته / لو لم تثبطه للجهل التقاليد
لقد تمنيت ان الموت يمهلني / او انني بعد الف منه مولود
ان الوجود الذي حفّ الفضاء به / في واسع اللا تناهى منه ممدود
لقد ضحكت فكان الضحك ملء فمي / من الذي قال ان الكون محدود
تحكي السماء لعين لا نفوذ لها / روضا كأن الثريا فيه عنقود
اما الذين لهم علم بما وسعت / فعندهم كل ما قد قيل مردود
ما الارض بين شموس لاعداد لها / الا حصاة حواليها جلاميد
وكم بها سدماً تمتد واسعة / فيها النجوم عناقيد عناقيد
ايها الروح الذي استقرأته
ايها الروح الذي استقرأته / باذلا في البحث عنه جلدي
انك المخ الذي قد ذهبت / شعباً اعصابه في جسدي
أبدى يمثل يوسف واعادا
أبدى يمثل يوسف واعادا / فاجاد ثم اجاد ثم اجادا
بغداد حيت منه عند قدومه / ضيفاً كريما حل في بغدادا
انا نحيي بعد كل عشية / من وجه يوسف كوكبا وقادا
تلقى إذا أنعمت في تمثيله / في كل حادثة هدى ورشادا
ولقد يردك عن غرورك مشهد / يبكي العيون ويحرق الاكبادا
ولقد يريك من الخيال حقيقة / اوحى اليه بها النبوغ وجادا
اقدر به من فاتح في فنه / القى اليه الفاتحون قيادا
ما كان للتمثيل بيت باذخ / فبنى له بيتا وكان عمادا
هم الذي يجد الكفاية عنده / هو ان يقود وليس ان ينقادا
الفن في تمثيله متوثب / يطوى ليسبق غيره الابعادا
واذا الاتي طغى وعبّ عبابه / غمر الشطوط وحطم الاسدادا
احبب اليّ بمسرح هو عالم / جم الحوادث يجمع الاضدادا
اما الشهود فوحدة في حسهم / فكأنهم يتعاورون فؤادا
ويريك عاقبة الضلالة والهدى / ويصور الانذال والامجادا
زره تجد صور الحياة جلية / فتود حين تزول لو تتمادى
تر نعمة موفورة وبجنبها / تبصر شقاء دائما وجهادا
وترى اناسا يستمر ولاؤها / وترى اناسا بينها تتعادى
دنيا تطوف ذئابها بخرافها / وتعيث في تلك الخراف فسادا
يا من تجرد من عواطف قلبه / اني اعيذك ان تكون جمادا
الفن يصلح كل من هو فاسد / حتى الذي ظن الفساد سدادا
الفن في قصص يمثل اهلها / يحيي الرميم ويبعث الاجدادا
الفن للاخلاق خير مهندس / يبتي الولاء ويهدم الاحقادا
السلم كل مراده في نفسه / والسلم احرى ان يكون مرادا
ليس الذين الى العقول ركونهم / كالمؤثرين الى الهوى اخلادا
ان الفضيلة في جميع شؤونها / بيضاء تأبى بالبياض سوادا
يا ايها الآباء هذا معهد / يهدى ففيه هذبوا الاولادا
وممثلين يضارعون عنادلا / وممثلات تشبه الاورادا
الفيتهم متكافئين براعة / ورأيتهم في فنهم اندادا
في الفن سحر لا يمل جماله / واليه يرجع من اراد بعادا
ولقد يطير بمن له هو شاهد / فكأنما هو راكب منطادا
اما الدموع فقد خرجن من الكوى / وهي العيون جماعة وفرادى
ووقفن في وجل يصخن بمشهد / فيه الذبيح يحاور الجلادا
ابقيت يوسف في العراق لاهله / ذكرى تزيد المعجبين ودادا
وغرست تنمى في قلوب شبابه / حباً سيبقى مورقا ورادا
احمل الى مصر تحية اختها / بغداد ان سألتك عن بغدادا
الشعر ما قاله الكرخيّ عبود
الشعر ما قاله الكرخيّ عبود / ففيه للأدب الشعبي تجديد
شعر يفيض من القلب المشع له / على اللسان فما ان فيه تعقيد
كالدر يزداد حسنا في تألقه / اذا تحلت به اللبات والجيد
على ابتكار معانيه له حسدوا / وكل مبتكر في الشعر محسود
لا يستوي الناس في اتقان صنعتهم / والقول كالفعل مذموم ومحمود
ما في الذي لم يلن للشعر من صمم / وانما عنده الاحساس مفقود
الشعر ليس بمبق فيه من اثر / كأنما قلبه في الصدر جلمود
يا حبذا البلبل الشادي بروضته / وحبذا منه هايتك الاغاريد
عبّود ان عدت الافذاذ في بلد / فانت في اول الافذاذ معدود
خلدت شعرك اذ جددت كسوته / من البيان وفي التجدبد تخليد
فتحت للشعر ابوابا ولا عجب / ففي يمينك للشعر المقاليد
اذا عتبت فنيران مؤججة / وان شدوت فاغرود واغرود
لا تجزعن اذا ما نكبة حزبت / فانما الدهر ارخاء وتشديد
وربما بات يذوي العود من ظمأ / به وبعد قليل اورق العود
افرح بدنياك ما آنست طيبتها / فما لياليك فيها كلها سود
ان الزمان عجوز من تقادمه / وما على وجهه البسام تجعيد
ما حياة قديمها غير باد
ما حياة قديمها غير باد / لك الا تطور في الجماد
انها تبتني لها في نظام / كل ما يقضى حاجها من عتاد
واذا ما الجماد رثت قواه / ذهبت كلها الحياة بداد
وهي ليست اذا نظرت اليها / في جميع البقاع غير جهاد
ولقد يهلك الذي يتوقى / ولقد لا يعيش اهل الحياد
ولدتها الارض الكريمة بكراً / وسقتها السماء در العهاد
ليس منا الاجساد بالروح تحيا / انما يحيا الروح بالاجساد
انما الارض وهي ما نحن نسعى / فوقه بين رائح او غاد
كوكب مظلم يطوف من الشمس حثيثا / بكوكب وقاد
وعلى وجهيها نهار وليل / فهي لا تستغني عن الاضداد
كل ما في الوجود فهو لعمري / من نواميس الكون في اصفاد
ولعل الزمان في دوره يجمع / بين الآمال والآباد
وكأن المجر نهر مديد / وردته من النجوم صواد
وكأن الوجود فاض على الشطين / اذ عب سيله في الوادي
من قضى في تلك الشموس بان / تسبح في لا نهاية الابعاد
واحاطت بما هنالك اسرا / ر لعيني تجللت بسواد
من شداد الغموض فيها يحار العقل / والعقل بعض تلك الشداد
جل كون قد حف باللا تناهى / عن شبيه له وعن انداج
عالم يختفى وآخر يبدو / والذي يختفي عتاد البادي
وفساد يجيء من بعد كون / ثم كون يجيئ بعد فساد
ليس موت الآباء الا ضمانا / لحياة الابناء والاحفاد
انا في جوهري قديم على الار / ض وان كان حادثاً ميلادي
انا جزء من عالم ماله من / آخر ينتهي به او نفاد
غير الدهر كل عضو بجسمي / غير قلب الحب لي هو هاد
لم تكن مني الصبابة في شيخوختي / غير جمرة في الرماد
ولقد حاقت بي المصائب تترى / من اناس عاشرتهم في بلادي
ولمن في حياته خالط النا / س كثيراً احبة واعاد
أي ذنب لي ان تباعدت الشقة / بين اعتقادهم واعتقادي
كلما خالف الجماعة في الرأي / جريئ رموه بالالحاد
ثلة منهم العيون تريني / ما تكن الصدور من احقاد
عدني ان اردت من سعداء القوم / او عدني من الانكاد
انني في جميع ما انا آت / مكره ليس في يدي قيادي
انا هذا ولست اقوى على تغيير / ما في خلقي او استعدادي
انا بالشعر وحده اتسلى / انه كل طارفي وتلادي
واذا وافته المنية قبلي / فاحفروا حفرة له في فؤادي
واذا مت قبله فهو يرثيني / لو ظل حافظاً لودادي
ايها الناقد المهين لشعري / انت ما بالنزيه في النقاد
لا تحقر بنات فكري فتلكم / كل ما قد خلفت من اولاد
ما الذ الحياة لو هي دامت / غير ان المنون في المرصاد
حبذا عهد سالف لم اكن فيه / لغير الجمال بالمنقاد
قد انى يا منيتي ان تعودي
قد انى يا منيتي ان تعودي / بي الى حيث كنت قبل وجودي
هوني يا نفسي فعلك تسطي / عين عن هوة الردى ان تحيدي
ليت ان الحياة ترجع في يو / م الى جسم الميت الملحود
ليس من هذا الموت يا نفس بد / فهو للناس من تراث الجدود
يا اماني فارقيني ويا نفس / وداعا ويا حشاشة جودي
بعد ايام قد تقاربن مني / انا يا نفسي لا محالة مود
وسواء علي من بعد موتي / ان تبيدي معي وان لا تبيدي
وسواء أكنت احيا سعيدا / قبل موتي ام لم اكن بسعيد
واذا الشيخ بات يشكو الونى والوهن / فالموت عنه غير بعيد
سيقولون شاعر غاب في اللحد / وكم غاب مثله في اللحود
لا تخافي علي فالموت سهل / لا كما ينعتونه بشديد
لا تخافي فالموت ليس على الار / ض ولا في سمائها بجديد
سبقتني الى المقابر موتي / انا في الراحلين غير وحيد
من قضى نحبه ونام بقبر / لا يبالي طول الليالي السود
غير اني ما ان سئمت حياتي / وهبوطي وهادها وصعودي
اننا والفراق صعب سننفض / الى غير ملتقى وشهود
جمع الدهر حقبة شملنا ثم / رمته يداه بالتبديد
ما بلغنا من اللبانات يا نفسي / سوى النزر بعد جهد جهيد
انت يا ليلى كنت ماثلة لي / كل يوم في يقظتي وهجودي
انا ماض الى لقاء المنايا / بخطى ليس مشيها بوئيد
عانقيني قبل النوى لوداعي / وضعي الجيد ساعة فوق جيدي
وانظريني باعين باكيات / ترسل الدمع مثل در نضيد
لهف نفسي على صبابة عيش / هو لولاك لم يكن برغيد
ابنيني يا نفس فوق ضريحي / بقواف رقيقة واعيدي
عن لي يا هزار اغنية النو / م على قبري كي يطيب رقودي
ولعل الصبا تمر رخاء / فوق ملحودتي فتنعش عودي
لست ادري أللفناء سنمضي / بعد انا نموت ام للخلود
حبذا لو حظيت من بعد موتي / بحياتي التي انتهت من جديد
انني في شك وان ملأوا / سمعي بوعد يروونه ووعيد
لا تثق بالجمهور يا عقل يوما / ان رأي الجمهور غير سديد
ولعلي رجوت ما ليس يرجى / ولعلي حمدت غير حميد
بعد نومي على فراش وثير / عن قريب انام في اخدود
آه يا نفسي ان ذلك سهل / لو نسينا ما فيه من تجريد
يوم لا نبصر الربيع ولا نصغى / لانغام البلبل الغريد
شاعر الروض يرسل الشدو شجواً / جاثما فوق ناعم املود
يوم لا تطلع النجوم علينا / باسمات من السماء كخود
يوم لا يسفر الصباح لنا من / جانب الشرق قائما كعمود
يوم ايدي الردى تجردني من / كل مالي من طارف وتليد
انا يا صحبي واحداً كنت منكم / فاذكروني ولا تناسوا عهودي
انا في قبري اليوم عنكم بعيد / وانا عنكم فيه غير بعيد
واذا كان للفقيد بقلب / خافق مثوى فهو غير فقيد
خير غيث يسقى تراب حفيري / هو يا صاحبي عبرة من ودود
ولعّل البكاء غير مسل / ولعّل البكاء غير مفيد
تأكل الارض كل حي فلا / تبقى على بائس ولا مسعود
اسألوها هل امتلأت تقل من / شره في الجواب هل من مزيد
امم كلها تبيد فتأتي / امم اخرى بعدها للبيود
سوف يقفو ركب الى الموت ركبا / ثم لا اشدو خلفه بنشيدي
انني ان اهلك فمن لقريضي / يتغنى به ومن لقصيدي
حشروني والجامدين على ما / اخذوا من آبائهم في صعيد
انني منذ كنت اشدو بشعري / كان يوحي الي بالتحديد
انا لا ادعي الزعامة فيه / غير اني ابث فيه وجودي
قلت شعراً فكاد يأكل لما / سمعوه كالنار قلب الحسود
فدعوني مقلداً ينظم الشعر / كما كان في زمان الرشيد
كذبوا انني الى اليوم ما قلدت / غيري مالي وللتقليد
حبذا الليل والنهار بعيني / انني مغرم بكل جديد
وجديد القريض قرب معانيه / وبعد له عن التعقيد
وشعور كأنه فلق الصبح / اذا فاض ضوءه من بعيد
لا ترد للشعور مني حدا / فهو شيء يسمو عن التحديد
حبذا النقد لم يكن حين يغزو / نائلا من كرامة المنقود
لا اغالي فربما قلت شعرا / لم اكن في قرضي له بالمجيد
ليس في الارض شاعر قد نجافي / كل من قاله من التفنيد
منه بكر يطرى ومنه عوان / لم تحز رتبة الكعاب الخريد
قلته لا هيا به في شبابي / من هموم الهوى وبرح الصدود
يوم للغيد كنت اصبو ومن ذا / ليس يصبو الى الحسان الغيد
ثم ارهفته فكان سلاحي / ثم غنيته فكان نشيدي
ثم صيرته مجنا يقيني / في فروق من شر عبد الحميد
ثم اودعته حقائق تسمو / فاتي جامعاً لكل مفيد
حكم تهدم التقاليد قد كا / نت تراعى من اهلها للجمود
عاب في الروض العندليب غراب / قائلا صه فانت غير مجيد
فمضى العندليب في شدده / غير مبال بقول ذاك البليد
قائلا ليس للغراب بروض / زهره الغض باسم اغرودي
انا للورد قد تفتح اشدو / فهو ان اصغى تم لي مقصودي
يممي يا نفسي السماء فاني / لا ارى في الثرى طريق الخلود
هي ممتدة لغير تاه / وهي منبثة لغير حدود
اهتدى بالشعرى وبعد خفاها / من بياض للفرقدين استفيدي
انما خشيتي إلا لك في تلك / المحاني الكثيرة التجعيد
لا تهابي فلست اوّل روح / وغلت في هذا الفضاء المديد
لا تهابي فانت يا نفس بعدي / مثل صمصام ليس بالمغمود
ربما جاؤا يمنعونك فيها / عن وصول الى المقام الحميد
انهم قد يثبطونك عنهذ / بشهاب يلقونه من بعيد
فاصدميهم بما لديك من القوة / في صولة الكمي العنيد
واذا ما قسوا عليك فلاقيهم / بوجه اقسى من الجلمود
واذا ما والوك فيها فوالي / واذا ما عدوا عليك فذودي
ولقد كان الحق في كل جيل / ضائعاً بين سائد فذودي
ان تلك السماء كالارض هذي / حومة تدمى للكفاح الشديد
انت حاربت للتحرر اعوا / ماً طوالا فحاربي من جديد
انت في الارض ما تطأطأت حتى / تخضعى في السماء او تستقيدي
انما انت للتمرد لا للخسف / والرسف في ثقال القيود
واذا ما لاقيت سداً منيعاً / فاخرقيه بجرأة الصنديد
اسرعى واجتازي عوالم تبني / سدماً قد اسرفن في التحشيد
جاريات الى التوسع لا ير / ضين الا اخذ المكان البعيد
ليست الطالعات يفجأن الا / رسلا جئن من وراء الوجود
انما مستقر قافلة الار / واح في غير العالم المشهود
للذي يبتغي الولوج جريئا / ليس باب السماء بالمسدود
انت روح ترقى الى حيث شاءت / لا حجاب لها عن التصعيد
لا تخافي هلكا من الضرب فيها / انت روح والروح ليس بمود
انما العز من نصيب الذي يجرأ / والذل حصة الرعديد
انت ان تعزمى يهن كل صعب / لا ينال المراد غير المريد
احمد الباريء الذي يتساوى / عنده ايماني به وجحودي
قيل ان الشهيد يحيا لدي الرب / فمن ذا في الارض غير شهيد
انما هذه حقائق صرحت بها / صادعا بلا تمهيد
فاسمعيها ولا تبوحي بها للملأ / الاعلى حول عرش المجيد
كلنا مؤمن يسبح للرحمن / في ظل عرشه الممدود
انني ما سجدت يوما لغير الله / فالله وحده معبودي
اسألي اللَه ان يخفف سجني / في حفيري وان يفك قيودي
وسلام عليك يوم فراقي / وسلام على يوم همودي
ليلى الجميلة صاحبتني برهة
ليلى الجميلة صاحبتني برهة / ثم انتأت عني لغير معاد
كانت علاقتها على الايام بي / كعلاقة الارواح بالاجساد
قد حرمت النفس من لذ
قد حرمت النفس من لذ / ذاتها وهي تريد
انت في الدنيا عن الدن / نا على القرب بعيد
اخشى على الانسان ان
اخشى على الانسان ان / يزداد بالانسان حقدا
فيكون قرداً في النها / ية مثلما قد كان قردا
طعنوك يا وطني المفدى
طعنوك يا وطني المفدى / في الصدر حتى كدت تردى
والطاعنون بنوك أن / ت كَسوتهم لحماً وجلدا
قد عدت بعد ذهاب منك يا عيد
قد عدت بعد ذهاب منك يا عيد / اذ كل شيء يسر النفس مفقود
أانت عيد به الافراح شاملة / ام مأتم فيه للاحزان تجديد
عيد اجل انت عيد الاسلام به / الا لمن قلبه بالغش معقود
عيد به عنك هذا الناس في شغل / بهمها ما بها في الالف مسعود
عيد الم على يأس بمملكة / وليس فيه لجرح سال تضميد
حيث الدخيل سعيد من تزلفه / وعن مواطنه للحر تشريد
عيد تمج جراح الحق فيه دما / وخنجر الضيم في الاحشاء مغمود
عيد يكابد فيه المسلمون اسى / مبرحا ما عليه الصبر محمود
يبغون ركناً لهم يستعصمون به / والركن من ضربات الدهر مهدود
يؤملون زعيما فيه تسرية / وهل يسري عن المصفود مصفود
يشكو تباريحه الاسلام مضطهدا / اين الاباة واين الذادة الصيد
الحق يوطأ بالاقدام منسحقا / وما هنالك يحمى الحق صنديد
باب المنية مفتوح لمضطهد / وكل باب سواه فهو مسدود
الغيد تبكي شجاها في المصاب وما / اشجى دموعا همت تبكي بها الغيد
ما ان لها من عقود غير ادمعها / منها تحلى بها اللبات والجيد
نالت مطالبها الاقوام قاطبة / ومطلب العرب المهضوم مردود
في كل يوم تصيب القوم كارثة / فداحة ويروع القوم تهديد
لا قلب الا وفيه الحزن مرتكم / وما لأبعاد هذا الحزن تحديد
لا الروض نضر كما قد كنت تعهده / ولا لبلبله الصيداح تغريد
اتى على الروض حتى جف من ظمأ / يوم من الدهر يشوى النبت صيخود
تسر بالعيد اقواما اولى شمم / ايامها البيض لا ايامها السود
اذهب فان قلوب الشعب دامية / ما ان لها من سلو فيك يا عيد
وكيف تفتح ابواب السرور لها / وفي يد غير ايديك المقاليد
كنا نرحب بالاعياد عائدة / لو كان في العيد للاحزان تبديد
لا وحدة في النظام اليوم تجمعهم / فان قومي عباديد عباديد
وما بكل بلاد العرب من جذل / ولا بكل بلاد العرب مسعود
قد كان وجهك بساما لناظره / واليوم يملأ منك الوجه تجعيد
اظافر الدهر غاصت فيه عابثة / ففيه من كل ظفر منه اخدود
الدهر يعطى سروراً يمنعه / وذلكم منه لا بخل ولا جود
ما كان قبلا لهذا الشعب من خطل / حتى اطمأن فغرته المواعيد
ان السهام وان كانت منصلة / يعوزها منه عند الرمي تسديد
ذم المدافع للاسماع قارعة / كما تصادم جلمود وجلمود
نريد ظلا يقينا الحر من شجر / لم يبق اخضر منه اليوم املود
لم يبق عندي بغير الشعر من ولع / وانما الشعر اغرود واغرود
وما الحياة سوى نار مؤججة / يثيرها في دم الشبان بارود
وانها لاصطدامات بمنحدر / كما تصادم بالسيل الجلاميد
قد علمتني تجاريبي التي سبقت / ان ليس يظفر بالحاجات رعديد
ايام ذي العز اعياد برمتها / اما الذليل فهذا ماله عيد
تجرد العود لما هيض من ورق / فهل ستصبر حتى يورق العود
لم استمع ردحا للحق من نبأ / حتى تظنيت ان الحق ملحود
يا حق انك من كل الذين بهم / عثت يد الحيف في الاقطار منشود
للحق حام وفي الايام متسع / الست تؤمن ان الله موجود
هل لمن يرقدون في الالحاد
هل لمن يرقدون في الالحاد / يقظة بعد كل هذا الرقاد
ما لهم لازمين للترب لا يح / فزهم للحراك صوت المنادي
ألهم عودة كما يعد الدي / ن ام القوم ما لهم من معاد
وكأن الموتى على القرب منا / في قصيّ عنا من الابعاد
افترقنا وعنا من جديد / نلتقي في غياهب الآباد
لا تفيد الاكفان بيضا عليهم / ولعل البياض مثل السواد
حيرتك الحياة وهي لعمري / ليس الا تطوراً في الجماد
انها في الصميم منه وان لم / يك فيه ظهورها ذا اطراد
انها سير للتقدم فيه / انها فيه قوة للجهاد
انها الكهرباء تبني الذي تبني / على وحدة من الاضداد
انها تأتي الارض محمولة فو / ق شعاع للكوكب الوقاد
انها لا تموت بل تختفي كالجمر / في كومة لها من رماد
ما على انها خبت بدليل / حاسم كون وقدها غير باد
تخذ النوع في الورى للتعالي / سلماً من جماجم الأفراد
ما حياة الابناء في الارض الا / من حياة الآباء والاجداد
فلقد شاءت الحياة قديما / ان يعيش الآباء في الاولاد
احرصي يا حياة ان لا تموتي / فلك الكارثات بالمرصاد
ليس من يدرس الطبيعة بحا / ثا بناج من تهمة الالحاد
ان ارقى الاحياء في كل ارض / بشر بعضه على البعض عاد
ما رأيت الضعاف الا طعاما / لبني عمها الغلاظ الشداد
كبرت هذه الطبيعة حتى / وسعت لا نهاية الابعاد
ان تأملتها رأيت عليها / اثر القصد ظاهراً والسداد
استحب الحياة في ظلّ دهر / باسم لي وسهمه في فؤادي
اخبريني يا نفس من انا ماذا / انت مني ما مبدئ ما معادي
ما حياتي وغاية الله منها / ما وجودي والقصد من ايجادي
كيف جاءت تقوى الارادة فينا / ما علاقات الروح بالاجساد
علميني بما به لك علم / فلعلي يا نفس القى رشادي
انت يا عقل في جميع حياتي / سند ينتهي اليه اعتمادي
واذا كانت حاجة لي الى ها / د فيا عقل انت ذاك الهادي
قد تعودت ان اكون صريحا / فاقول الذي عليه اعتقادي
ان تكن مني الصراحة اثما / فهو جزء متممم لجهادي
فقد اخترت لي جهنم مثوى / وتركت الجنان للزهاد
انا هذا ولست اقوى على تغيير / نفسي يوماً او استعدادي
انا من جوى لست منحدرا / الا اذا شق حادث منطادي
لم ازل شاعراً هد ركني / كبر لي وفت في اعضادي
ولقد عاشرت الرجال طويلا / واذا الاصدقاء منهم اعاد
ولقد يدنو البعض منك فلا تد / ري أهذا مسالم أم معاد
انما هذه الدموع تهاوى / من عيون عصارة الاكباد
رب شعر على الاجادة فيه / كان منهم فريسة الاحقاد
انت لا تدري حين تسمع شعري / أبكاء ذا أم ترنم شاد
ايها الشعر انت عزي ولكن / في بلاد بعيدة عن بلادي
كم غريب في جنب دجلة راو / وقريب في جنب دجلة صاد
جرحوا في شيخوختي القلب مني / ثم ابقوا جرحي بغير ضماد
ان في جرحهم لقلبي عذاباً / دونه القتل بالسيوف الحداد
ربما نام ليله مستريحا / بعض من اخلدوا الى الجلاد
أي شيء يلقي بنفسك ريبا / من حديثي عن ذلك الاخلاد
لا تذم المضل للشك فيه / فلعل المضلّ للناس هاد
لهفي على شيخ العروبة احمد
لهفي على شيخ العروبة احمد / فلقد مضى بالسابقيه يقتدي
واختار من قبر بناه لنفسه / صرحا بجوف الارض غير ممرد
ما في استطاعته الحراك كأنه / متقيد فيه ولم يتقيد
لهفي على الشيخ الذي فجعت به / احزاب مصر على اختلاف المقصد
جلل من الاحداث جندل جهبذا / من يعرب فهو هوى الجلمد
بكت العروبة في الجزيرة كلها / حزنا على شيخ العروبة احمد
عقل العروبة قلبها ولسانها / وشهابها الهادي بليل أسود
خلت الكنانة من زكي بعدما / كان الزكي بها يروح ويغتدي
شيخ على كتب تخيرها له / عطف الشباب على الحسان الخرد
انقاد للموت الزؤام ومن يعش / عمرا طويلا لا ابالك ينقد
قد ذاق حلو العيش فيه ومره / والمر مثل الحلو للمتعود
كان الثمانون التي قد جازها / ترنو اليه بأعين المتهدد
من بعد ما دفنوه قد شبهته / لو صح تشبيهي بسيف مغمد
بالامس سيف الحق كان مجرداً / واليوم سيف الحق غير مجرد
انهد يصحبه دوي من عل / علم الى غير العلا لم يخلد
نعش تشيعه الى دار البلى / امم تعج فياله من مشهد
ودّت ملائكة السماء لو انها / دفنته في العيوق او في الفرقد
ولو اننا اسطعنا وفينا كثرة / كنا ردنا الموت عنه باليد
الكوكب الوقاد أمسى آفلا / فبمن اذا سرنا بليل نهتدي
قد كان في آفاقه متفرداً / يؤتى الهدي كالكوكب المتوقد
سكن الثرى والشمس ترسل فوقها / في كل صبح وابلا من عسجد
قد كان مبدؤه الذي اوصى به / يحتج ان لا يعتدي من يعتدي
حم القضاء فلا مرد له فيا / جسد الثقبل اهبطو يا نفس اصعدي
قد اصبح الصيداح من فلج به / في روضة الآداب غير مغرد
أرأيت كيف بساعة مشؤومة / نعم الحفير بأحمد وخلا الندى
ولقد شجتني النائحات عشية / يبكين نابغة كريم المحتد
سلك الألى عاشوا طويلا بيننا / نحو الردى متن الطريق الأبعد
يتوسد الميت الثرى ولو انه / منح الخيار ابى ولم يتوسد
الدهر يلقى الامر ممن فوقه / والدهر يقتل من يشاء ولا يدى
ما انت من ظفر المنون بمفلت / وإن ارتديت تطير ريش الهدهد
وهي المنون ينلن من أجسادها / من غير تعويض كفعل المبرد
ان الحياة ولا غضاضة ان عفت / كالشعر تجدر بالفتى المتجدد
يسعى الوضيع من الانام لبطنه / أما الرفيع فسعيه للسؤدد
لولا مفارقة الذين نخصهم / بالود كان الموت أعذب مورد
لا نفع في طول الحياة فانها / كالماء ان يمكث طويلا يفسد
أما الحياة فانها لشبيهة / بنسيج خيط في الوجود معقد
ولقد تمر على الكريم حوادث / حتى يود لو انه لم يولد
لو حيزت الجنات يوما حازها / ذو العلم قبل الزاهد المتهجد
من ذا يرى للمؤمنين بربهم / أن لا تكون سماؤهم بزبرجد
ما كنت قبل الموت الا سيداً / في الدار او في الحزب او في العهد
وجعلت تلهج بالمنون وأنه / حق فكان الداء شر ممهد
حتى وصلت الى الردى وثبا على / ان الطريق اليه غير معبد
لا يملكنك من غد بعد الردى / خوف فيوم الهالكين بلا غد
المرء بالآثار تحمد بعده / يحيا ولا يحيا اذا لم تحمد
فاذا ذكرت بها فانت مخلد / واذا نسيت فانت غير مخلد
طلعت من الافق الجديد عطارد
طلعت من الافق الجديد عطارد / للعاكفين على القديم تطارد
طلعت بليل غاسق فتألقت / والناس أما مؤمن أو جاحد
انظر اليها فهي تشبه ماسة / لمّاعة منها عليها شاهد
وكأن ما قد جد من أعدادها / في جيد دجلة والفرات قلائد
فيهن للآداب عرش قائم / رفعت من عزم الشباب سواعد
الفتح مكتوب بصفحة راية / في ظلها جيش الشباب يجاهد
ادبان هذا ناهض في ثورة / يبغي الحياة له وهذا جامد
نسبوا الى الادب الجديد مساوياً / واذا المساوى كلهن محامد
القوم اسرى لم يجرد نفسه / من قيدها في الالف الا واح
الشعر بالتقليد فيه هالك / والشعر بالتجديد فيه خالد
والشعر لو لا النقد يبقى ميتاً / والشعر لا يحييه الا الناقد
والشعر كالزهر النجوم طوالعاً / ينبيك عن اقدارهن الراص
الله للأحرار في آدابهم / ماذا من المتعصبين تكابد
الشعر ليس سوى شعور ثائر / اما الشعور فما عليه قواعد
الشعر بالمعنى يتم ولفظه / اما قوافيه فهن زوائد
ولقد يكون من الشباب معارض / ولقد يكون من الشيوخ معاضد
حلله تبصر نفس قارضه به / صوراً تقارب مرة وتباعد
اني اهنئ من فؤادي عصبة / جدت لها بعد النهوض عقائد
للشعر في فلق التجدد ثورة / وكأن شيطان التجدد مارد
حسنت نجوم في المجرة لمع / فكأنما تلك النجوم قصائد
وكأنما في كل بيت غادة / رود تجاذب تارة وتراود
انزل بواد للتجدد مزهر / قد صافحت فيه السيول جلامد
اهل القديم اذا ارادوا راحة / فلهم باودية الجمود مراقد
اما الجديد فاهله تطوى به / في الارض ابحار طمت وفدافد
ما ان يعيق الدهر عن جريانه / ان المصاب به عليه واحد
قد كان لي شعر وكنت احبه / وأذود عنه والمحب لذاذد
احنو عليه وهو طفل مثلما / يحنو على الولد الوحيد الوالد
فاذا ترنم او تبسم او حبا / يرنو الي عرفت ما هو قاصد
وأقوله في كبرة مني ولا / ادرى أاني هابط ام صاعد
واليوم اذ ذهب الشباب فحاجتي / هي ان يواريني بقبري اللاحد
اني على عهد الصبا في كبرتي / ابكي كما يبكي الفقيد الفاقد
الجرح يبرأ حين يلقي ضامداً / ويفز حين يعز ذاك الضامد
فاذا أملت فكل شيء صالح / واذا يئست فكل شيء فاسد
يقولون شيخ جاء ينشد شهرة
يقولون شيخ جاء ينشد شهرة / فهل شهرتي ضاعت فاصبح ناشدا
يريدون ان ابقى اذا الصوت راقني / لفنانة مثل الحجارة جامدا
يريدون ان احيا بعيداً عن الهوى / فلا تبتغي عيني الحسان النواهدا
يريدون ان لا اهبط الروض منصتاً / لشاد وان لا اطرى الزهر حامدا
وما كنت في دنيا الي حبيبة / وان كدت استوفي الثمانين زاهدا
أجل كنت عيناً في زمان ونائبا / ولكنني ما كنت للذوق ناقدا
اذا كان شعري انحط من سابق له / فذلك يعنيني فما لك حاردا
ولو كنت تصفى لي النصيحة مخلصاً / لما كنت تخفى عني اسمك عامدا
لعلك في يوم الى الحق راجع / فسر في سبيل النقدان شئت راشدا
سأبغي لنفسي من حياتي متعة / واعلم اني لست في الارض خالدا
لقد كان سعد خير قوم مجاهد
لقد كان سعد خير قوم مجاهد / ولكن سعدا قد مضى غير عائد
وكان لجيش الحق في مصر قائدا / فخر وظل الجيش من غير قائد
وكان نصير الحق مذ كان يافعا / برغم الرزايا والرقيب المراصد
ولم يعن سعدا ما عدا مصر مقصد / ومقصد سعد من أجل المقاصد
وأكبر ما في نفس سعد أمانة / إلى النيل منها لم يصل كيد كائد
أصاب من المقدار مصر بطعنة / فأنهرها نجلاء أطول ساعد
وقد كان سعد هلكه هلك أمة / وما كان سعد هلكه هلك واحد
لقد مات سعد خالدا منه ذكره / وما خير ذكر لا يكون بخالد
لقد أغمدت مصر الأسيفة سيفها / وقد أسلمته للثرى والجلامد
لقد مات سعد بل لقد مات موثل / وآمال شعب ناهض ذى مقاصد
وقد فقدت كل العروبة سعدها / وما مصر إلا بعض تلك الفواقد
ولم يبق من سعد لها وحياته / سوى كلم فوق الطروس خوالد
ولم يبق من سعد لها غير ذكره / يلوح كطيف الكوكب المتباعد
ولم يبق من سعد على طول وقدم / سوى جسد بعد الحرارة بارد
وما تلكم الآمال إلا خرافة / وتلك الرجايا غير أحلام هاجد
فديتك من ذي كثرة قبل موته / ومن جسد بعد المنية هامد
على الأرض شاد القوم قبرك ساميا / ولو قدروا شادوه فوق الفراقد
وقد اتخذوا من جوفه لك مرقدا / وليس يبالي ميت بالمراقد
وهل حافل بالقبر من كان سيدا / له ألف قبر من قلوب الأماجد
لرزءك لا شمس النهار جميلة / ولا الليل بسام النجوم لشاهد
وما دون مصر في العراق لك الأسى / وإن دموع الشعر بعض الشواهد
ستبكي على سعد عيون جوارحي / وتبكى على سعد عيون قصائدي
وعصماء منها كل بيت كدمعة / على الراحل المبكى من كل واحد
وإني لأرجو أن تكون كزهرة / على قبره أو درة في القلائد
وقد كان فخما موكب النعش كله / له مشهد ما مثله في المشاهد
وداعا لذاك النعش يوم مشوا به / إلى القبر في جمع من الناس حاشد
وما كنت في سيل الجماهير مبصرا / سوى مطرق أو زائغ الطرف واجد
ولا سامعا إلا شهيقا لمجهش / وإلا زفيرا من حشاشة كامد
ومن ناشج يبكي وآخر جازع / وآخر مغتاظ على الدهر حارد
فلا صبر ما لم ينقض الدهر حكمه / وما لم يكن سعد إليهم بعائد
وللحزن دمع في الماصب كلاهما / إذا كبرت ويلاته غير نافذ
وليست عيون الأقربين إذا طمى / مصاب بأولى من عيون الأباعد
ألا أرني من قد يسد مسده / ودع جرح مصر شاغلا للضوامد
لسعد عظيم في الحياة وبعدها / وفوق الكراسي ثم تحت الجلامد
لقد لف ذاك النعش في يوم سيره / براية مصر وهي أثكل فاقد
وقد حملوه والجماهير خلفه / على مدفع ضخم مكان السواعد
وما كان سعد واحد بين أمة / ولكن سعد أمة بين واحد
لقد بات ذاك الوجه في ذمة الثرى / فعل الثرى إذ ضمه غير هارد
وعلى الثرى يا سعد ان عدل الثرى / يصلون قليلا بعد تلك المحامد
وما هي إلا رقدة الموت إنها / تطول فما منها انتباه لراقد
وسيق الذي قد كان عن مصر ذائداً / إلى حضرة عن نفسه غير ذائد
وقد كان قبلا صاعدا غير نازل / فأمسى بقبر نازلا غير صاعد
فيا قبر سعد إنما أنت حفرة / قد احتضنت عن مصر خير مجاهد
ويا قبر سعد فيك آمال أمة / فحافظ عليها ثم حافظ وهاود
وما نمت عن مصر إذا الناس هوموا / يرين الكرى من عينهم بالمعاقد
ولدت لها استقلالها فهو باسم / إليك ابتسام الطفل في وجه والد
ويا سعد لم تفتأ لمصر مناضلا / وما فتى المقدار غير مساعد
إلى أن رغمت الدهر أن يبدى الرضى / ببعض الذي طلبته من مقاصد
وكان رضاء فيك أنك قابض / عليها جميعا واحدا بعد واحد
هل الدهر يولى مصر سابق عطفه / فيوجد سعدا آخر للشدائد
أحبته في مصر الطوائف كلها / وذاك لأن الحب فوق العقائد
فصلت عليه أمة في كنائس / وصلت عليه أمة في المساجد
وقد كان سهلا للذين تساهلوا / وجلمود صخر في وجوه الجلامد
يناضل إن كان الزمان مساعدا / ويربض اما كان غير مساعد
حكيم يرى للقول وقتا وموقعا / ليأتي ما قد قاله بالفوائد
يصوره المثال للناس كاملا / إن استطاع في التمثال جمع المحامد
وقد كان سعد ملء مصر وغيرها / وملء فم الأقوام ملء الجرائد
ويفعل فعل المغنطيس حديثه / فيجذب أشتات القلوب الشوارد
ولم تلد الأيام في مصر كلها / سجاعا كسعد في اقتحام الشدائد
ولا مثله في مصر ذا عبقرية / على ما يراه قومه غير جامد
وليس ببدع في الحياة شذوذه / فقاعدة الأفذاذ خرق القواعد
حست السدى في غاية الفكر موغلا / فشاهدت في مسراي ما لم أشاهد
وجدت بها وجه الحقيقة باردا / وقد كان ظني أنه غير بارد
جهاد على الأرض الحياة جميعها / فلست تلاقى فوقها من محايد
وليس لإنسان من الموت مصدر / وإن كان هذا الحوض جم الموارد
وما الناس إلا كالنبات بأرضهم / وما الموت ان سبهت إلا كحاصد
وأضرحة فيها الرغام وسائد / فما حفلت نوامها بالوسائد
وما ضرها ألا تكون فسيحة / لمن سكنوا فيها سكون الجوامد
ورب جحود باللسان وقلبه / إذا هو ناجي قلبة غير جاحد
وكائن ترى من شاهد مثل غائب / ومن غائب في طنه مثل شاهد
وكل امرئ يعنوا إذا ما قرعته / إلى الحجج البيضاء غير المعاند
ستأتي وإن لم أرض بالموت نوبتي / فأنجوا به من شر أهل المكايد
ومن شر نفاث ومن شر غاسق / ومن شر خراص ومن شر حاسد
وإني سأودي مثل غيري فتنتهي / على الأرض أو طاري وكل مقاصدي
ولست براج بعد موتي إذا أتى / حياتي في المريخ أو في عطارد