المجموع : 448
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ
هُوَ النَّصْرُ يا تَيْمَاءُ يَتبعُهُ النَّصْرُ / فإن كُنتِ في رَيْبٍ فقد وَضَحَ الأمرُ
دَعِي الرُّسْلَ تَمضي ما عليكِ مَلامَةٌ / وكيف يَعافُ الأمنَ من غَاله الذُّعْرُ
فإن تَخفضي منكِ الجَناحَ لِتَنْعَمِي / بأفياءِ عيشٍ ساكنٍ فَلَكِ العُذْرُ
وهل يَرفعُ العصفورُ يوماً جَنَاحَهُ / إذا حَلَّقَ البازِي أو انطَلَقَ النَّسْرُ
إذا أمسكَ الصَّبرُ البلادَ وأَهْلَها / فليس على هذا قَرارٌ ولا صَبْرُ
ألم يكُ أهلُ الأرضِ مَوْتَى فجاءهم / رَسُولُ حياةٍ دِينُهُ البَعْثُ والنَّشْرُ
أبى أن يَظَلُّوا آخِرَ الدَّهرِ فوقها / يَسيرونَ في الأكفانِ وَهْيَ لهم قَبْرُ
حَياةُ الدُّنى في سَيْفِهِ وكِتَابِهِ / وما منهما إلا لها عنده سِرُّ
لَكِ الأمنُ يا تَيْماءُ لا الدَّمُ دَافِقٌ / ولا النَّفْعُ مُسْوَدٌّ ولا الجَوُّ مُغْبَرُّ
ولا أنتِ ثَكْلَى ما تُغِبُّكِ لوعةٌ / مُؤجَّجةٌ كالجمرِ أو دونها الجمرُ
أعانَكِ رأيٌ أبصَرَ القصدَ فانْتحَى / بأهلِكِ ما لا يَنْتَحِي الجاهلُ الغِرُّ
ولو آثروا الإسلامَ دِيناً لأفلحوا / ولكنّه الشِّركُ المُذَمَّمُ والكُفْرُ
أَبَوْا وَتَولَّوا يَشترُونَ نُفُوسَهم / بأموالِهِم هذا هو الغَبْنُ والخُسْرُ
يُؤدُّونَها من خِيفَةِ القتلِ جِزْيَةً / على الهُونِ ممّا يرزقُ الحَبُّ والتَّمْرُ
أقاموا يُريدونَ الحياةَ بأرضهِمِ / وكيفَ حياةُ القومِ إن فَسَدَ الأَمْرُ
رُوَيْدَ الأُلَى اختاروا الضلالةَ خُطَّةً / فَتِلكِ وإن لم يعلموا خُطَّةٌ نُكْرُ
يَضِلُّونَ والفَجرُ المنوِّرُ طَالِعٌ / ولا عُذْرَ للضُّلّالِ إن طَلَعَ الفَجْرُ
لِكُلِّ أُناسٍ مُدَّةٌ ثُمّ تَنجلِي / عَمَايَتَهُمْ فَلْيَصْبرُوا إنّه الدَّهْرُ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ
مَضى العامُ وَانْبَعَثَ المُنتظَرْ / وَخُلِّيَتِ السُّبْلُ لِلْمُعْتَمِرْ
لقد يَسَّرَ اللَّهُ تِلكَ الصعابَ / فما من عَصِيٍّ ولا مِن عَسِرْ
بَدارِ بَدارِ جُنودَ النَّبيِّ / فإنّ الغنيمةَ للمُبْتَدِرْ
إلى البيتِ سِيرُوا سِرَاعَ الخُطَى / فما ثَمَّ من خِيفَةٍ أو حَذَرْ
وَسُوقُوا الهدايا إلى ربِّكم / فما خَابَ مَن ساقَها أو نَحَرْ
دَعُوها لِناجِيَةٍ إنّه / لَنِعْمَ الفتى إن تَمَطَّى السَّفَرْ
دَليلكم الصّدقُ فيما مَضَى / يَشُقُّ الصّعابَ ويَهدِي الزُّمَرْ
ولِلخَيْلِ قائدُها المُجتَبَى / وفَارسُها الشّمّريُّ الأغرّ
رأوْها مُطَهَّمَةً في السّلاح / فطاروا يقولونَ أمرٌ قُدِرْ
أيا قَومَنا إنّهم أقبَلوا / على الجُرْدِ في المُرْهَفَاتِ البُتُرْ
خُذُوا حِذْرَكم وَاجمَعُوا أمركم / ألا إنّنا لا نَرى غيرَ شَرّ
وجاء ابنُ حصنٍ رسولاً يقول / مُحمدُ ما شأنكُم ما الخَبَرْ
أَتنقضُ عهدَكَ تبغِي القتالَ / وما كنتَ ممّن بَغَى أو غَدَرْ
قُريشٌ على العهدِ ما بَدَّلوا / ولا كان منهم أذىً أو ضَرَرْ
عَلامَ السّلاح وماذا تريدُ / أتأبى لأنْفُسِنَا أن تَقرّ
فقال النبيُّ اهْدَأُوا إنّني / لأَوْلَى الوَرَى بوفاءٍ وبِرّ
سيبقَى السّلاحُ بعيدَ المكانِ / لِيأمنَ مِن قومِنا مَن ذُعِرْ
لِمَكَّةَ حُرمتُها والذمام / وللَّهِ سُبحانَهُ ما أَمَرْ
وأقبلَ في صحبِهِ الأكرمين / يَؤُمُّ البَنِيَّةَ ذاتِ السُّتُرْ
فيا ابنَ رُواحَةَ خُذْ بالزِمام / وقل في النبيِّ وفي مَن كَفَرْ
جَلا القومُ يأبونَ لُقْيَا النبي / وأصحابِهِ الطاهرينَ الغُرَر
فطافوا وَصَلُّوا وخَفُّوا معاً / إلى الركنِ يَغشَونَهُ والحَجَرْ
وَقَضُّوا المناسِكَ مُسْتَبْشرينَ / فلم يبقَ من مأرِبٍ أو وَطَرْ
وجاء حُوَيطبُ يَلْقَى النَّبيَّ / وصاحِبُهُ المرتجَى للغِيَرْ
يقولان إنّا على مَوعدٍ / فما لكَ عن أرضِنا لم تَسِرْ
قَضيْتَ الثلاثَةَ فاذْهَبْ إلى / مَنازِلِ يَثْرِبَ ما من مَفَرّْ
فأرعدَ سعدٌ وجاشتْ به / حَمِيَّةُ مُسْتَوفِزٍ كالنَّمِرْ
وألقَى بصاعقةٍ تستطير / على جَانِبَيْها بُروقُ الشَّرَرْ
فقال النبيُّ رُويداً رُويداً / وأطفأ من غَيْظِهِ المسْتَعِرْ
وحُمَّ الرحيلُ فنعمَ السّبيل / سبيلُ القبيلِ الجليلِ الخَطَرْ
هُمُ صَبَرُوا فانثنوا ظافرين / وما الصّبرُ إلا بَشِيرُ الظَّفَرْ
فَشُكْراً لربٍّ يُحِبُّ التَّقِيَّ / وَيُضفِي العَطَاءَ على مَن شَكَرْ
اسمٌ سَمَا لَفظُهُ وازدَانَ مَعناهُ
اسمٌ سَمَا لَفظُهُ وازدَانَ مَعناهُ / حَلّاكِ رَبُّكِ بالحُسْنَى وحَلّاهُ
مَيمونةٌ أنتِ هذا ما تَخيَّرهُ / لَكِ الذي اختاره مِن خَلقِهِ اللَّهُ
أوفى بَحمزَةَ والعبّاسِ مَجدُهُما / يا أختَ زَوْجَيْهِما والنَّاسُ أَشْباهُ
لأنتِ أكرمُ عند اللَّهِ مَنزلةً / يا زَوجَ أحمدَ إذ أعطاكِ إيّاهُ
لم تَعلمي أمَطايا اللَّهِ حاملةٌ / منكِ الجلالَ المحلَّى أم مطاياهُ
إلى المدينةِ سِيري في كِلاءتِهِ / يا طِيبَ مثواكِ إن شارفتِ مَثواهُ
قرِّي بِبعلِكِ عَيْناً إنّه شَرَفٌ / ما مِثلُهُ شَرَفٌ عالٍ ولا جاهُ
أطريْتُ فيكِ وفي المختارِ مُؤمنةً / عَزَّتْ بأبلجَ ما تُحْصَى مَزَاياهُ
عِزٌّ يُوطِّدُ للإسلامِ جَانِبَها / مِنْ جانبِ اللَّهِ مَوْلاها ومَوْلاهُ
ما انفَكَّ يتَّخِذُ الأصهارَ يجعلهم / لِدينِهِ الهادمُ البانِي ودُنْياهُ
سياسةٌ ما رَمَى الطَّبُّ اللَّبيبُ بها / إلا أصابَ بإذنِ اللَّهِ مَرماهُ
وقُوّةٌ لرسولِ الله شائعةٌ / بين القبائلِ يرعاها وتَرعاهُ
وسنَّةٌ لبني الإسلامِ يَشرعُها / والخيرُ أجمعُ شرعٌ من سجاياهُ
همْ أسرةٌ في ظلالِ اللَّهِ واحدةٌ / تَمضي على الحقِّ تَرجوه وتخشاهُ
لا تَعرِفُ الرُّشدَ إلا في شَرائِعِهِ / ولا تَرَى الخيرَ إلا في وَصَاياهُ
دِينُ الألَى يُؤثرونَ العزَّ مَنزلةً / ما كانَ أَهْوَنَ دُنيا النَّاسِ لولاهُ
لكلِّ شعبٍ بِناءٌ ليس يُمسِكُهُ / شيءٌ إذا نام عنه مَن تَولّاهُ
لولا الأواصِرُ والأرحامُ ما التأمتْ / مِنه الصُّدوعُ ولا انضمَّتْ شَظَاياهُ
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما
قُم وَدَّعِ الأوثانَ والأصناما / أفما تَرى بُرهانَ رَبِّكَ قاما
يا خالدُ اعمدْ للتي هي عِصمةٌ / لِذَوِي البصائرِ وانبذِ الأوهاما
اللَّهُ ربُّ العالمينَ ودينُهُ / دِينُ السّلامِ لمن أراد سلاما
اقرأ كِتابَ أخيكَ مالك مصرفٌ / عمّا يُريدُ ولن ترى الإحجاما
أقْبِلْ رَعاكَ اللهُ إنّك لن ترى / كسبيلِ رَبِّكَ مَطلباً ومَراما
سَألَ النبيُّ بأيِّ حالٍ خالدٌ / أفما يَزالُ يُجانِبُ الإسلاما
إنّي رأيتُ لخالدٍ من عقلِهِ / فيما يُمارسُ مُرشداً وإماما
ما مِثلهُ يرتابُ في دينِ الهُدى / فَيرى الضّياءَ المستفيضَ ظلاما
إنّا لنَعرفُهُ رشيداً حازماً / ونراه شَهماً في الرجالِ هُماما
لو أنّه جَعلَ المضرَّة والأذى / للمشرِكينَ لما استحقَّ مَلاما
ولكان عِنديَ يا وليدُ مُقَدَّماً / يَلْقَى لَدَيَّ البرَّ والإكراما
أقبِلْ أخي وتَلافَ أمرَكَ لا تكن / مِمَّنْ إذا وَضَحَ السّبيلُ تَعامَى
كم مَوطنٍ جَلَلٍ لو اَنّك لم تَغِبْ / عنه لكنتَ إذاً أجلَّ مَقاما
يَكفيكَ ما ضيَّعت ليس بحازمٍ / من لا يزالُ يُضيِّعُ الأياما
نشط الهمامُ وراحَ يُدرِكُ نفسَه / يبغِي لها عِندَ النبيِّ ذِماما
ألقَى إلى الوادي الخصيبِ بِرَحْلِهِ / فأصابَ فيه مَرْتعاً ومَساما
أيُقيمُ بالوادي الجديبِ فلا يرى / إلا سَراباً كاذباً وجَهاما
لاقى بعكرمةٍ وبابنِ أُميَّةٍ / شَرّاً يَعُبُّ عُبَابَهُ وعُراما
قالَ ائْتِيَا نَبغِي النجاةَ فأعرضا / وتَنازعا قولاً يشبُّ ضِراما
وأجابها عثمانُ دعوةَ ناصحٍ / يأبى الهوى ويُجانِبُ الآثاما
مَضَيا على سَنَنِ الطريقِ فصادفا / عَمْراً فقالا ما لنا وإلى ما
يا عَمْرو دِينَ اللَّهِ لسنا كالأُلَى / جعلوا الحلالَ من الأمورِ حَراما
قال اهتديتُ ولن أكونَ كمن يُرى / طُولَ الحياةِ لنفسهِ ظَلّاما
وَمَشَوْا فما بَلَغَ الرسولَ حَدِيثُهُم / حتّى بدا متهلّلاً بَسّاما
سرَّته مَكَّةُ إذ رَمَتْ أفلاذَها / كَبِداً تُكِنُّ الحُبَّ والإعظاما
بعثَتْ إليهِ من الجبالِ ثلاثةً / رَضوَى يُصاحِبُ يَذْبُلاً وشِماما
خَفَّ الوليدُ يقولُ لا تتمهّلوا / إنّ الحديثَ إلى النبيِّ تَرامى
حُثُّوا المَطِيَّ فإنّه مُتَرقِّبٌ / وأرى جوانحكم تَرِفُّ أُواما
وَفَدوا كِراماً يؤمنون بربّهم / ورسولِهِ بيضَ الوجوهِ وِساما
نَفَضُوا الهوانَ عن الجباهِ فأصبحوا / شُمَّ المعاطسِ يرفعونَ الهاما
أفيعبدونَ مع الغُواةِ حِجارةً / أم يَعبدونَ الواحدَ العلاَّما
كُشِفَ اللِثامُ عن اليقينِ ولن تَرى / كالجهلِ سِتراً والغرورِ لِثاما
لو طَاوعَ النَّاسُ الطبيبَ لما اشتكى / مَن يَحملُ الأدواءَ والآلاما
اعرفْ لربّكَ حقَّهُ فَلِحكمةٍ / خَلَقَ العُقولَ وأنشأَ الأحلاما
أرأيتَ كالإسلامِ دِيناً قَيّماً / سَاسَ الأُمورَ ودبَّرَ الأحكاما
اللهُ أحكمَ أمرَهُ وأقامَهُ / للعالمينَ شريعةً ونِظاما
نادَى النبيُّ به فأفزعَ صوتُه / أُمماً بآفاقِ البلادِ نِياما
ودَعَا إليه وسَيْفُه بِيَمينِهِ / يمضِي حياةً مَرَّةً وحِماما
تَمضِي أباطيلُ الحياةِ ولن ترى / لِسوَى الحقائقِ في الزّمانِ دَواما
صُعقتْ نُفوسُ المشركينَ وهالهم / هَمٌّ إذا انجلتِ الهمومُ أقاما
قالوا فقدناهم ثلاثةَ قادةٍ / ما مِثلُهمُ بأساً ولا إقداما
ما أعظمَ البلوى ويا لكِ نَكبةً / ملَكتْ علينا النقضَ والإبراما
نزل البلاءُ بنا فكانَ مُضاعفاً / وجَرَى العذابُ معاً فكانَ غَراما
إني إخالُ البَيْتَ يُشرقُ جَوُّهُ / وإخالُ مَكّةَ ترفَعُ الأعلاما
يا ابن الوليدِ لك الأعِنَّةُ كلّها / فَالْقَ المقانِبَ وادفعِ الأقواما
سترى المشاهِدَ تَرجُفُ الدنيا لها / وترى الحصونَ تَميدُ والآطاما
بَشِّرْ حُماةَ الشِّركِ منك بوقعةٍ / تُوهِي القُوَى وتُزلزِلُ الأقداما
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ
وَدِّعْ ذَويكَ وسِرْ في شأنِكَ الجَلَلِ / للَّهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ أنتَ من رَجُلِ
سِرْ بالكتابِ رَسولاً حَسْبُهُ شَرفاً / أن راحَ يَحمله مِن أشرفِ الرُّسُلِ
يا حاملَ الجبلِ المرقومِ دُونَكَهْ / مَن ذا سِواكَ رَعَاكَ اللَّهُ لِلجَبَلِ
إلى هِرقْلَ تأنَّى دُونَ سُدَّتِهِ / صِيدُ الملوكِ وتلقاهُ على مَهَلِ
تَرتدُّ عن تاجِهِ الأبصارُ خاشعةً / فما تُلاحِظُه إلا على وَجَلِ
إليهِ يا ابنَ عُمَيْرٍ لستَ وَاجِدَهُ / إلا امْرَأً هَمَلاً في معشرٍ هَمَلِ
لأنتَ أعظمُ منه في جلالتِهِ / وما جلالةُ غاوي الرأيِ مُختبلِ
لا يَعرِفُ الدّينَ إلا فتنةً وهَوىً / أعْمَى المقاصدِ والآفاقِ والسُّبُلِ
هذا كتابُ رَسولِ اللهِ يُنذره / فاذهبْ إليه وخُذْهُ غيرَ مُحتفلِ
مَهْلاً شُرَحبيلُ لا حُيِّيتَ من رَجُلٍ / إن هَمَّ بالشَّرِّ لا يحفِلْ ولم يُبَلِ
بادي الشراسةِ عادٍ ما يُلائِمُه / في موضعِ الذَّمِّ إلا أسوأُ المَثلِ
هاجَتْهُ من نَزَواتِ الجهلِ ثائرةٌ / لم تُبْقِ من كَلَبٍ يَهتاجُ أو ثَولِ
فطاح بابنِ عُمَيْرٍ باسلاً بطلاً / يَفُلُّ في الرَّوْعِ بأس الباسلِ البطلِ
يا للرَّبيطِ يَسلُّ السيفُ مُهجتَهُ / في غير مُعتَركٍ حَامٍ ومُقتتَلِ
كذلك الغدرُ لا ظُلْمٌ بِمُجتنَبٍ / في الغادرينَ ولا لُؤْمٌ بِمُعْتَزَلِ
ما كانَ ذَنْبُ امرئٍ في اللَّهِ مُرتَحِلٍ / يرجوه في كلِّ مُحتَلٍّ ومُرتَحَلِ
سِرْ يا ابنَ حارثةٍ بالجيشِ تقدمه / هذا لواؤكَ فابعثه على عَجَلِ
ادْعُ الأُلَى اتخذوا العَمياءَ وارتكسوا / فيها إلى أرشدِ الأديانِ والمِلَلِ
فإن أبَوْا فَسيوفُ اللَّهِ تأخذهم / من كلِّ مُتَّقِدِ الحدَّيْنِ مُشْتَعِلِ
أمْرُ النبيِّ فَسِرْ يا زيدُ مُمتثلاً / والجندُ جُندُكَ ما تَأمُرْهُ يَمْتَثِلِ
فإن أُصِبْتَ فمن سَمَّى على قدرٍ / وليس للنفسِ إلا غايةُ الأَجَلِ
اِتْبَعْ وصاياه فيما لا يَحِلُّ لكم / ولا يَليقُ بكم مِن سيِّئ العَمَلِ
دَعُوا الصوامِعَ واسْتَبْقُوا النِساءَ ولا / تُؤذوا صَغيراً ولا تُودوا بِمُكْتَهِلِ
لا تقطعوا شَجَراً لا تَهدِموا جُدُراً / لا تقربوا ما استطعتم مَوطِنَ الزَّلَلِ
هذا هرقلُ يسوقُ الجيشَ مُرتكماً / كالعارِض الجوَنْ يرمِي الأرضَ بالوَهَلِ
يُزجِي الكتائبَ من رُومٍ ومن عَرَبٍ / في المُرْهفاتِ المواضي والقَنا الذُّبُلِ
والصَّافناتِ تَهادَى لا عِدَادَ لها / من كلِّ مُنذَلِقٍ في الكَرِّ مُنجفلِ
إنّ الذين أداروا الرأيَ وانتظروا / لم يَبْرَحِ النّصرُ مولاهم ولم يَزَلِ
الغالبونَ وإن قلّوا وظَنّ بهم / ما يكرهُ اللَّهُ أهلُ الزُّورِ والخَطَلِ
لم يلبثِ القومُ حتّى قال قائلُهم / فِيمَ الحوارُ وهل في الأمرِ من جَدَلِ
إنّا خرجنا نريدُ اللهَ فاسْتَبِقُوا / من كلِّ مُنتَهِبٍ للخيرِ مُهْتَبِلِ
لو زالتِ الأرضُ أو حَالتْ جَوانِبُها / بِمَنْ عليها مِنَ الأقوامِ لم نَحُلِ
هُما سبيلانِ إمّا النصرُ نُدرِكُه / أو جنّةُ الخُلدِ فيها أطيبُ النُّزُلِ
لسنا نُقاتِلُ بالآلافِ نَحشُدها / ألفاً لألفٍ من الأبطالِ مُكتملِ
إنّا نقاتلُ بالدِّينِ الذي ضَمنتْ / أعلامُه النَّصرَ في أيَّامِنا الأُوَلِ
لولا مقالةُ عبدِ اللهِ ما انْكشفتْ / تِلكَ الغَواشِي ولولا اللَّهُ لم يَقُلِ
تَقلَّدُوا العزمَ للهيجاءِ وادَّرَعُوا / من صادِق البأسِ ما يُغني عن الحِيَلِ
وأقبلوا لو تَميلُ الشُّمُّ من فَزَعٍ / لم يضطربْ جَمعُهم خَوْفاً ولم يَمِلِ
يا مُؤْتَةُ احْتَمِلي الأهوالَ صابِرةً / هيهاتَ ذلك شيءٌ غيرُ مُحتَمَلِ
جِنُّ الكريهةِ يَستشرِي الصِّيالُ بهم / في مَوطنٍ لو رأته الجِنُّ لم تَصُلِ
ما زالَ قائدُهم يُلقِي بِمُهجتِهِ / يَرمِي المنيَّةَ في أنيابِها العُصُلِ
يَغْشَى مَواردَ من أهوالِها لُجَجاً / تلك المواردُ ليس الغَمْرُ كالوَشَلِ
ما مَن يخوضُ الوغَى تَطغَى زَواخِرُها / كَمَنْ يُجانِبُها خَوْفاً من البَلَلِ
يا زَيْدُ أدَّيْتَ حقَّ اللهِ فامْضِ على / نَهْجِ الأُلَى انتقلوا من قبلُ وانْتَقلِ
آبوا إلى خيرِ دارٍ ما لِنازِلِها / من أوْبَةٍ تبعثُ الأشجانَ أو قَفَلِ
يَسْلُو أخو العقلِ عن دارِ الهُمومِ بها / ويَحْتَوي مَنزِلَ الأدواءِ والعِلَلِ
جَاهدْتَ في اللَّهِ تُرضيهِ وتنصُره / لم تَلْقَ من سَأَمٍ يوماً ولا مللِ
هذا الذي نَبَّأَ اللَّهُ الرسولَ بهِ / فَاغْنَمْ ثَوابَكَ وَالْقَ الصَّحْبَ في جَذَلِ
وأنتَ يا جعفرُ المأمولُ مشْهَدُه / خُذِ اللِّواءَ وجَاوِزْ غايةَ الأملِ
هذا جَوادُكَ ما حَالتْ سَجِيَّتُه / ولا ارْتضَى بِوَفاءِ الحُرِّ من بَدَلِ
عَقَرْتَهُ ورَكبتَ الأرضَ تَمنعُه / مَواطِنَ السُّوءِ من ضَنٍّ ومن بَخَلِ
أكرمتَهُ وحَرمتَ القومَ نجدتَهُ / فَصُنتَ نفسَكَ عن لَوْمٍ وعن عَذَلِ
دَلَفتَ تَمشي على الأشلاءِ مُقتحماً / والقومُ مُنجدلٌ في إثرِ مُنْجَدِلِ
فقدتَ يُمناكَ فانصاتَ اللِّواءُ على / يُسراكَ ما فيه من أمْتٍ ولا خلَلِ
حَتَّى هَوَتْ فجعلتَ الصدرَ مَوضِعَهُ / كأنّهُ منه بِضْعٌ غَيرُ مُنفَصِلِ
يَضمُّهُ ضَمَّ صَادِي النَّفسِ يُولِعُهُ / بِمن أطالَ صَداهُ لَذّةُ القُبلِ
يا قائدَ الجيشِ ضَجَّ الجيشُ من ألمٍ / وأنت عن دَمِكَ المسفوكِ في شُغُلِ
تَقضي الذمامَ وتَمضِي غيرَ مُكْتَرِثٍ / كأنّما الأمرُ لم يَفدَحْ ولم يَهُلِ
لَقِيتَ حَتْفَكَ في شَعْواءَ عَاصِفةٍ / حَرَّى الجوانحِ ظَمْأى البيض والأسَلِ
أعطيتَها مِنكَ نَفْساً غيرَ واهنةٍ / أَعْطَتْكَ سَوْرَةَ مَجدٍ غيرِ مُنْتَحَلِ
لكَ المناقبُ لم تُقْدَرْ غَرائِبُها / مِلءَ المشاهدِ لم تُعْهَدْ ولم تُخَلِ
مَن يُؤْثر الحقَّ يبذُلْ فيه مُهْجَتَهُ / ومن يكُنْ هَمُّهُ أقصَى المدَى يَصِلِ
لا شيءَ يُعجِزُ آمالَ النُّفوسِ إذا / خَلَتْ من الضَّعفِ واسْتَعصتْ على الكَسَلِ
انهضْ بِعِبْئِكَ عبدَ اللهِ مُضطلِعاً / بكلِّ ما تحملُ الأطوادُ من ثِقَلِ
هذا مَجالُكَ فَارْكُضْ غيرَ مُتَّئِدٍ / وإنْ رأيتَ المنايا جُوَّلاً فَجُلِ
كم جِئْتَ بالعَرَبيِّ السَّمْحِ مُرتَجِلاً / واليومَ يومُ منايا الرُّومِ فَارْتَجِلِ
للعبقريّةِ فيهِ مَظْهَرٌ أنِقٌ / يا حُسْنَهُ مَظهراً لو كان يُقدَرُ لي
قنعتُ بالشِّعرِ أغزو المشرِكينَ به / فلم أُصِبْ فيه آمالي ولم أنلِ
لَقَطْرَةٌ من دَمِي في اللهِ أبذلُها / أبقى وأنفعُ لي مِن هذهِ الطِّوَلِ
تَقَلَّدَ القومُ مِلءَ الدّهرِ من شرفٍ / وليس لي من غَواليها سِوَى العَطَلِ
إن شاءَ ربّي حَبانِي من ذَخائِرها / أغْلَى الحُلَى وكَساني أشرفَ الحُلَلِ
الحمدُ للهِ أجرى النُّورَ من قَلمي / هُدىً لقومِي وعافاني من الخَبَلِ
أوتِيتُ ما جاوزَ الآمالَ من أدبٍ / عالِي الجلالِ مَصُونٍ غيرِ مَبْتَذَلِ
يا شاعرَ الصِّدقِ ما خابَ الرجاءُ ولا / مِثْلُ العطاءِ الذي أدركت والنَّفَلِ
خُذْ عِندَ ربِّكَ دارَ الخُلدِ تَسكنُها / قُدسيَّةَ الجوِّ والأرواحِ والظُّلَلِ
آثرتَهُ واصطفيتَ الحقَّ تَكْلَؤُه / مِمّا يُحاوِلُ أهلُ الغيِّ والضَّلَلِ
ليس العرانينُ كالأذنابِ منزلةً / ولا الغَطارِفةُ الأمجادُ كالسَّفَلِ
يا عُقْبَةُ اصْدَعْ بها بيضاءَ ناصِعَةً / تَنْفي الوَساوِسَ أو تَشفي من الغُلَلِ
القتلُ أجدرُ بالأحرارِ يأخذُهم / مُستبسِلينَ ويَنهاهم عن الفَشَلِ
ويا ابن أرقمَ نِعمَ المرءُ أنتَ إذا / تُنوزِعَ الأمرُ عند الحادث الجللِ
قالوا لك الأمر فاخترت الكفيَّ لها / وأنت صَاحِبُهُ المَرجوُّ لِلعُضَلِ
لكنَّها نَفْسٌ حُرٍّ ذي مُحافَظَةٍ / صَافِي السَّريرةِ بالإيمانِ مُشْتَمِلِ
صُنْتَ اللّواءَ وآثرتَ الأحقَّ به / إيثارَ أغلبَ لا واهٍ ولا وَكِلِ
أبى عليه حَياءٌ زادَهُ عِظماً / ما مِثلهُ من حَياءٍ كان أو خَجَلِ
قُلتَ اضْطلِعْ خالدٌ بالأمرِ فَاسْتعَرتْ / مِنهْ حَمِيَّةُ لا آبٍ ولا زَحِلِ
وَراحَ يُبدِعُ من كَيْدِ الوغَى نَمطاً / طاشتْ مَرائيهِ بالألبابِ والمُقَلِ
رَمَى العِدَى حُوَّلٌ شَتَّى مَكائِدُه / جَمُّ الأحابيلِ يُعيي كلَّ مُحْتَبِلِ
ظَنُّوا الجنودَ تَنحّتْ عن مَواقفها / لغيرها مِن عَمىً بالقومِ أو حَوَلِ
جَيْشٌ من الرعبِ يَمْشِي ابنُ الوليدِ بهِ / في مُسْبَلٍ من مُثارِ النَّقعِ مُنْسَدِلِ
ضاقُوا بِمُفْتَرِسٍ في الهَوْلِ مُنْغَمِسٍ / لِنَفْسِهِ في غِمارِ الموتِ مُبْتَسِلِ
أذاقهم من ذُعافِ الموتِ ما كرهوا / ما كفَّ عَنْ عَلَلٍ منه ولا نَهَلِ
ما لِلمُسيئينَ إلا كلُّ مُعْتَزِمٍ / في الرَّوْعِ يُحْسِنُ ضَرْبَ الهامِ والطُّلَلِ
رَمَتْ بِهم هَبَواتُ البأسِ فانكشفوا / يَنْدَسُّ هَارِبُهم في كُلِّ مَدَّخَلِ
بِئْسَ الجنودُ أضلّتهم عَمَايَتُهُمْ / فما لهم بجنودِ اللهِ من قِبَلِ
ظَنّوا الأُمورَ لغير اللهِ يَملكها / إذا جَرَتْ بين مُعْوَجٍّ ومُعْتَدِلِ
وحاربوا الحقَّ من جَهْلٍ ومن سَفَهٍ / والحقُّ فوقَ مَنالِ المعشرِ العُثُلِ
ما يَنقمُ الناسُ من دِينٍ يُرادُ بهِ / فَكُّ العقولِ من الأغلالِ والعُقُلِ
فَلْيَصْبِرِ القومُ إنّ اللهَ مُظهِرُه / على الممالكِ والأديانِ والنِّحَلِ
لَدولةُ اللهِ أبقى في خليقتهِ / فلا يَغُرَّنْكَ ما اسْتَعْظَمْتَ من دُوَلِ
أدعوكَ يا ربِّ للإسلامِ مُبتهِلاً / وأنت تسمعُ دَعْوَى كلِّ مُبْتَهِلِ
نَام المحامونَ عنه فهو مُضطهدٌ / يشكو الأَذى في شُعوبٍ خُضَّعٍ ذُلُلِ
صَرحٌ من العزِّ والسُّلطانِ ما بَرِحتْ / تَهْوِي صَياصيهِ حتَّى عَادَ كالطَّلَلِ
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ
بَنِي بَكرٍ وما يُغني الملامُ / تَلَظَّى البأسُ وانتقضَ الحُسامُ
ذِمَامٌ صادِقٌ ودَمٌ حَرَامُ / وَعِزٌّ من خُزاعَةَ لا يُرامُ
يَقومُ عليه حامٍ لا يَنامُ /
أعانكم الأُلى نَبَذُوا الوفاءَ / وَراحَ القومُ يمشونَ الضَّراءَ
وما تَخفَى جَريرَةُ مَن أساءَ / سُيوفُ مُحمّدٍ جُعلتْ جَزاءَ
فما البَغْيُ الذَّميمُ وما العُرامُ /
قَتلتُم من خُزاعَةَ بالوتيرِ / رِجالاً ما أتاهم من نَذيرِ
لَبِئْسَ الغدرُ من خُلُقٍ نكيرِ / ويا للناسِ للحَدَثِ الكبيرِ
أكان محمدٌ مِمّن يُضَامُ /
أَتَوْهُ يَنشدونَ الحِلْفَ وَفْدا / تَهُدُّ شَكاتُهُ الأحرارَ هدّا
فقال لهم نُصِرتُم واسْتَعَدَّا / وَرَاحَ يَسوقُهُ للحربِ جُنْدَا
تُظلّلهُ الملائِكةُ الكِرامُ /
أبا سُفيانَ ذلك ما تراهُ / هو البأسُ المصمِّمُ لا سِواهُ
أليسَ الحِلفُ قد وَهنتْ عُراهُ / فكيف تُشَدُّ بعدئذٍ قُواهُ
أبا سُفيانَ ليس لكم ذِمامُ /
كتمتَ الحقَّ تطمعُ في المحالِ / فما بالُ الثِّقاتِ من الرجالِ
فتحتم بالأذى بابَ القتالِ / فما دُونَ اللقَاءِ سِوَى ليالِ
وَيَفتحُ مَكَةَ الجيشُ اللُّهامُ /
دَعِ الأرحامَ ليس لكم شفيعُ / لقد حَاولْتَ ما لا تستطيعُ
رُويدَكَ إنّه الرأيُ الجميعُ / وإنّ اللهَ ليس له قَرِيعُ
تَعالَى جَدُّهُ وَسَمَا المقامُ /
رَجعتَ وأزعجتكَ الحادثَاتُ / فَسِرْتَ تقولُ هل قَدمَ الغُزاةُ
نَعَمْ قَدَم الميامينُ الهُداةُ / وتلكَ جِيادُهم والمُرهفاتُ
فَدَعْ دينَ الغُواةِ وقُلْ سَلامُ /
أبا سُفيانَ هل أبصرتَ نارا / كنارِ القومِ إذ باتوا سُهارى
أَبَتْ وأَبَوْا فما تألو استعارا / ولا تُحْصَى وإن عُدَّت مِرارا
هو الفَزَعُ المؤجَّجُ لا الضَّرامُ /
لقد أنذرتَ قومَكَ فاستطاروا / وراحوا ما يقرُّ لهم قَرَارُ
نَبَتْ بهمُ المنازلُ والديارُ / وضاقَ سبيلهُم فيها فحاروا
وقال سَرَاتُهُم خطْبٌ جُسَامُ /
فدعهُم يا ابن حربٍ تَلْقَ رُشْدَا / وبالحقِّ اعتصِمْ فالحقُّ أجدى
سبيلَ مُحمّدٍ فَاسْلكه أهدى / وخذه يا ابن حربٍ منه عهدا
لِبيتِكَ فيه من شرفٍ دِعامُ /
مع العباس سِرْتَ إلى الرسولِ / لأعظَمِ مطلبٍ وأجلِّ سُولِ
لِدينِ اللهِ دينِ ذوي العُقُولِ / مِنَ النَّفرِ المساميحِ العُدولِ
صَدقْتُكَ ليس كالنّورِ الظّلامُ /
لَقيتَ مُحمداً حُرّاً رشيدا / فَعُدْتَ بِيُمنِهِ خَلقاً جديدا
هُدِيتَ وكنتَ جَبَّاراً عَنيداً / هَنيئاً فاصحبِ الجَدَّ السعيدا
بما أولاك صاحبُكَ الهُمامُ /
أصبتَ الخيرَ أجمعَ والرشادا / على يدِهِ وَنِلْتَ به المُرادا
أفادَكَ يا ابن حربٍ ما أفادا / فباركَ فيكَ ربُّكَ ثم زادا
وعند الله يُلْتَمَسُ التّمامُ /
نظرتَ فهل رأيتَ أشدَّ صبرا / وأحسنَ منظراً وأجلَّ قَدْرا
كتائبُ من جُنودِ اللّهِ تَتْرَى / تَمُرُّ عليكَ واحدةً فأخرى
لها مِن دِينِها العالي نِظامُ /
تُكبِّرُ رَبَّها وتَراهُ حقّا / وتَبذُلُ فيه أَنْفُسَها فَتَبْقَى
لَكَ البُشْرَى نعمتَ وكنتَ تشقى / فماذا من أيادِي اللهِ تَلْقَى
لقد جَلَّتْ فليس لها انصرامُ /
لَنِعْمَ الصّاحبانِ الناجيانِ / على طُولِ التَّرَدُّدِ والتَّوانِي
حكيمٌ وابن ورقاءَ اللذانِ / أرادا اللَّهَ فيما يَبغيانِ
فليس بغير سُنّتِهِ اعتصامُ /
كِلا الرجلينِ غِطريفٌ كريمُ / له في قومِهِ حَسَبٌ قَدِيمُ
زعيمٌ جاءَ يصحبه زعيمٌ / كذلك يظهر الدينُ العظيمُ
فتعرفُهُ الغطارفةُ العِظَامُ /
مَضَى لك يا حكيمُ ولابن حربِ / قَضَاءٌ زادَ حُبّاً كُلَّ قلبِ
ومَن أولَى من الهادِي بِحُبِّ / وأجدرُ من عشيرتِهِ بِقُربِ
قريشٌ قومه وهو الإمامُ /
إذا جَعَلتْ قلوبُ الناسِ تهفو / فمن بَيْتَيْكُما حِرْزٌ وكَهْفُ
وعندكما ظِلالُ الأمن تضفو / وَوِرْدُ العيشِ للوُرّادِ يصفو
هما البيتانِ كُلّهما حَرامُ /
وفي حَرَمِ اللّواءِ لكلِ نَفْسِ / تَلُوذُ بهِ كِفايَةُ كُلِّ بأسِ
يَراهُ سَراةُ مَكّةَ فوق رَأْسِ / لِميمونِ النَّقيبةِ غيرِ نِكْسِ
مِنَ النفرِ الأُلَى صَلُّوا وصَاموا /
لِواءُ أبي رُوَيْحَةَ ما أعزّا / لِواءٌ قامَ للإيمانِ رَمْزا
يَهُزُّ قُلوبُ أهلِ الشِّركِ هَزّا / وَيترُكُ بأسَهُمْ ضَعْفاً وعَجْزا
فَمَنْ للقومِ إن وَقَعَ الصّدامُ /
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا
دِيارُ مَكّةَ هذا خالدٌ دَلَفا / فما احتيالُكِ في الطَّوْدِ الذي رَجَفَا
طَوْدٌ مِنَ الشِّركِ خَانَتْهُ جَوانِبُهُ / لَمّا مَشَى نحوهُ الطودُ الذي زَحَفا
إن الجبالَ التي في الأرضِ لو كفرتْ / لَدَكَّها جَبلُ الإسلامِ أو نَسَفَا
لَمّا دَعاهُ بسيفِ اللهِ سَيِّدُهُ / زَادَ السُّيوفَ بِهِ في عِزِّهَا شَرَفا
ديارَ مَكّةَ أمَّا من يُسالِمُهُ / فَلا أذىً يَتَّقِي منهُ ولا جَنَفَا
تلك الوصيَّةُ ما يَرْضَى بها بَدَلاً / ولا يرى دُونَها مَعْدىً ومُنْصَرَفَا
لا تجزعي إنّهُ العهدُ الذي انبعثت / أنوارُهُ تَصدَعُ العهدَ الذي سَلَفا
ليلُ الأباطيلِ ما التفَّتْ غياهِبُهُ / على الحقائِقِ إلا انجابَ وانْكَشَفَا
هُنَّ المنايا فيا للقومِ من بطلٍ / رُمُوا بِهِ حَيَّةً من حَيَّةٍ خَلَفَا
ضاقوا بِسعْدٍ فقالوا قائدٌ حَنِقٌ / لو جاوز الحدَّ بعد الحدِّ ما وَقَفا
واستصرخوا من رسولِ اللهِ ذا حَدَبٍ / إذا استغاثَ به مُستصرخٌ عَطَفَا
هَبَّتْ إلى الشَّرِّ من جُهّالِهِم فِئَةٌ / لم تَأْلُ من جَهلِها بَغياً ولا صَلَفا
واستنفرت من قريشٍ كلَّ ذي نَزَقٍ / إذا يُشارُ إليهِ بالبنانِ هَفَا
فخاضها خالدٌ شعواءَ كالحةً / إذا جَرَى الهولُ في أرجائِها عَصَفَا
رَمَى بها مُهَجَ الكُفّارِ فاسْتَبَقَتْ / تَلْقَى البوارَ وتشكو الحَيْنَ والتَّلَفَا
وقال قائلُهُم أسرفتَ من بطلٍ / ما كان أحسنه لو جَانَبَ السَّرَفا
وهَاجَ همَّ أبي سُفيانَ ما وَجَدوا / فَرَاحَ يَشفعُ فيهم جَازعاً أَسِفا
فَلانَ قلبُ رسولِ اللهِ مرحمةً / وَرَقَّ من شِدَّةِ البطشِ الذي وَصَفَا
وقال سِرْ يا رسولي فَانْهَ صَاحِبَنَا / عَنِ القِتالِ فَحَسبي ما جَنَى وكَفَى
مَضَى الرسولُ يقولُ اقْتُلْ فَهَيَّجَها / مَشْبُوبَةً هَتَفَتْ بالوَيْلِ إذ هَتَفَا
وَعَادَ والدَّمُ في آثَارِهِ سَرِبٌ / والقومُ من خَلْفِهِ يدعون وَا لَهَفَا
قال النَّبيُّ ألم تَذْكُرْ مَقالتَنا / لِخَالِدٍ أعَصِيْتَ الأمرَ أم صَدَفا
فقال بُورِكْتَ إنّ الله حَرَّفَها / وما تَغَيَّرَ لي رأيٌ ولا انْحَرَفَا
سُبحانَهُ إنّ أمرَ النّاسِ في يدِهِ / لا يَعْرِفُ المرءُ من خَافيهِ ما عَرَفَا
لا يَجْزَعِ القوْمُ إنّ السَّيفَ مُرتَدِعٌ / عمّا قليلٍ وإنّ النّصرَ قد أزِفا
لم يرفعوا الصَّوتَ حتّى لاحَ بارِقُهُ / تحت العَجَاجَةِ يجلو ضَوْؤُهُ السُّدُفا
هذا الزُّبَيْرُ تَرَامَى في كتائِبِهِ / كالسَّيْلِ لا تُمسِكُ الأسدادُ ما جَرَفَا
يَلْقَى كدَاءَ بِهِ والخيلُ راكضَةٌ / ما قَالَ حَسّانُ من قبلِي وما ازْدَهَفا
اللهُ أكبرُ جاء الفتحُ وابتهجتْ / للمؤمنين نُفوسٌ سَرَّها وشَفَى
مَشَى النَّبيُّ يحفُّ النَّصرُ مَوكِبَهُ / مُشَيَّعاً بجلالِ اللهِ مُكتَنَفَا
أضحى أُسامةُ من بينِ الصّحابِ له / رِدْفاً فكان أعزَّ النَّاسِ مُرْتَدَفَا
لم يبقَ إذ سَطعتْ أنوارُ غُرَّتِهِ / مَغْنَىً بِمَكَّةَ إلا اهْتَزَّ أو وَجَفا
تحرَّكَ البيتُ حَتَّى لو تُطاوعُهُ / أركانُهُ حَفَّ يَلْقَى رَكبَهُ شَغَفَا
وَافَاهُ في صَحبِهِ من كلِّ مُزْدَلِفٍ / فلم يَدَعْ فيه للكُفَّارِ مُزْدَلَفا
العاكفون على الأصنامِ أضحكهم / أنّ الهوانَ على أصنامِهِمْ عَكَفا
كانوا يَظنُّونَ أنْ لا يُسْتَبَاحَ لها / حِمىً فلا شمماً أبدتْ ولا أنَفَا
نامت شَياطِينُها عنها مُذَمَّمةً / كأنّها لم تكن إذ أصبحَتْ كِسَفا
رِيعَتْ شيوخُ قريشٍ من قذائِفِها / وَرِيعَ منها الخُزاعِيُّ الذي قُذِفَا
رأته يَنحَطُّ من عَليائِهِ فزعاً / من بعد ما أفزعَ الأجيالَ مُشتَرِفَا
وما ذَرَى هُبَلٌ والطعْنُ يأخُذُهُ / هل غَوَّرَ الدمعُ في عَيْنَيْهِ أم ذَرَفا
لو كان للدمِ يجري حَولهُ دُفَعاً / طُولُ المَدى مَثْعَبٌ في جوفِهِ نَزَفا
رَمَى به اللهُ يحمِي البيتَ من عَبَثٍ / يَعافُ باطِلَهُ مَن عافَ أو عَزَفَا
لم يَبْقَ بالبيتِ أصنامٌ ولا صُوَرٌ / زَالَ العَمَى واسْتَحَالَ الأمرُ فَاخْتَلَفَا
للجاهِلِيَّةِ رَسمٌ كان يُعجبها / في دهرِها فَعَفَتْ أيامُها وَعَفَا
لا كُنتَ يا زمنَ الأوهامِ مِن زَمَنٍ / أرخَى على النّاسِ من ظَلْمَائِهِ سُجُفا
إنّ الشريدَ الذي قد كان يظلمه / ذَوُو قَرَابتِهِ قد عادَ فانْتَصَفا
ردَّ الظلامَةَ في رفقٍ وإن عَنَفوا / ولو يَشاءُ إذَنْ لاشْتَدَّ أو عَنَفَا
إنّ الرسولَ لَسَمْحٌ ذو مُيَاسَرَةٍ / إذا تملَّكَ أعناقَ الجُناةِ عَفَا
شكراً مُحَمَّدُ إنّ اللَّهَ أسبغَهَا / عليكَ نُعْمَى تَرَامَى ظِلُّها وَضَفا
وَعْدٌ وَفَى لإمامِ المرسلينَ به / واللَّهُ إن وَعَدَ الرُّسْلَ الكِرامَ وَفَى
خُذِ المحصَّبَ إن وَافَيْتَهُ نُزُلاً / وَاذْكُرْ بِهِ ذلكَ الميثاقَ والحَلفا
قد عادَ يكلفُ بالإسلامِ مِن رَشَدٍ / مَن كان بالكفرِ من غَيِّ الهَوَى كَلِفا
ثم استقامَ على البيضَاءِ يَسْلكُها / مَن كان يضربُ في العمياءِ مُعْتَسِفا
مَشَى طَليقاً إلى غاياتِهِ مرحاً / وكان في القيد إن رام الخطى رسفا
يغشى موارد للأيمان صافِيةً / ما امتاحَ من مثلِها يوماً ولا اغْترَفا
عادوا طَهَارى فلم يَعْلَقْ بهم وَضَرٌ / ممّا جَنَى الكفرُ قبل الفتحِ واقترفا
تَتابعَ القومُ أفواجاً فآمَنَهم / دِينُ السَّلامِ وأمسَى الأمرُ مُؤْتَلِفَا
كذلك الحقُّ يعلو في مَصَاعِدِهِ / حتى يَنالَ الذَّرَى أو يَبلغَ الشَعفا
مَرْمَى العُقُولِ إذا ما غَرَّهَا هَدَفٌ / فلن تُريدَ سِواهُ إن رَمَتْ هَدَفَا
وما على الحقِّ من بأسٍ ولا حَرَجٍ / إن هَوَّمَ العقلُ عنه مَرَّةً فَغَفَا
إنّ الذي جَعَلَ الإسلامَ مَعقلَهُ / أعلى لأُمَّتِهِ الأركانَ والسُّقُفا
لم يَرْضَ ما نَالَ من مجدٍ فأَورثَهُ / مَجداً طريفاً وَعِزّاً منه مُؤْتَنَفا
شَتّانَ ما بين صَرْحٍ ثابتٍ رُفِعَتْ / منه القِبابُ وصَرْحٍ واهنٍ خُسِفا
لِتُنصتِ الأرضُ وَلْتَسْمَعْ ممالُكُها / ماذا يقولُ لها الرَّعدُ الذي قَصَفَا
شرائعُ الخيرِ يُلقيها مُحبّبةً / شيخُ النَّبيِّينَ يَبغي البِرَّ واللَّطَفَا
الناسُ من آدَمٍ والبَغْيُ مَهْلَكَةٌ / فَلْيَّتَقِ اللهَ منهم مَن قَسَا وجَفَا
قَلْ للأُلَى خطبوا الأقوامَ أو كتبوا / دعوا المنابِرَ والأقلامَ والصُّحُفَا
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا
أبا الفضلِ أَقبِلْ وارفعِ الصَّوتَ شاكرا / فذلك فَضلُ اللَّهِ أسداهُ وافرا
أقمتَ تُراعِي الركبَ حَرَّانَ شَيِّقاً / هَنِيئاً فهذا الركبُ وَافاكَ زائرا
هنيئاً فقد أُوتيتَ سُؤْلَكَ كُلَّهُ / وَلُقِّيتَ عن قُرْبٍ من السَّعْدِ طائرا
إذا ما التمستَ الركبَ أين مكانَهُ / فحيثُ تَرَى نُورَ النُبوَّةِ باهرا
أبا الفضلِ أقِبلْ واقضِهَا من لُبانةٍ / لنفسِكَ تَشفِي منك دَاءً مخامِرا
حَبيبٌ نأى يَطْوِي السِّنينَ وذُو هَوىً / يُعالِجُ وَجداً بين جَنْبَيْهِ ثائرا
ويلقى الأذَى بعد الأذى في سبيلِهِ / فَيَرضَى ويُغضِي الجفنَ في اللَّهِ صابرا
لَكَ اللَّهُ يا عباسُ هذا مُحَمَّدٌ / فَسَلِّمْ وَطِبْ ما شِئْتَ نَفْساً وخَاطِرا
أتى بَعدَ ما جَرَّ السنينَ مُهاجراً / يَجُرُّ السَّرايا خَلفَهُ والعساكِرا
رَآكَ فَقرَّتْ عَينُهُ وترافدَتْ / تَحيّاتُهُ تَلقَاكَ زُهْراً نَواضِرا
لها عَبَقٌ من رَحْمَةِ اللَّهِ لم يَزَلْ / مَكانُكُما منه إلى اليومِ عاطرا
أقمتَ على المُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةٍ / تَرُدُّ الأذَى عنهم وَتَرْعَى الأَواصِرا
إذا فزعوا للظلمِ كنتَ لهم حِمىً / وإن أعوزَ الأنصارُ أَلْفَوْكَ ناصرا
يَظنُّكَ أهلُ الكفرِ منهم وإنّما / أرَدْتَ بهم أمراً وما كُنتَ كافرا
شددتَ قُوى الإسلامِ بين ربُوعهِم / وخادعتَهم عنه فأَصَبَحَ ظاهرا
وكنتَ له عيناً تُظاهِرُهَا يَدٌ / تُذيعُ خَفَايَاهُم وتَبدِي السَّرائِرا
تُمِدُّ رسولَ اللَّهِ بالكُتْبِ حُفَّلاً / بأنبائهم تَطوي الفِجاجَ سوائرا
بَريدٌ إذا كفَّ البريدُ مِنَ الونَى / مَضَى دائباً في شأنِهِ مُتواتِرا
وكنتَ إذا استأذَنتَ تبغِي جوارَهُ / أَبَى وَهَواهُ أن يَراكَ مُجاوِرا
وقال انتظرْ يا عمِّ إنّكَ مرجأ / إلى موعد يأتي به الله آخرا
فبي ختم الله النبيين كُلَّهُم / وَتَمَّمَ هاتِيكَ العُلَى والمآثِرا
وَإنّي لأرجو أن تكونَ بيثربٍ / بَقِيَّةَ من يأتِي إلينا مُهاجِرا
هو اللَّهُ فانْظرْ يا أبا الفضلِ ما قَضَى / من اليُسرِ بعد العُسْرِ بُورِكْتَ ناظرا
تجلَّتْ دَياجيرُ الهُمومِ ذَميمةً / وأضحتْ وجوهُ العيشِ بِيضاً سَوافِرا
ألا رُبَّ يومٍ ذُقْتَ من سُوءِ ما جَنَى / ذَوُو الشِّرْكِ فيه ما يَشُقُّ المرائرا
وليلٍ كما اهتاجَ الجبانُ مُفَزَّعٍ / طويتَ دُجاهُ كاسِفَ البالِ ساهرا
كَدَأْبِكَ إذ قالوا أًصيبَ مُحَمَّدٌ / وقد جاءَهم بالزُّورِ مَن كان سَاخِرا
فلمّا عرفتَ الحقَّ أوفيتَ ناهضاً / تُقَبِّلُ مَن وَافَاكَ يُزْجِي البَشَائِرا
وتُرْسِلُهُ حُرّاً طليقاً وإنّه / لفي عِزَّةٍ تُعيي النفوسَ الحرائرا
نَهضتَ خَفيفَ الجانِبَيْنِ ولم تَكُنْ / على مثلِها من قبلِ ذلكَ قادرا
يَسُرُّكَ ما سَرَّ الرسولَ وما يكن / بهِ من أذىً ألفيتَه لك ضائِرا
هَدَيْتَ أبا سُفيانَ تَرحَمُ نَفسَهُ / وَتَكرَهُ أن يَبْقَى مَدَى الدّهرِ حائرا
وَجِئْتَ بِهِ والجندُ باللّيلِ رَاصِدٌ / يُقَلِّبُ للحربِ الرِّقاقَ البواتِرا
فأسلمَ يُرضِي اللَّهَ من بَعدِ نَفْرَةٍ / ولولاكَ لم يبرحْ عن الحقِّ نافرا
وفي ابن حِزامٍ وابنِ ورقاءَ شاهدٌ / بِما لَكَ من فضلٍ لمن كانَ ذاكرا
ثلاثةُ أقطابٍ صَرَفتَ قُلوبَهُم / إلى اللَّهِ تُحْييهِم وترجو المصائرا
ولو أعرضوا لم يَرْدَعِ الحربُ رَادِعٌ / ولم يَنتزِعْ أنيابَهَا والأظافرا
حقنْتَ دِماءً لو يُخَلَّى سَبيلُها / جَرَتْ تحتَ أعلامِ الغُزَاةِ مَوَائِرا
فأمسَتْ قُرَيْشٌ ما لها من بَقِيَّةٍ / وأَمْسَى الذي اعتادت من العزِّ داثرا
بِيُمْنِكَ يا عمَّ الرسولِ تَتابعَتْ / أيادٍ يراهَا المسلمونَ ذخائرا
وكنتَ امْرأً من قبلِ ذلك مُحسِناً / يُقِيمُ بِجَدْواهُ الجُدُودَ العواثرا
عظيماً تُرَجِّيهِ قريشٌ لِمَا بها / إذا فَزعتْ للأمرِ تَخْشَى الدوائرا
وإنّك إذ تَسْقِي الحجيجَ لَسيِّدٌ / يُعَلِّمُ ساداتِ الرجالِ المفاخرا
لعُثْمَانَ ما يَرْضَى ومالكَ غَيرُها / ولايَةُ من يُعطِي وَيبذلُ كابرا
وليس الذي يأتي الخميلةَ غَارِساً / كمثلِ الذي يأتي الخميلةَ هَاصِرا
حُرِمْتُ الرِضَى إن عِبتُ عُثمانَ إنّه / على سُنَّةِ غلباءَ تُعيِي المُكاثرا
له من عَطَاءِ اللَّهِ كَنزٌ مُباركٌ / يُقيمُ لدينِ اللَّهِ فيه الشعائرا
يَضنُّ بمفتاحِ البنِيَّةِ جُهْدَهُ / ويعرفه مجداً على الدهرِ غابرا
أمانةُ ربِّ البيتِ لم تُعْطَ خائناً / يُريدُ بها دُنيا ولم تُؤتَ فاجرا
أبا الفضلِ هذا ما أحَبَّ مُحمَّدٌ / ظفرتَ بهِ لا زالَ سهمُكَ ظافرا
إذا أظمأ اللَّهُ البلادَ وأهلَهَا / فَبِاسْمِكَ يَسْقِيهَا الغُيوثَ المواطرا
لعمري لقد غادرتَ غيرَ مُنازَعٍ / مَناقِبَ ذِكراها تَهُزُّ المنابرا
صَدقتُكَ إنّي لو تَنَاسَيْتُ حَقَّها / على ما عَنانِي لم أَجِدْ لِيَ عاذرا
أعِنِّي بروحٍ منكَ يا ربِّ واهدِني / سَبيلَكَ إنْ أضللتَ في النّاسِ شاعرا
دَعوتُكَ للإسلامِ أُمْسِكُ مَجْدَهْ / وأُدرِكُ منه ما طَوَى الدّهرُ ناشرا
يا هندُ حسبكِ مغنماً وكَفاكِ
يا هندُ حسبكِ مغنماً وكَفاكِ / إنّ الذي يَهدِي النُّفوسَ هَداكِ
أقبلتِ تُرخِينَ القناعَ حَيِيَّةً / تُخفينَ نفسَكَ والنبيُّ يَراكِ
أوَ لَستِ هِنداً قلتِ في خَجَلٍ بَلَى / لا تخجلي فاللّهُ قد عَافاكِ
داويتِ بالإسلامِ قلبكِ فاشتَفَى / وغَسَلْتِ من تلكِ الجريمَةِ فَاكِ
لا تَذكُرِي الكَبِدَ التي مَارَسْتِها / فَأَبَتْ عَليكِ لعلّها تَنساكِ
وَدَعِي قلائِدَ يومِ بَدرٍ وَالْبَسِي / في بَهْجَةِ الفتحِ المُبينِ حِلاكِ
أَخَذَ الهُدَى بكِ في سبيلِ مُحَمَّدٍ / فَخُذِي عنِ الشَّيخِ الجليلِ أذَاكِ
ما كان بالمفتونِ حِينَ شَتَمْتِهِ / وبَلَغْتِ في سُوءِ الصّنيعِ مَدَاكِ
قُلْتِ اقتلُوهُ ولو أطاعَكِ جَمعُهُم / لَجَرى الدَّمُ المسفوكُ من جَرَّاكِ
يا هندُ إنّ الحقَّ أعظمُ صَوْلَةً / مِن أَنْ يَهابَكِ أو يَهابَ أباكِ
ما مِثلهُ إن رُمْتِ في الدّنيا أباً / يا بنتَ عُتبةَ مِن أبٍ يَرعاكِ
مَنْ قَدَّمَ الدُّنيا فليس ببالِغٍ / ما قدَّمَتْ عِندَ الرسولِ يَدَاكِ
فِيمَ اعتذارُكِ والهديَّةُ سَمحةٌ / وهَواكِ في تَقْوَى الإلهِ هَواكِ
بايعتِ أهدَى العالمينَ طريقةً / ورَضِيتِ منه مُهَذَّباً يَرضَاكِ
يَنْسَى الإساءَةَ وَهْيَ جُرحٌ بالغٌ / ويعوذُ بالخُلُقِ الكريمِ الزّاكِي
مهما تَنَلْهُ المُحفِظاتُ مِنَ الأُلَى / جَهِلوا فليس بعاتبٍ أو شاكِ
أَعَجِبْتِ إذ ذَكَرَ الفواحِشَ هادياً / فَنَهَى اللّواتِي جِئْنَهُ وَنَهاكِ
إن تَعْجَبِي لِلعِرضِ يُبذلُ هَيِّناً / وهو الحياةُ بأسرها فَكَذاكِ
عِرضُ الحرائِرِ ما عَلمتِ وإنّما / يَرضَى سِواهُنَّ الزِّنَا وَسِواكِ
يَحْفَظْنَهُ ويَذُدْنَ عن مَمنوعِهِ / شَهواتِ كلِّ مُخادِعٍ فَتَّاكِ
تَأْبَى التي منهنّ يَقتلُها الطوى / أن يشترى بذخائر الأملاكِ
وتصدُّ معرضةً تضنُّ بنفسِها / ولو اَنّ مَضجَعَها ذُرَى الأفلاكِ
عارُ الزِّنَا يُخزِي الوُجوهَ وشَرُّه / يَرمِي البلادَ وأهلَهَا بِهَلاكِ
يا هِنْدُ إنّ اللَّهَ أمضى حُكْمَهُ / فَكفَاكِ سُوءَ عذابِهِ وَوَقاكِ
أُوتيتِ زَادَكِ مِن تُقىً وهدايةٍ / فَتَزوَّدِي سُبحانَ مَن نَجَّاكِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ
شَيْخٌ يُقادُ إلى النَّبيِّ على يَدِ / هِيَ للنَّبيِّ إذا رَمَى أعلى يَدِ
هذا أبو بكرٍ يُقَدِّمُ شَيْخَهُ / يهديه إنّ الألمعيَّ لَيَهْتَدِي
قال النَّبي ألا رَثِيتَ لِضَعْفِهِ / وتركتَهُ في دارِهِ لم يُجهَدِ
لو لم يَجِئْ لَمَشِيْتُ أشهدُ أمرَهُ / وأُجِلُّهُ شَيْخاً كريمَ المَشْهَدِ
يا والِدَ الصِّدِّيقِ خُذْهَا نِعمةً / سِيقَتْ إليكَ من النبيِّ مُحمَّدِ
ما كنتَ بالمصروفِ عن دينِ الأُلَى / كفروا بآلهةٍ كأنْ لم تُعبَدِ
العاكفينَ على شرائِعِ ربِّهم / من رُكَّعٍ بيضِ الجباهِ وسُجَّدِ
الظامئينَ إلى الجهادِ فإن دُعُوا / وَردوا حِياضَ الموتِ عَذْبَ المَوْرِدِ
يتهَافَتونَ على جوانِبِها إذا / نَادَى رسولُ اللّهِ أيُّكُمُ الصَّدِي
مَن كان يسعدُ في الرجالِ بوالدٍ / فَبِمَنْ وَلَدتَ أبا قحافَةَ فاسْعَدِ
من سُؤدُدِ الصِّدِّيقِ أنّ زمانَهُ / لو لم يَلِدْهُ لكانَ خَصْمَ السُّؤْدُدِ
الحاضِنِ الإسلامَ يجعلُ صَدرَهُ / كَهفاً يقيهِ أذَى العَدُوِّ المُفسِدِ
يُعطيهِ مُهجَتَهُ وَصَفْوَةَ مالِهِ / وَيكُونُ للحَدَثِ الجليلِ بِمرصَدِ
قال النبيُّ اهْنَأْ فقال وَددتُها / كانت لِعَمِّكَ ذي الفِعالِ الأمجَدِ
هذا هو الإيثارُ فاعجَبْ وَاعْتَبِرْ / وأَعِدْ على الدَّهرِ الحديثَ ورَدِّدِ
بُجَيْرٌ كيفَ يُخطِئُكَ السّدادُ
بُجَيْرٌ كيفَ يُخطِئُكَ السّدادُ / ويَجنحُ ضِلَّةً منك القِياد
ألا إنّ اللبيبَ لذو صلاحٍ / إذا ما الرأيُ خَالَطَهُ الفَسادُ
تركتَ أخاكَ تَنْشُدُهُ مُراداً / لنفسِكَ صالحاً نِعمَ المُرادُ
تقولُ له أَنَبْقَى في ظُنونٍ / تَذودُ البيّنَاتِ ولا تُذادُ
فَدَعْنِي وَانْتَظِرْ يا كعبُ إنّي / لأَخْشَى أن يَطيحَ بنا العِنادُ
أَجِيءُ مُحمّداً فأرى أَغَيٌّ / يُرادُ بِمَنْ يَليهِ أم رَشادُ
أتى فَرَأى اليقينَ له جَلاءً / فطابتْ نَفسُه وصَفَا الفُؤادُ
وَأَسْلَمَ لا يَرَى للّهِ نِدّاً / تَدينُ له الخلائِقُ والعِبادُ
وأنفذَهُ إلى كعبٍ كتاباً / كأنّ سُطُورَهُ البِيضُ الحِدادُ
دَعَاهُ إليهِ يَكرهُ أن يَراه / كَمَنْ صَدَفوا عَنِ المُثلَى وَحادوا
وقال لئن أَبيتَ فلا تلُمْنِي / إذا أخذتكَ داهيةٌ نَآدُ
رَمَيْتَ مُحمّداً فَلأنتَ صَيْدٌ / له يا كعبُ والرّامي يُصادُ
إذا لم تأتِنَا فاذْهَبْ بَعيداً / عَسَى مَنْجَىً يُغِيثُكَ أو مَصَادُ
أتاه نَذيرهُ فَعَناهُ هَمٌّ / وَطَالَ اللّيلُ وَامْتَنَعَ الرُّقادُ
إذا التمسَ القَرارَ أبى عليه / وغَالَ قُواهُ ذُعْرٌ وَارْتِعادُ
يَظُنُّ الأرضَ تَرجفُ أو تنَزَّى / فما تَرسو الجبال ولا الوِهادُ
وأرسلَ يا بَجَيْرُ صبأت لمّا / سَقَاكَ بكأسِهِ السمحُ الجَوادُ
أدينَ أبيكَ تَتركُ يا بُجَيْرٌ / ولا دِينٌ سواهُ ولا اعتقادُ
وَسَاوِسُ ذاهلٍ يَغْشَاهُ رُعبٌ / فُيورِثُهُ جُنوناً أو يَكادُ
فلمّا ضَاقَتْ الدُّنْيا عليه / وَهَدَّتْ رُكنَهُ الكُرَبُ الشِّدَادُ
أتَى يَبغِي الأمانَ لَدَى كريمٍ / يُرَجَّى الخيرُ منه ويُسْتَفادُ
تَدَارَكَ نَفسَهُ منه بعفوٍ / فعادتْ حين لا يُرْجَى مَعَادُ
ولاذَ بِمَعْقِلِ الإسلامِ كَعبٌ / فلا رُكنٌ يَميلُ ولا عِمادُ
هَلُمَّ فَلاقِهِ يا كعبُ رِزْقاً / مِنَ الرِضوانِ ليس له نَفادُ
لَنِعمَ الزرعُ زرعُكَ حِينَ تَبغِي / جَناهُ وحِينَ يُدركُهُ الحَصَادُ
لَقِيتَ كرامةً وسَعِدَتْ جَدّاً / فَغَنِّ إذاً وقُلْ بَانَتْ سُعادُ
وَخُذْهَا بُردَةً للشّعْرِ فيها / طَرِيفُ العِزِّ والمجدُ التِّلادُ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ
لِمَنِ الجُموعُ كثيرةٌ تَتألّبُ / مَهْلاً هوازنُ أينَ أينَ المذهبُ
مَهْلاً ثَقِيفُ رَكِبْتِ من غِيِّ الهَوَى / وَعَمايَةِ الأوهامِ ما لا يُركَبُ
مَهْلاً بُغاةَ السُّوءِ ما لِمُحَمّدٍ / كُفْؤٌ ولا مِنه لِباغٍ مَهْرَبُ
قلتم قَضَى حاجاتِهِ وخَلاَ لنا / فَبَدَارِ إنّا معشرٌ لا نُغلبُ
وَبعثتموها ظالِمينَ تَهزُّكُمْ / نَشواتُها فَرِدوا الموارِدَ وَاشْرَبُوا
حَمَلَ ابنُ عوفِ في الكريهَةِ أَمرَكُمْ / فَانْهَارَ كاهلُهُ وَخَرَّ المَنْكِبُ
ولقد دهاكمُ من دُرَيْدٍ أنّه / شَيخٌ تُساسُ به الأمورُ مُجرَّبُ
فسألتموه الرأيَ يَعصمُ مالكاً / وَيُرِيهِ ما يأتِي وما يَتَجَنَّبُ
هَيهاتَ كلُّ الرأيِ إن غَضِبَ الأُلَى / لا يرتضونَ سِوَى الجِهادِ مُخَيَّبُ
سُوقوا النِّساءَ وَجَنِّدوا أنعامَكم / وَدَعُوا البَنينَ بكلِّ أرضٍ تَدأبُ
وإذا الحديثُ الحقُّ جاءَ كَبِيركُمْ / فالزُّورُ أَوْلَى والحماقةُ أوْجَبُ
شَتَمَ الأُلَى صدقوه ألا يَدَّعوا / ما لم يَرَوْا شَطَطاً وألا يَكذبوا
وَرَمَى بهم في الحبسِ خَوْفَ حَديِثهِم / فالأمرُ فَوضَى والصّوابُ مُغَيَّبُ
اغْضَبْ دُرَيْدُ أوِ ارْضَ لستَ كمالكٍ / في القومِ إذ يَرضَى وإذ يَتَغَضَّبُ
مَلَكَ القِيادَ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / ولسوفَ يُهلكُ مَن يقودُ وَيَجْنُبُ
أَكَذاكَ زَعمُكَ يا ابنَ عَوفٍ إنّها / لكبيرةٌ بل أنتَ وَيْحَكَ تَلعبُ
أزعمْتَ أنّ مُحمّداً لم يَلْقَهُ / مِن قبلِ قَومِكَ مَن يُخَافُ ويُرهَبُ
وَظَننتَ أنَكَ إن لَقيتَ جُنودَهُ / لم تُغْنِ عنه كَتيبَةٌ أو مِقْنَبُ
إنّ الذي حَدَّثتَ قَومَكَ جَاءَهُ / فَلَئِنْ عَجِبْتَ لَمَا أَصَابَكَ أَعْجَبُ
هُوَ مُلتقَى الجيشَيْنِ فَانْظُرْ هل تَرَى / قَوماً تَظَلُّ عُيُونُهُم تَتلهَّبُ
وَلِع الرُّماةُ بهم فِتلكَ سِهامُهُم / مِلءَ القسيِّ إلى النُّحورِ تُصَوَّبُ
غَفلتْ مَواقِعُها عَنِ الدّمِ إذ جَرَى / فكأنّها بِدَمِ الرُّماةِ تُخَضَّبُ
كَرِهُوا السُّيوفَ ولِلوَغَى أبطالُها / تُدْعَى فَتَستَلُّ السُّيوفَ وتَضْرِبُ
حِيدُوا جُنودَ اللّهِ ثمّ تَقَدَّمُوا / فالحربُ في أطوارِهَا تَتقلَّبُ
آناً تَرُدُّ عنِ الفَرِيسةِ نَابَها / تَبغِي مَقاتِلَها وآناً تَنْشَبُ
تُزْجِي رَواعِدُها البروقَ فصادقٌ / يَنْهَلُّ صَيِّبُهُ وآخرُ خُلَّبُ
غَرَّارةٌ يَشْقَى الغَبِيُّ بِكَيْدِها / إنْ بانَ من غَيْبِ الأمورِ مُحَجَّبُ
تُبدِي من الحاجاتِ ما لا تَبتَغِي / حَذَراً وتَكتُمُ ما تُريدُ وتَطلُبُ
عِلمٌ تَوَارَثَهُ الثِّقاتُ وَزَادَهُ / شَيْخُ الوغَى وأبو الثقاتِ المُنجِبُ
حَمِيَ الوطيسُ أجلْ تَبَاركَ ربُّنا / فَافْزَعْ إليهِ هو الغياثُ الأقربُ
هَذِي كَتائِبُهُ عَلَيكَ تَنَزَّلَتْ / وَمَضتْ إلى أعدائِهِ تتوثَّبُ
بَصُرُوا بها فتزايلت أوصالُهُم / رُعْباً وضَاقَ سَبيلُهُم والمَذهَبُ
هُمْ في حُنَيْنٍ يا مُحَمَّدُ مِثلُهُم / في يومِ بدرٍ صَدْعُهُم ما يُرْأَبُ
مَدَدُ السّماءِ أعدَّهُ لكَ مُنجِدٌ / لا جُنْدُهُ يَفنَى ولا هُوَ يَتْعَبُ
سُبحانهُ ما مِن إلهٍ غيرهُ / لو يَستقيمُ الجاهلُ المتنكّبُ
يا مُولَعَاً بالحربِ يَستقصِي المَدَى / في وصفها منه البيانُ المُسْهَبُ
سَلْ بَغْلَةً حَملتْ رَسولَ اللَّهِ هل / حَمدتْ فَوارِسَهَا العتاقُ الشُّزَّبُ
طَارُوا عليها مُدبِرِيْنَ ولم يَطِرْ / وَمَضَوْا فُلولاً وَهْوَ راسٍ يَرقُبُ
بَطَلٌ يَرَى مَوْجَ المنايا حَوْلَهُ / فَعَزِيمَةٌ تَطفوا وقَلْبٌ يَرْسُبُ
تَجري ظُنونُ القومِ في حَرَكاتِهِ / فَيَفوتُ غايةَ من يَظُنُّ وَيَحْسَبُ
كُلُّ امرئٍ يأتي الأمورَ عظيمةً / فإليهِ في الدُّنيا العريضةِ يُنْسَبُ
ما العبقَرِيَّةُ في مَراتِبها العُلَى / هُوَ في سَماءِ العبقريّةِ كَوْكَبُ
مُتَألِّقٌ مَنْ لم يَسِرْ في نُورِهِ / أَوْدَى الظَّلامُ بِهِ وطَاحَ الغَيْهَبُ
أينَ الأُلَى مَلأَ الفضاءَ سَوادُهُم / وأضلَّهُم ساداتُهُم فتحزَّبوا
غَنِمُوا الفِرارَ فما يُرَى مِن بعدِهِم / إلا المغانِمُ تُستباحُ وتُنْهَبُ
خَيرٌ أُتيحَ ونعمةٌ مَشكورةٌ / سِيقَتْ على قَدَرٍ ورِزقٌ طَيِّبُ
رَاحَتْ بأيدِي المُسْلِمينَ وإنّهم / لأحقُّ من يُعطَى الجزيلَ ويُوهبُ
تُقضَى الدّيونُ بها فلا ابنُ أميّةٍ / يشكو المَطَالَ ولا حُوَيْطِبُ يَعْتِبُ
وَيُقامُ دِينُ اللّهِ في القومِ الأُلَى / فُتِنُوا بأصنامٍ تُقامُ وتُنْصَبُ
قَتْلَى هَوازِنَ هل تَفَجَّعَ مالِكٌ / ومضَى لِمَصرَعِكُم يَنوحُ وَيندُبُ
قُمْ يا دُرَيْدُ فقل لِقومكَ خُطبةً / تجلو الهمومَ فقد عَهِدْتُكَ تَخْطُبُ
انظُرْ إلى الأسرَى وَسَلْهُم ما لهم / نُكِبُوا وكانَ الظنُّ ألا يُنْكَبوا
وَيحَ النِّساءِ وَمَن وَلَدْنَ ألا فَتىً / يَحمِي الذّمارَ ألا كَمِيٌّ مِحرَبُ
اسمعْ دُرَيْدُ فقد أهابَ محمدٌ / يحنو على النشءِ الضّعيفِ ويَحدِبُ
لا تقتلوا الأولادَ ما فيهم لنا / خَصْمٌ ولا مِنهم أثيمٌ مُذنِبُ
أَسَخِرْتَ بالبطلِ الصّغيرِ فهل نَجَا / مِنه بِمُهجَتِهِ الكبيرُ الأَشْيَبُ
أعطاكَ سُؤْلَكَ ما تردَّدَ سَيْفُهُ / وَلأنتَ سُؤْلُ غِرارِهِ والمأرَبُ
إن ضاق صَدْرُكَ حِينَ تُذكرُ أُمُّهُ / فلصدرها لو كنت تعلم أرحبُ
قالت أتقتله ربيعة إنه / شَيْخٌ له فَضلٌ يُعَدُّ وَمَنْصِبُ
ما بالُ سَيْفِ اللّهِ أين مكانُه / أيغيبُ عن نَظَرِ النبيِّ وَيَعْزُبُ
سأل النبيُّ فَقيلَ عِندَ جِراحِهِ / لو يَستَطيعُ أتى يَهُشُّ وَيَطْرَبُ
فمشى إليه يَعُودُه في مَوكِبٍ / للّهِ فيهِ من الملائكِ مَوكبُ
بُورِكْتَ خالدُ ما رَأَتْ عَينٌ دَماً / كَدَمٍ جَرَى من خالدٍ يَتَصَبَّبُ
قُمْ في جِراحِكَ إنّها لك قوةٌ / تَدَعُ القواضِبَ وَهْيَ حَيْرَى هُيَّبُ
قُمْ للشدَائِدِ ما تَلِينُ صِلابُها / فَلأنْتَ صاحِبُها الأشدُّ الأَصْلَبُ
لَكَ هِمَّةٌ ما تُستطَاعُ ونَجدةٌ / مَذخورةٌ للأمرِ سَاعَةَ يَحْزُبُ
مَن يَجهل الرِئبالَ يَنفُذ نابُهُ / في كلِّ مُقتنَصٍ وَيَمْضِي المِخلَبُ
اشهَدْ حُنَيْنُ بما رأيتَ ولا تَخَفْ / خَصماً يُنازِعُ أو عَدُوّاً يَشْغَبُ
حَدَّثْتُ عنكَ وقلتُ يا أرضُ اسمعِي / فاهتزَّ مَشرِقُها وماجَ المغربُ
ماذا أقولُ أنا العَيِيُّ وإن جَرَى / قَلَمِي بأبلغِ ما يُقالُ ويُكتَبُ
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ
ما للدُّموعِ على التَّظَنُّنِ تَذرِفُ / الجارُ وافٍ والهَوى متألِّفُ
لا تُنكروا حُبَّ النبيِّ لآلِهِ / وديارِهِ الأولى ولا تَتَأسَّفُوا
أحَسِبْتُمُوهُ يُريدُ عنكم مَصرفاً / مَهْلاً فليس عن الأحبَّةِ مَصْرَفُ
لمَّا فزعتم قال يا قومُ اسْكُنُوا / هِيَ يَثرِبٌ ما دُونَها مُتَخَلَّفُ
دارُ الحياةِ وَمنزلُ الموتِ الذي / مَالِي سِوَاهُ فإنْ جَهِلْتُمْ فَاعْرفوا
فَرِحُوا وأشرقَتِ الوجوهُ فما تَرَى / عَيناً تَفيضُ ولا فُؤاداً يَرجُفُ
صَدَقُوا نبيَّهُمُ الهَوَى فَقلوبُهم / مِن حولِهِ شَغَفاً تَرِفُّ وَتَعطِفُ
أنصارُهُ في الحادِثَاتِ إذا طَغَتْ / وجنودُهُ في الحربِ سَاعَةَ تَعصِفُ
هُمْ أنصفوهُ مُشرَّداً يَجِدُ الأذَى / من كلِّ ذِي جَبريَّةٍ لا يُنْصِفُ
وَتَكنَّفوهُ يُعَظِّمُونَ مَكَانَهُ / وَذوُو قرابَتِهِ تَصُدُّ وَتَصدِفُ
ما عَزَّ منزلُ قادمٍ أو زائرٍ / إلا ومنزلُهُ أعزُّ وأشرَفُ
شَدُّوا عُرَى الإسلامِ حَتّى استحكمتْ / ولَوَى السَّواعِدَ حبلُهُ المُسْتَحْصِفُ
كانوا أَساسَ بِنائِهِ وعِمادَهُ / والأرضُ تُخْسَفُ والشَّوامخُ تُنْسَفُ
انظرْ بِناءَ اللَّهِ حَوْلَ رَسولِهِ / وَصِفِ الذُّرى إن كنَّ مما يُوصَفُ
في كلِّ سورٍ منه جُندٌ يَرتَمِي / يغزو الأُلَى كفروا وموتٌ يَزحَفُ
صَبُّوا على المستضعفينَ نَكَالَهُمْ / وَجَرى القَضَاءُ فَهُمْ أذلُّ وأضعَفُ
يا معشرَ الأنصارِ ما مِن صالحٍ / إلا لكم فيهِ يَدٌ أو مَوقِفُ
لَكمُ المواقِفُ ما يُذاعُ حَدِيثُها / إلا يُهِلُّ بها الزّمانُ ويَهتِفُ
لا الشِّعرُ مُتَّهمٌ إذا بلغَ المَدَى / يُطرِي مناقِبَكُم ولا أنا مُسْرِفُ
أوَ ما كَفَاكُمْ ما يَقُولُ إلهُكُم / في مَدْحِكُمْ وَيَضُمُّ منه المُصْحَفُ
إلى العُزَّى فقد بَلَغتْ مَدَاها
إلى العُزَّى فقد بَلَغتْ مَدَاها / وإنّ على يَدَيْكَ لَمُنتهَاها
أزِلْها خَالدٌ وَاهْدِمْ بِناءً / أُقِيمَ على جَوَانِبِها سَفَاها
بَناهُ الجاهلونَ لها ودَانوا / بِها من دونِ خَالِقِهِم إلها
مُذَمَّمَةٌ تُساقُ لها الهَدَايا / تَظَلُّ دِمَاؤُها تَسْقِي ثَرَاها
رَماها ابنُ الوليدِ فأيَّ شرٍّ / أزالَ وأيَّ داهيةٍ رمَاها
وأين غُرورُ سَادِنها وماذا / أَفَادَ دُعاؤُهُ لمّا دَعاها
أجلْ يا ابنَ الوليدِ لقد دَهَاها / من الهُونِ المُبَرِّحِ ما دَهاها
ويا عَمْرو اتَّخِذْ لِسُوَاعَ بأساً / يُذِلُّ من الطَواغيتِ الجِباها
وَيَنتزِعُ الغوايَةَ مِن نُفُوسٍ / ألحَّ ضَلالُها وطَغَى هَواها
هَدَمْتَ ضَلالَةً شَابَتْ عليها / هُذَيْلٌ بعدَ ما قَضَّتْ صِباهَا
تَطَاولَتِ القُرونُ وما تَناهَتْ / فَقُلْ لِسُواعَ دَهْرُكَ قَد تَنَاهى
رآه وَلِيُّهُ كَذِباً فَوَلَّى / يُسائِلُ نفسَهُ ماذا عَرَاها
وقال شَهِدتُ أنّ اللَّهَ حَقٌّ / وأنَّ النَّفسَ يَنفعُها هُدَاها
جَعلتُ محمداً سَبَبِي فإنّي / أرَى أسبابَهُ شُدَّتْ عُراها
مَناةُ مَنَاةُ مالَكِ من بقاءٍ / وأيُّ شَقِيَّةٍ بَلغتْ مُناها
رماكِ اللَّهُ من زَيْدِ بْنِ سَعْدٍ / بِمَنْ تَرمِي الجِبالُ له ذُراها
أما نَفَضَتْكِ من خوفٍ وذُعْرٍ / عَرانينُ المُشَلَّلِ إذ لَواها
تَبَارَكَ هادمُ الأصنامِ إنّي / أرَى الأصنامَ تَهْدِمُ مَن بَنَاها
تُضِّلُّ العالمينَ وقَد أتاهم / كِتابُ اللَّهِ يُنْذِرُهُم أذَاها
وما للنَّفسِ تُؤثِرُ أَن تُحَلَّى / سِوَى الإيمَانِ يُلْبِسُها حِلاهَا
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ
لأُمِّ سليمٍ يا أبا طَلْحَةَ العُذْرُ / وَهَل يأمنُ الإسلامُ أَن يغدُرَ الكُفْرُ
سألتَ فقالت خَنجري أتَّقي بِهِ / أذَى كلِّ عادٍ من خَلائِقِهِ الغَدْرُ
أَشُقُّ بهِ في حَوْمَةِ الحربِ بَطنَهُ / إذا رَامَنِي بالسّوءِ واسْتَوْعَرَ الأَمْرُ
أتعجَبُ منها كيف تحمي ذِمارَها / وَتَدْرَأُ عنها الشَّرَّ إن هاجها الشَّرُّ
وتدعو رسولَ اللهِ هل أنتَ سامِعٌ / فَيَفْرَحُ من رجعِ الحديثِ وَيَفْتَرُّ
نعم أنتَ تحميها ولكنَّ نفسَها / لها نخوةٌ من ذَاتِها وبها كِبْرُ
ألم ترَ إذ قالَتْ أأقتُلُ مَعشراً / تَوَلَّوْا فلا بأسٌ شديدٌ ولا صَبْرُ
وماذا عليها حين تكفيكَ أمرَها / وتَرمِي بكَ الأبطالَ والنَّفْعُ مُغْبَرُّ
أرادتك للأمرِ الجليلِ ولن ترى / كأمِّ سليمٍ حُرّةً حازها حُرُّ
ألم تَنْتَظِمْ بالسّيفِ عِشرينَ فارِساً / مَغانِمُهُم شَتّى وأسلابُهُم كُثْرُ
إذا طارَ منهم مُدبِرٌ يَتَّقِي الرَّدَى / تَلَقَّاكَ منه في مَطَارِ الرَّدى الصَّدْرُ
تخوضُ الدمَ المسفوكَ لا جِسْرَ دُونَهُ / وما لَكَ كالإيمانِ في مثلِهِ جِسْرُ
أبا طَلحَةَ اسْمَعْ ما يقولُ ابنُ حُرَّةٍ / إليهِ سَرَى من صَفْحَتَيْ جَارِهِ البِشْرُ
يَقولُ اطْعَنِي أُمَّاهُ مَن شِئْتِ وَانْصُرِي / ببأسِكِ دِيناً مِن كَتَائِبِهِ النَّصْرُ
فَحُيِّيتَ عبدَ اللهِ ما أنتَ كالذي / يَرَى السَّيفَ مَقْروباً فيأخذه الذُّعْرُ
كِلا أَبَوَيْكَ اسْتَنَّ سُنَّةَ مَاجِدٍ / فَطِبْتَ وطَابَا لا خَفَاءٌ ولا نُكْرُ
إذا التمسَ الإسلامُ في كلِّ حادثٍ / يَضيقُ به ذُخراً فأنت له ذُخْرُ
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي
هَوَازِنُ أقبِلي ماذا التَّوانِي / أدينُ العِزّ أم دينُ الهَوانِ
خُذي السَّبْيَ الموزَّعَ واشكريها / يَدَاً لِمُهَذَّبٍ جَمِّ الحنانِ
دَعَا أصحابَهُ بلسانِ صدقٍ / إلى الحُسْنَى فيا لَكَ من لِسَانِ
أجابوا مُنعمين ولم يَضنُّوا / بما ملكوا من البيضِ الحسانِ
وقال محمدٌ أين ابنُ عَوْفٍ / سَيَحْمَدُ مُنتَواهُ إذا أتاني
له إن آثَرَ الإسلامَ دِيناً / عَطَاءٌ لا تُجاوِزُهُ الأماني
يَعُودُ بأهلِهِ ويُزادُ مالاً / على مالٍ من الإبلِ الهِجانِ
فَأقبلَ مُسلماً وَمَضَى بخيرٍ / جميلَ الذكرِ محمودَ المكانِ
حَلِيمَةُ أنتِ والشَّيْمَاءُ أمٌّ / وأختٌ فانظرا ما تَصنعانِ
أما لكما الكرامةُ عند مَوْلَىً / كريمِ العهدِ مُوفٍ بالضَّمانِ
وهل بعدَ الرِّدَاءِ يُمَدُّ بِرٌّ / وتكرمةٌ لِذِي خَطَرٍ وَشَانِ
أَجَلَّكُما وأَجزلَ من عطاءٍ / يُعينُ على تَصاريفِ الزّمانِ
رَسُولُ اللهِ كيف وجدتماه / وماذا بعدَ ذلكَ تبغيانِ
عليهِ صلاةُ ربِّكما جميعاً / وَبُورِكَ في الرِّضَاعِ وفي اللِّبانِ
أبا صُرَدٍ لَنِعْمَ العَمُّ يرجو / غِياثَ النّاسِ من قاصٍ وَدَانِ
ظَفرتَ وفازَ بالنُّعْمَى زُهَيْرٌ / وهل لكما سِوَى ما ترجوانِ
ولم أرَ حين تُلتَمَسُ الأيادِي / كمثلِ القولِ يَحْسُنُ والبيانِ
وما مَلِكُ الشآمِ وَمَنْ يَلِيهِ / كَمَنْ وَافَيْتُما تَستَعطِفانِ
لقد نالت هَوَازِنُ ما تَمَنّتْ / وآبَتْ بالسّلامَةِ والأمانِ
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها
عُيَيْنَةُ أمسكتَ العجوز تُريدُها / عَتاداً يُفيدُ اليُسْرَ مَن كان مُعسِرَا
ضَنَنْتَ بأُمِّ الحَيِّ تُغْلِي فِدَاءَها / فَيَا لَكَ رأياً غَيرُهُ كانَ أجْدَرَا
تَسُومُ زُهيراً أن يَزيدَكَ ضلَّةً / عَلَى مائةٍ لو كان غِرّاً لأكثرا
رَمَاكَ به مَكراً خَفِيّاً فلم يَزَلْ / يَضيقُ عليكَ الأمرُ حتى تَعَذَّرا
لقد كان فيما قالَ أوَّلَ مَرَّةٍ / غِنَىً لَكَ لو كنتَ امرأً مُتَبَصِّرا
يَظَلُّ يُرِيكَ الزُّهدَ في شَيْخَةٍ لهُ / يَرَاهَا مِنَ الدنيا أجَلَّ وأكبرا
فَتَدعوه أقْبِلْ لستُ فيها بِرَاغبٍ / إذا بَلَغَ الأمرُ الفِداءَ الميَسَّرا
فداها بِسِتٍّ لو أبيتَ لَسُقْتَها / إليه بلا شيءٍ وَحَسْبُكَ ما تَرَى
ألَيْسَتْ كما قالَ ابْنُها ما لمثلها / على الضَّنِّ إلا أن تموتَ فَتُقْبَرَا
أما والذي لو شاءَ لم تَعْصِ أمرَهُ / لقد جِئتَ أمراً يا عُيَيْنَةُ مُنكرا
فنفسَكَ فَاحْمِلْها على البرِّ إنّه / لأَربَحُ مِمّا تَحمِلُ الأرضُ مَتْجَرَا
وما طَمَعُ الإنسانِ فيما يفوته / إذا ما دَعَا الدّاعِي فَوَلَّى وأدبرا
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ
أَرأَيت حِكمةَ سيِّدِ الكُرماءِ / وعَرفتَ شيخَ السَّداةِ الحُكَماءِ
تلك السياسةُ حَزْمُها ودهاؤُهَا / ناهيك من حزمٍ وفَرْطِ دَهاءِ
مُرْ يا محمدُ وَاقْضِ مالَك عَائِبٌ / في كلِّ أمرٍ ترتضي وقضاءِ
وَلرُبَّما خَفِيَ الصّوابُ فأسفَرتْ / عنه وُجوهُ الرأيِ بعد خَفاءِ
بَدأ النبيُّ بغيرِ من كانوا له / خَيْرَ الصَّحابةِ عند كُلِّ بَلاءِ
يرجو مَوَدَّتَهم وَيَبني منهمُ / لِلدّينِ صَرحَ أمانةٍ وَوفاءِ
أعطى أبا سُفيانَ وَابْنَيْهِ فما / أنْدَى سَجايا الواهبِ المِعْطَاءِ
وَحبا حَكيماً ما أرادَ ثلاثةً / ونهى هَواهُ فكانَ خيرَ حِباءِ
وأصابَها مِئَةً له من نفعها / ما جَلَّ عن عَدٍّ وعن إحْصاءِ
قال ارْعَويْتُ فلستُ أرزأُ بَعدَها / أحداً وآلَى حِلفَةَ الأُمناءِ
يُدْعَى لِيأخذَ من أبي بكرٍ ومن / عُمَرٍ فما يَزدادُ غيرَ إباءِ
يا وَيْحَ للعبّاسِ يَغلبُ حِلْمَهُ / أنْ كان دُونَ مَراتبِ الرُؤساءِ
أبْدَى الشكاةَ فكان صُنْعُ مُحمّدٍ / صُنْعَ الطبيبِ يُريدُ حَسْمَ الدَّاءِ
قال اقْطَعُوا هذا اللِّسانِ بنفحةٍ / عَنّي وتلك سَجِيَّةُ العُظماءِ
صَفوانُ أسلمَ فانجلتْ غَمراتُه / وأفاقَ بعد غَوايةٍ وغَباءِ
لمّا رأى الإسلامَ يَسطعُ نُورُه / كَرِهَ الضلالَ وضَاقَ بالظلماءِ
ومَشى على الأثرِ الكريمِ يَزِينُه / خُلُقُ الهُداةِ ومَظهرُ الحُنَفاءِ
صَفوانُ سِرْ في نُورِ ربِّكَ إنّه / يَهْديكَ في سَيْرٍ وفي إسراءِ
يا زَيْدُ قُمْ بالأمرِ وَاكْتُبْ وَاجْتَنِبْ / خَطَأ الغُواةِ وكَبْوَةَ الجُهَلاءِ
أحْصِ الرجالَ وآتِ كُلّاً حَقَّهُ / ممّا أفاءَ اللهُ ذُو الآلاءِ
ما أكرم الأنصارَ والصَّحْبَ الأُلى / حُرِمُوا فَمِن صَبرٍ ومن إغضاءِ
نزلوا على حُكمِ النبيِّ وسَرَّهم / ما كان من ثقةٍ وحُسنِ رَجاءِ
قَومٌ رسا الإيمانُ مِلءَ قُلوبِهِم / وسَما عَن الشَّهواتِ والأهواءِ
لا تَملكُ الدنيا عليهم أمرَهم / في شِدّةٍ من دَهرهِم ورَخاءِ
ما ضرَّ مَنْ يَسخو بِمُهجةِ نفسِهِ / أنْ لا يفوزَ من امرئٍ بِسَخاءِ
نالوا بفضلِ اللهِ عند رسولهِ / ما لم يَنَلْ أحدٌ من النَّعماءِ
إنّ الثّناءَ إلى الرجالِ يَسوقُه / لأجلُّ من إبلٍ تُساقُ وشَاءِ
خَسِرَ الذي آذَى النَّبيَّ بِقولِهِ / ظَلَم الرجالَ ولجَّ في الإيذاءِ
أثِمَ المنافقُ إنّها لَكبيرةٌ / وكذاكَ يَأثمُ نَاطِقُ العَوْراءِ
صبراً رسولَ اللهِ لستَ بأوّلٍ / ما حِيلةُ الحُكماءِ في السُّفهاءِ
مُوسى أخوكَ أُصيبَ من أعدائهِ / بأشَدِّ ما تَرمِي قُوَى الأعداءِ
إن أنتَ لم تَعدلْ فمن ذا يُرتجى / للعدلِ تحت القُبَّةِ الزّرقاءِ
نَفَر الحِفاظُ بخالدٍ ورفيقهِ / والموتُ مُصغٍ والمهندُ راءِ
لولاكَ إذ جاوزْتَ أبعدَ غايةٍ / في الحِلمِ جاوزَ غايةَ الأحياءِ
قُلتَ اسْكُنا لا تقْتُلاَهُ فإنّه / سيكونُ رأسَ الشِّيعةِ النّكراءِ
يغلونَ في دينِ الإلهِ فَيخرجُوا / مِنهُ خُروجَ السَّهمِ يومَ رِمَاءِ
لا يذكرِ الأقوامُ أنّ محمداً / يَجزِي الأُلى صَحبُوه شرَّ جَزاءِ
تِلكَ النُّبُوَّةُ يا مُحمّدُ فَاضْطَلِعْ / منها بأعباءٍ على أعْباءِ
أدِّبْ وعلِّمْ تِلكَ مدرسةُ الهُدَى / فُتِحتْ وأنت مؤدِّبُ العُلماءِ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ
ثَقيفُ انظري أين قَصْدُ الطريقْ / وكيفَ يلقَّى النجاةَ الغريقْ
مَشَى البأسُ في هَوْلِهِ المستطير / له لَهَبٌ ساطِعٌ كالحريقْ
مَشَى ترجفُ الأرضُ من حولِهِ / فأين الفِرارُ وهل من مُطِيقْ
ثَقيفُ ادْخُلِي الحصن لا تهلكي / ويا عَبْدَ ليل لماذا النَّعيقْ
دَعا خالدٌ يَسْتَفِزُّ الرجال / فكان فَريقُكَ شَرَّ الفرِيقْ
وكنت عليهم شهيداً بما / يُعابُ العدوُّ به والصّديقْ
يَضيقُ على العاجزينَ الفضاء / وَيَرْحَبُ بالقادِرينَ المضيقْ
وليس الخليقُ بحرِّ الجلاد / غَداةَ التَّنادي كغيرِ الخَليقْ
رَمَوْا بالسّهامِ ولو أنصفوا / رَمَوْا بالطُّلَى كلَّ عَضْبٍ ذَلِيقْ
حِراصٌ على الأنفُسِ الهالكات / وذلك منهم خَبالٌ وَمُوقْ
ضِعافُ القلوبِ قُعودٌ جُمودُ / يخافون كلَّ سَفوحِ دَفُوقْ
وما يَسْتَوِي الهِبْرِزِيُّ الجَسُور / غَداةَ الوَغى والهَيُوبُ الفَروقْ
رَأَوْا عَجباً من عَتادِ الحروب / تَذوق الحصونُ به ما تَذُوقْ
رَماهُمْ فَتاهَا بدبّابَتَينْ / فيا لَك من فَارسِيٍّ لَبيقْ
رَميْتَ الأُلى حَبَسَ الفاتحون / بموتٍ حبيسٍ وبأسٍ طليق
وَزِدْتَ فقلت اضربوا الكافرين / وَعلّمتهم صنعةَ المنجنيقْ
تَظَلُّ الحجارةُ مقذوفةً / يُشيّعها من مكانٍ سَحِيقْ
ونُودُوا إلينا فمن جاءنا / مَنَنَّا عليه بِعَهْدٍ وَثيقْ
فأقبلَ منهم بُغاةُ الأمان / فكلٌّ مُخلَّى وكلٌّ عَتِيقْ
لهم مَنزلُ الضّيفِ في المسلمين / رُعاةِ العهودِ حُماةِ الحُقوقْ
عُيَيْنَةُ ما قلت للمشركين / وهل يَقتني الحمدَ إلا الصَّدُوقْ
كذبتَ النبيَّ فقلتَ المحال / وجئتَ من الأمرِ ما لا يليقْ
وأزلفْتَها توبةً تبتغي / بها الخيرَ والخيرُ نِعْمَ الرفيقْ
تبيَّنْ عيينةُ عُقْبَى الأمور / لعلَّكَ تعقلُ أو تَستفيقْ
سيأتي بهم رَبّهم مُسلمين / فما من ضلالٍ ولا من فُسوقْ
ولو شاءَ لاجْتثَّهم أجمعين / فبادت أصولٌ وجفّتْ عُروقْ
يقولُ الفوارسُ كيف الرحيل / وما شَرِقَتْ بالدِّماءِ الحُلوقْ
رُوَيداً رُوَيداً جُنودَ النبيِّ / فقد ينفعُ الناسَ ما لا يَروقْ
وللهِ ما شَاءَ فيما يسوق / من الحادثاتِ وفيما يَعوْقْ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الذخرُ هَيِّنٌ / ولا الأجرُ مَمنونٌ ولا أنت مَغبونُ
هو الغنمُ لم يُقْدَرْ لغير مُوفَّقٍ / له مشهدٌ في حَوْمَةِ الحربِ ميمونُ
حملتَ أبا سُفيانَ عَينكَ في يدٍ / بها الخيرُ في كلِّ المواطنِ مَقرونُ
وجِئتَ رسولَ اللهِ لا الوجهُ شاحبٌ / ولا العِطفُ مُزْوَرٌّ ولا القلبُ مَحزونُ
تقول له عَيني التي أنتَ ناظرٌ / مَضَتْ في سبيلِ اللهِ والحافزُ الدِّينُ
فقال إذا أحببتَ فالردُّ مُمكِنٌ / بِقُدرةِ ربِّ أمرُه الكافُ والنُّونُ
وإلا فأُخرَى عنده إن لَقِيتَهُ / وذلك وَعْدٌ عِندَ ربِّكَ مَضمونُ
فآثرتَ هَذِي ثمَّ ألقيتَ بالتي / حَمَلْتَ وما في الحقِّ أن يُؤثَرَ الدُّونُ
سَتَتْبَعُها في وَقعةِ الرُّومِ أخْتُها / إذا حانَ منها بعد ذلكمُ الحِينُ
فخيرٌ على خيرٍ ونُعمَى تزيدها / من اللهِ نُعمى سِرُّها عنك مَكنونُ
هنيئاً أبا سُفيانَ لا الرُّمحُ آسفٌ / ولا السَّيفُ مكروبٌ ولا العزمُ موْهونُ
عَطاؤُكَ في الهيجاءِ لم يُعْطَ مِثلَهُ / من النّاسِ إلا صادقُ البأسِ مأمونُ