المجموع : 65
كذا تُكشفُ الغَمّاءُ بعد ظلامِها
كذا تُكشفُ الغَمّاءُ بعد ظلامِها / وتبرأ أوطانُ العُلا من سَقامِها
وتُغمدُ بِيضُ الهندِ من بعد فَجْعِها / جُسومَ الكُماة المُصْلِتين بِهامها
وتُركَزُ سمر الهندِ من بعد خَرْقِها / نُحورَ العِدا طعناً وفَضِّ ختامِها
وتُضحِي رياضُ الحَزْنِ خُضْراً أريضةً / وَقد رويتْ كما اِشتهتْ مِن غمامِها
وَيَضحكُ وَجهُ الخَطْبِ بعد عُبوسِهِ / وتخمدُ نارُ الحربِ بعد اِضطرامِها
فيا رُكْنَ دينِ اللَّه وَالعروةُ الّتي / كُفينا بُصْنعِ اللَّهِ شَرَّ اِنفِصامِها
هَنيئاً بِها مِن نِعمةٍ فاتتِ المنى / فلم يَبْقَ للآمالِ غيرُ دوامها
وما قادَها من بعد أنْ أعيَتِ الورى / إليك سوى ربِّ الورى من خِطامها
فَلَم تكُ إلّا عَزْمةً منك في التُّقى / كفَتْك من الأيّامِ سوءَ اِعتزامها
دعوتَ لها مَن لا يخيبُ دعاؤهُ / فأرعاك منها مِنْ أجَلِّ مَسامِها
فكان ضميناً بعدها بدُنُوِّها / وَكانَ كفيلاً صَدْعها باِلتئامِها
وما زلتُ أرجوها ومنتظراً لها / كمنتظرٍ من حاملٍ لتمامِها
وبشّرنِي ظنّي بها قبل كونها / وأظهرها لِي في زمانِ اِكتِتامها
وكنتَ إذا ما حادثاتٌ تعرّضَتْ / رأيتَ جَلاها من خِلالِ قَتامها
فكفكَفْتَ منها قبل حين طلوعها / وروّأتَ فيها قبلَ وَشْكِ اِنهجامِها
فإنْ كنتَ قد قاسيتَ منها عظيمةً / فإنّ العظيمَ مُبتَلىً بعظامِها
فإنْ أجرمتْ فيك اللّيالِي فقد أَتَتْ / على عَجَلٍ منها بمحوِ اِجتِرامها
وقد وادَعَتْنا اليومَ فَاِغفر لها الّذي / مضى من تجنّيها وفَرْطِ عُرامِها
وداوتْ جروحاً من يديها رغيبةً / وعَفّتْ نُدوباً من نُدوبِ عِذامِها
ووقّرْتَها بعد الجنونِ وقد ثَوَتْ / خَبوطاً عَثوراً خُفُّها بزمامِها
فها هِيَ لا تُقذى بشيءٍ من القَذى / ولا يستطيع الدّهرُ حلَّ نظامِها
حمىً يتّقيهِ المُقدِمون وخِطَّةٌ / أبَتْ لمُغيرٍ ثُلَّةً من سَوامِها
فيا بُعْدَ مَرْمى ليلها من صباحها / ويا بُعْدَ مَرْمى نَبعها من ثُمامِها
وعلّمْتَ أملاكَ الورى إنْ تعلّموا / لدى نكْبَةٍ أنْ يخلصوا من مَذامِها
وإنْ يشتروا في ساحةِ العِزِّ رُتبةً / تجاذبُها الأيدي بحكمِ اِستِيامِها
رَمَتْك فلمّا لم تُصِبْك تناكصتْ / مُخَيَّبَةً مجروحةً بسهامِها
ولمّا رأتْ منك الصّريمةَ أَبدَلَتْ / على مَضَضٍ إقادمها باِنهزامِها
فروّيتَ ظمآنَ الثّرى من دمائها / وأشْبعتَ ذُؤْبانَ الفضا من عظامِها
وما بَرِحتْ حتّى أدَرْتَ وما دَرَتْ / كؤوسَ رَداها لا كؤوس مُدامِها
ولمّا تركتَ السَّيفَ فيهمْ وحُكمَه / جعلتَ بُكاها في مكان اِبتسامِها
عصابةُ بَغْيٍ بوعِدَتْ عن حلومها / فلم تدرِ جهلاً شيخَها من غلامها
أقامتْ على دار العُقوقِ فلم تَرِمْ / وَما رَدَّدَتْ إلّا طويلَ ملامِها
ولمّا رأَتْك مُقبلاً حار فَهْمُها / وأشْكَلَ فيها رُمْحُها من حسامِها
وَطاح الّذي غُرّتْ بهِ من وساوسٍ / وصارتْ كحُلمٍ أبصرتْ في منامها
هُمُ ثوّروها فتنةً لم تفِدهُمُ / سوى حزِّهم أَوصالَها واِنتقامها
وقد نَكَّروها جُهْدَهمْ فعرفتَها / وقد طلعتْ من قبل حَطِّ لِثامها
وهمْ أوقدوها جَهْلَةً بمآلها / فَما اِحتَرقوا إلّا بشبِّ ضِرامِها
وَهُمْ زَعزعوها وَاِرتَجَوْا لذّةَ الجنى / فلم يجتنوها اليومَ غيرَ حِمامِها
نَثَرْتَهمُ ضرباً وطعناً بقفرةٍ / كأنّهُمُ بالعين بعضُ رَغامِها
وزدتَ وقد طَرَّحْتَهمْ حِزَقاً بها / بطرْقِ المنايا في عِدادِ إكامِها
وَلَم تكُ إلّا مثلَ قَبْسَةِ قابِسٍ / ونُغْبَةِ كُدْرٍ ما اِرتَوَتْ من أُوامِها
وكان تَوَلِّيها عقيبَ مجيئها / وكان الرّضاعُ في جوارِ فطامِها
وأنت على مَعْروقةٍ عند شدّها / كذئبِ الفلا أوْ شِدَّةً كسِلامها
تُخال وقد هزّ المَراحُ كَلِيلَها / نجومُ الثُرَيّا حِلْيَةً للجامِها
كأنّك منها فوقها أوْ كراكبٍ / من الشُّمِّ أعلى هَضْبَةٍ من شَمامها
فكفّاك في تصريفها كعِنانِها / ورِجْلاك في إمساكِها كحِزامها
تدوس بك القتلى وقد ملأوا الثّرى / بِغيرِ تَوقّيها وغيرِ اِحتشامِها
فخذها كما أعطاك ربُّك دولةً / حباك بما تهوى بدار مُقامِها
مجدَّدَةً ما للخطوبِ معرَّجٌ / عَليها ولا إلمامةٌ من لِمامِها
ورام العِدا أنْ يسلبوك ثيابَها / وقد حالت الأقدارُ دون مَرامِها
وأنْ يُنزلوك عن قَراها كأَنَّهمْ / بما فعلوا عالوْك فوق سنامِها
فلا طَرَقتْها للحوادثِ طَرْقةٌ / ولا عبثتْ أيدي الرّدى باِنثلامها
ولا زِلْتَ مَحْبُوّاً بها كلَّ ليلةٍ / مُحَيّاً على طولِ المدا بسَلامِها
عَذيرِي مِنَ القومِ الّذين أراهُمُ
عَذيرِي مِنَ القومِ الّذين أراهُمُ / مَدَى الدّهرِ لا يهوَوْن منّي سوى ظُلمي
هُمُ كَلَموا جسمي ولم يكُ عندهمْ / بأنّ كُلومي ليس يا قومُ من جسمي
وَلولا اِحتِقاري همْ عدىً لرميتُهمْ / ولكنّني فيهم أَغارُ على سهمي
وقد خَبَروني كلَّ يومٍ وليلةٍ / فَما أَنكروا منّي ولا كرهوا طعمي
زارك زَوَّارُ الحُلُم
زارك زَوَّارُ الحُلُم / مسلماً بذي سَلَمْ
في ليلةٍ ظلماؤها / حالكةٌ من الظُّلَمْ
كأنّها إِثْمِدَةٌ / أوْ صَلْدَةٌ من الفَحَمْ
جاء وسادي عائداً / فلم أبِنْ من السَّقَمْ
والرّكبُ في ظلِّ نَقىً / لو زَعزعوه لاِنهدمْ
كأنّما مَرُّ الصَّبا / رَقَّشَ فيه بقلَمْ
في فِتْيَةٍ جابوا الدُّجى / إلى الضُّحى جَوْبَ الأُدُمْ
عارين من كلِّ قَذىً / كاسين من صَفْوِ الشِّيَمْ
توسّدوا أذْرُعَهم / من الكَلالِ والسَّأَمْ
وَاِفتَرشوا من الكَرى / على الثَّرى تلك اللِّمَمْ
من سَبْسَبٍ خافي الصُّوى / لا إِرَمٌ ولا عَلَمْ
مَن عاذِرِي وأَين لِي / من عاذرٍ فيما يَلُمْ
يُؤْلمني جزاءُ ما / داويتُه من الأَلَمْ
وإنْ غفرتُ جُرمَهُ / أعاد ما كان جَرَمْ
يَبْغِي سقاطي وَالّذي / يريده أعيَا الأُمَمْ
ويرتجي أنِّيَ في الن / ناسِ كما كان زَعَمْ
متى أُرِدْ شيئاً أبى / أوْ قلتُ لا قال نَعَمْ
عن الفتى سَلْ فعلَهُ / ودَعْ أُصولاً وجِذَمْ
ما ينفع المرءَ بلا / نَحيزةٍ خالٌ وعَمْ
ومِن يَدَيْ كلِّ اِمرئٍ / يصيبُهُ حَمْدٌ وذَمْ
لا خيرَ في مبتذَلٍ / يصغُر في يومِ العِظَمْ
هان فلا قَدْرٌ له / مثلُ لفيظٍ من عَجَمْ
يُغضِبُهُ إنْ لِيمَ في / سيّئَةٍ ولم أُلَمْ
وإنّني رِمْتُ عن ال / فحشاءِ وهْوَ لم يَرِمْ
عدِّ عن القومِ لهمْ / مَنٌّ ولم يُسْدُوا نِعَمْ
ضلّوا عن الخيرِ كما / ضلَّ شَرودٌ عن لُقَمْ
وعن مكانٍ لم يُقِمْ / غيرُك فيه لا تُقِمْ
إنّ لفخر الملك عِنْ / دي نِعَماً فُقْنَ النِّعَمْ
جِئْنَ غِزاراً حُفَّلاً / يفْضَحْنَ في السَّحِّ الدِّيَمْ
ما سرّني وكنّ لِي / بأنّ لي حُمْرَ النَّعَمْ
أَنت الّذي أولَيْتَنِي / من العُلا ما لم أرُمْ
وكنتُ عنها غافلاً / وقاعداً لو لم تُقِمْ
فَالآن يمشي قدمي / بحيثُ لم تمشِ قَدَمْ
والآن أُثني مُعلناً / بكلِّ غرّاءِ البُهَمْ
يَسمَعُها مَن بينه / وبينها كلُّ صَمَمْ
من ذا يُعالينِي وقدْ / ساندني الصّخرُ الأصَمْ
سَقْياً لفخر الملكِ مِنْ / مُغتفرٍ ومنتقمْ
ومَن أطاعتْ أمرَه / عُرْبُ الفيافي والعَجَمْ
كم ذا على أرْجائِهِ / زَمَّ أُنوفاً وخَزَمْ
وكم على رِفْقٍ به / قوَّضَ بيتاً وهَدَمْ
وَهوَ كَما شاء له / ذاك النِّجارُ والكَرَمْ
قد قلتُ للقومِ وقد / غُرّوا بطولِ ما كَظَمْ
حِذارِ من خافي السُّرى / أسرى بجُنْحٍ من ظُلَمْ
كالصّلِّ إذْ همَّ مَضى / واللّيث إنْ ضَمَّ عَذَمْ
والبحرِ إنْ زاد طَمى / والغيث إنْ جاد سَجَمْ
وموقفٍ ضَنْكِ الخُطا / ملآنَ من لَحْمٍ ودَمْ
يُذَمّ مَن عفّ كما / يُحمدُ فيه مَن ظَلَمْ
كأنّما القومُ به / من قَلَقٍ على ضَرَمْ
حَضَرْتَهُ بهمّةٍ / أَوْفَتْ على كلّ الهِمَمْ
وأنتَ طَلْقٌ باسمٌ / في لاتَ حينَ مُبتَسَمْ
تُشبِعُ فيه بالقّنا / مَن زاره مِنَ الرَّخَمْ
إنَّيَ عَضْبٌ باتِرٌ / فاِستلّني في كلِّ هَمْ
والسِّرُّ عندي راهنٌ / أَكتُمهُ عمّنْ كَتَمْ
وإنْ ألمَّ حادثٌ / فإنّنِي لِما أَلَمْ
سِيّانِ عندي في هوىً / ترومُهُ بُرٌّ وَيَمْ
وأيُّ خطبٍ مُعضِلٍ / ضرّم ناراً فاِضطرمْ
وَاِنقَبضتْ عنه الخُطا / واقفةً لمّا اِدْلَهَمْ
فَاِجعَلْ عِياني دونَهُ / لسدِّ ما منه اِنثَلَمْ
فإِنّني من بينهمْ / فرّاجُ هاتيك الغُمَمْ
ولا تعُجْ في خُطّةٍ / عن ناصحٍ بمتَّهَمْ
وَاِجدَعْ أُنوفاً رَغَمَتْ / من كلّ ذي أنفٍ رَغَمْ
ودُمْ على شكر الذي / خوَّلك اللهُ يَدُمْ
والمِهْرَجانُ مُخبرٌ / أنّ لك العُمرَ الأَتَمْ
تبقى لأمثالٍ له / في نِعَمٍ لا تنثَلِمْ
لا بُدِّلَ العِزُّ الّذي / أُولِيتَه ولا اِنصَرَمْ
وبابُك المعمورُ لا / عُطِّلَ من وَفْدِ الخَدَمْ
وعشتَ ما شئتَ لنا / لا عَدَمٌ ولا هَرَمْ
ضَرّمَ قَلبي فاِضطرمْ
ضَرّمَ قَلبي فاِضطرمْ / في أُفقِه ذاك الضَّرَمْ
كأنّه نجمٌ هوى / أو عَلَمٌ على عَلَمْ
يخفق في جُنحِ الدّجى / مُضَوّئاً تلك الظُّلَمْ
يقول مَن يُبصرهُ / مَنْ ضرّج الأُفْقَ بِدَمْ
كأنّما خالَطَهُ / مَسُّ جُنونٍ أوْ لَمَمْ
شككتُ لمّا لمْ تقفْ / حالٌ له على قَدَمْ
وخلتُ من رَيْبِي به / أنّي أراهُ في الحُلُمْ
كأنّه ذو بُخُلٍ / يقول لا بعد نَعَمْ
أو جَسَدٌ مُرَدَّدٌ / بَين العوافي والسَّقَمْ
فاللّيلُ مُبْيَضٌّ به / وقبلَه كان الأَحَمْ
كان بهيماً فاِنْثَنى / منه أغرَّ ذا رَثَمْ
عجبتُ واللّيلُ على / قُطوبه كيف اِبتَسَمْ
زار ولم يَجرِ له / ذكرٌ ولم يَدْعُ بفَمْ
ما نامَ عنّي وَمْضُهُ / طولَ الدُّجى ولم أنَمْ
أذكرني إِيماضُهُ / عَيشاً تَقضّى واِنْصَرَمْ
وَفِتْيَةً مُفهَقَةً / صدورُهمْ من الهِمَمْ
مِن نِعَمٍ مخلوقةٌ / أيديهمُ ومِن نِقَمْ
ما فيهمُ إلّا فتىً / ممتلئٌ من الكرَمْ
كم قد سرى في كَرَمٍ / فَما اِشتكى من السَّأَمْ
وكم علا في سُؤْدُدٍ / ظهرَ ثَبيرٍ وإِضَمْ
إِذا اِدَّعى ما شاء من / فَضيلةٍ فما ظَلَمْ
أقول لصحبي وقد هوّموا
أقول لصحبي وقد هوّموا / أصُبحٌ بدا لكُمُ أمْ ضَرَمْ
أضاء الظّلامَ ولم يُدْنِهِ / صباحٌ وأنَّى تضيءُ الظُّلَمْ
بريقٌ يعرّفني بالعقيق / ولو لم يَلُحْ لَمْعُهُ لم أنَمْ
كأنّ تخاطيطَه في السّواد / تخاطيطُ وارِسَةٍ أوْ عَنَمْ
كأنّ الرّياحَ شَنَنّ النُّضار / وإمّا نَضَحْنَ سماءً بدَمْ
أوِ الصّبحُ يقلُصُ ظلّ الظّلامِ / أو النّارُ ساريةٌ في فَحَمْ
وإمّا جوادٌ بهيمٌ بَدَتْ / لمُبصرِهِ غُرَّةٌ أو رَثَمْ
فيا حبّذا وَمْضُهُ لو أراك / وأنتَ بيَبْرين أهلَ العَلَمْ
أُناساً يدارون سُقْمَ السّقيم / ومن أجلِهِمْ دَبَّ ذاك السَّقَمْ
وكم ضِيمَ وسْطَ مغانِيهِمُ / فتىً قبل حبّهِمُ لم يُضَمْ
ولا خيرَ في بارقٍ لم يكنْ / رسولَ الحَيا وبشيرَ الدِّيَمْ