المجموع : 71
لا تَلُمنِي فليس لي
لا تَلُمنِي فليس لي / علمُ ما في المغيَّبِ
كيف أدري وما ذهْب / تُ من البعدِ مذهبي
أنا أعشى لَدَى المطا / لب عن نُجحِ مطلبي
لو علمتُ الّذي أعو / ذُ بِهِ قبل مَركبي
لَم أَدعْ من بصيرةٍ / ضرراً أنْ تمرّ بي
ولَكُنتُ الغنِيَّ عنْ / نَدَمٍ أو تَعَقُّبِ
وَلَما كان ظافراً / بيّ يوماً مؤنّبي
لا وَلا كانَ للقذا / ةِ لِمامٌ بِمَشربي
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما
تَصدّين عنّي للمَشيبِ كأنّما / صَرفتُ شبابي أو دعوتُ مشيبي
وكيف سُلوِّي عن حبيبٍ إذا مضى / فلا متعةٌ لي بعدهُ بحبيبِ
كأنِّيَ رَبْعٌ بعده غيرُ آهلٍ / ووادٍ جفاه القطْرُ غير خضيبِ
فلا تندُبي عندي الشّباب فإنّني / بكائي عليه وحدَهَ ونحيبي
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ
على كلّ حالٍ أنتِ قاسيةُ القلبِ / فلا عَذَلِي يُجدي عليّ ولا عَتْبي
ولم أنْسها يومَ الفراقِ ووجهُها / يُضيءُ لَنا خلفَ البراقعِ والحُجْبِ
تَقولُ أَلا رِفقاً بقلبكَ في الهَوى / فقلتُ وهل لِي يومَ بينِكِ من قلبِ
ولولا الهَوى ما خارَ للعجْمِ مَعْجَمِي / ولا لانَ يوماً في أنامِلكم صَعبي
فَإن كنتُمُ تَعصون أمرِي تجنّياً / فأعْصى لأمري منكُمُ أبداً قلبي
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى
حَملتُمْ كَما شِئتمْ على الهوى / وأَرشدتُمُ نارَ الغرامِ إلى قلبي
وَلمَّا دَخَلتمْ بِالهَوى في جَوانِحي / بِما جَنَت العَينان لانَ لَكُم صعبي
فَإِن لَم يَكنْ شِعبُ اللّوى ملتقىً لنا / فَلا بارَكَ الرّحمنُ في ذلك الشِّعبِ
وَإِن لَم يَكُنْ تُربٌ بِه مضجعاً لنا / فَلا اِجتَازت الأنواءُ في ذلك التُّربِ
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ
بَنِي الحفيظَة هَل للمجدِ من طلبٍ / ليس الطّعان له من أنجح السّببِ
هزّوا إلى الحمد عِطْفَيْ كلِّ سَلْهَبَةٍ / تبُذُّ كلَّ سِراعِ الخيل بالخَبَبِ
أُحبُّ كلَّ قليلِ الرّيثِ في وطنٍ / مُقسّمَ الفِكرِ بينَ الكور والقَتَبِ
إِمّا على صَهَواتِ الخيل موطِنُهُ / أو دارُهُ في ظهور الأينُقِ النُّجُبِ
إنّي وأصدقُ قولٍ ما نطقتُ بهِ / أَرعى منَ الوِدّ ما أرعى من النّسَبِ
ما عاقَني الحلمُ عن باغٍ عَنِفْتُ بهِ / وَلا نَسيتُ الرّضا في موطن الغَضبِ
وَلا خَلطتُ بِيَأسٍ عَن غنىً طمعاً / وَلا مَزجتُ عُقارَ الجِدِّ باللّعِبِ
أَلستُ إنْ عُدّ هَذا الخَلقُ خيرَهُمُ / لَم يَبرحوا بين جَدٍّ لِي وبين أبِ
ما للنجومِ الّتي بانَتْ تُطالِعنا / مِن كُلّ عالٍ عَلا كلَّ الورى حَسبي
فَقُل لِمن ضلَّ مَغروراً يُفاخِرني / وَما له مثلُ عُجْمي لا ولا عَرَبي
أَلَيسَ بيَن نبيٍّ مُرسَلٍ خُتِمَتْ / بهِ النبيّون أو صهرٍ له نسبي
بَني المُخلَّف ما اِستَمْتُمْ مَراتِبنا / حَتّى صَفَحنا لكمْ عن تلكُم الرّتبِ
أَلِفْتُمُ الحلمَ منّا ثُمّ طابَ لَكُمْ / لَمّا اِشرَأبّت إِليكُم أنفُسُ الغضَبِ
لَولا دفاعِيَ عَنكمْ يومَ أمْطَرَكمْ / نَوء السماكينَ أَشفيتمْ على العَطَبِ
كَم عِندَكمْ وَبِأَيديكم لَنا سَلَبٌ / لَكِنّه لَو عَلِمتمْ ليس كالسَّلَبِ
مَلأتُمونا عُقوقاً ثُمَّ نَحنُ لَكمْ / طولَ الزَّمانِ الوالدِ الحَدِبِ
عَمَرْتُ ظاهركمْ جُهدي فَكَيف بما / أَعيا عَليَّ لكُمْ من باطنٍ خَرِبِ
وَكَمْ رَضيتُ ولكنْ زدتُكمْ سَخَطاً / وَلَيسَ بعدَ الرّضا شيءٌ سوى الغَضَبِ
وَما تأمَّلتُ ما بَيني وبينَكُمُ / إِلّا رَجعتُ كظيظَ الصّدر بالعجبِ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ
ما اِرتبتُ منكمْ على مرِّ الزّمانِ فلِمْ / ملأتُمُ اليومَ أضلاعي من الرِّيَبِ
وقد صَدقتُكُمُ حتّى رأيتُ لكمْ / وما كذبتكُمُ حظّاً من الكَذب
ما خِيرَ لِي في اِختياري وُدّكمْ وَزَرٌ / آوِي إليه ولا أنجحتُ في الطّلبِ
وكنت منكمْ قريباً قبل غدركُمُ / فصرتُ أبْعَدَ من جِدٍّ إلى اللّعِبِ
فلا تُدِلّوا بإثراءٍ أُتيحَ لكمْ / لا خَيرَ بعدَ اِفتِقارِ العِرْضِ بالنَّشَبِ
ما ضرّكمْ لو وهبتمْ لِي جميلَكُمُ / فأيُّ شيءٍ من الإجمال لم أهَبِ
قَد كنتُ أَحسبكمْ والظنُّ مَطْمَعَةٌ / عزّاً لِذي الذُلِّ أو حِرْزاً لذِي العَطَبِ
حتّى صحبتُكُمُ جهلاً بخيرِكُمُ / ثمَّ اِختبرتُ فَكنتمْ شَرَّ مُصْطَحَبِ
فَليتكمْ ما عرضتُمْ لي مودَّتكم / وَلَيتَني كنتُ مدعوّاً فلمْ أُجبِ
وطالما غِبتُمُ عن نفعِكمْ خَوَراً / وكنتُ منهُ قريبَ الدّار لم أغبِ
إنَّ الّذي اِعوجَّ من بعد اِستقامتِهِ / وَاِنسَلَّ من وَطَري فيه ومِنْ أرَبِي
نَفضتُ مِن وُدِّه كفّي وقد صَفِرَتْ / وَعُدتُ من دارهِ أَمشي إلى العَقِبِ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ
يَقولون لي لِمْ أنتَ للشّيب كارهٌ / فقلتُ طريقُ الموتِ عند مشيبي
قَرِبتُ الرّدى لما تجلّلَ مَفرقي / وكنتُ بعيداً منه غيرَ قريبِ
وكنتُ رطيبَ الغصنِ قبل حلولِهِ / وغُصنِيَ لمّا شبتُ غيرَ رطيبِ
وَلَم يكُ إلّا عَن مَشيب ذوائبِي / جَفاءُ خليلٍ وَاِزوِرارُ حبيبِ
وَما كنتُ ذا عيبٍ وقد صرتُ بعده / تُخَطُّ بأيدي الغانياتِ عيوبي
فليس بكائِي للشّبابِ وإنّما / بكائِي على عُمْرٍ مضى ونحيبي
فديتُهُ من زائرٍ زارني
فديتُهُ من زائرٍ زارني / واللّيل مُسْوَدُّ الجلابيبِ
زار وفيه كلّ ما ينبغي / في النّاس من حُسنٍ ومن طِيبِ
ولم يَضِرْها أنّها زَورَةٌ / لعازبِ الآراء مكذوبِ
باطلةٌ روّتْ لنا غُلَّةً / والحقّ لم يأتِ بمطلوبِ
لولا الكرى ما جاد لي بالمُنى / معشّقٌ يعشقُ تعذيبي
وكيف لا أهوى لذيذَ الكرى / محبَّباً جاء بمحبوبِ
نَبَتْ عينا أُمامةَ عن مشيبي
نَبَتْ عينا أُمامةَ عن مشيبي / وعدّتْ شيبَ رأسي من ذنوبي
وقالتْ لو سترتَ الشَيبَ عنّي / فكم أخفَى التّستّرُ من عيوبِ
فقلتُ لها أُجِلُّ صريح وُدِّي / وإخلاصي عن الشَّعرِ الخضيبِ
وما لَكِ يا أُمامُ مع اللّيالي / إذا طاولْنَ بدٌّ مِنْ مشيبِ
وما تدليس شيبِ الرأس إلّا / كتدليس الوِدادِ على الحبيبِ
فلا تلْحي عليهِ فذاكَ داءٌ / عَياءٌ ضلّ عن حيلِ الطبيبِ
وإنّ بَعيدَ شيبكِ وهو آتٍ / نظيرُ بياض مفرقيَ القريبِ
فَإنْ تأبي فَقومي ميّزي لِي / نصيبَكِ فيه يوماً من نصيبي
أضنُّ بِنَفسي عَن هوى البيضِ كلّما
أضنُّ بِنَفسي عَن هوى البيضِ كلّما / تيقّنت أنّ الحبَّ ذُلٌّ لصاحِبهْ
ولا خُدِعتْ عينِي بضوءِ وميضِهِ / ولا مُطِرَتْ أرضي بماء سحائِبِهْ
وسيرِيَ في كُورِ المَطيَّةِ موجِفاً / على شاحطِ الأقطارِ هافٍ براكِبِهْ
أقَرُّ لعينِي من عناقِ مُهَفْهَفٍ / أَبيتُ سوادَ اللّيل بين ترائِبِهْ
ولمّا سقاني الدّهرُ صِرْفاً صروفَهُ / كِرَعتُ شراباً لا يَلَذّ لشارِبِهْ
فلا تطلبا عندي النجاة فإنّنِي / أروحُ وأغدو في إِسارِ عجائِبِهْ
أَلا يا لقومي لاِعتنانِ النّوائبِ
أَلا يا لقومي لاِعتنانِ النّوائبِ / وللغُصنِ يُرمى كلَّ يومٍ بشاذبِ
ما لي أرى في العيد كلّ معيّدٍ / ويفوت طرفي شخصَ مَن أهواهُ
ما ذاكَ إلّا أَنّه غَبَطَ الرّدى / أهلَ الزّمانِ بقُرْبِه فدهاهُ
لَبّاهُ لمّا أنْ دعاه مُشَمِّراً / وبرغمِ قلبي أنّه لَبّاهُ
ولقد رمى قلبي الرّدى لمّا اِنتَحى / من كان حشوَ ضميره فرماهُ
كيف السُّلُوُّ وكلّما أمَرَ النُّهى / بلزومِهِ قلبي أبى فعصاهُ
أمْ كيف أنساهُ وفَقْدُ نظيرهِ / يأبى لقلبي الدّهرَ أنْ يَنْساهُ
وكأنّني وَجْداً به وصبابةً / أنّي طمحتُ بناظِرَيَّ أراهُ
ولقد تمكّن في الفؤادِ مكانُهُ / لمّا بلوتُ على الزّمانِ سواهُ
ولَرُبّما أصْفى بودِّك كلِّه / نَحوَ الّذي تهواهُ مَن تَقْلاهُ
ويُحَقُّ لي آبي العزاءَ عن اِمرئٍ / ما زال إنْ عزّ القبيحُ أباهُ
يُضحِي خَميصَ البطنِ من زاد الهَوى / والحُرُّ مَن للَّهِ كان طَواهُ
وتراه مُنقبضَ الجوارحِ والخُطا / فإذا سَرى فإلى الجميل سُراهُ
يعيي الورى إسخاطُهُ مَعَ أنّه / في كلّ شيءٍ يرتضيه رضاهُ
والأمرُ يُعرِضُ عنه ما لم يرتبطْ / بك نفعُهُ فإذا عَناك عناهُ
ولِمن يَوَدُّك وُدُّهُ وصَفاءُهُ / ولمن يَريبك رَيْبُهُ وقِلاهُ
ولَكَ الّذي يرجوه لا يثني به / كفّاً وليس عليك ما يخشاهُ
ولقد رأيتُ أخاه في النَّسَبِ الّذي / لا حَمْدَ فيه وما رأيتَ أخاهُ
وَالنّاسُ كلّهُمُ لأَصلٍ واحدٍ / وتفاضُلُ الأقوامِ في عُقباهُ
لَهْفي عَلى مَن كان قولي بعدما / واراهُ خَلْفَ التُّربِ ما واراهُ
ليس البعيد أخو التَّغَرُّبِ والنَّوى / لكنَّ مَن هِلْنا عليه ثَراهُ
سيّانِ عندي بعد نازلةِ الرّدى / مَنْ مدّ أوْ قَصَرَ الزّمانُ مَداهُ
والدّارُ زائلةٌ بنا لولا المُنى / ممّنْ تَعَوَّدَ أنْ تخيبَ مُناهُ
يسعَى الفتى فيما يجرّ ذيولَه / وإلى المنايا سَعْيُهُ وخُطاهُ
ويُسَرُّ إنْ أرخَى الزّمان خِناقهُ / ووراءَه حَنِقٌ يَحُدُّ مُداهُ
يُخفي على عَمْدٍ أَوانَ طُروقِهِ / فالمرءُ لا يدري متى يلقاهُ
هيهاتَ حلَّ الموتُ كلَّ قَرارةٍ / منّا وألقى في الجميعِ عَصاهُ
وحدا إليه غُدْوَةً وعشيةً / بركابنا مَن لا يملُّ حُداهُ
والنّفسُ ترجو عَوْدَ كلِّ مُسافرٍ / إلّا اِمرءاً قضتِ المنونُ نَواهُ