القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 448
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما
يا مُطعِمَ الجيشِ أشبعتَ السُّيوفَ دَما / لولاكَ ما شَبعتْ يَوماً ولا طَعِما
أنتَ الحياةُ جَرَتْ في كلِّ مُنطَلقٍ / تَغشَى الكميَّ وتغشى الصَّارِمَ الخَذِما
تَتابع الجودُ لا بُخلٌ ولا سَأَمٌ / دِينُ المروءةِ يأبى البُخلَ والسَّأما
المسلمونَ يَدٌ للَّهِ عَامِلَةٌ / تَمضِي أصابعُها في شأنِها قُدُما
لا تشتكِي إصبعٌ من إصبعٍ وَهَنَاً / ولا تُغايِرُها إذ تَشتكِي الألما
يا سعد أدَّيتَ حقَّ اللَّهِ من ثَمَرٍ / لو كانَ من ذَهَبٍ ما زِدْتَه عِظَما
كذلك الخيرُ يُدعَى المُرءُ مُغتَنماً / إن راحَ يَنْهَبُه في القومِ مُغْتَنِما
زَادَتْكَ نَخْلُكَ يا سعدُ بن ساعدةٍ / فَضلاً وزادَتْ على أمثالِها كرما
هذا جَنَاهَا بأيدِي القومِ مُنْتَهَبٌ / واللَّهُ يكتبُ فَانْظُرْ هل تَرَى القَلَمَا
أحْصَاه يا سعدُ عَدّاً ثم ضَاعَفَهُ / فلستَ تُحْصِيهِ حَتّى تُحْصِيَ الأُمَما
ادفع عُيينةَ واردعْ جهلَ صاحِبِهِ / إنّ الحديثَ حديثُ الدّهرِ لو عَلِما
تَمْرُ المدينةِ ما فيه مُسَاوَمَةٌ / أو يَرْجِعَ السَّيْفُ عنه مُترَعاً بَشِما
طَعَامُ كلِّ فَتىً للَّهِ مُنتَدَبٍ / لا يغمدُ السَّيْف عَمَّنْ يُطعِمُ الصَّنما
مَنَعْتَهُ ونصرتَ اللَّهَ في هَمَلٍ / من عُصبةِ الشِّركِ لا يَرْضَوْنَهُ حَكَما
وَصُنْتَهُ عَلَماً للحقِّ تَحفظُهُ / لا يحفظُ العِرضَ مَن لا يحفظُ العَلَمَا
ما يَصنَعُ النَّاسُ إن ضاعتْ مَحارِمُهم / وما على الأرضِ أن لا تحمل الرِمَما
ألم تُهِبْ يوم بَدرٍ بالأُلَى نفروا / للحربِ يَصْلَونَ من نيرانِها ضَرَما
يا قومُ إنّ جُموعَ الكُفرِ حاشدةٌ / فأين يذهبُ دِينُ اللَّهِ إن هُزِما
إن لم يَبِتْ ناجياً من سوءِ ما اعْتَزَمُوا / فلا نَجَا أحدٌ منّا ولا سَلِما
يا باعِثَ القومِ شَتَّى من مَجَاثِمهم / ما بالُ عَزْمِكَ في آثارِهِم جَثَما
من حَيَّةِ السُّوءِ أَلقَيتَ السِّلاحَ على / كُرْهٍ وَرُحْتَ تُعانِي الهمَّ والسَّقَمَا
كُنتَ الحريصَ عليها وَقْعَةً جَلَلاً / لم تُبقِ للكُفرِ مِن آطامِهِ أُطُمَا
كذاكَ قالَ رسولُ اللَّهِ فابتهجتْ / مِنكَ المَشاهِدُ لم تنقِلْ لها قَدَمَا
أَعطَاكَ سَهْمَكَ يَجزِي نِيَّةً صَدَقَتْ / شَرِيعةُ اللَّهِ ما حابَى ولا ظَلَمَا
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ
بني لِحيانَ لُوذوا بالجبالِ / وَقُوا مُهَجَاتِكم حَرَّ القِتالِ
أَمِنْ غَدرٍ إلى جُبنٍ لعمري / لقد ضِقْتُم بأخلاقِ الرِجالِ
لكم من خَصمِكم عُذرٌ مُبِينٌ / فليس لنارِه في الحربِ صالِ
أما انصدعتْ قُواكم إذ أخذتم / صحابتَه بمكرٍ وَاحْتيالِ
كَذبتُمْ ما لأهلِ الشِّركِ عَهدٌ / وما الكُفّارُ إلا في ضَلالِ
قَتلتُمْ عاصماً بطلاً مَجيداً / مَخُوفَ الكَرِّ مَرهوبَ النِزالِ
فُنونُ الحربِ تَعرفُه عليماً / بأسرارِ الأسنَّةِ والنِّصالِ
وَتشهدُ أنه البطلُ المُرَجَّى / إذا فَزَعَ الرُّماةُ إلى النِّبالِ
رَماكُمْ ثُمَّ جَالدَكم فأدَّى / أمانتَهُ وَأَوْدَى غيرَ آلِ
وقاتِلُ عُقْبَةٍ في يومِ بَدرٍ / أَيحفِلُ حِينَ يُقتلُ أو يُبالِي
أردتُمْ بَيعَهُ لِيُنالَ وِترٌ / رُوَيْداً إنّ صاحبَكم لَغَالِ
وليس لدى سُلافَة من كِفاءٍ / لِهَامَةِ ماجدٍ سَمْحِ الخِلالِ
حَماهُ اللَّهُ من دَنَسٍ وَرِجْسٍ / وَسُوءِ المنُكراتِ من الفِعالِ
شَهيدُ الحقِّ تَحرسُه جُنودٌ / مِنَ الدَّبْرِ المُسلَّحِ للنضالِ
وَعبدُ اللَّهِ فِيمَ قَتلتموهُ / وَسُقْتُمْ صاحِبَيْهِ بشرِّ حالِ
طِلاَبُ المالِ يُولِعُ بالدّنايا / ويَلوِي المرءَ عن طَلَبِ المعالي
رَضِيتُمْ بَيْعَ أَنْفُسِكم بَبَخْسٍ / قليلِ النَّفعِ من إبلٍ ومالِ
خُبَيْبٌ في يَدَيْ جافٍ شديدٍ / يُعذَّبُ في أداهمِهِ الثِّقالِ
وَزَيْدٌ عِنْدَ جَبّارٍ عنيدٍ / يَصُبُّ عليه مُختلفَ النَّكالِ
كِلاَ أَبَوَيْهِمَا قُتِلاَ بِبَدرٍ / فَتِلكَ حفائظُ الرِّمَمِ البَوالي
يَزيدُهما البلاءُ هُدىً وَعِلماً / بأَنّ الحادثاتِ إلى زَوالِ
وَأَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ مُنْتَهاها / وإنْ طَمِعَ المضلَّلُ في المُحالِ
لِكُلٍّ مَشهدٌ عَجَبٌ عليه / جَلالُ الحقِّ بُورِكَ مِن جَلالِ
يَروحُ الموتُ حولهما وَيَغْدو / يُكَشِّرُ عن نَواجِذِهِ الطِّوالِ
وَذِكْرُ اللَّهِ مُتَّصِلٌ يُوالِي / مِنَ العَبَقِ المُقدَّسِ ما يُوالي
هُوَ الإيمانُ مَن يشدُدْ قواهُ / يُزَلْزِل في الخطوبِ قُوى الجِبالِ
هنيئاً يا خُبَيْبُ بلغتَ شَأْواً / رَفيعَ الشَّأنِ مُمتنعَ المَنَالِ
مَلأتَ يَدَيْكَ مِن رِزقٍ كَريمٍ / أتاكَ بِغَيْرِ كَدٍّ أو سُؤالِ
تَنزَّلَ مِن لَدُنْ رَبٍّ رَحيمٍ / عَميمِ الجودِ فَيّاضِ النَّوالِ
كُلِ العِنَبَ الجَنِيَّ وَزِدْهُ حَمداً / على حَمْدٍ يَدومُ مَدى الليالي
تَقولُ الحارِثِيَّةُ مَا لِعَيْنِي / أَفي سِحرٍ تَقَلَّبُ أم خَيالِ
أرى عِنَباً وما مِن ذَاكَ شَيْءٌ / بِمكّةَ يا لها عِظَةً ويالي
ويا لكَ من أسيرٍ ما عَلِمنا / له بين الأسَارى من مِثالِ
أتى الأجلُ الذي انتظروا وَهَذِي / سُيوفُ القومِ مُحَدَثَةُ الصِّقالِ
فماذا في يَمينكَ يا خُبَيْبٌ / وما بالُ الصَّغيرِ من العيالِ
كأنَّ بأُمِّهِ حَذَراً عليهِ / نَوازِعَ من جنونٍ أو خَبالِ
تَرَى الموسَى بِكَفِّكَ وَهْوَ رَهْنٌ / بِذَبحٍ فوقَ فخذك واغتيالِ
ولكنْ للكريمِ السَّمْحِ ناهٍ / مِنَ الشِّيَمِ السَّنِيَّةِ والخِصَالِ
وماذا كنتَ تحذرُ من عقابٍ / وَوِرْدُ الموتِ مُحتضَرِ السِّجالِ
وَسِعْتَ عَدوَّكَ الموتورَ حِلماً / ومكرمةً على ضيقِ المجالِ
فأيُّكما الذي رَمَتِ السَّجايا / مُروءَتَهُ بِأَسرٍ واعْتِقَالِ
وأَيُّكما القتيلُ وَمَنْ سيبقى / حياةٌ للأواخِرِ والأوالي
ألا إنّ الصلاةَ لَخيرُ زادٍ / وإنّ الركبَ آذنَ بارتحالِ
تزودْ يا خُبَيْبُ وَثِقْ بِرَبٍّ / لِمثلِكَ عِندَهُ حُسْنُ المآلِ
فَسِرْ في نورِهِ الوضّاحِ وَالبس / جَمالَ الخُلدِ في وَطَنِ الجمالِ
هُنالِكَ مَعْرِضٌ للَّهِ فخمٌ / بَدِيْعُ الصُّنعِ لم يَخْطُرْ بِبالِ
أَتَرْضَى أن تَرى خَيْرَ البرايا / مَكَانَكَ ساءَ ذَلِكَ من مَقالِ
صَدَقْتَ خُبَيْبُ إنّكَ لِلعوادي / إذا هِيَ أخطأَتْهُ لَذُو احْتِمالِ
تَبيعُ بِشَوكةٍ تُؤذيهِ نَفْساً / تَشُكُّ صَمِيْمَها صُمُّ العوالي
كذلِكَ قال زَيْدُ الخيرِ لمّا / تَردَّى في السَّفاهةِ كلُّ قالِ
همُو قتلوكَ مَصلوباً وأَغْروا / بِهِ وبِكَ الضِّعافَ مِنَ الموالي
رَفِيقُكَ في التَجَلُّدِ والتأَسِّي / وَخِدْنُكَ في التَّقدُّمِ والصِّيالِ
أتعتزلانِ دِينَ اللَّهِ خَوْفاً / فَمنْ أولَى بخوفٍ وَابْتِهالِ
معاذَ اللَّهِ إنّ اللَّهَ حَقٌّ / وإنّ المجرِمينَ لَفِي وَبَالِ
لَدِينُ الشِّركِ أجدرُ بِاجْتنابٍ / وأخلقُ باطِّراحٍ واعْتِزالِ
هُوَ الدّاءُ العُضالُ لِمُبتغيهِ / وكلُّ الشَّرِّ في الدَّاءِ العُضالِ
كمالُ النَّفسِ إيمانٌ وَتَقْوَى / وماذا بعدَ مَرتبةِ الكمالِ
حَبِيسَ الأربعينَ ألا انطلاقٌ / كَفَاكَ ألم تَزَلْ مُلْقَى الرِّحالِ
أَسَرَّكَ أن تَظَلَّ مَدَى اللَّيالي / جَمِيْعَ الشَّملِ مَوصولَ الحِبالِ
عَلَى خَرْقَاءَ يَكرهُ مَن يراها / طِلابَ الوُدِّ مِنها والوصالِ
عَلِقْتَ بها فما أحدثتَ هَجراً / ولا حَدَّثْتَ نَفْسَكَ بالزِّيالِ
يَمَلُّ المرءُ صاحِبَهُ فَيشقَى / بِصُحْبَتِهِ وما بِكَ مِن مَلالِ
وَيَسْلُو كلُّ ذِي شَجَنٍ وَوَجْدٍ / وأنتَ على مُصَابِكَ غير سالِ
بُليتَ بِكلِّ ذِي قَلْبٍ غَبِيٍّ / غُدافِيٍّ مِنَ الإيمانِ خَالِ
لأنتَ الحجَّةُ الكُبرى عليهم / فما نَفْعُ المِراءِ أوِ الجدالِ
تَأَهَّبْ يا خُبَيْبُ أتاكَ غَوْثٌ / يَؤُمُّكَ في رَكائبهِ العِجالِ
مَضَى بِكَ يَتبَعُ الغُرَماءُ مِنه / بَعيدَ مَدَى التَعَلُّلِ والمِطالِ
تَقَاضَوْهُ فما ظَفِرَ التَّقاضي / بِغَيْرِ عُلالَةِ النَّقْعِ المُذالِ
قَطيعٌ من طَغامِ القومِ يَعْدُو / على آثارِهِ عَدْوَ الرِّئَالِ
فلمّا أوشكوا أن يُدْرِكُوه / أهَابَ عليكَ يا ربِّ اتِّكالِي
وألقَى بالشَّهيدِ فَغيَّبتْهُ / طَباقُ الأرضِ كَنزاً من لآلِ
يَزينُ المسلمِينَ إذا تداعَتْ / شعوبُ الأرضِ من عَطِلٍ وَحَالِ
طَوَتْ جَسَداً من الريحانِ رَطباً / عليهِ جلالةُ الشَّيخِ البَجالِ
قَضَى وَكَأنَّهُ حَيٌّ يُرجَّى / لِحُسنِ الصُّنْعِ من صحبٍ وآلِ
يُدِيْرُ القومُ أعيُنَهم حَيارى / كأنّ اللَّهَ ليس بِذِي مِحَالِ
وَيَأسَفُ مَعشرٌ باتوا سهارَى / تَفيضُ جِراحُهم بعدَ انْدِمالِ
أجابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُ فبادوا / وعادوا مِثلَ مُحْتَرَقِ الذُبالِ
بَني لِحْيانَ ما صَنَعَ ابنُ عمروٍ / وماذا بالأُسودِ من النّمالِ
قَتلتم صحبَهُ وصرعتموه / فيا لِلُّؤْمِ والخُلُقِ الرُّذالِ
ولولا الغَدْرُ لم يخشَوا أذاكم / وهل تخشى القُرومُ أذَى الأَفالِ
أأصحابُ اليمينِ بكم أُصِيبوا / لأنتم شَرُّ أصحابِ الشِّمالِ
بَني لِحْيَانَ وَاعَجبِي لِبأْسٍ / خَبَتْ جَمَراتُه بعدَ اشْتِعالِ
فررتم تَتَّقون الموتَ زَحْفاً / على القِمَمِ الشَّواهِقِ والقِلالِ
هو المَسْخُ المُبينُ فمن أُسودٍ / تَصيدُ القانِصينَ إلى وِعالِ
دَعُوا الشِّركَ المُذِلَّ إلى حياةٍ / مِنَ الإسلامِ وارفةِ الظِّلالِ
هو الدّيْنُ الذي يُحيي البرايا / ويُصلِحُ أمرَهم بعدَ اخْتِلالِ
يَظلُّ النُّورُ في الآفاقَ يَسْري / وَيَسطعُ ما تَلا القرآنَ تالِ
أرى أُمَماً على الغَبراءِ مَرْضَى / تَبَطَّنَ جَوفَها داءُ السِّلالِ
تُخالُ أشَدَّ خَلْقِ اللَّهِ بأساً / على الضعفِ المُبرِّحِ والهُزالِ
إذا مَلأتْ جَوانِبَها دَوِيّاً / فلا تَغْرُرْكَ جَلْجَلَةُ السُّعالِ
مُخضَّبةَ البَنانِ لكلِّ صَيْدٍ / يَعِنُّ وتلك أنيابُ السَّعالي
حَيَارَى لا تُرِيْدُ الحقَّ نَهْجاً / ولا تَدَعُ الحرامَ إلى الحلالِ
ألا هادٍ يُقَوِّمُ من خُطاها / وَيَحْسِمُ دَاءَها بعد اعْتِلالِ
تَرفّقْ يا عُيينةُ باللّقاحِ
تَرفّقْ يا عُيينةُ باللّقاحِ / وبالخيلِ المُغيرةِ والسّلاحِ
وخَفِّضْ من غُرورِكَ والطّماحِ / فما مالُ النبيِّ بِمُسْتَبَاحِ
ولا هو يَومُ حربٍ أو كِفَاحِ /
أتَحسَبُها صنادِيدَ الرجالِ / تداعَوا بالقواضبِ والعَوالي
وخفُّوا يا عُيينةَ للقتال / يلفُّونَ الرِّعالَ على الرعالِ
فليس على الفوارِسِ من جُناحِ /
رُويداً إنّها إبِلٌ تُساقُ / وراعٍ واحدٌ دَمُهُ يُراقُ
وما بالُ التي احتملَ الرفاقُ / أَخِفْتُم أن يكونَ لها انْطِلاقُ
فترميكم بِمُصْمَتَةٍ رَدَاحِ /
كفى ابنُ الأكوعِ البَطلُ الجَسُورُ / فَذُوقُوا النَّارَ حاميةً تَفُورُ
رَمَى بالنَّبلِ فاضطرم السَّعيرُ / كذلكَ يفعلُ الرَّامي القديرُ
وتلك سِهامُهُ ما من بَراحِ /
يُوالي الكَرَّ ساعِدُهُ شديدُ / وبين ضلُوعه قلبٌ حديدُ
عذابٌ إذ يكرُّ وإذ يحيدُ / يفوتُ الخيلَ منه ما تُريدُ
وإن طارت بأجنحةِ الرياحِ /
إذا طلبته لم تبلغ مَدَاهُ / وإن رجَعتْ فليس لها سِوَاهُ
يمزِّقها بما ترمي يَداهُ / فتذهبُ كلَّما جاشتْ قُواهُ
حَوامِلَ لِلجِرَاحِ على الجِرَاحِ /
تَخَطَّفَ لِقْحَةً من بعد أُخرى / وجَاهَدَ يُرْهِقُ الفرسانَ عُسْرا
يُريدُ لِقاحَ خَيرِ الخلقِ طُرّاً / ويَكرهُ أن يُساءَ وأن يُضَرَّا
وتلك مَشَاهِدُ البطلِ الصُّراحِ /
أذاقَهُمُ البلاءَ فما استطاعوا / وغَالَهُمُ ارتجافٌ وارتياعُ
قُوىً ضاقَتْ بها هِمَمٌ وِسَاعُ / فأسلمتِ الأكُفَّ قُوىً شَعاعُ
وألقت بالبُرودِ وبِالرِّماحِ /
ويَا لكِ صَيْحَةً ذَهَبَتْ تَرَامى / فَنَبَّهَتِ الأُلَى كانوا نِياما
تَلَقَّاها النبيُّ فما أقاما / وهبَّ الجيشُ يَحتَدِمُ احْتِدَامَا
وحانت وَقعةُ القَدَرِ المُتاحِ /
وطار الأخرمُ الأَسَديُّ فَرْدَا / يَسُبُّ المجرمينَ وما تَعَدَّى
ولم يَرَ مِن وُرُودِ الموتِ بُدّاً / فجادَ بنفسِهِ ورَعاهُ عَهْدا
دَعَا دَاعِيهِ حيَّ على الفلاحِ /
هِي الرُّؤْيَا التي قَصَّ القتيلُ / على الصِّدِّيقِ صَدَّقَهَا الدليلُ
مَضى لِسَبيلِهِ نِعمَ السَّبيلُ / فَتىً كالسَّيفِ مَشهدُهُ جَليلُ
هَوَى بِمَصَارِعِ البيضِ الصِّفاحِ /
أتَى جَيشُ النبيِّ فأيُّ خَطبِ / أصابَ القومَ من فَزَعٍ ورُعْبِ
إذا خفَقَ اللِّواءُ فكلُّ قلبِ / مِنَ الخَفَقَانِ في هَمٍّ وكَرْبِ
فرِفقاً يا ابنَ زيدٍ بالقِدَاحِ /
رَمَوْا وَرَمَيْتَ بالأَبْطالِ شُوسا / تَخُوضُ إلى الوَغَى يَوماً عَبُوسا
تُفَلِّقُ من أَعَادِيها الرُّؤوسا / وَتَبذُلُ دُونَ بَيْضَتِها النُّفُوسا
كذلِكِ فَلْيَكُنْ بَذلُ السَّماحِ /
إلى ابنِ عُيينةَ انطلَقَ القضاءُ / فما بأبيهِ إذ أودى غَناء
له من حولِ مَصرعِهِ عُواءُ / إذا شَفَتِ الصَّدَى البِيضُ الظِّماءُ
فأهوِنْ بالعُواءِ وبالنُّباحِ /
وأين دَمُ ابنِ نَضْلَةَ هل يَضِيعُ / ويَبقى بعده الحَدَثُ الفظيعُ
لَعمرُكَ ما لقاتِلِهِ شَفيعُ / صَريعٌ طاحَ في دَمِهِ صَرِيعُ
أُحِيْطَ بِهِ فَعُوجِلَ باجْتياحِ /
هو المِقْدَادُ إن دُعِيَتْ نَزالِ / تَقَدَّمَ لا يَهابُ ولا يبالي
وما بأبي قَتَادَةَ في الرجالِ / خَفَاءٌ حين تَشْتَجِرُ العَوالِي
وحين يُقالُ أينَ ذَوُو النّطاحِ /
أصابَ السَّهمُ وَجهاً منه نَضْرا / وأبصرَهُ النبيُّ فقالَ صَبْرا
وعَالَجَهُ فأخرجَ منه شَرّا / وألقى نَفْثَةً كَرَماً وبِرّا
فراحَ يَزِفُّ في القومِ الصِّحاحِ /
تزوَّدَ منه كَنْزاً ليس يَفْنَى / تَزَوَّدَ دَعوةً سعداً ويُمنا
تزوَّدَ رحمةً وَهُدىً وأمْنا / تَزَوَّدَ ما أحبَّ وما تَمَنَّى
وجاوزَ كلَّ سُؤْلٍ واقتراحِ /
شَفِيْتَ أبا قَتَادَةَ كلَّ صادِ / لَهِيفِ الصّدرِ حرّانِ الفُؤادِ
يَبيتُ على أَسىً مِمّن يُعادِي / رَسولَ اللهِ في دِينِ الجهادِ
وفي دُنيا المُروءةِ والصّلاحِ /
غَنِمْتَ سِلاَحَ مسعدَةَ الشقِيِّ / وَفُزْتَ بِطَرْفِهِ فَوْزَ التَّقِيِّ
عَطاءٌ من جَوادٍ أريحِيِّ / غَطاءُ اللَّهِ مِن يَدَي النَّبيِّ
رسولِ اللَّهِ أفضلِ مُستَماحِ /
لقد أحدثتَ للأبطالِ شُغْلاً / وَهَمَّاً ما أشدَّ وما أجَلَّا
سُقُوا مَكْرُوهَهُ نَهَلاً وَعَلَّا / ولولا فَضلُ رَبِّكَ ما تَجَلَّى
دَعَوْا إذ أبصروا البُرْدَ المخَلَّى / على الجَسَدِ الذي أوجعتَ قتلا
نَعاءِ أبا قَتَادَةَ إذ تَوَلَّى / نَعاءِ الفارسَ البطلَ المُدِلّا
وضَجُّوا بالتي في الخطبِ تُتْلَى / فَتنفعُ مَن تَجَلَّدَ أو تَسَلَّى
فَقَالَ مُحمدٌ يا قومُ كلّا / أخوكم لم يَزَلْ حَيَّاً فَمَهْلا
كَفَاكُمْ رَبُّكُمْ فَقْداً وثُكْلا / فأشرقَتِ الوجوهُ وكان فَضْلا
طَوَى قَرْحَى القُلوبِ على ارْتِيَاحِ /
تَدَاعَى القومُ صَفّاً بعد صَفِّ / وَوَلَّوْا بعدَ إقدامِ وَزَحْفِ
مَضَوْا بالنّصفِ لو ذهبوا بألفِ / من اللائي اصطَفَى النُّعْمَانُ صِرْفِ
لَمَا فَرحوا بفوزٍ أو نجاحِ /
وأقبلتِ الأخيذَةُ بعد يأسِ / على العَضْبَاءِ في شَعَثٍ وبُؤْسِ
عَنَاها الضُّرُّ من أسرٍ وحَبْسٍ / وسُوءِ الصُّنْعِ مِن ظُلمٍ وَوَكْسِ
على يدِ كلِّ عِرِّيضٍ وَقَاحِ /
أتت للمسلِمِينَ بها ابتهاجُ / وللكُفّارِ إذ نَجَتِ اهْتِيَاجُ
أبا ذَرٍّ وللضِّيقِ انفراجُ / وَرُبَّتَما حَلا الوِردُ الأُجاجُ
هنيئاً بات صدرُكَ في انشراحِ /
أَتذكُرُ إذ يقولُ لكَ الرَّسولُ / أقم فالأمرُ باطِنُهُ مَهُولُ
وما تَدْرِي إلامَ غَداً يَؤُولُ / ستعرفُهُ وتذكرُ ما أقولُ
إذا ما الغيبُ آذَنَ بِاتّضاحِ /
أتت فَرْحَى وقالت حلَّ نَذرِي / فإن أَذِنَ الرّسولُ قَضيتُ أَمْرِي
هِيَ العضباءُ تُعقَرُ ما لإِصْرِي / سِوَاها إن أردتَ شِفَاءَ صَدْرِي
عَليَّ اليومَ بعد فكاكِ أسرِي / وفاءُ النَّذرِ ما لي من مَفَرِّ
وقَانِي اللَّهُ من سُوءٍ وشَرِّ / له سُبحانَهُ حَمدِي وشُكري
على أن صِرْتُ مطلقة السَّراحِ /
فقالَ لها رسولُ اللَّهِ إيهِ / لبئسَ جَزَاءَها أن تفعليهِ
دَعِي النَّذرَ المحرَّمَ واتركيهِ / وخافي اللَّهَ ربَّكِ واتَّقِيهِ
لَشَرُّ النَّذرِ مالا يرتضيهِ / وما لا حَقَّ للإنسانِ فيهِ
دَعِي لي ناقتي وتعلَّميهِ / قضاءً ما اهتدى من لا يَعِيهِ
وكيف تُقاسُ مَنزلةُ الفقيهِ / بمنزلةِ الغَبيِّ أوِ السَّفِيهِ
هُنالِكَ حيُّ أهلِكِ فاطلبيهِ / على بَرَكاتِ رَبِّكَ واحمديه
إلَهاً ما لما يَقضِيهِ ماحِ /
قَضيتَ الحقَّ فاغتنمِ الجزاءَ / وَزِدْ يا سعدُ في الدنيا عَلاَءَ
وَسِعْتَ غُزاةَ ذِي قَرَدٍ سَخَاءَ / وكنتَ لهم أخاً يَرْعَى الإخاءَ
بَعثتَ التَّمْرَ يُعجِبُهُم نَماءَ / وَسُقْتَ البُدْنَ تُطربُهُم رُغَاءُ
قِراكَ إذا هُمُ التمسوا الغذاءَ / وَبِرُّكَ لا يزالُ لهم رَجاءَ
كذلكَ أنتَ ما تألو وفاءَ / وَحُبّاً للأُلَى صدقوا البلاءَ
بُنَاةُ الحقِّ مَا مَلُّوا البِنَاءَ / وإن عَلَتِ الدِّمَاءُ بهِ الدِّماءَ
أجَلْ يا سَعْدُ فارفعها سماءَ / تُجاوزُ كُلَّ مُطَّلَعٍ سَناءَ
جَرَى الكُرَماءُ فانتبهوا الثّناءَ / وما بلغوكَ جُوداً أو عَطَاءَ
رُزِقْتَ البأسَ أجمعَ والمضاءَ / فكنتَ أحقَّ من مَنَعَ اللّواءَ
بِشُكْرٍ في الهزاهزِ وامتداحِ /
رسولُ اللَّهِ يُؤذِنُ بالإيابِ / وَيَرجِعُ بالأحبّةِ والصّحابِ
يَسيرُ مِنَ الجلالةِ في رِكَابِ / تَدينُ لِعِزِّهِ غُلْبُ الرقابِ
تُسَايِرُهُ بآياتِ الكتابِ / مُرَتَّلَةً بأنغامٍ عِذَابِ
صُفوفٌ من ملائكةٍ طِرَابِ / تُظَلِّلُهُ بأجنحةٍ رِطابِ
تَرِفُّ على الرَّوابِي والبطاحِ /
حبا ابنَ الأكوعَ الشَّرَفَ المُنِيفَا / وحَسْبُكَ أن يكونَ له رَدِيفَا
كَذَلِكَ يَرفَعُ اللَّهُ الشَّريفا / وَيَجْزِي المؤمِنَ البَرَّ الحنيفا
أطيلي ناقةَ اللَّهِ الوَجِيفا / وَوَالِي الخطوَ مُرْتَجَلاً خَفيفا
حَملتِ أجلَّ مَن يحمي الضَّعيفا / وأعدل مَن يُحاذِرُ أن يَحيفا
حَماكِ وعَطَّلَ النذرَ السَّخيفا / وأمضى حُكْمَهُ سَمْحاً عَفيفا
حَملتِ اللّيثَ فالتمسِي الغريفا / جُزيتِ كرامةً وَرُزِقْتِ رِيفا
وبُورِكَ في غُدوِّكَ والرَّواحِ /
رسولُ الخيرِ جاءَ بكلِّ سَمْحِ / مِنَ الأخلاقِ في صدقٍ ونُصْحِ
تَدَارَكَ سَوْرةَ البطلِ المُلِحِّ / وأوصاهُ بإحسانٍ وصَفْحِ
وكان القومُ في جُهدٍ وبَرْحِ / وَرَاءَ الماءِ ما ظَفروا بِرَشْحِ
تَنَحَّوْا عنه إذ كُرِهَ التنحِّي / فما ابتلَّتْ جَوانِحُهُم بِنُضْحِ
ولو أُخِذُوا بتقتيلٍ وذَبْحِ / لما اعتصموا بِسَيْفٍ أو بِرُمْحِ
صنيعةُ مُحسنٍ يُمسي وَيُضْحِي / له تاجانِ من شُكْرٍ وَمَدْحِ
رَحِيمِ القلبِ يأسو كلَّ جُرْحِ / ويَعْتَدُّ الجميلَ أجلَّ فَتْحِ
وما ينفكُّ في كَدٍّ وكَدْحِ / يُقيمُ الحقَّ صَرْحَاً بعد صَرْحِ
ويَحْمِي الدِّينَ مِن كلِّ النواحي /
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ
مِنكَ الحنينُ ومنه ما هو أَعظَمُ / لو يَستطيعُ أتاكَ لا يتلوَّمُ
البيتُ أنتَ به أحق وإن أبَى / من أهلِ مَكةَ جاهلٌ لا يعلمُ
ما أصدقَ الرُؤيا وأقربَ حِينَها / فاصبِرْ على ثقةٍ وربُّكَ أكرم
إن يَخْلُ منها اليومُ فالغدُ بعده / بالخيرِ والرضوانِ منها مُفعَمُ
سِرْ يا رسولَ اللَّهِ جُندُكَ باسلٌ / وقُواكَ مُحْصَدَةٌ ورَأْيُكَ مُحكم
آثرتَ رَبَّكَ وحده لا تَشتكِي / فيهِ من الأهوالِ ما تَتجشم
وَمضيتَ مُعتمِراً بِصحبِكَ مُحرماً / والهَدْيُ حالٍ بالقلائدِ مُعْلَمُ
والمؤمناتُ الصَّالحاتُ كأَنَّما / فيهن سَارَةُ والرضيَّةُ مَريَم
من كلِّ أُمٍّ بَرَّةٍ لم يُلهِهَا / بَعْلٌ ولم يَغْلِبْ نوازعها ابْنَمُ
يا طِيْبَ ما لَبَّيتَ رَبَّكَ إنّه / لَلحقُّ يُزلِفُهُ فُؤادُكَ والفم
أين الشَّريكُ لمن تَصرَّفَ وحده / في مُلكِهِ أَمَّنْ سِواهُ المُنعِم
لَبَّيْكَ رَبِّي إن قَضيتَ لنا الهدى / فَكِتابُكَ الهادي وأنتَ المُلْهِم
تلكم قُريشٌ أقبلتْ في غَضبةٍ / مَشبوبةٍ وحميَّةٍ تَتضرّم
قالت أيدخلُها علينا عَنْوَةً / السَّيفُ أولَى أن يُحكَّمَ والدَّم
وَرَوى ابنُ سُفيانَ الحديثَ فلو دَرى / لُغةَ السُّيوفِ لَخَالها تَتَكلّم
أَصغتْ إليه فلم يَقِرَّ بغمدِه / منها على طولِ التحلّمِ مِخْذَم
يَجِدُ التقاةُ المحرمونَ ولا كما / يَجِدُ التقيُّ من السُّيوفِ المُحْرِمُ
أبدتْ تَباريحَ الهُمُومِ شديدةً / وأَشدُّ منها ما تُجِنُّ وتَكْتُمُ
وَدَّتْ لَو اَنَّ اللَّهَ قالَ لها اضرِبي / فَمضتْ تُظلِّلها النسورُ الحُوَّمُ
قال النبيُّ أَنَتَّقيها خُطَّةً / هي ما علمتم أم نَجِدُّ وَنُقدِمُ
فأجابه الصِّدِّيقُ بل نمضي إلى / ما كنتَ تنوِي بالخروجِ وتعزم
وَرَمَى بها المقدادُ خُطبةَ مُؤمنٍ / يَرمي الخطوبَ بنفسِهِ لا يُحجِم
ومضوا يرون المشركين بذي طوى / والخيلُ شتَّى والخميسُ عَرَمْرم
أَبِلالُ أَذِّنْ للصّلاةِ فإنّها / أسنى وأشرفُ ما يُحبُّ المسلم
نَهَضَ النبيُّ يُقيمها في صحبهِ / للَّهِ تُبْدأُ بالخشوعِ وَتُختَم
وأعدَّ طائفةً تقومُ فتتَّقي / كيدَ العدوِّ إذا يَكرُّ ويهجم
حتى إذا سَجَدَ الرفاقُ تخلَّفوا / عنهم فَضُوعِفَ أجرُهم والمغنم
جيشُ الهدى واليُمنِ عند جلالِهِ / بِيَمينِ قائدِهِ يُصَفُّ وَيُنظَمُ
جَعَلَ ابنَ بِشرٍ في الجهادِ لخالدٍ / يَلقاهُ إن جَمعَ الفوارسَ مَأزِمُ
سلكوا الطريقَ الوعرَ يَسطعُ نُوره / وأضلَّ غيرَهم الطريقُ المُظلِمُ
يمضي الدليلُ بهم ويذهبُ مُوقِناً / ثَبْتاً فما يرتابُ أو يتوهّم
بُوركتَ ناجِيةَ بن جندبَ من فتىً / جَلْدٍ على الضراءِ لا يتبرّم
وَجَب الثناءُ لأسلميٍّ ماجدٍ / شَرفتْ به نَسباً وعزّتْ أَسلَمُ
تلك الحُدَيبِيةُ المحبَّبُ ذِكْرُها / للحقِّ فيها منزلٌ وَمُخيَّم
نَزَلَ الهداةُ بأرضِها فكأنَّما / طلعت لأهل الأرضِ فيها الأنجمُ
يا مَبركَ القُصوَى أتلك رسالةٌ / جاءتكَ أم هي من كَلالٍ ترْزمُ
أَبتِ المُضِيَّ ولم يكن ليعوقها / لو شاءَ ربُّكَ مَبركٌ أو مجثَمُ
لو شاءَ أرسلَها فزلزلَ مكّةً / خَطبٌ يَضِجُّ له الحطيمُ وزمزم
أبديلُ أقبِلْ في رِجالِكَ والتمسْ / عِلم اليقينِ لمن يَظنُّ وَيَزعُم
قال النبيُّ أتيتُ غير مُحاربٍ / وانظرْ فإنّ الحربَ لا تتَلثم
الهَدْيُ حولك والسُّيوفُ كما ترى / مَقروبةٌ وكأنّما هِيَ نُوَّم
ما جئتُ إلا لِلْبَنِيَّةِ زائراً / أَقضِي لربِّي حقَّها وأُعَظّمُ
ارجَعْ إلى القومِ الغضابِ وقل لهم / ردُّوا النّفوسَ إلى التي هي أقوم
إن تمنعوا البيتَ العتيقَ يَكُنْ لكم / يَومٌ من الحِدثانِ أَربدُ أقتم
البيتُ بيتُ اللَّهِ جلَّ جَلالُه / ولَنحنُ أولى بالمناسكِ مِنهمُ
نَصَحَ ابنُ ورقاءَ الرجالَ فيا له / من ذي مُناصَحةٍ يُسَبُّ وَيُشتم
قالوا أَنذعِنُ صاغِرينَ وأقسموا / أن ينبذوا المثلى فبئس المَقْسم
وتتابعتْ رُسُلٌ فمنهم غادِرٌ / يَبغي الفسادَ وحَاذِرٌ يتأثّم
ومُقَسَّمُ الأخلاقِ يُحسِنُ مَرّةً / وَيُسِيءُ أخرى في الحوارِ فَيعرم
أهوى عَلى يدهِ المغيرةُ ضارباً / لولا الأَناةُ لطار منه المِعْصَمُ
ما انفكَّ يضربُه بِمقبضِ سَيْفِهِ / والسَّيفُ يُغضِي والمنيّةُ تَحلم
أسرفتَ عُروَةُ فاقتصِدْ واقبضْ يَداً / رِيعَ السِّماكُ لها وَغِيظَ المرزمُ
كيف ارتقيتَ إلى محلٍّ ماله / راقٍ ولو أنّ الكواكبَ سُلّم
أبِلحْيَةِ المختارِ تُمسك إنّها / لَتُصانُ في حَرَمِ الجلالِ وَتُعصَم
أحسنتَ قولَكَ في الذين ذَممتَهم / وأَبَى الذين طَغَوْا فأنتَ مُذمَّم
عَابوكَ إذ قُلتَ الصَّوابَ جَهالةً / أَيُعابُ مَن يأبى النِّفاقَ ويُوصَمُ
صَدَقَ الحُلَيْسُ فأوجعوه ملامةً / والقومُ لِليَقِظِ المُسَدَّدِ لُوَّم
بَعثَ الهُداةُ الهَدْيَ ثُمَّتَ أقبلوا / يلقونه فعناه هَمٌّ مؤلم
جاءوه شُعْثاً يرفعون لربّهم / صوتاً يُردِّدُه الأصمُّ الأبكم
فَهَفَتْ جَوانِحُه وقال على أسىً / سُبحانَ ربِّي ما لنا نَتجرَّم
سُبحانه أنصدُّهم عن بيتِهِ / إنّا إذاً قومٌ نَجورُ ونظلم
مولى الأحابيشِ الذينَ تألّهوا / لا يتبعون سبيلَ أقوامٍ عَمُوا
نبذتْ قريشٌ رأيَهُ واستكبرتْ / والغَيُّ أنكدُ ما علمتُ وأشأمُ
اذهب خراشُ إلى قريشٍ ناصحاً / فلعلّها تبغي الصَّوابَ فتفهم
عقروا بَعيرَكَ ناقِمِيْنَ وأوشكوا / أن يقتلوك فليتهم لم يَنقِموا
لولا الأحابيشُ استُحِلَّ بظلمهم / منه دَمٌ ما يُستحَلُّ مُحرَّم
ذَهَبَ ابنُ عفّانٍ إليهم يَبتغِي / أن يؤثروا الرأيَ الذي هو أحزم
فأبوا وقالوا لا فكاكَ لكم وما / نحن الألى نأبى الهوانَ فَنُرْغَمُ
هُمْ أمسكوه ثلاثةً في صحبه / ورموا بها مَلمومةً تتقحَّم
أفلا رَعَوْا رُسُلَ النبيِّ وَصِهْرَهُ / إن العقولَ على المراسِ لتعقم
دَبَّ ابنُ حصنٍ في الظلامِ فراعه / يقظانُ مثل الصلِّ ليس يُهوِّم
حمل ابنُ مُسلمةٍ فغادرَ صحبَه / ومضَى فلا رَجَعَ الجبانُ الأيهم
جاؤوا المعسكرَ أربعينَ يقودُهم / أَسْرَى عليهم للمذلّةِ ميسَمُ
وأتى الرّماةُ فجال في أحشائهم / سَهمٌ تظلُّ به السهامُ تُحطَّم
مَنعَ الأسَى وشَفى كُلومَ قتيلهِم / شكوى قلوبٍ من قريشٍ تُكْلَم
أشقَى الأَذى والغَدرُ جَدَّ رجالِهم / وَجَرَى لهم بالأسرِ طَيْرٌ أسحم
سقطوا فحسبُ القومِ ما يجدونه / وكفى شهيدَ الحقِّ ما يَتَسنَّمُ
بَعَثَتْ قُريشٌ أطلِقوا أصحابنَا / وخذوا الرهائنَ والأُسارَى مِنكمُ
صُدموا بقارعةٍ تَفاقَم صَدعُها / لولا سفاهةُ رأيهم لم يُصدَموا
لولا الضّراعةُ من سُهَيْلٍ هَدَّهُمْ / بأسٌ تُهَدُّ به الجنودُ وَتُهدَمُ
بئس المآبُ لعصبةٍ تأبى الهُدَى / بِيضاً مَعالمُه ونعمَ المقدم
يا تاركَ الطغيانِ يَعبسُ جَدُّه / أقبلْ فَجدُّكَ مُقْبِلٌ يتبسَّم
من حقِّ ذي النُّوريْنِ أن يَدَعَ الدُّجَى / خَزْيانَ يُلْطَمُ وَجهُه المُتجهِّمُ
أإليكَ مَدَّ ذوو العَمَى أظفارَهم / فانظرْ إلى الأظفارِ كيف تُقلَّم
هي بَيْعَةُ الرضوانِ لم تتركْ لهم / ليلاً يُنامُ ولا صَبَاحاً ينعمُ
سُهْدٌ يَشُقُّ على العُيونِ مُبرّحٌ / وأسىً يعَضُّ على القلوبِ مُسمَّم
فكأنما في كلِّ عينٍ مِبرَدٌ / وكأنّما في كلِّ قلبٍ أَرقَم
المسلمون يُبايعونَ نبيَّهم / يَستمسكونَ بعُروةٍ ما تُفصَم
لا يحسبون دمَ المُجَاهدِ مَغرماً / هو عندهم إنْ لم يُرِقْهُ المغرم
إن ضمَّهم عند الشَهادةِ مَورِدٌ / لَذَّ المذاقُ لهم وطابَ المطعم
اللَّهُ مولاهم ونصرُ رسولِهِ / حَقٌّ عليهم في الكتابِ مُحتَّم
نهضوا خَفافاً لو رأيتَ جُموعَهم / لَعَلِمتَ أيَّ النّاسِ إيماناً هُمُ
ما مِنهمُ إلا على يَدِهِ يَدٌ / للَّهِ ينظرُ نورها المتوسّم
لُثِمَتْ بإيمانِ القلوبِ وإنّها / لَتُرَى على مَرِّ الزَّمانِ فتُلثَم
نعم العطاءُ لمعشرٍ ما بينهم / نَكِدٌ يُرَدُّ ولا شَقِيٌّ يُحرمُ
ما جلَّ مُدَّخرٌ فَخِيمٌ شأنُهُ / إلا الذي ادَّخروا أَجَلُّ وأفخم
هذا سُهَيْلٌ جاءَ يحملُ سُؤْلَهم / وَيَعيبُ ما صَنَعَ الرُّماةُ وَيندم
ويقولُ دَعْهَا يا مُحَمَّدُ خُطّةً / يُرمَى بها الشّرفُ الرفيعُ فيُثلَمُ
إنّا نخافُ العارَ فَلْيَكُ بيننا / صُلْحٌ نَدِيْنُ بهِ وعهدٌ مُبْرَمُ
الحربُ تُوضَع بيننا أوزارُها / وَتَعودُ إن جَمعَ الحجيجَ الموسمُ
لكَ من سلاحِكَ ما تَقَلَّدَ مُنجِدٌ / يَبغِي السلامَةَ أو تَزوَّدَ مُتهِم
واجعل سُيوفَكَ في الغُمودِ ولا تَضِقْ / بالشرِّ يُدرَأُ والمضَّرةِ تُحسَم
حدُّ المُقامِ ثلاثةٌ فإذا انقضتْ / فَدعوا منازِلَنا وَيثربَ يَمِّموا
من جاءَ منكم لا يُرَدُّ ومن يَجيءْ / مِنّا فمردودٌ إلينا مُسْلَم
هذا الذي نَرضى فهل من كاتبٍ / يَشفِي الصُّدورَ بما يَخُطُّ ويَرقُم
رَضِيَ النبيُّ يُريدُ رَحمةَ رَبِّهِ / هُوَ عبدُه وهو الأبرُّ الأرحَمُ
صَاحَ الرجالُ وَرَاحَ فاروقُ الهدى / يَهتاجُ في بُرْدَيْهِ فَحلٌ مُقْرِمُ
ويقول للصدِّيقِ مَن هو يا أبا / بكرٍ وَأَيَّةَ مِلّةٍ نَترسَّمُ
أهُوَ الرسولُ ونحنُ نتبعُ دِينَهُ / فَلِمَ الهوانُ وما لنا نَسْتَسْلِمُ
اللينُ من خُلُقِ الضَّعيفِ وَدَأْبهِ / وَمِنَ العجائِبِ أن يَلينَ الضَّيغمُ
مَهْلاً هداكَ اللَّهُ وَالْزَمْ غَرْزَهُ / إن كنتَ تطلبُ خيرَ غَرزٍ يُلزَم
إهنأ أبا بكرٍ قَضيتَ بحُجَّةٍ / صَدَع اليقينُ بها وأنتَ مُتَرْجِم
وأبو عُبيدَةَ إذ يَعوذُ بربّهِ / يَخشى بَوادرَ صَدْعُها لا يُلأم
يَرقى من الفاروقِ نَفْساً صعبةً / تأبى عَوارِمُها إذا ما تُعْجَم
قالَ النبيُّ كفاكَ يا عُمَرُ اتَّئِدْ / فالحقُّ في سُلطانِهِ لا يُهزَمُ
أَرْضَى وتأبى أنتَ إنّ وراءَنا / لو كنتَ تعلمُ ما نُحِبُّ ونرأم
إني رسولُ اللَّهِ ليس بِخاذِلي / واللَّهُ يَقْدِرُ ما يشاءُ وَيَقْسِمُ
الأمرُ غَيْبٌ ما لمثلِكَ مطمعٌ / في علمِهِ والغيبُ بابٌ مُبْهَم
اكتُبْ عَليُّ فلن ترى من جامحٍ / إلا يُزَمُّ على الزّمانِ وَيُخطَم
وَأبَى سُهَيْلٌ أن يكونَ كتابُه / سَمْحاً عليه من النبوّةِ رَوْشَمُ
قالَ امْحُ باسمِ اللَّهِ وامْحُ رَسُولَهُ / أَتُريدُها صاباً بِسُمٍّ تُؤدَم
الدّينُ مختلفٌ وليس لنا سِوَى / ما كان أورثَنا الزمانُ الأقدم
فأبَى عليٌّ ما أرادَ وهاجَهُ / حَرَدُ الأبيِّ فَغيظُه ما يُكظَم
قال النبيُّ افعلْ وسوفَ بمثلها / تُسْقَى فَتُغْضِي الطَّرْفَ وَهْيَ العلقم
نظر ابنُ عمروٍ نظرةً فرأى ابْنَهُ / يَبغِي الخُطَى عَجْلَى ويَأبَى الأدهم
قال ارجعوه فذاك أوّلُ عهدكم / فلئن أبيتم لَهْوَ عَهدٌ أَجْذَمُ
وانقضَّ يضربُهُ فيا لكَ مُسلِماً / في اللَّهِ يُضربُ من أبيهِ ويُلْطَمُ
رقَّتْ قلوبُ المسلِميْنَ لخطبه / فجوانحٌ تَهفو وَدَمعٌ يَسجُم
أَخَذَ النَبيُّ بثوبِهِ فأعادَهُ / يَبْنِي لِأُمَّتِهِ البِنَاءَ وَيَدْعَمُ
قال انقلبْ وكَفَى بربِّكَ حافظاً / إنَّ التوكُّلَ للسلامَةِ تَوْأَمُ
فمضى يقولُ ألا ذِمَامٌ لامرئٍ / يَبْغِي الفِرارَ بدينهِ يَستَعْصِمُ
عُدْ في قُيُودِكَ واصطَبِرْ إنّ الأذى / لأضرُّ ما انتجعَ الرجالُ وأوخمُ
كم للأُلَى اتَّبعُوا الهُدَى مِن مَغنَمٍ / في حُرمَةٍ تُلغَى وحقٍّ يُهْضَمُ
خيرٌ على خيرٍ يَضُمُّ رُكَامَهُ / شرٌّ على شَرٍّ يُضَمُّ وَيُرْكَمُ
يَتَرَنَّمُ الباكي وإن بَلَغَ الأَسى / مِنه ويبكِي النَّاعِمُ المُتَرَنِّمُ
أخذوا الصحيفةَ فَهْيَ في أوهَامِهم / كالكنزِ يأخذُهُ الفقيرُ المُعْدِمُ
طاروا بها فَرَحاً وبين سُطُورِها / دهياءُ بارزَةُ النَّواجذِ صَيْلَمُ
نصرٌ مَضَى لمظفَّرينَ أعزَّةٍ / لم يَمْضِ منهم مَخْذَمٌ أو لَهذَم
ليس التَّصَرُّفُ للقواضِبِ إنّها / بالرأيِ تَحكمُ في الرقابِ وتُحكم
للبغيِ حِينٌ ثم يُقصَمُ صُلبُهُ / والعَدْلُ صُلْبٌ قائمٌ ما يُقْصَم
ولقد يُقامُ العرسُ من سَفَهِ الألى / فَرِحُوا وأولى أن يقامَ المأتمُ
من مَكْرُماتِ الحقِّ أنّ وَلِيَّهُ / بأشدِّ ما يُرمَى يُعانُ ويُخدَمُ
وأحقُّ مَن حَمَلَ اللّواءَ مجاهدٌ / ماضٍ على هَوْلِ الخُطُوبِ مُصَمِّمُ
وَفِّ المطالبَ حَقَّها واصبِرْ تَفُزْ / ما خابَ إلا من يَملُّ وَيَسأمُ
هذا نِظامٌ للشعوبِ ومَنهجٌ / حقٌّ يراه فَصِيحُها والأعجم
نزل الكتابُ بِهِ فأيقَنَ مُهتَدٍ / وَارْتابَ ضِلِّيلٌ ولَجَّ مُرَجِّمُ
طِبُّ الهُدى الشّافِي وأعجبُ ما أرى / طِبٌّ تَصِحُّ به النُّفوسُ وتَسْقُمُ
خَزَاعَةُ أَبشِري بالعهدِ سَمْحا
خَزَاعَةُ أَبشِري بالعهدِ سَمْحا / وَزِيدِي دَولَةَ الإسلامِ فَتْحا
كَفَى بذمامِ أوفى النّاسِ عهداً / لكلِّ مُعاهدٍ غُنْما ورِبْحا
ألحَّ على بني بكرٍ شَقَاءٌ / تَزِلُّ له العُقُولُ إذا ألَحَّا
هُمُ اتَّبعُوا الأُلى انقلبوا بِقَرْحٍ / فزادوهم بما اقترفوهُ قَرْحا
حُوَيْطِبُ ما يَغيظُكَ من رجالٍ / هموا ضربوا عن الغاوينَ صَفْحا
أُتِيحَ لِقَدْحِهم فَوزٌ مُبينٌ / وخُيِّبَ مَن أَحبَّ ذويكَ قِدْحَا
رُويدَكَ إنَّ أخوالَ ابنِ عمروٍ / لأَرفعُ قُبَّةً وأعزُّ صَرْحا
ولولا ما برأيِكَ من ضَلالٍ / لجانبتَ الملامَ وقُلتَ مَرْحَى
أَمَنْ عَرَفَ الرّشادَ فطابَ نَفساً / وأقبلَ يبتغِيهِ كَمَنْ تَنَحَّى
تُحاوِلُ أن تثيرَ الحَرْبَ حَتّى / تراها تَلفحُ الأبطالَ لَفْحا
لقد مَضَتِ المقالةُ من لبيبٍ / يقولُ الحقَّ لا يألوكَ نُصْحا
أَتَقدَحُ يا حُويطبُ زَنْدَ سُوءٍ / دَعِ الرأيَ الرشيدَ وَزِدْهُ قَدْحا
لعلَّكَ إن رأيتَ له لهيباً / تكونُ أشدَّ مَن يصلاَهُ بَرْحا
وَرَاءَكَ يا حُوَيْطِبُ كُلُّ عَضْبٍ / يَسُحُّ الموتُ من حَدَّيْهِ سَحّا
يُجَرِّدُهُ لِنَصرِ اللَّهِ قَرْمٌ / يَصولُ فَيَمْسَحُ الأعناقَ مَسْحا
سَخِيُّ النَّفسِ والهيجاءُ تَغلِي / فتملأ أَنْفُسَ الشُّجعانِ شُحّا
بني بكرٍ أما أُبْتُمْ حَزَانَى / كما آبَتْ خزَاعَةُ وَهْيَ فَرْحَى
هو الجدُّ الشَّقِيُّ عَلاهُ جَدٌّ / تَلَقَّى نِعمةً وأصابَ نُجْحا
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي
أَجِيبي أُمَّ كُلثومٍ أَجِيبي / تَرَامَتْ دعوةُ الدَّاعِي المُهيبِ
لمَكَّةُ إذ يُضامُ الدِّينُ فيها / أحقٌّ بكلِّ أفَّاكٍ مُريبِ
خُذِي قَصْدَ السَّبيلِ إلى ديارٍ / مُحَبَّبَةِ المسالِكِ والدُّروبِ
حِمَى الإسلامِ يَمنعُ كلَّ عادٍ / وغِيلُ الحقِّ يَدفعُ كلَّ ذِيبِ
رَعاكِ اللَّهُ فَانْطَلِقِي وسِيري / ولا تَهِنِي على طُولِ الدُّؤوبِ
أردتِ الدِّينَ مَعمورَ النَّواحِي / فَخُوضِي البِيدَ مُقْفِرَةً وَجُوبي
تُطِيلينَ التَّلَفُّتَ من حذارٍ / وَقَلبُكِ لا يَقَرُّ من الوَجِيبِ
رُويدكِ إنّ عين اللَّهِ تَرْعَى / خُطاكِ فلن يَسَوءكِ أن تَؤُوبي
أرى أَخَوَيْكِ في أمرٍ مَريجٍ / وَهَمٍّ من مُصابِهِمَا مُذِيبِ
يَلُفُّ حَشَاهُما حُزنٌ عَجيبٌ / لِرَوْعَةِ ذلكَ الحَدَثِ العَجيبِ
لِكُلٍّ مِنهما في الحيِّ عَيْنٌ / تَدورُ كأنّها عَينُ الحريبِ
وَقَلبٌ دائِمُ الخَفَقَانِ هَافٍ / طَويلُ الوَجدِ مُتَّصِلُ اللّهيبِ
هُنا كانتْ فأينَ مَضَتْ وأنَّى / تُعاوِدُ خِدْرَها بعدَ المغيبِ
أَما عِندَ ابْنِ عَفَّانٍ شِفَاءٌ / فَيكشِفُ كُرْبَةَ العانِي الكَئِيبِ
أَتذهبُ أُختُنا لا نحنُ نَدرِي / ولا هُوَ عِندَهُ عِلمُ اللّبيبِ
كَفَى يا بِنتَ عُقْبَةَ ما لَقِينا / مِنَ الأحداثِ بَعدَكِ والخطوبِ
قِفِي يا أمَّ كُلثومٍ فهذا / مَحَطُّ الرَّحْلِ للنَّائِي الغريبِ
حَلَلْتِ بفضْلِ ربِّكِ خيرَ دارٍ / بِطيبةَ فانعِمي نَفْساً وطِيبي
تلقَّاكِ النبيُّ فأيَّ بشرٍ / رَعَتْ عيناكِ في الكَرَمِ الخَصِيبِ
يُرَحِّبُ ما يرحِّبُ ثمّ يُضفي / عليكِ حَنانَ ذِي النَّسَبِ القريبِ
وما نَسَبٌ بأقربَ من سبيلٍ / يُؤلِّفُ بين أشتاتِ القُلوبِ
سَبيلُ اللَّهِ ليس له إذا ما / بلوتِ السُّبْلَ أجمعَ من ضريبِ
هُدَى السَّارِي يُسَدِّدُهُ فيمضي / بِمُخْتَرَقِ السَّباسِبِ والسُّهوبِ
يَمُرُّ بآخِرينَ لهم عُواءٌ / يُشيَّعُ بالتوجُّعِ والنَّحيبِ
يَرى سُبُلَ النَّجاةِ وكيف ضَلُّوا / فَيعجَبُ للمَصارِعِ والجنُوبِ
ويَحمدُ فالِقَ الإصباحِ حَمْداً / يَهُزُّ جَوَانِحَ الوادي الطَّرُوبِ
تَعَالَى اللَّهُ يُنْزِلُ كلَّ بَرٍّ / بِعالٍ مِن منازِلِهِ رحيبِ
عُمَارَةُ والوليدُ ولا خَفَاءٌ / على فَرْطِ التجهُّمِ والشُّحوبِ
هُما عَرَفا السَّبيلَ فلا مُقامٌ / وكيفَ مُقَامُ مُخْتَبَلٍ سَلِيبِ
أهابا بالرَّسولِ أعِدْ إلينا / وَدِيعَتَنَا فما بِكَ مِن نُكوبِ
هُوَ العهدُ الذي أخذَتْ قُرَيْشٌ / ومَالَكَ غَيْرُ نفسِكَ من حسيبِ
سَجِيَّتُكَ الوفاءُ وما عَلِمْنا / عليكَ الدَّهْرَ من خُلُقٍ مَعِيبِ
برأيِكَ فَاقْضِ وَارْدُدْها علينا / فإنّك أنتَ ذُو الرأيِ المُصِيبِ
عَنَاها أَنْ تُرَدَّ ولا ظَهِيرٌ / يَقِيهَا ما تخافُ مِنَ الكُروبِ
فَصَاحتْ إنّني امرأةٌ وما لي / عَلَى المكروهِ من عَزمٍ صليبِ
بِرَبِّكَ يا مُحَمَّدُ لا تَدَعْنِي / فَرِيْسَةَ كُلِّ جَبَّارٍ رَهيبِ
يُعَذِّبُنِي لأتركَ دِينَ رَبِّي / إلى دينِ المآثِمِ والذُّنوبِ
أأرجعُ يا حِمَى الضُّعفاءِ وَلْهَى / وما لي في ظِلالِكَ مِن نَصيبِ
أتى التنزيلُ يَصدعُ كلَّ شَكٍّ / ويجلو ما اسْتَكَنَّ من الغُيوبِ
وَيَحْكُمُ حُكْمَهُ عَدْلاً وَبِرّاً / فَيُلقِي بالدّواءِ إلى الطبيبِ
إذا جاءَ النساءُ مُهَاجِراتٍ / يُرِدْنَ اللَّهَ دَيَّانَ الشُّعوبِ
بَقِينَ مع النَّبيِّ وإن تَمَادَتْ / لَجَاجَةُ كلِّ عِرِّيضٍ شَغُوبِ
لِيَهْنِكِ أُمَّ كُلثومٍ مُقامٌ / كريمٌ عِندَ مَرْجُوٍّ مُثيبِ
وزوجٌ ذو مُحافَظةٍ نَجِيبٌ / يَفِيءُ إلى ذُرَى النَّسَبِ النَّجِيبِ
يَفيءُ إلى ذُرَى الإسلامِ منه / فتىً للسّلمِ يُرجَى والحُروبِ
وما زيدُ بنُ حارثةٍ بِنِكْسٍ / إذا التَقَتِ الكُماةُ ولا هَيُوبِ
أخو المختارِ من عُليا قريشٍ / ومَولاهُ الحبيبُ أبو الحبيبِ
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى
رَحمةٌ يا أبا بصيرَ وَنُعمَى / أَذِنَ اللَّهُ أن تُحَلَّ وتُحْمَى
جاءك الغوثُ فانطلقتَ حثيثاً / سِرْ طليقاً كفاكَ حَبْساً وَهَمّا
أنت أفلتَّ من حَبائِلِ قومٍ / ذُقْتَ منهم أذىً كثيراً وَظُلما
جَعَلُوا الحقَّ خَصمَهُم مِن غَبَاءٍ / وغَبِيٌّ من يجعل الحقَّ خَصما
جِئتَ دَارَ النبيِّ فادخُلْ وَسَلِّمْ / وَارْعَ حقَّ المقامِ رُوحاً وجسْما
كَم تَمنّيتَ أن ترى لك حصناً / فَتَأمَّلْ حُصونَ ربِّكَ شُمَّا
وَارْضَ حُكمَ الرسولِ إنّكَ مَرْدُو / دٌ ومَنْ مِثْلُهُ قضاءً وحُكما
ذَا خُنَيْسٌ وذا كتابُ ابنِ عَوْفٍ / فَالْزَمِ الصَّبْرَ أصبحَ الأمرُ حَتما
سألا العهدَ عِندَ أكرمِ مَسْؤُو / لٍ فأعطاهما وَفَاءً وَحِلما
انقلبْ يا أبا بَصيرَ فليسَ ال / دينُ دينُ الهُدَاةِ غَدْراً وإثما
حَسْبُكَ اللَّهُ إنّهُ لَكَ عَوْنٌ / وسيكفيكَ كلَّ خطبٍ ألمَّا
هو مولى المستضعفينَ ينجّي / همْ إذا ما طَغَى البَلاءُ وطَمَّا
عاد يُخفي لصاحِبَيْهِ مِنَ الشن / آنِ ما يَملأُ الجوانِحَ سُمَّا
وشَفَاهَا بذِي الحُلَيْفَةِ نَفْساً / أوشكَتْ أن تزولَ هَمّاً وغَمّا
نظر السيفَ في يَدَيْ أحدِ الخَصْ / مَيْنِ يُبدي من المنيّةِ وَسْما
وَهْوَ يُطْرِيهِ في غُرورٍ وَيَسْقِي / هِ نُفُوسَ الكُماةِ ظَنّاً وَزَعْما
قال بل أعطنيهِ أَنْظُرْهُ إنّي / بسجايا السُّيوفِ أكثرُ علما
ثم غشَّاهُ ضربةً عَلَّمَتْهُ / كيف يخشى الهِزبرَ مَن كان شهما
جاء يصطاده غُرواً فأردا / هُ وكان الغُرورُ شرّاً وَشُؤما
صدَّ عنه رَفيقُهُ وتولَّى / يتوقَّى قَضاءَهُ أن يَحُمّا
طار يهفو كالسّهمِ يَمضِي بعيداً / وهو أنأَى مَدَىً وأبعد مَرْمَى
طَلَبَ السّيف نفسَهُ وَهْيَ وَلْهَى / لو تذوقُ الردَى لما مَرَّ طَعْما
كذب الوهمُ ما الحياةُ سِوَى الأم / نِ وشرُّ الأمورِ ما كان وَهْما
وَقَعَ الطّائِرُ المُسِفُّ على النَّس / رِ الذي يملأُ السماواتِ عَزْما
الرسول الذي تَدينُ له الأر / ضُ وتهفو إليه حَرْباً وسِلما
قال إنّي لهالِكٌ فأَجِرْنِي / لا تَدَعْنِي لبعضِ صحبِكَ غُنْما
رُدَّ عنّي أبا بصيرٍ فحسبي / ما جناهُ عليَّ صَدْعاً وكَلْما
جَرَّعَ الحتفَ صاحبي وانبرى يط / لبُ قَتلِي لِيُتْبِعَ الجُرمَ جُرما
إنّه جاءَ راكضاً يحملُ السَّي / فَ فهب لي دَمِي لَكَ الشّكرُ جَمَّا
عَفَّ عنه وقال ما ثَمَّ شَيءٌ / يا نَبِيَّ الهُدَى أرى الأمرَ تَمّا
صَدَقَ العَهدُ وانقَضَى الردُّ فانظرْ / ما تَرَى فاقضِهِ سَداداً وَحَزْما
قال فاذْهبْ فقد بَرِئْتَ وظُلمٌ / أن يُلامَ البريءُ أو أن يُذَمّا
لك ما شِئْتَ أن تَحُلَّ من الأر / ضِ سِوَى أرضِ يثربٍ أو تَؤُمّا
فتولَّى إلى مكانِ يَزيدُ ال / كفرَ والكافِرينَ خَسْفاً وَرَغْما
كلُّ مالٍ تُقِلُّ عِيرُ قُريشٍ / بين عينيهِ ظاهرٌ ليس يُكْمَى
إنّه الأرقمُ الأصَمُّ تَداعَتْ / فارتمتْ حوله الأراقمُ صُمّا
مُؤمِنٌ حلَّ في العراءِ مَحَلّاً / جَمَعَ المؤمنينَ فيهِ وَضَمَّا
أقبلوا يَنسلون مِن كلِّ أَوبٍ / يَطلبونَ المَصَالَ قَرْمَا فقرما
لمَّ ذو العرشِ شَملهم بعد صَدْعٍ / وَخَلِيْقٌ بشَملِهِم أن يُلَمَّا
يا أبا جندلٍ عليك سلامٌ / جِئتَ بالخيلِ تَرجُمُ الأرضَ رَجْما
اغتَفِرْ ما جَنَى أبوك سُهَيْلٌ / يومَ يطغَى عليك ضَرباً ولَطْما
إنّما الصابِرونَ أوفى نَصيباً / يا أبا جَندلٍ وأَوفرُ قِسْما
أعملوا القتلَ والنِّهابَ وَرَدُّوا / كلَّ غُنمٍ أصابه القومُ غُرْما
غارةٌ بعد غارةٍ تأكلُ الما / لَ وتَطوي الرجالَ خَضْماً وَقَضْما
زُلزِلُوا من أبي بَصيرٍ بخطبٍ / بالغٍ صَدْعُهُ أبَى أن يُرَمّا
مِخذَمٌ قاطعٌ ومِسْعَرُ حربٍ / جَرَّبتْهُ البِيضُ القواطِعُ قِدْما
ضاقتِ السُّبْلُ والفجاجُ عليهم / واستحالَ الفضاءُ سَدّاً ورَدْما
عادَ رَتْقَاً كأنّه سدُّ يأجو / جَ ومأجوجَ ما ترى فيه ثَلْما
جأروا يشتكون وادَّكروا الأر / حامَ يستشفعون جُبْناً ولُؤْمَا
واستمدّوا الحنانَ من أعظمِ النّا / سِ حَناناً وأقربِ الرُّسْلِ رُحْما
قال ذُو أمرِهِم أَغِثْنا ولا تَعْ / نَفْ علينا إنّ القلوبَ لَتَعْمَى
أفْسَدَ العهدُ أمرَنَا فَعَرفْنا / هُ وماذا لنا إذا الأمرُ غُمّا
قد تركنا لك الرجالَ فأمسِكْ / كلَّ من شِئتَ مِنهُمُ أن تُذِمّا
حَسْبُنا السّلْمُ يا مُحمدُ إن تَبْ / سُطْ علينا ظلاله فَنِعِمّا
بدَّدَ الضُرَّ والأذى بكتابٍ / نَظَمَ البِرَّ والمُروءةَ نظما
لم يَدَعْهُ أبو بَصيرٍ وَرَامِي ال / موتِ يُلقي عليهِ سَهْماً فسهما
جادَ بالنّفسِ وهو في يدِهِ يَت / لُوهُ ما أعظَمَ المقامَ وأسمى
آخرُ الزادِ إن أردنا له اسماً / وأراهُ أجلُّ من أنْ يُسَمَّى
قال أَقْبِلْ وَفَرِّقِ النّاسَ وليع / فوا فحسبُ الطُّغَاةِ قَمْعاً وَوَقْما
رَجَعَ القومُ راشدينَ ومن أر / شَدُ مِمَّنْ رَمَى الضلالَ فَأَصْمَى
وأبو جندلٍ يؤمُّ رسولَ الل / هِ في رُفْقَةٍ إلى اللهِ تُنْمَى
كوكبُ الحقِّ والهدى يَتَلَقَّى / من ذويهِ الهُداةِ نَجماً فنجما
طَلَعُوا والزمانُ أسوَدُ داجٍ / فجلوا من ظلامِهِ مَا ادْلَهَمَّا
وَرَمَوْا بالشُّعاعِ مقتلَ دِينٍ / ردَّ وجهَ الحياةِ أغْبَرَ جَهْما
اعْرِفِ الحقَّ لا تَرُعْكَ الدَّعاوى / فالمروآتُ والمناقبُ ثَمَّا
أيُّ مجدٍ في الأرضِ أو أيُّ فضلٍ / لم يكونوا له أساساً وَجِذْما
إن في حِكمَةِ الرسولِ لَذِكْرَى / للبيبٍ أصابَ عَقْلاً وفهما
هَدمَ الله ما بنى العهدُ من آ / مالِ قومٍ يبغونَ للدينِ هَدْما
كم رأوا من مَشَاهِدِ الوهمِ فيه / مَشهداً رائعَ التهاويلِ فخما
لاَ يَغُرَّنَّهم من الغيثِ وَكفٌ / إنّه السيلُ مُوشِكٌ أن يَعُمَّا
هِمَّةٌ من هُدَى الرسولِ وَلُودٌ / تُورِثُ الشِّرْكَ والضَلالَةَ عُقْما
لم تزل تَضرِبُ الطواغيتَ حَتَّى / جَرَّعَتْها الرُزأَيْنِ ثُكْلاً وَيُتْما
إنّ للحقِّ بعدَ لينٍ وضعفٍ / قُوَّةً تَحسمُ الأباطيلَ حَسْما
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا
أعدِّي النَّملَ خَيْبَرُ والذبابا / أعدَّتْ يَثربُ الأُسْدَ الغضابا
وَمُدِّي من حُصونِكِ كلَّ عالٍ / لِيرفعَ في السماواتِ القِبابا
سَيَنزَعُ بأسُهُم حِصناً فَحِصناً / وَيَفْتَحُ عَزمُهُم باباً فبابا
أتاكِ الفاتحُ المِقدامُ يُزجِي / مع الجيشِ الدُّعاءَ المُستجابا
أتوكِ مُكبّرينَ فلا تلوذي / بغير الذُّعرِ واضطربي اضطرابا
أما والذاكرينَ اللَّهَ فرداً / لقد هَزُّوا المخارِمَ والشِّعابا
أجيبي أين جُندكِ وَاسْأليهِ / لِمَنْ جَمَعَ السِّلاحَ وكيف غابا
تَوارَوْا في الحُصُونِ وخادَعتهم / ظُنُونٌ كنَّ حُلْماً أو سَرَابا
ولو جَعلوا السَّحابَ لهم مَحَلّاً / لَطَارَ الجيشُ يَقتحِمُ السَّحابا
جُنودُ مُحمّدٍ كالموتِ يَمضِي / على قَدَرٍ صُعوداً وانصبابا
وليسوا في الحروبِ إذا تلظَّت / كمن جَهِلَ الأُمورَ أَوِ استرابا
وفي حِصْنِ النّطاةِ لسانُ صدقٍ / يُعَلِّمُ كلَّ مَن جَهِلَ الحُبَابا
رَأَى الرأيَ الذي ذاقت يَهودٌ / مَرارَتَهُ فكان لَهم عذابا
أصابتهم حُمَيَّا اليأسِ لمّا / تنحَّى الجيشُ يَلتمِسُ الصَّوابا
سَلِ البطلَ المُجَرَّبَ لو أجابا / أَيعلمُ أيَّ داهيةٍ أصابا
رَماهُ بعامرٍ قَدَرٌ إذا ما / رَمَى المهجاتِ غادرها خرابا
ولكنّ المنيّةَ أخَّرتْهُ / لِيبلغَ في غوايَتِهِ الكتابا
وخانَ السّيفُ صاحِبَهُ فأودى / شَهِيداً برَّ مَصْرَعُهُ وطابا
هنيئاً عامرٌ رضوان رَبٍّ / حَباكَ الأجرَ جَمّاً والثّوابا
بِسيفِكَ مِتَّ مَوْتَ فَتىً كريمٍ / يُحاذِرُ أن يُعيَّرَ أو يُعابا
بَرزتَ لِمرْحَبٍ بَطلاً مَهيباً / أبى أن يُتَّقَى أو أن يُهابا
ولولا نَبوْةٌ للسّيفِ طَاشَتْ / بمضربِهِ لأورده التَّبابا
تَوالَى الزّحفُ واستعَرَتْ نفوسٌ / مَضَتْ تَنسابُ في اللهِ انسيابا
لئن خاضت غِمارَ الموتِ ظَمْأَى / لقد عَرفتْ مَشاربَهُ العِذابا
سِهامُ بَواسِلٍ لاقتْ سِهاماً / يكادُ جَبانُها يخشى التُرابا
تُحدِّثُ عن مَخاوفِ باعِثيها / حَديثاً يَبعثُ العَجَبَ العُجابا
دعتهم للوغَى بِيضُ المواضِي / وصَيَّرتِ السِّهامَ لهم خطابا
ولو ملكَتْ مَسامِعَهُم فَلَبَّوا / لمَا مَلكوا الجماجمَ والرقابا
لَوَ اَنَّ الحصنَ أُوتِيَ ما تمنَّى / أبى إلا هُوِيّاً وانقلابا
رَماهُ مُحمّدٌ فألحَّ حتّى / لأوشكَ أن يقولَ كفى عِقابا
يَظلُّ الظّرْبُ يحملَ منه طوداً / طوَى الأطوادَ وانتظمَ الهضابا
وأمْسَكَ هذه الدنيا فأمستْ / وما تخشَى الزَّوالَ ولا الذَّهابا
لواءُ الفتحِ في يدهِ رَهِينٌ / بصاحِبه الذي فاقَ الصّحابا
يُشيرُ إليهِ مُحتجباً بوصفٍ / يكادُ سَناهُ يَخترقُ الحِجابا
ويذكره وبالفاروقِ حِرصٌ / على أن ليس يَعدوه انتخابا
عليٌّ للعُقابِ وما عليٌّ / سِوى البطلِ الذي يحمي العُقابا
شِهابُ الحربِ لا عَجَبٌ ولكن / عَجِبْتُ لِفَرْقَدٍ قادَ الشّهابا
رسولٌ جاءَ بالفَرَجِ المُرَجَّى / وبالنُّور الذي كشفَ الضَّبابا
تقدَّمْ يا علِيُّ رَعاكَ ربٌّ / كَفَى عَينيكَ دَاءَكَ والعِصابا
بِطبِّ مُحمَّدٍ أدركتَ ما لو / أراد الطِّبُّ أعجزه طِلابا
شَفَى الرَّمَدَ الذي آذاكَ حِيناً / وكان لِعزمِكَ الماضي قِرابا
خُذِ السَّيفَ الذي أعطاكَ واصْدَعْ / ببأسِكَ هذهِ الصُمَّ الصّلابا
حُصُونٌ كلما زِيدَتْ دُعاءً / إلى البيضاء زادتها اجتنابا
تُحِبُّ الكبرَ لا ترضَى سِواهُ / على آفاتِه خُلُقاً ودابا
تقدّمْ ما لصيدِكَ من قرارٍ / إذا لم تُؤْتهِ ظُفراً ونابا
خُذِ الذِّئبَ اللعينَ ولا تَدَعْهُ / صُدُودَ اللّيثِ يَحتقِرُ الذئابا
كفى بالحارثِ المغرورِ عِلماً / لِمن رُزِقَ الغَبَاءَ ومَنْ تَغابى
أرقتَ حَياتَهُ فأرقتَ منها / صَرِيحَ الكُفْرِ يأبى أن يُشابا
وَرُعْتَ به أَدِيمَ الأرضِ لمّا / جَعلتَ عليه من دَمِه خِضابا
تَخَيَّلَ مرْحَبٌ ما ليس حَقّاً / وَمنَّتْهُ الظُّنونُ مُنىً كِذابا
مشى يَختالُ مُرتجزاً فَلاقَى / قضاءَ اللَّهِ ينسربُ انسرابا
سَقاهُ الموتَ أبيضُ مَشْرَفيٌّ / يُذيبُ الموتَ يجعله شرابا
لَكَ الويلاتُ من مَلِكٍ غَوِيٍّ / أحيطَ بِمُلكهِ فهوى وذابا
أعدَّتْهُ اليهودُ لكلِّ خَطبٍ / فَضَلَّ رَجاؤُهم فيهِ وخابا
أما نَظروه مأخوذاً ببأسٍ / يَهُدُّ البأسَ أخْذاً واستلابا
وكلُّ مُغالبٍ فَلَهُ عليٌّ / غَداةَ الكَرِّ يأخُذه غِلابا
تَوثَّبَ ياسِرٌ فَتَلَقَّفَتْهُ / مَخالِبُ فاتكٍ ألِفَ الوِثابا
أما سمعَتْهُ خيبرُ حين يَهذِي / فَصَدَّتْ عنه تُوجِعه عتابا
ولو تَسْطِيعُ لاتَّخذَتْ حَياءً / من البيضِ الرقاقِ لها نِقابا
غُرَابُ الشُّؤْمِ يَفزِعُها نَعيباً / فيا لكِ بُومةً وَلَدتْ غُرابا
فتىً شاكي السِّلاحِ ولا سلاحٌ / لِمَنْ يَبغِي مِنَ الموتِ اقترابا
ألا إنّ الزُّبيرَ لذو بلاءٍ / وإن خَشِيَتْ صَفِيَّةُ أن يُصابا
حَوَارِيُّ الرسُولِ يَكونُ منه / بِحيثُ يُريدُ صَبراً واحتسابا
تجلَّتْ غُرّةُ الفتحِ المُرَجَّى / وأمْسَى النَّسْرُ قد طَرَد الذُّبابا
وأعولتِ النّطاةُ لِفَقْدِ حِصنٍ / يَعُمُّ يَهودَ شَجْواً وانتحابا
هو البأسُ المُدَمِّرُ يا عَلِيٌّ / فَدَعْ آطامَها العُليا يَبابا
وحِصْنُ الصَّعْبِ أذعنَ بعد كبرٍ / وأعلنَ بعد غِلظتِهِ المَتابا
وأَدَّى ما أعَدَّ القومُ فيهِ / فأمسَى بين أعْيُنِهمْ نِهابا
ورَاحَ المسلمونَ بخيرِ حالٍ / ولولا اللَّهُ ما برحوا سِغابا
أتاح لهم على الضَّرَّاءِ رِزقاً / فأمسى اليُسْرُ بعد العُسْرِ ثابا
مَغانِمُ من عَتَادِ القومِ شَتَّى / تُجاوِزُ حين تُحصِيها الحِسابا
كفى بالصّبرِ للأقوامِ عَوْناً / إذا حَدَثٌ من الأحْداثِ نابا
وما أمرُ اليهودِ إلى صلاحٍ / إذا الدّاعي إلى الهيجا أهابا
مَشَى لهمُ الحُبابُ يَجُرُّ جيشاً / شَدِيدَ البأسِ يلتهبُ التهابا
فَزلزَلَ حِصنَهم حتّى لَوَدُّوا / لوَ اَنّ لهُ إلى الطيرِ انتسابا
ولو مَلَكَ الجنَاحَ لطار يَطوي / طِباقَ الجوِّ ذُعْراً وَارْتِعَابا
تَنَادَوْا للقتالِ فبادَرْتهُم / سُيوفُ اللَّهِ شَيِّقَةً طِرابا
وليس لقومِ يُوشَعَ من بَقاءٍ / إذا طعموا الطعانَ أو الضّرابا
عُبابُ الموتِ يَملكُ جَانِبَيْهِمْ / فَنِعمَ القومُ إن مَلكوا العُبابا
تَتابعتِ الفتوحُ مُحَجَّلاتٍ / تَزيدُ يَهودَ حُزناً واكتئابا
أُصيبوا بالقوارِعِ راجفاتٍ / تَهُدُّ الشِّيبَ منهم والشَّبابا
فَتِلكَ حُصونُهم أمْسَتْ خَلاءً / كأنْ لم يَعمروا منها جَنابا
تَساقَوْا بالعَرَاءِ الذُّلَّ مُرّاً / يَوَدُّ طُغاتُهم لو كانَ صَابا
وألْقَوْا بالسِّلاحِ وما أصابوا / من الأموالِ جَمعاً واكتسابا
وضَاقُوا بالجلاءِ فأدركتْهُمْ / عَواطِفُ مُحْسِنٍ تَسَعُ الرُحابا
أصابوا من رسولِ اللهِ مَوْلىً / يَتوبُ على المُسيءِ إذا أنابا
قَضَى لهم القضاءَ فلا انتزاحاً / لَقُوا بعد المُقَامِ ولا اغترابا
ثَوَوْا في الأرضِ عُمَّالاً عليها / يُؤَدُّونَ الإتاوةَ والنِّصابا
وُلاةُ الزَّرْعِ للإسلامِ منهم / شَرِيكٌ ليس يُظلمُ أو يُحابى
هُداةُ النَّاسِ أرشدُهُمْ سَبيلاً / وأحْسَنُهمْ إذا انقلبوا مآبا
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ
مَنايا القومِ في جلدِ البعيرِ / فأينَ يَضيع كنزُ بني النَّضيرِ
مَرَدُّ الأمرِ في رفعٍ وخَفْضٍ / لهذِي الأرضِ في الحَدَثِ الكبيرِ
كذلك قال أكذبُهم مَقالاً / وأجهلُهُم بأعقابِ الأُمورِ
هُمُ اتّخذوا الخِداعَ لهم سبيلاً / وكانوا أهلَ بُهتانٍ وَزُورِ
فما صَدقوا النبيَّ ولا استحبُّوا / سِوى الطمعِ المخيِّبِ والغُرورِ
وما الكنزُ الذي دفنوهُ إلا / نذيرُ الويلِ أجمعُ والثُّبورِ
يقول غُواتُهم لم يَبْقَ شيءٌ / مَقالَ ذَوِي السّفاهةِ والفُجورِ
فلمّا مَسَّ صاحبهم عذابٌ / بَدا الشَّرُّ المغيَّبُ في الصُّدورِ
وَجيءَ بكنزهم إرثاً عتيداً / لِوُرَّاثِ الممالكِ والدُّهورِ
ولو جَحَدُوهُ أقبلتِ المنايا / تُؤذِّنُ في الرقابِ وفي النُّحورِ
فَبادُوا في مصارعَهم وعادوا / كَطَسْمٍ أو كعادٍ في الدُّثورِ
وما بَرحتْ عَوادي الدهرِ تَجرِي / على أهلِ المآثمِ والشُّرورِ
لهم في ذِمَّةِ الفاروقِ يَومٌ / يُطالِعُهم بِشرٍّ مُستطيرِ
فصبراً إنّه لا بُدَّ آتٍ / فما لِيَهُودِ خَيْبرَ مِن مُجيرِ
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ
هو الدينُ ما في الدينِ غُنمٌ ولا غُرمُ / هو المغنمُ الوافي هو المقتنى الضَّخمُ
أتى القومُ يبغونَ القتالَ لمأربٍ / وعند رسولِ اللهِ من أمرهم عِلمُ
فقال ارجعوا لا تجعلوا المالَ هَمَّكم / ولا تجهلوا إنَّ الجهادَ هو الهمُّ
فمن جاءنا يبغي مَغانِمَ خَيبرٍ / فليس له فيها نَصيبٌ ولا سَهمُ
هو الدينُ دِينُ اللَّهِ يا قوم خالصاً / فإنْ تُلحدوا فيهِ فذلكم الظُّلمُ
ألم أدْعُكُمْ من قبلُ فانصرفتْ بكم / عن اللَّهِ دُنيا الناسِ وانتقضَ العَزمُ
عَمِيتُمْ عن المُثلى وأقبلَ مَعشرٌ / مَناجِيدُ لا عُمْيُ القلوبِ ولا صُمُّ
رَمَوْا في صُدورِ المبطلينَ وجاهدوا / لِنُصرةِ رَبٍّ حَقُّه وَاجِبٌ حَتْمُ
أولئكَ أوفى النّاسِ قِسْماً وخيرُهم / جَزاءً فعودوا لا جَزاءٌ ولا قِسْمُ
هُوَ الدَّمُ والحقُّ المحتَّمُ فاعلموا / وللهِ ما يَقضِي له الأمرُ والحُكمُ
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى
عَقربُ السُّوءِ تَمادَى في الأذى / والأذَى بَعضُ سجايا العقربِ
وَيْكَ عبدَ اللهِ ماذا تَبتغِي / تَعِبَ الشَّرُّ ولمَّا تتعبِ
اتَّئِبْ يا ابنَ أُبَيٍّ واجتنِبْ / خَطَلَ الرأيِ وَسُوءَ المذهبِ
أنتَ أضللتَ الأُلَى أطْمَعْتَهم / من وصاياكَ ببرقٍ خُلَّبِ
ليس فيما نَابهم من عجبٍ / خَائِبٌ طاحَ بقومٍ خُيَّبِ
قَومُكَ الأبطالُ ماذا صَنعوا / بِالحصونِ الشُّمِّ قُلْ لا تكذِبِ
أتُراها في صَياصِيها العُلَى / دَافعتْ عن ياسرٍ أو مَرحبِ
امتلِئْ يا ابنَ أُبَيٍّ غَضَباً / ليس يَرضَى الحقُّ إن لم تَغضبِ
أفما يُرضيكَ في الدُّنيا سِوَى / موقفِ الجاني ومثوى المُذنبِ
لو صدقتَ اللَّهَ في دينِ الهدى / فُزْتَ منه بالذمامِ الأقربِ
خُطَّةُ المؤمنِ يُمْنٌ مَالَهُ / دُونَها من خُطَّةٍ أو مَركبِ
لَكَ في الإسلامِ من أعدائِهِ / خُلُقُ الذئبِ وطَبعُ الثعلبِ
هكذا قَدَّرَ ربّي وقَضَى / ما الخبيثُ النَّفسِ مثلُ الطّيبِ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ
إن جَلَّ غُنْمُ المسلِمينَ بخيبرٍ / فَلَما غَنِمْتِ أجلُّ منه وأكبرُ
اللَّهُ أكبرُ يا عروسَ مُحمّدٍ / هذا هو الشّرفُ الأعمُّ الأوفرُ
هذا مكانكِ عالياً ما مِثلُه / في السُّؤدُدِ العالي مَكانٌ يُؤثَرُ
يا دُرّةً صِينَتْ لِتاجِ جَلالةٍ / الدُّرُّ مِن لَمحاتِهِ والجوهرُ
الشَّأنُ شأنُكِ أنتِ خيرُ صَفِيَّةٍ / والتَّاجُ أنتِ به أحقُّ وأجدرُ
أدركتِ بالإسلامِ في حَرَمِ الهُدَى / جُهْدَ المنى مما يُتاحُ ويُقدَرُ
أدركتِ دُنيا الصالحينَ ودِينَهمْ / فظفرتِ بالحُسنى ومِثلُكِ يَظْفَرُ
ولقد غَنيتِ وَدُونَ ما تَجدِينَهُ / دُنيا مُذمَّمةٌ وَدِينٌ مُنْكَرُ
ذُعِرَ الوطيحُ فأسلمتكِ حُماتُه / وحَللتِ بالحصنِ الذي لا يُذعَرُ
ما مِثلُ رُؤياكِ التي كانت أذىً / رُؤيا تُفسَّرُ للنِّيامِ وَتُعْبَرُ
أَفَكنتِ ناسيةً فجدَّدَ ذِكرَها / أثرٌ بِعينكِ يا صفيّةُ أخضرُ
يا وَيلتَا لابنِ الربيعِ يغيظُه / هذا المقامُ الصَّعبُ كيف يُيَسَّرُ
لَطمتكِ من سَفهٍ وسُوءِ خَلِيقَةٍ / يَدُهُ وتلكَ جنايةٌ ما تُغْفَرُ
ماذا رَأيتِ من الذي أبغضتِهِ / ونَقمتِ ما يَرضى وما يَتخيَّرُ
أردَى أباكِ وهَدَّ زوجَكِ بأسُهُ / وأصابَ قومَكِ منه موتٌ أحمرُ
ماذا رأيتِ أما عَذرتِ سُيوفَهُ / وَعَلِمتِ أنَّ عدوَّه لا يُعذَرُ
ولقد بَلوتِ خِلالَهُ فوجدته / نِعمَ الخليلُ إذا يَسوءُ المَعشرُ
أحببتهِ الحبَّ الكثيرَ على القِلَى / ولَحُبُّ ربِّكِ ذي الجلالةِ أكثَرُ
ذَهَب الرُّعاةُ فما يَسُرُّكِ صاحبٌ / ورعاكِ صاحبُكِ الأبرُّ الأطهرُ
آثرتِهِ ورَضيتِ رَبَّكِ إنّها / للَّهِ عِندكَ نِعمةٌ لا تُكْفَرُ
أعْلَى مَحَلَّكِ فانعمي وتقدّمي / بأجلِّ ما يُثْنَى عليه وَيُشْكَرُ
ولأنتِ إن عظُمتْ فوائدُ خيبرٍ / أسْنَى وأعظمُ ما أفادتْ خَيبرُ
يا قُبَّةَ المُختارِ دُونَكِ ما بَنَى / في مُلكِهِ كِسْرَى وشيَّدَ قيصرُ
مَثوىً يهولُ الناظرين ومنظرٌ / عَجَبٌ يروعُ مقامُه والمظهرُ
فيهِ الجلالُ الضَّخمُ ترتدُّ المنى / من دُونِهِ مذعورةً تتعثّرُ
فيهِ السَّلامُ لكلِّ جِيلٍ يُبتغَى / فيه النظامُ لكلِّ عصرٍ يُذخَرُ
فيه الحياةُ تُسَلُّ من أكفانِها / هَلْكَى الشُّعوبِ إذا تموتُ وتُقبَرُ
إيهٍ أبا أيوبَ ما بِكَ رِيبةٌ / إنّ المحبَّ على الحبيبِ لَيسهرُ
تَأبَى الكرَى وتطوفُ حول مُحمّدٍ / والسَّيفُ يَقظانُ المضاربِ يَنظرُ
ماذا تخافُ على حبيبِكَ من أذىً / واللَّهُ كافٍ ما تخافُ وتَحذرُ
اهْنَأْ بدعوتِهِ فتِلكَ وقايةٌ / من كلِّ ذِي جَبرِيَّةٍ يتنَّمرُ
تِلكَ الولائمُ في رِحابِ مُحمّدٍ / شَتَّى تُسَرُّ بها النُّفُوسُ وتُحْبَرُ
الصَّحبُ من فرحٍ عليها عُكَّفٌ / والرُّسْلُ أجمعُ والملائكُ حُضَّرُ
عُرْسُ النبيِّ وأيُّ عُرسٍ مِثلُه / هَيهاتَ تلك فضيلةٌ لا تُنْكَرُ
مَرحباً بالأحبَّةِ المُقبلينا
مَرحباً بالأحبَّةِ المُقبلينا / أطفِئُوا شَوقَكم وقَضُّوا الحنينا
أذِنَ اللَّهُ باللقاءِ وكانتْ / لوعةً للفِراقِ دَامتْ سِنينا
إنّ هَذِي دِياركُم فادخلوها / طَيِّباتٍ لمعشرٍ طيّبينا
ادخلوها بنعمةٍ وسلامٍ / وَاعْمرُوها بأهلِكم والبنينا
أقبلوا أقبلوا وَحيُّوا رسولَ ال / لَهِ مُستبشراً يَمدُّ اليمينا
صَافحوهُ مُحبَّبَ الوجهِ سَمْحاً / والزموهُ مُباركاً مَيمونا
وانظروا حوله الجنودَ أُلوفاً / بعد أن لم تكنْ تُدانِي المئينا
واذكروا خطبَكم وكيفَ ذَهْبتُمْ / خِيفةَ الضَّيْمِ في البلادِ عِزينا
تركبونَ العُبابَ يأخذُه الكِبْ / رُ فيأبَى عِنَانُه أن يَلينا
يَضربُ الموجُ في جوانبِهِ المو / جَ وتُزجِي السَّفينُ فيه السَّفينا
اتَّخذتم أرضَ النجاشيِّ داراً / وتَركتُمْ دِيارَكم والقَطينا
مَلِكٌ عادلٌ أقامَ عليكم / من كريمِ الجوارِ حِصْناً حَصينا
وَرَعاكم رَعْيَ الحفيِّ يُؤّدي / حقَّ أضيافهِ وَفِيّاً أمينا
وَجَدَ العارَ في هَدِيَّةِ عمروٍ / فأباها وَردَّ عَمْراً حزينا
قال يا ويلتا أأهدمُ مَجدِي / وأُعادِي أبُوَّتي الأَوَّلينا
أأبيعُ الضُّيوفَ يا عمروُ دَعْها / خُطّةً تجعلُ العزيزَ مَهِينا
إنها سُبَّةٌ على الدهرِ يَأبَى / كلُّ حُرٍّ مُهذَّبٍ أن تكونا
راعه جعفرٌ بقولٍ مُبينٍ / فرأى الحقَّ واضحاً واليقينا
وَدَرى أنَما السُّجودُ لغيرِ ال / لَهِ إثمٌ يَحيقُ بالسّاجدينا
وَاهْتَدى قَلبُه فآثَرَ دِينَ ال / حقِّ في مجمعِ القَساوسِ دِينا
دَلَفَ القومُ بالمصاحفِ لا يَدْ / رُونَ ماذا يُريدُ أن يَسْتَبينا
قال ما عندَكم أما قال عِيسَى / سوفَ يأتي مِن بعدهِ من يلينا
بَطَلَ الشِّركُ وانتهى الإفكُ هذا / خاتمُ الأنبياءِ والمرسلينا
كيف نَأبَى مُحمّداً وَهْوَ حقٌّ / أيقولُ الهُداةُ إنّا عَمِينا
رَبِّ إنّي آمنتُ فاغفِرْ ذنوبي / وَاهْدِني في عبادِكَ المؤمنينا
هكذا فاز بالكرامةِ حزبُ ال / لَهِ طوبَى لِحزبهِ المفلحينا
اُدْنُ يا جعفرٌ لك الرتَبُ العل / يا وكنتَ أمرأً بهن قَمِينا
وَخُذِ القُبلةَ التي هِيَ أَقْصَى / ما تُرجِّيهِ أنْفُسُ المتَّقينا
اُدنُ يا أشبهَ الرجالِ بأعلى ال / ناسِ قَدْراً وخيرهم أجمعينا
ولك العذرُ إن رقصتَ فَهذِي / نَشوةُ الحبِّ تأخُذُ المُخلِصينا
نادِ يا شاعرَ العُروبةِ واهتفْ / مرحباً بالأماجدِ الأكرمينا
هذه خيبرُ العصيّةُ دَانَتْ / لِسيوفِ البواسلِ الفاتحينا
نَصَر اللَّهُ جُندَهُ وحَباهُ / في لواءِ النبيِّ فَتْحاً مُبينا
فَخُذوا حقَّكم هَنيئاً مَرِيئاً / واشكروا اللَّهَ أكرمَ المُنعِمينا
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ
بُشراكِ أُمَّ حَبيبَةٍ بِمُحَمَّدٍ / تَمَّتْ لكِ النُّعمى فَفوزِي وَاسْعَدِي
هَذا بَشيرُ الخيرِ أيُّ طَلاقةٍ / تَحكِي طلاقَةَ وجههِ الغَضِّ النَّدِ
حَمَلَ الرِّسالَةَ مَشرعاً من رَحمةٍ / فيهِ الشِّفاءُ لِغُلَّةِ القَلْبِ الصَّدِ
بُشراكِ أُمَّ المؤمنينَ فهذهِ / رؤياكِ عِندَ أوانِها والموعدِ
بَعثَ النَجَاشِيُّ الوليدةَ فاسمعي / أشهَى الحديثِ إلى الكرائمِ واشْهَدي
هَذا عَطَاؤُكِ لو يكونُ مَكانَهُ / أغلى الكُنوزِ خَشيْتُ أن لا تُحْمَدِي
نِعمَ العطاءُ بَذَلْتِهِ مَرْضِيَّةً / في اللَّهِ راضيةً وَيَالكِ من يَدِ
قلّدتِ أمرَكِ خالداً فمضَى بهِ / شرفاً على شَرَفٍ أشمَّ مُخَلَّدِ
هَتَفَ الرسولُ أَجِبْ وكيلَ مُحَمَّدٍ / فمشَى إلى المَلِكِ الأعزِّ الأصيَدِ
يَلقاهُ في تَاجِ الهُدى وسريرِه / بين الأَرائكِ والجُموعِ الحُشَّدِ
في مشهدٍ زانته غُرَّةُ جَعفرٍ / زَيْنَ النَّدِيِّ ونُورِ عينِ المنتدي
جَمَعَ الأحبَّةَ والرفاقَ فأقبلوا / من كلِّ عالٍ في الرجالِ مُمَجَّدِ
أدَّى النجاشيُّ الصَداقَ مُبارَكاً / مِلءَ اليدينِ يَسوقُه من عَسْجَدِ
وأقامَ للَّهِ الولائمَ كلّما / زَادتْ وفودُ القومِ قال لها ازْدَدِي
مَضَتِ الوليدةُ بالصّداقِ فَصادفتْ / كَرَماً يُجاوِزُ مَطْمَعَ المُسْتَرْفِدِ
نَالتْ ولم تَسألْ وَلِمَ تمدُدْ يداً / خَمسِينَ دِيناراً عطاءً كالدَّدِ
فضلٌ لأُمِّ المؤمنِينَ تَفَجَّرَتْ / عنه فَرَاحَ يَفِيْضُ غَيْرَ مُصَرَّدِ
تِلْكَ الوليدةُ قال سيّدُها ارجِعي / أَنَسِيتِ حَقَّ الضّيفِ عِنْدَ السَّيِّدِ
رُدِّي العَطِيَّةَ والهَدِيَّةَ واذكرِي / آلاءَ رَبِّكِ ذي الجلالِ الأَوْحَدِ
لا تَرْزَئِي زوجَ النبيِّ بأرضِنا / شَيئاً فَبِئسَ الزّادُ للمتزوّدِ
قالت إليكِ المالَ والحلْي الذي / أعْطَيتِنيهِ فليس أمري في يَدِي
أَمرَ المليكُ فلا مَرَدَّ لأمرِهِ / وَلَكِ الكرامةُ في الفريقِ الأرشدِ
لي في ذمامِكِ حاجةٌ مَنْشُودَةٌ / لولا الهُدَى وَسَبيلُهُ لم تُنْشَدِ
هل تحملينَ إلى الرَّسولِ تَحِيَّةً / منّي إذا انطلقتْ رِكابُكِ في غَدِ
حَيّيهِ مُنْعِمةً وَقولِي إنّني / أحببتُه حُبَّ التَّقِيِّ المُهْتَدِي
وَرَضِيْتُ مِلَّتَهُ لنفسي إنَّه / لعلى طريقٍ للسدادِ مُعَبَّدِ
رَضِيَ المليكُ وراحَ يَحمدُ رَبَّه / حَمْدَ امرئٍ للصالحاتِ مُسدَّدِ
وَدَعا إلى الصُّنعِ الجميلِ نِساءَهُ / فالطيبُ ذو عَبَقٍ يروحُ وَيَغتدِي
تَمشِي الولائدُ خلفَهُ يَحْمِلْنَهُ / في مُلْتقىً بَهِجٍ وَحُسنِ تَودُّدِ
يَأتينَ أمَّ المؤمنينَ يَزِدْنَها / وَيَقُلْنَ مَهْلاً كلّما قالت قَدِي
سِيري هَداكِ اللَّهُ شَطْرَ نَبيِّهِ / في موكبٍ مِن نُورِهِ المتوقِّدِ
إلا يكنْ من هاشمٍ وَفْدٌ فكم / للَّهِ حَولَكِ من رَسولٍ مُوفَدِ
جِبريْلُ يَمشِي في رِكابِكِ خَاشعاً / بَيْنَ الملائِكِ فَاشْهَدي وَتَفَقَّدِي
اللَّهُ بَوَّأكِ الكرامَةَ مَنزلاً / وأعزَّ جَدَّكِ بالنبيِّ مُحَمَّدِ
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما
مَحيصةُ بلّغْ ما أُمِرتَ فإنّما / هو الدينُ دينُ المسلمِينَ أو القتلُ
إلى فَدَكٍ فَاحْمِلْ بَلاَغ مُحمّدٍ / وأَنْذِرْ بها قوماً أضلَّهمُ الجَهْلُ
أَبَوْا أن يُجِيبوا دَاعِيَ اللَّهِ وَابْتَغُوا / سَبِيْلَ الألى أعماهُمُ الحِقْدُ والغِلُّ
يَقولون لن يَسْطِيعَ جيشُ مُحمّدٍ / بخيبرَ نصراً إنّها مَطلبٌ بَسْلُ
يُدافِعُ عنها من صَنَادِيْدِ أهلِها / رِجالٌ إذا خاضوا الوَغَى بَطَلَ الهَزْلُ
لها عامرٌ عِنْدَ البلاءِ وياسرٌ / لها مَرْحَبٌ والحارثُ البطلُ الفَحْلُ
وإنَّ بها من كُلِّ رامٍ وَضَارِبٍ / أُلوفاً هُم السُّمُّ الذُّعافُ لمن يَبْلو
على أنّنا لا نكرهُ السّلمَ فانتظِرْ / مَحيصةُ واصبِرْ إنّها خُطّةٌ فَصْلُ
كذَلِكَ قالوا يمكرون كَدَأْبِهِمْ / وماذا يُفيْدُ المكرُ أو يَنفعُ الخَتْلُ
أطالوا المدَى حَتَّى يَروا جَدَّ قومِهم / وَجَدَّ رسولِ اللَّهِ أيُّهما يَعْلُو
فلمَّا رُمُوا بالحقِّ من حِصْنِ نَاعمٍ / وَقِيْلَ لهم ضاقت بقومِكمُ السُّبْلُ
مَشتْ رُسْلُهم للصّلحِ تَهوِي أمامَها / قُلوبٌ هِيَ الكُتْبُ الحثيثةُ والرُّسْلُ
يَظَلُّ عَمِيْدُ القومِ نُونُ بنُ يُوشَعٍ / يَقولُ هَلُمُّوا ذَلِكَ المركبُ السَّهْلُ
ولاذُوا بأكنافِ النبيِّ فصادفوا / كرِيماً يُرجَّى عنده العفوُ والفَضْلُ
أحلَّ لهم صُلحاً وإنّ دِماءَهم / وَأمْوَالَهم إن رَدَّهُمْ خُيَّباً حِلُّ
لئن خُلِقوا لِلُّؤمِ أهلاً فإنّه / لكلِّ الذي يسمو الكِرامُ به أَهْلُ
له النِّصْفُ من تِلْكَ الحُقولِ يُعِدُّهُ / لِكُلِّ فقيرٍ عضَّهُ البؤسُ والأزْلُ
كذلكَ مَوْلَى القومِ يَرْجُونَ ظِلَّهُ / وما خيرُ مولىً لا يَكونُ له ظِلُّ
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ
أَمَا تَدَعُ العَمَايَةَ يا ابنَ حصنٍ / وَتَسلُكُهَا مُعَبَّدَةً سَوِيَّهْ
أَضَلَّتكَ اليهودُ فَرُحْتَ تَبْغِي / ثَمارَ النّخلِ يا لَكَ من بَلِيَّهْ
لَبِئْسَ الأجرُ أجرُكَ مِن أُناسٍ / يَرَوْنَ الحقَّ مَنزلَةً دَنِيَّهْ
أتَرضَى أن تكونَ لهم حَليفاً / لَعَمْرُكَ إنّهم شَرُّ البَرِيَّهْ
رَمَوْكَ بِرُسْلِهِم يَرجونَ نصراً / فَمَا وَجَدوكَ من أهلِ الرَّوِيَّهْ
أَهَبْتَ بِقَوْمِكَ انطَلِقُوا وَرَائِي / فَتِلْكَ سَرِيَّةٌ تتلو سَرِيَّهْ
تُريدُ مُحَمّداً وَبَنِي أبيهِ / أُولِي النَّجَدَاتِ والهِمَمِ العَلِيَّهْ
حُماةُ الحقِّ ليس له سِواهم / إذا غَلَتِ الحفيظَةُ والحَمِيَّهْ
نهاك مُحَمَّدٌ فأَبيتَ رُشْداً / لِنَفْسِكَ إنّها نَفْسٌ غَوِيَّهْ
وقلتَ أنتركُ الحلفاءَ نَهْباً / ونحن أُولُو السُّيُوفِ المَشْرَفِيَّهْ
رُوَيْدَكَ يا عُيَيْنَةُ أيُّ خطبٍ / أصابَكَ ما الحديثُ وما القَضِيَّهْ
وما الصَّوتُ المردَّدُ يا ابنَ حِصنٍ / وَرَاءَكَ في منازِلِكَ القَصِيَّهْ
وَرَاءَكَ يا عُيَيْنَةُ لا تَدَعْها / فما هِيَ عن دِفَاعِكَ بالغَنِيَّهْ
رَجعتَ بِجُنْدِكَ المهزومِ رُعْباً / فَمَرْحَى ما الهزيمةُ كالمَنِيَّهْ
لَوَ انّكَ جِئْتَ خَيْبَرَ وَهْيَ ظَمْأَى / سَقَتْكَ من الرَّدَى كأساً رَوِيَّهْ
نَوَيْتَ غِيَاثَها فَشُغِلْتَ عنها / وأمرُ الله يَغلبُ كلَّ نِيَّهْ
بِرَبِّكَ يا فتى غَطفَانَ آمِنْ / فإنّ لهُ لآياتٍ جَلِيَّهْ
رَجعتَ إلى النَّبيِّ تَقولُ مَا لا / يَقولُ المرءُ ذُو النَّفْسِ الحَيِيَّهْ
ألستُ لمن ظَفَرْتَ بهم حَلِيفاً / فَهَبْ لي من مَغَانِمِهم عَطِيَّهْ
وَإنّي قد أَبَيْتُ فلم أُعِنْهُم / عَلَيكَ وما تَرَكْتُكَ عن تَقِيَّهْ
فقال كَذَبْتَ مَالَكَ مِن خَلاقٍ / وما تَخْفَى على الله الطَّوِيَّهْ
عَلَيكَ بِذِي الرُّقَيْبَةِ إنّ فيه / لَمَا أحببتَ من صلةٍ سَنِيَّهْ
تَأَمَّلْ هل مَلَكتَ عليَّ أمرِي / وهل صَدَقَتْكَ رُؤيَاكَ الغَبِيَّهْ
لكلٍّ من دُعاةِ الشِّركِ حربٌ / مُظَفَّرَةُ الوقائِعِ خَيْبَرِيَّهْ
سَجَايا المُرهفاتِ البيضِ أَوْلَى / بمن جَعلوا النِّفاقَ لهم سَجِيَّهْ
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى
تَقَدَّمْ فهذا مَطلعُ الحقِّ والهُدَى / ألستَ تَرى النُّورَ الذي جَاوَزَ المدى
أتيتَ رَسُولَ اللهِ تَتبعُ دِينهُ / وتُؤثِرُ خيرَ الزَّادِ فيمن تَزَوَّدا
لكَ الله يا حجَّاجُ أَمْسَيْتَ مُشْرِكاً / وأصبحتَ تَدعوهُ تَقِيَّاً مُوَحِّدَا
سَيغفِرُ ما أسلفتَ من جَاهليَّةٍ / لَيالِيَ تأبَى أن يُطاعَ وَيُعْبَدَا
سألتَ رسولَ اللهِ ما لو سألتَهُ / سِواهُ لأعطاكَ الحُسَامَ المُهَنَّدَا
تقولُ له دَعْنِي أزوِّرْ مَقَالةً / تَسُوءُكَ إنّي أحذرُ المعشرَ العِدَى
بِمكَّةَ لي مالٌ كثيرٌ مُوزَّعٌ / أخافُ عليهِ أن يضيعَ وَيُفقدا
سأكتمُ إسلامِي وأُوذِيكَ إنّهم / هُمُ القومُ لا يُؤذونَ إلا مَنِ اهْتدَى
وَرُحْتُ تُحابِيهم وتَشْفِي صُدورَهم / بِخرقَاءَ تستهوي الغَبِيَّ المُبَلَّدَا
تقولُ لقد فازَ اليهودُ وأدركوا / على الفاتحينَ الغُرِّ نَصْراً مُؤَيَّدا
أغاروا فَرَدُّوهُم وأمسى مُحَمّدٌ / أسيراً لدى ساداتِهم ليس يُفتَدَى
أبَوْا أن يَذوقَ القتلَ إلا بمكةٍ / وإنّ له عمّا قريبٍ لَمَوْعِدَا
فَطاروا سُروراً واستمرَّ غُواتُهم / يُذِيعُونَهُ زُوراً وإفكاً مُرَدَّدا
وَطَاشتْ عُقُولُ المسلِمينَ فأصبحوا / حَيَارَى يَرَوْنَ العيشَ أَغْبَرَ أَنْكَدَا
وأرضَى الألى ضَلُّوا السَّبيلَ بشيرُهم / لَدُنْ جَمَعوا مِن مالِهِ ما تَبَدَّدا
تَزَوَّدَ همّاً كلُّ من كانَ مُسلِماً / وأَعْيَا على العبّاسِ أن يَتَجَلَّدَا
فَأَرْسَلَ ما هذا الذي أنتَ قائِلٌ / قُلِ الحقَّ يا حَجّاجُ وَانْقَعْ بِهِ الصَّدَى
تَبَارك ربِّي إنّه جَلَّ شأنُهُ / لَحَقٌّ عليهِ أنْ يُعِزَّ مُحَمَّدَا
فقال نَعَمْ عُدْ يا غلامُ وَقُلْ له / أبا الفضلِ أبْشِرْ وانتظِرْ مَقدمي غدا
فأَعتقَ من فَرَطِ السُّرورِ غُلامَهُ / وَرَاجَعهُ مِن أمرِهِ ما تَعَوَّدَا
ووافَاهُ حجّاجٌ بأنباءِ خَيْبَرٍ / فَأمسَى الذي أخفَى من الأمرِ قد بَدَا
وناشَدَهُ أن لا يُذيعَ حَدِيثَهُ / ثَلاثَةَ أيّامٍ حِذاراً مِنَ الرَّدَى
فَلَمّا انقضَتْ رَاعَ الرجالَ بِطَلعَةٍ / تَشُقُّ على الأعداءِ مَرْأَىً ومشهدا
تَدَفَّقَ بِشراً وَجهُهُ وجَرَى السَّنا / على صَفْحَتَيْهِ سَاطِعاً فَتَوقَّدا
يقولونَ لا تحزَنْ فيا للأُلى عَمُوا / ويَا لكَ من حُزنٍ أقامَ وأَقْعَدَا
رماهم بأخبارِ الفُتوحِ فَغَاظَهُم / وَردَّ ذَلِيلاً كُلَّ عاتٍ تَمرَّدا
يَضِجُّونَ أينَ ابنُ العلاطِ أما لنا / إليهِ سَبيلٌ إنّه كان مُفْسِدا
لقد غَرَّنَا كَيْما يَفُوزُ بِمَالِهِ / فحاقَ بنا من إثمِهِ ما تَعَمَّدا
فواهاً لَهُ مِن ماكرٍ لو نُصِيبُه / إِذَنْ لَجَزَيْناهُ الجزاءَ المشَدَّدا
جَزاهُم إلهُ النَّاسِ ما ذنبُ مُسْلِمٍ / كَريمِ السَّجايا ما أَسَاءَ ولا اعْتَدَى
رَأى شَرَّهُمْ فاحتالَ يَحفظُ ماله / عليهِ ويَأْبَى أن يُغادِرَهُ سُدَى
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ
أكانوا كُلُّهُم دَاءً عَيَاءَ / فما يَجِدُ الأُساةُ لهم دَواءَ
ألاَ إنّ النَّطَاسِيَّ المرجَّى / أتى يَلقى الأُلى انتظروا اللِّقاءَ
أتى بالحكمةِ الكُبرى رسولاً / فكانَ لِعلّةِ الدُّنيا شِفَاءَ
أَتَطمعُ زَينبٌ بذراعِ شاةٍ / يُسمَّمُ أن يُضَرَّ وأن يُساءَ
أبى المَلِكُ المُهيمِنُ ما أرادتْ / فَخَيَّبَها وكان لهُ وَقَاءَ
أتَتْ تمشِي بها وتقولُ هذا / طعامُكَ فَارْضَهُ وانعمْ مَساءَ
فقال لصحبِهِ رِزقٌ أتانا / فباسمِ الله لا نُحْصِي ثَنَاءَ
فَلَّما ذَاقَها قال اتركوها / فإنّ اللهَ قد كَشَفَ الغِطاءَ
طَعَامُ السُّوءِ مَسْمُومٌ وهذا / أخِي جبريلُ بالأنباءِ جَاءَ
فَكَفُّوا غَيْرَ بَادِرَةِ لِبِشْرٍ / مَضَتْ قَدَراً لِرَبِّكَ أو قَضاءَ
فَيَا لكِ طَعنَةً لم تُبْقِ منه / لِحاجَةِ نَفْسِهِ إلا ذماءَ
إذا رامَ التَّحَوُّلَ أمسكته / ولو قَدرتْ مَفاصِلُهُ لَناءَ
قَضَاها حِجَّةً من ذاقَ فيها / مَرَارَةَ عَيشِهِ كَرِهَ البقاءَ
وحُمَّ قَضَاؤُهُ فَمَضَى رَضِيَّاً / يُبَوَّأُ جَنَّةَ المأوى جَزاءَ
وقال مُحَمَّدٌ يا آلَ بِشرٍ / كَفَى بِدَمِ التي قُتِلَتْ عَزَاءَ
فلاقَت زَينبٌ قتلاً بقتلٍ / وما كانت لصاحبهم كِفَاءَ
أمَنْ حَمَلَ الخِمَارَ من الغواني / كمن حَمَلَ العِمامَةَ واللِّواءَ
كَذلِكَ حُكمُ ربِّكَ في كتاب / أقَامَ السُّبْلَ بَيِّنَةً وِضَاءَ
هُوَ القِسْطَاسُ أُنزلَ مُسْتَقيماً / لِمن يَزِنُ النُّفوسَ أو الدِّماءَ
أتى يحمي الحُقُوقَ ويقتضيها / فلا جَنَفاً يُريدُ ولا عَدَاءَ
بِناءُ العدلِ ليس به خَفاءٌ / فَسُبحانَ الذي رَفَعَ البِناءَ
ألا خَسِرَ اليهودُ ولا أصابوا / طِوالَ الدَّهرِ خَيراً أو نَماءَ
كَأنَّ الغدرَ عِندَ القومِ دِينٌ / فَما يَدَعُ الرجالَ ولا النساءَ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ
أَتَيْنَ بِهِنَّ من شَوقٍ غَليلُ / وَعُدْنَ لَهُنَّ مُنْقَلَبٌ جَليلُ
خَرَجْنَ من الخدورِ مُهاجِراتٍ / فلا دَعَةٌ ولا ظِلٌّ ظَليلُ
يَسِرْنَ مع النَّبيِّ على سواءٍ / ولا هادٍ سِواهُ ولا دَليلُ
يُرِدْنَ الله لا يَبغِينَ دُنيا / كثيرُ مَتاعِها نَزْرٌ قَلِيلُ
عَقَائِلُ في حِمَى الإسلامِ يَسْمُو / بِهِنَّ مِنَ العُلَى فَرْعٌ طَوِيْلُ
يَفِئْنَ إلى صَفِيَّةَ حيث كانت / وكان سَبيلُها نِعْمَ السَّبيلُ
عَلَيْها من رسولِ الله وَسْمٌ / مُبينُ العِتقِ وضّاحٌ جَميلُ
عَشِيرَةُ سُؤْدُدٍ وقَبيلُ مَجْدٍ / فَبُورِكَتِ العَشيرةُ والقَبيلُ
يُجَرِّدْنَ النُّفوسَ مُجاهِداتٍ / بِحَيْثُ يُجرَّدُ العَضْبُ الصَّقِيلُ
فَلا ضَعْفٌ يَعوقُ ولا لُغُوبٌ / ولا وَلَدٌ يَشوقُ ولا حَلِيلُ
نِساءُ الصِّدْقِ ما فِيهِنَّ عَيْبٌ / وليس لَهُنَّ في الدنيا مَثيلُ
أَخَذْنَ عَطَاءَهُنَّ على حَياءٍ / يَزيدُ جَمالَهُ الخُلُقُ النَّبيلُ
لَئِنْ قَلَّ الذي أُوتِينَ مِنْهُ / فأجرُ الله مَوفورٌ جَزيلُ
خُوضُوا الوغَى يا أهلَ وَادِي القرى
خُوضُوا الوغَى يا أهلَ وَادِي القرى / واستقبلوا الموتَ وأُسْد الشَرَى
أنكرتُمُ الإسلامَ دِينَ الهُدَى / والله والسَّيفُ لمن أنكرا
إن تَطْلُبوا البُرهانَ فاستخبروا / جِيرانَكم أو فاسألوا خَيْبَرا
اقْتُلْ عليٌّ إنّهم مَعْشَرٌ / مَا مِثْلَهم أعمَى الهَوَى مَعْشَرا
ويا حَوارِيَّ الرَّسُولِ اقْتَنِصْ / كُلَّ غَوِيٍّ جَاءَ مُسْتَهْتِرا
وأنتَ فَاضْرِبْ في الطُّلَى يا أبَا / دُجانَةَ اضْرِبْ مُقْبِلاً مُدْبِرا
كُرُّوا جُنودَ اللهِ في نَصْرِهِ / ليس لغيرِ اللهِ أن يُنْصَرا
لا تتركوا جَيْشَ الأُلَى اسْتَمْسَكوا / بالكفرِ حتّى يَرجعَ القهقرى
يا صَوْلَةً هَدَّتْ فَراعِينَهُمْ / مَا أَشْجَعَ القومَ وما أصْبَرا
أبطالُ حربٍ لم يَزَلْ بأسُهُم / يَلْتَهِمُ العَسْكَرَ فالعَسْكَرَا
وادِي القرى التَفَّ على رَوْعَةٍ / يا وَيْحَ للمُرتاعِ ماذا يَرَى
مَنْ مَثَّلَ الأغوالَ تَهْفُو بِهِ / أَهوالُها العُظْمَى ومَنْ صَوَّرا
بَأْسُ رسولِ اللَّهِ في صَحْبِهِ / ما أَعظَمَ البأسَ وما أكْبَرا
ذَلَّتْ يَهودٌ بعد أن لم تكن / تَظُنُّ أن تُغلَبَ أو تُقْهَرَا
استَعْمَرَ الفاتحُ زُرَّاعَهُمْ / في الأرْضِ لولا الرفقُ ما اسْتَعْمَرا
فَلْيَشْكُروها مِنْهُ أُكْرُومَةً / مِن حَقِّها الواجبِ أن تُشكرا
وَلْيَرْقُبوا العُقْبَى وَزِلْزَالَها / إنْ أظْهَرَ الحِدْثَانُ ما أَضْمَرَا
لا حَولَ للقومِ ولا حيلَةٌ / فيما قَضَى اللهُ وما قَدَّرَا
لن يصحبَ الإسلامَ في دارِهِ / أصحابُ دِينٍ غيرِهِ مُفْتَرى
بِشَارَةُ اللهِ أتانا بها / أَصْدَقُ مَن بَشَّرَ أوْ أَنْذَرَا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025