القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : ابنُ مَعصُوم المَدَني الكل
المجموع : 307
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح
وافى وأفقُ الدُجى بالزُهد متَّشح / وَالصُبحُ قد كادَ للأَبصار يتَّضحُ
وَالبَدرُ يرفلُ في ظلمائِهِ مَرحاً / وضرَّةُ البَدر عِندي زانَها المرحُ
مهفهفٌ تَستَخِفُّ الراحُ راحتَهُ / وَيُثقلُ السُكرَ عِطفيه فيَرتَنِحُ
بدا يَطوفُ بها حَمراءَ ساطعةً / في جَبهَة اللَيل من لألائِها وضَحُ
فاِطرح زنادَك لا تستَورِه قَبَساً / لا يقدحِ الزندَ من في كفِّه القَدَحُ
وافى بها أُسرةً في المجد راسيةً / لا يستفزُّهم حُزنٌ ولا فرحُ
لهم من الراحِ في الأَفراح مُغتَبَقٌ / ومن دماء العِدى في البأس مُصطَبحُ
هُمُ سِمامُ العِدى إِن غارَةٌ عَرضت / وَهم غَمام النَدى والفَضل إِن سَمحوا
تُخفي وجوهُهمُ الأَقمارَ إِن سَفَروا / وَتُخجِلُ السحبَ أَيديهم إِذا مَنَحوا
مالوا إِلى فُرص اللَذّات من أُمَمٍ / ولم يَميلوا عن العَليا ولا جَنَحوا
وَباتَ يمنحُني من دَنِّه مِنحاً / كانَت أَمانيَّ نَفسي وَالهَوى مِنحُ
وَذاتِ حُسنٍ إذا مِيطت بَراقعُها / فالشَمسُ داهِشَةٌ وَالبَدرُ مُفتَضِحُ
عاتَبتُها بعدما مالَ الحَديثُ بها / عَتباً يمازجُه من دَلِّها مُلَحُ
فأَعرضت ثمّ لانَت بعد قَسوتِها / حتّى إِذا لَم يَكُن للوَصلِ مُطَّرَحُ
أَغضَت وأَرضَت بما أَهوى وعفَّتُنا / تأبى لنا مأثماً في الحُبِّ يُجتَرَحُ
فَلَم نَزل لابِسي ثَوب العَفاف إِلى / أَن كادَ يظهرُ في فرع الدُجى جَلحُ
قامَت وقُمتُ وفي أَثوابنا أَرَجٌ / من الوِصالِ وفي أَكبادِنا قُرحُ
ما أَصعَبَ الحبَّ من خَطبٍ وأَبرَحَه / بذي العَفاف وإِن أخفى الَّذي يَضحُ
طابَ نَشرُ الصَبا وَوَقتُ الصَباح
طابَ نَشرُ الصَبا وَوَقتُ الصَباح / وَزَمانُ الصِبا ووصلُ الصِباحِ
فاِسقني الراحَ يا نديمي ودَعني / أَتلهّى ما بين رَوحٍ وراحِ
ما تَرى الرَوضَ مُذ بَكى الغيمُ فيها / كَيفَ يَضحكنَ عن ثُغور الأَقاحِ
قَد وفى لي الرَبيعُ منه بشَرطي / وَضَماني عليه وِفق اِقتِراحي
بَرِحَ اليَومَ عَن هَوايَ خَفاهُ / ما لِقَلبي عن الهَوى مِن بَراحِ
فاِسقِنيها وداوِ قرحَ فؤادي / واِجتَنِب مزجَها بماءٍ قَراحِ
ذاتَ لَونٍ كأَنَّما اِعتَصروها / من جَنى الوَرد أَو خُدودِ المِلاحِ
اِغتَنِم بهجةَ الرَبيع وقَضِّ / باِقتراحي لَياليَ الأَفراحِ
مَرحَباً بالرَّبيع والعَزفِ والقَص / فِ وحثِّ الكؤوس والأَقداحِ
إِن يَكن للخَليع فيكَ اِصطِباحٌ / يا صباحي فذا أَوان اِصطِباحي
أَئنُّ من الشَوق الَّذي في جَوانحي
أَئنُّ من الشَوق الَّذي في جَوانحي / أَنينَ غَصيصٍ بالشَراب قَريحِ
وأَبكي بعينٍ لا تكفُّ غروبُها / وَأَصبو بِقَلبٍ بالغَرام جَريحِ
وأَلتاعُ وَجداً كلَّما هبَّت الصَبا / بنَشر خُزامى أَو بنفحةِ شيحِ
إِلى اللَه قَلباً لا يَزالُ معذَّباً / بِتأَنيبِ لاحٍ أَو بِهجرِ مَليحِ
فَيا عصرَنا بالرَقمتين الَّذي خَلا / لَكَ اللَه جُد بالقُرب بعد نُزوحِ
أَرِقتُ وقد نامَ الخَليُّ من الأَسى / لبَرقٍ بأَعلى الرَقمتين لَموحِ
فَبِتُّ كَما باتَ السَليمُ مُسهَّداً / بجَفنٍ على تلك السُفوح سَفوحِ
يُهيِّج أَشجاني ترنُّمُ صادِحٍ / وَيوقِظُ أَحزاني تنسُّمُ ريحِ
فَلِلَّه بالجَرعاء حيٌّ عَهِدتُهم / يحلُّونَ منها في مَعاهدَ فيحِ
لَياليَ لَيلي من بَهيم ذوائِبٍ / وَصُبحي من وجه أَعرَّ صَبيحِ
هُمُ نُجحُ آمالي وَنَيلُ مآربي / وَصحَّةُ أَسقامي وَراحةُ روحي
لَئن مرَّ دَهرٌ بالتَنائي فقد حلا / غَبوقي بهم فيما مَضى وَصَبوحي
لِلَّه ما أَحلى وصالَ الملاح
لِلَّه ما أَحلى وصالَ الملاح / وَما الردى إِلّا صُدودُ الرَداح
لا أَصلح اللَهُ عدوّاً لحا / عَلى الهَوى لَمّا رأى الوصلَ لاح
لَو علمَ اللائمُ ما رامَه / مَلومُه ما رامَ إِلّا الصَلاح
ما السَعدُ إِلّا وَصلُ سُعدى وَلا / رَوح الهَوى إِلّا كؤوسٌ وَراح
وَاللَه لا أَسلو هواها وَلَو / لامَ مصِرّاً ولحا كُلُّ لاح
قالَ العَواذِلُ لَمّا
قالَ العَواذِلُ لَمّا / رأَوا أَخا البَدرِ لاحا
وَعلَّني مِن لَماهُ / ما زادَ قَلبي اِرتياحا
أَراحَ يَسقيك شَهداً / من ثغره قُلتُ راحا
أَنوحُ اِلتياعاً في نواحي نواح
أَنوحُ اِلتياعاً في نواحي نواح / فَيرحمني اللاحي لِفَرطِ نواحِ
فَلَم أَدرِ إذ ساروا لبَينٍ بكايَ من / مَراحمِ لاحٍ أَو مراحِ مِلاحِ
إِذا أَصبَحتَ ذا طَرَبٍ وَلَهوٍ
إِذا أَصبَحتَ ذا طَرَبٍ وَلَهوٍ / تُعاقرُ راحةً أَو شرب راحِ
فَقُل لي كَيفَ تَرجو الرُشدَ يَوماً / وَما لكَ عن ضَلالكَ مِن بَراحِ
أَحبّاي أَمّا الودُّ منّي فَراسخُ
أَحبّاي أَمّا الودُّ منّي فَراسخُ / وإن حالَ دوني عن لقاكم فراسخُ
كأَنَّ نَهاري بعدكم نابُ حَيَّةٍ / وَليلي إذا ما جنَّ أسودُ سالخُ
نأيتم فَلا حرُّ الفِراقِ مُفارِقٌ / فؤادي ولا جمرُ الصَبابة بائخُ
وَكَيفَ وأَنفاسي من الشَوق والجَوى / لنارِ الأَسى بين الضُلوع نَوافخُ
لئن نسخَ البينُ المشِتُّ وِصالَنا / فَما هو للحبِّ المبرِّحِ ناسِخُ
وَلَيلٍ كَيوم الحَشرِ طُولاً سَهرتُهُ / وَبين جُفوني وَالمَنام بَرازِخُ
وَكَم لَيلَةٍ مَدَّت دُجاها كأَنَّما / كواكِبُها فيها رواسٍ رواسِخُ
أَرِقتُ بها وَالصبحُ قد حالفَ الدُجى / فَما نَسرُها سارٍ ولا الديك صارخُ
كأَنَّ نجومَ الأفق غاصَةُ لُجَّةٍ / توحَّلنَ فالأَقدامُ منها سوائخُ
كأَنَّ حناديسَ الظَلام أَداهِمٌ / لَها غُدرٌ ملء الجباه شوادِخُ
كَأَنَّ سهيلاً راح قابسَ جَذوَةٍ / فَوافى وأَنضاءُ النجوم روابخُ
كأَنَّ صغارَ الشُهب في غَسَق الدُجى / فِراخُ نُسورٍ والبُروج مَفارِخُ
كأَنَّ مُعلّى القُطب فارسُ حومة / علا قِرنَه في مُلتَقى الكرِّ شامخُ
كأَنَّ رَقيقَ الأفق بُردٌ مفوَّفٌ / له مَوهنُ الظَلماء بالمسك ضامخُ
كأَنَّ ذُكا باعَت من المُشتَري اِبنها / فَلَم تَستَقِل بَيعاً ولا هو فاسِخُ
فَيا لكَ من لَيلٍ طَويلٍ كأَنَّه / على كُلِّ لَيلٍ بالتَطاول باذِخُ
وَفي القَلب أَنواعٌ من الشوق جمَّةٌ / تُدَكُّ لأدناها الجِبالُ الشوامخُ
وَلا مثلُ شَوقي لابنِ عَبدٍ فإنَّه / لِصَبري إذا حاولته عنه ماسخُ
فَيا أَيُّها الشَيخُ الَّذي أَذعَنَت له / شَبابٌ عَلى علّاتها وَمَشايخُ
لَعَمري لأَنتَ الصادقُ الودّ في الوَرى / ومَن حُبُّه في حَبَّة القَلب راسخُ
لكَ الكَلِماتُ الغرُّ وَالمَنطِقُ الَّذي / أَقرَّ له بالفضل قارٍ وَناسِخُ
عليك سَلامُ اللَه ما حَنَّ مُغرَمٌ / وما دوَّخ الأَحشاء للشَوق دايخُ
يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ
يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ / خَيرُ الوَرى والسيِّدُ الأَمجَدُ
وَهذه القبَّةُ قد أَشرقَت / دونَ عُلاها الشَمسُ والفرقدُ
وَهذه الرَوضَةُ قد أَزهرت / فيها المُنى والسؤل وَالمقصدُ
وَهذه طيبةُ فاحَت لنا / أَرجاؤُها وَالسَفحُ والغَرقَدُ
وَعينُها الزَرقاءُ راقَت وَلَم / يَحلَّها الإثمِدُ والمِروَدُ
فَما لأَحزانيَ لا تَنجَلي / وَما لنيرانيَ لا تخمدُ
هَذا المصلّى وَالبَقيعُ الَّذي / طابَ به المنهلُ والمورِدُ
أَرضٌ زَكَت فَخراً وَنافَت عُلاً / فالأَنجمُ الزُهرُ لها حُسَّدُ
حصباؤُها الدُرُّ وأَحجارُها / وَتُربُها الجَوهَرُ والعَسجدُ
تَمَنَّت الأَقمارُ والشهبُ لَو / كانَت نَواصيها بها عُقَّدُ
فَما عَلى من كُحلَت عينُه / بتُربها لَو عافها الإِثمِدُ
بها مَزايا الفَضلِ قد جُمِّعَت / وَفضلُها في وصفِه مُفرَدُ
يغبطُها البيتُ وأَركانُه / وَزَمزَمٌ والحِجرُ والمَسجدُ
مشهدُ سَعدٍ فضلُه باهِرٌ / ملائكُ اللَه به سُجَّدُ
وَكَيفَ لا وهو مَقامٌ لِمن / له على هام العُلى مَقعَدُ
وَموطنُ الصَفوة من هاشمٍ / يا حَبَّذا الموطِنُ والمشهَدُ
خَيرُ قُرَيشٍ نَسَباً في الوَرى / زكا به العُنصرُ والمَحتِدُ
وَخيرَةُ اللَه الَّذي قد عَلا / به العُلى والمَجدُ والسؤددُ
غُرَّتُه تَجلو ظَلامَ الدُجى / وهو الأَعزُّ الأَشرفُ الأَسعدُ
الفاتحُ الخاتِمُ بحرُ النَدى / وَبَرُّهُ وَالمنهجُ الأَقصَدُ
فضَّلهُ اللَه على رُسلهِ / وَسائرُ الرسل به تَشهدُ
آياتُه كالشَمس في نورها / أَبصَرَها الأَكمَهُ والأَرمَدُ
حنَّ إِليه الجذعُ من فُرقَةٍ / وَفي يديه سبَّح الجَلمدُ
وَالماءُ من بين أَصابيعهِ / فاضَ إلى أَن رَويَ الوُرَّدُ
وَالقَمَرُ اِنشقَّ له طائعاً / وَراحَ بالطاعة يُستَسعَدُ
وَالشَمسُ عادَت بعد لَيلٍ له / وَعَودُها طَوعاً له أَحمَدُ
وَكَم له من آيةٍ في الوَرى / دانَ لَها الأَبيَضُ والأَسودُ
حديثُها ما كانَ بالمُفتَرى / وَالصبحُ لا يَخفى ولا يُجحَدُ
فيا رَسول اللَه يا خَيرَ من / يقصدُهُ المُتهمُ والمُنجدُ
سمعاً فدتكَ النَفسُ من سامع / دَعوةَ داعٍ قَلبُه مُكمَدُ
دَعاكَ والوَجدُ به مُحدِقٌ / لعلَّ رُحماكَ له تُنجِدُ
طالَ بيَ الأسرُ وطالَ الأَسى / وَما عَلى ذلك لي مُسعِدُ
قَد نفدَ الصَبرُ لما نالَني / وَكَيفَ لا يَفنى ولا يَنفَدُ
فالغارَةَ الغارةَ يا سيّدي / فإنَّكَ المَلجأ وَالمَقصِدُ
حبُّك ذُخري يومَ لا والدٌ / يُغني ولا والدةٌ تُسعِدُ
وَأَنتَ في الدارين لي موئلٌ / إذا جفا الأَقربُ والأَبعدُ
فاِكشف بَلائي سيِّدي عاجِلاً / علَّ حَراراتِ الأَسى تَبرُدُ
وأدنني منك جِواراً فقد / ضاقَ بيَ المضجَع والمرقَدُ
وَبَوِّئَنّي طَيبَةً مَوطِناً / فإنَّها لي سابقاً مَولِدُ
وَهي لَعمري مَقصِدي والمُنى / لا الأَبلقُ الفَردُ ولا ثَهمَدُ
ثُمَّ سلامُ اللَه سبحانَهُ / عليك صَبٌّ دائمٌ سَرمدُ
وَآلِك الغرِّ الكرام الألى / لهم أَحاديثُ العلى تُسنَدُ
ما غَرَّدت في الروض أَيكيَّةٌ / وَما زهت أَغصانُها الميَّدُ
وَما غدا ينشدُنا مُنشدٌ / يا عَينُ هَذا المُصطَفى أَحمَدُ
رأَيتُ قَوماً من بني هاشمٍ
رأَيتُ قَوماً من بني هاشمٍ / دنَوا من العَليا وما أبعدوا
قد وَصَفوا بالحمد آباءَهم / وأَظهروا في المَجدِ ما شيَّدوا
حتّى إِذا ما سأَلوا عن أَبي / قُلتُ لهم أَنَّ أَبي أَحمَدُ
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ
أَمُشرِّفاً قَدري بِسَعدِ قدومهِ / تَفديكَ نَفسي من شَريفٍ ماجدِ
البِرُّ حقُّك سَيِّدي فبرَرتَني / متفضِّلاً فاِعجب لبِرِّ الوالدِ
قُم هاتِها كالنارِ ذات الوَقود
قُم هاتِها كالنارِ ذات الوَقود / تَسطعُ نوراً في لَيالي السُعود
واِستَجلها عَذراءَ قد رَقَّصت / نَدمانها إِذ هُم عليها قُعود
واِستَلبت بالسُكر أَلبابَهم / وهم على ما فعلَتهُ شُهود
جنودُها الأَفراحُ عند اللِقا / فهل أَتى القومَ حَديثُ الجنود
قد جَعَلوا قِبلَتَهم دَنَّها / فهم حوالَيها قيامٌ سُجود
كأَنَّها في الكأس ياقوتَةٌ / ذابَت لِفَرطِ الوَقد بعد الجمود
ما اِفترَّ منها الثغرُ إلّا غَدت / تُجلى على خُطّابها في عُقود
يُديرُها أَغيد عَذبُ اللَمى / تَشابَهت منها ومنه الخُدود
لا يمزجُ الراحَ إذا صبَّها / في الكأس إلّا مِن لَماه البَرود
لَو لَم تَطِب بالمَزجِ من ثغرِهِ / ما طابَ للعشّاقِ منها الورود
ما فيه من عَيبٍ سوى أَنَّه / لا يَحفظُ العهدَ وَيَنسى الوعود
أَو غادَةٌ هَيفاءُ مَجدُولَةٌ / قد أَثمرَت قامَتُها بالنُهود
إذا جَلت راحتُها راحَها / تَمنَحُكَ الوَصلَ وَتَمحو الصُدود
في رَوضَةٍ غَنّاءَ مَطلولَةٍ / تَبسطُ للصَحب خدودَ الورود
تَبَسَّم البَرقُ بأَرجائِها / وَقَهقَهَت في حافَتيها الرُعود
فَغَنَّت الورقُ على أَيكها / وَهَزَّت الأَغصانُ هيفَ القُدود
كأَنَّما وَرقاؤُها قَينةٌ / قد جَسَّتِ الأَوتارَ والغُصن عود
فَبادِرِ اللَذّاتِ في وَقتِها / فَما مَضى يا صاحبي لا يَعود
أَما تَرى نَيروزَها قد أَتى / يَميسُ في وَشي الرُبى في بُرود
وَأَضحَكَ الأَزهارَ في رَوضِها / ونبّه الأَطيارَ بعد الهجود
وَدَبَّجَ الرَوضَ بأَلوانِه / حُسناً وأَحيا الأَرضَ بعد الهُمود
وَأَلبسَ الآفاقَ من وَشيهِ / مَطارفاً خُضراً وَبيضاً وسود
وَالصبحُ قد أَسفرَ عَن غُرَّةٍ / منيرةٍ أَشرق منها الوجود
كأَنَّه حين بَدا مُسفِراً / وَجهُ حُسينٍ حين يَلقى الوفود
السَيّدُ الماجِدُ مَن أَذعَنَت / له الوَرى من سَيِّد أَو مَسود
وَالطاهِرُ الأَصلِ الكَريم الَّذي / قد طُهُرَت بالنَصِّ منه الجُدود
وَالحافظُ العهد إذا ما نُسي / عندَ كرام القَوم حِفظُ العُهود
كَم كَرَمٍ نَتلوهُ من فَضلِهِ / كرامةً لا يَعتَريها جُحود
وَقِصَّة النائب في كيده / عَلى عُلاه من أَدَلِّ الشُهود
لا زِلتَ منصوراً أَبا ناصِرٍ / عَلى عَدوٍّ وَحَسودٍ عَنود
ولا بَرحتَ الدَهرَ في نِعمَةٍ / مَحسودَةٍ تَصدَعُ قَلبَ الحَسود
واِستَملها غَرّاءَ منظومَةً / كالعِقد في لَبَّة جيداءَ رود
وافت تهنّيكَ بنصرٍ على / شانٍ لَدودٍ من محبٍّ وَدود
فَدُم مَدى الأَيّام مُستَبشِراً / بعزّةٍ إِقبالُها في صُعود
ما غرَّدَت في الرَوضِ أَيكيَّةٌ / وَزَمزَمَ الحادي بِوادي زَرود
تَذَكَّرَ وَالذكرى تُهيجُ أَخا الوَجدِ
تَذَكَّرَ وَالذكرى تُهيجُ أَخا الوَجدِ / مراتعَ ما بين الغُوَير إِلى نَجدِ
أَسيرٌ يُعاني من نوائِب دَهرِه / حوادثَ لا تنفكُّ تَترى على عَمدِ
إذا شاقَهُ من نحو رامةَ بارقٌ / ذرى عبرَةً من مُقلَتَيهِ على الخَدِّ
يحنُّ إِلى أَحياءِ لَيلى بِذي الغَضا / وَأَينَ الغَضا وَيبَ المَشوق من الهِندِ
وَيَبكي بطَرفٍ يمتَري الشَوقُ دمعَهُ / إذا ما شدَت ورقٌ عَلى فنني رندِ
هيَ الدارُ لا غَبَّت مراتع غيدِها / ذِهابُ الغَوادي الجون تُزجَر بالرَعدِ
تَحلُّ بها غَيداءُ من آل عامِرٍ / كَليلةُ رَجعِ الطَرفِ مائسةُ القَدِّ
يُرَنِّحُها زَهوُ الصِباحين تَنثَني / كَما رنَّحت ريحُ الصبا عَذبَ المُلدِ
نَمتها سَراةٌ من ذؤابة عامِرٍ / إلى سَرواتِ المَجدِ والحَسَب العِدِّ
فَيا لَيتَ شِعري وَالأَماني تَعلَّةٌ / وَجورُ النَوى يُهدي إلى القَلب ما يهدي
أَيُصبِحُ ذاكَ العَهد للشمل جامِعاً / فَيَخبو جَوىً بين الجَوانح ذو وَقدِ
وَنَغدو عَلى رَغم الزَمان وقد صَفَت / موارِدُ وَصلٍ رنَّقتها يَدُ البُعدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ
وَلَقَد طَرَقتُ الحيَّ مِن سَعدِ / تحتَ الدُجى كالخادِرِ الوَردِ
في لَيلَةٍ مَدَّت غياهبَها / من فَرعها كالفاحِمِ الجَعدِ
وَالصبحُ يَستَهدي لمطلَعِه / نجمَ الدُجُنَّة وهو لا يَهدي
وَمُصاحِبي من ليس يَحفُرني / ماضي الضَريبة مُرهفُ الحَدِّ
فسَريتُ مُعتَسِفاً أَنُصُّ عَلى / عَبلِ المُقَلَّد مُشرِفٍ نَهدِ
لا أَهتَدي وَاللَيلُ معتَكِرٌ / إلّا بنَشرِ المِسك والنَدِّ
حتّى اِقتحمتُ الخدرَ مُجتَرئاً / أدلي بِقُربى الحبِّ والودِّ
فتنبَّهت مُرتاعَةً فَزَعاً / رَيّا المُخَلخَل طفلةُ الخَدِّ
قالَت مَن المَقتولُ قُلتُ لها / من قد قَتَلتِ بلوعةِ الصَدِّ
قالَت قَتيلُ هَوايَ قُلتُ أَجل / قالَت أجلُّك عَن جَفا الردِّ
فَوَقَفتُ مُهري غَيرَ مرتَقِبٍ / وَنَزَلتُ من نَهدٍ إِلى نَهدِ
وَدَنَوتُ منها وَهي عاتِبَةٌ / أُبدي العتابَ لها كما تُبدي
ثمَّ اِعتنَقنا وهي مُغضِيَةٌ / عنّي وَبات وِسادها زَندي
وَضمَمتُ سيفي بينَنا فَغدَت / غَيري تُدَفِّعُه عَلى عَمدِ
حتّى إِذا ضاقَ العِناقُ بنا / ضمّاً يَذوبُ له حَصى العِقدِ
قالَت فدَيتُك دَعه ناحيَةً / يُغنيكَ ضَمُّ الرُمح من قَدّي
يا نَسيمَ الصَبا مَتىَ جُزتَ نَجدا
يا نَسيمَ الصَبا مَتىَ جُزتَ نَجدا / فَلَقَد هِجتَ لي غَراماً وَوَجدا
عَمرَكَ اللَه هَل مَرَرتَ سُحيراً / بزرودٍ فزدتَ طيباً وَبَردا
أَم بِلَيلى عَرَّجتَ لَيلاً فَقَبَّل / تَ ثُغَيراً منها وَعانقتَ قَدّا
أَم تنسَّمتَ نَفحَةً من ثَراها / حيث جرَّت مُختالَةٌ فيه بُردا
إنَّ عَهدي بِغيدِ وَجرةَ يسحب / نَ بُروداً تَضوعُ مسكاً وَندّا
كُلُّ غَرّاءَ لا تَرى البَدرَ مثلاً / لسَناها ولا الغَزالَةَ نِدّا
نشرَت من دُجى الغياهِبِ فَرعاً / وَتَحَلَّت زُهرَ الكواكِب عِقدا
يا رَعى اللَهُ بالحِمى عصرَ أنسٍ / عشتُ فيه حيناً من الدَهر رَغدا
حيث رَوضُ الشَباب غضٌّ نَضيرٌ / وَغصونُ الصِبا ترفُّ وَتَندى
وَزَماني ذاك الزَمانُ المُهَنّى / وَحَبيبي ذاكَ الحَبيبُ المُفَدّى
برَبِّكَ إِن يمَّمتَ يا صاحبي نَجدا
برَبِّكَ إِن يمَّمتَ يا صاحبي نَجدا / فَقِف شارِحاً عنّي الصَبابةَ والوَجدا
وَعُج بِخُيَيماتٍ هُناكَ على اللِوى / بهنَّ ظِباءٌ تَقنصُ الأَسَدَ الوَردا
فإن شاهدَت عَيناكَ هنداً وتِربَها / فَقُل لَهما تَاللَه أَخلَفتُما الوَعدا
أَما كنتما أَعطيتماني مَواثِقا / بأَنَّكما لا تَنقُضانِ لنا عَهدا
فَما لِلهَوى أَمسَت عفاءً رُبوعُهُ / وأَصبحَ عِقد الودِّ مُنفصِماً عَقدا
فإن آلَتا بِاللَه حِلفةَ آثِمٍ / بأَنَّهما ما خانَتا قطُّ لي ودّا
فقل لَهما يكفيكما أَن طَوَيتُما / عَن الهائِم الولهان سِرَّكما عَمدا
فَلا تكسِبا حِنثاً عَفا اللَهُ عنكما / على كُلِّ حالٍ لا رُزئناكما فَقدا
بِنَفسي هَوى هِندٍ على البعد والنَوى / وإن كُنتُ قد أَوطَنتُ من بعدها الهِندا
سَلِ الدِيارَ عن أهَيلِ نَجد
سَلِ الدِيارَ عن أهَيلِ نَجد / إِن كانَ تسآلُ الدِيارِ يُجدي
وَقِف بهاتيك الرُسوم ساعةً / لَعَلَّه يُطفي لَهيبَ وَجدي
منازِلٌ قد حزتُ فيها أَرَبي / وَنِلتُ سؤلي وَقَضيتُ وَعدي
ما عنَّ لي ذِكرُ زَمانٍ قد مَضى / بظلِّها إِلّا وَهاجَ وَقدي
أَصبو من الهند إِلى نَجدٍ هَوىً / وأَينَ نَجدٌ من ديار الهِندِ
وألتقي كلَّ رياحٍ خطرَت / أَحسَبُها لَيلاً نَسيمَ نَجدِ
آهِ من البَين المُشِتِّ وَالنَوى / كَم قرَّحا من كبِدٍ وَخَدِّ
فهل ترى ينتَظِمُ الشَملُ الَّذي / قد نَثرتهُ البينُ نثرَ العِقدِ
وَهَل لأَيّام الصِبا من رَجعَةٍ / أَم هَل لأَيّام النَوى من بُعدِ
أَنوحُ ما ناحَ الحَمامُ غُدوَةً / هَيهاتَ ما قصدُ الحَمام قَصدي
أَبكي وَتَبكي لَوعةً وطَرَباً / وما بُكاءُ الهزلِ مِثلُ الجدِّ
ظنَّت حَماماتُ اللِوى عشيَّةً / في الحُبِّ أَنَّ عندها ما عِندي
تَلهو عَلى غُصونِها وَمُهجَتي / تَصبو إِلى تلك القُدودِ المُلدِ
شَتّانَ ما بين جَوٍ وَفَرِحٍ / وَبين مُخفٍ سِرَّه وَمُبدِ
ما مَشرَبي صافٍ وإِن ساغ ولا / عيشيَ مِن بَعد النَوى برَغدِ
سل أَدمُعي عَمّا تُجنُّ أَضلُعي / فالقَلبُ يُخفي والدُموع تُبدي
كم أَنشدُ الرَوضَ إذا هبِّت صباً / تنبَّهي يا عذباتِ الرَندِ
بِنَفسيَ هَيفاءُ المَعاطفِ ناهدُ
بِنَفسيَ هَيفاءُ المَعاطفِ ناهدُ / أراودُها عَن نَفسها وَتُراوِدُ
وَقَد عذلَتها العاذِلاتُ وإنَّما / عواذِلُ ذاتِ الخال فيَّ حواسِدُ
شُغفتُ بها حبّاً وَرُمتُ وِصالَها / وَرامَت وِصالي والقُلوبُ شواهدُ
إِلى أَن خَلَونا لِلعناق وقد دَنا / محبٌّ لها في قُربه مُتباعِدٌ
وَقَد سكنت عَنّا الوشاةُ وأَبلَسَت / كما سكنَت بطنَ التُرابِ الأَساودُ
شَرَعتُ لها رُمحاً أَصَمَّ مقوَّماً / تخرُّ له عند الطِعان الوَلائِدُ
فَلَمّا رأَته اِستعظمته وكبَّرت / وَقالَت وقد هانَت عليها الشَدائدُ
لَعَمري هو المَطلوبُ لو أَنَّ غادَةً / تُساعدُني في حَمله وأُساعدُ
فَقُلتُ لها مَهلاً فَدَيتُك إِنَّه / إذا عظُم المَطلوبُ قلَّ المساعدُ
ولكن إذا ما شئت أَولجتُ بعضَه / وَرأَيُك في إِيلاج ما هو زائِدُ
فَقالَ على اسم اللَه أولجهُ إنَّني / سأَجهدُ في صَبري له وأُجاهِدُ
فأَضجعتُها وَاللَيلُ قد مدَّ سجفَه / وإنَّ ضَجيعَ الخَودِ منّي لماجدُ
فَما راعَها إِلّا وقد خاض جَوفَها / قُمُدٌّ له عند الطِعانِ مَكايدُ
وَلَم يَحمها من فَتكتي عند طَعِنها / لَمى شَفتَيها والثُديّ النواهِدُ
فَأَنّت وَرَنَّت واِرجحنَّت وأَجهشَت / وَقَد بُلَّ من فيض الدِماءِ المجاسِدُ
وَقالَت بِهَذا الرمح تفتضُّ طِفلةً / وقد عجزت عنه النِساءُ القَواعدُ
فَقُلتُ فدتكِ النَفسُ صَبراً فإنَّها / مواردُ لا يُصدِرنَ من لا يجالدُ
فَقالَت وَهَل صَبرٌ عدمتُك فاتِكاً / على طعنةٍ تنقدُّ منها القَلائِدُ
وَرمحك هَذا في الرماح بليَّةٌ / تَضيقُ به أَوقاتُه وَالمَقاصدُ
فَقُلتُ اِحمليهِ ساعةً وَتحمّلي / فَلا بأسَ إِن ضاقَت عليه المَوارِدُ
فَقالَت إِذَاً لا تُكثر الدَفع واِتَّئد / وَدَعني قَليلاً أَتَّقي ما أُكابدُ
فانَّ قَليلَ الحُبِّ في العقل صالحٌ / وإنَّ كثير الحُبِّ بالجهل فاسِدُ
فعامَلتُها بالرِفق والرفقُ مذهبي / ولكنَّ طبعَ النَفس للنَفسِ قائدُ
فطوراً أراضيها وطوراً أَروضُها / وَطوراً أدانيها وطوراً أُباعدُ
إِلى أَن تَسنّى أَمرُها وتسهَّلت / مسالكُها واِلتفَّ جيدٌ وَساعدُ
فَباتَت تجيدُ الرَهز تحتي وَقَد غدت / تصادم رمحاً تتَّقيه الجلامدُ
وَتُسعدُني في غمرةٍ بعد غمرَةٍ / سَبوحٌ لها منها عليها شَواهدُ
تَثَنّى على قَدر الطِعان كَأَنَّما / مفاصلُها تحت الرِماح مَراودُ
وَقالَت جُزيتَ الخَيرَ هَل أَنتَ عالِمٌ / بأَنَّك في قَلبي لعمريَ خالِدُ
وإنَّ دَماً أَجريتَه بكَ فاخِرٌ / وإنَّ فؤاداً رُعته لك حامِدُ
حَلَّت بِقَلبي وَثَوَت
حَلَّت بِقَلبي وَثَوَت / شَمسٌ لَها البدر حَسَد
حَرُّ هَواها لم يَزَل / يُضني الفؤادَ والجَسد
لا تعجَبوا من حَرِّه / فالشَمسُ في قَلب الأَسَد
يَقول الهاشميُّ غداةَ جُزنا
يَقول الهاشميُّ غداةَ جُزنا / بحارَ الهِندِ نقطعُ كُلَّ وَهدِ
أَتذكر عن هَوى تَلَعاتِ نَجدٍ / وأَينَ الهِندُ من تَلَعاتِ نَجدِ

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025