القوافي :
الكل ا ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ش ص ط ع غ ف ق ك ل م ن و ه ء ي
الشاعر : أحمد مُحرَّم الكل
المجموع : 45
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ
قل للأُلى رقدوا والعدل يقظانُ / طار الكرى واستبان الأمرُ والشّانُ
ماذا ظننتم بها من قُوّةٍ صَدَقتْ / فللحوادثِ إقرارٌ وإذعانُ
تعلّموا الصّدقَ والإيمانَ وارْتدِعوا / إن كان يُعْجِبُكم صِدقٌ وإيمانُ
تكشّفَ العارضُ المرجوُّ وانقشعت / آمالكم فهي آلامٌ وأشجانُ
لولا الجهالةُ ما حَيّاهُ مُختَبِلٌ / يرجو المحالَ ولا استسقاه ظمآنُ
كلُّ السّحابِ جَهامٌ إن هُمُ انتظروا / رِيَّ الغليلِ وكلُّ السَّعْيِ خُسرانُ
زَفُّوا البشائرَ للصِّبيان ما برحوا / حتّى دروا أنّهم في القوم صبيانُ
ماذا على مصرَ من همٍّ يُؤرّقُهم / إن بات عنهم أذاها وَهْوَ وَسْنانُ
ما مرَّ للحكم طيفٌ في وساوِسهم / إلا وَعاودَهم شَوقٌ وتَحنانُ
سلا المحبُّونَ فابتلَّتْ جوانحُهم / وما لهم عنه طولَ الدهرِ سُلوانُ
في كل جارحةٍ همٌّ يُطالعه / من كل جانحةٍ للغيظِ بُركانُ
يا قيسُ ويَحكَ ليلى عنك في شُغُلٍ / وأنت يا قيسُ صَبُّ القلب ولهانُ
وارحمتا لكَ ضاعت في الغرام سُدىً / دُموعُ عينٍ لها سَحٌّ وتهتانُ
لو في يدي رُقْيَةٌ أشفِي الصّريعَ بها / إذن شفيتُك إنّ النّاسَ إخوانُ
قومٌ مضى عهدُهم وانفضَّ مَلعبُهم / لا كان ذلك من عهدٍ ولا كانوا
يَغيظُهم بعد أن زالوا بباطلهم / ألا يكونَ لغير الحقِّ سلطانُ
ما الحكمُ دستورُه عَدلٌ ومرحمةٌ / كالحكم دستورُه ظلمٌ وطُغيانُ
ما غرّهم بابن محمودٍ أما علموا / أنّ الرئيس لمجدِ النّيلِ عُنوانُ
ظنّوا الظنون ولجّوا في عَمايتهم / وفي الحوادث للأقوامِ تِبيانُ
العدلُ مرماه والميزانُ في يده / إن جار مُحتكِمٌ أو مال ميزانُ
كاسٍ من الشرف العالي يُهيّجُه / مَن يدّعِي المجدَ زُوراً وهو عُريانُ
ما زاده الحكمُ جاهاً إذ تقلَّدَهُ / الجاهُ مُنبسِطٌ والذّكر رنّانُ
هي الكنانةُ تدعوه فيُدرِكُها / والخطبُ مُعترِكٌ والشّعبُ حيرانُ
تهوِي سفينتُها غرقَى فيرفعُها / يجري بها وعوادي الدّهر طُوفانُ
شيخُ السّياسةِ لا شيخُ الأُلى جَهِلوا / إنّ السياسةَ أنواعٌ وألوانُ
أُصليهمُ اللَّوْمَ ناراً ثم يمنعني / أَنْ ليس للقومِ ألبابٌ وأذهانُ
لا الحقُّ في رأيهم حقٌّ تدين له / شُمُّ الجباهِ ولا البُهتانُ بهتانُ
القومُ مَوْتَى فإن كانت لهم صُحُفٌ / فإنّما هي أجداثٌ وأكفانُ
أَلستَ تُبصِرُها سُوداً مُذمَّمةً / نُكْداً يُجلِّلُها خِزيٌ وخِذلانُ
يَعافُها كلُّ ذي لُبٍّ وتَمقُتُها / من جِلّةِ القومِ أبصارٌ وآذانُ
يظلُّ يرقُبُ حُكمَ اللهِ في يدهِ / إن مسَّها من ذوي الألبابِ إنسانُ
خرائبُ الشُّؤمِ ما تنفكُّ ناعقةً / تبكي بأرجائها بُومٌ وغِربانُ
زال العَمَى فإذا المعبودُ مِلْهَيَةٌ / من الدُّمَى وإذا المحسود شيطانُ
سِرْ يا مُحمّدُ لا تُشغلك ضجّتُهم / هل يُشغِلُ اللّيثَ أن تهتاجَ جِرذانُ
إنّا نَعُدُّكَ للجُلىَّ وأنت لها / كُفْءٌ إذا قلَّ أكفاءٌ وأقرانُ
ابنِ الحياةَ لشعبٍ هان جانبُهُ / إذ كلُّ شعبٍ له في العزّ بُنيانُ
الزرعُ حولك ذاوٍ والثّرى يَبِسٌ / والعبقريّةُ أنهارٌ وخُلجانُ
كم دفّق العلم فيّاض البيانِ له / من العُقوق وسوءِ الصّنعِ سجّانُ
يا مُنصِفَ الشّعبِ مّمن كان يظلمه / أنصِفْ قُوىً غَالَها ظُلمٌ وعُدوانُ
قُوى البلادِ تُعينُ العاملينَ بها / وما لها من وُلاةِ الأمرِ أعوانُ
هم عاقبونا بحرمانٍ وإن ضَمِنوا / رِزقَ الأُلىَ لم نَهُنْ يوماً كما هانوا
لا أكفُرُ اللهَ بعضُ البُؤسِ مَنقبةٌ / للفاضلينَ وبعضُ الرزقِ حرمانُ
الحكمُ عند ذوي الألبابِ أَربعةٌ / عزمٌ وحزمٌ ومعروف وإحسانُ
صونوا الذِّمامَ فإن الحُرَّ من صانا
صونوا الذِّمامَ فإن الحُرَّ من صانا / وجدِّدوا من قديمِ العهدِ ما كانا
إنّ الأُلى بايعوا المُختارَ أوفدَهم / فَبَايُعوهم وزِيدوا النَّاس إيمانا
خذوا الكتابَ من الصِّدِّيق والتمسوا / بين الصُّفوفِ أبا حفصٍ وعُثمانا
خيرُ النبيّينَ يُصفيكم مودَّتَهُ / واللهُ يشكركم فضلاً وإحسانا
أتِلْكَ للنشءِ دارٌ نحن نشهدها / أم نحن نشهدُ للإِسلام إيوانا
طافَ الأمينُ على رِيح الجنانِ بها / فزادها من جلالِ الحقِّ أركانا
لمّا عطفتم على القُرآنِ من نُسُكٍ / تدفَّقتْ جَنَباتُ النِّيل قُرآنا
تلك الجماعاتُ هَبّتْ من مَجاثِمها / تدعو إلى الله شعباً باتَ وسنانا
يشكو العَمى وكتابُ اللهِ في يده / يكاد يُنكره جهلاً ونِسيانا
نورٌ تدفّقَ لولا الله مُرسلُه / إذنْ لجاشتْ شُعوبُ الأرض عُميانا
إذا الممالك مالت عن مَناهجِهِ / كانت حضارتُها زُوراً وبُهتانا
مَن راحَ من قومِنا يُحيي مَراشده / أحيا بها أمماً شتَّى وأوطانا
إن أنتَ أطلقت في الآفاقِ حكمته / أطلقتَ للعلمِ والعرفانِ طُوفانا
وإن رميتَ بَنِي الدنيا بقُوَّتهِ / ردَّ العُبابَ دماً والأرضَ بُركانا
يُزجي الأساطيلَ في الآياتِ ظافرةً / ويغمرُ الحربَ أبطالاً وفرسانا
بَنَى الرسولُ عليه أمّةً هدمتْ / أقوى الشُّعوبِ به عزّاً وسلطانا
إنّ الذي نَزّلَ الذكرَ الحكيم على / رسولِه زاده حِفظاً وتِبيانا
باقٍ على الدَّهرِ لا يخشَى غَوائلَهُ / ولا يخافُ من البَّاغين عُدوانا
ألاَ تقومُ بدار المُلكِ جمهرةٌ / تحمي البناءَ وترعى الأمرَ والشَّانا
هنالك المرجعُ الأعلى يكون لنا / إذا التمسنا على الخيراتِ مِعوانا
لابدُّ للأمر من مَسْعىً يُحقّقهُ / واللهُ أكرمُ مَن يُرجى لمسعانا
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ
هَتفَ البشيرُ به وحَانَ الحينُ / فأَضاءَ وَجهٌ واسْتنارَ جَبينُ
وبَدَتْ مواكبُه حِساناً طلقةً / فَشَدا اللّهيفُ وغَرَّدَ المحزونُ
وَيحِي أأنتَ انْشقَّ قَبرُك وانْقَضى / عَبَثُ الخُطوبِ ورأيُها المأفونُ
إن غِبْتَ عن نَظرِ العُيونِ هُنيهةً / فَقلوبُنا الحرَّى عليكَ عُيونُ
ماذا تَظنُّ بِكَ البلادُ وأهلُها / تلك القيامةُ لو يكون يقينُ
مَن أطلقَ الأفكارَ من أوهامِها / أَيَظلُّ طُولَ الدّهرِ وَهْوَ سجينُ
أوَلَمْ يقولوا مِحنةٌ حاقَتْ بنا / هَيهاتَ يكشُفها فتىً مَفتونُ
أَلَهُ جُنودٌ حوله محشودةٌ / وبَوارجٌ مَبثوثةٌ وسَفِين
هذا الذي بَعثَ الشُّعورَ وبَثَّهُ / مِلءَ الكنانةِ والشُّعورُ دَفينُ
نَادَى بلادِي فَاسْتجابتْ أُمّةٌ / ليست بغيرِ هَوى البلادِ تدينُ
تبغي الحياةَ عزيزةً ويَغيظُها / أن يُستباحَ من اللّيوثِ عَرينُ
أَبَتِ القُعودَ مع الخوالفِ بعدما / أَخذَ اللّواءَ القائدُ الميمونُ
ومَضَتْ تذودُ اليأسَ عن آمالها / وتُعلِّمُ الأحداثَ كيف تلينُ
هذا الذي شَرعَ الجهادَ لِقومِه / فَهَدى الكتائبَ نهجُه المسنونُ
إنّ المُضلَّلَ في الحياةِ لَمن يَرَى / أن الحياةَ وَساوِسٌ وظُنونُ
هيَ ما رأيتَ فكلُّ شيءٍ دونها / إن كنتَ تكرَهُ أن تضامَ يَهونُ
إنّا وَفَيْنا للبلادِ فلم نَخُنْ / والدّهرُ يَظلِمُ والخُطوبُ تَخونُ
نَسخُو بأَنفُسِنا نُريدُ حياتها / إنْ صَدَّ هَيّابٌ وكفَّ ضنينُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ
خَلَتِ المنازلُ منكَ والأوطانُ / وقَضَى عَليكَ قَضاءَهُ الحِدثانُ
أوَ لم تكن بالأمسِ صَرحْاً قَائماً / لِصُروفِ دَهرِكَ حَوْلَهُ رَجفَانُ
جَثَمَتْ جَوانِبُه على آسَاسِها / وسَمَتْ إلى غَاياتِها الأركانُ
ما زالتِ الأقدارُ تَعصِفُ ريحُها / حتّى تَهدَّمَ ذَلكَ البُنيانُ
يا مُنصِفَ الإسلامِ من أعدائهِ / لا الظُّلمُ جَاوَزَهُ ولا العُدوانُ
أَتنامُ عَن حَالٍ تظلُّ لِمثلها / تَهفو القُبورُ وتَفزعُ الأكفانُ
قُمْ لِلكفاحِ فَلاتَ حِينَ هَوادةٍ / ضَجَّ الصَّريخُ وجَالتِ الفُرسانُ
الحربُ يَقْظَى والجنودُ بَواسِلٌ / فَمَتَى يُفيقُ القائدُ الوَسنانُ
قُم في سِلاحِكَ مَا لِمثلِكَ صَاحبٌ / إلا حُسامٌ قاطعٌ وَسِنَانُ
ماذا يظنُّ أُولوا الحِفاظِ بِبَاسلٍ / عَالي اللّواءِ سِلاحُه القرآنُ
مُتجرِّدٌ للهِ حَشْوُ قَميصهِ / تَقْوَى وَمِلءُ فُؤادهِ إيمانُ
يَرْمِي ويُرْمَى لا يَضِنُّ بِنَفْسِهِ / إنّ الضَّنينَ بِنَفْسِه لجبانُ
يَنهاهُ عن حِرصِ الغَبيِّ وَجُبْنِهِ / أنّ المحَارِمَ بالدّماءِ تُصانُ
سَيفٌ بأعناقِ الغُواةِ مُوكَّلٌ / تَعْفَى السُّيوفُ وَحدُّه يَقْظانُ
عَضْبُ المضاربِ مُشرِقٌ ذُو رَوْنَقٍ / تهفو الحُلومُ إليهِ وَهْيَ رِزانُ
للهِ فيه يَدٌ يُضئُ شُعاعُها / سُبُلَ الحياةِ وللنبيِّ لِسانُ
أوَ ما رَأَيْتُم كيف كان يَزِينُه / للحقِّ نُورٌ سَاطِعٌ وبَيانُ
عبدَ الحميدِ ألا تَهزُّكَ صَيْحَةٌ / فَزعتْ لها الأقطارُ والبُلدانُ
أَلقَى بها الإِسلامُ ناراً تَرْتَمي / فَإذا الجوانحُ والقُلوبُ دُخانُ
جَاشَتْ لِفقدِكَ نَفْسُه وطغَى الأَسَى / في قلبهِ فَكأنّه البُرْكانُ
أَوَ لم تكن لِلمُسلمينَ مثابةً / يَأوِي إليها الشِّيبُ والشُّبَّانُ
لَكَ في مُقارعةِ الخُطوبِ مَواقِفٌ / فيها لقومِكَ عِصمةٌ وأمانُ
يُؤذيكَ أن يُرْمَى الضّعيفُ بِظالمٍ / شَرِسِ الخلائقِ دَأبُهُ الطُّغيانُ
ويُثيرُ سُخْطَكَ أن يضيعَ لِمُسلمٍ / حَقٌّ ويَغشاهُ أذىً وهَوانُ
ما كُنتَ كالجافي يَبيتُ مُنعَّماً / وتَبيتُ تُعوِلُ حوْلَهُ الجيرانُ
المسجدُ الأقصَى لِموتِكَ خَاشِعٌ / والبيتُ بَعدَك جَازعٌ أَسْوَانُ
وعلى المدينةِ مِن مُصابِكَ آيةٌ / هِيَ لِلأسَى وكتابهِ عُنوانُ
لمّا خَلَتْ مِنكَ المنابرُ بغْتةً / لم يَخْلُ مِن أَسَفٍ عَليكَ مكانُ
لَكَ مِن زَمانِكَ بالبقاءِ وطُولهِ / وَمِنَ الحَوادِثِ ذِمّةٌ وضَمانُ
تَتنازعُ الأجيالُ ذِكركَ طَيِّباً / عَبِقاً وتَهتفُ باسمكَ الأزمانُ
ما لِلبلَى في العبقريّاتِ العُلىَ / أمرٌ يُطاعُ ولا لَهُ سُلطانُ
سِرْ في الدُّهورِ وقُمْ على هَاماتِها / عَلَماً يُضييءُ فَتهتدِي الرُّكبانُ
وَاطْوِ الجِواءَ إلى مَكانِكَ صَاعِداً / فَمداكَ حيثُ تُحلِّقُ العِقبانُ
ما زِلتَ تَجتازُ المنازلَ تَبْتغِي / ما يَبتغِي المُتزوِّدُ العَجلانُ
حتّى حَللتَ من الإلهِ مَحلّةً / ما جازها عُمرٌ ولا عُثمانُ
أَنْعِمْ بهِ جاراً وَطِبْ نَفْساً فما / سَقطَ اللّواءُ ولا خَلا المَيْدانُ
الجُندُ سَمحٌ والخليفةُ صَالحٌ / والأمرُ وَافٍ ما بهِ نُقْصانُ
واللهُ نِعمَ المُستعانُ إذا الهَوَى / غَلبَ النُّفوسَ وقَلَّتِ الأَعْوانُ
لِلحقِّ صَوْلَتُه وشِدّةُ بأسهِ / وَلِمَنْ يُحارِبُ جُندَه الخِذلانُ
لولا صَرامَتُه وقُوَّةُ بَطشِه / ما عَزَّ مَظهرُه وجَلّ الشَّانُ
الأرضُ حَيرَى ما يزالُ هُداتُها / في غَمْرَةٍ وكأنّهم عُميانُ
لِلشَّرِّ زلزالٌ تَبيتُ شُعوبُها / ترتَجُّ منه وللأَذَى طُوفانُ
الوَحْشُ تَعجبُ أُسْدُها وَذِئابُها / ممّا يَجئُ ويَصنعُ الإنسانُ
انْظُرْ إلى الدُّنيا وسَلْ سَاداتِها / أَيُصانُ فيها للضّعيفِ كِيانُ
أهِيَ المطامعُ أهلكت عُبّادَها / دُنيا الحضارةِ أم هي الأوثانُ
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا
مَن لي بملءِ المَشرِقَينِ بَيانا / وبما وَراءَ النَيِّريْنِ مَكانا
رُمْتُ الرّثاءَ فَما ظَفِرتُ بِمنبَرٍ / يَسَعُ الرّثاءَ ولا وَجدتُ بَيانا
ضَاقَ البيانُ وبَرَّحتْ بِي لَوْعةٌ / مَلكتْ عليَّ الصّبرَ والسُّلوَانا
يا طُولَ همِّي مَاتَ مَن كُنّا بهِ / نَنْفِي الهُمومَ ونكشفُ الأحزانا
الصّادعُ الأزماتِ يَتركُ لَيْلُها / أَهْدَى الهُداةِ مُضَلَّلاً حَيْرانا
والرَّادعُ الأحداثَ تَلتهِمُ القُوى / وتُغادِرُ البَطَلَ الشُّجاعَ جَبانا
ما اسْتصرخَتْهُ بِلادُه في نكبةٍ / إلا رأته الماجِدَ المِعوانا
رَجَفَتْ قَضيَّتُها أَسىً وتَفزّعتْ / ذُعراً فَكانَ لها حِمىً وأمانا
مَكَر القُضاةُ فَقِيلَ ما بُرهانُها / حتَّى انْبَرى فكفاهُمُ البُرهانا
مَالوا بِميزانِ الحُقوقِ مع الهَوَى / فَأقامَ في أيديِهمُ المِيزانا
المالُ أَيْسَرُ ما أَضاعَ ولم يَضِعْ / مالٌ شَفَى مِن دَائها الأوطانا
أوَ لَمْ تكن أَعْلَى الذَّخَائرِ لامْرئٍ / يَبغِي الغِنَى وأَجلَّها أَثْمانا
والمرءُ إن هَانتْ عليه بلادُه / وَجدَ الحياةَ مَذلَّةً وهَوانا
كَذَبَ المُضلَّلُ لن يَصونَ كِيانَهُ / مَن لا يَصونُ مِن البلادِ كِيانا
كانت بلاغةُ فولكَ مِن نَفحاتهِ / لمّا اسْتَثارَ بَيانَهُ الفَتَّانا
نفحاتُ سمحٍ هَيّجتهُ حِسانُها / فَمَضى يُردِّدُ صَوتَه الرَّنّانا
أيّام ينصرُ حقَّ مصرَ ويَبتغي / لِحُماتِها الأنصارَ والأعوانا
لمّا دَعا الأحرارَ من غُرمائِها / لم يُلْفِهمْ صُمَّا ولا عُميانا
أبطالُ سعدٍ يعرفون مُحمّداً / أيَّ الرّجالِ على الشّدائدِ كانا
ما كان إلا صَخرةَ الحقِّ التي / لانَ الحديدُ وبَأسُها ما لانا
ما أَنْجَبتْ مِصرٌ أشدَّ صرَامةً / مِنه وأثبتَ في الخُطُوبِ جَنانَا
تهفو الوَساوِسُ بالنُّفوسِ ونفسُه / مِلءُ الزَّمانِ وأهله إيمانا
سَلْها لِتعلمَ أيَّ خَطبٍ خَطبها / إن كُنتَ تَبغِي العِلمَ والعِرفانا
لمّا سَقوهُ النَّفْيَ مُرّاً طَعمُهُ / وَجَدوهُ حَرّانَ الحَشا ظَمآنا
لذَّتْ مَذاقتُه فلولا أَنَّهُ / جَمُّ الوقارِ طَوَى المَدَى نَشْوَانا
لم يُنكرِ المَنْفَى ولم يَعْدَم بهِ / مِن عزمهِ أهلاً ولا جِيرانا
جَمَعَ الحُماةَ بدارهِ فَتألَّفُوا / بعد الشِّقاقِ وأصبحوا إخوانا
عَقدوا العُهودَ بها لِمصرَ على يَدٍ / تَشفِي الصُّدورَ وتَنزعُ الأَضْغَانا
ما كان أعجبَ أمرَهم إذا أَطفَأُوا / نُورَ السلامِ وأَوْقَدوا النِّيرانا
يَرْثُونَ لِلوطنِ الجريحِ وقد غَدَوْا / حَرباً على الوطنِ الجريحِ عَوانا
نَزَلُوا بِسَاحَةِ ماجدٍ مُتكَرِّمٍ / لم يَألُهمْ بِرّاً ولا إحْسَانا
ومَضوا بِعافِيةٍ يَقولُ كبيرُهم / حَيَّاكَ رَبُّك مِن أبٍ يرعانا
إنّ الذي يبني الصُّفوفَ لِقومهِ / لأَجَلُّ مَن رَفعَ الذُّرَى بُنيانا
حكمَ البِلادَ فَسارَ سيِرةَ عادلٍ / يَأبَى الأذَى ويُجانِبُ العُدوانا
ويُقيمُ مِيزانَ الأمورِ بِحكمةٍ / تُعطِي الضعيفَ من القويِّ ضَمانا
بَثَّ الحَضارةَ في المدائِنِ والقُرَى / وأجالَ في أرجائِها العُمرانا
وأعدَّ لِلمَرْضَى الحياةَ قَويَّةً / تَبنِي النُّفوسَ وتَدْعَمُ الأبدانا
الحكمُ يَعرِفُه نَبيلاً كَابِراً / ما زَادَهُ جَاهاً ولاسُلطانا
وَرِثَتْ مَناقِبُه مَناقبَ بَيْتهِ / فَبِأيِّ مَنْقَبةٍ أرادَ ازْدَانا
بَيتٌ بَنَى الإسلامُ حَائطَ مَجدِه / وَحمىَ الجوانبَ منه والأركانا
دَارَ الزمانُ وما يزالُ كعهدهِ / يَأْبَى الصَّغارَ ويُنكِرُ الدَّوَرانا
لَكَ يا مُحمّدُ في المَفاخرِ رُتبةٌ / مَلكتْ عليَّ الوَصفَ والتِّبيانا
جَالدتَ هندرسونَ بالرّأيِ الذي / يُعيِي الدُّهاةَ ويَغلبُ الشُّجْعَانا
أَعْطَتْ على يَدِكَ السِّياسةُ ما أَبَتْ / أقطابُها أن تُعطِيَ الأقرانا
أَرْضَيْتَ قَومَكَ بالفعالِ كريمةً / تَرجو بها مِن رَبّكَ الرّضوانا
وغَضِبتَ للفلّاحِ غَضْبَةَ مُكرِمٍ / لِلنّيلِ يَأنَفُ أن يَراهُ مُهانا
اللهُ أَلهَمَهُ الهُدَى وأقَامَهُ / رَمزاً لمجدِ النّيلِ أو عُنوانا
يا مُكرِمَ الأدبِ الرّفيعِ فَجعتَهُ / وتَركتَهُ في خَاطِري أشجانا
أَوليْتَني البرَّ الجزيلَ فلم أَجِدْ / مِن قبلُ بِرّاً مِثلهُ وحَنانا
ما أنتَ بالجافي ولا أنا بالذي / يَرْضَى الجُحودَ ويُؤثِرُ النِّسْيانا
إنّي لأَذكُرها خِلالاً سَمْحةً / وخَلائقاً تُصبِي الكريمَ حِسانا
يا معشرَ الأحرارِ صَبراً إنّه / قَدَرٌ جَرَى ومُصابُ شَعْبٍ حَانا
أنتم على الأيّامِ عَوْنُ بلادِكم / إن أَزمعتْ أحداثُها طُغْيانا
رُدُّوا على مِصرَ القَرارَ وأَمْسِكُوا / بِيَدِ التَّجلُّدِ دَمْعَها الهتَّانا
نِعمَ الخليفةُ في السّياسةِ شَيْخُكُم / إن ضَلَّلتْ شُبهاتُها الأَذْهانا
هُوَ مَنْ عَلِمنا في القضيّةِ شَأنَهُ / بُوركتَ من شيخٍ وبُوركَ شانا

المعلومات المنشورة في هذا الموقع لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي قائلها أو كاتبها كما يحق لك الاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الشخصي غير التجاري مع ذكر المصدر.
الحقوق في الموقع محفوظة حسب رخصة المشاع الابداعي بهذه الكيفية CC-BY-NC
شبكة المدارس الإسلامية 2010 - 2025