المجموع : 53
الشِّعْرُ زَيْنُ الْمَرْءِ مَا لَمْ يَكُنْ
الشِّعْرُ زَيْنُ الْمَرْءِ مَا لَمْ يَكُنْ / وَسِيلَةً لِلْمَدْحِ وَالذَّامِ
قَدْ طَالَمَا عَزَّ بِهِ مَعْشَرٌ / وَرُبَّمَا أَزْرَى بِأَقْوَامِ
فَاجْعَلْهُ فِيمَا شِئْتَ مِنْ حِكْمَةٍ / أَوْ عِظَةٍ أَوْ حَسَبٍ نَامِي
وَاهْتِفْ بِهِ مِنْ قَبْلِ إِطْلاقِهِ / فَالسَّهْمُ مَنْسُوبٌ إِلَى الرَّامِي
أَيُّهَا الشَّاعِرُ الْمُجِيدُ تَدَبَّرْ
أَيُّهَا الشَّاعِرُ الْمُجِيدُ تَدَبَّرْ / وَاجْعَلِ الْقَوْلَ مِنْكَ ذَا تَحْكِيمِ
لا تَذُمَّ اللَّئِيمَ وَامْدَحْ كَرِيماً / إِنَّ مَدْحَ الْكَرِيمِ ذَمُّ اللَّئِيمِ
حَنَى الشَّيْبُ عُودِي فَاسْتَقَامَتْ رَوِيَّتِي
حَنَى الشَّيْبُ عُودِي فَاسْتَقَامَتْ رَوِيَّتِي / وَلَوْلا انْحِنَاءُ الْقَوْسِ مَا صَرَّدَ السَّهْمُ
فِي قَائِمِ السَّيْفِ إِنْ عَزَّ الرِّضَا حَكَمُ
فِي قَائِمِ السَّيْفِ إِنْ عَزَّ الرِّضَا حَكَمُ / فَالْحُكْمُ لِلسَّيْفِ إِنْ لَمْ تَصْدَعِ الْكَلِمُ
تَأْبَى لِيَ الضَّيْمَ نَفْسٌ حُرَّةٌ وَيَدٌ / أَطَاعَهَا الْمُرْهَفَانِ السَّيْفُ وَالْقَلَمُ
وَعَزْمَةٌ بَعَثَتْهَا هِمَّةٌ شَهَرَتْ / بِهَا عَلَى الدَّهْرِ عَضْباً لَيْسَ يَنْثَلِمُ
وَفِتْيَةٌ كَأُسُودِ الْغَابِ لَيْسَ لَهُمْ / إِلا الرِّمَاحُ إِذَا احْمَرَّ الْوَغَى أَجَمُ
كَالْبَرْقِ إِنْ عَزَمُوا وَالرَّعْدِ إِنْ صَدَمُوا / وَالْغَيْثِ إِنْ رَحِمُوا وَالسَّيْلِ إِنْ هَجَمُوا
إِنْ حَارَبُوا مَعْشَرَاً فِي جَحْفَلٍ غَلَبُوا / أَوْ خَاصَمُوا فِئَةً فِي مَحْفِلٍ خصمُوا
لا يَرْهَبُونَ الْمَنَايَا أَنْ تُلِمَّ بِهِمْ / كَأَنَّ لُقْيَ الْمَنَايَا عِنْدَهُمْ حَرَمُ
مُرَفَّهُونَ حِسَانٌ فِي مَجَالِسِهِمْ / وَفِي الْحُرُوبِ إِذَا لاَقَيْتَهُمْ بُهَمُ
مِنْ كُلِّ أَزْهَرَ كَالدِّينَارِ غُرَّتُهُ / يَجْلُو الْكَرِيهَةَ مِنْهُ كَوْكَبٌ ضَرِمُ
لا يَرْكَنُونَ إِلَى الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا / إِذَا هُمُ شَعَرُوا بِالذُّلِّ أَوْ نَقِمُوا
قَدْ حَبَّبَ الْمَوْتَ كُرْهُ الضَّيْمِ فِي نَفَرٍ / لَوْلاهُمُ لَمْ تَدُمْ فِي الْعَالَمِ النِّعَمُ
مَاتُوا كِرَامَاً وَأَبْقَوْا لِلْعُلا أَثَراً / نَالَتْ بِهِ شَرَفَ الْحُرِّيَّةِ الأُمَمُ
فَكَيْفَ يَرْضَى الْفَتَى بِالذُّلِّ يَحْمِلُهُ / وَالذُّلُّ تَأْنَفُهُ الْعُبْدَانُ وَالْخَدَمُ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى فَضْلٌ وَمَحْمِيَةٌ / فَإِنَّ وِجْدَانَهُ فِي أَهْلِهِ عَدَمُ
فَالْحِلْمُ مَا لَمْ يَكُنْ عَنْ قُدْرَةٍ خَوَرٌ / وَالصَّبْرُ فِي غَيْرِ مَرْضَاةِ الْعُلا نَدَمُ
فَارْغَبْ بِنَفْسِكَ عَنْ حَالٍ تُضَامُ بِهَا / فَلَيْسَ بَعْدَ اطِّرَاحِ الذُّلِّ مَا يَصِمُ
وَلا تَخَفْ وِرْدَ مَوْتٍ أَنْتَ وَارِدُهُ / مَنْ أَخْطَأَتْهُ الرَّزَايَا غَالَهُ الْهَرَمُ
إِنَّ الْعُلا أَثَرٌ تَحْيَا بِذُكْرَتِهِ / أَسْمَاءُ قَوْمٍ طَوَى أَحْسَابَهَا الْقِدَمُ
أَلَمْ يَأْنِ أَنْ يَرْضَى عَنِ الدَّهْرِ مُغْرَمُ
أَلَمْ يَأْنِ أَنْ يَرْضَى عَنِ الدَّهْرِ مُغْرَمُ / أَمِ الْعُمْرُ يَفْنَى وَالْمَآرِبُ تُعْدَمُ
أُحَاوِلُ وَصْلاً مِنْ حَبِيبٍ مُمَنَّعٍ / وَبَعْضُ أَمَانِي النَّفْسِ غَيْبٌ مُرَجَّمُ
وَمَا كُلُّ مَنْ رَامَ الْعَظَائِمَ نَالَهَا / وَلا كُلُّ مَنْ خَاضَ الْكَرِيهَةَ يَغْنَمُ
يَسُرُّ الْفَتَى مِنْ عِشْقِهِ مَا يَسُوؤُهُ / وَفِي الرَّاحِ لَهْوٌ لِلنُّفُوسِ وَمَغْرَمُ
وَلَوْ كَانَ لِلإِنْسَانِ عِلْمٌ يَدُلُّهُ / عَلَى خَافِيَاتِ الْغَيْبِ مَا كَانَ يَنْدَمُ
كَتَمْتُ الْهَوَى خَوْفَ الْوُشَاةِ فَلَمْ يَزَلْ / بِيَ الدَّمْعُ حَتَّى بَانَ مَا كُنْتُ أَكْتُمُ
وَكَيْفَ أُدَارِي النَّفْسَ وَهْيَ مَشُوقَةٌ / وَأَحْلُمُ عَنْهَا وَالْهَوَى لَيْسَ يَحْلُمُ
وَتَحْتَ جَنَاحِ اللَّيْلِ مِنِّي ابْنُ لَوْعَةٍ / يَرِقُّ إِلَيْهِ الطَّائِرُ الْمُتَرَنِّمُ
إِذَا مَدَّ مِنْ أَنْفَاسِهِ لاحَ بَارِقٌ / وَإِنْ حَلَّ مِنْ أَجْفَانِهِ فَاضَ خِضْرِمُ
وَإِنَّ الْتِي يَشْتَاقُهَا الْقَلْبُ غَادَةٌ / لَهَا الرُّمْحُ قَدٌّ وَالْمُهَنَّدُ مِعْصَمُ
يَنُمُّ بِهَا صُبْحٌ مِنَ الْبِيضِ أَزْهَرٌ / وَيَكْتُمُهَا نَقْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ
إِذَا رَاسَلَتْ كَانَتْ رِسَالَةُ حُبِّهَا / بِضَرْبِ الظُّبَا تُوحِي وَبِالطَّعْنِ تَعْجُمُ
لَهَا مِنْ دِمَاءِ الصِّيدِ فِي حَوْمَةِ الْوَغَى / شَرَابٌ وَمِنْ هَامِ الْفَوَارِسِ مَطْعَمُ
فَتِلْكَ الَّتِي لا وَصْلُهَا مُتَوَقَّعٌ / لَدَيْنَا وَلا سُلْوَانُهَا مُتَصَرَّمُ
عَلِقْتُ بِهَا وَهْيَ الْمَعَالِي وَقَلمَا / يَهِيمُ بِهَا إِلَّا الشُّجَاعُ الْمُصَمِّمُ
هَوَىً لَيْسَ فِيهِ لِلْمَلامَةِ مَسْلَكٌ / وَلا لاِمْرِئٍ نَاجَى بِهِ النَّفْسَ مَأْثَمُ
تَلَذُّ بِهِ الآلامُ وَهْيَ مُبِيرَةٌ / وَيَحْلُو بِهِ طَعْمُ الرَّدَى وَهْوَ عَلْقَمُ
فَمَنْ يَكُ بِالْبِيضِ الْكوَاعِبِ مُغْرماً / فَإِنِّيَ بِالْبِيضِ الْقَوَاضِبِ مُغْرَمُ
أَسِيرُ وَأَنْفَاسُ الْعَوَاصِفِ رُكَّدٌ / وَأَسْرِي وَأَلْحَاظُ الْكَوَاكِبِ نُوَّمُ
وَمَا بَيْنَ سَلِّ السَّيْفِ وَالْمَوْتِ فُرْجَةٌ / لَدَى الْحَرْبِ إِلَّا رَيْثَمَا أَتَكَلَّمُ
أَنَا الْمَرْءُ لا يَثْنِيهِ عَمَّا يَرُومُهُ / نَهِيتُ الْعِدَا وَالشَّرُّ عُرْيَانُ أَشْأَمُ
أُغِيرُ عَلَى الأَبْطَالِ وَالصُّبْحُ أَشْهَبٌ / وَآوِي إِلَى الضِّيفَانِ وَاللَّيْلُ أَدْهَمُ
وَيَصْحَبُنِي فِي كُلِّ رَوْعٍ ثَلاثَةٌ / حُسَامٌ وَطِرْفٌ أَعْوَجِيٌّ وَلَهْذَمُ
وَيَنْصُرُنِي فِي كُلِّ جَمْعٍ ثَلاثَةٌ / لِسَانٌ وَبُرْهَانٌ وَرَأْيٌ مُحَكَّمُ
فَمَا أَنَا بِالمَغْمُورِ إِنْ عَنَّ حَادِثٌ / وَلا بِالَّذِي إِنْ أَشْكَلَ الأَمْرُ يَفْحَمُ
لِسَانِي كَنَصْلِي فِي الْمَقَالِ وَصَارِمِي / كَغَرْبِ لِسَانِي حِينَ لَمْ يَبْقَ مُقْدِمُ
إِذَا صُلْتُ فَدَّتْنِي فِرَاسٌ بِشَيْخِهَا / وَإِنْ قُلْتُ حَيَّانِي شَبِيبٌ وَأَكْثَمُ
فَلا تَحْتَقِرْ فَضْلَ الْكَلامِ فَإِنَّهُ / مِنَ الْقَوْلِ مَا يَبْنِي الْمَعَالِي وَيَهْدِمُ
وَمَا هُوَ إِلَّا جَوْهَرُ الْفَضْلِ وَالنُّهَى / يُسَرَّدُ فِي سِلْكِ الْمَقَالِ وَيُنْظَمُ
فَمَا كُلُّ مَنْ حَاكَ الْقَصَائِدَ شَاعِرٌ / وَلا كُلُّ مَنْ قَالَ النَّسِيبَ مُتَيَّمُ
فَإِنْ يَكُ عَصْرُ الْقَوْلِ وَلَّى فَإِنَّنِي / بِفَضْلِي وَإِنْ كُنْتُ الأَخِيرَ مُقَدَّمُ
يَا لَكَ مِنْ ذِي أَدَبٍ أَطْلَعَتْ
يَا لَكَ مِنْ ذِي أَدَبٍ أَطْلَعَتْ / فِكْرَتُهُ ثَاقِبَةَ الأَنْجُمِ
حَازَ مَدَىً قَصَّرَ عَنْ شَأْوِهِ / كُلُّ أَخِي سَابِقَةٍ مِرْجَمِ
فَهْوَ إِذَا قَالَ عَلا أَوْ جَرَى / بَرَّزَ أَوْ نَاضَلَ لَمْ يُحْجِمِ
ذُو فِكْرَةٍ فَاضَتْ بِمَا أُودِعَتْ / مِنْ حِكْمَةٍ كَالْعَارِضِ الْمُثْجِمِ
ذَاكَ فَتَىً نَبْعَتُهُ لَمْ تَلِنْ / لِعَاجِمٍ مِنْ خَوَرِ الْمَعْجَمِ
أَلْفَاظُهُ تُعْزَى إِلَى يَعْرُب / وَفِكْرُهُ مُقْتَبَسٌ مِنْ جَمِ
لَمْ يَنْظِمِ الْحُوشِيَّ عُجْبَاً بِهِ / وَلَمْ يُسَمِّ الْوَرْدَ بِالْحَوْجَمِ
لَكِنَّهُ رَازَ الْحِجَا فَاكْتَفَى / بِوَاضِحِ الْقَوْلِ عَنِ الْمُعْجَمِ
دَانَ لَهُ بِالْفَضْلِ عَنْ خِبْرَةٍ / كُلُّ فَصِيحِ الْقَوْلِ أَوْ أَعْجَمِ
دَلَّ عَلَى مَعْدِنِهِ فَضْلُهُ / دَلالَةَ التِّبْرِ عَلَى الْمَنْجَمِ
يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الدَّهْرِ رَحْمَةٌ
يَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ فِي الدَّهْرِ رَحْمَةٌ / خِيَانَةُ شِمْرٍ بَعْدَ غَدْرِ ابْنِ مُلْجَمِ
هُمَا مَنْجَما شَرٍّ وَصِنْوَا ضَلالَةٍ / وَكُلُّ امْرِئٍ فِي الدَّهْرِ يُعْزَى لِمَنْجَمِ
شَقِيَّانِ هَامَا فِي الضَّلالِ فَأَصْبَحَا / دَرِيئَةَ لَعْنٍ مِنْ فَصِيحٍ وَأَعْجَمِ
لَقَدْ فَوَّقَا سَهْمَيْهِمَا وَتَطَاوَلا / إِلَى فَلَكٍ عَالٍ مُحَاطٍ بِأَنْجُمِ
لَعَمْرِي لَقَدْ بَاءا بِخِزْيٍ وَلَعْنَةٍ / وَمَنْ يَحْتَقِبْ خِزْيَاً مِنَ اللَّهِ يُرْجَمِ
وَمَا مِصْرُ عُمْرَ الدَّهْرِ إِلَّا غَنِيمَةٌ
وَمَا مِصْرُ عُمْرَ الدَّهْرِ إِلَّا غَنِيمَةٌ / لِمَنْ حَلَّ مَغْنَاهَا وَنَهْبٌ مُقَسَّمُ
تَدَاوَلَهَا الْمُلاكُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ / وَنَالَ بِهَا حَظّاً فَصِيحٌ وَأَعْجَمُ
فَمَا أَهْلُهَا إِلَّا عَبِيدٌ لِمَنْ سَطَا / وَلا رَيْعُهَا إِلَّا لِمَنْ شَاءَ مَغْنَمُ
عِدَادُكَ فِي سِلْكِ الْبَرِيَّةِ خِزْيَةٌ / وَدَعْوَاكَ حَقَّ الْمُلْكِ أَدْهَى وَأَعْظَمُ
لَقَدْ هَانَتِ الدُّنْيَا عَلَى النَّاسِ عِنْدَمَا / رَأَوْكَ بِهَا فِي مُلْكِ يُوسُفَ تَحْكُمُ
فَإِنْ تَكُ أَوْلَتْكَ الْمَقَادِيرُ حُكْمَهَا / فَقَدْ حَازَهَا مِنْ قَبْلُ عَبْدٌ مُزَنَّمُ
وَشَتَّانَ عَبْدٌ بِالْمَحَجَّةِ نَاطِقٌ / وَحُرٌّ إِذَا نَاقَشْتَهُ الْقَوْلَ أَغْتَمُ
فَهَذَا أَذَلَّ الْمُلْكَ وَهْوَ مُعَزَّزٌ / وَذَاكَ أَعَزَّ الْمُلْكَ وَهْوَ مُهَضَّمُ
فَمَنْ شَكَّ فِي حُكْمِ الْقَضَاءِ فَهَذِهِ / جَلِيَّةُ مَا شَاءَ الْقَضَاءُ الْمُحَتَّمُ
رُدِّي الْكَرَى لأَرَاكِ فِي أَحْلامِهِ
رُدِّي الْكَرَى لأَرَاكِ فِي أَحْلامِهِ / إِنْ كَانَ وَعْدُكِ لا يَفِي بِذِمَامِهِ
أَوْ فَابْعَثِي قَلْبِي إِلَيَّ فَإِنَّهُ / جَارَى هَوَاكِ فَقَادَهُ بِزِمَامِهِ
قَدْ كَانَ خَلَّفَنِي لِمَوْعِدِ سَاعَةٍ / مِنْ يَوْمِهِ فَقَضَى مَسِيرَةَ عَامِهِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ ثَابَتْ إِلَيْهِ أَنَاتُهُ / أَمْ لَمْ يَزَلْ فِي غَيِّهِ وَهُيَامِهِ
عَهْدِي بِهِ صَعْبُ الْقِيَادِ فَمَا لَهُ / أَلْقَى يَدَاً لِلسِّلْمِ بَعْدَ غَرَامِهِ
خَدَعَتْهُ سَاحِرَةُ الْعُيُونِ بِنَظْرَةٍ / مِنْهَا فَمَلَّكَهَا عِذَارَ لِجَامِهِ
يَا هَلْ يَعُودُ إِلَى الْجَوَانِحِ بَعْدَمَا / سَلَبَتْ فَتَاةُ الْحَيِّ ثِنْيَ لِجَامِهِ
تَاللَّهِ لَوْ مَلَكَتْ يَدَايَ جِمَاحَهُ / لَعَقَدْتُ قَائِمَ رَسْنِهِ بِخِدَامِهِ
يَا لائِمَ الْمُشْتَاقِ فِي أَطْرَابِهِ / مَهْلاً إِلَيْكَ فَلَسْتَ مِنْ لُوَّامِهِ
أَظَنَنْتَ لَوْعَتَهُ فُكَاهَةَ مَازِحٍ / فَطَفِقْتَ تَعْذِلُهُ عَلَى تَهْيَامِهِ
إِنْ كُنْتَ تُنْكِرُ شَجْوَهُ فَانْظُر إِلَى / أَنْفَاسِهِ وَدُمُوعِهِ وَسَقَامِهِ
صَبّ بَرَتْهُ يَدُ الضَّنى حَتَّى اخْتَفَى / عَنْ أَعْيُنِ الْعُوَّادِ غَيْرَ كَلامِهِ
نَطَقَتْ مَدَامِعُهُ بِسِرِّ ضَمِيرِهِ / وَذَكَتْ جَوَانِحُهُ بِنَارِ غَرَامِهِ
طَوْرَاً يُخَامِرُهُ الذُّهُولُ وَتَارَةً / يَبْكِي بُكَاءَ الطِّفْلِ عِنْدَ فِطَامِهِ
يَصْبُو إِلَى بَانِ الْعَقِيقِ وَرَنْدِهِ / وَعَرَارِهِ وَبَرِيرِهِ وَبَشَامِهِ
وَادٍ سَرَى فِي جَوِّهِ كَنَسِيمِهِ / وَبَكَى عَلَى أَغْصَانِهِ كَحَمَامِهِ
أَرِجُ النَّبَاتِ كَأَنَّمَا غَمَرَ الثَّرَى / طِيباً مُرُورُ الْخِضْرِ بَيْنَ إِكَامِهِ
مَالَتْ خَمَائِلُهُ بِخُضْرِ غُصُونِهِ / وَصَفَتْ مَوَارِدُهُ بِزُرْقِ جِمَامِهِ
يَا صَاحِبِي إِنْ جِئْتَ ذَيَّاكَ الْحِمَى / فَاحْذَرْ عُيُونَ الْعَيْنِ مِنْ آرامِهِ
وَاسْأَلْ عَنِ الْبَدْرِ الَّذِي كَسَمِيِّهِ / فِي نُورِ غُرَّتِهِ وَبُعْدِ مَرَامِهِ
فَإِنِ اشْتَبَهْتَ وَلَمْ تَجِدْ لَكَ هَادِياً / فَاسْمَعْ أَنِينَ الْقَلْبِ عِنْدَ خِيَامِهِ
فَبِذَلِكَ الْوَادِي غَزَالَةُ كِلَّةٍ / تَرْوُي حَدِيثَ الْفَتْكِ عَنْ ضِرْغَامِهِ
ضَاهَتْ بِقَامَتِهَا سرَاحَ قَنَاتِهِ / وَحَكَتْ بِلَحْظَتِهَا مَضَاءَ حُسَامِهِ
هِيَ مِثْلُهُ فِي الْفَتْكِ أَوْ هُوَ مِثْلُهَا / سِيَّانِ وَقْعُ لِحَاظِهَا وَسِهَامِهِ
فَسَقَى الْحِمى دَمْعِي إِذَا ضَنَّ الْحَيَا / بِجُمَانِ دِرَّتِهِ سُلافَةَ جَامِهِ
مَغْنَىً رَعَيْتُ بِهِ الشَّبِيبَةَ غَضَّةً / وَرَوَيْتُ قَلْبِي مِنْ سُلافِ غَمَامِهِ
فَنَسِيمُ رُوحِي مِنْ أَثِيرِ هَوَائِهِ / وَقِوَامُ جِسْمِي مِنْ مِزَاجِ رَغَامِهِ
لا يَنْتَهِي شَوْقِي إِلَيْهِ وَقَلَّمَا / يَسْلُو حَمَامُ الأَيْكِ عَنْ تَرْنَامِهِ
يَا حَبَّذَا عَصْرُ الشَّبَابِ وَحَبَّذَا / رَوْضٌ جَنَيْتُ الْوَرْدَ مِنْ أَكْمَامِهِ
عَصْرٌ إِذَا رَسَمَ الْخَيَالُ مِثَالَهُ / فِي لَوْحِ فِكْرِي لاحَ لِي بِتَمَامِهِ
إِنِّي لأَذْكُرُهُ وَأَعْلَمُ أَنَّنِي / بَاقٍ عَلَى التَّبِعَاتِ مِنْ آثَامِهِ
مَا كَانَ أَحْسَنَ عَهْدَهُ لَوْ دَامَ لِي / مِنْهُ الْوِدَادُ وَكَيْفَ لِي بِدَوَامِهِ
وَالدَّهْرُ مَصْدَرُ عِبْرَةٍ لَوْ أَنَّنَا / نَتْلُو سِجِلَّ الْغَدْرِ مِنْ آثَامِهِ
عَمْرِي لَقَدْ رَحَلَ الشَّبَابُ وَعَادَنِي / شَيْبٌ تَحَيَّفَ لِمَّتِي بِثَغَامِهِ
أَعِدْ عَلَى السَّمْعِ ذِكْرَ الْبَانِ وَالْعَلَمِ
أَعِدْ عَلَى السَّمْعِ ذِكْرَ الْبَانِ وَالْعَلَمِ / وَاعْذِرْ شَآبِيبَ دَمْعِي إِنْ جَرَتْ بِدَمِ
مَلاعِبٌ لِلصِّبَا أَقْوَتْ وَمَا بَرِحَتْ / مَلاعِبَاً لِلأَسَى وَالأَعْيُنِ السُّجُمِ
كَانَتْ لَنَا سَكَناً حَتَّى إِذَا قَوِيَتْ / مِنَّا غَدَتْ سَكَناً لِلرِّيحِ وَالدِّيَمِ
لَمْ أَتَّخِذْ بَعْدَهَا دَارَاً أُقِيمُ بِهَا / إِلَّا تَذَكَّرْتُ أَيَّامِي بِذِي سَلَمِ
وَكَيْفَ أَنْسَى دِيَارَاً قَدْ نَشَأْتُ بِهَا / فِي مَنْبِتِ الْعِزِّ بَيْنَ الأَهْلِ وَالْحَشَمِ
يَا مَنْزِلاً لَمْ يَدَعْ وَشْكُ الْفِرَاقِ بِهِ / إِلَّا رُسُوماً كَوَحْيِ الْخَطِّ بِالْقَلَمِ
أَيْنَ الَّذِينَ بِهِمْ كَانَتْ نَوَاظِرُنَا / تَرْعَى الْمَحَاسِنَ مِنْ فَرْعٍ إِلَى قَدَمِ
وَدَّعْتُ شَطْرَ حَيَاتِي يَوْمَ فُرْقَتِهِمْ / وَصَافَحَتْنِي يَدُ الأَحْزَانِ وَالْهَرَمِ
فَيَا أَخَا الْعَذْلِ لا تَعْجَلْ بِلائِمَةٍ / عَلَيَّ فَالْحُبُّ مَعْدُودٌ مِنَ الْقِسَمِ
أَسْرَفْتَ فِي اللَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَصَبْتَ بِهِ / مَقَاطِعَ الْحَقِّ لَمْ تَسْلَمْ مِنَ التُّهَمِ
فَارْحَمْ شَبَابَ فَتَىً أَلْوَتْ بِنَضْرَتِهِ / أَيْدِي الضَّنَى فَغَدَا لَحْماً عَلَى وَضَمِ
تَاللَّهِ مَا غَدْرَةُ الْخُلَّانِ مِنْ أَرَبِي / وَلا التَّلَوُّنُ فِي الأَخْلاقِ مِنْ شِيَمِي
فَكَيْفَ أُنْكِرُ وُدّاً قَدْ أَخَذْتُ بِهِ / عَلَى الْوَفَاءِ عُهُوداً بَرَّةَ الْقَسَمِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْفَتَى عَقْلٌ يَصُونُ بِهِ / عَلائِقَ الْوُدِّ ضَاعَتْ ذِمَّةُ الْحُرَمِ
وَأَيْنَ مَنْ تَمْلِكُ الأَحْرَارَ شِيمَتُهُ / وَالْغَدْرُ فِي النَّاسِ دَاءٌ غَيْرُ مُنْحَسِمِ
فَانْفُضْ يَدَيْكَ مِنَ الدُّنْيَا فَلَسْتَ تَرَى / خِلاً وَفِيّاً وَعَهْدَاً غَيْرَ مُنْصَرِمِ
هَيْهَاتَ لَمْ يَبْقَ فِي الدُّنْيَا أَخُو ثِقَةٍ / يَرْعَى الْمَوَدَّةَ أَوْ يُلْقِي يَدَ السّلَمِ
فَلا يَغُرَّنْكَ مِنْ وَجْهٍ بَشَاشَتُهُ / فَالنَّارُ كَامِنَةٌ فِي نَاخِرِ السَّلَمِ
تَغَيَّرَ النَّاسُ عَمَّا كُنْتُ أَسْمَعُهُ / وَاسْتَحْكَمَ الْغَدْرُ فِي السَّادَاتِ وَالْحَشَمِ
وَظَلَّ أَعْدَلُ مَنْ تَلْقَاهُ مِنْ رَجُلٍ / أَعْدَى عَلَى الْخَلْقِ مِنْ ذِئْبٍ عَلَى غَنَمِ
مِنْ كُلِّ أَشْوَهَ فِي عِرْنِينِهِ فَطَسٌ / خَالٍ مِنَ الْفَضْلِ مَمْلُوءٍ مِنَ النَّهَمِ
سُودُ الْخَلائِقِ دَلَّاجُونَ مَاطُبِعُوا / عَلَى الْمَحَارِمِ هَدَّاجُونَ فِي الظُّلَمِ
لا يُحْسِنُونَ التَّقَاضِي فِي الْحُقُوقِ وَلا / يُوفُونَ بِالْعَهْدِ إِلَّا خِيفَةَ النِّقَمِ
صُفْرُ الْوُجُوهِ مِنَ الأَحْقَادِ تَحْسِبُهُمْ / وَهُمْ أَصِحَّاءُ فِي دِرْعٍ مِنَ السَّقَمِ
فَلا ذَمَامَةَ فِي قَوْلٍ وَلا عَمَلٍ / وَلا أَمَانَةَ فِي عَهْدٍ وَلا قَسَمِ
بَلَوْتُ مِنْهُمْ خِلالاً لَوْ وَسَمْتَ بِهَا / وَجْهَ الْغَزَالَةٍ لَمْ تُشْرِقْ عَلَى عَلَمِ
لَمْ أَدْرِ هَلْ نَبَغَتْ فِي الأَرْضِ نَابِغَةٌ / أَمْ هَذِهِ شِيمَةُ الدُّنْيَا مِنَ الْقِدَمِ
لا يُدْرِكُ الْمَجْدَ إِلَّا مَنْ إِذَا نَهَضَتْ / بِهِ الْحَمِيَّةُ لَمْ يَقْعُدْ عَلَى رَغَمِ
لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسَاعِي مَا يَبِينُ بِهِ / فَضْلُ الرِّجَالِ تَسَاوَى النَّاسُ فِي الْقِيَمِ
فَأَيُّ غَامِضَةٍ لَمْ تَجْلُهَا فِطَنِي / وَأَيُّ باذِخَةٍ لَمْ تَعْلُهَا قَدَمِي
وَكَيْفَ لا تَسْبِقُ الْمَاضِينَ بَادِرَتِي / وَالسَّمْهَرِيَّةُ تَخْشَى الْفَتْكَ مِنْ قَلَمِي
لِكُلِّ عَصْرٍ رِجَالٌ يُذْكَرُونَ بِهِ / وَالْفَضْلُ بِالنَّفْسِ لَيْسَ الْفَضْلُ بِالْقِدَمِ
مَنْ لِعَيْنٍ إِنْسَانُهَا لا يَنَامُ
مَنْ لِعَيْنٍ إِنْسَانُهَا لا يَنَامُ / وَفُؤَادٍ قَضَى عَلَيْهِ الْغَرَامُ
أَقْطَعُ اللَّيْلَ بَيْنَ حُزْنٍ وَدَمْعٍ / وَسُهَادٍ وَالنَّاسُ عَنِّي نِيَامُ
لا صَدِيقٌ يَرْثِي لِمَا بِتُّ أَلْقَا / هُ وَلا مُسْعِدٌ فَأَيْنَ الْكِرَامُ
لَمْ تَدَعْ لَوْعَةُ الصَّبَابَةِ مِنِّي / غَيْرَ نَفْسٍ غِذَاؤُهَا الآلامُ
رَقَّ طَبْعُ النَّسِيمِ رِفْقاً بِحَالِي / وَبَكَى رَحْمَةً عَلَيَّ الْحَمَامُ
وَبِنَفْسِي لَوْ كُنْتُ أَمْلِكُ نَفْسِي / قَمَرٌ نُورُهُ عَلَيَّ ظَلامُ
تَسْتَطِيبُ الْقُلُوبُ فِيهِ الرَّزَايَا / وَتَلَذُّ الضَّنَى بِهِ الأَجْسَامُ
صَنَمٌ حَامَتِ الْقُلُوبُ عَلَيْهِ / فَانْظُرُوا كَيْفَ تُعْبَدُ الأَصْنَامُ
غَيَّرَتْهُ الْوُشَاةُ فَازْوَرَّ عَنِّي / وَهْوَ مِنِّي بِنَجْوَةٍ لا تُرَامُ
زَعَمُونِي أَتَيْتُ ذَنْبَاً وَمَا لِي / يَعْلَمُ اللَّهُ فِي هَوَاهُ أَثَامُ
سَوْفَ يَلْقَى كُلُّ امْرِئٍ مَا جَنَاهُ / وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الأَحْكَامُ
يَا نَدِيمَيَّ عَلِّلانِي فَلَنْ تَهْ / لِكَ نَفْسٌ قَدْ عَلَّلَتْهَا النِّدَامُ
رُبَّ قَوْلٍ يَرُدُّ لَهْفَةَ قَلْبٍ / وَكَلامٍ تَجِفُّ مِنْهُ الْكِلامُ
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَرَاهُ سَلِيمَاً / وَهْوَ دَاءٌ تَدْوَى بِهِ الأَفْهَامُ
قَدْ لَعَمْرِي بَلَوْتُ دَهْرِي فَمَا أَحْ / مَدْتُ مِنْهُ مَا تَحْمَدُ الأَقْوَامُ
صَلَفٌ لا يَبُلُّ غُلَّةَ صَادٍ / وَمَرَاعٍ هَشِيمُهَا لا يُشَامُ
أَطْلُبُ الصِّدْقَ فِي الْوِدَادِ وَأَنَّى / يَصْدُقُ الْوُدُّ وَالْعُهُودُ رِمَامُ
كُلَّمَا قُلْتُ قَدْ أَصَبْتُ خَلِيلاً / أَضْحَكَتْنِي مِنْ غَدْرِهِ الأَيَّامُ
فَتَفَرَّدْ تَعِشْ بِنَفْسِكَ حُرّاً / رُبَّ فَرْدٍ يَخْشَاهُ جَيْشٌ لُهَامُ
وَاحْذَرِ الضَّيْمَ أَنْ يَمَسَّكَ فَالضَّيْ / مُ حِمَامٌ يَفِرُّ مِنْهُ الْحِمَامُ
ضَلَّ قَوْمٌ تَوَهَّمُوا الصَّبْرَ حِلْمَاً / وَهْوَ إِلَّا لَدَى الْكَرِيهَةِ ذَامُ
يَحْسَبُونَ الْحَيَاةَ فِي الذُّلِّ عَيْشاً / وَهْوَ مَوْتٌ يَعِيشُ فِيهِ اللِّئَامُ
يَا نَدِيمَيَّ فِي سَرَنْدِيبَ كُفَّا
يَا نَدِيمَيَّ فِي سَرَنْدِيبَ كُفَّا / عَنْ مَلامِي فَلَيْسَ يُغْنِي الْمَلامُ
أَنَا فِي هَذِهِ الدِّيَارِ غَريبٌ / وَغَرِيبُ الدِّيَارِ لَيْسَ يُلامُ
وَاذْكُرَا لِي فُسْطَاطَ مِصْرَ فَإِنِّي / بِهَوَاهَا مُتَيَّمٌ مُسْتَهَامُ
يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ
يا رَائِدَ البَرقِ يَمّمِ دارَةَ العَلَمِ / وَاحدُ الغَمامَ إِلى حَيٍّ بِذِي سَلَمِ
وَإِن مَرَرتَ عَلى الرَّوحاءِ فَامرِ لَها / أَخلافَ سارِيَةٍ هَتّانَةِ الدِّيَمِ
مِنَ الغِزارِ الَّلواتي في حَوالِبِها / رِيُّ النَّواهِلِ مِن زَرعٍ وَمِن نَعَمِ
إِذا اِستَهَلَّت بِأَرضٍ نَمنَمَت يَدُها / بُرداً مِنَ النَّورِ يَكسُو عارِيَ الأَكَمِ
تَرى النَّباتَ بِها خُضراً سَنابِلُهُ / يَختالُ في حُلَّةٍ مَوشِيَّةِ العَلَمِ
أَدعُو إِلى الدَّارِ بِالسُّقيا وَبِي ظَمَأٌ / أَحَقُّ بِالريِّ لَكِنّي أَخُو كَرَمِ
مَنازِلٌ لِهَواها بَينَ جانِحَتي / وَدِيعَةٌ سِرُّها لَم يَتَّصِل بِفَمي
إِذا تَنَسَّمتُ مِنها نَفحَةً لَعِبَت / بِيَ الصَبابَةُ لِعبَ الريحِ بِالعَلَمِ
أَدِر عَلى السَّمعِ ذِكراها فَإِنَّ لَها / في القَلبِ مَنزِلَةً مَرعِيَّةَ الذِمَمِ
عَهدٌ تَوَلّى وَأَبقى في الفُؤادِ لَهُ / شَوقاً يَفُلُّ شَباةَ الرَأيِ وَالهِمَمِ
إِذا تَذَكَّرتُهُ لاحَت مَخائِلُهُ / لِلعَينِ حَتّى كَأَنّي مِنهُ في حُلُمِ
فَما عَلى الدَهرِ لَو رَقَّت شَمائِلُهُ / فَعادَ بِالوَصل أَو أَلقى يَدَ السَلَمِ
تَكاءَدَتني خُطُوبٌ لَو رَمَيتُ بِها / مَناكِبَ الأَرض لَم تَثبُت عَلى قَدَمِ
في بَلدَةٍ مِثلِ جَوفِ العَير لَستُ أَرى / فيها سِوى أُمَمٍ تَحنُو عَلى صَنَمِ
لا أَستَقِرُّ بِها إِلّا عَلى قَلَقٍ / وَلا أَلَذُّ بِها إِلّا عَلَى أَلَمِ
إِذا تَلَفَّتُّ حَولي لَم أَجد أَثَراً / إِلا خَيالي وَلَم أَسمَع سِوى كَلِمي
فَمَن يَرُدُّ عَلى نَفسي لُبانَتَها / أَو مَن يُجيرُ فُؤادِي مِن يَدِ السَّقَم
لَيتَ القَطا حِينَ سارَت غُدوَةً حَمَلَت / عَنّي رَسائِلَ أَشواقي إِلى إِضَمِ
مَرَّت عَلَينا خِماصاً وَهيَ قارِبَةٌ / مَرَّ العَواصِفِ لا تَلوي عَلى إِرَمِ
لا تُدركُ العَينُ مِنها حينَ تَلمَحُها / إِلا مِثالاً كَلَمعِ البَرقِ في الظُّلَمِ
كَأَنَّها أَحرُفٌ بَرقِيَّةٌ نَبَضَت / بِالسِّلكِ فَانتَشَرَت فِي السَّهل وَالعَلَمِ
لا شَيءَ يَسبِقُها إِلّا إِذا اِعتَقَلَت / بَنانَتي في مَديحِ المُصطَفى قَلَمِي
مُحَمَّدٌ خاتَمُ الرُسلِ الَّذي خَضَعَت / لَهُ البَرِيَّةُ مِن عُربٍ وَمِن عَجَمِ
سَميرُ وَحيٍ وَمَجنى حِكمَةٍ وَنَدى / سَماحَةٍ وَقِرى عافٍ وَرِيُّ ظَمِ
قَد أَبلَغَ الوَحيُ عَنهُ قَبلَ بِعثَتِهِ / مَسامِعَ الرُسلِ قَولاً غَيرَ مُنكَتِمِ
فَذاكَ دَعوَةُ إِبراهيمَ خالِقَهُ / وَسِرُّ ما قالَهُ عِيسى مِنَ القِدَمِ
أَكرِم بِهِ وَبِآباءٍ مُحَجَّلَةٍ / جاءَت بِهِ غُرَّةً في الأَعصُرِ الدُّهُمِ
قَد كانَ في مَلَكوتِ اللَهِ مُدَّخراً / لِدَعوَةٍ كانَ فيها صاحِبَ العَلَمِ
نُورٌ تَنَقَّلَ في الأَكوانِ ساطِعُهُ / تَنَقُّلَ البَدرِ مِن صُلبٍ إِلى رَحِمِ
حَتّى اِستَقَرَّ بِعَبدِ اللَهِ فَاِنبَلَجَت / أَنوارُ غُرَّتِهِ كَالبَدرِ في البُهُمِ
وَاِختارَ آمِنَةَ العَذراءَ صاحِبَةً / لِفَضلِها بَينَ أَهلِ الحِلِّ وَالحَرَمِ
كِلاهُما فِي العُلا كُفءٌ لِصاحِبِهِ / وَالكُفءُ في المَجدِ لا يُستامُ بِالقِيَمِ
فَأَصبَحَت عِندَهُ في بَيتِ مَكرُمَةٍ / شِيدَت دَعائِمُهُ في مَنصِبٍ سِنمِ
وَحِينما حَمَلَت بِالمُصطَفى وَضَعَت / يَدُ المَشيئَةِ عَنها كُلفَةَ الوَجَمِ
وَلاحَ مِن جِسمِها نُورٌ أَضاءَ لَها / قُصُورَ بُصرى بِأَرضِ الشَّأمِ مِن أمَمِ
وَمُذ أَنى الوَضعُ وَهوَ الرَّفعُ مَنزِلَةً / جاءَت بِرُوحٍ بِنُورِ اللَهِ مُتَّسِمِ
ضاءَت بِهِ غُرَّةُ الإِثنَينِ وَاِبتَسَمَت / عَن حُسنِهِ في رَبيعٍ رَوضَةُ الحَرَمِ
وَأَرضَعَتهُ وَلَم تَيأَس حَليمَةُ مِن / قَولِ المَراضِعِ إِنَّ البُؤسَ في اليَتَمِ
فَفاضَ بِالدرِّ ثَدياها وَقَد غَنِيَت / لَيالياً وَهيَ لَم تطعَم وَلَم تَنَمِ
وَاِنهَلَّ بَعدَ اِنقِطاعٍ رِسلُ شارِفِها / حَتّى غَدَت مِن رَفِيهِ العَيشِ في طُعَمِ
فَيَمَّمَت أَهلَها مَملُؤَةً فَرَحاً / بِما أُتيحَ لَها مِن أَوفَرِ النِّعَمِ
وَقَلَّصَ الجَدبُ عَنها فَهيَ طاعِمَةٌ / مِن خَيرِ ما رَفَدَتها ثَلَّةُ الغَنَمِ
وَكَيفَ تَمحَلُ أَرضٌ حَلَّ ساحَتَها / مُحَمَّدٌ وَهوَ غَيثُ الجُودِ وَالكَرَمِ
فَلَم يَزَل عِندَها يَنمُو وَتَكلَؤُهُ / رِعايَةُ اللَهِ مِن سُوءٍ وَمِن وَصَمِ
حَتّى إِذا تَمَّ مِيقاتُ الرَّضاعِ لَهُ / حَولَينِ أَصبَحَ ذا أَيدٍ عَلَى الفُطُمِ
وَجاءَ كَالغُصنِ مَجدُولاً تَرِفُّ عَلى / جَبِينِهِ لَمحاتُ المَجدِ وَالفَهَمِ
قَد تَمَّ عَقلاً وَما تَمَّت رَضاعَتُهُ / وَفاضَ حِلماً وَلَم يَبلُغ مَدى الحُلُمِ
فَبَينَما هُوَ يَرعى البَهمَ طافَ بِهِ / شَخصانِ مِن مَلَكوتِ اللَهِ ذي العِظَمِ
فَأَضجَعاهُ وَشَقّا صَدرَهُ بِيَدٍ / رَفِيقَةٍ لَم يَبِت مِنها عَلى أَلَمِ
وَبَعدَ ما قَضَيا مِن قَلبِهِ وَطَراً / تَوَلَّيا غَسلَهُ بِالسَّلسَلِ الشَّبِمِ
ما عالَجا قَلبَهُ إِلّا لِيَخلُصَ مِن / شَوبِ الهَوى وَيَعِي قُدسِيَّةَ الحِكَمِ
فَيا لَها نِعمَةً لِلّهِ خَصَّ بِها / حَبيبَهُ وَهوَ طِفلٌ غَيرُ مُحتَلِمِ
وَقالَ عَنهُ بُحَيرا حِينَ أَبصَرَهُ / بَأَرضِ بُصرى مَقالاً غَيرَ مُتَّهَمِ
إِذ ظَلَّلَتهُ الغَمامُ الغُرُّ وَانهَصَرَت / عَطفاً عَلَيهِ فُروعُ الضَّالِ وَالسَّلَمِ
بِأَنَّهُ خاتَمُ الرُّسلِ الكِرامِ وَمَن / بِهِ تَزُولُ صُرُوفُ البُؤسِ وَالنِّقَمِ
هَذا وَكَم آيَةٍ سارَت لَهُ فَمَحَت / بِنُورِها ظُلمَةَ الأَهوالِ وَالقُحَمِ
ما مَرَّ يَومٌ لَهُ إِلّا وَقَلَّدَهُ / صَنائِعاً لَم تَزَل فِي الدَّهرِ كَالعَلَمِ
حَتّى اِستَتَمَّ وَلا نُقصانَ يَلحَقُهُ / خَمساً وَعِشرِينَ سِنُّ البارِعِ الفَهِمِ
وَلَقَّبَتهُ قُرَيشٌ بِالأَمينِ عَلى / صِدقِ الأَمانَةِ وَالإِيفاءِ بِالذِّمَمِ
وَدَّت خَديجَةُ أَن يَرعى تِجارَتَها / وِدادَ مُنتَهِزٍ لِلخَيرِ مُغتَنِمِ
فَشَدَّ عَزمَتَها مِنهُ بِمُقتَدِرٍ / ماضِي الجِنانِ إِذا ما هَمَّ لَم يخمِ
وَسارَ مُعتَزِماً لِلشَّأمِ يَصحَبُهُ / في السَّيرِ مَيسُرَةُ المَرضِيُّ فِي الحَشَمِ
فَما أَناخَ بِها حَتّى قَضى وَطَراً / مِن كُلِّ ما رَامَهُ في البَيعِ وَالسَّلَمِ
وَكَيفَ يَخسَرُ مَن لَولاهُ ما رَبِحَت / تِجارَةُ الدِّينِ في سَهلٍ وَفِي عَلَمِ
فَقَصَّ مَيسُرَةُ المَأمونُ قِصَّتَهُ / عَلَى خَديجَةَ سَرداً غَيرَ مُنعَجِمِ
وَما رَواهُ لَهُ كَهلٌ بِصَومَعَةٍ / مِنَ الرَّهابينِ عَن أَسلافِهِ القُدُمِ
في دَوحَةٍ عاجَ خَيرُ المُرسَلينَ بِها / مِن قَبل بعثَتِهِ لِلعُربِ وَالعَجَمِ
هَذا نَبِيٌّ وَلَم يَنزِل بِساحَتِها / إِلّا نَبيٌّ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
وَسِيرَةَ المَلَكَينِ الحائِمَينِ عَلى / جَبِينِهِ لِيُظِلّاهُ مِنَ التّهَمِ
فَكانَ ما قَصَّهُ أَصلاً لِما وَصَلَت / بِهِ إِلى الخَيرِ مِن قَصدٍ وَمُعتَزَمِ
أَحسِن بِها وصلَةً في اللَّهِ قَد أَخَذَت / بِها عَلى الدَّهرِ عَقداً غَيرَ مُنفَصِمِ
فَأَصبَحا في صَفاءٍ غَير مُنقَطِعٍ / عَلى الزَّمانِ وَوِدٍّ غَير مُنصَرِمِ
وَحِينَما أَجمَعَت أَمراً قُرَيشُ عَلى / بِنايَةِ البَيتِ ذي الحُجّابِ وَالخَدَمِ
تَجَمَّعَت فِرَقُ الأَحلافِ وَاِقتَسَمَت / بِناءَهُ عَن تَراضٍ خَيرَ مُقتَسَمِ
حَتّى إِذا بَلَغَ البُنيانُ غايَتَهُ / مِن مَوضِعِ الرُّكنِ بَعدَ الكَدِّ وَالجشَمِ
تَسابَقوا طَلَباً لِلأَجرِ وَاِختَصَمُوا / فِيمَن يَشُدُّ بِناهُ كُلَّ مُختَصَمِ
وَأَقسَمَ القَومُ أَن لا صُلحَ يَعصِمُهُم / مِن اقتِحامِ المَنايا أَيّما قَسَمِ
وَأَدخَلوا حينَ جَدَّ الأَمرُ أَيدِيَهُم / لِلشَرِّ في جَفنَةٍ مَملُوءَةٍ بِدَمِ
فَقالَ ذُو رَأيِهِم لا تَعجَلُوا وَخُذُوا / بِالحَزم فَهوَ الَّذي يَشفِي مِنَ الحَزَمِ
لِيَرضَ كُلُّ امرِئٍ مِنّا بِأَوَّلِ مَن / يَأتي فَيَقسِطُ فِينا قِسطَ مُحتَكِمِ
فَكانَ أَوَّلَ آتٍ بَعدَما اِتَّفَقُوا / مُحَمَّدٌ وَهوَ في الخَيراتِ ذُو قَدَمِ
فَقالَ كُلٌّ رَضينا بِالأَمينِ عَلَى / عِلمٍ فَأَكرِم بِهِ مِن عادِلٍ حَكَمِ
فَأَعلَمُوهُ بِما قَد كانَ وَاِحتَكَمُوا / إِلَيهِ في حَلِّ هَذا المُشكِلِ العَمَمِ
فَمَدَّ ثَوباً وَحَطَّ الرُّكنَ في وَسَطٍ / مِنهُ وَقالَ اِرفَعُوهُ جانِبَ الرَّضَمِ
فَنالَ كُلُّ امرِئٍ حَظّاً بِما حَمَلَت / يَداهُ مِنهُ وَلَم يَعتِب عَلى القِسَمِ
حَتّى إِذا اِقتَرَبوا تِلقاءَ مَوضِعِهِ / مِن جانب البَيتِ ذي الأَركان وَالدّعمِ
مَدَّ الرَّسُولُ يَداً مِنهُ مُبارَكَةً / بَنَتهُ في صَدَفٍ مِن باذِخٍ سَنِمِ
فَليَزدَدِ الرُّكنُ تِيهاً حَيثُ نالَ بِهِ / فَخراً أَقامَ لَهُ الدُّنيا عَلَى قَدَمِ
لَو لَم تَكُن يَدُهُ مَسَّتهُ حِينَ بَنَى / ما كانَ أَصبَحَ مَلثُوماً بِكُلِّ فَمِ
يا لَيتَنِي وَالأَمانِي رُبَّما صَدَقَت / أَحظى بِمُعتَنَقٍ مِنهُ وَمُلتَزَمِ
يا حَبَّذا صِبغَةٌ مِن حُسنِهِ أَخَذَت / مِنها الشَّبِيبَةُ لَونَ العُذرِ وَاللمَمِ
كَالخالِ في وَجنَةٍ زِيدَت مَحاسِنُها / بِنُقطَةٍ مِنهُ أَضعافاً مِنَ القِيَمِ
وَكَيفَ لا يَفخَرُ البَيتُ العَتيقُ بِهِ / وَقَد بَنَتهُ يَدٌ فَيّاضَةُ النِّعَمِ
أَكرِم بِهِ وازِعاً لَولا هِدايَتُهُ / لَم يَظهَرِ العَدلُ في أَرضٍ وَلَم يَقُمِ
هَذا الَّذي عَصَمَ اللَّهُ الأَنامَ بِهِ / مِن كُلِّ هَولٍ مِنَ الأَهوالِ مُختَرِمِ
وَحِينَ أَدرَكَ سِنَّ الأَربَعينَ وَما / مِن قَبلِهِ مَبلَغٌ لِلعِلمِ وَالحِكَمِ
حَباهُ ذُو العَرشِ بُرهاناً أَراهُ بِهِ / آيات حِكمَتِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
فَكانَ يَمضي لِيَرعى أُنسَ وَحشَتِهِ / في شاسِعٍ ما بِهِ لِلخَلقِ مِن أَرَمِ
فَما يمُرُّ عَلى صَخرٍ وَلا شَجَرٍ / إِلّا وَحَيّاهُ بِالتَّسليمِ مِن أَمَمِ
حَتّى إِذا حانَ أَمرُ الغَيبِ وَاِنحَسَرَت / أَستارُهُ عَن ضَميرِ اللَوحِ وَالقَلَمِ
نادى بِدَعوَتِهِ جَهراً فَأَسمَعَها / في كُلِّ ناحِيةٍ مَن كانَ ذا صَمَمِ
فَكانَ أَوَّلُ مَن في الدِّين تابَعَهُ / خَدِيجَةٌ وَعَلِيٌّ ثابِتُ القَدَمِ
ثُمَّ اِستَجابَت رِجالٌ دُونَ أُسرَتِهِ / وَفي الأَباعِدِ ما يُغني عَنِ الرَّحِمِ
وَمَن أَرادَ بِهِ الرَّحمنُ مَكرُمَةً / هَداهُ لِلرُّشدِ في داجٍ مِنَ الظُّلَمِ
ثُمَّ اِستَمَرَّ رَسُولُ اللَّهِ مُعتَزِماً / يَدعُو إلى رَبِّهِ في كُلِّ مُلتَأَمِ
وَالنّاسُ مِنهُم رَشيدٌ يَستَجِيبُ لَهُ / طَوعاً وَمِنهُم غَوِيٌّ غَيرُ مُحتَشِمِ
حَتّى اِستَرابَت قُرَيشٌ وَاِستَبَدَّ بِها / جَهلٌ تَرَدَّت بِهِ في مارِجٍ ضَرِمِ
وَعَذَّبوا أَهلَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَهَكوا / مَحارِماً أَعقَبَتهُم لَهفَةَ النَّدَمِ
وَقامَ يَدعُو أَبو جَهلٍ عَشِيرَتَهُ / إِلى الضَّلالِ وَلَم يَجنَح إِلى سَلَمِ
يُبدِي خِدَاعاً ويُخفِي ما تَضَمَّنَهُ / ضَمِيرُهُ مِن غَراةِ الحِقد وَالسَّدَمِ
لا يَسلَمُ القَلبُ مِن غِلٍّ أَلَمَّ بِهِ / يَنقى الأَدِيمُ وَيَبقى مَوضِعُ الحَلَمِ
وَالحِقدُ كَالنّارِ إِن أَخفَيتَهُ ظَهَرَت / مِنهُ عَلائِمُ فَوقَ الوَجهِ كَالحُمَمِ
لا يُبصِرُ الحَقَّ مَن جَهلٌ أَحاطَ بِهِ / وَكَيفَ يُبصِرُ نُورَ الحَقِّ وَهوَ عَمِ
كُلُّ امرِئٍ وَاجِدٌ ما قَدَّمَت يَدُهُ / إِذا اِستَوى قائِماً مِن هُوَّةِ الأَدَمِ
وَالخَيرُ وَالشَّرُّ في الدُّنيا مُكافَأَةٌ / وَالنَّفسُ مَسؤولَةٌ عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
فَلا يَنَم ظالِمٌ عَمّا جَنَت يَدُهُ / عَلى العِبادِ فَعَينُ اللَّهِ لَم تَنَمِ
وَلَم يَزَل أَهلُ دِين اللَّهِ في نَصَبٍ / مِمّا يُلاقُونَ مِن كَربٍ وَمِن زَأَمِ
حَتّى إِذا لَم يَعُد في الأَمر مَنزَعَةٌ / وَأَصبَحَ الشَّرُّ جَهراً غَيرَ مُنكَتِمِ
سارُوا إِلى الهِجرَةِ الأُولى وَما قَصَدوا / غَيرَ النَّجاشِيِّ مَلكاً صادِقَ الذِّمَمِ
فَأَصبَحُوا عِندَهُ في ظِلِّ مَملَكَةٍ / حَصِينَةٍ وذِمامٍ غَيرِ مُنجَذِمِ
مَن أَنكَرَ الضَّيمَ لَم يَأنَس بِصُحبَتِهِ / وَمَن أَحاطَت بِهِ الأَهوالُ لَم يُقِمِ
وَمُذ رَأى المُشرِكون الدّين قَد وضَحَت / سَماؤُهُ وَاِنجَلَت عَن صِمَّةِ الصِّمَمِ
تَأَلَّبُوا رَغبَةً في الشَّرِّ وَائتَمَرُوا / عَلى الصَّحيفَةِ مِن غَيظٍ وَمِن وَغَمِ
صَحِيفَةٌ وَسَمَت بِالغَدرِ أَوجُهَهُم / وَالغَدرُ يَعلَقُ بِالأَعراضِ كَالدَّسَمِ
فَكَشَّفَ اللَّهُ مِنها غُمَّةً نَزَلَت / بِالمُؤمِنينَ وَرَبِّي كاشِفُ الغُمَمِ
مَن أَضمَرَ السُّوءَ جازاهُ الإِلَهُ بِهِ / وَمَن رَعى البَغيَ لَم يَسلَم مِنَ النِقَمِ
كَفى الطُّفَيلَ بنَ عَمرٍو لُمعَةٌ ظَهَرَت / فِي سَوطِهِ فَأَنارَت سُدفَةَ القَتَمِ
هَدى بِها اللَّهُ دَوساً مِن ضَلالَتِها / فَتابَعَت أَمرَ داعِيها وَلَم تَهِمِ
وَفِي الإِراشِيِّ لِلأَقوامِ مُعتَبَرٌ / إِذ جاءَ مَكَّةَ فِي ذَودٍ مِنَ النّعَمِ
فَباعَها مِن أَبي جَهلٍ فَماطَلَهُ / بِحَقِّهِ وَتَمادى غَيرَ مُحتَشِمِ
فَجاءَ مُنتَصِراً يَشكُو ظُلامَتَهُ / إِلى النَّبِيِّ ونِعمَ العَونُ في الإِزَمِ
فَقامَ مُبتَدِراً يَسعى لِنُصرَتِهِ / وَنُصرَةُ الحَقِّ شَأنُ المَرءِ ذِي الهِمَمِ
فَدَقَّ بابَ أَبي جَهلٍ فَجاءَ لَهُ / طَوعاً يَجُرُّ عِنانَ الخائِفِ الزَّرِمِ
فَحِينَ لاقى رَسُولَ اللَّهِ لاحَ لَهُ / فَحلٌ يَحُدُّ إِلَيهِ النابَ مِن أَطَمِ
فَهالَهُ ما رَأى فَاِرتَدَّ مُنزَعِجاً / وَعادَ بِالنَّقدِ بَعدَ المَطلِ عَن رَغَمِ
أَتِلكَ أَم حِينَ نادى سَرحَةً فَأَتَت / إِلَيهِ مَنشُورَةَ الأَغصانِ كَالجُمَمِ
حَنَت عَلَيهِ حُنُوَّ الأُمِّ مِن شَفَقٍ / وَرَفرَفَت فَوقَ ذاكَ الحُسنِ مِن رَخَمِ
جاءَتهُ طَوعاً وَعادَت حينَ قالَ لَها / عُودِي وَلو خُلِّيت لِلشَّوقِ لَم تَرِمِ
وَحَبَّذا لَيلَةُ الإِسراءِ حِينَ سَرى / لَيلاً إِلى المَسجِدِ الأَقصى بِلا أَتَمِ
رَأَى بِهِ مِن كِرامِ الرُّسلِ طائِفَةً / فَأَمَّهُم ثُمَّ صَلَّى خاشِعاً بِهِمِ
بَل حَبَّذا نَهضَةُ المِعراجِ حينَ سَما / بِهِ إِلى مَشهَدٍ في العزِّ لَم يُرَمِ
سَما إِلى الفَلَك الأَعلى فَنالَ بِهِ / قَدراً يَجِلُّ عَن التَّشبيهِ في العِظَمِ
وَسارَ في سُبُحاتِ النُّورِ مُرتَقِياً / إِلى مَدارِجَ أَعيَت كُلَّ مُعتَزِمِ
وَفازَ بِالجَوهَرِ المَكنونِ مِن كَلِمٍ / لَيسَت إِذا قُرِنَت بِالوَصفِ كَالكَلِمِ
سِرٌّ تَحارُ بِهِ الأَلبابُ قاصِرَةً / وَنِعمَةٌ لَم تَكُن في الدَّهرِ كَالنِّعَمِ
هَيهاتَ يَبلُغُ فَهمٌ كُنهَ ما بَلَغَت / قُرباهُ مِنهُ وَقَد ناجاهُ مِن أَمَمِ
فَيا لَها وصلَةً نالَ الحَبيبُ بِها / ما لَم يَنَلهُ مِنَ التَّكريمِ ذُو نَسَمِ
فاقَت جَميعَ اللَّيالي فَهيَ زاهِرَةٌ / بِحُسنِها كَزُهُورِ النّارِ في العَلَمِ
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الصَّلاةَ عَلى / عِبادِهِ وَهَداهُم واضِحَ اللَّقَمِ
فَسارَعُوا نَحوَ دِينِ اللَّهِ وَاِنتَصَبُوا / إِلى العِبادَةِ لا يَألُونَ مِن سَأَمِ
وَلَم يَزَل سَيِّدُ الكَونَينِ مُنتَصِباً / لِدَعوَةِ الدِّين لَم يَفتر وَلَم يَجِمِ
يَستَقبِلُ النّاسَ في بَدوٍ وَفي حَضَرٍ / وَيَنشُرُ الدِّينَ في سَهلٍ وَفي عَلَمِ
حَتّى اِستَجابَت لَهُ الأَنصارُ وَاِعتَصَمُوا / بِحَبلِهِ عَن تَراضٍ خَيرَ مُعتَصمِ
فَاِستَكمَلَت بِهِمُ الدُنيا نَضارَتَها / وَأَصبَحَ الدينُ في جَمعٍ بِهِم تَمَمِ
قَومٌ أَقَرُّوا عِمادَ الحَقِّ وَاِصطَلَمُوا / بِيَأسِهِم كُلَّ جَبّارٍ وَمُصطَلِمِ
فَكَم بِهِم أَشرَقَت أَستارُ داجِيَةٍ / وَكَم بِهِم خَمَدَت أَنفاسُ مُختَصِمِ
فَحينَ وافى قُرَيشاً ذِكرُ بَيعَتِهِم / ثارُوا إِلى الشَّرِّ فِعلَ الجاهِلِ العَرِمِ
وَبادَهُوا أَهلَ دِينِ اللَهِ وَاِهتَضَمُوا / حُقُوقَهُم بِالتَّمادِي شَرَّ مُهتَضَمِ
فَكَم تَرى مِن أَسيرٍ لا حِراكَ بِهِ / وَشارِدٍ سارَ مِن فَجٍّ إِلى أَكَمِ
فَهاجَرَ الصَّحبُ إِذ قالَ الرَّسُولُ لَهُم / سيرُوا إِلى طَيبَةَ المَرعِيَّةِ الحُرَمِ
وَظَلَّ في مَكَّةَ المُختارُ مُنتَظِراً / إِذناً مِنَ اللَهِ في سَيرٍ وَمُعتَزَمِ
فَأَوجَسَت خيفَةً مِنهُ قُرَيشُ وَلَم / تَقبَل نَصيحاً وَلَم تَرجع إِلى فَهَمِ
فَاِستَجمَعَت عُصَباً في دارِ نَدوَتِها / تَبغي بِهِ الشَّرَّ مِن حِقدٍ وَمِن أَضَمِ
وَلَو دَرَت أَنَّها فِيما تُحاوِلُهُ / مَخذولَةٌ لَم تَسُم في مَرتَعٍ وَخِمِ
أَولى لَها ثُمَ أَولى أَن يَحيقَ بِها / ما أَضمَرَتهُ مِنَ البَأساءِ وَالشَّجَمِ
إِنّي لَأَعجَبُ مِن قَومٍ أُولي فِطَنٍ / باعُوا النُّهى بِالعَمى وَالسَّمعَ بِالصَّمَمِ
يَعصُونَ خالِقَهُم جَهلاً بِقُدرَتِهِ / وَيَعكُفُونَ عَلى الطاغُوتِ وَالصَّنَمِ
فَأَجمَعُوا أَمرَهُم أَن يَبغتُوهُ إِذا / جَنَّ الظَّلامُ وَخَفَّت وَطأَةُ القَدَمِ
وَأَقبَلُوا مَوهِناً في عُصبَةٍ غُدُرٍ / مِنَ القَبائِلِ باعُوا النَّفسَ بِالزَّعَمِ
فَجاءَ جِبريلُ لِلهادِي فَأَنبأَهُ / بِما أَسَرُّوهُ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
فَمُذ رَآهُم قِياماً حَولَ مَأمَنِهِ / يَبغُونَ ساحَتَهُ بِالشَّرِّ وَالفَقَمِ
نادى عَلِيّاً فَأَوصاهُ وَقالَ لَهُ / لا تَخشَ وَالبَس رِدائي آمِناً وَنَمِ
وَمَرَّ بِالقَومِ يَتلُوُ وَهوَ مُنصَرِفٌ / يَس وَهيَ شِفاءُ النَّفسِ مِن وَصَمِ
فَلَم يَرَوهُ وَزاغَت عَنهُ أَعيُنُهُم / وَهَل تَرى الشَّمس جَهراً أَعيُنُ الحَنَمِ
وَجاءَهُ الوَحيُ إِيذاناً بِهِجرَتِهِ / فَيَمَّمَ الغارَ بِالصِّدِّيقِ في الغَسَمِ
فَما اِستَقَرَّ بِهِ حَتّى تَبَوَّأَهُ / مِنَ الحَمائِمِ زَوجٌ بارِعُ الرَّنَمِ
بَنى بِهِ عُشَّهُ وَاِحتَلَّهُ سَكناً / يَأوي إِلَيهِ غَداةَ الرّيحِ وَالرّهَمِ
إِلفانِ ما جَمَعَ المِقدارُ بَينَهُما / إِلّا لِسِرٍّ بِصَدرِ الغارِ مُكتَتَمِ
كِلاهُما دَيدَبانٌ فَوقَ مَربأَةٍ / يَرعَى المَسالِكَ مِن بُعدٍ وَلَم يَنَمِ
إِن حَنَّ هَذا غَراماً أَو دَعا طَرَباً / بِاسمِ الهَديلِ أَجابَت تِلكَ بِالنَّغَمِ
يَخالُها مَن يَراها وَهيَ جاثِمَةٌ / في وَكرِها كُرَةً مَلساءَ مِن أَدَمِ
إِن رَفرَفَت سَكَنَت ظِلّاً وَإِن هَبَطَت / رَوَت غَليلَ الصَّدى مِن حائِرٍ شَبِمِ
مَرقُومَةُ الجِيدِ مِن مِسكٍ وَغالِيَةٍ / مَخضُوبَةُ الساقِ وَالكَفَّينِ بِالعَنَمِ
كَأَنَّما شَرَعَت في قانِيءٍ سربٍ / مِن أَدمُعِي فَغَدَت مُحمَرَّةَ القَدَمِ
وَسَجفَ العَنكَبُوتُ الغارَ مُحتَفِياً / بِخَيمَةٍ حاكَها مِن أَبدَعِ الخِيَمِ
قَد شَدَّ أَطنابَها فَاِستَحكَمَت وَرَسَت / بِالأَرضِ لَكِنَّها قامَت بِلا دِعَمِ
كَأَنَّها سابِريٌّ حاكَهُ لَبِقٌ / بِأَرضِ سابُورَ في بحبُوحَةِ العَجَمِ
وَارَت فَمَ الغارِ عَن عَينٍ تُلِمُّ بِهِ / فَصارَ يَحكي خَفاءً وَجهَ مُلتَثِمِ
فَيا لَهُ مِن سِتارٍ دُونَهُ قَمَرٌ / يَجلُو البَصائِرَ مِن ظُلمٍ وَمِن ظُلَمِ
فَظَلَّ فيهِ رَسولُ اللَّهِ مُعتَكِفاً / كَالدُرِّ في البَحر أَو كَالشَمسِ في الغُسَمِ
حَتّى إِذا سَكَنَ الإِرجاف وَاِحتَرقَت / أَكبادُ قَومٍ بِنارِ اليَأسِ وَالوَغَمِ
أَوحى الرَّسولُ بِإِعدادِ الرَّحيلِ إِلى / مَن عِندَهُ السِّرُّ مِن خِلٍّ وَمِن حَشَمِ
وَسارَ بَعدَ ثَلاثٍ مِن مَباءَتِهِ / يَؤُمُّ طَيبَةَ مَأوى كُلِّ مُعتَصِمِ
فَحِينَ وَافى قُدَيداً حَلَّ مَوكِبُهُ / بِأُمِّ مَعبَدَ ذاتِ الشَّاءِ وَالغَنَمِ
فَلَم تَجِد لِقِراهُ غَيرَ ضائِنَةٍ / قَدِ اقشَعَرَّت مَراعِيها فَلَم تَسُمِ
فَما أَمَرَّ عَلَيها داعِياً يَدَهُ / حَتّى اِستَهَلَّت بِذِي شَخبينِ كَالدِّيَمِ
ثُمَّ اِستَقَلَّ وَأَبقى في الزَّمانِ لَها / ذِكراً يَسيرُ عَلَى الآفاق كَالنَّسَمِ
فَبَينَما هُوَ يَطوي البِيدَ أَدرَكَهُ / رَكضاً سُراقَةُ مِثلَ القَشعَمِ الضَّرِمِ
حَتّى إِذا ما دَنا ساخَ الجَوادُ بِهِ / في بُرقَةٍ فَهَوى لِلسَّاقِ وَالقَدَمِ
فَصاحَ مُبتَهِلاً يَرجُو الأَمانَ وَلَو / مَضى عَلى عَزمِهِ لانهارَ في رَجَمِ
وَكَيفَ يَبلُغُ أَمراً دُونَهُ وَزَرٌ / مِنَ العِنايةِ لَم يَبلُغهُ ذُو نَسَمِ
فَكَفَّ عَنهُ رَسولُ اللَّهِ وَهوَ بِهِ / أَدرى وَكَم نِقَمٍ تفتَرُّ عَن نِعَمِ
وَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى / أَعلامِ طَيبَةَ ذاتِ المَنظَرِ العَمَمِ
أَعظِم بِمَقدَمِهِ فَخراً وَمَنقبَةً / لِمَعشَرِ الأَوسِ وَالأَحياءِ مِن جُشَمِ
فَخرٌ يَدُومُ لَهُم فَضلٌ بِذِكرَتِهِ / ما سارَت العِيسُ بِالزُّوّارِ لِلحَرَمِ
يَومٌ بِهِ أَرَّخَ الإِسلامُ غُرَّتَهُ / وَأَدرَكَ الدِّينُ فيهِ ذِروَةَ النُّجُمِ
ثُمَّ اِبتَنى سَيِّدُ الكَونَينِ مَسحِدَهُ / بُنيانَ عِزٍّ فَأَضحى قائِمَ الدّعَمِ
وَاِختَصَّ فيهِ بِلالاً بِالأَذانِ وَما / يُلفى نَظيرٌ لَهُ في نَبرَةِ النَّغَمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ اللَّهِ وَاِجتَمَعَت / لَهُ القبَائِلُ مِن بُعدٍ وَمِن زَمَمِ
قامَ النَّبِيُّ خَطيباً فيهِمُ فَأَرى / نَهجَ الهُدى وَنَهى عَن كُلِّ مُجتَرَمِ
وَعَمَّهم بِكِتابٍ حَضَّ فيهِ عَلى / مَحاسِنِ الفَضلِ وَالآدابِ وَالشِّيمِ
فَأَصبَحُوا في إِخاءٍ غَيرِ مُنصَدِعٍ / عَلى الزَّمانِ وَعِزٍّ غَيرِ مُنهَدِمِ
وَحِينَ آخى رَسُولُ اللَّهِ بَينَهُمُ / آخى عَلِيّاً وَنِعمَ العَونُ في القُحَمِ
هُوَ الَّذي هَزَمَ اللَّهُ الطُغاةَ بِهِ / في كُلِّ مُعتَرَكٍ بِالبِيضِ مُحتَدِمِ
فَاِستَحكَم الدِّينُ وَاِشتَدَّت دَعائِمُهُ / حَتّى غَدا واضِحَ العِرنينِ ذا شَمَمِ
وَأَصبَحَ الناسُ إِخواناً وَعَمَّهُمُ / فَضلٌ مِنَ اللَّهِ أَحياهُم مِنَ العَدَمِ
هَذا وَقَد فَرَضَ اللَّهُ الجِهادَ عَلى / رَسُولِهِ لِيَبُثَّ الدِّينَ في الأُمَمِ
فَكانَ أَوَّلُ غَزوٍ سارَ فيهِ إِلى / وَدّانَ ثُمَّ أَتى مِن غَيرِ مُصطَدَمِ
ثُمَّ اِستَمَرَّت سَرايا الدِّينِ سابِحَةً / بِالخَيلِ جامِحَةً تَستَنُّ بِاللُّجُمِ
سَرِيَّةٌ كانَ يَرعاها عُبَيدَةُ في / صَوبٍ وَحَمزَةُ في أُخرى إِلى التَّهَمِ
وَغَزوَةٌ سارَ فيها المُصطَفى قُدُماً / إِلى بُواطٍ بِجَمعٍ ساطِعِ القَتَمِ
وَمِثلَها يَمَّمَت ذاتَ العُشيرَةِ في / جَيشٍ لُهامٍ كَمَوجِ البَحرِ مُلتَطِمِ
وَسارَ سَعدٌ إِلى الخَرّارِ يَقدُمُهُ / سَعدٌ وَلَم يَلقَ في مَسراهُ مِن بَشَمِ
وَيَمَّمَت سَفَوان الخَيلُ سابِحَةً / بِكُلِّ مُعتَزِمٍ لِلقَرنِ مُلتَزِمِ
وَتابَعَ السَّيرَ عَبدُ اللَّهِ مُتَّجِهاً / تِلقاءَ نَخلَةَ مَصحُوباً بِكُلِّ كَمِي
وَحُوّلَت قِبلَةُ الإِسلامِ وَقتَئِذٍ / عَن وِجهَةِ القُدسِ نَحوَ البَيتِ ذي العِظَمِ
وَيَمَّمَ المُصطَفى بَدراً فَلاحَ لَهُ / بَدرٌ مِنَ النَّصرِ جَلَّى ظُلمَةَ الوَخَمِ
يَومٌ تَبَسَّمَ فيهِ الدِّينُ وَاِنهَمَلَت / عَلَى الضَّلالِ عُيونُ الشِّركِ بِالسَّجَمِ
أَبلَى عَلِيٌّ بِهِ خَيرَ البَلاءِ بِما / حَباهُ ذُو العَرشِ مِن بَأسٍ وَمِن هِمَمِ
وَجالَ حَمزَةُ بِالصَّمصامِ يَكسؤُهُم / كَسأً يُفَرِّقُ مِنهُم كُلَّ مُزدَحَمِ
وَغادَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ جَمعَهُمُ / وَلَيسَ فيهِ كَمِيٌّ غَيرُ مَنهَزِمِ
تَقَسَّمَتهُم يَدُ الهَيجاءِ عادِلَةً / فَالهامُ لِلبِيض وَالأَبدانُ لِلرَّخَمِ
كَأَنَّما البِيضُ بِالأَيدي صَوالِجَةٌ / يَلعَبنَ في ساحَةِ الهَيجاءِ بِالقِمَمِ
لَم يَبقَ مِنهُم كَمِيٌّ غَيرُ مُنجَدِلٍ / عَلى الرّغامِ وَعُضوٌ غَيرُ مُنحَطِمِ
فَما مَضَت ساعَةٌ وَالحَربُ مُسعَرَةٌ / حَتّى غَدا جَمعُهُم نَهباً لِمُقتَسِمِ
قَد أَمطَرَتهُم سَماءُ الحَربِ صائِبَةً / بِالمَشرَفِيَّةِ وَالمُرّانِ كَالرُّجُمِ
فَأَينَ ما كانَ مِن زَهوٍ وَمِن صَلَفٍ / وَأَينَ ما كانَ مِن فَخرٍ وَمِن شَمَمِ
جاؤُا وِللشَّرِّ وَسمٌ في مَعاطِسِهِم / فَأُرغِمُوا وَالرَّدى في هَذِهِ السِّيَمِ
مَن عارَضَ الحَقَّ لَم تَسلَم مَقاتِلُهُ / وَمَن تَعَرَّضَ لِلأَخطارِ لَم يَنَمِ
فَما اِنقَضى يَومُ بَدرٍ بِالَّتي عَظُمَت / حَتّى مَضى غازِياً بِالخَيلِ في الشُّكُمِ
فَيَمَّمَ الكُدرَ بِالأَبطالِ مُنتَحِياً / بَني سُلَيمٍ فَوَلَّت عَنهُ بِالرَّغَمِ
وَسارَ في غَزوَةٍ تُدعى السَّويقَ بِما / أَلقاهُ أَعداؤُهُ مِن عُظمِ زادِهِمِ
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيل ذَا أَمرٍ / فَفَرَّ ساكِنُهُ رُعباً إِلى الرَّقَمِ
وَأَمَّ فرعاً فَلَم يَثقَف بِهِ أَحَداً / وَمَن يُقيمُ أَمامَ العارِضِ الهَزِمِ
وَلَفَّ بِالجَيشِ حَيَّي قَينُقاعَ بِما / جَنَوا فَتَعساً لَهُم مِن مَعشَرٍ قَزَمِ
وَسارَ زَيدٌ بِجَمعٍ نَحوَ قَردَةَ مِن / مِياهِ نَجدٍ فَلَم يَثقَف سِوى النَّعَمِ
ثُمَّ اِستَدارَت رَحا الهَيجاءِ في أُحُدٍ / بِكُلِّ مُفتَرِسٍ لِلقِرنِ مُلتَهِمِ
يَومٌ تَبَيَّنَ فيهِ الجِدُّ وَاِتَّضَحَت / جَلِيَّةُ الأَمرِ بَعدَ الجَهدِ وَالسَّأَمِ
قَد كانَ خُبراً وَتَمحيصاً وَمَغفِرَةً / لِلمُؤمِنينَ وَهَل بُرءٌ بِلا سَقَمِ
مَضى عَلِيٌّ بِهِ قُدماً فَزَلزَلَهُم / بِحَملَةٍ أَورَدَتهُم مَورِدَ الشَّجَمِ
وَأَظهَرَ الصَّحبُ وَالأَنصارُ بَأسَهم / وَالبَأسُ في الفِعلِ غَيرُ البَأسِ فِي الكَلِمِ
خاضُوا المَنايا فَنالُوا عِيشَةً رَغَداً / وَلَذَّةُ النَّفسِ لا تَأتِي بِلا أَلَمِ
مَن يَلزَمِ الصَّبرَ يَستَحسِن عَواقِبَهُ / وَالماءُ يَحسُنُ وَقعاً عِندَ كُلِّ ظَمِ
لَو لَم يَكُن فِي اِحتِمالِ الصَّبرِ مَنقَبةٌ / لَم يَظهَرِ الفَرقُ بَينَ اللُّؤمِ وَالكَرَمِ
فَكانَ يَوماً عَتِيدَ البَأسِ نالَ بِهِ / كِلا الفَريقَينِ جَهداً وَارِيَ الحَدَمِ
أَودى بِهِ حَمزَةُ الصِّندِيدُ فِي نَفَرٍ / نالوا الشَّهادَةَ تَحتَ العارِضِ الرَّزِمِ
أَحسِن بِها مَيتَةً أَحيَوا بِها شَرَفاً / وَالمَوتُ في الحَربِ فَخرُ السّادَةِ القُدُمِ
لا عارَ بِالقَومِ مِن مَوتٍ وَمِن سَلَبٍ / وَهَل رَأَيتَ حُساماً غَيرَ مُنثَلِمِ
فَكانَ يَوم جَزاءٍ بَعدَ مُختَبَرٍ / لِمَن وَفا وَجَفا بِالعِزِّ وَالرَّغَمِ
قامَ النَّبِيُّ بِهِ في مَأزِقٍ حَرِج / تَرعى المَناصِلُ فيهِ مَنبِتَ الجُمَمِ
فَلَم يَزَل صابِراً في الحَربِ يَفثَؤُها / بِالبِيضِ حَتّى اِكتَسَت ثَوباً مِنَ العَنَمِ
وَرَدَّ عَينَ اِبنِ نُعمان قَتادَةَ إِذ / سالَت فَعادَت كَما كانَت بِلا لَتمِ
وَقَد أَتى بَعدَ ذا يَومُ الرَّجِيعِ بِما / فِيهِ مِنَ الغَدرِ بَعدَ العَهدِ وَالقَسَمِ
وَثارَ نَقعُ المَنايا في مَعُونَةَ مِن / بَني سُلَيمٍ بِأَهلِ الفَضلِ وَالحِكَمِ
ثُمَّ اِشرَأَبَّت لِخَفرِ العَهدِ مِن سَفَهٍ / بَنُو النَّضيرِ فَأَجلاهُم عَنِ الأُطُمِ
وَسارَ مُنتَحِياً ذاتَ الرِّقاعِ فَلَم / تَلقَ الكَتائِبُ فيها كَيدَ مُصطَدَمِ
وَحَلَّ مِن بَعدِها بَدراً لِوَعدِ أَبِي / سُفيانَ لَكِنَّهُ وَلّى وَلَم يَحُمِ
وَأَمَّ دَومَةَ في جَمعٍ وَعادَ إِلى / مَكانِهِ وَسَماءُ النَّقعِ لَم تَغِمِ
ثُمَّ اِستَثارَت قُرَيشٌ وَهيَ ظالِمَةٌ / أَحلافَها وَأَتَت في جَحفَلٍ لَهِمِ
تَستَمرِئُ البَغيَ مِن جَهلٍ وَما عَلِمَت / أَنَّ الجَهالَة مَدعاةٌ إِلى الثَّلَمِ
وَقامَ فيهم أَبُو سُفيانَ مِن حَنَقٍ / يَدعُو إِلى الشَّرِّ مثلَ الفَحلِ ذِي القَطَمِ
فَخَندَقَ المُؤمِنُونَ الدّارَ وَاِنتَصَبُوا / لِحَربِهِم كَضَواري الأُسدِ في الأَجَمِ
فَما اِستَطاعَت قُرَيشٌ نَيلَ ما طَلَبَت / وَهَل تَنالُ الثُّرَيّا كَفُّ مُستَلِمِ
رامَت بِجَهلَتِها أَمراً وَلَو عَلِمَت / ماذَا أُعِدَّ لَها في الغَيبِ لَم تَرُمِ
فَخَيَّبَ اللَّهُ مَسعاها وَغادَرَها / نَهبَ الرَّدى وَالصَّدى وَالرِّيحِ وَالطَّسَمِ
فَقوَّضَت عُمُدَ التَّرحالِ وَاِنصَرَفَت / لَيلاً إِلى حَيثُ لَم تَسرَح وَلَم تَسُمِ
وَكَيفَ تَحمَدُ عُقبى ماجَنَت يَدُها / بَغياً وَقَد سَرَحَت في مَرتَعٍ وَخِمِ
قَد أَقبَلَت وَهيَ في فَخرٍ وَفي جَذَلٍ / وَأَدبَرَت وَهيَ في خِزيٍ وَفي سَدَمِ
مَن يَركَبِ الغَيَّ لا يَحمَد عَواقِبَهُ / وَمَن يُطِع قَلبُهُ أَمرَ الهَوى يَهِمِ
ثُمَّ اِنتَحى بِوُجُوهِ الخَيلِ ساهِمَةً / بَني قُرَيظَةَ في رَجراجَةٍ حُطَمِ
خانُوا الرَّسُولَ فَجازاهُم بِما كَسَبُوا / وَفِي الخِيانَةِ مَدعاةٌ إِلى النِّقَمِ
وَسارَ يَنحُو بَني لِحيانَ فَاِعتَصَمُوا / خَوفَ الرَّدى بِالعَوالي كُلَّ مُعتَصَمِ
وَأَمَّ ذا قَرَدٍ في جَحفَلٍ لَجِبٍ / يَستَنُّ في لاحِبٍ بادٍ وَفي نَسَمِ
وَزارَ بِالجَيشِ غَزواً أَرضَ مُصطَلِقٍ / فَما اتَّقُوهُ بِغَيرِ البِيضِ في الخَدَمِ
وَفي الحُدَيبِيَةِ الصُّلحُ اِستَتَبَّ إِلى / عَشرٍ وَلَم يَجرِ فيها مِن دَمٍ هَدَمِ
وَجاءَ خَيبَرَ في جَأواءَ كَالِحَةٍ / بِالخَيلِ كَالسَّيلِ وَالأَسيافِ كَالضَّرَمِ
حَتّى إِذا اِمتَنَعَت شُمُّ الحُصونِ عَلى / مَن رامَها بَعدَ إِيغالٍ وَمُقتَحَمِ
قالَ النَّبِيُّ سَأُعطِي رايَتِي رَجُلاً / يُحِبُّنِي وَيُحِبُّ اللَّهَ ذا الكَرَمِ
ذا مرَّةٍ يَفتَحُ اللَّهُ الحُصونَ عَلَى / يَدَيهِ لَيسَ بِفَرّارٍ وَلا بَرِمِ
فَما بَدا الفَجرُ إِلّا وَالزَّعيمُ عَلى / جَيشِ القِتالِ عَلِيٌّ رافِعُ العَلَمِ
وَكانَ ذا رَمَدٍ فَاِرتَدَّ ذا بَصَرٍ / بِنَفثَةٍ أَبرَأَت عَينَيهِ مِن وَرَمِ
فَسارَ مُعتَزِماً حَتّى أَنافَ عَلى / حُصُونِ خَيبَرَ بِالمَسلُولَةِ الخُذُمِ
يَمضِي بِمُنصُلِهِ قُدماً فَيَلحَمُهُ / مَجرى الوَريدِ مِنَ الأَعناقِ وَاللِّمَمِ
حَتّى إِذا طاحَ مِنهُ التُّرسُ تاحَ لَهُ / بابٌ فَكانَ لَهُ تُرساً إِلى العَتَمِ
بابٌ أَبَت قَلبَهُ جَهداً ثَمانِيَةٌ / مِنَ الصَّحابَةِ أَهلِ الجِدِّ وَالعَزَمِ
فَلَم يَزَل صائِلاً في الحَربِ مُقتَحِماً / غَيابَةَ النَّقعِ مِثلَ الحَيدَرِ القَرِمِ
حَتّى تَبَلَّجَ فَجرُ النَّصرِ وَاِنتَشَرَت / بِهِ البَشائِرُ بَينَ السَّهلِ وَالعَلَمِ
أَبشِر بِهِ يَومَ فَتحٍ قَد أَضاءَ بِهِ / وَجهُ الزَّمانِ فَأَبدى بِشرَ مُبتَسِمِ
أَتى بِهِ جَعفَرُ الطَّيّارُ فَاِبتَهَجَت / بِعَودِهِ أَنفُسُ الأَصحابِ وَالعُزَمِ
فَكانَ يَوماً حَوى عِيدَينِ في نَسَقٍ / فَتحاً وَعَود كَرِيمٍ طاهِرِ الشِّيَمِ
وَعادَ بِالنَّصرِ مَولى الدِّينِ مُنصَرِفاً / يَؤُمُّ طَيبَةَ فِي عِزٍّ وَفِي نِعَمِ
ثُمَّ اِستَقامَ لِبَيتِ اللَّهِ مُعتَمِراً / لِنَيلِ ما فاتَهُ بِالهَديِ لِلحَرَمِ
وَسارَ زَيدٌ أَميراً نَحوَ مُؤتَةَ في / بَعثٍ فَلاقى بِها الأَعداءَ مِن كَثَمِ
فَعَبَّأَ المُسلِمُونَ الجُندَ وَاِقتَتَلُوا / قِتالَ مُنتَصِرٍ لِلحَقِّ مُنتَقِمِ
فَطاحَ زَيدٌ وَأَودى جَعفَرٌ وَقَضى / تَحتَ العَجاجَةِ عَبدُ اللَّهِ في قُدُمِ
لا عارَ بِالمَوتِ فَالشَّهمُ الجَرِيءُ يَرى / أَنَّ الرَّدى في المَعالي خَيرُ مُغتَنَمِ
وَحِينَ خاسَت قُرَيشٌ بِالعُهُودِ وَلَم / تُنصِف وَسارَت مِن الأَهواءِ في نَقَمِ
وَظاهَرَت مِن بَني بَكرٍ حَليفَتَها / عَلى خُزاعَةَ أَهلِ الصِّدقِ فِي الذِّمَمِ
قامَ النَّبِيُّ لِنَصرِ الحَقِّ مُعتَزِماً / بِجَحفَلٍ لِجُمُوعِ الشِّركِ مُختَرِمِ
تَبدُو بِهِ البِيضُ وَالقَسطالُ مُنتَشِرٌ / كَالشُّهبِ في اللَّيلِ أَو كَالنّارِ فِي الفَحَمِ
لَمعُ السُّيُوفِ وَتَصهالُ الخُيولِ بِهِ / كَالبَرقِ وَالرَّعدِ في مُغدَودِقٍ هَزِمِ
عَرمرَمٌ يَنسِفُ الأَرضَ الفَضاءَ إِذا / سَرى بِها وَيَدُكُّ الهَضبَ مِن خِيَمِ
فِيهِ الكُماةُ الَّتي ذَلَّت لِعِزَّتِها / مَعاطِسٌ لَم تُذَلَّل قَبلُ بِالخُطُمِ
مِن كُلِّ مُعتَزِمٍ بِالصَّبرِ مُحتَزِمٍ / لِلقِرنِ مُلتَزِمٍ في البَأسِ مُهتَزِمِ
طالَت بِهِم هِمَمٌ نالُوا السِّماكَ بِها / عَن قُدرَةٍ وَعُلُوُّ النَّفسِ بِالهِمَمِ
بِيضٌ أَساوِرَةٌ غُلبٌ قَساوِرَةٌ / شُكسٌ لَدى الحَربِ مِطعامونَ في الأُزُمِ
طابَت نُفُوسُهُمُ بِالمَوتِ إِذ عَلِمُوا / أَنَّ الحَياةَ الَّتي يَبغُونَ في العَدَمِ
ساسُوا الجِيادَ فَظَلَّت في أَعِنَّتِها / طَوعَ البَنانَةِ في كَرٍّ وَمُقتَحَمِ
تَكادُ تَفقَهُ لَحنَ القَولِ مِن أَدَبٍ / وَتَسبِقُ الوَحيَ وَالإِيماءَ مِن فَهَمِ
كَأَنَّ أَذنابَها في الكَرِّ أَلوِيَةٌ / عَلَى سَفِينٍ لِأَمرِ الرِّيحِ مُرتَسِمِ
مِن كُلِّ مُنجَرِدٍ يَهوي بِصاحِبِهِ / بَينَ العَجاجِ هوِيَّ الأَجدَلِ اللَّحِمِ
وَالبِيضُ تَرجُفُ في الأَغمادِ مِن ظَمَأٍ / وَالسُّمرُ تَرعدُ في الأَيمانِ مِن قَرَمِ
مِن كُلِّ مُطَّرِدٍ لَولا عَلائِقُهُ / لَسابَقَ المَوتَ نَحوَ القِرنِ مِن ضَرَمِ
كَأَنَّهُ أَرقَمٌ في رَأسِهِ حُمَةٌ / يَستَلُّ كَيدَ الأَعادي بِابنَةِ الرَّقَمِ
فَلَم يَزَل سائِراً حَتّى أَنافَ عَلى / أَرباضِ مَكّةَ بِالفُرسانِ وَالبُهَمِ
وَلَفَّهم بِخَمِيسٍ لَو يَشُدُّ عَلى / أَركانِ رَضوى لَأَضحى مائِلَ الدِّعَمِ
فَأَقبَلوا يَسأَلُونَ الصَّفحَ حِينَ رَأَوا / أَنَّ اللَّجاجَةَ مَدعاةٌ إِلى النَّدَمِ
رِيعُوا فَذَلُّوا وَلَو طاشُوا لَوَقَّرَهُم / ضَربٌ يُفَرِّقُ مِنهُم مَجمَعَ اللِّمَمِ
ذاقُوا الرَّدى جُرَعاً فَاِستَسلَمُوا جَزَعاً / لِلصُّلحِ وَالحَربُ مَرقاةٌ إِلى السَّلَمِ
وَأَقبَلَ النَّصرُ يَتلُو وَهوَ مُبتَسِمٌ / المَجدُ لِلسَّيفِ لَيسَ المَجدُ لِلقَلَمِ
يا حائِرَ اللُّبِّ هَذا الحَقُّ فَامضِ لَهُ / تَسلَم وَهَذا سَبِيلُ الرُّشدِ فَاِستَقِمِ
لا يَصرَعَنَّكَ وَهمٌ بِتَّ تَرقُبُهُ / إِنَّ التَّوَهُّمَ حَتفُ العاجِزِ الوَخِمِ
هَذا النَّبيُّ وَذاكَ الجَيشُ مُنتَشِرٌ / مِلءَ الفَضا فَاِستَبق لِلخَيرِ تَغتَنِمِ
فَالزَم حِماهُ تَجِد ما شِئتَ مِن أَرَبٍ / وَشِم نَداهُ إِذا ما البَرقُ لَم يُشَمِ
وَاحلُل رِحالَكَ وَانزِل نَحوَ سُدَّتِهِ / فَإِنَّها عصمَةٌ مِن أَوثَقِ العِصمِ
أَحيا بِهِ اللَّهُ أَمواتَ القُلوبِ كَما / أَحيا النَّباتَ بِفَيضِ الوابِلِ الرَّذِمِ
حَتّى إِذا تَمَّ أَمرُ الصُلحِ وَاِنتَظَمَت / بِهِ عُقودُ الأَماني أَيَّ مُنتَظَمِ
قامَ النَّبِيُّ بِشُكرِ اللَّهِ مُنتَصِباً / وَالشُّكرُ فِي كُلِّ حالٍ كافِلُ النِّعَمِ
وَطافَ بِالبَيتِ سبعاً فَوقَ راحِلَةٍ / قَوداءَ ناجِيَةٍ أَمضى مِنَ النَّسَمِ
فَما أَشارَ إِلى بُدٍّ بِمِحجَنِهِ / إِلّا هوَى لِيَدٍ مَغلُولَةٍ وَفَمِ
وَفِي حُنَينٍ إِذ اِرتَدَّت هَوازِنُ عَن / قَصدِ السَّبيلِ وَلَم تَرجِع إِلى الحَكَمِ
سَرى إِلَيها بِبَحرٍ مِن مُلَملَمَةٍ / طامي السّراة بِمَوجِ البِيضِ مُلتَطِمِ
حَتّى اِستَذَلَّت وَعادَت بَعدَ نَخوَتِها / تُلقي إِلى كُلِّ مَن تَلقاهُ بِالسَّلَمِ
وَيَمَّمَ الطّائِفَ الغَنّاءَ ثُمَّ مَضى / عَنها إلى أَجَلٍ في الغَيبِ مُكتَتَمِ
وَحِينَ أَوفى عَلى وادِي تَبُوكَ سَعى / إِلَيهِ ساكِنُها طَوعاً بِلا رَغَمِ
فَصالَحُوهُ وَأَدَّوا جِزيَةً وَرَضُوا / بِحُكمِهِ وَتَبيعُ الرُشد لَم يَهِمِ
أَلفى بِها عَينَ ماءٍ لا تَبِضُّ فَمُذ / دَعا لَها اِنفَجَرَت عَن سائِغٍ سَنِمِ
وَراوَدَ الغَيثَ فَاِنهَلَّت بَوادِرُهُ / بَعدَ الجُمودِ بِمُنهَلٍّ وَمُنسَجِمِ
وَأَمَّ طَيبَةَ مَسروراً بِعَودَتِهِ / يَطوي المَنازِلَ بِالوَخّادَةِ الرُّسُمِ
ثُمَّ اِستَهَلَّت وُفُودُ الناسِ قاطِبَةً / إِلى حِماهُ فَلاقَت وافِرَ الكَرَمِ
فَكانَ عامَ وُفودٍ كُلَّما اِنصَرَفَت / عِصابَةٌ أَقبَلَت أُخرى عَلى قَدَمِ
وَأَرسَلَ الرُّسلَ تَترى لِلمُلوكِ بِما / فِيهِ بَلاغٌ لِأَهلِ الذِّكرِ وَالفَهَمِ
وَأَمَّ غالِبُ أَكنافَ الكَديدِ إِلى / بَني المُلَوَّحِ فَاِستَولى عَلى النَّعَمِ
وَحِينَ خانَت جُذامٌ فَلَّ شَوكَتَها / زَيدٌ بِجَمعٍ لِرَهطِ الشِّركِ مُقتَثِمِ
وَسارَ مُنتَحِياً وادي القُرى فَمَحا / بَني فَزارَةَ أَصلَ اللُّؤمِ وَالقَزَمِ
وَأَمَّ خَيبَرَ عَبدُ اللَّهِ في نَفَرٍ / إِلى اليَسِير فَأَرداهُ بِلا أَتَمِ
وَيَمَّمَ اِبنُ أُنَيسٍ عُرضَ نَخلَةَ إِذ / طَغا اِبنُ ثَورٍ فَاصماهُ وَلَم يَخِمِ
ثُمَّ اِستَقَلَّ اِبنُ حِصنٍ فَاِحتَوَت يَدُهُ / عَلى بَني العَنبَرِ الطُّرّارِ وَالشُّجُمِ
وَسارَ عَمرو إِلى ذاتِ السَّلاسِلِ في / جَمعٍ لُهامٍ لِجَيشِ الشِّركِ مُصطَلِمِ
وَغَزوَتانِ لِعَبدِ اللَّهِ واجِدَةٌ / إِلى رِفاعَةَ وَالأُخرى إِلى إِضَمِ
وَسارَ جَمعُ اِبنِ عَوفٍ نَحوَ دَومَةَ كَي / يَفُلَّ سَورَةَ أَهلِ الزُّورِ وَالتُّهَمِ
وَأَمَّ بِالخَيلِ سيفَ البَحرِ مُعتَزِماً / أَبُو عُبَيدَةَ في صُيّابَةٍ حُشُمِ
وَسارَ عَمرو إِلى أُمِّ القُرى لِأَبي / سُفيانَ لَكِن عَدَتهُ مُهلَةُ القِسَمِ
وَأَمَّ مَديَنَ زَيدٌ فَاِستَوَت يَدُهُ / عَلى العَدُوِّ وَساقَ السَّبيَ كَالغَنَمِ
وَقامَ سالِمُ بِالعَضبِ الجُرازِ إِلى / أَبي عُفَيكٍ فَأَرداهُ وَلَم يَجِمِ
وَاِنقَضَّ لَيلاً عُمَيرٌ بِالحُسامِ عَلى / عَصماءَ حَتّى سَقاها عَلقَمَ العَدَمِ
وَسارَ بَعثٌ فَلَم يُخطِئ ثُمامَةَ إِذ / رَآهُ فَاحتازَهُ غُنماً وَلَم يُلَمِ
ذاكَ الهُمامُ الَّذي لَبّى بِمَكَّة إِذ / أَتى بِها مُعلِناً في الأَشهُرِ الحُرُمِ
وَبَعثُ عَلقَمَةَ اِستَقرى العَدُوَّ ضُحىً / فَلَم يَجِد في خِلالِ الحَيِّ مِن أَرمِ
وَرَدَّ كُرزٌ إِلى العَذراءِ مَن غَدَرُوا / يَسارَ حَتّى لَقَوا بَرحاً مِنَ الشَّجَمِ
وَسارَ بَعثُ اِبنِ زَيدٍ لِلشَّآمِ فَلَم / يَلبَث أَنِ انقَضَّ كَالبازي عَلى اليَمَمِ
فَهَذِهِ الغَزَواتُ الغُرُّ شامِلَةً / جَمعَ البُعُوثِ كَدُرٍّ لاحَ في نُظُمِ
نَظَمتُها راجِياً نَيلَ الشَّفاعَةِ مِن / خَيرِ البَرايا وَمَولى العُربِ وَالعَجَمِ
هُوَ النَّبِيُّ الَّذي لَولاهُ ما قُبِلَت / رَجاةُ آدمَ لَمّا زَلَّ في القِدَمِ
حَسبِي بِطَلعَتِهِ الغَرّاءِ مَفخَرَةً / لَمّا اِلتَقَيتُ بِهِ في عالَمِ الحُلُمِ
وَقَد حَباني عَصاهُ فَاِعتَصَمتُ بِها / في كُلِّ هَولٍ فَلم أَفزَع وَلَم أَهِمِ
فَهيَ الَّتي كانَ يَحبُو مِثلَها كَرَماً / لِمَن يَوَدُّ وَحَسبِي نسبَةً بِهِمِ
لَم أَخشَ مِن بَعدِها ما كُنتُ أَحذَرُهُ / وَكَيفَ وَهيَ الَّتي تُنجي مِنَ الغُمَمِ
كَفى بِها نِعمَةً تَعلُو بِقيمَتِها / نَفسِي وَإِن كُنتُ مَسلوباً مِنَ القِيَمِ
وَما أُبَرِّئُ نَفسي وَهيَ آمِرَةٌ / بِالسُوءِ ما لَم تَعُقها خيفَةُ النَّدَمِ
فَيا نَدامَةَ نَفسي في المَعادِ إِذا / تَعَوَّذَ المَرءُ خَوفَ النُطقِ بِالبَكمِ
لَكِنَّني وَاثِقٌ بِالعَفو مِن مَلِكٍ / يَعفُو بِرَحمَتِهِ عَن كُلِّ مُجتَرِمِ
وَسَوفَ أَبلُغُ آمالي وَإِن عَظُمَت / جَرائِمي يَومَ أَلقى صاحِبَ العَلَمِ
هُوَ الَّذي يَنعَشُ المَكرُوبَ إِذ عَلِقَت / بِهِ الرَّزايا وَيُغني كُلَّ ذي عَدَمِ
هَيهاتَ يَخذُلُ مَولاهُ وَشاعِرَهُ / في الحَشرِ وَهوَ كَريمُ النَّفسِ وَالشِّيَمِ
فَمَدحُهُ رَأسُ مالي يَومَ مُفتَقَرِي / وَحُبُّهُ عِزُّ نَفسي عِندَ مُهتَضَمِي
وَهَبتُ نَفسِي لَهُ حُبّا وَتَكرِمَة / فَهَل تَراني بَلَغتُ السُّؤلَ مِن سَلَمي
إِنِّي وَإِن مالَ بي دَهري وَبَرَّحَ بي / ضَيمٌ أَشاطَ عَلى جَمرِ النَّوى أَدَمي
لثابِتُ العَهدِ لَم يَحلُل قُوى أَمَلِي / يَأسٌ وَلَم تَخطُ بِي في سَلوَةٍ قَدَمي
لَم يَترُكِ الدَّهرُ لي ما أَستَعِينُ بِهِ / عَلى التَّجَمُّلِ إِلّا ساعِدي وَفَمِي
هَذا يُحَبِّرُ مَدحي في الرَّسولِ وَذا / يَتلُو عَلى الناسِ ما أُوحيهِ مِن كَلِمِي
يا سَيِّدَ الكَونِ عَفواً إِن أَثِمتُ فَلي / بِحُبِّكُم صِلَةٌ تُغنِي عَنِ الرَّحِمِ
كَفى بِسَلمانَ لِي فَخراً إِذا انتَسَبَت / نَفسي لَكُم مِثلَهُ في زُمرَةِ الحَشَمِ
وَحسنُ ظَنِّي بِكُم إِن مُتُّ يَكلَؤُني / مِن هَولِ ما أَتَّقي فِي ظُلمَةِ الرَّجَمِ
تَاللَّهِ ما عاقَني عَن حَيِّكُم شَجَنٌ / لَكِنَّنِي مُوثَقٌ في رِبقَةِ السَّلَمِ
فَهَل إِلى زَورَةٍ يَحيا الفُؤادُ بِها / ذَرِيعَةٌ أَبتَغيها قَبلَ مُختَرَمِي
شَكَوتُ بَثِّي إِلى رَبِّي لِيُنصِفَني / مِن كُلِّ باغٍ عَتِيدِ الجَورِ أَوهكمِ
وَكَيفَ أَرهَبُ حَيفا وَهوَ مُنتَقِمٌ / يَهابُهُ كُلُّ جَبّارٍ وَمُنتَقِمِ
لا غَروَ إِن نِلتُ ما أَمَّلتُ مِنهُ فَقَد / أَنزَلتُ مُعظَمَ آمالي بِذي كَرَمِ
يا مالِكَ المُلكِ هَب لِي مِنكَ مَغفِرَةً / تَمحُو ذُنُوبي غَداةَ الخَوفِ وَالنَّدَمِ
وَاِمنُن عَلَيَّ بِلُطفٍ مِنكَ يَعصِمُني / زَيغَ النُّهى يَومَ أَخذِ المَوتِ بِالكَظَمِ
لَم أَدعُ غَيرَكَ فِيما نابَني فَقِني / شَرَّ العَواقِبِ وَاِحفَظنِي مِنَ التُّهَمِ
حاشا لِراجيكَ أَن يَخشى العِثارَ وَما / بَعدَ الرَّجاءِ سِوى التَّوفيقِ لِلسَّلَمِ
وَكَيفَ أَخشى ضَلالاً بَعدَما سَلَكَت / نَفسِي بِنُورِ الهُدى في مَسلَكٍ قِيَمِ
وَلِي بِحُبِّ رَسُولِ اللَّهِ مَنزِلَةٌ / أَرجُو بِها الصَّفحَ يَومَ الدِّينِ عَن جُرُمِي
لا أَدَّعي عِصمَةً لَكِن يَدِي عَلِقَت / بِسَيِّدٍ مَن يَرِد مَرعاتَهُ يَسُمِ
خَدَمتُهُ بِمَديحي فَاِعتَلَوتُ عَلى / هامِ السِّماكِ وَصارَ السَّعدُ مِن خَدَمِي
وَكَيفَ أَرهَبُ ضَيماً بَعدَ خِدمَتِهِ / وَخادِمُ السَّادَةِ الأَجوادِ لَم يُضَمِ
أَم كَيفَ يَخذُلُنِي مِن بَعدِ تَسمِيَتِي / بِاسمٍ لَهُ في سَماءِ العَرشِ مُحتَرَمِ
أَبكانِيَ الدَّهرُ حَتّى إِذ لَجِئتُ بِهِ / حَنا عَلَيَّ وَأَبدى ثَغرَ مُبتَسِمِ
فَهوَ الَّذي يَمنَحُ العافِينَ ما سَأَلُوا / فَضلاً وَيَشفَعُ يَومَ الدِّينِ في الأُمَمِ
نُورٌ لِمُقتَبِسٍ ذُخرٌ لِمُلتَمِسٍ / حِرزٌ لِمُبتَئِسٍ كَهفٌ لِمُعتَصِمِ
بَثَّ الرَّدى وَالنَّدى شَطرَينِ فَاِنبَعَثا / فِيمَن غَوى وَهَدى بِالبُؤسِ وَالنِّعَمِ
فَالكُفرُ مِن بَأسِهِ المَشهورِ في حَرَبٍ / وَالدِّينُ مِن عَدلِهِ المَأثُورِ في حَرَمِ
هَذا ثَنائِي وَإِن قَصَّرتُ فيهِ فَلي / عُذرٌ وَأَينَ السُّها مِن كَفِّ مُستَلِمِ
هَيهاتَ أَبلُغُ بِالأَشعارِ مدَحتَهُ / وَإِن سَلَكتُ سَبيلَ القالَةِ القُدُمِ
ماذا عَسى أَن يَقُولَ المادِحُونَ وَقَد / أَثنى عَلَيهِ بِفَضلٍ مُنزلُ الكَلِمِ
فَهاكَها يا رَسُولَ اللَّهِ زاهِرَةً / تُهدِي إِلى النَّفسِ رَيّا الآسِ وَالبَرَمِ
وَسمتُها بِاسمِكَ العَالي فَأَلبَسنَها / ثَوباً مِنَ الفَخرِ لا يَبلى عَلى القِدَمِ
غَرِيبَةٌ في إِسارِ البَينِ لَو أَنِسَت / بِنَظرَةٍ مِنكَ لاستغنَت عَنِ النَّسَمِ
لَم أَلتَزِم نَظمَ حَبّاتِ البَديعِ بِها / إِذ كانَ صَوغُ المَعانِي الغُرِّ مُلتَزمِي
وَإِنَّما هِيَ أَبياتٌ رَجَوتُ بِها / نَيلَ المُنى يَومَ تَحيا بَذَّةُ الرِّمَمِ
نَثَرتُ فِيها فَرِيدَ المَدحِ فَاِنتَظَمَت / أَحسِن بِمُنتَثِرٍ مِنها وَمُنتَظِمِ
صَدَّرتُها بِنَسِيبٍ شَفَّ باطِنُهُ / عَن عِفَّةٍ لَم يَشِنها قَولُ مُتَّهِمِ
لَم أَتَّخِذهُ جُزافاً بَل سَلَكتُ بِهِ / فِي القَولِ مَسلَكَ أَقوامٍ ذَوي قَدَمِ
تابَعتُ كَعباً وَحَسّاناً وَلِي بِهِما / في القَولِ أُسوَةُ بَرٍّ غَيرِ مُتَّهَمِ
وَالشِّعرُ مَعرَضُ أَلبابٍ يُروجُ بِهِ / ما نَمَّقَتهُ يَدُ الآدابِ وَالحِكَمِ
فَلا يَلُمنِي عَلى التَّشبِيبِ ذُو عَنَتٍ / فَبُلبُلُ الرَّوضِ مَطبُوعٌ عَلَى النَّغَمِ
وَلَيسَ لِي رَوضَةٌ أَلهُو بِزَهرَتِها / في مَعرَضِ القَولِ إِلّا رَوضَةُ الحَرَمِ
فَهيَ الَّتِي تَيَّمَت قَلبي وَهِمتُ بِها / وَجداً وَإِن كُنتُ عَفَّ النَّفسِ لَم أَهِمِ
مَعاهِدٌ نَقَشَت في وَجنَتيَّ لَها / أَيدِي الهَوى أَسطُراً مِن عَبرَتِي بِدَمِ
يا حادِيَ العِيسِ إِن بَلَّغتَني أَمَلي / مِن قَصدِهِ فَاِقتَرِح ما شِئتَ وَاِحتَكِمِ
سِر بِالمَطايا وَلا تَرفَق فَلَيسَ فَتىً / أَولى بِهَذا ا?